نتائج البحث عن (أُخْبِرْنَا)

1-المعجم الوسيط (نَعَى)

[نَعَى] فلانًا -َ نَعْيًا، ونَعِيًّا: أَذاع خبر موته.

ويقال: نعاه لنا ونعاه إلينا: أَخبرنا بموته.

ونعانَا بموت فلان.

وهو يَنْعَى على فلان كذا: يعيبه عليه ويُشَهِّر به.

وفلانٌ يَنْعَى على نفسه بالفواحِش: يشْهَرُ نفسَهُ بتعاطيها.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


2-شمس العلوم (قَضَيَ يَقْضِي)

الكلمة: قَضَيَ يَقْضِي. الجذر: قضي. الوزن: فَعَلَ/يَفْعِلُ.

[قَضَى]: القضاء الحكم، يقال: قضى عليه بالشيء، والقاضي الحاكم.

قال الله تعالى: [يقضون] {يَقْضِي بِالْحَقِ}.

وقضى الشيءَ: أي أحكم صنعه، قال الله تعالى: {فَقَضاهُنَ سَبْعَ سَماواتٍ}، قال أبو ذؤيب:

وعليهما مسرودتان قضاهما *** داود أو صَنَع السوابغَ تُبَّع

{وفي حديث ابن مسعود: لأن أعضَّ على جمرٍ حتى يبردَ أحبُّ إليّ من أن أقول لأمر قضاه الله ليته لم يكن.

قيل: أراد: المصائب في النفس والأهل والمال وما يؤجر عليه العبد، لأنه إذا تمنّى أنها لم تكن كان ساخطا لقضاء الله، فأما في سائر الأشياء فلا بأس به كما حكى الله تعالى عن مريم {لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا}.

ويقال:} ضربه فقضى عليه: أي قتله، قال الله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ}.

وقضى الله تعالى عليه الموتَ، قال عز وجل: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}.

{قرأ حمزة والكسائي والأعمش بضم القاف ورفع «الموتُ» والباقون بالفتح والنصب}.

وقضى نحبه: أي مات، قال الله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ} أي مات على ما عاهد الله عليه.

والقضاء: الأمر، قال الله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}.

وقضى حاجته: أي نالها، قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَرًا زَوَّجْناكَها}.

والقضاء: الإخبار والإعلام، قال الله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ} الآية: أي أخبرنا.

{وقال تعالى: {وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ} أي أنهينا، ومنه قوله تعالى: {ثُمَ اقْضُوا إِلَيَ} قال الأخفش والكسائي: هو مثل قضينا إليه ذلك أي: أنهيناه وأبلغناه إياه.

وعن ابن عباس: {اقْضُوا إِلَيَ}: أي امضوا ولا تؤخروا.

وقيل: معناه: اقضوا ما أنتم قاضون.

وقوله تعالى: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: أي لقضي إليهم أجلهم فأهلكهم.

قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح القاف ونصب اللام، والباقون بضم القاف ورفع اللام}.

وقضاء الدين: توفيره على صاحبه.

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


3-تقويم اللسان (العرب تقول هو الأسكف للذي تسميه العامة الإسكاف والإسكاف عند العرب كل صانع لا من يعمل الخفاف اشتكى فلان عينه اشتكت عينه)

أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا أبو محمد بن السَّراج قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري، قال: أخبرنا أبو عمر ابن حَيَّوَيه، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن عبد الواحد، صاحب ثعلب: قال: أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: "العرب تقول هو الأسكف، للذي تسميه العامة: الإسكَاف"، قال: "والإسكاف عند العرب: كل صانع، لا من يعمل الخِفاف" وتقول: "اشتكى فلانُ عينَه".

والعامة تقول: "اشتكت عينُه" وهو غلط، لأنه هو المشتكي، لا العين.

تقويم اللسان-جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي-توفي 597هـ/1201م


4-معجم ما استعجم (دير الأبلق)

دير الأبلق: قال أبو الفرج: أخبرنا أبو الحسن الأسدىّ والعتكىّ، قالا: (نا) الرّياشىّ: أن حارثة بن بدر كان بكوارا يتنزّه، فنزل ديرا يقال له الأبلق، فاستطابه وأقام فيه، ثم جلس من غد، ودخل إليه جماعة من جيشه، فتحدّثوا طويلا، ثم أنشأ حارثة يقول:

«ألم تر أنّ حارثة بن بدر *** أقام بدير أبلق من كوارا»

ثم قال لمن حضر من أصحابه: من أجاز هذا البيت فله حكمه. فقال رجل منهم:

أنا أجيزه، على أن تجعل لى الأمان من غضبك، وتجعلنى رسولك إلى البصرة.

قال: ذلك لك. فقال الرجل:

«مقيما يشرب الصّهباء صرفا *** إذا ما قلت تصرعه استدارا»

فقال له حارثة: لك شرطك؛ ولو كنت قلت لنا ما يسرّنا لسررناك.

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


5-معجم ما استعجم (دير سمعان)

دير سمعان: هو بنواحى دمشق، حواليه قصور وبساتين لبنى أمية. وهناك قبر عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ قال راثيه:

«قد قلت إذ ضمّنوك التّرب وانصرفوا *** لا يبعدنّ قوام العدل والدّين»

«قد غيّبوا فى ضريح القبر منجدلا *** بدير سمعان قطاس الموازين»

«من لم يكن همّه عينا يفجّرها *** ولا النخيل ولا ركض البراذين»

وكان عمر اشترى موضع قبر من دير سمعان، وكان مرض هناك؛ حدثنى إسحاق

ابن بيان الأنماطى، قال أخبرنا أبو منصور الرّمّادى، قال حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا بن وهب، قال: حدثنى أبو عبد الملك الصّدفىّ:

أن معاوية بن الرّيان حدثهم: أن الشّمّاس صاحب دير سمعان دخل على عمر فى مرضه، بفاكهة يستلطفه بها، فقبلها منه، وأمر له بدارهم، فأبى أن يقبلها، فما زال به حتى أخذها، وقال: يا أمير المؤمنين، إنما هى من ثمر شجرنا؛ قال عمر: وإن كان. ثم قال له عمر إنى من مرضى هذا ميت، فحزن الشّمّاس وبكى. قال: فيعنى موضع قبر من أرضك؛ ففعل.

وقال الزّبير: كان معاوية وجّه يزيد ابنه لغزو الروم، فأقام يزيد بدير سمعان، ووجّه الجيوش؛ وتلك غزوة الطّوانة، فأصابهم الوباء؛ فقال يزيد ابن معاوية:

«أهون علىّ بما لاقت جموعهم *** يوم الطّوانة من حمّى ومن موم»

«إذا اتّكأت على الأنماط مرتفقا *** بدير سمعان عندى أمّ كلثوم»

قال: فبلغ شعره معاوية، فكتب إليه:

«أقسم بالله لتلحقنّ بهم، حتى يصيبك ما أصابهم». فألحقه بهم.

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


6-معجم ما استعجم (قدوم)

قدوم: بفتح أوّله، على وزن فعول: ثنيّة بالسّراة، وهو بلد دوس.

وفى حديث الطفيل بن عمر الدّوسى ذى النور: فلمّا أوفيت من قدوم سطع من كداء نور.

وانظره فى رسم المخيّم. والمحدّثون يقولون قدّوم، بتشديد ثانيه.

وفى الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: واختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدّوم. ورواه أبو الزناد: بالقدوم، مخفّفا، وهو قول أكثر اللغويّين. وقال محمّد بن جعفر اللّغوىّ: قدّوم: موضع، معرفة، لا تدخل عليه الألف واللام. هكذا ذكره بالتشديد. قال: ومن روى فى حديث إبراهيم اختتن بالقدوم مخفّفا، فإنما يعنى الذي ينجر به. وروى البخارىّ فى كتاب الجهاد، فى باب «الكافر يقتل المسلم ثم يسلم»، من طريق عمرو بن يحيى، قال: أخبرنا جدّى أن أبان بن سعيد أقبل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر، بعد ما افتتحوها، فقال: يا رسول الله أسهم لى. فقال له أبو هريرة لا تسهم له يا رسول الله، هذا قاتل ابن قوقل. فقال أبان لأبى هريرة:

وا عجبا لوبر تدلّى علينا من قدوم ضأن، ينعى علىّ قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدىّ، ولم يهنّى على يديه. وخرّجه البخارىّ أيضا فى غزوة خيبر.

هكذا رواه الناس عن البخارىّ: قدوم ضأن، بالنون، إلّا الهمدانى، فإنّه رواه من قدوم ضال، باللام، وهو الصواب إن شاء الله. والضال:

السّدر البرّى. وأمّا إضافة هذه الئنيّة إلى الضأن فلا أعلم لها معنى.

معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع-أبو عبيد عبدالله بن عبدالعزيز بن محمد البكري الأندلسي-توفي 487هـ/1094م


7-جمهرة اللغة (نحنح)

(ح-ن-ح-ن) من معكوسه؛ النَّحْنَحَة: عربية صحيحة.

أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال: خُوطِرَ رجل من الأعراب أن يشرب علبة لبن حليب ولا يتنحنح، فلمّا شرب بعضها جهده فقال: كَبْش أمْلَحُّ، وشدَّد الحاء، فقالوا: تَنَحْنَحْتَ.

فقال: من تَنَحْنَحْ فلا أفلَحْ.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


8-جمهرة اللغة (شرشر)

ومن معكوسه الشِّرْشِر، وهو نبت.

والشُّرْشُور: طائر.

والشَّرْشَرَة: أن يَحُكَّ سكينًا على حجر حتى يَخْشُن حدُّها، وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال أعرابي لابنه: أريد أن أخْتُنَك.

قال: وما الخِتان? قال: سُنَة العرب.

قال: فأخذ شفرةً فشَرْشَرَها على صخرة ثم أنحى على غُلْفتي فقلت: أسْحِت أسْحِت، أي استأصِل.

ويقال: ألقى فلان على فلان شَراشِرَه.

إذا حماه وحفظه؛ وألقى عليه شَراشِرَه، إذا ألقى عليه ثِقَله.

قال الشاعر:

«إذا ما الدَّهرُ جَرَّ على أناسٍ*** شَراشِرَهُ أناخ بآخَـرِينـا»

«فقلْ للشّامتِين بنا أفـيقـوا*** سيَلْقَى الشّامِتون كما لَقِينا»

وقد سمَّت العرب شَرْشَرَة وشراشِرًا وشَرْشارًا.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


9-جمهرة اللغة (ثرو ثور رثو روث وثر ورث)

الثَّروة: اليسار.

وربما سُمَّي العلا ثَرْوة يقال: فلان في ثَرْوة من قومه، أي في عدد.

واشتقاق اسم ثَرْوان من المال أو من العدد.

والثَّور: ذكر البقر الوحشية والأهلية.

والثَّور: ثور الحَصْبة ثارت الحصبةُ تثور ثَوْرًا وثَوَرانًا.

وثار الجراد ثَوَرانًَا وثَوْرًا، وثار الماءُ ثَوْرًا، وثار الغبارُ أو غيره كذلك.

ويقال: مررتُ بالأرنب فاستثرتُها.

قال أبو الطَّمَحان:

«إذا كان في صدر ابن عمك إحْنَةٌ*** فلا تَسْتَثِرْها سوف يبدو دفينُهـا»

ويقال: ثاور فلان فلانًا، إذا واثبه.

وثوَّر فلان علينا شَرًا، إذا أظهره وهيَّجه.

وأثرتُ الأرضَ إثارةً.

وجمع الثَّور من البقر ثيران وأثوار وثيَرَة، وقالوا: ثِيْرَة، وهو الكلام الأعلى.

قال الشاعر:

«فظَّل يأكل منها وهي راتـعةٌ*** صَدْرَ النهار تراعي ثِيْرَةً رُتُعا»

والتور: القطعة العظيمة من الأقِط، والجمع أتوار وثوَرَة، ولا أدريَ ما صحّته، إلا أنهم قالوا: جاءنا بثِوَرة ضخام، أي قطع عظيمة من الأَقِط.

فأما قولهم: " كالثور يُضرب لمّا عافت البقر" فقد أكثروا في تفسيره، وليس هذا موضعه.

والثور: جبل معروف، يسمَّى ثَوْرَ أَطحَلَ، قريب من مكّة.

وبنو ثوْر: بطن من الرباب، منهم سفيان الثوري.

ويقال: أثار الثورُ الترابَ، إذا بحثه بقوائمه.

قال الأصمعي: أخبرنا أبو عمرو بن العلاء أنه سمع رؤبة يقول إن أباه كان يعجبه هذا البيت لامرئ القيس:

«يُثير ويُذْري تُرْبَها ويُهِيلُـهُ*** إثارةَ نَبّاثِ الهواجر مُخْمِسٍ»

نبّاث الهواجر: الرجل يشتدّ عليه الحَرُّ فيُثير التراب ليصل إلى بَرده، وكذلك يصنع الثور في شدة الحَرّ.

والرَّثْوُ: رثو اللبن، وهي الرَّثيئة، مهموز، وهو ما خَثُر فوق اللبن.

وستراها في باب الهمز إن شاء اللّه.

والرَّوْث: معروف راثَ الفرس وغيره من ذي الحافر يَروث رَوثًا.

والمَراث: موضع خروج الرَّوْث.

قال أبو حاتم: قياسًا.

والوَثْر: أصل بناء الوَثير، وهو الكثيف من كل شيء فراش وثير، والمصدر الوَثارة.

وإذا استقرّ ماء الفحل في رَحِم الناقة سُمَي حينئذ وَثْرًا.

وبنو الوِرْثة: بطن من العرب ينسبون إلى أمّهم.

والوِرْثَة: لغة في ورّثتُ النار وأرَّثتها، إذا حرَّكت جمْرَها لتشتعل.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


10-جمهرة اللغة (جقن جنق قجن قنج نجق نقج)

استُعمل منها المَنْجَنيق، واختلف أهل اللغة فيه فقال قوم: الميم زائدة، وقال قوم: بل هي أصلية.

وأخبرَنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة، وأحسب أن أبا عثمان أيضًا أخبرنا به عن التَّوَّزيّ عن أبي عُبيدة قال: سألت أعرابيًا عن حروب كانت بينهم فقال: كانت بيننا حروب عُون، تُفْقَأ فيها العيون، مرَّة نُجْنَق وأُخرى نُرْشَق.

فقوله نُجنق دالّ على أن الميم زائدة، ولو كانت أصلية لقال: نُمَجْنَق على أن المَنْجَنيق أعجميّ معرَّب.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


11-جمهرة اللغة (دصق دقص صدق صقد قدص قصد)

الصِّدق: ضدّ الكذب؛ صَدَقَ يصدُق صِدْقًا.

وصديق الرجل: الذي يصادقه المودّة.

والصّادق والصّدوق واحد.

وهذا مِصْداق الأمر، أي حقيقته.

والصَّدْق: الصُّلب من كل شيء؛ رمح صَدْقٌ، إذا كان صلبًا.

والصِّداق: صِداق المرأة، وربما فُتح فقيل: صَداق المرأة، والجمع صُدُق.

وصَدُقَة المرأة، والجمع صَدُقات وصُدْقات وصُدُقات.

وقد جمعوا صَديقًا أصادق على غير قياس، إلا أن يكون جمع الجمع، فأما جمع الواحد فلا.

ويقال: فلان لي صديق والقوم لي صديق، الواحد والجمع فيه سواء في بعض اللغات.

أخبرنا أبو عثمان عن التَّوَّزي قال: كان رؤبة يقعد بعد صلاة الجمعة في رَحْبَة بني تميم فينشد ويجتمع الناس إليه فازدحموا يومًا فضيّقوا الطريق فأقبلت عجوز معها شيء تحمله فقال رؤبة:

«تنَحَّ للعجوز عن طريقها *** قد أقبلتْ رائحةً من سُوقِها»

«دَعْها فما النحويُّ من صَديقِها»

أي من أصدقائها، وقد جمعوا صديقًا على القياس: أصدقاء، وجمعوه على غير القياس: أصادِق.

والصِّدِّيق: فِعِّيل من الصِّدق.

ويقال: فلان صادق الحملة، إذا حمل فلم يَنْكُل ولم يرجع.

وتمر صادق الحلاوة، إذا اشتدّت حلاوته.

وصدَّق الوحشيُّ، إذا حملت عليه فعدا ولم يلتفت.

وقَصَدَ الرجلُ الأمرَ يقصِده قَصْدًا، إذا أمَّه.

والقَصْد: الاستواء فيما زعموا؛ طريق قاصد.

ورماه بسهم فأقصده، إذا أصاب قلبَه، وقلب مُقْصَد.

والقَصيد: المُخّ الغليظ.

والقِصْدَة: القطعة، والجمع قِصَد؛ تقصّد الشيء، إذا تقطّع.

والقصيد من الشعر أُخذ من القصد لتوالي الكلام وصحّة وزنه.

ويقال لكل ما تكسّر من أغصان الشجر والزرع والقنا: قِصَد.

قال الشاعر:

«ترى قِصَدَ المُرّان فيه كأنّـهـا***تذرُّعُ خُرْصانٍ بأيدي الشّواطبِ»

والقَصَد: الذي يسمّى العوْسَج، لغة يمانية.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


12-جمهرة اللغة (دغف دفغ غدف غفد فدغ فغد)

الدّغْف: الأخذ الكثير؛ دَغَفَ الشيءَ يدغَفه دَغْفًا.

والغَدْف من قولهم: أغدف قِناعَه، إذا أسبله على وجهه.

وفي الحديث: (كالوَصَع حين يُغْدَفُ عليه أو به).

قال الشاعر:

«إنْ تُغْدِفي دوني القِناعَ فإنني***طَبٌّ بأخذ الفارس المستلئمِ»

ومن هذا أصل بناء الغُداف لسُبوغ ريشه.

وأغدفَ الليلُ، إذا غطّى كلَّ شيء بظلمته.

وأغدفَ البحرُ، إذا اعتكرت أمواجُه.

والغادِف: الملاّح؛ لغة يمانية.

والمِغْدَفَة والغادوف: المِجْداف بلغتهم.

قال أبو بكر: المِجذاف، بالذال معجمة.

وأنشدنا أبو حاتم قال: أنشدنا الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء:

«تكاد إنْ حُرِّك مِجذافُها***تَنْسَلُّ من مَثْناتِها باليدِ»

يريد بالمِجذاف هاهنا السّوط.

والدّفْغ: حُطام الذُّرة ونُسافتها.

قال الراجز:

«دُونَكِ بَوْغاءَ رِياغِ الرّفْعِ*** فأصفِغيه فاكِ أيَّ صَفْغِ»

«ذلك خيرٌ من حُطام الدّفْغِ *** وأن تَرَيْ كَفَّكِ ذاتَ نَفْغِ»

«تَشْفينَها بالنّفْثِ أو بالمَرْغِ»

البوغاء: التراب المدقَّق، وهو الرِّياغ بعينه؛ والرَّفْغ: ألأم موضع في الوادي وشرُّه، بالفتح، أخبرنا بذلك أبو حاتم عن أبي زيد عن العرب من أهل اليمن؛ وقوله: فأصفِغيه، أي أقْمَحِيه، يقال: صَفَغَ الشيءَ وأصفغتُه أنا إيّاه، إذا قمِحه؛ والنَّفْغ: الآثار التي تظهر في الكفّ من العمل.

وفَدَغْتُ الشيءَ أفدَغه فَدْغًا، إذا شدختَه.

وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إذًا تَفْدَغَ قريشٌ رأسي).

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


13-جمهرة اللغة (رصع رعص صرع صعر عرص عصر)

الرَّصع: الضرب باليد.

والرصائع: حِلية السيف إذا كانت مستديرة، الواحدة رصيعة، وكل حلقة في حِلية سيف أو سَرج أو غير ذلك مستديرةٍ فهي رَصيعة.

قال الشاعر:

«ضربناهمُ حتى إذا اربَثّ جمعُهم***وصار الرَّصيعُ نُهْيَةً للحمـائل»

يقول: انكبْوا على وجوههم فصارت أجفان السيوف في موضع الحمائل، وقوله: اربثّ: تفرق، والنُّهية: الغاية، وكل شيء انتهيت إليه فهو نُهْيَة.

والرَّصَع مثل الرَّسَح سواء، رجل أرْصَعُ وامرأة رَصْعاءُ، وهو خفة المؤخَّر.

قال جرير:

«ورَصعاءَ هِزّانيةٍ يخْلَقُ ابنُهـا***لئيمًا إذا ما جُنَّ في اللحم والدم»

والرَّصْع: فراخ النحل، الواحدة رَصعَة، بسكون الصاد.

والرصع: الطعن الشديد، يقال: رَصَعَه بالرمح وأرصعه، وهو شدّة الطعن.

قال الراجز:

«وَخْزًا إلى النِّصف وطعنًا أرصعا*** وفوقَ أغياب الكُلَى وكَسَّعا»

والرَّعْص: الضرب، من قولهم: رَعَصَه، إذا ضربه، وضربه حتى ارتعص، أي التوى من شدّة الضرب.

وارتعصتِ الحيّةُ، إذا التوَت.

قال الراجز:

«إلاّ ارتعاصًا كارتعاص الحَيَّهْ *** على شرا سيفي ومَنْكِبَيَّهْ»

وارتعص الجديُ، إذا طفر نشاطًا، وأحسب أن هذا مقلوب عن اعترص الفرسُ وارتعص، وهما واحد.

وارتعصَ الرمحُ ارتعاصًا، إذا اشتدّ اهتزازُه.

قال أوس بن حجر:

«أصَـمَّ رُدَينـيُّا كـأنّ كـعـوبَـه***نَوَى القَسْبِ عَرّاصا مُزَجًّا مُنَصَّلا»

والرعْص شبيه بالنَّفض من قولهم: رَعَصتِ الريحُ الشجرةَ، إذا نفضت أغصانَها.

والصَّعَر: داء يصيب الإبل فتلتوي منه أعناقُها، وبه سُمّي المتكبر أصعر.

وتصاعرَ الرجل وتصعَّر، إذا لوى خَدَّه من الكِبرَ.

وذكر أبو عبيدة أن من هذا قوله عزّ وجل: {ولا تصَغرْ خدَّك للناس}.

وقد سمّت العرب أصْعَر وصُعَيْرًا وصعْران.

وصعَير بن كلاب: أحد فرسان العرب المذكورين.

قال مهلهل:

«عجِبَتْ أبناؤنا من فِـعْـلِـنـا***إذ نبيعُ الخيلَ بالمِعْزَى اللِّجابِ»

«عَلِمـوا أنّ لـدينـا عُـقْـبَةً***غيرَ ما قال صُعَيْرُ بنُ كِلابِ»

اللَّجاب: واحدها لَجْبَة، بسكون الجيم، وهي التي قد ارتفع لبنُها، وإنما سكّنوا في الجمع لَجبات لأنها صفة.

والمِعْزَى لا واحد لها من لفظها، ومَعْز، بسكون العين: جمع ماعِز مثل صاحب وصَحْب.

ويقال أيضًا: اللجاب من قولهم عَنْزٌ لَجْبَة: قريبة العهد بالنتاج.

وهذه الكلمة لصُعير بن كِلاب لما جاءهم مهلهل يسألهم مرعًى وهم في المهادنة التي كانت بينهم فقال صُعير: "واللهّ لا نُرْعيهم حتى يبيعوا المُهَرْة الشَّوْهاء بالعنز اللَّجْبَة، الشوْهاء من كل شيء: القبيحة إلا من الخيل فإنها الحسنة منها، وقالوا: هي الواسعة الأشداق، فقال مهلهل حيئنذٍ هذه الأبيات.

والصُّعْرور: صَمْغ شجرٍ يستطيل ويلتوي، والجمع صَعارير.

قال الشاعر:

«إذا أوْرَق العَوْفي جاع عِـيالُـه***ولم يجدوا إلا الصَّعاريرَ مَطْعَما»

ويقال: ضربه فاصعنرر، أي التوى من الوجع، وتسمى دحروجة الجعل صعرورةً، وليس بثبت قال الراجز:

«يَبْعرْنَ مثل الفلْفُل المُصَعْرَرِ»

والصَّرْع: مصدر صرعتُ الرجلَ أصرَعه صَرْعًا، فهو صريع ومصروع.

ورجل صِرِّيع، إذا كان حاذقًا بالصِّراع.

ورجل صُرَعَة، إذا كان كذلك، بفتح الراء، فإذا قلت: رجل صُرْعَة، فهو الذي يصرعه كلّ من صارعه.

والمَصاريع: الأبواب، واحدها مِصراع، ولا يكون الباب مِصراعًا حتى يكون اثنين، ومن ذلك قيل: مِصْراع الشعر، لأنه نصف بيت فشُبِّه مِصْراع الباب به.

والصرعان، بكسر الصاد وفتحها: الغَداة والعَشِي.

تقول: ما أراه الصِّرْعَيْن، أي غدوَةً وعَشِيّةً.

والعَرَص من قولهم: عرِصَ البرق يعرَص عَرَصًا وعَرْصًا، وارتعص ارتعاصًا، وهو اضطرابه في السحاب فالبرق عرّاص، وربما سُمي السحاب عراصًا لاضطراب البرق فيه.

وعَرْصَة الدار: ما لا بناءَ فيه، والجمع عَرَصات وعِراص.

والعَرْص: خشبه توضع في وسط سقف البيت ويوضع عليها أطراف الخشب.

والعَرَص: النشاط.

ولحم معرَّص: لم يستحكم نضجُه.

والعَصْر: الدَّهر.

والعَصَر: الملجأ، وهو المعتصَر أيضًا.

قال الشاعر:

«وصاحبي وَهْوَة مستوهِل زَعِـل***يحول بين حمار الوحش والعَصَرِ»

وكل ما التجأت إليه من شيء فهو عَصَر ومعتصَر وعُصْرَة.

قال عديّ بن زيد:

«لو بغير الماء حلـقـي شَـرِق***كنتُ كالغَصّان بالماء اعتصاري»

وبنو عَصَر: بطن من العرب من عبد القيس.

وذكر أبو عبيدة أن قوله تعالى: {فيه يُغاثُ الناسُ وفيه يَعْصِرون}، قال: ينجون من الجَدب.

وعصارة كل شيء: ما سال منه إذا عُصر، وليست العُصارة بالثَّجير كما تقول العامّة.

قال الشاعر:

«والعودُ يُعصر مـاؤه***ولكل عيدانٍ عُصَارهْ»

ووصف بعض العرب رجلًا فقال: والله ما كان لَدْنًا فيُعتصر ولا كان هَشًّا فيُكتسر.

والعَصْران: الغداة والعَشِيّ.

وجارية مُعْصِرة ومُعْصِر أيضًا، والجمع مَعاصر، وهي التي قد جاوزت حدَّ الكاعب، والجمع أيضًا مُعْصِرات.

قال الراجز:

«جاريةٌ بسَـفَـوانَ دارُهـا*** تمشي الهُوَيْنا مائلًا خِمارُها»

«مُعْصِرة أو قد دنا إعصارها»

وقال الآخر:

«قل لأمير المؤمنين الواهبِ *** أوانسًا كالرَّبْرَبِ الربائبِ»

«من ناهدٍ ومُعْصِر وكاعبِ»

والمُعْصِرات: السحاب لأن الناس ينجون بسببها من الجَدْب، ومنه قوله تعالى: {وأنزلْنا من المُعْصِرات ماءً ثَجّاجًا} هكذا يقول أبو عُبيدة، والله أعلم.

والإعصار: غبار يثور من الأرض فيتصاعد في السماء، والجمع أعاصير، هكذا فسر قوله تعالى: {فأصابها إعصار فيه نار فاحترقتْ، هكذا يقول أبو عُبيدة، والله أعلم.

وعوصَرَة: اسم الواو فيه زائدة، وهو من العصر.

وسُمّيت صلاة العصر لأنها تصلى في أحد العصرين، وهو آخر النهار.

وقالوا: صلاة العَصْر وصلاة العَصَر.

أخبرنا أبو عثمان الأشنانْداني قال: سمعت الأخفش يقول: كنت عند الخليل فسأله رجل عن حد الليل فقال: من نُدْأة الشَّفَق إلى نُدْأة الفجر.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


14-جمهرة اللغة (رظت رتظ ظرت ظتر ترظ تظر)

استعمل منها ظَرْف كل شيء: ما جُعل فيه، والجمع ظُروف.

ورجل ظَريف بَيِّن الظَّرْف والظَّرافة من قوم ظُرَفاء، والفعل منه ظَرُفَ يظرُف.

سئل أبو بكر عن الظَّريف ما معناه فقال: قال قوم: الظَّريف الحَسَن العبارة المتلافي حُجّته، وقال آخرون: بل الظَّريف الحَسَن الهيئة.

وأهل اليمن يسمّون الحاذق بالشيء ظَريفًا.

والظُّفر: ظُفر الإنسان، والجمع أظفار، ولا يقال: ظِفْر، وإن كانت العامّة قد أولعت به، ويجمع أظفار على أظافير، وقال قوم: بل أظافير جمع أُظْفُور، والظّفْر والأظْفور سواء.

أنشدَنا أبو حاتم قال: أنشدتني أمّ الهيثم واسمها غَيْثَة من بني نُمير بن عامر بن صَعْصَعَة:

«ما بين لُقمته الأولى إذا انحدرتْ***وبين أخرى تليها قِيسُ أُظْفورِ»

وظفَّر السَّبُعُ، إذا أنشبَ مخالبَه.

وظَفِرَ الرجلُ بحاجته يظفَر ظَفَرًا.

والظَّفَرَة: عَلَقَة تخرج في العين، ظَفِرَت عينُه تظفَر ظَفَرًا.

وظَفارِ: موضع ينسب إليه الجَزْع الظفاريّ.

قال أبو عُبيدة: وهو مبني على الكسر نحو حَذامِ وقطامِ وما أشبهه.

وقال غيره: سبيلها سبيل المؤنّث لا تنصرف، يقال: هذه ظَفارُ ورأيت ظَفارَ ومررت بظَفارَ.

وأخبرنا السَّكن بن سعيد قال: أخبرنا محمد بن عَبّاد عن ابن الكلبي قال: خرج ذو جَدَن الملكُ يطوف في أحياء مَعَدّ فنزل ببني تميم فضُرب له فسطاط على قارة مرتفعة فجاءه زُرارة بن عُدَس فصعِد إليه فقال له الملك: ثِبْ، أي اقعدْ بلغته فقال: ليعلم الملكُ أني سامع مُطيع، فوثب إلى الأرض فتقطّع أعضاءً، فقال الملك: ما شأنه.

فقالوا: أبيتَ اللعن إن الوثب بلغتهم الطَّمْر.

فقال: ليس عربيتُنا كعربيتكم، من دخل ظَفارِ حَمَّرَ، أي تكلِّم بكلام حِمْيَر ثم تذمَّم فقال: هل له من ولد? فأُتي بحاجب فضرب عليه قبّة فكانت عليه إلى الإسلام.

وقد سمّت العرب ظَفَرًا ومظفرًا ومِظْفارًا.

وفي العرب بطنان ينسبان إلى ظَفَر: بطن في الأنصار، وآخر في بني سُليم.

وقد قالوا: رجل ظِفّير، أي كثير الظَّفَر، وليس بثَبْت.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


15-جمهرة اللغة (سعو سوع عسو عوس وسع وعس)

السَّعْو: الشمع في بعض اللغات، جاء به الخليل وغيره.

والعَوَس، زعموا، رجل أعْوَسُ وامرأة عَوْساءُ، وهو دخول الشِّدقين حتى يكون فيهما كالهَزْمتين، وأكثر ما يكون ذلك عند الضَّحِك.

والوَسْع: الطاقة، بفتح الواو، ويضمّها أيضًا قوم.

والوَسْع: أصل بناء قولهم: ناقة وَساع، إذ كانت واسعة الخَطْو.

ومن أمثالهم: "قد تَبْلُغُ القَطوفُ الوَساعَ".

والسَّعَة: ضدّ الضّيق، وهو ناقص، تراه في موضعه إن شاء الله.

وسُواع: صنم قديم كان لحِمير، وقد ذُكر في التنزيل: {ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعا}.

وقد سمّت العرب عبد وُدٍّ وعبد يَغوثَ، ولم تسمِّ عبد سُواعٍ، ولا عبد يَعوقَ.

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيدة قال: قلت لرؤبة: ما الوَدْي? قال: يسمّى عندنا السُّوَعاء مثال فُعَلاء، يفُمَدّ ويُقصر، وقالوا: الشُّوَعاء، بالشين.

والوَعْس: الرمل السهل الذي يَشُقّ على الماشي فيه؛ أرض وَعْس وأرَضون وُعوس وأوعاس.

وأوعسَ القومُ، إذا ركبوا الوَعْس.

ورجل مِيعاس وأرض مِيعاس، مِفعال من الوَعْس، قُلبت الواو ياء لكسرة الميم.

وعسا الشيءُ يعسو عُسُوًّا، إذا اشتدّ وصلب، من النبت وغيره.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


16-جمهرة اللغة (غلي غيل لغي ليغ يغل يلغ)

الغَيْل: الماء الجاري بين الحجارة في بطن وادٍ وغيره، والجمع أغيال.

والغِيل: الشجر الملتفّ.

والغِيل: الماء يتغلغل بين الشجر، وربّما سُمّي الشجر الملتفّ غِيلًا؛ أخبرنا عبد الرحمن عن عمّه الأصمعي عمّن أخبره قال: سمعتُ نائحةً خلف جنازة رَوْح بن حاتم بن قَبيصة بن المهلَّب تقول:

«أسَدٌ أضْبَطُ يمـشـي***بين طَرْفاءَ وغِـيلِ»

«لُبْسُه من نـسـج داو***دَ كضَحْضاحِ المَسيلِ»

الضّحْضاح: الماء الذي يتضحضح على وجه الأرض رقيق؛ وفي لغة هذيل، الضحضاح: الكثير.

ولُغْتُ الشيءَ ألوغه لَوْغًا، إذا أدرته في فيك.

ولِغْتُ الشيءَ ألِيغه لَيْغًا، مثل لِصْتُه ألِيصه لَيْصًا، إذا راودته لتنزعه.

وغَلَتِ القِدْرُ تغلي غَلْيًا وغلَيانًا.

ولَغِيَ الرجلُ بالشيء يَلْغى لَغْيًا، مثل سَدِكَ به، سواء.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


17-جمهرة اللغة (قلم قمل لقم لمق مقل ملق)

القَلَم: معروف.

وقَلّمتُ الظُّفرَ، إذا قصصته.

قال زهير:

«لَدى أسَدٍ شاكي السلاح مقذَّفٍ*** له لِبَدٌ أظفارُه لـم تـقـلَّـم»

اللِّبَد: ما تلبّد على كتفه من الشعر وليس هو جمعًا، وهذا مثل قول النابغة:

«وبنو سُواءةَ لا مَحالة أنهم*** آتُوك غيرَ مقلَّمي الأظفارِ»

أي بحدّهم لم يفلَّلوا.

وقُلامة الظُّفر: ما قُصّ منه، والجمع قُلامات.

ومِقْلَم البعير: قضيبه، وربما قيل ذلك للثور.

والقُلاّم: نبت من الحَمض، وهو القاقُلَّى.

قال لبيد:

«فتوسَّطا عُرْضَ السَّريِّ وصدّعا*** مسجورةً متجاورًا قُلاّمُـهـا»

ويقال: أقمل الرِّمْثُ، إذا بدا ورقُه صغارًا.

والقَمْل: معروف.

والقُمَّل: صغار الدَّبا أو شبيه به.

ورجل قَمَليّ، وهو الحقير الذليل.

قال الفرزدق:

«أفي قَمَليٍّ من كُليب هجوتُـه*** أبو جَهْضَمٍ تَغلي عليَّ مراجلُهْ»

واللَّمْق، يقال: لَمَقَه بيده، إذا ضربه.

ولَمَقَ الكتابَ، إذا محاه.

أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي عن يونس قال: سمعت أعرابيًا يذكر مصدِّقًا لهم في كلامه.

قال: فلَمَقَه بعدما نَمَقَه، أي محاه بعدما كتبه.

وما ذقتُ لَماقًا، أي شيئًا يصلح في المأكول والمشروف.

قال نَهْشَل بن حَرِّيّ:

«كبَرْقٍ لاح يُعجب من رآه*** ولا يُغني الحوائمَ من لَماقِ»

واللَّقَم: لَقَم الطريق، أي وسطه.

ولَقِمَ الرجلُ يلقَم لَقْمًا، إذا أكل.

وقد سمّت العرب لُقْمان ولُقَيْمًا.

والمَقْل من قولهم: مَقَلْتُ الرجل في الماء أمقُله مَقْلًا، إذا غوّصته؛ وتماقل الرجلان، إذا تغاوصا.

ومن ذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذُّبابُ في الإناء فامقُلوه)، أي غوِّصوه.

والمُقْلَة: مُقْلَة العين، وهو اسم يجمع السواد والبياض.

والمُقْلَة: الواحدة من المُقْل.

وجمع مُقْلَة العين مُقَل.

وما مَقَلَتْه عيني، أي ما رأته.

والمَقْلَة: الحصاة التي يُقسم عليها الماء في المفاوز.

والمَلَق: التضرُّع والطلب.

قال الراجز:

«يا ربُّ ربَّ البيت والمشرَّقِ *** والمُرْقِلاتِ كلَّ سَهْبٍ سَمْلَقِ»

«إيّاك أدعو فتقبّلْ مَلَقي»

والمَلَقَة، والجمع المَلَقات، وهي إكام مفترِشة.

قال صخر الغَيّ الهُذلي:

«أُتيحَ لها أُقَيْدِرُ ذو حَـشـيفٍ*** إذا سامت على المَلَقات ساما»

أُقَيْدِر: قصير العنق؛ وحشيف: ثوب خَلَق؛ يصف الصائد.

ورجل مَلِقٌ: ضعيف؛ ومُمْلِق: فقير، والمصدر الإملاق، وهو قلّة ذات اليد؛ أملقَ يُملِق إملاقًا فهو مُمْلِق، وكذا فُسِّر في التنزيل، والله أعلم.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


18-جمهرة اللغة (برو بور ربو روب برا بار ربا راب بري بير ربي ريب برأ بأر ربأ رأب أبر أرب)

أبَرْتُ النخلَ آبِره أبْرًا، إذا لقّحته، فأنا آبر والنخل مأبور، والاسم الإبار.

وفي الحديث: (خيرُ المال سِكّة مأبورة ومُهْرَة مأمورة).

وأبَرَتْهُ العقربُ تأبِره، إذا ضَربته بإبرتها.

والإبرة التي يخاط بها: معروفة، وصانعها أبّار.

والرَّباء: العُلُوّ؛ يقال لبني فلن رباءٌ على بني فلان، أي طول وعُلُوّ.

والرُّبوة والرّابية: العُلُوّ من الأرض كالأكَمَة، وكذلك الرَّبْو.

وربا السويقُ ونحوُه يربو رَبْوًا، إذا صببت عليه الماء فانتفخ.

والرَّبْو: موضع.

والرَّبْو، من تردُّد النفَس في الجوف: معروف.

ورَبَأتُ القومَ رَبْأً، إذا كنتَ ربيئة لهم، وهذا مهموز.

والرَّبْو: موضع مرتفع.

والرَّبْو من تردد النّفَس في الجوف: معروف.

والوَبْر: معروف، وهي دُوَيْبة أصغر من السِّنَّور طَحْلاء اللون صغيرة الذَّنَب، والجمع وِبار.

ووَبارِ: موضع، مبني على الكسر، غلبت عليه الجِنّ.

وبنات أوْبَرَ: ضرب من الكَمْأة.

ويقال: ما في الدار وابرٌ، أي أحد، ولا يقال ذلك إلا في في النفي.

وبَرَأتُ من المرض أبرَأ بُرْأً، وبَرِئتُ بُرْأً أيضًا.

وبرِئتُ من الدَّين بَراءةً.

وبارأتُ الكَرِيَّ مبارأةً.

وباريتُ الرجلَ، إذا فعلت مثل فعله، غير مهموز.

وأصبح فلانٌ بارئًا، يُهمز ولا يُهمز.

والله تبارك وتعالى يبرأ الخَلْق، وهو البارئ المصوِّر.

وجمل ذو بُراية، إذا كان قويًا على السَّفَر.

والبُرْأة: الناموس، ناموس الصائد.

قال الأعشى:

«به بُرَأٌ مثلُ الفسيل المكمَّمِ»

وبُراية كل شيء: ما بريته منه.

وأجمعت العرب على أن البريّة لا تُهمز وأصلها من الهمز، وكذلك الذُّرِّيّة والخابية لا تُهمزان وأصلهما الهمز.

والبُرَة، غير مهموز: حلقة من صُفر أو حديد تُجعل في حَتار أنف البعير؛ أبريتُ البعيرَ إبراءً فهو مُبْرًى.

وبُرْتُ الناقةَ على الفحل أبُورها بَوْرًا، إذا عرضتها عليه لتنظر ألاقحٌ هي أم لا، ثم كثر ذلك حتى قالوا: بُرْتُ ما عندك، أي بلوتُه.

وبار الشيءُ يبور، إذا رَدُؤَ وهَلَكَ، فهو بائر؛ والبَوار: الهلاك.

ورجل بُور: فاسد.

قال عبد الله بن الزِّبَعْرَى:

«يا رسولَ المَليك إنّ لساني*** راتِقٌ ما فَتَقْتُ إذ أنا بُورُ»

وابتأرتُ خيرًا، إذا فعلته مستورًا.

والبئر مهموز، والجمع أبْؤر وآبار، وقالوا بِئار.

والإرب: العضو بكماله، والجمع آراب.

والإرْبَة: الحاجة، والجمع إرَب وآراب، وهي المأرُبَة، وتُجمع مآرب.

وأرّبتُ القدةَ تأريبًا، إذا أحكمت عَقْدَها.

وتأرّب الرجلُ في الأمر، إذا تشدّد فيه، تأرُّبًا.

وإراب: جبل معروف أو موضع.

ومأرِب: بلاد الأزْد التي أخرجهم منها سيل العَرِم.

والأرَب: العقل، وقالوا الإرْب.

ويقال: لا أرَبَ لي في كذا وكذا، أي لا حاجة لي فيه.

ورجل أريب: عاقل.

ورأَبْتُ الشيءَ، إذا أصلحته، أرأبه رَأْبًا.

ويقولون في الدعاء: اللهُمَّ ارْأَبْ ثَآنا، أي أصلِحْ فسادَنا.

ورِئاب اسم في هذا اشتقاقه.

ولبن رائب: بيِّن الرُّؤوب.

وقوم رَوْبَى، جمع، الواحد رَوْبانُ، وهم الذين قد تخثّروا من شبع أو نُعاس.

قال بِشر بن أبي خازم الأسدي:

«فأما تميمٌ تميمُ بـنُ مُـرٍّ*** فألفاهمُ القومُ رَوْبَى نِياما»

والرُّوبة: ما صببته من اللبن الحامض على اللبن الحليب حتى يروب.

أخبرنا أبو حاتم قال: قال الأصمعي: أخبرني يونس قال: كنت في حلقة أبي عمرو بن العلاء فجاء شُبَيْل بن عَزْرَةَ الضُّبَعي فتزحزح له أبو عمرو وألقى له لِبْدَ بغلته فجلس فقال: ألا تعجبون من رؤيبتكم هذا، سألتُه عن اشتقاق اسمه فلم يدرِ ما هو?.

فقال يونس: فما تمالكتُ إذ ذَكَرَ رؤبةَ أن قمتُ فجلستُ بين يديه فقلت: لعلك تظنُّ أنّ مَعَدَّ بن عدنان كان أفصح من رؤبة، فأنا غلام رؤبة، ما الرُّوبة والرُّوبة والرُّوبة والرُّوبة والرُّؤبة? قال: ثم فسّره لنا يونس فقال: الرّوبة: الحاجة؛ يقال: قمت برُوبة أهلي، أي بحاجتهم؛ والرّوبة: جِمام الفحل؛ يقال: أعِرْني رُوبة فحلك، أي جِمامه؛ والرّوبة: القطعة من الليل؛ والرّوبة: اللبن الحامض يُصَبّ علي الحليب حتى يروب؛ والرّؤبة، مهموز: القطعة من الخشب يُرقع بها العُسّ أو القَدَح.

ورابني الأمر وأرابني، لغتان، عن أبي زيد.

وقال قوم: بل رابني إذا استبنت منه الرِّيبة، وأرابني إذا ظننت به ذاك.

قال خالد بن زُهير الهُذلي:

«يَمَسُّ عِطفي ويَشَمُّ ثوبي *** كأنني أرَبْتُه برَيْبِ»

والرَّيْب: الشّكّ.

والرِّيبة: ما أتى به المُريب.

وارتبتُ به ارتيابًا.

ورَيْب الدهر: صَرْفه.

وقد سمّت العرب رَيْبًا ورُوَيْبَة، وهو أبو بطن منهم، ورؤبة اسم أيضًا.

وسقاء مروَّب: قد حُقن فيه الرائب.

ومثل من أمثالهم:

«وأهونُ مظلومٍ سِقاءٌ مروَّبُ»

قوله مظلوم: قد شُرب منه قبل إدراكه.

قال الشاعر:

«وقائلةٍ ظلمتُ لكـم سِـقـائي*** وهل يَخْفى على العَكَدِ الظّليمُ»

أراد عَكَدَة اللسان، وهو أصله، وإنما أراد اللسان فلم يستقم له الشِّعر.

ويقال: أعطيتُه عضوًا مؤرَّبًا، أي تامًا، لم يؤخذ من لحمه شيءٌ، مثل اليد والجنب وما يليهما.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


19-جمهرة اللغة (الباء والخاء)

خَدْرَب: اسم.

ودَرْبَخ: أحسبها كلمة سريانية، وهو التذلّل والإصغاء إلى الأمر.

قال العجّاج:

«ولو نقول دَرْبِخوا لَدَرْبَخوا *** لفحلنا إن سَرَّهُ التـنـوُّخُ»

يقال: تنوّخ الفحلُ الناقةَ، إذا غشّاها.

ورجل دَخْبَش ودُخابِش، وهو العظيم البطن.

وشُخْدُب: دُوَيْبّة من أحناش الأرض، زعموا.

وخُبْدُع يقال إنه الضِّفْدَع في بعض اللغات.

وبُخْدُق، أخبرنا أبو حاتم قال: سألت أمَّ الهيثم عن الحبّ الذي يسمّى اسْفِيُوش ما اسمه بالعربية فقالت: أرِني منه حبّاتٍ فأريتُها فأفكرتْ ساعة ثم قالت: هذا البُخْدُق، ولم أسمع ذلك من غيرها.

وناقة خِدْلِب: مسنَّة مسترخية.

والخَدلبة: مِشية فيها ضعف.

وبَخْدِن: اسم.

قال الراجز:

«يا دارَ عفراءَ ودارَ البَخْدِنِ *** بكِ المها من مُطْفِل ومُشْدِنِ»

ورجل خُنْدُب: سيّىء الخُلق.

والبَخَنْداة والخَبَنْداة، وهي المرأة الناعمة التارّة البَدَن، وقالوا: الغليظة الساقين.

قال الراجز:

«قامت تُريكَ خَشْيَةً أن تَصْرِما *** ساقًا بَخَنْداةً وكَعْبًا أَدْرَما»

الأَدْرَم: الذي ليس لعظامه حجم.

ويقال: ضربه فبخذعَه، إذا قطعه بالسيف، وخذعبَه أيضًا مقلوب.

وبذلخَ فلانٌ بذلخةً وهو مبذلِخ وبِذْلاخ، وهو الذي تسمّيه العامة المُطَرْمِذ.

وبَخْذَم: اسم.

وزَخْبَر: اسم.

وخُرْزُب مأخود من الخَزربة، وهو اختلاط الكلام وخَطَلُه.

والبَرْزَخ: الحائل بين الشيئين، وكذلك فُسِّر في التنزيل: {بينهما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيان}، أي حائل، واللّه أعلم.

ويقال: فلان في البَرْزَخ، إذا مات كأنه بين الدنيا والآخرة.

وسَخْبَر: نبت يشبه الإذْخِر.

وسَرْبَخ، وهو الفضاء القفر من الأرض، والجمع سَرابخ.

قال الشاعر:

«فأبصرتْ ثعلبًا بعيدًا*** ودونه سَرْبَخٌ جَديبُ»

وخَرْبَش وخِرْباش، يقال: وقع القومُ في خِرْباش، أي في اختلاط وصخب، لغة يمانية.

وخُرْشُب: اسم.

والخُرْشُب: الضابط الجافي.

والخَربصة منها اشتقاق الخَرْبَصيص، يقال: جاء وما عليه خَرْبَصيص، أي ما عليه ثوب.

فأما الخَرْبَسيس فالشيء التافه، وليس هذا موضعه.

والخَضربة: اضطراب الماء، وماء خُضارِب، إذا كان يموج بعضه في بعض، ولا يكون إلاّ في غدير أو وادٍ.

ويقال: جاء فلان وما عليه طِخْرِبة، وقالوا طِحْرِبة، أي ليس عليه شيء.

والصَّرخبة والصَّربخة: الخفّة والنَّزَق، زعموا.

وخُطْرُب وخُطارِب، وهو التقوّل بما لم يكن، جاء فلان يُخطرب.

والخَطربة والحَظربة: الضِّيق في المعاش.

وجارية خَرْعَبة وخُرْعوبة: دقيقة العظام كثيرة اللحم، وجسم خَرْعَب كذلك.

والخَبرعة منها أصل بناء الخُبْروع، وهو النَّمّام.

وخبرقتُ الثوب خبرقةً: شققته.

فأما أهل الجوف فيسمون الضرط: الخِبْراق والخِرْباق.

والخَرْبَق: ثمر نبت، وهو سمّ إذا أُكل قتل.

ويقال: جدَّ فلان في خِرْباق وخِبْراق، إذا جدّ في ضرطه.

وشَخْرَب وشُخارِب: غليظ شديد.

والخَزلبة: القطع السريع، خزلبتُ اللحمَ أو الحبلَ خزلبةً، إذا قطعته قطعًا سريعًا.

وفلان مزخلِب، إذا كان يهزأ بالناس، هذا عن أبي مالك، وذُكر أيضًا عن مَكْوَزَة الأعرابي.

وبزمخَ الرجلُ يُبزمِخ بزمخةً، إذا تكبّر.

هذا عن مَكْوَزَة الأعرابي أيضًا.

والخَنْزَبة منها اشتقاق الخُنْزوب والخِنْزاب، وهو الجريء على الفجور.

ورجلِ شَلْخَب: فَدْم غليظ.

وشَنْخب: طويل.

والشُّنخوب: قطعة عالية من الجبل، يقال: شُنْخوب وشِنخاب، والجمع شَناخيب.

ورجل خَنْبَش: كثير الحركة، فإن كانت النون فيه زائدة فهو من قولهم خَبَشَ الشيءَ وخبّشه، إذا جمعه.

وبَخْصَلٌ وبَلْخَصٌ، يقال: تبخصلَ لحمُه وتبلخصَ، إذا غلظ وكثر.

والخَنبصة: اختلاط الأمر، تخنبصَ أمرُهم.

والبَخَصَة: لحم باطن القدم، وكذلك اللحم الذي حول العين، ولذلك قالوا: بَخَصَ عينَه، إذا أدخل إصبعه فيها.

وقد مرّ البَخَص في الثلاثي.

والخَضعبة: الضعف.

وتخضلبَ أمرُهم، إذا اختلط.

والخُنْضُبة: المرأة السمينة.

والخَطلبة: كثرة الكلام واختلاطه، تركت القوم في خَطلبة.

والخُنْظُبة: دُوَيْبّة، زعموا، ولا أَحُقّها.

وبَلْخَع: موضع.

والخُنْبُعة: مِقنعة صغيرة.

والخُنْعُبة: الهُنَيّة المتدلّية في وسط الشفة العليا في بعض اللغات.

والبُخْنُق: بُرقع صغير أو مِقنعة صغيرة.

والخُنْبُق: البخيل الضيِّق، زعموا.

وكلمة لهم يقولون: حِبِقّة وخِبِقّة، بالحاء والخاء، إذا صغَّروا إلى الرجل نفسَه.

وكَنْخَبٌ، ذكر يونس فيما زعموا أنه سمع بعض العرب يقول: ما هذه الكَنخبة? يريد الكلام المختلط من الخطأ.

وخَنْبَل: اسم أحسِب النون فيه زائدة.

والخِنّابة والخُنّابة: خِنابة الأنف، وهي جانبا الأنف أو وترته، وللإنسان خِنّابتان.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


20-جمهرة اللغة (التاء والخاء)

خترفتُ الشيءَ، إذا ضربته فقطعته؛ خترفه بالسيف، إذا قطع أعضاءه.

والخَترمة: السكوت؛ يقال خترمَ فلانٌ، إذا صمت عن عِيّ أو فزع، زعموا.

أخبرنا أبو حاتم قال: قلت لأمّ الهيثم: ما فعلت فلانة الأعرابية التي كنت أراها معك? فقالت: ختلعتْ والله طالعةً.

فقلت: ما ختلعت? فقالت: ظهرت؛ تريد: خرجت الى البدو.

ويقال: خلتمتُ الشيءَ، إذا أخذته في خِفية.

والتُّخْمَة والتُّخَمَة أصلها من الواو لأنها من الوَخامة.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


21-جمهرة اللغة (باب ما تذكر العرب من الأطعمة)

الوَليقة: طعام يُتّخذ من دقيق وسمن ولبن.

والأَلُوقة: كل ما لُيِّن من الطعام.

وفي الحديث: (وما آكُلُ إلاّ ما لُؤَق)، أي ما لُيِّن.

والصِّقَعْل: تمر يُحلب عليه لبن.

والرَّهِيّة: بُرّ يُطحن بين حجرين ويُصبّ عليه لبن، ارتهى الراعي، إذا فعل ذلك.

والآصِيّة: دقيق يُعجن بتمر ولبن، ويقال الآصِيَة بالتخفيف.

والخَزيرة: شحم يذاب ويُصبّ عليه ماء ويُطرح عليه دقيق فيُلبك به، والخَزيرة والسَّخينة واحد.

واللَّفيتة: العَصيدة.

والرَّغيغة، وهو حسو رقيق.

والثُّرُعْطُطة: نحو الرَّغيغة.

والحَيس: تمر وأقط وسَمن.

قال الراجز:

«التَمْرُ والسَّمْنُ جميعًا والأقِطْ *** الحَيْسُ إلاّ أنّه لم يختـلِـطْ»

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال لي الرشيد: فُطمت على الحَيْس والموز.

والغَذيرة: دقيق يُحلب عليه لبن ثم يُحمى بالرَّضْف.

والخُلاصة والقِشْدة والقِلْدة: تمر وسَويق يُخلص به السَّمن.

والسَّرْبَلة: الثريد الكثير الدَّسَم، والسَّغْبَلة مثله.

والعَكيس: لبن يُصَبّ على إهالة؛ والإهالة: الشحم المذاب.

والوَطِيّة: عَصيدة التمر واللبن.

والمَجيع: التمر واللبن.

والفِئْرة: حُلْبة تُطبخ بتمر وتُسقاه النُّفَساء.

والفَريقة: حُلبة ودواء يصفّى فيسقاه المريض.

قال الشاعر:

«مثلُ الفَريقة صُفِّيَتْ للمُدْنَفِ»

واللحم المعرّض: الذي يُشتوى على الرماد فلا يستتمّ نُضجه، فإذا غيّبته في الجمر فهو مملول، فإذا شويته فوق الجمر فهو المضهَّب.

والمحنوذ: المشتوَى على الحجارة المُحْماة.

والفئيد: الذي يُدفن في الجمر.

وقال مرة أخرى: والمفؤود والملهوج: الذي فيه بعض مائه.

والعَلَس: شِواء مَسْمون، وهو الذي يؤكل بالسَّمن، هكذا يقول الخليل، رحمه اللّه.

والشُّنْدُخيّ: طعام الإملاك، وقالوا الشَّنْدَخيّ، واشتقاقه من قولهم: فرس شنْدُخ، وهو الذي يتقدّم الخيل في سيره، فأرادوا أن هذا الطعام يتقدّم العُرْس.

والوَليمة: طعام العُرْس.

والتَّوكير: طعام في بناء دار أو بيت.

والعَقيقة: ما يُذبح عن المولود.

والخرْسة: ما يُتّخذ للنّفَساء.

والوَضيمة: طعام المأتم.

قال أبو بكر: وليس كل أهل اللغة عرف هذا.

والعَذيرة: طعام الختان، ويقال الإعذار أيضًا.

قال الراجز:

«كل الطعام تشتهي ربيعَهْ *** الخُرْسَ والإعذارَ والنَّقيعَهْ»

والنَّقيعة: طعام قدوم المسافر.

وقال مرة أخرى: طعام القُدّ ام.

وأنشد:

«إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسَهم*** ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القُـدّام»

والمأدُبة والمَدْعاة: طعام أيّ وقت كان.

والقَشيمة: هَبيد يُحلب عليه لبن.

قال أبو بكر: الهَبيد: حبّ الحَنْظَل يُنقع في ماء حارّ أو في مُهَراق دلوٍ أيامًا حتى تذهب مرارتُه ثم يُقلى ويؤكل.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


22-جمهرة اللغة (باب من النوادر)

قال أبو زيد: هو الهواء واللُّوح والسُّكاك والسُّكاكة والشَجَج والشَجاج والسحاح والإياد والكَبَد والسُّمَّهَى، كلّه الهواء.

وقالوا: السُّمَّهَى أيضًا: الباطل.

وقال أبو زيد: يقال: هذا واللّه الحُرْم بعينه والحِرمان بعينه.

قال: ويقال: هو الضَّلاَل بن الألال، زِنَة العَلاَل، والتَّلاَل والضَّلاّل بن قَهْلَلٍ وثَهْلَلٍ، أي أنه ضالّ.

ويقال: إنه لَضُلُّ أضلالٍ، كما قالوا: سِبْد أَسبادٍ، أي داهية دواهٍ.

ويقال: رأيت فلانًا يتتلّه، أي يجول في غير ضَيْعة، أي في غير عمل.

ويقال: تحيّرتِ القِصاعُ والحِياضُ، إذا امتلأت.

والحائر: الوَدَك.

قال: ويقال: ما بقي من إبله خُنْشوش ولا عُنشوش، أي ما بقي منها شيء.

وقالوا: الحَرِض له معنيان، الحَرِض: الفاسد، والحَرِض: الضاوي المهزول.

ويقال أيضًا من هذا: رجل حَرَض، مثل دَنَف، الواحد والجمع فيه سواء.

قال: ويقال: بَقطَ مَتاعَه وبعثره، إذا فرقه.

قال: ويقال: انقطع قُوَيُّ من قاوية، إذا انقطع بين الرَّجُلين لوجوب بيع أو غيره.

ويقال: انقضبت قائبةٌ من قُوبٍ، أي بيضة من فَرْخ.

وقال: الضَّوء والضُّوء لغتان.

وضاء يومُنا وأضاء يا هذا.

قال: وحُكي: مَرْحَبَك اللّه ومَسْهَلَكَ، من قولهم مرحبًا وسَهْلًا.

قال: ويقال: تمْر وَخْواخ للذي لا حلاوةَ له.

قال: وسمعت: حَمير وحُمور وغَنَم وغُنوم، جمع حُمُر وغَنَم.

وقالوا: دابّة مهزول؛ ثم مُنْقٍ، إذا سمن قليلًا؛ ثم شَنون؛ ثم سَمين؛ ثم ساخ؛ ثم مُثَرْطِم، إذا انتهى سِمَنًا.

ويقال: غنم مغنَّمة ومُغْنَمة: مجتمعة.

قال: وتقول العرب: أمْسَستُه شكوي، أي شكوتُ إليه.

قال: وسمعتُ: بِرْذَوْن أبْرَش وأرْبَشُ، وأرض رَبْشاءُ وبَرْشاء ورَمْشاءُ ورَشْماءُ، إذا كانت مختلفةً ألوانها بالنبت.

قال: ويقال: نادم سادم ونَدْمان سَدْمان، وامرأة نَدْمَى سَدْمَى، وقوم نَدامى سَدامى.

والسادم: المهموم.

ويقال: لحم سَليخ مَليخ: لا طعم له.

وأنشد:

«سَليغٌ مَليخٌ كلحم الحُوارِ*** فلا هو حلوٌ ولا هو مُر»

وأنشد مرّة أخرى:

«وأنت مَليخٌ كلحم الحُـوار*** فلا أنتَ حلوٌ ولا أنتَ مُر»

ويقال: فيه سَلاخة ومَلاخة.

قال: يقال: رجل مَلِيه، بالهاء، ورجل ممتلَه العقل وممتلَخ العقل.

وقالوا: عابِس كابِس.

قال: ويقال: أصنعُ بك ما كَتَّك وغَتَّك وغَطَاك وشَرَاك وأورمَك وأرغمَك وأدغمَك؛ ومعناه كله واحد، أي ما يَسوءك و يَضرّك.

قال: وسمعتُ: إنه لأَصيصٌ كَصيص، أي منقبِض.

وإنه لشَكِس لَكِس.

ويقال: سَمَلع هَمَلَّع، من صفة الذئب.

ويقال: إنه لمِعْفَت مِلْفَت، إذا كان يَعْفِت كل شيء ويَلْفِته، أي يَثنيه ويعطفه أو يدقّه ويكسره.

قال: وسمعت: فاحَ المسكً وفاخَ واطمحرَّ واطمخرَّ، إذا امتلأ.

وقد قُرئ: {إنّ لكَ في النهار سَبْحًا طويلًا} وسَبْخًا، والسبْخ: الفراغ، واللّه أعلم.

وقال: المحسول: المرذول، زعموا، وكذلك المخسول، كأن المحسول بالحاء غير المعجمة عنده غير ثَبْت.

قال: والربْض: أساس المدينة، والرَّبَض: ما حولها، ورَبَضُ الرجلَ: امرأته.

قال: ويقال: رأيتُ أثابةً من الناس، أي جماعةً.

قال: ويقال: امرأة غَفْراءُ ورجل أغْفَرُ، بالغين المعجمة، للذي في وجهه شَعَر كثير.

قال: ويقال: رجل روقة وامرأة رُوقة، إذا كانا حسنين جميلين.

ويقال أيضًا: إنه لَوَرَقَة، وكذلك المرأة.

وأنشد:

«إذا وَرَقُ الفتيان كانوا كأنهم*** درَاهِمُ منها جائزات وزُيَّفُ»

ويُروى: وزائف.

قال أبو بكر: يقال: فلان وَرَقٌ من الفتيان، إذا كان جميلًا حَسَن الهيئة.

قال أبو حاتم: قال أبو زبد: ماء هُجَهج: لا عذب ولا مِلح؛ وماء زُمَزِم: كثيرة وخضَرِم: كثير؛ ونعجة جُرَبِضة وجُرابِضة: ضخمة، وبعير خُضَخِض وخُضاخِض وخُضْخض، إذا كان يتمخّض من البُدْن؛ ويقال: غصن عُبَرِد وعُبْرد، إذا كان ناعمًا، وكذلك جارية عُبَرِدة، إذا كانت ناعمة.

ويقال: ثوب شُبارِق وشُمارِق ومُشَبْرَق ومُشَمْرَق، وثوب طرائق وطرائد، وئوب مِشَقٌ وأمشاق وهِبَبٌ وأهباب وخِبَب وأخباب، إذا كان مخرَّقًا.

قال: ويقال: تفكّنَ القومُ، إذا تندَّموا، وتَفَهْكَنوا، ولير بثَبْت.

فأما تفكّهوا تعجّبوا ففصيح، وكذلك فُسِّر في التنزيل: {فظَلْتُم تَفَكَّهون}، أي تَعَجَّبون، واللهّ أعلم.

وتميم تقول: تَفَكنون: تَندَّمون.

وأنشد:

«ولقد فَكِهْت من الذين تقاتلـوا*** يومَ الخميس بلا سلاحٍ ظاهرِ»

قال أبو حاتم: قال أبو زيد: يقال للعقرب: العِرْيَط وأُم العِرْيَط.

قال: ويقال: حَرِصَ وحَرَصَ؛ وعَرضَ له وعَرَض؛ وفَرغَ له وفَرَغَ؛ وحَضِرتُه وحَضَرتُه، وقد كَمِل وكَمَل وكَمُلَ؛ ورَفِقَ به ورَفقَ ورَفُقَ؛ وقد أًنِسَ به وأَنَسَ وأَنُسَ.

قال: وتقول: فعلتُ ذاك غِياظَك وغِياظتَك؛ كذا في كتابي وكتب جماعة، وفي كتاب المَراغي: غِياظَك وغِناظَك، وبعده: وغَنَظَه، إذا كَرَبَه.

وأنشد:

«ولقد لَقِيتَ فوارسًا من قومنا*** غَنَظوكَ غَنْظَ جَرادةِ العَيّارِ»

العَيار: اسم رجل، وله حديث.

قال: وسمعت عامريًّا يقول: إذا قيل لنا: أبقيَ عندكم شيء? قلنا: هَمْهام يا هذا، اي ما بقي شيء.

وقال غيره: هَمْهام وحَمْحام ومَحْماح وبَحْباح، أي لم يبق شيء، وأنشد:

«أولَمْتَ يا خِنوْتُ شَر إيلامْ *** حتى أتيناهم فقالوا هَمْهامْ»

خِنَّوْت: لف رجل كان يعيَّر بالحُمْق والبلادة.

وقال بعضهم: استعذبت عنك، أي انتهيت.

وقال بعضهم: أَعذِبْه عن ظلمي، أي امنعْه عني.

وقال: سمعت: العَذَبة، بالفتح، يعني الطُّحْلُب.

والعَذَبة: الغصن أيضًا.

وقال الخليل، رحمه الله: يقال للمِحْضَأ: المَليل.

والمِحْضَأ، مقصور مهموز: العود الذي تحرك به النار.

وأنشد:

«إلى سوداءَ مثل عصا المَليل»

قال: والخَلْف: المِرْبَد وراء البيوت.

قال:

«وجِيئا من الباب المُجاف تواتـرًا*** وإن تَقْعُدا بالخَلْف فالخَلْف واسعُ»

والمُجاف: المغلق.

قال: والمَخْلَفة: الطريق، ويقال المَخْرَفة أيضًا.

ويقال: تركتهم على مثل مَجرَفة النَّعَم ومَخْلَفتها، أي طريقها.

قال: ويقال: حلبتُ الناقةَ خَليفَ لِبَنها، مقصور مهموز، وهي الحلبة بعد اللِّبأ.

ويقولون: هذا جمل هَجْرٌ وكَبش هَجْرٌ، إذا كان حسنًا كريمًا.

قال: والمهشور من الإبل: المحترق الرئة حتى يموت.

قال: والهِرْمَوس: الصُّلب الرأي المجرِّب.

قال: ويقال: ظل يَهْزَع في الحشيش، أي يرعى.

قال: والقَرْقَرَّى: الطويل الظهر؛ والدَّوْدَزَّى: الطويل الخُصيتين.

وأنشد:

«لمّا رأت شيخًا لها دَوْدَرَّي *** ظلّت على فراشها تَكَرَّى»

أي تتناوم، تَكَرَّى: تَفَعّلُ من الكرى.

قال: ويقال: رجع الفرسُ إلى إدْرَوْنه، أي إلى مِعْلَفه.

ورجع فلان إلى إدرْوَنه، أي إلى وطنه.

وقال: الفَيْفَرْع، على وزن فَيْفَعْل: ضرب من الشجر.

قال أبو بكر: وجاء به سيبويه عن الخليل في باب الأبنية ولا أحسب له نظيرًا.

وقال مرة أخرى: وهذا الحرف ذكره سيبويه الفَنْفَعْر وليس في كلام العرب فَنْفَعْل غيره.

قال: والخِرّيع: العُصْفر في بعض اللغات.

قال: ويقال: رجل هَسْهاس الليل، إذا لم ينم من عمل أو سمر.

قال: والهِيج: الريح الشديدة.

وأنشد:

«هبّت جنائبُه فقلِّع هِيجُـهـا*** نَضدًا يعود له رِواقٌ أعْرَفُ»

نَضَدًا أراد سحابًا بعضُه على بعض، ورِواق: ممتدّ، وأعْرَفُ: طويل العُرْف، وإنما هذا تشبيه.

قال: والهَرّ: زجر من زجر الإبل.

وأنشد:

«زجَرْنَ الهَرَّ تحت ظلال دَوْمٍ*** وثَقَّبْنَ البراقعَ لـلـعُـيونِ»

ويُروى: وثقّبن الوصاوص للعيون.

قال: والهَميمة من اللبن: أن تَحْقُنه في السِّقاء الجديد ثم تشربه ولا تَمْخُضه.

وقال أبو زيد: الهُرهور: ما سقط من حَبّ العنب من العُنقود قبل أن يُدْرِك.

قال: وسمعت هَمْدانيًا يقول: لاَ تَهْنَ ذكرَ ما مضى، أي لا تَمَنَّهُ.

قال: ويقال: بعير قَفِصٌ، إذا مات من الحَرّ أو الهَرَج أي البُهْر.

قال: والهَمْهامة: العَكَرة العظيمة من الإبل، وهي الهُمْهومة أيضًا.

وقال: الهَجْم: العُلْبة، والجمع أهجام.

وأنشد:

«إذا أُنيخت والتقَوا بالأَهجامْ*** أوفتْ لهم كيلًا سريعَ الإغذامْ»

الإغذام: الأخذ الكثير من كل شيء؛ يقال: أخذ الشيءَ فأغذمَه، إذا أخذه أخذًا كثيرًا.

قال: ويقال: جاء القوم هَطْلَى، وهم الذين يجيئون من كل جانب، وكذلك الإبل إذا جاءت من كل جانب، كما قالوا: جاءت السهام حَتْنَى، إذا جاءت من كل وجه، وقال قوم: إذا جاء بعضها في إثر بعض.

وأنشد:

«وهل غَرَضٌ يبقى على حَتَنَى النَّبْل»

قال أبو زيد: المهانِغة من النساء: المغازلة.

وقال: الرَّهِقة والخَرِعة: الفاجرة.

وأنشد:

«وفيهنّ أشباهُ المها رَعَتِ الـمَـلا*** نواعمُ بيضٌ في الهوى غيرُ خُرَّعِ»

قال: ويقال: تَهَكَّرَ الرجلُ، إذا تحيّر وحَصِرَ في منطقه.

وتَهَكَّرَ الحادي، إذا حارَ.

قال: وسمعت كلبيًا يقول: ما أدري أيُّ الهُوز هو، يريد أيّ الناس هو.

قال: وسمعته يقول: الهَجير: ما يبس من الحَمْض.

قال: وسمعت: ما زال ذاك أهجورته، في معنى إهجيراه.

قال: والعِراس: أن يُربط حبل في مفاصل ذراعَي البعير من فوق العُنُق.

والنَّزْق: أن يُملأ السِّقاء والإناء إلى رأسه.

ويقال: مُطِرَ مكانُ كذا وكذا حتى نُزِقت نِهاؤه، قال أبو بكر: الموضع الذي ينتهي إليه الماء يقال له نِهْيٌ، والجمع نِهاء، وهي الغدران.

قال: والنَّزْر: ورم يأخذ الناقة في ضَرعها، ناقة منزورة.

ويقال: نزرتُك فأكثرتُ، أي أمرتُك.

قال: ويقال للريح إذ هبّت ثم سكنت: هذه نَغْرة نجم كذا وكذا، مثل البَعْرة سواء، ويقال نَعْرة بالعين غير معجمة، وهي الدُّفعة من الريح والمطر.

وقال أيضًا: البَغْرة: الدُّفعة من المطر المُنْكَرة، والنَّعْرة: الدُّفعة من الريح.

قال: والمِنْفَجة: القوس التي يُندف بها القطن، ووترُها الكِسْل.

وأنشد:

«وأَبغِ له مِنْفَجَةً وكِسْلا»

قال: ويقال: نشِمت الأرضُ، إذا ثَرَّتْ بالماء.

قال: والمَمْناة من الأرض: السوداء، وهي السَّبْتاء، والجمع السَّباتَى.

قال: ويقال: ما أخذتُ إلاّ نَتْشًا، أي قليلًا.

قال: ويقال: ما بضعتُه بشيء، أي ما أعطيته شيئًا.

قال: ويقال: نسَّت دابّتُك تَمِسّ نسيسًا، إذا عطشت، وأنسستَها أنت.

وأنشد:

«أوردتُه بعد الهُدوِّ شَوازبًا*** يَخْبِطْنَ أنجِيةً لهنّ نَسيسُ»

قوله: أوردته، أراد ماء إبَلًا، والشوازب.

اليُبَّس المهازيل، وأنجِية: جمع نِجاء، وهو السحاب، وشازِب وشاسِف واحد.

قال: وقال الكِلابي: تكلّم فأنكعتُه وشرب فأنكعتُه، إذا نغّصت عليه.

قال: والخَيمة: ظُلّة من شجر، والجمع خِيام، وهي العُنّة أيضًا، والجمع عُنَن.

والأخبية بيوت الأعراب، فإذأ ضَخُمَ فهو بيت، وإذا كان أعظم من ذلك فهو مِظَلّة، فإذأ جاوز ذلك فهو دَوْحة، وذلك تشبيه بالشجرة العظيمة.

قال: والوَعْل: والمَنْجَى.

وأنشد:

«ولم أكن دارجةً ونَعْلا *** إذ لم أجِدْ عن أمرِ شرٍّ وَعْلا»

أي لم أكن ذليلًا كذلّ النعل، وقال أيضًا: أي لم أكن في ذِلّة الدارجة على الأرض من الهَوامّ أو النَّعْل في ابتذالها.

وقال أبو زيد: الفَناة: البقرة الوحشية، والجمع فَنًا.

قال:

«وفَناةٍ تبغي بحَرْبَةَ طِـفْـلًا*** من ضَبيحٍ قَفَّى عليه الخَبالُ»

أي الهلاك.

وقوله: من ضبيح من قولهم: ضَبَحَتْه النارُ أو الشمسُ، إذا أثّرت فيه؛ وقَفَّى عليهم الدهر، إذا أهلكهم.

قال: والتذويح: التفريق؛ ذوّحَها وذاحها، إذا فرّقها.

قال:

«فأبْشِري بالبيع والتّذويح»

وقال أبو مالك: مُفْرَغ الدلو من الحوض من مقدمه: إزاؤه، وعُقْره وعَقْره: مؤخَّره.

قال الشاعر:

«فرماها في فرائصهـا*** بإزاء الحوض أو عُقْرِهْ»

وعَضُداه: جانباه.

قال الراجز:

«إذا دَنَتْ من عَضُدٍ لم تَزْحَل *** عنه وإن كان بضَنْكٍ مَازِل»

لم تَزْحَل: لم تتنَحّ عنه؛ والمَأْزِل: المَضيق.

ووسطه: مَطَرته.

وما يبقى في أسفله من كَدره وطِينه: غِرْيَنه وغِرْيَله.

ومَطَلَته ومَسَطَته وسِرحانه: وسطه.

وصُنْبوره: ثَقْبه الذي يخرج منه الماءُ إذا غُسل.

وبَيْبَته: الذي يسيل من مُفْرَغ الدلو إليه، وبه سُمّي الرجل بَيْبَة.

وأنشد لجرير:

«ومارَ دمٌ من جار بَيْبَةَ ناقعُ»

مارَ يمور، إذا تحرّك، يعني مارَ دمه.

قال: والوَلْق: تتابع الضرب، والمَلْق: ضربة بعد ضربة.

ويقال للطلْعة قبل أن تنشقّ: ضبّة، والجمع ضَبّات؛ وإذا خرج طَلْعُها تامًّا فهو ضِبابها.

قال الشاعر:

«يُطِفْن بفُحّالٍ كأن ضـبـابَـه*** بطونُ المَوالي يوم عيدٍ تَغَدَّتِ»

فإذا تفلَّق أوَّلُ الطَّلع قيل: تبسّمَ وضَحِكَ، وما أكثر ضاحكَ نخلكم، والذي في الطَّلعة يقال له الوَليع والإغريض والكُفرَّى؛ فإذا استدار فهو الحَصْل والحَصِل بتحريك الصاد وتسكينها.

وقال أبو زيد: ذَرِبَت مَعِدَتُه وعَرِبَت، إذا فَسَدَت.

وقال: تغطمطَ الماء وتغطغطَ، إذا اضطرب موجُه.

وقال: شيخ تاكٌّ وفاكٌّ، إذا كان قد أضعفته السنُّ.

وقال أبو زيد: الوَغيرة والصَّحيرة، وهو اللبن الذي يُلقى فيه الرَّضْف.

وقال: الشواء المرعبَل: المشرح والمشرَّج بالجيم أيضًا، وهو المقطَّع.

وقال: والمرتجِل: الذي يقع برِجل من جراد فيشتوي منها؛ والرِّجل: القطعة العظيمة من الجراد.

قال:

«كدُخان مرتجِلٍ بأعلى تَلْـعَةٍ*** غَرثانَ ضَرَّمَ عَرْفَجًا مبلولا»

قال: والضَّمْد: أن يصادق الرجلُ امرأتين أو ثلاثًا، وكذلك المرأة.

وأنشد:

«إني رأيتُ الضَّمْدَ شيئًا نُكْرا *** لا يخْلِص الدهرَ خليلٌ عِشْرا»

«ذاقَ الضِّمادَ أو يزورَ القَبْرا»

عِشرًا يعني المعاشَرة؛ يقول: من ذاق الضماد واعتاده لم يخْلِص معاشرة صديق أبدًا.

قال أبو بكر: وإذا رعت الإبل ضربين من النبت فهو ضَمْد نحو اليبيس والرُّطْب.

قال: ويقال: بات فلانٌ إسراءَ القُنْفُذ، يريد أن القُنْفُذ لا ينام، فيقول: هو يَدِبّ إما لسَرِق أو لزِناء.

قال: والعِفار، عِفار الكلأ: ثلاث بَقَلات يبقين حتى ينصرم البَقْل.

قال: وهن السَّعْدانة والحُلّبة والقُطْبة.

قال أبو بكر: الحُلّبة، بتشديد اللام: نبت يُدبغ به، والذي يأكله الناس الحُلُبة، بالتخفيف وضمّ اللام.

وأنشد:

«دَلوٌ تَمَأّى دُبغت بالحُلّبِ»

قال: والهَوْبَجة: المرتفعة من الأرض فيها حصى.

والوَضيعة: حنطة تُدَقّ ثم يُصَبّ عليها سمن وتؤكل.

قال: والنجيرة: نبت عَجِزٌ قصير لا يطول.

قال: والفقير: البئر التى تُفْقَر إلى بئر أخرى.

قال الراجز:

«ما ليلةُ الفَقير إلاّ شَيطانْ»

يعني بئرًا.

قال: والصَّفَق: الماء الذي يخرج من السِّقاء الجديد الذي ينضح منه.

قال رؤبة:

«يَنْضِحْن ماءَ البَدَنِ المُسَرَّا *** نَضْحَ البَديع الصًفَقَ المُصْفَرّا»

المُسَرّا: الذي قد كتمته في أبدانها، من قولهم: أسَرّه يُسِرّه فهو مُسِرّ وذاك مُسَرّ.

ويقال: أنتغَ إنتاغًا، إذا استغرب في الضَّحِك.

قال الشاعر:

«فما يُنْتِغون الضِّحْكَ إلاّ تبسُّمًا*** ولا يَنْبِسون القولَ إلاّ تناجيا»

قال أبو بكر: يقال: ضِحْك وضَحِك وكِذْب وكَذِب، وهما بالتحريك وفتح الأول أعلى وأوضح.

قال: والشخيص من الرجال: الذي له رُواء، وكذلك من الخيل.

والأشْدَف من الرجال والخيل: العظيم الشخص، وهو مأخوذ من الشّدَف، والشَّدَف: الشخص.

قال: ويقال للقَليب من الماء: مِلْك.

قال: ويقال: لي في هذا الوادي مِلْك، أي قَليب ماء.

قال أبو بكر: ولا تسمّى البئر قَليبًا حتى يكون فيها ماء.

قال أبو زيد: الخناسير: الدَّواهي.

وأنشد لحُريث بن جَبَلة الغذري:

«وذاك آخرُ عهدٍ من أخـيكَ إذا*** ما المرء ضمَّنه اللَّحْدَ الخناسيرُ»

وإنما أراد الحفرة فجعلها داهية.

قال أبو زيد: يقال: دَرَهْتُ على القوم، إذا جئتَ إليهم ولم يشعروا.

قال: والدُّوَدِن والدُّوَدم واحد، وهو الذي يسمى دم الأخوين.

قال: وقال لي أعرابي: الدُّودِن والدّوَدِم شيء أحمر يُطلى به وجوه الصبيان من الخافي، يريد الجِنَّ.

قال: والنُّقاوَى: ضرب من الحَمض، الواحدة نُقاوة.

وأنشد في ذلك:

«حتى شَتَتْ مثلَ الأشاءِ الجُونِ *** إلى نُقاوى أمْعَـزِ الـدَّفـينِ»

الأمْعَز: أرض تركبها حجارة غلاظ، والمَعْزاء والأمْعَز واحد؛ والدَّفين: موضع.

وقال: امرأة شَوالة: نَمامة.

وقال الراجز:

«يا صاحِ ألْمِمْ بيِ على القَتّالَهْ *** ليست بذات نيْرَبٍ شَـوّالَـهْ»

وقال: النَكَل: عِناج الدلو.

وأنشد:

«يَشُدُّ عَقْدَ نَكَلٍ وأكرابْ»

العِناج: الحبل الذي يُشدّ تحت الحلو إذا كانت ثقيلة؛ والأكراب: جمع كَرَب، وهو الحبل الذي يُشَدّ على العَراقي ئم يُشَدّ به طرف الرشاء.

وقال: المَناب: الطريق إلى الماء.

وأنشد:

«برأس الفلاة ولم تنحدر*** ولكنّها بمنابٍ سِـوَى»

أي عَدْل بينهم.

قال: ويقال: تبذّح السحابُ إذا مَطَرَ.

قال: والنَّضائض: المطر القليل.

والنَّضائض أيضًا: صوت نشيش اللحم يُشوى على الرضْف.

قال الراجز:

«تَسْمَعُ للرَّضْف بها نَضائضا»

قال: والنِّجاش: الخيط الذي يجمع به بين الأديمين ليس بخَرْز جيد؛ ثم القِشاع، وهي الرقعة التي تُجعل عليه؛ فإذا خُرزت فهي العِراق.

قال: والنَّكَعة، نَكَعة الطُرثوث: أعلاه، وهي حمراء.

والنَّكَعة أيضًا: صَمْغة حمراء.

قال: وتقول هُذيل: أنشأتِ الناتةُ، إذا لَقِحَت.

قال: وسمعتُ خُزاعيًا يقول: نقول للطِّيب إذا كانت له رائحة طيّبة إنه إنْقِيض.

قال: وقال الخُزاعي: النَّجود من الإبل: الشديدة النَّفْس.

ويقال: أشويتُ الرجلَ، إذا وهبتَ له شاةً.

ومنه قول الأسود بن يَعْفُر:

«يَشْوي لنا الوَحَدَ المُدِلَّ حِضارُه*** بشَريج بينِ الـشـدِّ والإروادِ»

أي يصرعه حتى يُشْوِيَه.

قال أبو بكر: الوَحَد: كل شيء انفرد فهو وَحَد، وأراد هاهنا الثور الوحشيّ أو الظبي؛ المُدِل حِضارُه، أراد المُدِلّ بإحضاره؛ وقوله بشَريج، الشريج: المخلوط.

وقال قيسي: طَسِمَ الرجل وجَفِسَ، إذا اتَّخم.

وقال أبو زيد: سمعت: طَسِىء الرجلُ، إذا اتّخم.

قال: والتنوُّع: التذبذب والاضطراب.

قال: ويقال: حَدَسَ ناقتَه، إذا وَجَأَ بشفرته في سَبَلتها أو مَنْحَرها.

ويقال: حَدس به الأرضَ، إذا صرعه.

وحَدَسَ في نفسه حَدْسًا، إذا ظنّ.

قال: والتزوُّل من قولهم: رجل زَوِلٌ، أي ظريف.

وقال أبو زيد: قيل للعنز: ما أعددتِ للشتاء? قالت: الذَّنَبُ لَيًّا، والاسْتُ جَهْوَى.

قال: الجَهْوَى تُمَدّ وتُقصر، وهي المكشوفة.

وقيل للضأن: ما أعددت للشتاء? قالت: أُجَزّ جُفالًا، وأولَّد رُخالًا، وأَحلب كُثَبًا ثقالًا، ولن ترى مثلي مالًا.

وقيل للحمار: ما أعددت للشتاء? قال: جبهةً كالصَّلاءة وذَنَبًا كالوَتَر.

وقال أبو زيد: النَّطّاط: الذي يَنِطّ في البلاد يذهب فيها؛ نطَّ يَنِطّ نَطًّا.

ويقال للشديد من الرجال: حَبيلُ بَراحٍ، وللأسد أيضًا: حَبيلُ بَراحٍ، أي حَبيس بَراحٍ، ويراد بذلك الشجاعة لأنه إذا حُبس بالبَراح لم يَفِرّ؛ والبَراح: المستوي من الأرض.

قال: ويقال: زها الرجلُ بالسيف، إذا لمع به.

وزها السِّراجُ وأزهاه الرجل، وهو أن يضيئه.

قال: ويقال للرجل في الدعاء عليه: أَربْتَ من يديك.

قال أبو بكر: فقلت لأبي حاتم: ما معنى هذا.

فقال: شَلّت يدُه.

وسألت عبد الرحمن فقال: أن يسأل بهما الناسَ.

قال: وسمعتُ أعرابيًا يقول: هذا البيت عُقْر هذه القصيدة، أي أحسنُها.

قال: ويقال: حَفاه يَحفوه حَفْوًا، إذا أعطاه.

وحفوته: منعتُه.

وحفأتُ به الأرض: ضربتُ به.

قال أبو بكر: ويقال في هذا: جَفَأتُ، بالجيم، عن غير أبي زيد.

قال: والوِقام: الحبل؛ والوِقام: السيف؛ والوِقام: العصا؛ والوِقام: السَّوط.

قال أبو زيد: الإشْفَى والمِبْقَر والمِسْرَد واحد.

قال: والعِدْفة والحِذْفة: القطعة من الثوب؛ احتذفتُ الثوب، بالذال المعجمة واعتدفتُه، إذا قطعته، بالدال غيرَ معجمة.

وقال: الطَّبْل والطَّمْش والطَّبْش والطَّبْن: الجمع من الناس.

قال: والطَّبْل أيضًا: ضرب من الثياب.

قال: والطابون: الموضع الذي تُطبن فيه النار، أي تُدفن.

قال: والدَّهْداء: الناس، يُمَدّ ويُقْصَر.

قال: ويقال: مُهْتُ الرجلَ وأمَهْتُه، إذا سقيتَه الماء.

وقال: جَدِيّة الرجل وجَديلته وشاكلته وجِدلاه، الواحد منهما جِدْل، وحُوزيّته وقُطْره سواء، وهي الناحية.

قال: ويقال: عَرَوْتُه وعَفَوْتُه وجَدَيْتُه وعَرَيْتُه واجتديتُه واعتريتُه واعتفيتُه كله واحد، إذا جئتَ تطلب معروفه.

قال: ويقال: أخذت الشيء بزَوْبَره وزَأْمَجه وزَأْبَجه وجَلَمته وظَليفته وزَأْبَره، أي بأجمعه.

قال: ويقال: عملتُ به العِمِلَّيْن، وبلغتُ به البِلَغَيْن، إذا استقصيت في شتمه وأذاه.

وقال: الجَهيز: السريع السابق.

قال: ويقال: "هو أحمق من جَهيزة"، وهو الضَّبُع.

وقالوا: "أحمق من أمّ عامر"، وهي الضبُع.

وقال: إبل أمغاص، إذا كانت متشابهة، وكذلك الغنم؛ وقد أفرده بعضُ العرب فقال: الواحد مَغَص.

وأنشد:

«أنتَ وَهَبْتَ هَجْمَةً جُرجورا *** أدْمًا وعِيسًا مَغَصًا خُبورا»

الجُرجور: القطعة العظيمة من الإبل؛ والخُبور: جمع خُبْر، وهي الغزيرة من الإبل.

وقال أبو زيد: إموان مثل غِلمان وصِبيان ونِسوان.

وأنشد:

«أمّا الإماءُ فلا يدعونني ولـدًا*** إذا ترامى بنو الإموان بالعارِ»

قال: والشَّرَى: ناحية الطريق، والجمع أشراء.

قال الراجز:

«ظلّت خناطيلَ بأشراء الحَرَمْ»

الخَناطيل: الفِرَق.

قال: والمِقْأب: الرجل الرَّغيب الكثير الشُّرب للماء، وهو القَؤوب أيضًا.

قال الشاعر:

«أراني بأرض لا يزال يَغولني*** بها أرْقَميُّ للحِلاب قَـؤوبُ»

الحِلاب: اللبن.

قال: ويقال: رجل يعلِّك مالَه، أي يُحسن القيامَ عليه.

وأنشد:

«وكائنْ من فتى سَوْءٍ تراه*** يعلِّكُ هَجْمَةً خُمْرًا وَجُونا»

قال: والوَئيب: الرَّغيب.

قال: ويقال: قسَّس الرجلُ ماشيتَه، إذا روّحها.

قال الطِّرمّاح وهو بكَرْمان:

«فيا سَلْمَ لا تَخْشَيْ بكَرْمانَ أن أرى*** أقسِّسُ أعراجَ السَّوام المـروَّح»

العَرْج: ما بين الثلاثمائة بعير إلى الأربعمائة.

ويقال: مياه شُعوب، أي بعيدة، الواحد شَعْب.

وأنشد:

«كما شمَّرت كَدراءُ تَسقي فراخَها*** بعَرْدَةَ رِفْهًا والمياهُ شُـعـوبُ»

قال أبو بكر: سَقْيُ الرِّفْه كلَّما عطش، يقال: إبل رافهة، إذا كانت تَرِد كلّما شاءت، وإنما يكون هذا بنزول الرجل على الماء.

قال أبو زيد: العَصْف: الكسب؛ عصفتُ واعتصفتُ، إذا اكتسبتَ.

قال الشاعر:

«فلولا عَصْفُه لوُجدتَ فَسْـلًا*** لئيمَ الكسب كسبُك كسبُ وَغْدِ»

وقال: إبل خَرانِف: غِزار.

وأنشد:

«وصَدَّ الحَواريّات عني كأنـهـا*** خلايا مُرِدّاتُ الضروع خَرانِفُ»

أردّت الناقة، إذا وَرِمَ ضَرعها؛ والخَلِيّة: التي يخلو بها أهل البيت ليشربوا لبنها.

وقال: الدَّيْسَق والفاثور والقُدْمور واحد، وهو الخوان من الفضة.

قال الأصمعي: الجَوْن: الأبيض والأسود والأحمر.

قال لبيد:

«جَوْنٌ بِصارةَ أقفرتْ لمراده*** وخَلا له السُّوبانُ والبُرْعومُ»

فالجَون هاهنا: حمار وحش، وهو الأبيض.

وقال آخر:

«يبادر الأشباحَ أن تَغِيبا *** والجَونةَ البيضاءَ أن تؤوبا»

وقال آخر فى الأسود:

«جَونٌ دَجوجيٌّ وخِرقٌ مِعْسَفُ *** يرمي بها البيداءَ وهو مُسْدِفُ»

الدَّجُوجيّ: الشديد السواد؛ ورجل خِرْق: متخرق في الأمور؛ مِعْسَف: يعتسف الآخر.

وقال آخر في الجَون الأحمر:

«تأوي إلى رِزِّ غِدَفْنٍ قَرْقارْ *** في جَونةٍ كقَفَدان العطّارْ»

غِدَفْن وغِدَفْل جميعًا من لفظ أبي بكر؛ الغِدَفْل: السابغ الذنب من الإبل، والرِّز: الصوت.

قال أبو بكر: قال أبو حاتم: لم يذكر الأصمعي الأحمر، وإنما ذكر الأبيض والأسود، وإنما أخذ هذا عن بعض أهل اللغة ولم يسمِّه.

قال أبو بكر: ذكره عبد الرحمن عن عمه.

وقال الأصمعي: ابن جَمِير: الليل المظلِم، وابن نَمِير: الليل المقمِر، وابنا سَمِير: الليل والنهار.

قال الشاعر:

«وإنّيَ من عَبْسٍ وإن قـال قـائل*** على رغمهم ما أسْمَرَ ابنُ سَميرِ»

ويُروى: ما أنْمَر ابن نَميرِ، أي ما أمكنَ فيه السَّمَرُ.

وقال الآخر:

«ولا غَرْوَ إلاّ في عجوز طرقتُها*** على فاقة في ظلمة ابنِ جَميرِ»

وقال الأصمعي: الهِتْر: العَجَب.

قال الشاعر:

«يراجع هِتْرًا من تُماضِرَ هاتِرا»

والأَدْب: العَجَب.

قال:

«أدْبٌ على لَبّاتها الحَوالي»

أي يتعجب من هذه اللَبّات التي عليها الحَلْيُ.

والهَكرُ: العَجَب.

قال أبو كبير الهُذَلي:

«فاعْجَبْ لذلك فِعْلَ دَهْرٍ واهْكَرِ»

والغَرْو: العَجَب.

قال طرفة:

«ولا غَرْوَ إلاّ جارتي وسؤالُها*** ألا هل لنا أهلٌ سُئلتِ كذلكِ»

والبَطيط: العَجَب.

قال الكميت:

«ألمّا تَعجبي وتَرَي بَـطـيطـًا*** من اللاّئين في الحِقَب الخوالي»

والفِنْك: العَجَب.

وقالوا: القِرْطيط: العَجَب، وقد مرّ ذكره.

وقال الأصمعي: تقول هُذيل: لا آلو كذا وكذا، أي لا أستطيعه، وجميع العرب يقولون: لا آلو، أي لا أدَع جهدًا.

وقال الأصمعي: تشوَّهتُ شاةً، إذا صِدْتَها.

وقال: القِتْرة وابن قِتْرة: حية دقيقة.

وقال: أنضاد الرجل: أنصاره ومن يغضب له.

وأنشد للأعشى:

«وقومُك إن يَضمنوا جارةً*** يكونوا بموضع أنضادها»

قال الأصمعي: الرِّباط: الخيل.

وأنشد لرجل من عَبْس:

«فإن الرباطَ النُكْدَ من آل داحس*** جَريْنَ فلم يُفْلِحْنَ يومَ رِهـان»

«فسيَّبْنَ بعد اللّه مَقْتَلَ مـالـكٍ*** وطَرَّحْنَ قيسًا من وراء عُمانِ»

ويُروى: فقَضيْنَ بعد اللّه، وكان الأصمعي ينشده: قَضَيْنَ بإذن اللّه.

قال: والأَطِير: الكلام والشر يأتيك من مكان بعيد، وأصله قولهم: "أطرّي فإنك ناعلة".

وأنشد:

«أتطلُبني بأَطِير الرجال*** وكلَّفتَني ما يقول البَشَرْ»

قال أبو بكر: هذا المثل يقال فيه: أظرّي بالظاء المعجمة، وأطِرّي بالطاء غير معجمة، فمن قال بالظاء المعجمة أراد: اركبي الظُّرَر، وهي الأرض تركبها الحجارة المحدَّدة تشُقّ على الماشي، ومن قال بالطاء غير معجمة أراد: خذي أطرار الطريق، أي نواحيَه.

قال: ويقال: شزرَه بالسِّنان، إذا طعنه به.

ويقال: آل الرجلُ عن الشيء، إذا ارتدّ عنه، مثال عالَ.

وأنشد:

«تَؤول لشُؤبوبٍ من الشمس فوقها*** كما آلَ من حَرِّ السِّنان طـريد»

أراد قطعة من حَرّ الشمس؛ والشُّؤبوب: السحاب.

وقال: الفِرْصة: النصيب من الماء في وقتٍ يُسقى به النخل.

قال الشاعر:

«وكان لها من ماء سَيْحانَ فِرْصَةٌ*** أذاعَ بها نجمٌ من القـيظ دابـرُ»

والفِرصة أيضًا: العانة؛ والعانة: النصيب من الماء بلغة عبد القيس.

وأنشد:

«وبات محلُّهم أضواجَ طِبْنٍ*** لمَشْبَرةٍ لعانته تَـهـاري»

طِبْن: موضع؛ والمَشْبَرة: نهر منخفض تغيض فيه المياه.

وقال مرّة أخرى: المَشْبَرة: النهر الصغير بين نهرين يأخذ من هذا وهذا، وهو نهر يتصفّى فيه ماء أرض أعلى منه، والعانة: الفِرْصة، وهي الحصّة من الماء.

والضَّوج: منعطف الوادي، وتَهاري: لعلّه تَفاعُل من الانهيار من فوق إلى أسفل.

وأنشد:

«كراهيةً أن يستبدَّ بـأمـره*** وألاّ يرى أمرًا كثيرًا مَثابرُهْ»

قال: والقَراح: البَحْت الذي لا يخلطه شيء، وإنما أخذ ذاك من قريحة الإنسان، وهي طبيعته.

وحكى الأصمعي عن بعض العرب: أنا أعرف تَزْبِرتي، أي خطي.

وقال: الضَّحْضاح بلغة هُذيل: الكثير، وبلغة سائر العرب: الماء المتضحضح، أي المترقرق على وجه الأرض.

وأنشد الهُذلي:

«أُدْمٌ تعطّفَ حولَ الفحل ضَحْضاحُ»

أي كثير.

وقال: والوَضَح: البياض، وكل أبيض وَضَحٌ، وبه سُمّي الوَضِح في الخيل مثل التحجيل والغُرَر.

والوَضَح: اللبن أيضًا.

قال الشاعر:

«عَقَّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحـد*** ثمّ استفاءوا وقالوا حبّذا الوَضَحُ»

يعيِّر قومًا أنهم رَمَوا بسهم فلم يَضُرُّوا به أحدًا، وعَقا: رمى، ثم استفاءوا، أي رجعوا، وقالوا: حبّذا الرجوع إلى أهلنا وشربُ اللبن.

قال: ويقال: ما بالدار كَتيع، وما بها عَريب، وما بها دِبِّيج، وما بها دُبِّيّ، وما بها طُوئيّ، وما بها طُوريّ، وما بها طُورانيّ، وما بها نافخُ ضَرْمَةٍ، وما بها نافخُ نارٍ، وما بها وابِر، وما بها شَفْر، وما بها كَرّاب، وما بها صافر، وما بها نُمِّيّ.

قال أبو حاتم: ولم يقل الأصمعي دَيّار ولا دَيّور لأن في القرآن دَيَّارًا.

أخبرنا العكْليّ عن الحِرمازي قال: الضَّيّاط والضَّيْطار: تاجر يكون في مكانه لا يبرح.

وقال الحِرمازي: الشِّفّ: الفضل؛ والشِّفّ: النقصان، وهو عندهم من الأضداد.

وقال: جُفّ الشيء: شخصه؛ وقُفّه: ظهره.

وقال: رجل دِلَخْم، وهو الثقيل؛ وكل دِلَخْم ثقيل.

وأنشد:

«كلُّ دِلَخْم منه يَغْرَنْديني»

قال: ويقال: نَمِّقْ هذا الكتابَ، أي سَوِّ حروفه.

وقال: بعير دَلَعْثَى: كثير اللحم والوَبَر؛ وكذلك شيخ دَلَعْثَى.

قال:

«لا تَنْكِحي شيخًا إذا بال ضَرَطْ *** كُلَّ دَلَعْثَى فوق عينيه الشَّمَطْ»

قال: ويقال: هجمَ الفحلُ شَوْلَه والعيرُ آتُنَه، إذا طردها، وأنشد للفرزدق:

«وَرَدْتُ وأردافُ النجوم كأنها*** وقد غارَ تاليها هجائنُ هاجم»

أي طاردٍ.

وقال الراجز:

«والليلُ ينجو والنهارُ يَهْجُمُهْ *** كلاهما في فَلَكٍ يستلحِمُهْ»

وقال العُكْلي عن الحِرمازي: الحَوْب: البعير، ثم كثر ذلك حتى صار زجرًا للبعير.

وقال: بئر خَوْصاء: ضيّقة بعيدة الماء.

وأنشد:

«وخُوصٍ قد قرنتُ بهنّ خُوصًا*** تَجافَى الغيثُ عنها والخُضورُ»

الخُضور: جمع خُضرة.

قال: ويقال: كَلَبَ الرجلُ يَكْلِب، وهو أن يمشي بالقفر فينبح فتسمع الكلاب نُباحه فتجيبه فيعلم أنه قريب من ماء أو حِلّة.

وأنشد:

«وداعٍ دعا بعدما أقفرتْ*** عليه البلادُ ولم يَكْلِبِ»

ويُكْلِبِ جميعًا، أي لم يسمع نُباح الكلاب.

وقال العُكْلي: قال الحِرمازي: بَرْقٌ إلاقٌ كبرق الخُلّب سواء.

وبَرْقٌ وِلافٌ: يكون لُمعتين متواليتين، وذلك لا يُخْلِف.

والصَّوْر: أصل النخلة.

وأنشدنا:

«كأنّ جِذْعًا خارجًا من صَوْرِهِ *** ما بين أُذْنَيْه إلى سِنَّوْرِهِ»

سِنَّور البعير: موضع ذِفْرَيَيْه.

قال: ويقال: في لسانه حُكْلة وحُلْكة ورُتّة وتمتمة وفأفأة ولفلفة وغُتْمة وحُبْسة، وكلّه واحد.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


23-العباب الزاخر (بعثط)

بعثط

البُعْثُط والبُعْثُوْطُ: سُرّةُ الوادي.

ويقال للعالم بالقصة: هو ابن بُعْثُطِها، كما يقُال: هو ابن بَجْدَتها. وقيل لمعاويةَ -رضي الله عنه- أخبرنا عن نفسك في قريش فقال: أنا ابن بُعْثُطِها؛ والله ما سُوْبقْتُ "إلا" سبقت ولا خضتُ برجل غمرة إلا قطعتها عرضا؛ أراد أنه من صميم قريش وواسطتها، وخوض الغمرة عرضا أمر شاق لا يقوى عليه إلا الكامل القوة، يقال: أن الأسد يفعل ذلك، والذي عليه العادة اتباع الحرية حتى يقع الخروج ببعد من موضع الدخول، وهذا تمثيل لإقْحامِهِ نفسه فيما يعجز عنه غيره وخَوْضِه في مُسْتَصْعباتِ الأمور وتفصيه منها ظافرًا بمباغيه.

وقال أبو زيد: يقال: غَطّ بُعْثُطَكَ: وهو أسته ومذاكيره.

وأنشد الأصمعي: من أرفع الوادىء لا من بعثطه.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


24-العباب الزاخر (سفط)

سفط

السفطُ -بالتحريك-: واحد الأسْفاطِ. وقال ابن دريدٍ: السفط عَربيّ معْروف. أخْبرناَ أبو حاتمٍ عن الأصمعيّ أحْسبهُ عن يونس، وأخبرْنا يزيدُ ابن عمرو الغنوي عن رجاله قال: مرّ أعْرابيّ بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يدْفن فقال:

«ألاّ جعَلْتم رسول الله في سَفطٍ *** من الألوةِ أصْدَا ملْبسًا ذَهبا»

وعن معْقل بن يسار المزُني -رضي الله عنه- انه قال: لما قتل النعمان بن عمرو بن مقرنٍ -رضي الله عنه- أرسْلُوا إلى أمّ ولده: هل عهدَ إليك النعمان؟ قالتْ: سفط فيه كتاب، فجاءتْ به ففتحوه فإذا فيه: فإنْ قيلَ النعمان ففلان.

وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: فأصابوا سفطْين مملُوْئينِ جوهرًا. وقد كتبَ الحديثُ بتمامهِ في تركيبِ ن ث د.

قال: والسُفاطة -بالضمّ-: متاعُ البيتْ كالأثاثِ.

قال: وفي بعض اللّغات يسمى القشرُ الذي على جلْدِ السّمكِ: سفطًا -بالتحريك-، وهو الجلْدُ الذي عليه الفلْوس.وسفطتُ السمكةَ أسْفطها سفْطًا: إذا قشرتْ ذلك عنها.

وسفْط أبي جرجْي: قريةّ بصعيدِ مصْرَ.

وسفط العرفاءِ: قريةّ غربي نيلِ مصرِ.

وسفطْ القدوْرِ: قرية بأسفل مصرْ.

والسفيطْ: السخي الطيبُ النفسِ، قال:

«ماذا ترُجين مـن الأرِيط *** حزنْبلٍ يأتيك بالبـطْـيطِ»

«ليس بذي حزْمٍ ولا سفْيطِ»

وقد سفُط -بالضمّ- سفاطة. ونفسه سفْيطة بكذا.

وقال ابن الأعرابي: يقال ما أسْفط نفسهْ عنكَ: أي ما أطيبها. قال: ومنه اشْتقاقُ الأسْفنّطِ، فالاسْفيطُ عنده عربيّ لا رُوْمي أعْربَ، وسيأتي بيانهُ -إنْ شاء الله تعالى- في الترُكيب الذي يلي هذا الترْكيبَ.

وقال أبو عمرو: يقال سفط فلان حوضه تَسْفْيطًا: إذا شرفهّ وأصْلحه ولاطه، وأنشدَ:

«حتّى رأيتُ الحوَْض ذو قد سفُطا *** قفرًْا من الماء هَواءً أمرْطـا»

أراد بالهواءِ: الفارغَ من الماء وقال ابن عبادٍ: رجلّ مسَفط الرّاس: أي يشبه رأسه السفَط.

والأستفاطُ: الاشتفاف؛ وهو أن تاتي عليه شربًا.

وقال ابن فارسٍ: السينُ والفاءُ والطاء ليس بشيءٍ، وما في بابه ما يعولُ عليه، وذكرَ السّفْيط وقال: ليس هذا بشيءٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


25-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (أرن)

(أرن) - في الحديث الذي رَواه رافِع بنُ خَدِيجٍ، رضي الله عنه، في الذَّبِيحَة: "أَرِنْ أوِ اعْجَلْ ما أَنهَرَ الدَّمَ".

أخبرَنا إسْماعيلُ بن الفَضْل، أنا أَحمَدُ بن الفَضْل، أنا عُمَرُ بنُ إبراهيم في كِتابِه، ثنا مُحمَّدُ بنُ الحَسنَ، ثنا أحمدُ بن الحارِث، حدَّثنى محمدُ بن عبد الكريم، ثنا الأَصَمِعىُّ قال: قال عِيسىَ بنُ عُمَر: سألتُ أبا مالك الغَنَوىّ قلت. يَقُولُ: ارْنِى هَذا المتاع أَو أَرِنى فقال: إنما ارْنِى: هاتِ، وكان يَقولُ: كان من أفْصَحِ مَنْ رأيتُ.

قال الِإمام إسماعيل، رحمه الله، في شرح كِتابِ مُسلِم قوله: "اعجَلْ أو أَرِن" الشّكّ من الرّاوِى، ومَعْنَى قولِه: أَرِن "أيضا اعْجَل، ومنهم من يُسَكِّن الراءَ فيقول: "أَرْنِى"، ومنهم من يحذف الياءَ من آخر الكَلِمة، وهذا الذي ذكره لا أَعرفُ وجهَه.

وقال غيره: أَرِن، على وزن عَرِن، ورواه بعضهم أَرْنِ على وزن عَرْنِ، قال: وهو مُشكِل، إلا أن يكون من أرانَ القَومُ، إذا هَلكَت ماشِيَتُهم، فيكون المعنى. كُنْ ذا شاةٍ هالِكَة وأَزهِق نفسَها بكُلِّ ما أَنهرَ الدَّمَ غيرَ السِّن والظُّفر، قال: ويحتمل أن يكون "إِيرَن" مثل عِيرَن، من الأَرْنِ، وهو النشاط، ومعناه: خِفَّ واعْجَل وانْشَط،

واذْبَح بكل ما حَضَر لئَلّا تَختَنِق الذَّبِيحةُ؛ لأنَّ الذَّبْحَ إذا كان بِغَيْر حديد احْتاجَ صاحِبُه إلى خِفَّة يدٍ في إمرارِ تلك الآلةِ على المَرِىء والحُلْقُوم قبل أن تَهلِك الذَّبِيحةُ، بما يَنالُها من أَلَم الضَّغْط.

يقال: أَرِن يأرَن أرَنًا وإِرَانًا، إذا نَشِط، فهو أَرِن، والأمر ائرَنْ على وَزْن احْفَظ.

والوجه الثالث: أن يكون أَرْنِ مثل عَرن: أي أَدم الحَزَّ ولا تَفتُر في ذلك، من قولك: رَنَوْتُ، إذا أدمتَ النَّظَر، وهذا أيضا غَيرُ صَحِيح، لأنَّ الأمرَ من رَنا يَرنُو ارْنُ.

قال: ويقال: أَرِنِّ: أي شُدَّ يدَك على المَحزِّ والمَذْبَح واعتَمِد بها، واللهُ عزَّ وجَلَّ أَعلَم.

وقال الزمخشرى: أَرِن وأعْجَل، وكُلُّ مَنْ علاك وغَلبَك فقد رَانَ بك، ورَانَ عليك، ورِينَ بفُلان؛ ذَهَبَ به المَوتُ وأَرانَ القَومُ: رِينَ بمواشِيهم: أي هَلَكَت. وصاروا ذَوِى رَيْن في مَواشِيهم.

ومنه أَرِن: أيْ صِر ذا رَيْن في ذَبِيحَتِك، قال: ويجوز أن يكون أَرانَ تَعْدِية لِرَان، كما يُعَدَّى بالباء في رانَ به. أي ازْهَق نفسَها.

وقيل: ائرَنْ من أَرِن إذا نَشِط: أي خَفَّ

وقيل: ارْنُ من الرَّنَا، وهو إدامة النَّظر: أي رَاعِه بِبَصَرك لا يَزِلّ عن المَذْبح.

ولو قيل: ارَّنَّ: أي اذبحَنَّ بالِإرَارِ وهو ظُرَرَة: أي حَجَرٌ

مُحدّد يَؤُرُّبها الرّاعِى ثَفْرَ النّاقةِ، إذا انقطَع لبنُها كان وَجْهًا.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


26-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (أيم)

(أيم) - في حديث أبي هُرَيْرة: "يَتَقارب الزَّمانُ ويَكْثُر الهَرْج. قيل: أَيْم هو يا رَسولَ اللهِ؟ قال: القَتْل".

قوله: أَيْمَ هو، يريد: ما هُوَ، وأصلُه: أيُّما هو. فخَفَّف الياءَ وحَذَف الأَلِف، كما قِيل: إِيش تَرَى، في موضع: أَىّ شَىْء.

- أخبرنا أبو الرَّجاء القارى، أنا أبو الفَضْل الرَّازِى قال: قرأ

الحَسنُ {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ} بتَخْفيف الياء ساكنة كَراهَة التَّضْعِيف، وفي اليائى خاصَّة يكون التَّضْعِيف أثْقَل.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


27-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ثعد)

(ثعد) - حدَّثنا محمدُ بن أبي نَصْر الّلفْتواني لَفظًا، أخبرنا أبو صَادِق إجازةً، أخبرنا أبو الفَرَج عَلِيّ بنُ أبي الحُسَيْن القَطَّان، أَخبرَنا الفَضلُ بنُ سَهْل، ثنا عليّ بنُ أبي هُبَيْرة، ثنا عَبدُ الله بنُ عبد الوهَّاب الخُوارَزْمي، ثنا يَحْيَى بنُ عُثْمان، ثنا إسحاق بنُ إبراهيم القُرشِيّ، عن يَزِيدَ ابنِ رَبِيعة، حدَّثَنى بَكَّار بنُ دَاود قال:

"مَرَّ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقَومٍ يَنالُون من الثَّعْد والحُلقَانِ، وأَشلٍ من لَحْم، وينَالُون من أَسْقِية لهم قد عَلَاهَا الطُّحْلُب فقال: ثَكِلَتْكُم أُمَّهَاتُكم، أَلِهذَا خُلِقْتُم؟ أو بِهَذا أُمِرتم؟

قال: فَجازَ عنهم فَنَزَل الرُّوحُ الأَمِينُ، وقال: يا مُحَمَّد، رَبُّكَ عَزُّ وجل يُقْرِئُك السَّلامَ ويَقُول لك: إنما بَعثتُك مُؤَلِّفا لِأُمَّتك، ولم أَبعَثْك مُنَفِّرا، ارجع إلى عِبادِي فقل لهم: فَلْيَعْمَلوا، ولْيُسَدِّدوا، ولْيُيَسِّروا."

قال أبو مُحَمّد: قال إسْحاقُ بنُ إبراهيم: الثَّعْد: الزُّبد، والحُلْقَانُ: البُسْر الذي قد أَرطَب بَعضُه، وأَشْل من لَحْم: الخَروفُ المَشْوِيّ، كذا قال. وقال أَهلُ اللغة: الثَّعْدَة: البُسْرة إذا لانَت، والجِنْس ثَعْد، ونَباتٌ ثَعْدٌ: لَيِّن، ورَجُلٌ أو شَيْءٌ ثَعْد: غَضٌّ طَرِيّ، وثَعْد: سَمِينٌ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


28-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ثوب)

(ثوب) - في الحَدِيثِ: "كلابِسِ ثَوبَيْ زُورٍ".

الذي يُشكِل من هذا الحَدِيث على أَكثَرِ النَّاس، تَثْنِيَة الثَّوْبِ. فأَمَّا مَعنَى الحَدِيث فقد ذكر في باب الزُّورِ والتَّشَبُّع - وإنَّما ثَنَّى الثَوبَ فيما نُرَى؛ لأنَّ العَربَ أَكثرُ ما كانت تَلْبَس عند الجِدَةِ إزارًا ورِداءً، ولهذَا حِينَ سُئِل رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاةِ في الثَّوب الوَاحِد. قال: "أوَ كُلُّكم يَجِد ثَوبَيْن".

وفَسَّره عُمرُ، رضي الله عنه بإزارٍ ورِداءٍ، إزارٍ وقَمِيصٍ، رِداءٍ وتُبَّان في أَشياءَ ذَكَرهَا في كِتابِ البُخارِي، ولا يُرِيد بِذلِك الثَّوْبَيْن يَلبَس أَحدَهما فوقَ الآخَرِ كما جَرَت عادةُ العَجَم بها: وفي الحَدِيث: "رُبَّ ذِي طِمْرَين".

وأخبرنا أبو عَلِيّ الحَدَّادُ، رَحِمه الله، قراءةً، قال: أخبرنا أبو نُعَيم إجازةً، ثنا أبو أَحمَد الغِطْرِيفيّ، ثَنَا ابن شِيرَوَيْه، ثنا إسحاقُ ابنُ رَاهَوَيْة، قال: سأَلت أَبا الغَمْر الأعرابِيَّ عن تَفسِير ذلك - وهو ابنُ ابنَةِ ذى الرُّمَّة فقال:

كانت: العَرَبُ إذا اجتمَعَت في المَحافِل كانت لهم جَماعةٌ يَلبَس أَحدُهم ثَوبَيْن حَسَنَيْن فإن احْتاجُوا إلى شِهادَةٍ شُهِد لهم بِزُور. ومعناه: أن يَقول: أَمضَى زُورَه بثَوبَيْه، يَقولُون: ما أَحسنَ ثِيابَه! ما أَحسنَ هَيْئَتَه! فَيُجِيزون شَهادَتَه، فجعل المُتَشَبِّع بما لَمْ يُعطَ مِثلَ ذلك.

قُلتُ: وقد قِيلَ: إنه الرّجُلُ يَجْعَل لقَمِيصه كُمَّين: أَحدِهما فَوقَ الآخَر، ليُرِي أنَّه لابِسُ قَمِيصَيْن. وها هُنَا يَكُونُ أَحدُ الثَّوبَين زُورًا، لا يكون ثَوبَى زُورٍ.

وقيل اشتِقاق الثَّوبِ من قَولِهم: ثَابَ إذا رَجَع، لأن الغَزْلَ ثاب ثَوبًا: أي عَادَ وصَارَ، ويُعَبَّر بالثَّوب عن نَفسِ الإنسان، وعن قَلبِه أَيضا.

- في الحَدِيث: "مَنْ لَبِس ثَوبَ شُهرةٍ أَلبسَه اللهُ تَعالى ثَوبَ مَذَلَّة".

: أي يَشمَلُه بالمَذَلَّة حتَّى يَضفُو عليه، ويَلتَقِي عليه من جَنَبَاته، كما يَشمَل الثّوبُ بدنَ لابسِه، ويُحَقِّرُه في القُلوبِ ويُصَغِّرُه في العُيون.

- في حديث أَبِي سَعِيد، رضي الله عنه: "أنَّه لَمَّا حَضَره المَوتُ دَعَا بثِياب جُدُدٍ فَلَبِسَها. ثم ذَكَر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المَيِّتَ يُبعَث في ثِيابِه التي يَمُوت فيها".

قال الخَطَّابِي: أَمَّا أَبُو سَعِيد، رضي الله عنه، فقد استعمَل الحَدِيثَ على ظاهِرِه، وقد رُوِي في تَحْسِين الكَفَن أَحادِيثُ.

وقد تَأَولَه بعضُ العُلماء على خِلافِ ذلك فَقال: مَعْنَى الثِّياب العَمَلُ، كُنِي بها عَنه، يُرِيد أَنّه يُبعَث على ما مَاتَ عليه من عَمَل صالِحٍ أو شَىء

والعَرب تَقُولُ: فُلانٌ طاهِرُ الثِّياب، إذا وَصَفُوه بطَهارَة النَّفسِ والبَراءة من العَيْب، ودَنِسُ الثِّياب إذا كان بخِلافِه.

واستَدلَّ عليه بقَولِه عليه الصَّلاة والسَّلام: "يُحشَر النَّاسُ حُفاةً عُراةً".

وقال بَعضُهم: البَعْث غَيرُ الحَشْر، فقد يَجُوز أن يَكُون البَعثُ مع الثِّيّاب، والحَشْر مع العُرْى والحَفَاء، والله أعلم.

وحَدِيثُه الآخر: "إذا وَلى أَحدُكم أَخاه فَلْيُحْسِنْ كَفنَه".

وحديثه الآخر: "يَتَزاوَرُون في أَكْفانِهم".

والآثارُ والرُّؤْيَا التي وردت فيه تُبطِل تَأوِيلَه، والله تَعالَى أَعلم.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


29-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (جمع)

(جمع) - قَولُه تَبارَك وتَعالَى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}.

قِيل: هو المُزْدَلِفَة، وسَمَّى أَرضَها جَمْعًا فِيما قِيل، لأَنّ آدم عليه السلام وحَوَّاءَ بعد ما أُهبِطا إلى الأرضِ، كُلّ وَاحِدٍ في مَوضِعِ اجْتَمَعَا بِهَا.

وقيل: بَلْ لاجْتِماع النَّاسِ به، وقيل: لِجَمْعِهم بين صلاتَيْن لَيلَتَئِذ، وقيل: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}: أي جَمْع الكُفَّار.

- قَولُه تَعالَى: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}.

قيل: قُرِن بَيْنَهما، وقيل: جُمِع بين حالَتَيْهِما في ذَهابِ الضَّوء.

- قَولُه عز وجل: {مَجْمَع البَحْرَيْن}.

يعَنِي: البَحْرَ العَذْبَ، والبَحرَ المَالحَ، وهُمَا بَحْر فَارِس، وبَحْر الرُّوم، وقيل: المَوضِع الذي اجْتَمع فيه العَالِمَان: مُوسَى، والخِضْر؛ لأنهما بَحْران في العِلْم، والأَولُ أَشْهَر.

- في الحَدِيث: "له سَهْم جَمْع".

: أي له سَهْم من الخَيْر، جُمِع له فيه حَظَّان. وقال الأَخفَش: السَّهم من الغَنِيمة كسَهْم غَيره من الجَيْش، والجَمْع هو الجَيْش. واستَدلَّ بقَولِه تعَالَى: {يَومَ الْتَقَى الجَمْعان}.

- قَولُه تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}.

قيل: سُمِّي به لاجْتِماع النَّاس فيه لِلصَّلاة، ويقال: مررت بجُمعَة: أي جَمَاعة.

وقيل: لأَنه جُمِع فيه خَلْق آدَمَ، وقيل: لأنَّه كان آخرَ الأَيَّام السِّتَّة التي خَلَق اللهُ فيها المَخْلُوقات فاجْتَمع جَمِيعُ الخَلْق فيه، وقد تُسكَّن مِيمُه وتُفْتَح.

- في الحديث: "إنَّ خَلقَ أَحدِكم يُجمَع في بَطن أُمِّه أَربَعِين يوما".

أَخبرَنا أبو الخَيْر الهَرَوِيّ إذنًا، نا أبو المَحَاسن الرُّويَانِي، نا أبو نصر المقري، نا أبو سليمان الخَطَّابي، نا الأَصمُّ، ثنا السَّرِيّ بن يَحْيَى: أبو عبيدة، ثنا قَبِيصة، ثنا عَمَّار بن رُزَيْق قال: قلت للأَعمشِ: ما يُجمَع في بَطْن أُمّه؟.

حَدَّثَنِي خَيثَمَة قال: قال عَبْد الله: إنَّ النُّطفَة إذا وَقَعت في الرَّحِم فأرادَ الله تعالى أن يخلق مِنها بَشَرًا طارت في بَشَر المَرْأة تَحتَ كلّ ظُفْرٍ وشَعَرٍ، ثم تَمكُثُ أَربعِين ليلة، ثم تَنْزل دَمًا في الرَّحِم فذلك جَمعُها.

- في الحَدِيث: "مَنْ لم يُجْمِع الصِّيامَ من الّليلِ فلا صِيامَ له". الِإجماعُ: إحكام النِّيَّة والعَزِيمة. يقال: أَجمعتُ الرَّأى، وأزمَعْتُه بمعنًى واحد.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


30-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حنة)

(حنة) - في الحَدِيث: "إلَّا رَجُل بَينَه وبَيْن أَخِيه حِنَةٌ".

- وفي حديث حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّب: "ما بَيْنِى وبين العَربَ حِنَةٌ"

- وقال مُعاوِيَةُ: "لقد مَنَعَتْنِى القُدرةُ من ذَوِى الحِنَات".

وأَخبرنَا غَيرُ واحد إذْنًا، رحمهم الله، قالوا: أَخبرنَا عبدُ الرَّحمن بنُ محمد، ثنا أبو مَنْصُور مُحمَّد بن أَحمَد بن على بن مَمُّوية الدِّينَورَى: قال: قُرِىء على أحمدَ بنِ جَعْفَر بن حَمْدان

ابن عَبدِ الله، ثنا إبراهيمُ بنُ الحُسَيْن بن دِيزِيل إملاءً، ثنا آدمُ بنُ أَبِى إياس، ثنا ابنُ أَبِى ذئب، ثنا الحَكَم بنُ مُسْلِم [عن] الأعرج، قال:

- قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَجُوزُ شَهادة ذى الظَّنَّة والحِنَةِ والجِنَّة".

قال: الظِّنّة. التُّهَمة، والحِنَة: العَدَاوة، والجِنَّة: ما يَغِيب عن الرَّجل، الحِنَة بتَخْفِيف النُّون بمَعْنى الإِحْنَة، وهي الحِقْد في الصَّدر. قال أبو زَيْد: يقال أَحَنتُ عليه أَحِنّ وأَحَنُّ أَحَنًا. وَوَحِنْت عليه، إذا غَضِبْت عليه، وهو مُواحِن لك.

وأنكر الأَصَمِعىّ والفَرَّاء حِنَةً، غير أَنَّه قد وَرَد في أَحادِيث كما تَرَى.

وقال غيره: حِنَةٌ: لُغَيَّة. يقال منه: وَحِنَ عليه.

- في حديث أَنسِ، رضي الله عنه: "شَفَاعَتِى لأَهلِ الكَبائِر من أُمَّتى حتى حَاءَ وحَكَم".

وهما حَيَّان باليَمَن من العَرَب في آخر رَمْل يَبْرِين. قيل: يجوز أن يكون من حَوَى يَحْوِى، ويجوز أن يَكُونَ مقصورًا غَيرَ ممدود.

- في حَديث أَبِى هُرَيْرة: "إِيَّاك والحَنْوةَ، والإِقْعاءَ".

الحَنْو: هو أن يُطَأطِىءَ رَأسه ويُقوِّس ظَهرَه، من حَنوتُ الشَّىءَ وحَنَيْتُه: عَطَفْتُه.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


31-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (خردق)

(خردق) - أَخبرنا وَالدي إذنًا قال: أنا لاحِقٌ، عن كتاب أَبِي سَعِيد، أنا أبو بَكْر بن السُّنِّيّ، أنا أبو بكر النَّيْسَابُورِي، ثنا مُحمّدُ ابنُ يَحْيَى، ثنا أبو بكر بنُ أَبِي الأسود، ثنا حَمِيدُ بن الأَسوَد، عن أُسامَة بنِ زيد، عن مُحَمَّد بن كعب، عن امرأة سَمِعَت عائشةَ رضي الله عنها، تَقولُ: "دَعَا رسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم - عَبدٌ كان يبيع الخُرْديقَ كان لا يزال يَدعُو رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - "

تَعنِي بالخُردِيق: المَرَق، فارسي معرب، وأنشد ابنُ السُّنِّي للفَرّاء:

«قالت سُلَيْمى اشْتَرْ لنا سَوِيقَا *** واشتَرْ لنا خُوَيْدِما لَبِيقَا»

واشتَرْ شُحَيْما نَتَّخذْ خُرْدِيقَا

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


32-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سبط)

(سبط) - في الحديث: "أنه أَتَى سُبَاطة قَوم فَبالَ قائِمًا ".

قال حُذَيْفة - رضي الله عنه -: فدعاني حتى كنت عند عَقِبه

قال ابن الأعرابي: السُّباطَة والقُمَامة والخُمامة: هيِ الكُناسَة ومُلقَى التُّراب والقُمام ونحوه، يكون بفِناءِ الدار مَرْفِقًا للقَوم.

قيل: وإضافَتُها إلى القوم ليست إضافة مِلْك. بل كانت في ديارهم ومَحَلَّتهم، وكانت مَوَاتًا مُبَاحةً.

وأمّا قَولُه: "قائما" فَلعَلّه لم يجد موضعًا للقُعودِ؛ لأنَّ الظاهرَ من السُّبَاطة أن لا يكون موضعها مُسْتَويا.

وقيل: كان برِجْله جُرْحٌ لم يتمكَّن من القُعود معه.

وفي رواية أخرى: لِعلَّةٍ بِمَأْبِضَيْه.

وأخبرنا الإمام أبو نَصرْ أحمد بن عُمَر قال: أخبرنا مسعودُ بن ناصر، أنا على بن بُشْرَى، أنا محمد بن الحسين بن عاصم، حدثني إبراهيم بن محمد بنِ المُوَلّد الرَّقِّى بالرَّقَّة، أَملَاه عَلَىّ عن

الحُسَين بن الضَّحَّاك عن الربيع قال:

جاء حَفْصٌ الفَرْدُ إلى الشافعي، وكان يُبطِل أخبارَ الآحاد، قال: فقال للشافِعيِّ: يا أبَا عبدِ الله. تَقولُون: إنه لم يُرْوَ للنّبى - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ إلاّ وفيه فائدةٌ، فأيُّ فائدةٍ فيما رُوِىَ عنه:

أنّه أَتَى سُبَاطَةَ قَوم فَبالَ قائمًا؟

قال: فقال الشّافعي - رحمه الله -: وَيْلكَ يا حَفْص، في هذا أكبرُ الفَوائِد، أما تَعلَم أنّ العربَ تقول: إذا كان بالرجل وجَعُ الظَّهْرِ شَفَاه البَولُ قائمًا؛ وإنما بال النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما يَطلُب الشفاءَ ثم تَرَك.

وقد رُوى: "أنَّ عمر بَالَ قائما، ثم قال: البَولُ قائِمًا أحصَنُ للدُّبُر"

يريد إذا تَفَاجّ قَاعِدًا ستَرخَت مَقْعَدَته.

وقَولُ حُذَيْفة: "دَعَاني حتى كُنتُ عند عَقِبه"

قيل: أراد أن يكون سِتْرًا بينه وبين النَّاس؛ لأن السُّباطَةَ في الأفنِيةِ لا تكَادُ تخلو من المارَّة.

وقيل: السُّباطة: الكُناسَة، كَنَى عن مَوضِعها بها.

وقيل: السُّباطَة، من سَبَط عليه العَطاءَ؛ إذا تابعه؛ لأن السُّباطَة تُطْرح بالأفنية كلّ وقت فتكْثُر.

- في حديث المُلاعَنة: "إن جاءت به أمَيْغِر سَبْطا فهو لزوجها - أي تام الخلقِ -، وإن جاءت به أُدَيْعج جَعْدًا - أي قصِيرًا - فهو للذى يُتَّهَم".

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


33-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سفر)

(سفر) - في حديث معاذ - رضي الله عنه -: "قرأتُ على النّبي - صلى الله عليه وسلم - سَفْرًا سَفْرًا، فقال: هَكَذا فاقْرأ".

جاء تَفْسِيره في الحديث يعني "هذًّا هذًّا"

قال الحَربيُّ: فإن كان هذا صحيحا فهو من السُّرْعَة والذَّهابِ؛ من قولهم:

أَسْفَرتِ الإبلُ إذا ذهبت في الأرض، وإلَّا فلا أَعرِف وجهَه.

- في حديث شِهاب: "ابْغِنيِ ثَلاثَ رواحل مُسْفَرات"

يقال: أسْفَرتُ البَعِيرَ وسَفرْتُه إذا خَطمتَه وذلَّلتَه بالسِّفارِ، وهو الحَدِيدةُ التي يُخْطم بها البَعيرُ.

- ومنه حديث محمد بن علي: "تصَدَّق بجِلالِ بُدْنك وسُفْرها".

هو جمع السِّفار - وإن رُوِى: مِسْفَرات، بكسر الميم، فمعناه القَويَّة على السَّفَر. يقال: رجلٌ مِسْفرٌ، وناقة مِسْفَرةٌ: قَوِيّان على السَّفر، قاله الأَصمَعِىّ.

- في حديث إبراهيم: "أنَّه سَفَر شَعْرَه"

: أي استَأْصَلَه، كأنه سَفَره عن رَأسه: أي كَشَفه، ومنه سُمِّي السَّفَر لأنه يُسْفِر ويَكْشِف عنِ أخلاقِ الرَّجال.

وأَسفَر الصُّبْح: انكَشَف، وسَفرت المَرأَةُ عن وَجْهِها، والرجلُ عن رَأسِه، فهُمَا سَافِران.

- ومنه الحَديثُ: "أسْفِروا بالصُّبح فإنه أعظَمُ للأَجْر".

قال الخَطَّابي: يحتمل أنهم حين أُمِرُوا بالتَّغْلِيس بالفَجْر كانوا يُصلُّونها عند الفَجْر الأَوَّل رغبةً في الأَجْر فقيل: أسْفِروا بها أي أَخَّروها إلى ما بعد الفجر الثاني، فإنه أَعظَمُ للأَجْر، ذكَرَ الأَثْرمُ عن أحمدَ. نحوه. ويَدُلّ على صحة قَول الخَطَّابي ما أخبرنا أحمدُ بنُ العباس، ومحمد بن أبي القاسم، ونوشروان بن

شير زاد، قالوا: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله، أنا سليمان بن

أحمد، ثنا أبو حُصَين القاضي، ثنا يحيى الحِمَّاني، قال سليمان:

وحدثنا عبدُ الله بِنُ أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن بكَّار، قالا: ثنا أبو إسماعيل المُؤدِّب، حدثنا هُرَيْر بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج، عن جدّه - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: "ثَوِّبْ بالفَجْر قدرَ ما يُبصِر القَومُ مواقِعَ نَبْلهِم"

ويَدُلّ عليه أيضا فِعلُه - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان يُغلِّس بها إلا يومًا واحدًا على ما روى، فلو كان الإسفار البالغ أفَضلَ لَمَا كان يَخْتار عليه).

قال الخَطَّابي: فإن قيل: فإنَّ قَبْل الوقَتْ لا تُجْزِئُهمُ الصَّلاة، قيل: كذلك هو، إلا أنه لا يفَوتهُم ثَوابهُم، كالحاكم إذا اجتهد فأخطأ كان له أجر، وإن أخطأ.

وقيل: إنّ الأَمرَ بالإسفار إنما جاء في الليالي المُقْمِرة؛ لأن الصبحَ لا يتبين فيها جدَّا فأُمِرُوا بزيادة تَبينُّ فيه، والله عز وجل أعلم.

- في حديث زَيْد بن حارثة رضي الله عنهما قال: "ذَبحنَا شاةً فجعلناها سُفْرتَنا أو في سُفرتنا".

قال الخليل: السُّفْرة: طعام يتَّخِذُه المسافرُ وكان أكَثر ما يُحمل في جِلْد مستَدير، قنُقِل اسمُ الطعام إلى الجلد، يدل عليه حديثُ عائشةَ رضي الله عنها: "صَنعْنا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر - رضي الله عنه - سُفرةً في جِراب".

ولم يكن في الذي تسمّيه الناس سُفْرة، والسُفْرة كالسُّلْفَة، واللُّهنَة للطعام الذي يُؤكَل بالغَداة.

ومما نُقلِ اسْمُه إلى غيره لقربه منه الرّاوية؛ وهو البَعير الذي يُسقى عليه، فَسُمِّيت المَزَادَة راويةً؛ لأن الماء يجعل فيها.

ومنه المَلَّة وهي الرَّماد الحارُّ يُجعَل فيه العَجِين، ثم قيل لِمَا طُرِح عليه من العَجِين مَلّة،

ومنه الرَّكْض بالرِّجل للدّابة لتُسرِع، ثم سَمَّوْا سَيرَهَا رَكضًا.

ومنه العَقِيقةُ لِمَا يُحْلَق من شَعرِ الصَّبي يوم يُذبَح عنه، ثم قيل للمَذبوُح عَقِيقة.

ومنه أن الرجل يَبني الدار ليتزوَّجَ فيها، ثم يقال: بَنَى بأَهلِه.

ومنه الغائط، وهو المُنْهبَط من الأرضِ، ثم سُمِّى الحَدَث غائطا

لمَّا كان قَضاؤُه فيه أَكثَر. ومنه العَذِرة لِفناء الدارِ، سُمِّي به لكَونها فيه

- في حديث عبد الله بن مُعَيْز، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، في قَتْل ابنِ النَّوَّاحَة "قال: خَرجتُ في السَّحَر أسْفِر فرسًا لي، فمررت بمسجد بنى حَنِيفةَ، فَسَمِعتُهم يشهدون أنَّ مُسَيْلمةَ رسولُ الله".

فلعله من قولهم: سفَّرت البعيرَ إذا رَعَّيتَه السَّفِيرَ؛ وهو أسافِلُ الزّرعِ وكُسارُه فتَسفَّر، أو من تَسفَّرت الإبلُ إذا رعت بين المغرِب والعِشاء، وسفَّرتُها أنا، وتَسفَّر وانْسَفَر عن البلد: جَلا وانكَشَف، ويروَى هذا اللفظ لأبي وائل بالقاف والدَّال.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


34-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (علا)

(علا) - في الحَديثِ: "اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ من اليَدِ السُّفْلَى"

قال ابنُ قُتَيْبَة: العُليَا: المُعطِيَة، والسُّفلَى: السَّائِلة.

قال: وفيه وَجْهٌ آخرٌ، وهو أَشبَه بمَعنَى الحَديثِ - وهو أن العُلْيَا: المُتَعَفِّفَة، والسُّفلَى: السَّائِلة.

وجاء ذلك عن ابنِ عُمَر - رضي الله عنه - مَرفُوعًا.

ووَجهٌ ثالِثٌ عن الحَسَن أنه قال: العُلْيا. المُعْطية، والسُّفْلَى: المَانِعَة.

وبَيْن الرُّواةِ في المُتَعَفِّفة والمنْفِقَة خِلافٌ، فقال عبد الوارث: العُلْيَا: المُتَعَفِّفَة.

وقال أكثرهم عن حَمّاد بن زيد، عن أيّوبَ: المُنفِقَة.

وقال وَاحدٌ: المُتَعَفِّفَة، وهو أَشبَهُ وأَصَحُّ في المعنى؛ لأنَّ ابنَ عُمَر - رضي الله عنهما - ذَكَر أنَّ رَسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - قاله وهو يَذكُر التَّعَفُّفَ.

وذهب جَماعةٌ إلى أن يَدَ المُعطِي مُسْتَعْلِيَة، وليس بشيء.

- أخبرنا الإمام أبو القَاسِم - رَحِمَه الله - أَنبأَ أبو بكر بنُ خَلَف، ثنا الحاكِمُ أبو عَبدِ الله، قال: قَرأتُ بخَطِّ أبي عَمْرٍو المُسْتَمْلي، سألت أَبَا بكر بنَ خُزَيْمة عن مَعنَى قولِ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "مَنْ صَامَ الدهرَ ضُيِّقَت عل

فقال: ينبغي أن يكون ها هنا معنى عَلَيْه عَنْه، فلا يدخل جَهنَّم؛ لأَنَّ من ازدَادَ لِلَّهِ تعالى عَملًا وطَاعةً، ازداد به عند الله رِفْعَةً، وعليه كَرَامَة، وإليه قُربَةً.

وقال الأَثْرم: قلت لأَبي عبدِ الله: فسَّر مُسَدّد قَولَ أَبي مُوسىَ "مَنْ صَامَ الدَّهرَ ضُيِّقَت عَليه جَهَنِّم"، قال تَضِيقُ فلا يَدْخُلُها، فَتَبَسَّم، وقال: مَنْ قَالَ هذا؟ وأينَ حَدِيثُ عبدِ الله بِن عَمْرو أَنَّ النبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وسلم - كَرِه ذَلِك له، وما فيه من الأَحادِيث.

- وفي حديث أَبِي سُفْيَان: "لولا الحَياءُ من أن يَأْثِروا علىّ كذِبًا لكَذَبت عَنْه "

عَليَّ بمعنى عَنِّى - أيضًا - قال الشاعر:

إذا رَضِيَت عَلَىَّ بنو قُشَيْر لعَمرُ الله أعجَبَني رِضَاهَا

وقَولُه عليه بمعنى عَنْه، كما يجعلون عليَّ بمعنى عَنِّي، قال الشَّاعِرُ:

لَاهِ ابنُ عَمِّكِ لا أَفْضلْتَ في حَسَبٍ

عَنَّى ولا أَنْتَ دَيَّاني فَتَخْزُوني.

: أي ما أَفْضَلْت علىَّ.

والعُلْيَا من عَلاَء المَجْد، والفِعْل منه عَلىَ في المكارم - بكسْر اللام - يَعْلَى، ومن ذلك يُسَمَّى يَعْلَىَ وأَبُو يَعْلَى.

- في الحديث: "تَعلُو عنه العَيْنُ"

: أَى تَنبُو، وإذا نَبَا الشيءُ عن الشيءِ ولم يَلْصَق به فَقَدْ علاَ عنه.

- وفي حَديثِ ابنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: "فإذا هُوَ يتعَلَّى عَنِّي"

: أي يَتَرفَّع عَلَيَّ.

- وفي حَديثِ سُبَيْعَة - رَضي الله عنها -: "فلما تَعلَّت، أو تَعالَت من نِفاسِها".

: أي ارْتَفَعت وطَهُرت.

وتَعَلَّى الرَّجلُ من عِلَّته؛ إذا ارتَفَع وبَرَأَ. ويَجوزُ أن يكونَ مُطاوعَ عَلَّلها اللَّهُ

: أي أَزالَها. فَفَعل به ما فَعَل بِتَقَضُّضِ البَازي وتَطَبَّبَت

- في حديث قَيْلةَ: "والله لا يِزَال كَعْبُك عاليًا"

: أي لا تَزَالِين شَريفَةً مُرتَفِعةً على من يعاديك ظاهِرةً مَنصُورَةً على مَنْ يَقْصِدُك بِسُوء.

- في حديث زَكاةِ الفِطْر: "على كلِّ حُرٍّ وعَبدٍ صَاعٌ"

قيل: مَعنَى على - ها هنا -: عَنْ؛ لأن العَبدَ لا تَجب عليه، وإنما تَجب على سَيِّده عنه. كما قَالَ اللَّهُ تَعالَى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ}: أي من النَّاسِ.

ومِثلُه قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلام: "مَنْ صَامَ الدَّهرَ ضُيِّقَت عليه جَهَنَّمُ"

قيل: معناه ضُيِّقَت عنه حتى لا يَدْخُلَها.

- في حَديثِ ابنِ عُمَرَ - رَضي الله عنهما -: "أَخذْت بعَالِيَة رُمْح"

وهي ما يَلِى السِّنانَ مِن القَناةِ. والجَمعُ العَواليِ.

- وفي حديث: "بَعَثَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - إلى أَهلِ العَالِيَة"

وهي أَعلَى المدِينةِ، والمَنْسوب إليه عُلْوِىٌّ.

وقِيلَ: عَالِيَةُ الحِجاز وغيرها: أَعْلَاها، وما ارْتَفَع منها، ويَتَبَيَّن ذَلِك بمَجِيء المَاءِ من ناحِيَتِه.

وعالِيَةُ كلِّ شيء: عِلْوه وعُلْوه، وقد أَعلَى وعَالَى: أَتَى العَالِيةَ.

- ومنه حَدِيثُ عَبدِ الله بن عَمْرو - رضي الله عنه: "جَاءَ أَعرابيٌّ عُلْوِيٌّ جَافٍ"

- في حديث عمر - رضي الله عنه -: "فارتَقَى عُلِّيَّة"

على وزن حُرِّيّة، وهي الغُرفَة، وجَمْعُها عَلاَلِيّ. قيل: وهي في التَّصريف فُعُّوْلَة.

وقال الأَزهَرِي: عِلِّيَّةٌ أكثر: يعني بكَسْر العين - وجَمعُها: عِلَّىٌّ.

- في حديث معاوية - رضي الله عنه -: "ما بَالُ العِلاَوةُ بين الفَوْدَيْن"

العِلاوةُ: ما زِيدَ على الحِمْل ووُضِع فَوقَه وعُولِى عليه، وضَربَ عِلاوَتَه: أي رَأْسَه.

- وفي حديث عطاء: "في ذكر مَهْبِطِ آدمَ عليه الصلاة والسَّلامِ، فقال: هَبَطَ بالعَلاةِ"

وهي السِّنْدَان.

- وفي حديث أُحُدٍ: "عَالِ عَنْها"

: أي تَجافَ عن ذِكرِها، يَعنِي هُبَل.

- وفي الحديث: "عَليكُم بكَذَا".

جُعِل اسمًا للفِعْل الذي هو خُذْ. قيل: عَلَيْكَ بزَيدٍ، وعليك زيدًا: أي خُذْه.

- في شِعْر عَبَّاس:

.. مِنْ * خِنْدِفَ عَلْياءَ تَحتَها النُّطُق *

عَلْيَاء: اسم للمكان المرتَفِعِ، كالنَّجْد واليَفَاع، وليست بتَأْنِيث الأَعْلَى، ولو كانت صِفَةً قيل: عَلْوَاء كالعَشْواء والقَنواء، والخَذْواء؛ ولأَنَّها استُعمِلت مُنكَّرة، وأفعل للتَّفْضِيل، ومُؤَنَّثُه بخِلافه.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


35-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (عنن)

(عنن) - في الحديث: "وذُو العِنَان الرَّكُوب"

يعني الفَرَس. والرّكُوبُ: الذَّلُول للرُّكُوب، ونَسبَه إلى العِنَان؛ لأنه يُلجَم ويُركَب. وقيل: العُنَّة من ذلك؛ لأن العِنِّين كأَنَّه مَكْبُوحُ العِنانِ عن الجماعِ.

- في حديث قَيْلَة - رضي الله عنها -: "تَحسَب عَنِّي نائِمَةٌ"

: أي تَحسَب أَنِّي، يُبدِلُون من الهَمْزة عَينًا، وبنو تَميم يتَكلَّمون بهذه اللُّغة. قال ذُو الرُّمَّة:

أَعَن تَرسَّمْتَ من خَرقاءَ مَنزِلةً

مَاءُ الصَّبابَةِ من عَيْنَيْك مَسْجُوم

: أي أأَن تَرسَّمْت، وتُسَمَّى العَنْعَنَة.

- وفي حديث حُصَيْن بنِ مُشَمِّت: "أَخْبَرنا فُلانٌ عَنَّ فُلانًا حدَّثَه"

يريد أَنَّ فُلانًا، وهذا لِبَحَحٍ في أَصواتِهم.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


36-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (فرق)

(فرق) - في الحديث: "المُتَبَايِعَانِ بالخِيارِ ما لَم يَتفرَّقَا"

حكى أبو عُمَر الزَّاهد: أَنَّ أَبَا موسى النَّحوىَّ سأَل أَبَا العباس أحمَد بن يَحْيى: هَلْ بَيْن يَفْتَرِقَان ويتفَرَّقان من فَرْق؟

فقال: نعم. أخبَرنا ابنُ الأعرابِيِّ: عن المُفَضَّل، قال: يَفْتَرقَان بالكَلام، ويَتَفَرَّقَان بالأَبْدانِ.

- في الحديث: " فَجُئِثْتُ منه فَرَقًا"

الفَرَق: الخوف؛ وقد فَرِق يَفْرَقُ فَرَقًا فهو فروق؛ وفي المبالغة فَرُوقَة: أي شَديدُ الخَوْف. ورجلٌ وامرأةٌ فَرُوقَة.

- في حديث [أبي مِجْلَز]: "عُدُّوا مَنْ أَفرَق من الحَيِّ"

: أي بَرأَ منَ الطّاعون. وقيل: إن ذلك لا يُقال إلَّا من عِلَّة تُصِيبُ الإنسانَ مَرَّةً كالجُدَريِّ والحَصبَة ونحوهما.

- في الحديث: "في كلّ عَشرة أَفرُقِ عَسَلٍ فَرَقٌ "

- وفي حديث آخر: "ما أَسكَر الفَرَق منه فالحُسْوَة منه حَرامَ"

رُوِى عن الشافعي - رحمه الله - أن الفرَق ستَّة عَشَرَ رِطْلًا، وهو ثَلاثَةُ أَصْوُع. والفَرْق - بسكون الراء - مائَةٌ وعِشْرون رِطلًا. والمُدُّ: رِطلٌ وثُلُث. وقيل: رِطْلان، والأَولُ أَثبَتُ.

- وقال الزُّهْرِي: في حديث عائِشةَ - رضي الله عنها -: "كان يَغْتَسِل من إناء يُقالُ له: الفَرَق"

أَظنُّ الفَرَقَ خَمسةَ أَقْسَاط. وقيل: القِسْط: نِصْف صاعٍ.

وقال غيره: الفَرَق: القَدَح، والإناء لأَربَعةِ أَرْطال. والجمع

فُرِقَان. والفَرَق جمعه أفْراق، ثم فُرقَان، وقيل: الفَرَق: مكيال ضَخْم بالعِراق غير الفَرْق، والفُرْق والفُرقَان، كالشُّكْر للشُّكران.

- في حديث الزَّكاة: "لا يُفَرَّق بين مُجْتَمِع، ولا يُجمَع بين مُتَفَرِّقٍ خَشْيَة الصَّدَقَة"

ذهب أحمد إلى أن معناه: أنه لو كان لرجل بالكوفة أربعون شاة، وبالبصرة أربعون شاة كان عليه شاتان؛ لقوله عليه الصّلاة والسّلام: "لا يُجْمَع بين مُتَفَرِّق". ولو كان ببغداد عشرون وبالكوفة عشرون لا شَيءَ عليه لذلك، ولو كانت له إبلٌ في بُلْدان شَتَّى إن جُمعَت وَجَبت فيها الزَّكاةُ، وإن لم تُجمَع لم تَجِب في كل بلد لا يجب علَيه

- وفي الحديث: "كأنّهما فِرقَانِ من طَيْرٍ صَوَافَّ "

الفِرْقُ: القَطِيع من الغَنَم.

- في حديثِ ابنِ عبَّاس - رضي الله عنهما -: "فَرَق لي رَأْىٌ "

: أي بَدَا وظَهَر.

- وفي حَدِيثِه لِسَعْد: "وَصفَ له الفَريقَةَ "

وهي تَمْر يُطبَخ بحُلبَة، وفَرَقْتُ النُّفَسَاء وأَفرَقْتُها.

- في صفته: "فارِقَ لِيَطا"

: أي يُفرِّق بين الحَقِّ والبَاطِل.

- في حديث أبي بكر - رضي الله عنه -: "أبِالله تُفَرِّقُني؟ "

: أي تُخَوِّفُني، وقد فَرِقَ فَرَقًا.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


37-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (قرن)

(قرن) - في الحديث: "نَهَى عن القِرانِ إلَّا أن يَستأذِنَ أَحَدُكم صاحِبَه"

وفي رِواية: "عن الإِقرانِ". والأوّل أصحّ.

وهو أن يَجْمَع بين التَّمرتَينِ، فيَقْرُنَ بينَهُما في الأَكْل.

وله وَجْهَان: ذهَبَ جابِرٌ وعَائِشةُ - رضي الله عنهما - إلى أنه قَبِيحٌ فيه هَلَعٌ وشَرَهٌ؛ وذلك يُزْرِي بصَاحبِه.

- والآخر ما رُوِى عن جَبَلةَ: "كُنّا بالمدينَة في بَعْث العِراق، فكان ابن الزُّبَير يَرْزُقُنا التَّمْر، وكان ابنُ عُمَر يَمُرُّ فيقول: لا تُقارِنُوا إلّا أن يَسْتَأذِن الرجلُ أخاه"

فعلى هذا أنما كُرِه؛ لأن التَّمرَ كانَ رِزقًا من ابن الزُّبَيْر، وكان مِلكُهم فيه سَواء، فيَصِير الذي يَقْرُن أكثرَ أكلًا من غَيْره، ويَدلُّ عليه قَولُه: "إلّا أن يَسْتَأذِنَ"، فإن أَذِنَ له فكَأَنَّه جاد عليه. ورُوِى نَحوُه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في أصحاب الصُّفَّةِ. فإذا كان التمرُ مِلْكًا لَه، فله أن يَأكُلَ كما شَاء.

كما رُوى أنّ سالمًا كان يأكل التمر كفًّا كَفًّا، وذهب ذاهب إلى أنّ النَّهىَ انصرف إلى وقتٍ كان الطَّعام فيه قَليلًا؛ فأمّا إذا كان الطعام بحيث يكون شِبَعًا للجَميع، وكان مُباحًا له أَكلُه، جاز أن يَأْكلَ كما شاء.

- في الحديث: "أنه صلى الله عليه وسلّم مرّ بِرجُلَين مُقْتَرِنَيْن، فقال: ما بَالُ القِرانِ؟ قالا: نَذَرْنَا "

قال الأَصْمَعِي: القَرَن متَحرِكةَ الراءِ: جَمعُك دَابَّتَين في حَبْل. والحَبْل الذي يُلزَّان به قَرَنٌ أيضا.

ومنه حَديثُ ابنِ عَبَّاس - رضي الله عنهما -: "الحياء والإيمان في قَرَن"

: أي قِرَانٍ.

- في حديث علىّ - رضي الله عنه -، ويُروَى عن مَروانَ أَيضًا: "إذا تزوّج المرأةَ وبها قَرْن "

القَرْن - بسكون الراء -: شيء في الفَرْج كالسِّنِّ يَمنعُ من الوَطْء.

ويقال له: العَفَل أيضًا.

- ومنه حديث شُرَيح: "في جاريةٍ بها قَرْنٌ، فقال: أَقْعِدُوها، فإن أَصابَ الأرضَ فهو عَيْبٌ، وإن لم يُصِبْها فلَيْس بعَيْبٍ"

- في الحديث: "تَعَاهَدُوا أقْرانَكم"

هو جَمْعُ القَرَنِ، وهو جَعْبَةٌ صغيرةٌ تُضَمُّ إلى الكَبِيرة، قَالَه الأصمَعِيُّ.

وقال غَيرُه: هو جَعْبَةٌ مَشْقُوقَةُ الجَنْبِ، لتدخلَ الرِّيحُ فيها، فلا يتآكل الرِّيشُ.

: أي انْظُروا هل هي ذَكِيَّة أم مَيِّتَة، إذا حَمَلْتموها في الصَّلاة.

- ومنه حديث عُمَيْر بن الحُمام - رضي الله عنه -: "فأَخرَج تَمْرًا من قَرَنِهِ"

: أي جَعْبَتِه.

- في الحديث: "أَنَّ رجلًا أَتاه، فقال: علِّمني دُعاءً، ثم أَتَاه عند قَرْنِ الحَوْل"

: أي عند آخر الحَوْل الأَوَّل، وأَوَّل الثاني.

- في صِفَة عُمر - رضي الله عنه -: "قَرنٌ مِن حديدٍ"

: أي حِصْنٌ.

- وفي الحديث: "أنه وَقَفَ على طَرَف القَرْن الأسْودِ"

وهو جُبَيل صَغِير، أو رابِيَة تُشْرف على وهدَةٍ.

- وفي حديث مَواقِيت الحَجِّ: "يُهِلُّ أَهْلُ نَجْد مِن قَرْنٍ"

وقَرْنٌ: جَبَلٌ أَملسُ مُطِلٌّ على عَرفَات، كأنه بَيضَة من تَدْوِرَةٍ.

- وفي الحديث: "أنه احْتَجَم على رأسه بقَرْنٍ حين طُبَّ"

وهذا مما يُغلَط فيه، كما يُغلَط في حديث إبراهيم عليه الصّلاة والسَّلام: "أنّه اخْتَتَن بالقَدُومِ".

قال عمر بن أبي رَبِيعَة:

فَلَيتَ الَّذي لَام في حُبِّكُمْ

وفي أَنْ تُزَارِى بِقَرْنٍ وقَاكِ

: أي بجانب.

وقَرْن طَيّءٍ: موضع. وقَرن: وَادٍ لسَعد بن بَكْرٍ.

وقَرن الجَوارِي، وقَرْن أُمِّ مَسْجد، وقَرْن الثَّعالِب: جِبالٌ بجَدِيلَة.

وأنشد شَيخُنا الإمام أبو المَحاسِن مَسْعُودُ بنُ محمد بن غانم الهَرَوى

في مَواقِيت الإحرام وأجازه لنا:

قَرْنٌ يَلَمْلَمُ ذُو الحُلَيْفَةِ جُحفَةٌ

بل ذَاتُ عِرقٍ كُلُّها مِيقَاتُ

نَجدٌ تَهامَةُ والمدينَةُ مَغرِبٌ

شَرْقٌ وهُنَّ إلى الهُدَى مَرقاةُ

والأصل في القَرْن ما ذكرناه.

- في حديث كَرْدَمَ - رضي الله عنه -: "وبِقَرْنِ أيِّ النّساء هي؟ "

: أي بِسِنِّ أيِّهنّ.

والقَرْنُ: بَنُو سِنٍّ وَاحِد، وأنشَد ثَعلَب:

إذا مَا مضى القَرْن الذي أَنتَ فيهم

وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فَأنْتَ غَرِيبُ

قال قَومٌ: القَرْنُ: عِشْرُون سَنَةً، وقيل: ثَلاثُون، وقيل: سَبْعُون.

وقال أَبُو إسحاق: هو مِقْدَار التوَسُّطِ في أَعمارِ أهل الزَّمَان؛

فهو في قَومِ نُوحٍ على مِقْدارِ أعْمَارِهم، وكذلك في كُلِّ وَقْتٍ؛ مأخوذٌ من الاقْتِرَان، فَكَأَنَّه المِقْدارُ الذي هو أَكثَر ما يَقْتَرِن فيه أَهلُ ذلك الزمَانِ في معايشِهم ومُقامِهم

- في الحديث: "أنّ الشمسَ تَغرُبُ بين قَرْنَىْ شَيطانٍ"

قال الخَطَّابيُّ: قيل: هو مُقارنَتُه الشَّمسَ عند غُروبها، كما رُوِى "أنه يُقارِنها إذا طَلَعَتْ، فإذا ارتفعت فارقَها، فإذا استَوَت قارَنَها، فإذَا زالَت فارقَها، فإذا غَرَبت قارنَها"

وقيل: قَرْنُه: قُوَّته؛ من قَولِهم: أنا مُقْرِنٌ له؛ فإنه يَقوى أمرُه في هذه الأوقاتِ؛ لأنه يُسَوِّلُ لِعَبَدَة الشّمسِ أن يَسجُدُوا لها في هذه الأزمانِ.

وقيل قَرنُه: حِزبُه وأَصحابُه. يقال: هؤلاء قَرْنٌ،: أي نشْءٌ. وقيل: بين قَرْنَيْه؛ أي أَمَّتَيْه الأَوَّلَيْن والآخِريْن. وقيل: إنه تَمثِيل؛ وذلك أنّ تأخيرَ الصَّلاةِ، إنما هو تَسوِيلُ الشَّيطان لهم.

وذوات القُرون إنما تُعالج الأَشياءَ بقُرونها، فكأنّهم لمَّا دَافَعوا الصَّلاةَ وأخَّروهَا بتَسْوِيلِ الشَّيطانِ لهم حتى اصْفرَّت الشَّمسُ صار ذلك بمنزلة ما يُعَالِجه ذَوُو القُرون بِقرونِهَا.

وفيه وجهٌ آخرُ: وهو أَنه يَنتصِبُ دُونَهَا، حتى يكون طُلُوعُها

وغُرُوبُها بَين قَرْنَيه؛ وهما جانِبا رأسِهِ؛ فينقَلِبُ سُجُودُ الكفَّار للشّمسِ عِبادةً له.

وقَرْنَا الرأسِ: فَوْدَاه.

قال: وكَوْن الشمسِ بين قَرْنَي الشيطانِ، وذِكْرُ تَسْجِير جَهَنَّم، وما أَشبَهَه من الأشياءِ التي تُذكَرُ على سبيل التَّعْلِيلِ؛ لتَحريم شيَءٍ أو لِنَهىٍ عن شيءٍ أُمورٌ لا تُدْركُ مَعَانِيها من طريقِ الحِسِّ والعِيان؛ وإنما يجب علينا الإيمانُ بِها، والتَّصديقُ بمُخْبَراتها، والانْتهاءُ إلى أَحْكامِها التي عُلِّقَت بِهَا.

ذكر محمد بن موسى بن حماد البَرْبَرِي، أخبرنا أبو العباس عُبَيْدُ الله بنُ عَبدِ الله اللِّحياني المُؤدِّب، قال أبو عمرو الشَّيْبَاني: قال أبو بَكْر الهُذَليّ: قال عِكْرِمة:

والذي نَفْسي بيَدِه ما طَلَعت؛ يَعني الشَّمسَ، قَط إلا يَنْخُسُها سَبْعُونَ ألفَ مَلك، يقال لها: اطْلُعِي، فتقول: لا أَطْلُع على قَومٍ يَعبُدَونيِ من دُونِ الله، قال: فيأتِيها مَلَكَان حتى تستَقِلّ لِضِيَاء العِباد، فيأتِيَها شَيْطانٌ يُريدُ أن يَصُدَّها عن الطلوع، فتَطْلُعَ على قَرْنَيْه؛ فَيَحْرُقَه الله تَعالَى تَحتَها، وما غَربَت قَطّ إلّا خَرَّت لله تعالى ساجِدةً، فيَأتِيهَا شَيْطان يُريدُ أن يَصُدَّها عن السُّجود لله تعالى فتَغْرُب على قَرْنَيه؛ فيَحْرُقَه الله تعالى تَحتَها؛

فذلك قَولُ النّبيِّ - صلِّى الله عليه وسلّم -: " تَطلعُ بين قَرْنَي شَيْطان، وتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَي شَيْطان "

- في حديث قَيْلةَ - رضي الله عنها -: "فأَصابَت ظُبَتُه طائِفةً من قُرونِ رَأْسِيَه."

: أي بَعضَ نواحي رَأسي.

- في الحديث: "أنه قُرِن بِنُبُوَّتِه إسْرافِيلُ ثَلاثَ سِنين، ثم قُرِن به جَبْرَئِيلُ عليه السّلام"

: أي كان يَأتِيهِ بالوَحي وغَيره.

في الحديث: "ما من أَحدٍ إلَا وُكِّلَ به قَرِينُه "

يعني قولَه: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهوَ لَهُ قَرِينٌ}

- وفي حديث آخر: "فقاتِلْه فإنَّ معه القَرِينَ

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


38-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (قوم)

(قوم) - قَولُه تَباركَ وتَعالَى: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}

: أي وَسَطًا.

- في الحديث: "حِينَ قام قائمُ الظَّهيرة"

: أي قامَت الشَّمسُ وقْتَ الزَّوال.

قال الأَزهرىّ: هو مِن قَولِهم: قَامَت به دَابَّتُه: أي وَقَفَت - ومنه قَولُه تعالى: {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}

: أي وَقَفُوا.

قال: وسَمِعْتُ العربَ تَقول للدَّابَّة إذَا أَفلَتت: قُومي: أي قِفِي. والمعنى أَنَّ الشَّمسَ إذَا بَلَغت كَبِدَ السماءِ ووَسَطَها لا تزول

إلّا بعد رَيْثٍ وبُطءٍ، فَيحسَب المتأَمِّلُ أنّها وقَفَتْ وَقفةً، فيُقَالُ لذَلك الوقُوف: قامَ قائِمُ الظَّهِيرَة. لأَنَّ الشمس دَائِبةُ السَّيْر والدَّوران لَيْلًا ونَهارًا لا تَقِف إلَا وَقْتَ الظُّهْر خاصَّة.

ومِثْلُه يُقَال: جاء فُلانٌ فقَامَ عَلينَا: أي وقَف.

وقيل: هو من القُوام؛ وهو دَاءٌ في قَوائم الدَّابة لا تَمشي معه.

- في حديث عُمَر - رضي الله عنه -: "في العَيْنِ القَائِمَةِ ثُلُثُ الدِّيَة"

قال الأَصمعِيُّ: هي التي ذَهَبَ مَاؤُها والحَدَقةُ صَحِيحَة.

- وفي حدِيثِ حَكِيم بن حِزَام - رضي الله عنه -: "بَايَعْتُه على أَن لا أَخِرَّ إلَّا قَائِمًا".

قال أبو عُبَيد: أي لا أَمُوت إِلَّا مُسْلِمًا.

وقال ابنُ عائشةَ: أي لا أَسقُطُ في أَمرِ من تجارَتي إلّا قَوِيًّا بِعَوْنِكَ إيَّاي وَدُعَائِكَ لي؛ لأَنّ السَّاقِطَ مِن عُلُوٍّ إذَا سقَطَ قائمًا أَحسَنُ حَالًا مِمّن خرَّ علىَ وَجهِهِ.

فقال: أَمَّا مَن قِبَلي فَلَن أُوقِعكَ في أَمْرٍ مِنِ تجارتِك يُعْطِبكَ.

قال: وكيفَ يَكون مَعناه لا أَموتُ إلَّا مُسْلِمًا؛ وقد قَال له عليه الصَّلاة والسَّلام: "أَمَّا مِن قِبَلي فَلَا"؟

قال الطَّحاوِي: قيل: أي لا أَسجدُ إلَّا مِن قِيامٍ؛ كما؛ قال:

- "لا صلاةَ لمن لا يُقِيمُ صُلْبَه في الرُّكوعَ والسُّجُودِ"

وقيل: القِيامُ: العَزْمُ، كما في قَوله تعالى: {إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}: أي بالمُطالَبةِ.

وقيل: كانَت بَيعتُه على الموتِ

- في الحديثِ: "لكَ الحمدُ أَنتَ قيَّامُ السَّمَواتِ وَالأَرض "

: أيْ عِمادُها ومُدبِّرُها، وكذلك القَيُّوم، ومعناهما: القَائِمُ بأُمُورِ الخَلْقِ وآجالِها وأرزاقِها، وأَصلهما قَيْوَام وقيْوُوم.

- في الحديثِ: "أَتاني مَلَكٌ فَقال: خَلْقُكَ قَيِّم"

: أي مُسْتَقِيمٌ حَسَنٌ.

- في الحديثِ: "حتّى يُصيبَ قَوامًا مِن عَيش "

: أي مَا يقيم به خَلَّتَه، وهو نحو العِمَاد الذي يَقومُ به الشيءُ.

- "ويَومُ القِيَامَةِ ".

قيل: هو مَصْدَر قَامَ الخَلقُ مِن قُبورهم قِيامَةً.

قال الجَبَّان: وإن لم يُقَل ذلك فهي تَعْرِيب "قِيَمْثَا". بمعناها في السُّرْيَانِيَّةِ. وقيِمَة الشيَّءِ: ما يَقُوم مقَامَه.

- في حديثِ أبي هريرة - رضي الله عنه -: "إنْ نَسَّاني الشَّيطانُ شَيئًا مِن صَلاَتي فَلْيُسَبِّح القَومُ ولْيُصَفِّق النِّساءُ "

حديث مُرسَل. واسم القَوم في اللُّغة: إنّما يُطلَق على الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ، قال زُهَيْر:

ومَا أدرِي وسوف إخال أَدْرِي

أَقَومٌ آل حِصْن أَم نِساءُ

والحديثُ أدَلُّ الدَّلائِل عليه، حَيثُ قابَل به النِّساءَ، فدَلّ أَنّهُنَّ لم يَدخُلْن فيه.

قال الخَلِيل: أَلا تَرَى إلى قَولِه تَعالَى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ}، ثم قال: {وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ}.

وسُمُّوا بذلك لأَنّهم قَوَّامُون على النِّساء بالأُمورِ التي لَيْسَت للنِّسَاء أَن يَقُمْنَ بها؛ وسُمِّيت النِّساءُ نِساءً لتأَخُّرهنَّ عن مَنازِل الرِّجَالِ؛ من نَسأتُه: أخَّرته، أو نَسِيتُه: تَرَكتُه

وقيل القَوم في الأَصل مَصدرُ قام، فَوُصِفَ به، ثم غَلَب على الرِّجال لِقيامِهم بأُمُورِ النِّساءِ، وهي صفَةٌ غالبةٌ، جمع قَائِم، كصَاحِبٍ وصَحْب.

أَخبرَنا أبو على الحَدَّاد، فيما أرى، ثنا أبو نُعَيْم، نا محمد بن عبد الله هو الحاكم في كتابه، ثنا بكر بن محمد الصَّيرفي بمَرْو، ثنا إسحاقُ بن هَيَّاج البَلْخِيّ، ثنا أبو قُدامَة، قال: سمعت الحَسَنَ ابن الرَّبيع يقول: قال عبدُ الله بنُ المُبارَك.

- في حديث ثَوْبَان: "استَقِيمُوا لِقُريْشِ ما اسْتَقَامُوا لَكُم "

تَفْسِير حديث أمّ سلَمة: "لا تُقَاتِلُوهمَ ما صَلُّوا."

- في حديثِ أَبِي الدَّردَاء: "رُبَّ قَائمٍ مَشكُورٌ له، ونائمٍ مَغْفُورٌ له"

: أيّ رُبَّ مُتَهجِّدٍ يَستَغْفِرُ لَأخِيه النَّائِم، فيُشكَر له فِعلُه ويُغفَر للنائم بدعائه.

- في الحديث: "أَنّه أَذِنَ في قَطع المَسَد والقَائِمَتَيْن"

يعني قائِمَتَي الرَّحْلِ، يُريدُ من شَجَرِ الحَرَم.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


39-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (كهل)

(كهل) - أخبرنا جعفر بن عبد الواحدِ قراءةً عليه، أو إجازةً، أنبأ أبو طاهِر بن عبد الرحيم، أنبأ عبد الله بن محمد أبو الشيخ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث، ثنا سُلَيمان بن أيوب عَقِيبَ حديث: "هذان سَيِّدَا كُهُولِ أَهلِ الجَنَّة"

قال سليمان: "يَدخُل أَهلُ الجنَّةِ الجنّةَ أَبنَاء ثَلاثٍ وثَلاثِين فَيجعَلُهم الله تعالى حُلماءَ عُقَلاَءَ" وإنّما قال: "كُهُول الأوَّلين والآخَرِين"

: أي حُلمَاء الأوَّلين والآخرين.

- وقَولُه تَعالَى: {وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}

الكَهْلُ: الحَليمُ. وقال غَيرهُ: الكَهْلُ: مَن زادَ على الثَّلاَثين إلى الأَرْبَعِين.

وقيل: من أربع وَثلاثين إلى إحدى وخمسين.

واكْتَهَل وكاهَل: بَلغَ الكُهُولةَ.

- في عَهْدٍ كَتَبه لعُمَّال اليَمَن فيه أوقاتُ الصَّلاةِ قال: "والعِشَاء إذَا غابَ الشَّفقُ إلى أن تَذْهب كَواهِلُ اللَّيْل"

: أي أوَائلُه تَشبِيهًا لِلَّيل بالمطاَيا السَّائِرةِ التي تتقدّمُ أَعناقُها وهوَادِيها، وتَتبعُها أَعْجَازُها وتَوَاليها.

والكاهل: مُقَدَّم أَعْلَى الظَّهْر ممّا يلى العُنُق.

واسْتكْهَلَ الكاهِلُ: عَظُم.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


40-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (لمس)

(لمس) - في الحديث: "اقتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَينِ والأَبتَر، فإنَّهُمَا يَلمِسان البَصَرَ ويُسْقِطانِ الحَبَل "

قال أبو سَعيد الضّرِيرُ: لمَسَ عَينَه وَسَمَل بمَعْنىً

وفي رواية: "يَلْتَمِسَان"

وقيل: معناه: يتخطَّفَان وَيَطمِسَان؛ لخاصِّيَّة في طِباعِهِمَا إذَا وَقَع بَصرُهما على بصَرِ الإنسانِ.

وفي رِوَاية: "يَطرحان ما في بطُونِ النِّساء"

وهذا يُؤكِّد هذا التفسِيرَ. وقيل: يقصِدان البَصَر باللَّسْعِ والنّهْش.

قال القُتَبِىُّ: زَعَم صاحبُ المنطق أنَّ رُجلًا ضَرَب حَيَّةً بعَصًى فمات الضّارِبُ، وأنَّ مِن الأفَاعِى ما يَنظُر إلى الإنسان فيَمُوت الإنسان بنظَرِه، وما يُصوِّت فيَمُوت السَّامِعُ مِن صَوْتِه.

قال: وقد حُدِّثنا مع هذا عن النَّضْر بن شُمَيل، عن أبى حَمْزَةَ أنّه قال: الأبتَر من الحيَّات خَفِيفٌ أزرَقُ مقَطوعُ الذَّنَب يَفِرُّ من كُلّ أحَدٍ ولاَ يَرَاهُ أحَدٌ إلاَّ ماتَ، ولَا تَنظر إليه حامِل إلاَّ أَلقَتْ ما في بَطنِهَا؛ وهو الشَّيطانُ من الحيَّات.

قال: وهذا يُوافِق ما قاله صاحبُ المنْطِق، أفَما تَعلَم أنَّ هذهِ الحيَّةَ إذا قَتلَتْ مِن بُعْدٍ فإنّما تقتُلُ بِسُمًّ فضَلَ من عَيْنِها في الهَواءِ، حتّى أصَابَ مَن رَأته، وكذلك القَاتِلة بِصَوْتِها تَقْتُل بِسُمٍّ فضَلَ من صَوْتها، فإذا دَخلَ السَّمْعَ قتَل.

قال: وقد ذَكَر الأصمعىُّ مِثلَ هذا بعَينِه في الذي يَعتَان، بلَغَنِى عنه أنه قال: "رَأيتُ رجُلًا عَيُونًا فَدُعِىَ عليه فعَوِرَ، وكان يَقُولُ: إذ رَأيتُ الشىءَ يُعجبُنِى وجَدتُ حَرَارَةً تَخرُجُ مِن عَيْنى" أخبرنا بهذا كُلِّه: حبيبُ بن محمّد - رحمه الله -، أنا أحمدُ بن الفَضْلِ، ثنا محمدُ بنُ إسحاق، وأخبرنا محمد بن أحمدَ الفَارِسىّ، أنا عبدُ الوَهَّاب بن محمد، أنا أبى، أنا الهَيْثَمُ بنُ كُلَيْب، عن ابنِ قُتَيْبَة.

وقد وَرَدَ في حدِيث أبى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ - رضي الله عنه -: "في الشَّابَّ العَرُوس من الأنصَارِ الذي ضرَب الحيَّةَ برُمْحِه فَمَاتَتْ، وماتَ الشَّابُّ من سَاعَتِه" إلَّا أَنّه ذُكِرَ أنَّ النبىَّ صلّى الله عليه وسلّم - قال: "إنَّها كانت من الجِنِّ".

فنَهَى عن قَتْلِ الجنَّانِ في البُيُوتِ حتى يُؤذَنَ.

- في الحديث: "أنَّ رَجُلًا سَألَه، فقال: إنَّ امرأَتِي لا تَردُّ يَدَ لَامِسٍ "

ذكَر الخَطابى أَنّه يُريد: الزَّانِيَة، وَأنّها مُطاوِعة لمِنَ أَرادَها لا تَردُّ يَدَه.

قال: وفيه دَليلٌ على جَوَاز نِكاحِ الفَاجِرَة، وان كان الاختِيارُ غَيرَه.

فأمّا قَولُه تَعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ..} الآية، فإنَّما نَزلَت في امرأةٍ من الكُفَّار خاصَّةً؛ فأمَّا الزَّانيةُ المُسْلِمَةُ فإنّ العَقْدَ عليهِا جائزٌ لا يُفسَخُ.

قال: ومعنى قوله: "فَاسْتَمْتِعْ بها" يعنى في هذا الحديث: أي لا

تُمسِكْها إلَّا بقَدْر ماَ تقْضِى مُتْعةَ النَّفْس منها ومن وَطَرِها

والاسْتِمتاع: الانِتفاعُ إلى حِينٍ.

ومنه قولُه تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}

: أي مُتعَة إلى حِينٍ ثم تَنْقَطِعُ.

ومنه نِكاحُ المُتْعَةِ الذي حَرَّمَه رسُولُ الله - صلَّى الله عليه وسلّم -.

أخبرنا حَبِيبُ بن محمدٍ - رحمه الله - أنا أَحمدُ بن الفَضْلِ البَاطِرقاني ثنا أبو عُمر بن عبد الوهَّاب، أنا عبد الله بن جعفر، أنا أبِى، أنا محمد بن الخطَّاب الدَّيْنورِى، ثنا أحمد بن سَعيد بن عبد الخالقِ، قال: سَألتُ أحمدَ بن حَنْبَل - رحمه الله - عن معنَى "لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ" قال: تُعطى من مَالِه، قلت: فإنّ أبا عُبَيْدٍ يقول: من الفُجُورَ، فقال: لَيس هو عِندنا إلَّا أنَّها تُعطى مِن مَالِهِ , ولم يكن النبىُّ - صلّى الله عليه وسلّم - لِيَأمُرَه بإمْسَاكِها وهي تَفْجُرُ.

وقال عَلِىّ بن أبى طالبٍ، وعبدُ الله بن مَسْعُودٍ - رضي الله

عنهما -: "إذا جاءَكم الحديثُ عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فظُنُّوا به الذي هو أَهْدَى وَأَتْقَى"

وبه قال لنا أبي، أنبأ إبراهيم بن الجُنيد قال: سَألتُ ابنَ الأَعرابىّ عن: "لا تَمْنَعُ يَدَ لامِس" ما مَعناه؟ فقال: من الفُجُورِ. فقيل له: إنّ أبا عُبيدٍ قال: تُعطِى مِن مالِهِ، فقال: لو كان كذلك لم يَأمُرْه رَسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يُطلِّقَها؛ ولكنَّه من الفجُور، فقال: لا أَصبِرُ عنها، فقال: "استَمتِع بها": أي احْفَظها.

قال: وخاف النَّبِىّ - صلّى الله عليه وسلّم - إن هو أَوجَبَ عليه تَطلِيقَها أن تَتُوق نَفْسُه إلى الحَرامِ.

وبه أنا أبى، أنا، أحمد بن يزيد، ثنا يحي بن حبيب بن عَرَبى، ثنا حَسَّان بن سَيف، عن النَّهَّاس بن قَهْم، قال: بلغنى أن لقمان زوَّج بَنِيهِ، فقال لأحدِهم: كيف رَأَيْتَ امرأتَك؟ قال: مِن خَيْر النّساءِ إلاَّ أَنّها امرأة لَا تَدْفعُ يَدَ لامِسٍ، فقال: يا بُنيّ تَمسَّك بها، واذهب بها، فانزِل في بَنى فُلانٍ، فإنّ نِساءَهم أعِفَّة، وأنَّها متَى رأتْهم أخَذَت بأَخْلاقِهم، ولم يَأمُره بفِراقهَا؛ ورُوِىَ عن عُمَرَ - رضي الله عنه - قال: "إذا كانت الرُّؤيَةُ فلا اجْتِماعَ"

ورُوِى عن مُجاهدٍ والأَوزَاعىِّ: فِيمَن اطَّلع على امرأتِه بالزِّنَى أنها لا تَحرُم عليه؛ ورُوِى عن مَكحُول خِلافُه.

ورُوىَ عن عُمر - رضي الله عنه - قال: إن شَاء أَمسَكها، وإن شاء تَركَها.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


41-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ليل)

(ليل) - في الحديث: "إني أرَى اللَّيلَةَ ظُلَّةً "

أخبرَنا أبو الخير الهَرَوِىّ، إجازَةً، أنا الرُّويَاني، أنا أبُو نَصْر المُقْرِئ، أنا أبُو سُليمَان الخطابىُّ قال: أخَبرني أبو عُمَرَ، عن أبى العبَّاسَ قال:

تقول: مَا بَينَكَ مِن لَدُن الصَّبَاح وبين الظُّهْرِ: رَأيتُ اللّيلَةَ، وبَعدَ الظُّهْرِ إلى اللَّيل: رَأيتُ البارِحَة.

وقال غيرُه: اللَّيْلُ ظَلامُ النَّهارِ والنَّهارُ: الضِّيَاءُ، وليلة لَيلاَء. ولَيْلٌ ألْيلُ: اشتَدَّت ظُلمتُها ولَيْلٌ ذُو لَيِّلٍ، على وزن جَيِّد: أي ذو ظُلْمَةٍ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


42-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (لا)

(لا) - قوله تَبارك وتعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}

: أي لَم يَتصدَّق، ولم يُصَلِّ، وأكثَر مَا تجىء مكررة

- في الحديث: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ "

: أي لَم يُؤمِنْ.

ومنه قَول عُمَر - رضي الله عنه -: "وأَىُّ عَبدٍ لكَ لَا ألَمَّا "

: أي لم يُلِمَّ بالذّنب.

وقد تَجِيءُ "لاَ" زَائِدة نحو قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}

: أىَ ليَعْلَم أهل الكتاب، وهي من حُروُف العَطْفِ، وتُزادُ فيها التَّاء فيخفض بها، كقَول الشاعِرِ:

« طَلَبُوا صُلْحَنَا ولاتَ أَوَانٍ »

- في حديث أبى قَتادةَ وغَيْره: "إِمَّا لا فلا تَفعَلُوا"

فالعَربُ تُمِيل هذه اللام؛ وقد تُكْتَب بالياء فيُغْلَط فيه، فيظنُّونَها لى التي هي قَرِينَةُ لك، وليس كذلك، ذكره الميداني.

- في حديث بَريرَةَ - رَضى الله عنها - مِن طَرِيق هِشَام بن عُرْوةَ: "اشْتَرِطى لَهُم الوَلَاءَ "

قيل: إنّ هذه اللَّفظَةَ غِيرُ محْفُوظَةٍ، ولَوْ صَحَّتْ لَكانَ

معناهَا: لا تُبالِى بقَولِهم لا أَن تَشْتَرِطِيهِ لَهُم، فَيكُون خلفًا لِمَوعودِ شَرْطٍ، وَكان المُزَنيّ يتأوّله فيقُول: [معناه]: اشْتَرطِى عليهم، كمَا قالَ تعالى: {لَهُمُ اللَّعْنَةُ}: أي عليهم.

ولِلَّام وُجُوهٌ صُنِّفَ فيها كُتُبٌ مُفرَدةٌ:

قال الطحاوىُّ: هذه اللَّفْظَة لم نَجِدْها إلَّا في رِوَاية مَالِك وجَرِير بن عبد الحَميدِ، عن هِشَام بن عُرْوَة، ويزيد بن رُومَان، عن عُرْوَةَ. وقيل: هو كقَولَه تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}: أي عليها. وهو قول عبد الملِكِ بن هِشَام النّحوى. قال مُحمَّد بن العَبَّاس: فَذَكَرتُ ذلك لأَحمَدَ بن أبى عِمْرَان، فَقال: قد كَان مُحمّد بن شُجَاع يحمل ذلك على الوَعِيد الذي ظاهِرُه الأَمرُ وباطنه النَّهى.

- ومنه قوله تعالَى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ..} الآية.

وَقولُه تعالى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}؛ وقال: أَلا تَراه قد أَتْبَع ذلك صُعُودَ المِنبَر وخُطبتَه بِقَوله: "مَا بَال رِجَالٍ يَشتَرِطُون.. " الحديث، ثم أتبع ذلك بِقَوله عليه الصّلاة وَالسّلام: "إنما الوَلَاءُ لمن أعْتِق" وَذكر أبو بكرٍ الأثرم؛ أنّه سَأل أحمدَ بنَ حَنبَل - رحمه الله -: عن وجهه، فقال: نُرى - والله أعلَم -: أنَّ هذا كَانَ [قَدْ] تَقدَّم مِن النبىّ - صلّى الله عليه وسلّم - القولُ فيه، فتقدَّم هؤلاء على نَهى النَّبىِّ - صلَّى الله عليه وسلّم - فقالَ: اشتَرِطى لهم. قال: قلتُ له: فَكأنّه عندك، لمّا تقَدَّمُوا على نَهْىِ النَّبِىّ - صلّى الله عليه وسلّم [وخلافِه]. كان هذا تَغلِيظًا مِن النّبىّ - صلّى الله عليه وَسلم وغَضَبًا، فقال: هكَذَا هو عِندنا - والله تعالى أعلم.

أخبرنا هِبَة الله السَّيِّدى [إجازَةً]، أنا أبو بكر البَيْهَقِى، أنا الحاكم أبو عبد الله، أخبرني أبو أحمد بن أبى الحسَن، أنا عبد الرحمَنِ - يعنى - ابن محمد، ثنا أبى، ثنا حَرمَلة، سمعتُ الشافعىَّ - رحمه الله - يقول: في حديث النّبىّ - صلَّى الله عليه وسلّم - حَيثُ قال: اشتَرطِى لهم الوَلاء. معناه: اشترطى عليهم الولاء.

قال الله - عزّ وجلّ - {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ}

: أي عليهم اللَّعْنة.

قال الحاكِمُ: ثنا الأصَمُّ، أنا الرّبيع، قال الشّافِعى: حَدِيثُ يحيى بن مَعين، عن عَمْرَة، عن عائشةَ: أثبَتُ من حديث هِشَامٍ، وأَحسِبُه غلط في قوله: "واشتَرِطى لهم الوَلاءَ". وأحْسِبُ حديث عَمْرَةَ: أنَّ عائشة كانت شرطت لهم بِغَير أمْرِ النَّبى - صلّى الله عليه وسلّم -، وهي تَرى ذلك يَجوز، فأَعْلَمها رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - أَنَّها إن أَعتَقتْها فالوَلَاء لها، وقال: لا يَمْنَعَنْك عنها مَا تقدَّم من شرطِكِ، ولا أَرَى أنّه أَمرَها أن تشتَرِط لهم ما لا يَجوُز.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


43-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (مجر)

(مجر) - أخبرنا أبو الحُصين بِبَغدَاد، أنا ابن المُذهِبِ، أنا ابنُ مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدّثنى أبِى، ثنا محمد بن جَعْفَر، ثنا هِشام بن حسَّان، عن محمد بن سِيرين، عن ابى هُرَيرة - رضي الله عنه، عن النّبِىّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَعنى عن الله تبارك

وتعالى، قال: "الحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمثالهَا، والصَّوْمُ لىِ، وَأَنَا أَجزِى بهِ، يَذَر طعَامَه وشَرَابَه مَجرَاىَ".

: أي من جَرَّاىَ وَمِن أَجْلِى، اختَصَرَهُ وخَفَّفَهُ.

وَهذا في حَدِيث أبى هُرَيرَة في مَوَاضِع كذلك، فَلعَلَّه لُغَةٌ له.

وكذلك العَرَبُ تَختصِرُ مِن أَجل الذي بهذا المعنَى، كما تقدَّم ذِكْرُه.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


44-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (نقص)

(نقص) - حديث أَبى بَكْرَةَ - رضي الله عنه -: "شَهْرَا عِيدٍ لا يَنْقُصَانِ"

قال إسحاق: يعنى في الحُكْمِ وإن نقَصَا في العَدَدِ.

وقيل: أرَادَ ألّا يَقدَحَ في صُدُورِ أُمَّتِه شَكٌّ إذا صَامُوا تِسْعَةً وَعِشْرِين يَوْمًا. وكذلك إن وقَعَ خَطأ في يَوم الحج، لَمْ يكُن عليهم فيه حَرَجٌ، ولم يقَع في نُسُكِهم من ذلك نَقْصٌ.

وقال أَحْمَدُ: أي لا يَكادَان في سَنَةٍ واحِدَةٍ يُوجَدان مُجتَمِعَين في النُّقْصَان.

قال سيدنا - حرسه الله -: وقد وَقَع لى في شَهْرِ رَمَضان

معنى؛ وهو أَنّه عليه الصّلاة والسَّلام قال: "مَنْ صَامَ رَمضَانَ وأتبَعَه بستَّةٍ من شوَّال كَانَ كَصِيَامِ السَّنَةِ"

وجاء في رِواِيَةٍ: "أنَّ صَومَ رَمَضَانَ بعَشَرَة أشهُرٍ، وَصومَ السِّتّة الأيام بِسِتِّين يَومًا، كُلُّ يَوم بعَشرَة أيّامٍ"

فأراد في هذا الخبرَ: أنَّ صَوْمَ رَمَضَان، وَإن كانَ تسعَةً وعشرينَ يوما لَا ينقُصُ مِن أن يكون بعشَرة أشهر، وهذا معنَى حَسَنٌ، إن تأتَّى أن يُقالَ في ذِى الحجَّة وَجهٌ مِثلُه.. وقد وَرَدَ طريق آخَر لهذا الحدِيث زَاد في الإِشكال، وهو مَا أخبرنا به أَبو غَالب الكُوشِيذِىُّ، أنا أبُو بَكر بنُ رِيذَة، أنا أبو القاسِم الطَّبرانى، قال ثنا أحمد بن يحيى الحُلْوانّى، ثنا سعيد بن سُليمَان، عن هُشيمٍ، عن خالدٍ الحذَّاء، عن عبد الرَّحْمَنِ بن أَبى بَكْرَةَ، عن أبيهِ رضي الله عنه، قال:

قال رَسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم -: "كُلّ شَهرٍ حَرَامٍ لا ينَقُص ثلاثين يومًا وثلاثين لَيْلةً"

وَهذا لا يِمكن أن يُحمَل إلّا على الثّواب: أي للعَامِلِ فيها ثَوابُ ثلاثين يومًا ولَيْلَةً في الصَّلَاةِ والصِّيَامِ ونحوهمَا، وهذا نحو قوله عليه الصّلاة والسَّلاَمُ: "لا ينقُص مَالٌ مِن صَدَقَةٍ"

على أنّه قد رُوِىَ عن غير واحدٍ من أهل اليَقِين والمَعْرفة: أنّهم عَدُّوا الدّرَاهِمَ أو وَزَنُوها، ثَم تصدَّقوا منها، فوَجَدُوهَا بحالِهَا، لم تَنقُص، وَالإسنَادُ صَحِيحٌ، والنَّبِىُّ صلّى الله عليه

وسلّم صادِقٌ، ولكنْ أفهَامُنَا تقصُرُ عن إدْرَاكِ مثلِها، فتَكِلُ عِلْمَه إلى قائله عَليه الصّلاة والسّلام، وإلَى باعثِه جَلّ جَلالُه.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


45-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (وصل)

(وصل) - أخبرنا الزَّاهِدُ أبُو عَبد الله أحمد بن على الأسْوَارِى وغَيْرُه - رحمهم الله - إذنًا عَنِ كتاب أحمد بن جعفرِ الفقِيه، ثنا أبو الفَتح الفَضلُ بن جَعْفر بن ريْطَةَ الحَانِى، ثنا أبو قِلاَبَةَ: محمدُ بنُ أَحْمَدَ، إمَامُ جَامع البَصْرَة، ثنا أحمدُ بن العَبَّاسِ بن الوليد النحوىّ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثنى أَبى رحمه الله، ثنا حَفْصُ بن غِياث، عن لَيْث، عن المُغيرةِ بنِ حَكِيم، عن عَبدِ الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال:

نَهَى رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم عَن المُوَاصَلَة في الصَّلاةِ، وقال: إنَّ اْمَرأً واصَلَ في الصَّلَاةِ خَرَجَ منها صِفْرًا.

قال عَبدُ الله: قال أَبى: مَا كُنَّا نَدْرِى مَا المواصَلَة في الصَّلاة، حتى قَدِمَ علينا الشّافعىُّ، قال عبدُ الله: فَمضىَ إليه أَبِى فسَأله عن أشْيَاءَ، وكان فيما سَألَه أن سَأَله عن المُواصَلة في الصَّلَاة، فقال يعَنى هي في مَواضِعَ، منها:

أن يقُوَل الإمامُ: {وَلَا الضَّالِّينَ} فيقُولَ مَن خَلْفَه: {آمِينَ} مَعًا. قال له أبِى: أو لَيْسَ قد أَمَر رَسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - بقولِ آمين؟ قال: نعم: ولكن بَعد أن يَسْكُتَ الإمَامُ، قال له: هل بَقِى من المواصَلةِ شىء؟ قال: نعم. أن يقرأَ الإمامُ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} الله أكبرُ، فيصِل التكبيرَ بالقِراءَةِ، قال له: هَل بَقِى من المواصَلةِ شىء؟

قال: نعم، السَّلَامُ عليكم ورحمةُ الله، السَّلامُ عليكم وَرحمة الله، فيصل التَّسليمَةَ الأولى بالثانية، الأُولى فرض، والثانية سُنَّةٌ ولا يُجْمَعُ بين الفرض والسُّنّة، فعَلى الإمَام من النّهى اثْنَتانِ، وَعَلى المأمُوم وَاحِدَةٌ.

وكتب إلىَّ أحمدُ بن عَلى بن بَدْران الحلواني - رحمه الله - من بَغدَاد، ثنا أَبو على محمدُ بن المُسْلِمَة، ثنا عَلىّ بنُ أَحمدِ الحمامى، ثنا أحمد بن جعفر بن سَلَم، حدثنى أبُو عَلىّ، ثنا محمد بن العَبَّاس، ثنا عبدُ الله بن أحمد بن حَنْبل قال: قَال أَبى - رحمه الله -: لم نَدرِ مَا المواصَلَة؟ حتى قدِمَ علينَا الشافعىُّ - رحمه الله - فَسَألتُهُ

عنها، فقال: ثِنْتَان على الإمام وَوَاحِدَة على المَأمُوم، فأمَّا الأُولَى فإذا كَبَّر الإمَامُ فلا يُكَبِّرْ معه، حتى يَسْبِقَهُ الإمَامُ، ولَوْ بوَاوٍ؛ لقولِ النَّبِىّ - صلّى الله عليه وسلّم: "إذَا كَبَّر الإمامُ فكبّروا"، وأخرى على الإمام إذا فرغ من السُّورة التي يركَع بها أن لا يَصِلَ تكبيرةَ الرُّكوع بالقراءةِ حتى يكون بينهما فَصْل سُكُوت.

- ومنه حديثُ الحَسَنِ عن سَمُرَة - رضي الله عنه -: "كانت لرَسُول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سَكتتَان. والثالثة إذا سَلَّمَ الإمَامُ عَن يَمينِه لم يَصِل الثانِيَة بالأولى؛ لأن الأُولَى فرض، والثانِيةُ إذْنٌ لِلنَّاسِ".

قلت: وقد رَأيْتُ بعضَ الفقهَاءِ ذكَر لِمُواصَلَةِ الصَّلاةِ وُجُوهًا عِدَّةً غيرَ هذا.

- أخبرنا قُتَيْبَةَ بن محمد بن أحمد - رحمه الله - إذنًا، ثنا شُجاع بنُ على، ثنا أَبو عُمَر بن عبد الوَهّاب ثنا أَبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر، ثنا أَبو شُعَيب عبد الله بن عبد الله بن الحسَن الحراني، ثنا الحسَنُ بن القاسِمِ التّمِيمِى، جَارُ أحمد

- رحمه الله، ثنا مُسلِم بن إبراهيم [البَصَلِى]، ثنا شَمْلةُ بن هزال أَبو الحُتْروُشِ، عن سَعْد الإِسْكَاف قال:

لقِيتُ ابنَ أَشْوَعَ فسَألتُه عن حديثٍ لِعائشة - رضي الله عنها - في الوَاصِلَة والمُسْتَوصِلَةِ، فأَسْكتَنِى وقال: إنك لَمُفْتِن، فألححتُ عليه، فقال: نعَم.

قالَت عائشَةُ: "ليْسَت الوَاصِلَةُ بالتى تَعْنُون، ومَا بَأس، تَعنِى أن تَعْرَى المرأةُ عن الشَّعَر، فَتصِلَ قَرْنًا مِن قُرُونِها بصُوفٍ أسْوَدَ، إنّما الوَاصِلَة: التي تكُون بَغِيًّا في شَبيَبتِها، فإذا أسَنَّتْ وصَلَتْها بالقِيَادَةِ."

أنا به ابنُ رُزَين، أنا الطّيِّب، أنا محمد بن عمر النُّرسىّ، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، نا أبو شعيب بمعناه في ترجمة الحسن، كتبته في رجب سنة أربع وسبعين قال الحسَنُ بن القَاسِم؛ فَذَكرته لأحمَد بن حَنْبَل رَحمه الله - فقال: مَا سَمعْتُ بأعْجَبَ من هذا.

وقال شُعَيْب بنُ واقد، ثنا سَلَمة بن حِزام الضَّبّى، عن سَعْد الإسكاف، وقد ورَدَت رُخصةٌ في وَصْل الشَّعَر بالصّوفِ، عن ابنِ عباس وعائشة رضي الله عنهم، وهي إحدى مَنْ رَوَى حِديثَ؛ "لَعْن الواصِلَة".

- في حديث جابر: "اشْتَرى مِنِّي بَعِيرًا، وأعطاني وَصْلًا من ذَهَبٍ."

: أي صِلَةً وهِبَةً، كأنّه ما يَتَّصِل أو يَتَوصَّل به في مَعاشِه، وَوصَلَه: إذا أَعطاهُ مَالًا، والصِّلَةُ: الجَائزة.

- وفي حديث عُتْبةَ والمِقْدَامِ - رضي الله عنهما -: "أنهما كَانا أسْلَما فتَوصَّلَا بالمُشْركين، حتى خَرَجا إلى عُبَيْدَة بن الحارِث"

: أي أرَيَاهم أنهما معَهم، حتى خرجا إلى المُسْلِمين.

قال سَلمةُ: توصَّلَا: تَقرَّبَا، وقال غيره: تَوسَّلا.

- في حديث النُّعْمان بن مُقَرِّن - رضي الله عنه -: "أنّه لمّا حَمَل، يعنى على العَدُوِّ، ما وَصَلْنا كَنَفَيْه، حتى ضَرَبَ في القَوْم"

: أي لم نَتَّصِل به ولم نَقْرُب منه، حتى حَمَلَ عليهم من السُّرْعَة.

- في الحديث: "أنه كان فَعْمَ الأوْصَال"

: أي مُمْتَلىء الأعضَاء، الواحِدُ: وُصْل.

- في الحديث: "رأيتُ سَبَبًا واصِلًا من السَّماء إلى الأرض".

: يعنى مَوْصُولًا، فاعِلُ بمعنى مَفعُول، كماءٍ دَافقٍ بمعنى مَدفُوق.

- في حديث علىّ - رضي الله عنه -: "صِلُوا السُّيوفَ بالخُطَا".

: أي إذا قَصُرت عن الضَّرَائب، فَتَقَدَّموا تَلْحَقوا، "والرِّماحَ بالنَّبْل"

: أي إذا لم تَلْحَقْهُم الرِّماحُ فَارْمُوا بالنَّبْلِ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


46-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ولى)

(ولى) - في حديث أَنسٍ - رضي الله عنه -: "أنّ النَّبىَّ - صلّى الله عليه وسلّم - قال: سَلُونى، فو الله لاتَسألونى عن شىء مَا دُمْتُ في مَقَامِى إلا أخبرتكم، فقامَ عبدُ الله بن حُذَافةَ فقال: مَن أَبِى؟ فقال: أبُوك حُذافَةُ، فقال عُمر - رضي الله عنه -: رَضِينَا بالله رَبًّا، فسَكَت رَسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -، ثم قال: أَوْلَى لكم، والذى نفسِى بِيَدِه".

: أي قَرُبَ منكم ما تَكرهُون.

من قوله تَباركَ وتَعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}

- ومنه حديثُ ابنِ الحَنَفِيَّة: "إذا مَاتَ بعضُ أَهلِه قال: أَوْلي، كِدْت أكونُ السَّوادَ المُخْتَرمَ"

وهي كَلِمة يَقولُها الرجلُ إذا أفلَتَ من عظِيمَةٍ: أي قارَبكَ ما تَكرَه، ونَزلَ بك.

- في الحديث: "من تَوَلّى قومًا بغير إذْنِ مَوَالِيه فعلَيه لعنة الله"

ظاهِرُه يُوهِمُ أنه شَرْطٌ، وليس معناه أن يجوز له أن يُوالىَ غيرَ مَواليه إذا أذِنوا له، وإنّما هو بمَعْنَى التَّوْكِيد لِتَحريمِه، والتَّنْبيه على بُطْلانِه، والإرْشادِ إلى السَّبَب فيه؛ وذلك "أنه" إذا اسْتَأذَن أَولياءَه في مُوالاة غَيرهم مَنعوه من ذلك، فيَمْتَنع منه؛ أي إن سَوَّلَتْ له نَفْسُه ذلك فَلْيَسْتَأذِنْهم، فإنَّهم إذَا عَلِمُوا به مَنعُوه؛ لأن الوَلاءَ لُحمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ.

- وَقوله: "إن الوَلَاء لِلْكُبْر"

فهذا ليس له فيه فِعْل، إنما هو تَنْزِيل، وتَرتِيب له فيما بَيْنَ وَرَثَةِ المُعْتِق.

وقال الطّحَاوىُّ: إنما أُرِيد به وَلاءُ الموُالَاةِ دُونَ وَلاءِ المعْتِق، فإذَنْ هو على ظاهِره - والله أعلم -.

- في حديث ابن الزُّبَير - رضي الله عنه -: "أنه باتَ بقَفْرٍ، فلما قام لِيَرْحلَ وجَد رجُلًا طُولُه شِبْرَان، عظيمَ اللِّحْية على الوَلِيَّة، - وهي البرذَعَة - فنَفَضَها، ثم وَضعَها على الراحلةِ، فجاء وهو على القِطْع فنَفَضَه"

وَالقِطْع: الطِّنْفِسَة تكون تحت الرّحْلِ علَى كَتِفَى البَعِير، والجمعُ: قُطوعٌ.

- في حديث مُطَرِّف الباهِلِىِّ: "تَسْقيه الأَوْليَةُ"

جمع الوَلِىّ، وهو المَطَر الذي يجىءُ بَعْد الوَسْمِىّ، سُمِّى به، لأنه يَلِيه: أي يَقْرُب منه، ويجىءُ بَعْدَه.

- قوله عليه الصلاة والسلام: "مَن كنتُ مَولَاه فَعَلِىٌّ مَوْلاهُ".

قيل: أي مَن كنتُ أتولّاه فعَلِىٌّ يتولّاه.

وقيل: أي مَن كان يتولاَّنى تولَّاه. وقيل: كان سَبَبُ ذلك أنّ أُسَامَةَ بنَ زيْد قال لِعَلِىٍّ - رضي الله عنهم -: لَسْتَ مولاى، إنما مَوْلاَىَ رَسولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم، - فقال صلّى الله عليه وسلّم: "مَن كنتُ مَوْلَاه فَعَلِىٌّ مَوْلَاه"

والمَولَى على وُجُوهٍ: منها ابنُ العَمّ، قال الله تعالى في قصّةِ زكَرِيّاء

عليه الصّلاة والسّلام: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي}، وأنشَدَ:

مَوَالِينا إذا افتَقَرُوا إلينا

فإن أثْرَوْا فَليسَ لنا مَوالِ

الثانى: المعتِق؛ ومَصْدَرُه الوَلَايَةُ.

والثالث: المُعتَقُ؛ ومَصْدَرُه الوَلَاءُ.

والرابع: المُحِبُ.

كقوله عليه الصّلاة والسَّلام: "مُزينَةُ وأسْلَمُ وَجُهَيْنَةُ وغِفَار مَوَالى الله تعالَى ورَسُولِه"

والخَامسُ: الجَارُ، كَما أنشدَ:

هُمُ خلطُونا بالنفوس وأَلْجَئُوا

إلى نَصْرِ مولاهُم مُسَوَّمَةً جُرْدَا

السّادِسُ: الناصِرُ، قال الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا...} الآية.

السَّابع: المأوى، قال الله تعالى: {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ}

الثامن: الوَلىُّ؛ قال الله تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا}.

وقد تُسمِّى العربُ الصِّهْرَ مَولًى، ويكون المَولَى من وَلاءِ الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: "مَن أسلَم على يَدِه رَجُل فهو مَوْلَاهُ"

وَمن المُوالاةِ التي نُسِخَت بالفرِائض، وأصلُ الجميع القُرب.

- أخبرنا هِبَة الله السَّيِّدىُّ إذنًا، أنا أبو بكر البَيْهقى، أنا أبو عبد الرحمن السّلمىّ، أنا محمد بن محمد الحجّاجى، ثنا العباس الشّكلى قال: سَمِعتُ الربيعَ يَقُول: سَمِعْتُ الشّافِعى - رضي الله عنه يقول: في معنى قول النبى - صلّى الله عليه وسلم - لعَلِى

يَعنى بذلك وَلاءَ الإسْلام، وذلك قَولُ الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}

- وأما قَولُ عمرَ لعَلّى - رضي الله عنهما -: "أصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ".

يقول: ولِىّ كلِّ مُسْلِمٍ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


47-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (هيأ)

(هيأ) - في الحديث: "أقِيلُوا ذَوِى الهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِم"

قال أخبرنا الإمام أبو نَصرٍ الغَازِى، بقراءتى علَيه، أنا مَسْعود بنُ ناصر، أنا علي بن بشرى، أنا أبو الحسَن بن عاصم، أُخبِرتُ عن الرّبيع قال: قال الشَّافِعِىُّ: في حَديث النَّبىّ - صلَّى الله عليه وسَلّم - "أقِيلُوا ذَوِى الهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِم"

: هم الذين لَيسَ يُعْرَفُون بالشَّرِّ فيزِلُّ أحَدُهم الزَّلَّة.

وبه قال عاصم: أخَبرنى محمد بن عبد الرحمن الهَمْدَانى ببغدَادَ، نا محمد بن مَخلَد، نا أبو بكر أحمد بن عثمان بن سَعِيدٍ الأَحْول قال: سمِعتُ أحمدَ بن حَنبَل يقول: مَا كانَ أَصْحَابُ الحدِيث يَعْرفُون معَانيَ حديث النّبىّ - صلّى الله عليه وسلّم - حتى جاءَ الشافِعىّ فبَيَّنَها لهم.

الهَيْئَةُ: صُورَةُ الشَّىءِ وشَكْلُه وما يُدرَكُ عليه.

وقد هَاءَ يَهَاءُ ويَهِىءُ، وَهَيأَ فهو هَيءٌ؛ أي صاحِبُ هَيئَةٍ، كَمَا يُقالُ: مَرُؤَ فهو مَرِىءٌ: أي صِاحِبُ مُرُوءَةٍ.

وتَهيَّأَ للشَّىء: أي تَيَسَّر وحَصَلَ على هَيْئَتِه. وهِئتُ:

: أي تَهيَّأْتُ، وقُرِئ في قِصَّة يُوسُف عليه السَّلامُ: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}.

وَمعنَى الحديث: كأنه قال: أقِيلُوا ذَوِى الهَيْئاتِ الحَسَنَةِ عَثَراتِهِم؛ ويُقوِّى قولَ الشّافعى مَا رُوِىَ عن سَارِق أبى بَكرٍ - رضي الله عنه - قال: هذا شىَء ما عَمِلته قَطّ، قال: كذَبتَ، إن الله عزّ وجلّ لَا يهتِكُ على عَبدِه في أوَّل دَفعةٍ، أو كما قال.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


48-المعجم الاشتقاقي المؤصل (تين)

(تين): {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 1, 2].

التين: ذاك الذي يؤكل/ شجر البُلُس وقيل هو البُلُس نفسُه. وأجناسه كثيرة برية وريفية، وسُهْلية وجبلية. وهو كثير بأرض العرب اهـ. أقول وقد أخبرنا من نثق به أن أهل اليمن ما زالوا يسمون التين البُلُس. وتينهم هو ذاك الذي نسميه البرشومي.

وفي ضوء ما تقدم في (تنن) نقول لعله لُحظ فيه طراءة لحمه الحلو مع بذوره الدقيقة الممتدة في أثناء اللحم، أي وجود أشياء دقيقة قوية في أثناء شيء رخو لطيف، وهذا ينطبق على أنواع التين بأجناسه التي نعرفها.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


49-المعجم المفصل في النحو العربي (السبك)

السّبك

توضيحه: السّبك هو الإخبار بالذي وفروعه، وبالألف واللّام، وضعه النحويون للتّدريب في الأحكام النحويّة، مثل: «الكتاب مفيد» تقول في الإخبار عن الكتاب: «الذي هو مفيد الكتاب» الذي اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «هو»: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ ثان. «مفيد»: خبره. والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول. «الكتاب»: خبر المبتدأ. وللوصول إلى الطريقة المثلى في السبك يجب أن تلجأ إلى حقيقتين:

الحقيقة الأولى: إذا أريد الإخبار عن «العلم» في القول «العلم نافع» بالذي، يجب أن نقوم بما يلي: أولا: أن نأتي باسم موصول مطابق لكلمة «العلم» في الإفراد والتذكير وهو «الذي» ونبدأ به الجملة. ثانيا: أن نؤخر كلمة العلم إلى آخر الكلام لتكون خبر المبتدأ الذي هو اسم الموصول الذي اخترناه، ثالثا: أن نجعل له في مكانه ضميرا مطابقا له في معناه واعرابه وهذا الضمير المطابق «هو» وإعرابه في مثله مبتدأ. فيصير الإخبار عن كلمة العلم بالقول: «الذي هو مفيد العلم» وكذلك تقول في مثل: «أوصلت من معلّميك الى الطلاب جوائز» فإذا أردت أن تخبر عن «التاء» بالذي فتقول: «الذي أوصل من معلميك الى الطلاب جوائز أنا».

وإذا أردت الاخبار عن «معلميك»، تقول: «اللّذان أوصلت منهما الى الطلاب جوائز معلماك» وإذا أردت الإخبار عن «الطلاب»، تقول: «الذين أوصلت من معلميك إليهم جوائز الطلاب» وإذا أردت الإخبار عن «جوائز» تقول: «التي أوصلتها من معلميك الى الطلاب جوائز» في هذه الحالة الأخيرة اضطررنا الى تقدير الضمير واتصاله بالفعل، لأنه إذا أمكن وصله بالفعل لا يجوز فيه الفصل، وحينئذ يجوز حذفه، لأنه عائد متصل منصوب على أنه مفعول به للفعل، واسم الموصول المبدوء به يكون هو المخبر عنه.

الحقيقة الثانية: إذا أردت الإخبار «بالذي» أو بأحد فروعه، يشترط للمخبر عنه أحكام مختلفة منها:

1 ـ أن يكون قابلا للتأخير، فلا يخبر عن اسم الاستفهام «أيّهم» في قولك: «أيّهم ناجح»، لأنه لا يجوز القول: الذي هو ناجح أيّهم؟ لأن اسم الاستفهام «أيّهم» له حق الصّدارة. وأجاز بعضهم تصديره قبل اسم الموصول فقالوا: «أيّهم الذي هو ناجح» فجعلوا «أيّهم» خبرا مقدّما، «الذي» مبتدأ مؤخّرا ومنهم من جعل «أيّهم» مبتدأ و «الذي» خبره. ولا يخبر كذلك عن جميع أسماء الاستفهام، وأسماء الشرط، وكم الخبرية، وما التعجبيّة، وضمير الشأن.

2 ـ أن يكون قابلا للتعريف، فلا يخبر عن الحال أو التمييز، لأنهما نكرتان فإذا أردنا الإخبار بـ «ضاحكا» من قولك: «أقبل المعلم ضاحكا» لقلنا «الذي أقبل المعلم إيّاه ضاحك» وبذلك يكون اضمير «إياه» في محل نصب حال وهذا لا يجوز لأن الضمير معرفة دائما، والحال لا يكون إلّا نكرة. وكذلك القول في «اشتريت ساعة ذهبا» فتخبر عن «الذهب» بقولك: «الذي اشتريته ساعة ذهب» فيكون الضمير قد حل محل «ذهبا» في الإعراب أي: منصوب على التمييز وهذا لا يجوز لأن الضمير معرفة والتّمييز لا يكون إلا نكرة.

3 ـ أن يكون قابلا للاستغناء عنه بالأجنبي، ففي مثل: «الطعام أكلته» لا نستطيع أن نخبر عن «الهاء» لأنها لا يستغنى عنها بأجنبي، مثل تفاح.

أو خبر، لأننا إذا أردنا الإخبار عن «الهاء» قلنا: «الذي الطعام أكلته هو» فالضمير المنفصل «هو» الذي كان متصلا بالفعل قبل الإخبار فوجب أن يتأخر ليكون خبرا للمبتدأ «الذي». والضمير المتصل، الذي حلّ محل المخبر عنه الذي كان متصلا فانفصل وتأخر ليكون خبرا، إذا قدّرناه رابطا للخبر بالمبتدأ بقي اسم الموصول بلا عائد، وإن قدّرناه عائدا على اسم الموصول بقي الخبر بلا رابط يربطه بالمبتدأ.

4 ـ أن يكون قابلا للاستغناء عنه بالضمير، فلا يجوز الإخبار عن الاسم المجرور بـ «حتى» أو «مذ» لأنها لا تجر إلا الاسم الظاهر، والإخبار يستلزم إقامة الضمير في محل المخبر عنه. ففي مثل: «أفرح أبي وصل من أخي الصغير» فيجوز الإخبار عن «ياء» المتكلم فقط دون غيرها فتقول: «الذي أفرح أباه وصل من أخي الصغير أنا». ولا يجوز الاخبار عن «الوصل» لأن الضمير لا يتعلق به جار ومجرور، أي: لأن الجار والمجرور «من أخي» متعلقان بـ «وصل» وإذا حلّ محلها ضمير وجب تعلق الجار والمجرور بالضمير وهذا لا يجوز ولا يجوز الإخبار عن «أخي الصغير» لأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به، أما إذا أردنا الإخبار عن المضاف والمضاف إليه معا، لجاز ذلك فنقول: «الذي أفرحه وصل من أخي الصغير أبي»، أو لو أردت الإخبار عن الموصوف وصفته لجاز أيضا فتقول: «الذي أفرح أبي وصل منه أخي الصغير».

5 ـ جواز مجيئه في الإثبات فلو أخبرنا عن «أحد» في مثل: «ما نجح أحد» لقلنا: «الذي ما نجح أحد» فكلمة «أحد» معناها الأصلي النفي، فوقعت في الإيجاب.

6 ـ يجب أن يقع المخبر عنه في جملة خبريّة فلا نستطيع الإخبار عن الاسم في مثل: «أخبر زيدا»، لأن الأمر «أخبر» هو من الطلب، والطّلب لا يقع صلة.

7 ـ أن لا يكون المخبر عنه واقعا في إحدى جملتين مستقلّتين، فلا نستطيع الإخبار عن «زيد»، في مثل: «جاء زيد وذهب سمير» ولكن يجوز الإخبار عن زيد في مثل: «إن جاء زيد ذهب سمير».

الأخبار بالألف واللام: إذا أردنا الإخبار بالألف واللّام يشترط في ذلك عشرة أحكام، سبعة منها هي التي سبقت مع الإخبار بالذي، والثلاثة الباقية هي:

1 ـ أن يكون المخبر عنه في جملة فعلية فلا يخبر بـ «أل» في مثل: «أبوك عطوف» عن كلمة «أب» لأنها وقعت في جملة اسميّة.

2 ـ أن يكون المخبر عنه في جملة فعلها متصرّف، فلا تخبر عن كلمة «أبوك» في الجملة: «عسى أبوك أن يكون عطوفا». لأن «عسى» فعل جامد.

3 ـ أن يكون المخبر عنه مقدّما فلا تخبر عن كلمة «أبوك» في الجملة: «ما زال أبوك عطوفا».

لأن كلمة «أبوك» غير متقدّمة أي: لا تقع مبتدأ ويخبر عن الفاعل بـ «أل» في مثل: «أفرح الله المجتهد» فتقول: «المفرح المجتهد الله» ويخبر عن المفعول به بـ «أل» في مثل: «أفرح الله المجتهد»، فتقول: «المفرحه الله المجتهد» إذ لا يجوز أن نحذف الهاء؛ لأن العائد الى الألف واللام لا يحذف إلا في الضرورة الشعرية مثل:

«ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة***ولو أتيح صفو بلا كدر»

حيث حذف العائد الى الألف واللام بالرغم

من أن اسم الموصول هو «أل» والصلة صفة متّصلة به والأصل: «ما المستفزّة الهوى محمود عاقبة...».

ملاحظات:

1 ـ إذا رفعت صلة «أل» ضميرا يعود إلى الموصول يجوز أن يكون الضمير غير ظاهر، أي: مستترا، مثل: «أوصلت من معلميك إلى الاصدقاء جوائز» فتقول: «الموصل من معلميك إلى الأصدقاء جوائز أنا» ففي «الموصل» ضمير مستتر يعود الى «أل» لأنه خلف عن ضمير المتكلّم و «أل» دائما للمتكلّم. والخبر «أنا» ضمير المتكلم، والمبتدأ هو نفس الخبر، لذلك يجوز أن يكون الضمير العائد إلى «أل» ضميرا مستترا.

2 ـ إذا رفعت صلة «أل» ضميرا لغير «أل» وجب بروز الضمير وانفصاله، تقول في مثل: «أوصلت من معلميك إلى الاصدقاء جوائز» في الإخبار عن «المعلمين» «الموصل أنا منهما إلى الأصدقاء جوائز «معلّماك» وفي الإخبار عن الأصدقاء، يقول: «الموصل أنا من معلميك إليهم جوائز الأصدقاء». وإذا أردت الإخبار عن «جوائز» تقول: «الموصلها من معلّميك الى الأصدقاء جوائز» وذلك لأن «الوصل» حاصل من المتكلم، و «أل» لغير المتكلم، وهما نفس الخبر الذي أخرته.

3 ـ حروف السبك هي التي تجعل ما بعدها في معنى المصدر، مثل: أن، ما، كي، أنّ.

المعجم المفصل في النحو العربي-عزيزة فوّال بابستي-صدر: 1413هـ/1992م


50-معجم البلدان (إخنا)

إِخْنَا:

بالكسر، ثم السكون، والنون، مقصور، وبعض يقول: إخنو، ووجدته في غير نسخة من كتاب فتوح مصر، بالجيم، وأحفيت في السؤال عنه بمصر، فلم أجد من يعرفه إلا بالخاء. وقال القضاعي وهو يعدد كور الحوف الغربي: وكورتا إخنا ورشيد، والبحيرة، وجميع ذلك قرب الاسكندرية.

وأخبار الفتوح تدلّ على أنها مدينة قديمة ذات عمل منفرد، وملك مستبدّ، وكان صاحبها يقال له في أيام الفتوح طلما، وكان عنده كتاب من عمرو ابن العاص بالصلح على بلده ومصر جميعها، فيما رواه بعضهم. وروى الآخرون عن هشام بن أبي رقيّة اللخمي: أن صاحب إخنا قدم على عمرو بن العاص فقال له: أخبرنا بما على أحدنا من الجزية فنصبر لها. فقال عمرو، وهو مشير إلى ركن كنيسة:

لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك بما عليك، إنما أنتم خزانة لنا، إن كثّر علينا كثّرنا عليكم، وإن خفف عنا خففنا عنكم. وهذا يدل على أن مصر فتحت عنوة لا بصلح معين على شيء معلوم، قال: فغضب صاحب إخنا وخرج إلى الروم فقدم بهم فهزمهم الله وأسر صاحب إخنا، فأتي به عمرو بن العاص، فقال له الناس: اقتله، فقال: لا، بل أطلقه لينطلق فيجيئنا بجيش آخر.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


51-معجم البلدان (باتكرو)

بَاتِكْرُو:

قرأت بخطّ الحافظ أبي عبد الله محمد بن النّجّار صديقنا: قرأت بخطّ أبي الفوارس الحسن بن عبد الله بن بركات بن شافع الدمشقي، قال: أخبرنا القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن الحسن بن عليّ بن عبد العزيز الباتكروي: الباتكرو قلعة حصينة على شطّ جيحون بقراءتي عليه في جامعها الإمام محمود ابن يوسف بن عطاء، وذكر خبرا.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


52-معجم البلدان (بخارى)

بُخَارى:

بالضم: من أعظم مدن ما وراء النهر وأجلّها، يعبر إليها من آمل الشّطّ، وبينها وبين جيحون يومان من هذا الوجه، وكانت قاعدة ملك السامانية، قال بطليموس في كتاب الملحمة: طولها سبع وثمانون درجة، وعرضها إحدى وأربعون درجة، وهي في الإقليم الخامس، طالعها الأسد تحت عشر درج منه، لها قلب الأسد كامل تحت إحدى وعشرين درجة من السرطان يقابلها مثلها من الجدي بيت ملكها مثلها من الحمل بيت العاقبة مثلها من الميزان، ولها شركة في العيّوق ثلاث درج، ولها في الدّب الأكبر سبع درج، وقال أبو عون في زيجه: عرضها ست وثلاثون درجة وخمسون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع. وأما اشتقاقها وسبب تسميتها بهذا الاسم فإني تطلّبته فلم أظفر به، ولا شك أنها مدينة قديمة نزهة كثيرة البساتين واسعة الفواكه جيّدتها عهدي بفواكهها تحمل إلى مرو، وبينهما اثنتا عشرة مرحلة، وإلى خوارزم، وبينهما أكثر من خمسة عشر يوما، وبينها وبين سمرقند سبعة أيام أو سبعة وثلاثون فرسخا، بينهما بلاد الصغد، وقال صاحب كتاب الصّور: وأما نزهة بلاد ما وراء النهر فإني لم أر ولا بلغني في الإسلام بلدا أحسن خارجا من بخارى لأنك إذا علوت قهندزها لم يقع بصرك من جميع النواحي إلّا على خضرة متصلة خضرتها بخضرة السماء فكأنّ السماء بها مكبّة خضراء مكبوبة على بساط أخضر تلوح القصور فيما بينها كالنّواوير فيها، وأراضي ضياعهم منعوتة بالاستواء كالمرآة.

وليس بما وراء النهر وخراسان بلدة أهلها أحسن قياما بالعمارة على ضياعهم من أهل بخارى ولا أكثر عددا على قدرها في المساحة، وذلك مخصوص بهذه البلدة لأن متنزهات الدنيا صغد سمرقند ونهر الأبلّة، وسنصف الصغد في موضعه إن شاء الله تعالى. قال:

فأما بخارى واسمها بومجكث، فهي مدينة على أرض مستوية وبناؤها خشب مشبّك ويحيط بهذا البناء من القصور والبساتين والمحالّ والسكك المفترشة والقرى المتصلة سور يكون اثني عشر فرسخا في مثلها يجمع هذه القصور والأبنية والقرى والقصبة، فلا ترى في خلال ذلك قفارا ولا خرابا، ومن دون هذا السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمساكن والمحالّ والبساتين التي تعدّ من القصبة، ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفا، سور آخر نحو فرسخ في مثله، ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين، ولها قهندز خارج المدينة متصل بها ومقداره مدينة صغيرة، وفيه قلعة بها مسكن ولاة خراسان من آل سامان، ولها ربض ومسجد الجامع على باب القهندز، وليس بخراسان وما وراء النهر مدينة أشد اشتباكا من بخارى ولا أكثر أهلا على قدرها، ولهم في الربض نهر الصغد يشقّ الربض، وهو آخر نهر الصغد، فيفضي إلى طواحين وضياع ومزارع ويسقط الفاضل منه في مجمع ماء بحذاء بيكند إلى قرب فربر يعرف بسام خاس، ويتخلّلها أنهار أخر، وداخل هذا السور مدن وقرى كثيرة، منها الطواويس، وهي مدينة بومجكث وزندنة وغير ذلك.

أخبرنا الشريف أبو هشام عبد المطلب حدثنا الإمام

العدل أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر الحكمي حدثنا أبو اليسر إملاء حدثنا أبو يعقوب يوسف بن منصور السياري الحافظ إملاء وذكر إسنادا رفعه إلى حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ستفتح مدينة بخراسان خلف نهر يقال له جيحون تسمّى ب

لوددت أن أوافق ذلك الزمان فكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الرسول أو المسجد الحرام. وكانت معاملة أهل بخارى في أيام السامانية بالدراهم ولا يتعاملون بالدنانير فيما بينهم، فكان الذهب كالسّلع والعروض، وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارى ونواحيها وحدها، وكانت سكتها تصاوير، وهي من ضرب الإسلام، وكانت لهم دراهم أخر تسمّى المسيّبية والمحمدية جميعها من ضرب الإسلام. ومع ما وصفنا من فضل هذه المدينة فقد ذمّها الشعراء ووصفوها بالقذارة وظهور النّجس في أزقتها لأنهم لا كنف لهم، فقال لهم أبو الطيّب طاهر بن محمد بن عبد الله بن طاهر الطاهري:

«بخارى من خرا لا شكّ فيه، *** يعزّ بربعها الشيء النظيف»

«فإن قلت الأمير بها مقيم، *** فذا من فخر مفتخر ضعيف»

«إذا كان الأمير خرا فقل لي! *** أليس الخرء موضعه الكنيف؟»

وقال آخر:

«أقمنا في بخارى كارهينا، *** ونخرج إن خرجنا طائعينا»

«فأخرجنا إله الناس منها، *** فإن عدنا فإنا ظالمونا»

وقال محمود بن داود البخاري وقد تلوّث بالسّرجين:

«باء بخارى، فاعلمن، زائده *** والألف الوسطى بلا فائده»

«فهي خرا محض، وسكانها *** كالطير في أقفاصها راكده»

وقال أيضا:

«ما بلدة مبنية من خرا، *** وأهلها في وسطها دود»

«تلك بخارى من بخار الخرا، *** يضيع فيها النّدّ والعود»

وقال أبو أحمد بن أبي بكر الكاتب:

«فقحة الدّنيا بخارى، *** ولنا فيها اقتحام»

«ليتها تفسو بنا الآ *** ن، فقد طال المقام»

وأما حديث فتحها: فإنه لما مات زياد ابن أبيه، في سنة ثلاث وخمسين، في أيام معاوية فوفد عبيد الله بن زياد على معاوية، فقال له معاوية: من استخلف أخي

على عمله؟ فقال: استخلف خالد بن أسيد على الكوفة وسمرة بن جندب على البصرة، فقال له معاوية:

لو استعملك أبوك لاستعملتك، فقال له: أنشدك الله أن لا يقولها أحد بعدك، لو ولّاك أبوك أو عمّك لولّيتك، فعهد إليه وولّاه ثغر خراسان، وقيل: إن الذي ولي خراسان بعد موت زياد من ولده عبد الرحمن، قال البلاذري:

لما مات زياد استعمل معاوية عبيد الله بن زياد على خراسان، وهو ابن خمس وعشرين سنة، فقطع النهر في أربعة وعشرين ألفا، وكان ملك بخارى قد أفضى يومئذ إلى امرأة يسمّونها خاتون، فأتى عبيد الله بيكند، وكانت خاتون بمدينة بخارى فأرسلت إلى التّرك تستمدّهم، فجاءها منهم دهم فلقيهم المسلمون فهزموهم وحووا عسكرهم، وأقبل المسلمون يخرّبون ويحرقون فبعثت إليهم خاتون تطلب منهم الصلح والأمان، فصالحها على ألف ألف ودخل المدينة وفتح زامين وبيكند، وبينهما فرسخان، وزامين تنسب إلى بيكند ويقال: إنه فتح الصغانيان وعاد إلى البصرة في ألفين من سبي بخارى كلّهم جيّد الرمي بالنّشّاب ففرض لهم العطاء، ثم استعمل معاوية على خراسان سعيد بن عثمان بن عفّان سنة 55، فقطع النهر، وقيل: إنه أول من قطعه بجنده، وكان معه رفيع أبو العالية الرياحي، وهو مولّى لامرأة من بني رياح، فقال رفيع وأبو العالية رفعة وعلوّ، فلما بلغ خاتون عبوره حملت إليه الصلح، وأقبل أهل الصغد والترك وأهل كشّ ونسف إلى سعيد في مائة ألف وعشرين ألف فالتقوا ببخارى فندمت خاتون على أدائها الإتاوة ونقضت العهد، فحضر عبد لبعض أهل تلك الجموع فانصرف بمن معه فانكسر الباقون، فلما رأت خاتون ذلك أعطته الرّهن وأعادت الصلح، ودخل سعيد مدينة بخارى ثم غزا سمرقند كما نذكره في سمرقند. ثم لم يبلغني من خبرها شيء إلى سنة 87 في ولاية قتيبة بن مسلم خراسان، فإنه عبر النهر إلى بخارى فحاصرها فاجتمعت الصغد وفرغانة والشاش وبخارى فأحدقوا به أربعة أشهر ثم هزمهم وقتلهم قتلا ذريعا وسبى منهم خمسين ألف رأس، وفتحها فأصاب بها قدورا يصعد إليها بالسلاليم، ثم مضى منها إلى سمرقند، وهي غزوته الأولى، وصفت بخارى للمسلمين، وينسب إلى بخارى خلق كثير من أئمة المسلمين في فنون شتّى، منهم: إمام أهل الحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن مغيرة بن بردزبه، وبردزبه مجوسيّ أسلم على يد يمان البخاري والي بخارى، ويمان هذا هو أبو جدّ عبد الله بن محمد المسندي الجعفي، ولذلك قيل للبخاري: الجعفي نسبة إلى ولائهم، صاحب الجامع الصحيح والتاريخ، رحل في طلب العلم إلى محدّثي الأمصار وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، ومولده سنة 194، ومات ليلة عيد الفطر سنة 256، وامتحن وتعصّب عليه حتى أخرج من بخارى إلى خرتنك فمات بها، ومنهم: أبو زكرياء عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق بن عمرو بن مزاحم بن غياث التميمي البخاري الحافظ، سمع بما وراء النهر والعراق والشام ومصر وإفريقية والأندلس، ثم سكن مصر وحدث عن عبد الغني بن سعيد الحافظ وتمام بن محمد الرازي وعمن يطول ذكرهم، وحكى عنه الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي أنه قال: لي ببخارى أربعة عشر ألف جزء أريد أن أمضي وأجيء بها، وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الخطّاب: سمع أبو

زكرياء البخاري ببخارى محمد بن أحمد بن سليمان الغنجار البخاري وأبا الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي وذكر جماعة بعدّة بلاد وقال:

سمع عبد الغني بن سعيد بمصر ودخل الأندلس وبلاد المغرب وكتب بها عن شيوخها ولم يزل يكتب إلى أن مات، وكتب عمن هو دونه، وفي مشايخه كثرة، وكان من الحفاظ الأثبات، عندي عنه مشتبه النسبة لعبد الغني، وقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه تكملة الكامل في معرفة الضعفاء: قال عبد الرحيم أبو زكرياء البخاري: حدث عن عبد الغني بن سعيد بكتاب مشتبه النسبة قراءة عليه وأنا أسمع، قال ابن طاهر: وفي هذا نظر، فإني سمعت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ يقول: لم يرو هذا الكتاب عن عبد الغني غير ابن ابنته أبي الحسن بن بقاء الخشّاب، قال الحافظ أبو القاسم الدمشقي:

وفي قول الزنجاني هذا نظر فإنه شهادة على نفي وقد وجدنا ما يبطلها، وهو أنه قد روى هذا الكتاب عن عبد الغني أيضا أبو الحسن رشاء بن نظيف المقري، وكان من الثقات، وأبو زكرياء عبد الرحيم ثقة ما سمعنا أن أحدا تكلم فيه، وذكر أبو محمد الأكفاني أن أبا زكرياء البخاري مات بالحوراء سنة 461، وقال غيره: سئل عن مولده فقال في شهر ربيع الأول سنة 382، ومنهم: أبو علي الحسين بن عبد الله ابن سينا الحكيم البخاري المشهور أمره المقدور قدره صاحب التصانيف، تقلبت به أحوال أقدمته إلى الجبال فولي الوزارة لشمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة بن ركن الدولة بن بويه صاحب همذان، وجرت له أمور وتقلبت به نكبات حتى مات في يوم السبت سادس شعبان سنة 428 عن ثمان وخمسين سنة، وأما الفقيه أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد بن حمدون بن بخار البخاري وأبوه أبو بكر من أهل نيسابور فمنسوبان إلى جدهما، وأما أبو المعالي أحمد بن محمد بن علي بن أحمد البغدادي البخاري فإنه كان يحرق البخور في جامع المنصور احتسابا، فجعل أهل بغداد البخوريّ بخاريّا وعرف بيته في بغداد ببيت ابن البخاري، قالهما أبو سعد.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


53-معجم البلدان (بست)

بُسْت:

بالضم: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، وأظنّها من أعمال كابل، فإن قياس ما نجده من أخبارها في الأخبار والفتوح كذا يقتضي، وهي من البلاد الحارة المزاج، وهي كبيرة، ويقال لناحيتها

اليوم: كرم سير، معناه النواحي الحارة المزاج، وهي كثيرة الأنهار والبساتين إلّا أن الخراب فيها ظاهر، وسئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها يعني بستان، وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم: الخطابي أبو سليمان أحمد بن محمد البستي صاحب معالم السنن وغ

«إذا قيل: أيّ الأرض في الناس زينة؟ *** أجبنا وقلنا: أبهج الأرض بستها»

«فلو أنني أدركت يوما عميدها *** لزمت يد البستيّ دهرا، وبستها»

وقال كافور بن عبد الله الإخشيدي الخصيّ اللّيثي الصّوري:

«ضيّعت أيامي ببست، وهمّتي *** تأبى المقام بها على الخسران»

«وإذا الفتى في البؤس أنفق عمره، *** فمن الكفيل له بعمر ثان؟»

وأبو حاتم محمد بن حبّان بن معاذ بن معبد بن سعيد ابن شهيد التميمي، كذا نسبه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري المعروف بغنجار، ووافقه غيره إلى معبد، ثم قال: ابن هدبة بن مرة بن سعد ابن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر الامام العلامة الفاضل المتقن، كان مكثرا من الحديث والرحلة والشيوخ، عالما بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمّل تصانيفه تأمّل منصف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم، سافر ما بين الشاش والإسكندرية، وأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية، وأخذ فقه الحديث والفرض على معانيه عن إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، ولازمه وتلمذ له، وصارت تصانيفه عدّة لأصحاب الحديث غير أنها عزيزة الوجود، سمع ببلده بست أبا أحمد إسحاق بن ابراهيم القاضي وأبا الحسن محمد بن عبد الله ابن الجنيد البستي، وبهراة أبا بكر محمد بن عثمان بن سعد الدارمي، وبمرو أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن سليمان السعدي وأبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد المديني، وبقرية سنج أبا علي الحسين بن محمد بن مصعب السنجي وأبا عبد الله محمد بن نصر بن ترقل الهورقاني، وبالصغد بما وراء النهر أبا حفص عمر بن محمد بن يحيى الهمداني، وبنسإ أبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني ومحمد بن عمر بن يوسف ومحمد بن محمود بن عدي النسويّين، وبنيسابور أبا العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السرّاج الثّقفي وأبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه الأزدي، وبأرغيان أبا عبد الله محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني، وبجرجان عمران بن موسى بن

مجاشع وأحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزّان الجرجانيين، وبالرّيّ أبا القاسم العبّاس بن الفضل بن عاذان المقري وعلي بن الحسن بن مسلم الرّازي، وبالكرج أبا عمارة أحمد بن عمارة بن الحجاج الحافظ والحسين بن إسحاق الأصبهاني، وبعسكر مكرم أبا محمد عبد الله بن أحمد

هارون الزّوزني وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خشنام الشّروطي وجماعة كثيرة لا تحصى.

أخبرنا القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني اذنا عن أبي القاسم زاهر بن طاره الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد البحتري قال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: أبو حاتم البستي القاضي كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه، وولي القضاء بسمرقند وغيرها من المدن ثم ورد نيسابور سنة 334، وحضرناه يوم جمعة بعد الصلاة فلما سألناه الحديث نظر إلى الناس وأنا أصغرهم سنّا فقال:

استمل، فقلت: نعم، فاستمليت عليه، ثم أقام عندنا وخرج إلى القضاء بنيسابور وغيرها وانصرف إلى وطنه، وكانت الرحلة بخراسان إلى مصنّفاته.

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شفاها قال:

أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي اذنا عن أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت كتابة قال: ومن الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واضعها مصنّفات أبي حاتم محمد بن حبّان البستي التي ذكرها لي مسعود بن ناصر السّجزي ووقفني على تذكرة بأسمائها، ولم يقدّر لي الوصول إلى النظر فيها لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا، وأنا أذكر منها ما استحسنته سوى ما عدلت عنه واطرحته: فمن ذلك كتاب الصحابة خمسة أجزاء وكتاب التابعين اثنا عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب تبع الاتباع سبعة عشر جزءا وكتاب تبّاع التبع عشرون جزءا وكتاب الفصل بين النقلة عشرة أجزاء وكتاب علل أوهام أصحاب التواريخ عشرة أجزاء وكتاب علل حديث الزّهري عشرون جزءا وكتاب علل حديث مالك عشرة أجزاء وكتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه عشرة أجزاء وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة عشرة أجزاء وكتاب ما خالف الثّوريّ شعبة ثلاثة أجزاء وكتاب ما انفرد فيه أهل المدينة من السّنن عشرة أجزاء وكتاب ما انفرد به أهل مكة من السنن عشرة أجزاء وكتاب ما عند شعبة عن قتادة وليس عند سعيد عن قتادة جزآن وكتاب غرائب الأخبار عشرون جزءا وكتاب ما أغرب الكوفيون عن البصريين عشرة أجزاء وكتاب ما أغرب البصريون عن الكوفيين ثمانية أجزاء وكتاب أسامي من يعرف بالكنى ثلاثة أجزاء وكتاب كنى من يعرف بالاسامي ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل والوصل عشرة أجزاء وكتاب التمييز بين حديث النضر الحدّاني والنضر الحزّاز جزآن وكتاب الفصل بين حديث أشعث بن مالك وأشعث بن سوار جزآن وكتاب الفصل بين حديث منصور بن المعتمر ومنصور ابن راذان ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل بين مكحول الشامي ومكحول الأزدي جزء وكتاب موقوف ما رفع عشرة أجزاء وكتاب آداب الرجالة جزآن وكتاب ما أسند جنادة عن عبادة جزء وكتاب الفصل بين حديث نور بن يزيد ونور بن زيد جزء وكتاب ما جعل عبد الله بن عمر عبيد الله بن عمر جزآن وكتاب ما جعل شيبان سفيان أو سفيان شيبان ثلاثة أجزاء وكتاب مناقب مالك بن أنس جزآن وكتاب مناقب الشافعي جزآن وكتاب المعجم على المدن عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من الحجازيين عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من العراقيين عشرون جزءا وكتاب الأبواب المتفرّقة ثلاثون جزءا وكتاب الجمع بين الأخبار المتضادّة جزآن وكتاب وصف

المعدل والمعدّل جزآن وكتاب الفصل بين حدثنا وأخبرنا جزء وكتاب وصف العلوم وأنواعها ثلاثون جزءا وكتاب الهداية إلى علم السنن، قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الحديث والفقه، يذكر حديثا ويترجم له ثم يذكر من يتفرّد بذلك الحديث ومن مفاريد أيّ بلد هو ث

وأخبرني القاضي أبو القاسم الحرستاني في كتابه قال:

أخبرني وجيه بن طاهر الخطيب بقصر الريح اذنا سمعت الحسن بن أحمد الحافظ سمعت أبا بشر

النيسابوري يقول سمعت أبا سعيد الإدريسي يقول سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري الرجل الصالح بسمرقند يقول: كنّا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له محمد بن إسحاق بن

سمعت أبا عليّ الحسين بن عليّ الحافظ وذكر كتاب المجروحين لأبي حاتم البستي فقال: كان لعمر بن سعيد بن سنان المنبجي ابن رحل في طلب الحديث وأدرك هؤلاء الشيوخ وهذا تصنيفه، وأساء القول في أبي حاتم، قال: الحاكم أبو حاتم كبير في العلوم وكان يحسد لفضله وتقدّمه، ونقلت من خطّ صديقنا الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السّلمي الحديثي، وذكر أنه نقله من خطّ أبي الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي الحافظ من كتاب شيوخه، وكان قد ذكر فيه ألف شيخ في باب الكذّابين، قال: وأبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قدم علينا من سمرقند سنة 330 أو 329، فقال لي: أبو حاتم سهل ابن السري الحافظ لا تكتب عنه فإنه كذّاب، وقد صنف لأبي الطيب المصعبي كتابا في القرامطة حتى قلّده قضاء سمرقند، فلما أخبر أهل سمرقند بذلك أرادوا أن يقتلوه فهرب ودخل بخارى وأقام دلّالا في البزّازين حتى اشترى له ثيابا بخمسة آلاف درهم إلى شهرين، وهرب في الليل وذهب بأموال الناس، قال: وسمعت السليماني الحافظ بنيسابور قال لي:

كتبت عن أبي حاتم البستي؟ فقلت: نعم، فقال.

إياك أن تروي عنه فإنه جاءني فكتب مصنّفاتي وروى عن مشايخي ثم إنه خرج إلى سجستان بكتابه في القرامطة إلى ابن بابو حتى قبله وقلّده أعمال سجستان فمات به، قال السليماني: فرأيت وجهه وجه الكذّابين وكلامه كلام الكذابين، وكان يقول:

يا بني اكتب: أبو حاتم محمد بن حبان البستي إمام الائمة، حتى كتبت بين يديه ثم محوته، قال أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق القرّاب: سمعت أحمد ابن محمد بن صالح السجستاني يقول: توفي أبو حاتم محمد بن أحمد بن حبان سنة 354، وعن شيخنا أبي القاسم الحرستاني عن أبي القاسم الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد بن محمد البحتري، سمعت محمد بن عبد الله الضّبّيّ يقول: توفي أبو حاتم البستي ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوّال سنة 354، ودفن بعد صلاة الجمعة في الصّفّة التي ابتناها بمدينة بست بقرب داره، وذكر أبو عبد الله الغنجار الحافظ في تاريخ بخارى أنه مات بسجستان سنة 354، وقبره ببست معروف يزار إلى الآن، فإن لم يكن نقل من سجستان إليها بعد الموت وإلّا فالصواب أنه مات ببست.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


54-معجم البلدان (بنان)

بُنَانُ:

بالضم: قرية بمرو الشاهجان، ينسب إليها جماعة مذكورون في تاريخها، منهم: أبو عبد الرحمن علي بن إبراهيم البناني المروزي صاحب عبد الله بن المبارك، سمع خالد بن صبيح وخالد بن مصعب، وقال الحاكم أبو عبد الله: أخبرنا العباس السّيّاري بمرو، حدثنا عيسى بن محمد بن عيسى المروزي، حدثنا العباس بن مصعب قال: علي بن إبراهيم من ناحية بنان ولقبه أبو طينوس، سمع من ابن المبارك عامّة كتبه، وكان ثقة، روى عنه أهل مرو القليل، وأكثر ما رأيت يروى عنه بخوارزم، وقد روى عنه أحمد بن حنبل، وورد نيسابور وسمع من مشايخنا علي بن الحسن الهلالي ومحمد بن عبد الوهّاب العبدي، آخر كلام الحاكم، وذكره أبو سعد السّمعاني المروزي فقال: وأما علي بن إبراهيم البناني صاحب عبد الله بن المبارك، فقال أبو الفضل بن طاهر المقدسي:

هو منسوب إلى ناحية بنان من نواحي مرو، وقال أبو سعد: ولا أعرف هذه الناحية. وذكر الأمير أبو نصر فقال: علي بن إبراهيم البتاني، الباء موحدة مضمومة بعدها تاء فوقها نقطتان، وذكر معه رجلين وقال: هي من قرى طريثيث، كما ذكرناه في موضعه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


55-معجم البلدان (جرش)

جُرْشُ:

بالضم ثم الفتح، وشين معجمة: من مخاليف اليمن من جهة مكة، وهي في الإقليم الأول، طولها خمس وستون درجة، وعرضها سبع عشرة درجة، وقيل: إن جرش مدينة عظيمة باليمن وولاية واسعة، وذكر بعض أهل السير أن تبّعا أسعد بن كليكرب خرج من اليمن غازيا حتى إذا كان بجرش، وهي إذ ذاك خربة ومعدّ حالة حواليها، فخلّف بها جمعا ممن كان صحبه رأى فيهم ضعفا، وقال: اجرشوا ههنا أي البثوا، فسميت جرش بذلك، ولم أجد في اللغويين من قال إن الجرش المقام، ولكنهم قالوا إن الجرش الصوت، ومنه الملح الجريش لأنه حكّ بعضه ببعض فصوّت حتى سحق لأنه لا يكون ناعما وقال أبو المنذر هشام:

جرش أرض سكنها بنو منبّه بن أسلم فغلبت على اسمهم وهو جرش واسمه منبّه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عديّ بن مالك بن زيد ابن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن أيمن بن الهميسع ابن حمير بن سبأ، وإلى هذه القبيلة ينسب الغاز بن ربيعة بن عمرو بن عوف بن زهير بن حماطة بن ربيعة ابن ذي خليل بن جرش بن أسلم، كان شريفا زمن معاوية، وعبد الملك وابنه هشام بن الغاز، وزعم بعضهم أن ربيعة بن عمرو والد الغاز له صحبة، وفيه نظر، ومنهم الجرشي الحارث بن عبد الرحمن بن عوف بن ربيعة بن عمرو بن عوف بن زهير بن حماطة كان في صحابة أبي جعفر المنصور، وكان جميلا شجاعا وقرأت بخط جخجخ النحوي في كتاب أنساب البلدان لابن الكلبي: أخبرنا أحمد بن أبي سهل الحلواني عن أبي أحمد محمد بن موسى بن حماد البريدي عن أبي السريّ عن أبي المنذر قال: جرش قبائل من أفناء الناس تجرشوا، وكان الذي جرشهم رجل من حمير يقال له زيد بن أسلم، خرج بثور له عليه حمل شعير في يوم شديد الحرّ فشرد الثور، فطلبه فاشتد تعبه، فحلف لئن ظفر به ليذبحنه ثم ليجرشن الشعير وليدعونّ على لحمه، فأدركه بذات القصص عند قلعة جراش، وكل من أجابه وأكل معه يومئذ كان جرشيّا وينسب إليها الأدم والنوق فيقال: أدم جرشيّ وناقة جرشية قال بشر بن أبي خازم:

«تحدّر ماء البئر عن جرشية *** على جربة، تعلو الديار غروبها»

يقول: دموعي تحدّر كتحدّر ماء البئر عن دلو تسقى بها ناقة جرشية، لأن أهل جرش يسقون على الإبل وفتحت جرش في حياة النبيّ، صلى الله عليه وسلم، في سنة عشر للهجرة صلحا على الفيء وأن يتقاسموا العشر ونصف العشر وقد نسب المحدثون إليها بعض أهل الرواية، منهم: الوليد بن عبد الرحمن

الجرشي مولى لآل أبي سفيان الأنصاري، يروي عن جبير بن نفير وغيره ويزيد بن الأسود الجرشي من التابعين، أدرك المغيرة بن شعبة وجماعة من الصحابة، كان زاهدا عابدا سكن الشام، استسقى به الضحاك بن قيس وقتل معه بمرج راهط.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


56-معجم البلدان (الجلسد)

الجَلْسَدُ:

اسم ضم كان بحضرموت ولم أجد ذكره في كتاب الأصنام لأبي المنذر هشام بن محمد الكلبي، ولكني قرأت في كتاب أبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري: أخبرنا ابن دريد قال أخبرني عمي الحسين بن دريد قال أخبرني حاتم بن قبيصة المهلّبي عن هشام بن الكلبي عن أبي مسكين قال: كان بحضرموت صنم يسمى الجلسد تعبده كندة وحضرموت، وكانت سدنته بني شكامة بن شبيب بن السّكون بن أشرس بن ثور بن مرتع وهو كندة ثم أهل بيت منهم يقال لهم بنو علّاق، وكان الذي يسدنه منهم يسمى الأخزر بن ثابت، وكان للجلسد حمى ترعاه سوامه وغنمه، وكانت هوا في الغنم إذا رعت حمى الجلسد حرمت على أربابها، وكانوا يكلّمون منه، وكان كجثّة الرجل العظيم، وهو من صخرة بيضاء لها كرأس أسود، وإذا تأمّله الناظر رأى فيه كصورة وجه الإنسان قال الأخزر: فإني ليوما

عند الجلسد وقد ذبح له رجل من بني الامريّ بن مهرة ذبحا إذ سمعنا فيه كهمهمة الرعد، فأصغينا فإذا قائل يقول: شعار أهل عدم، انه قضاء حتم، ان بطش سهم فقد فاز سهم، فقلنا: ربنا وضاح وضاح! فأعاد الصوت وهو يقول: ناء نجم العراق، يا أخزر بن علاق، هل أحسست جمعا عما

فانكسر لذلك، وقد كان فيما مضى يخبرنا بالأعاجيب، فلما جن علينا الليل بتّ مبيتي عنده فإذا هاتف يقول:

لا شأن للجلسد ولا رثي لهدد، استقام الأود وعبد الواحد الصمد، واكفى الحجر الأصلد، والرأس الأسود، قال: فنهضت مذعورا فأتيت الصنم فإذا هو منقلب على رأسه وكان لو اجتمع فئام من الناس ما حلحلوه، فو الذي نفسي بيده ما عرّجت على أهل ولا مال حتى أتيت راحلتي وخرجت حتى أتيت صنعاء فقلت: هل من خابئة خبر؟ فقيل لي: ظهر رجل بمكة يدعو إلى خلع الأوثان ويزعم أنه نبيّ، فلم أزل أطوف في مخاليف اليمن حتى ظهر الإسلام، فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت وفي أشعارهم:

«............... *** كما *** بيقر من يمشي إلى الجلسد»

والبيقرة: مشية يطأطئ الرجل فيها رأسه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


57-معجم البلدان (جوبر)

جَوْبَرُ:

بالراء: قرية بالغوطة من دمشق وقيل نهر بها قال بعضهم:

«إذا افتخر القيسيّ، فاذكر بلاءه *** بزرّاعة الضحّاك شرقيّ جوبرا»

وقد نسب إليها جماعة من المحدثين وافرة، منهم:

أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التيمي الجوبري الدمشقي، قال عبد العزيز الكناني:

مات في سنة 425 لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر، ولم يكن يحسن يقرأ ولا يكتب، وكان أبوه قد

سمّعه وضبط عليه السماع، وكان يحفظ متون الحديث الذي يحدث به، حدث عن أبي سنان والزجاج وابن مروان وغيرهم، ولما مضيت إليه لأسمع منه وجدت له بلاغا في كتاب الجامع الصحيح ووجدت سماعه في جميعه، فلما صرت إليه قال: قد سمعت الكثير، سمّعني والدي، وكان والده محدثا،

وجوبر أيضا: من قرى نيسابور ينسب إليها أبو بكر محمد بن عليّ بن محمد بن إسحاق الجوبري، روى عن حمزة بن عبد العزيز وغيره، روى عنه أبو سعد بن أبي طاهر المؤذن، قال أبو موسى المديني:

أخبرنا عنه زاهر بن طاهر الشحّامي. وجوبر أيضا:

من سواد بغداد.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


58-معجم البلدان (حشاش)

حُشَاشُ:

بالضم، أخبرنا عبد المنعم بن كليب إذنا عن ابن نبهان عن أبي الحسن بن الصابي عن الرماني عن السكري قال: قال الجمحي عبد الله بن إبراهيم خرج عمير بن الجعد بن القهد الخزاعي من ذي غلائل بمائة من بني كعب بن عمرو حتى صبّحوا بني لحيان بالحشاش يوم حشاش فوجدوهم غير غافلين، فقتلتهم بنو لحيان ولم ينج منهم غير عمير بن الجعد فقال:

«صدفت أميمة، لات حين صدوف، *** عني وآذن صحبتي بخفوف»

«أأميم! هل تدرين أن رب صاحب *** فارقت يوم حشاش غير ضعيف»

«يروى النديم، إذا تناشى صحبه، *** أمّ الصّبيّ وثوبه مخلوف»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


59-معجم البلدان (خزاز وخزازى)

خَزاز وخَزَازَى:

هما لغتان، كلاهما بفتح أوله وزاءين معجمتين، قال أبو منصور: وخزازى شكل

في النحو وأحسنه أن يقال هو جمع سمّي به كعراعر ولا واحد له كأبابيل، وقال الحارث بن حلّزة:

«فتنوّرت نارها من بعيد *** بخزازى، هيهات منك الصلاء! »

واختلفت العبارات في موضعه، فقال بعضهم: هو جبل بين منعج وعاقل بإزاء حمى ضرية، قال:

«ومصعدهم كي يقطعوا بطن منعج، *** فضاق بهم ذرعا خزاز وعاقل»

وقال النميري: هو رجل من بني ظالم يقال له الدهقان فقال:

«أنشد الدار، بعطفي منعج *** وخزاز، نشدة الباغي المضل»

«قد مضى حولان مذ عهدي بها، *** واستهلّت نصف حول مقتبل»

«فهي خرساء، إذا كلّمتها، *** ويشوق العين عرفان الطّلل»

وقال أبو عبيدة: كان يوم خزاز بعقب السّلّان، وخزاز وكير ومتالع أجبال ثلاثة بطخفة ما بين البصرة إلى مكة، فمتالع عن يمين الطريق للذاهب إلى مكة وكير عن شماله وخزاز بنحر الطريق، إلا أنها لا يمر الناس عليها ثلاثتها، وقيل: خزاز جبل لبني غاضرة خاصة، وقال أبو زياد: هما خزازان وهما هضبتان طويلتان بين أبانين جبل بني أسد وبين مهبّ الجنوب على مسيرة يومين بواد يقال له منعج، وهما بين بلاد بني عامر وبلاد بني أسد، وغلط فيه الجوهري غلطا عجيبا فإنه قال: خزاز جبل كانت العرب توقد عليه غداة الغارة، فجعل الإيقاد وصفا لازما له وهو غلط، إنما كان ذلك مرّة في وقعة لهم، قال القتّال الكلابي:

«وسفع كدور الهاجريّ بجعجع *** تحفّر، في أعقارهنّ، الهجارس»

«موائل، ما دامت خزاز مكانها *** بجبّانة كانت إليها المجالس»

«تمشّى بها ربد النّعام كأنها *** رجال القرى تمشي، عليها الطيالس»

وهذا ذكر يوم خزاز بطوله مختصر الألفاظ دون المعاني عن أبي زياد الكلابي، قال: اجتمعت مضر وربيعة على أن يجعلوا منهم ملكا يقضي بينهم، فكلّ أراد أن يكون منهم، ثم تراضوا أن يكون من ربيعة ملك ومن مضر ملك، ثم أراد كلّ بطن من ربيعة ومن مضر أن الملك منهم، ثم اتفقوا على أن يتخذوا ملكا من اليمن، فطلبوا ذلك إلى بني آكل المرار من كندة، فملّكت بنو عامر شراحيل ابن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار وملّكت بنو تميم وضبّة محرّق بن الحارث وملّكت وائل شرحبيل بن الحارث، وقال ابن الكلبي: كان ملك بني تغلب وبكر بن وائل سلمة ابن الحارث، وملّكت بقية قيس غلفاء، وهو معدي كرب بن الحارث، وملّكت بنو أسد وكنانة حجر بن الحارث أبا امرئ القيس، فقتلت بنو أسد حجرا، ولذلك قصة، ثم قصص امرئ القيس في الطلب بثأر أبيه، ونهضت بنو عامر على شراحيل فقتلوه، وولي قتله بنو جعدة بن كعب بن ربيعة بن صعصعة، فقال في ذلك النابغة الجعدي:

«أرحنا معدّا من شراحيل بعد ما *** أراهم مع الصّبح الكواكب، مصحرا»

وقتلت بنو تميم محرّقا وقتلت وائل شرحبيل، فكان حديث يوم الكلاب ولم يبق من بني آكل المرار

غير سلمة، فجمع جموع اليمن وسار ليقتل نزارا، وبلغ ذلك نزارا فاجتمع منهم بنو عامر بن صعصعة وبنو وائل تغلب وبكر، وقال غير أبي زياد:

وبلغ الخبر إلى كليب وائل فجمع ربيعة وقدّم على مقدّمته السّفّاح التغلبي واسمه سلمة بن خالد وأمره أن يعلو خزازى فيوقد بها النار ليهتدي الجيش بناره وقال له: إن غشيك العدوّ فأوقد نارين، وبلغ سلمة اجتماع ربيعة ومسيرها فأقبل ومعه قبائل مذحج وكلما مرّ بقبيلة استفزّها، وهجمت مذحج على خزازى ليلا فرفع السّفّاح نارين، فأقبل كليب في جموع ربيعة إليهم فصبّحهم فالتقوا بخزازى فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت جموع اليمن، فلذلك يقول السفاح التغلبي:

«وليل، بتّ أوقد في خزازى، *** هديت كتائبا متحيّرات»

«ضللن من السهاد، وكنّ لولا *** سهاد القوم، أحسب، هاديات»

وقال أبو زياد الكلابي: أخبرنا من أدركناه من مضر وربيعة أن الأحوص بن جعفر بن كلاب كان على نزار كلها يوم خزاز، قال: وهو الذي أوقد النار على خزاز، قال: ويوم خزاز أعظم يوم التقته العرب في الجاهلية، قال: وأخبرنا أهل العلم منا الذين أدركنا أنه على نزار الأحوص ابن جعفر، ثم ذكرت ربيعة ههنا أخيرا من الدهر أن كليبا كان على نزار، وقال بعضهم: كان كليب على ربيعة والأحوص على مضر، قال ولم أسمع في يوم خزاز بشعر إلا قول عمرو بن كلثوم التغلبي:

«ونحن، غداة أوقد في خزازى، *** رفدنا فوق رفد الرافدينا»

«برأس من بني جشم بن بكر *** ندقّ به السّهولة والحزونا»

«تهدّدنا وتوعدنا، رويدا! *** متى كنا لأمّك مقتوينا؟»

قال: وما سمعناه سمّى رئيسا كان على الناس، قلت: هذه غفلة عجيبة من أبي زياد بعد إنشاده:

برأس من بني جشم بن بكر

وكليب اسمه وائل بن ربيعة بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، وهل شيء أوضح من هذا؟ قال أبو زياد: وحدثنا من أدركنا ممن كنا نثق به بالبادية أن نزارا لم تكن تستنصف من اليمن ولم تزل اليمن قاهرة لها في كل شيء حتى كان يوم خزاز فلم تزل نزار ممتنعة قاهرة لليمن في يوم يلتقونه بعد خزاز حتى جاء الإسلام، وقال عمرو بن زيد: لا أعرفه لكن ابن الحائك كذا قال في يوم خزاز، وفيه دليل على أن كليبا كان رئيس معدّ:

«كانت لنا بخزازى وقعة عجب، *** لما التقينا، وحادي الموت يحديها»

«ملنا على وائل في وسط بلدتها، *** وذو الفخار كليب العزّ يحميها»

«قد فوّضوه وساروا تحت رايته، *** سارت إليه معدّ من أقاصيها»

«وحمير قومنا صارت مقاولها، *** ومذحج الغرّ صارت في تعانيها»

وهي طويلة، وقال في آخرها: وكثير من الناس بذكر أن خزاز هي المهجم من أسفل وادي سردد.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


60-معجم البلدان (الخورنق)

الخَوَرْنَقُ:

بفتح أوله وثانيه، وراء ساكنة، ونون مفتوحة، وآخره قاف: بلد بالمغرب، قرأت في كتاب النوادر الممتعة لأبي الفتح بن جنّي: أخبرنا أبو صالح السليل بن أحمد عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي قال: قال الأصمعي سألت الخليل ابن أحمد عن الخورنق فقال ينبغي أن يكون مشتقّا من الخرنق الصغير من الأرانب، قال الأصمعي:

ولم يصنع شيئا إنما هو من الخورنقاه، بضم الخاء وسكون الواو وفتح الراء وسكون النون والقاف، يعني موضع الأكل والشرب بالفارسية، فعرّبته العرب فقالت الخورنق ردّته إلى وزن السّفرجل، قال ابن جنّي: ولم يؤت الخليل من قبل الصنعة لأنه أجاب على أن الخورنق كلمة عربية، ولو كان عربيّا لوجب أن تكون الواو فيه زائدة كما ذكر لأن الواو لا تجيء أصلا في ذوات الخمسة على هذا الحدّ فجرى مجرى الواو كذلك، وإنما أتي من قبل السماع، ولو تحقق ما تحققه الأصمعي لما صرف الكلمة، أنّى وسيبويه إحدى حسناته؟

والخورنق أيضا: قرية على نصف فرسخ من بلخ، يقال لها خبنك، وهو فارسيّ معرب من خرنكاه، تفسيره موضع الشرب، ينسب إليها أبو الفتح محمد ابن محمد بن عبد الله بن محمد البسطامي الخورنقي، وهو أخو عمر البسطامي الخورنقي، كان يسكن الخورنق فنسب إليها، سمع أباه أبا الحسن بن أبي محمد وأبا هريرة عبد الرحمن بن عبد الملك بن يحيى ابن أحمد القلانسي وأبا حامد أحمد بن محمد الشجاعي السرخسي وأبا القاسم أحمد بن محمد الخليلي وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر، وكانت له إجازة من أبي علي السرخسي، كتب عنه أبو سعد، وكانت ولادته في العشر الأخير من شهر رمضان سنة 468 ببلخ، ووفاته بالخورنق في السابع عشر من رمضان سنة 551، وأما الخورنق الذي ذكرته العرب في أشعارها وضربت به الأمثال في أخبارها فليس بأحد هذين إنما هو موضع بالكوفة، قال أبو منصور: هو نهر، وأنشد:

«وتجبى إليه السّيلحون ودونها *** صريفون في أنهارها والخورنق»

قال: وهكذا قال ابن السكّيت في الخورنق، والذي عليه أهل الأثر والأخبار أن الخورنق قصر كان بظهر الحيرة، وقد اختلفوا في بانيه فقال الهيثم بن عدي:

الذي أمر ببناء الخورنق النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي بن نصر بن الحارث بن عمرو بن لخم ابن عدي بن مرّة بن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ ابن يعرب بن قحطان، ملك ثمانين سنة وبنى الخورنق في ستين سنة، بناه له رجل من الروم يقال له سنمّار، فكان يبني السنتين والثلاث ويغيث الخمس سنين وأكثر من ذلك وأقل، فيطلب فلا يوجد، ثم يأتي فيحتجّ، فلم يزل يفعل هذا الفعل ستين سنة حتى فرغ من بنائه، فصعد النعمان على رأسه ونظر إلى البحر تجاهه والبرّ خلفه فرأى الحوت والضبّ والضبّي والنخل فقال: ما رأيت مثل هذا البناء قط! فقال له سنمّار: إني أعلم موضع آجرّة لو زالت لسقط القصر كله، فقال النعمان: أيعرفها أحد غيرك؟ قال:

لا، قال: لا جرم لأدعنّها وما يعرفها أحد! ثم أمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطع، فضربت العرب به المثل، فقال شاعر:

«جزاني، جزاه الله شرّ جزائه، *** جزاء سنمّار، وما كان ذا ذنب»

«سوى رمّه البنيان، ستين حجّة، *** يعلّ عليه بالقراميد والسكب»

«فلما رأى البنيان ثمّ سحوقه، *** وآض كمثل الطّود والشامخ الصّعب»

«فظنّ سنمّار به كلّ حبوة، *** وفاز لديه بالمودّة والقرب»

«فقال: اقذفوا بالعلج من فوق رأسه! *** فهذا، لعمر الله، من أعجب الخطب»

وقد ذكرها كثير منهم وضربوا سنمّار مثلا، وكان النعمان هذا قد غزا الشام مرارا وكان من أشدّ الملوك بأسا، فبينما هو ذات يوم جالس في مجلسه في الخورنق فأشرف على النّجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والأنهار مما يلي المغرب وعلى الفرات مما يلي المشرق والخورنق مقابل الفرات يدور عليه على عاقول كالخندق فأعجبه ما رأى من الحضرة والنور والأنهار فقال لوزيره: أرأيت مثل هذا المنظر وحسنه؟

فقال: لا والله أيها الملك ما رأيت مثله لو كان يدوم! قال: فما الذي يدوم؟ قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فبم ينال ذلك؟ قال: بترك هذه الدنيا وعبادة الله والتماس ما عنده، فترك ملكه في ليلته ولبس المسوح وخرج مختفيا هاربا، ولا يعلم به أحد ولم يقف الناس على خبره إلى الآن، فجاؤوا بابه بالغداة على رسمهم فلم يؤذن لهم عليه كما جرت العادة، فلما أبطأ الإذن أنكروا ذلك وسألوا عن الأمر فأشكل الأمر عليهم أياما ثم ظهر تخلّيه من الملك ولحاقه بالنّسك في الجبال والفلوات، فما رؤي بعد ذلك، ويقال: إن وزيره صحبه ومضى معه، وفي ذلك يقول عدي بن زيد:

«وتبيّن ربّ الخورنق، إذ *** أشرف يوما، وللهدى تفكير»

«سرّه ما رأى وكثرة ما يم *** لك والبحر، معرضا، والسدير»

«فارعوى قلبه وقال: فما غب *** طة حيّ إلى الممات يصير! »

«ثم بعد الفلاح والملك والإم *** مة وارتهم هناك القبور»

«ثم صاروا كأنهم ورق جف *** ف، فألوت به الصّبا والدّبور»

وقال عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة عند غلبة خالد ابن الوليد على الحيرة في خلافة أبي بكر، رضي الله عنه:

«أبعد المنذرين أرى سواما *** تروّح بالخورنق والسدير»

«تحاماه فوارس كلّ حيّ، *** مخافة ضيغم عالي الزّئير»

«فصرنا، بعد هلك أبي قبيس، *** كمثل الشاء في اليوم المطير»

«تقسّمنا القبائل من معدّ *** كأنّا بعض أجزاء الجزور»

وقال ابن الكلبي: صاحب الخورنق والذي أمر ببنائه بهرام جور بن يزدجرد بن سابور ذي الأكتاف، وذلك أن يزدجرد كان لا يبقى له ولد وكان قد لحق ابنه بهرام جور في صغره علّة تشبه الاستسقاء فسأل عن منزل مريء صحيح من الأدواء والأسقام ليبعث بهرام إليه خوفا عليه من العلّة، فأشار عليه أطبّاؤه أن يخرجه من بلده إلى أرض العرب ويسقى أبوال الإبل وألبانها، فأنفذه إلى النعمان وأمره أن يبني له قصرا مثّله على شكل بناء الخورنق، فبناه له وأنزله إياه وعالجه حتى برأ من مرضه، ثم استأذن أباه في

المقام عند النعمان فأذن له، فلم يزل عنده نازلا قصره الخورنق حتى صار رجلا ومات أبوه فكان من أمره في طلب الملك حتى ظفر به ما هو متعارف مشهور، وقال الهيثم بن عدي: لم يقدم أحد من الولاة الكوفة إلا وأحدث في قصرها المعروف بالخورنق شيئا من الأبنية، فلما قدم ا

يا أبا أميّة أرأيت بناء أحسن من هذا؟ قال: نعم، السماء وما بناها! قال: ما سألتك عن السماء، أقسم لتسبّن أبا تراب، قال: لا أفعل، قال: ولم؟

قال: لأنا نعظم أحياء قريش ولا نسب موتاهم، قال: جزاك الله خيرا! وقال علي بن محمد العلوي الكوفي المعروف بالحمّاني:

«سقيا لمنزلة وطيب، *** بين الخورنق والكثيب»

«بمدافع الجرعات من *** أكناف قصر أبي الخصيب»

«دار تخيّرها الملو *** ك، فهتّكت رأي اللبيب»

«أيام كنت، من الغواني، *** في السواد من القلوب»

«لو يستطعن خبأنني *** بين المخانق والجيوب»

«أيام كنت، وكنّ لا *** متحرّجين من الذنوب»

«غرّين يشتكيان ما *** يجدان بالدمع السّروب»

«لم يعرفا نكدا سوى *** صدّ الحبيب عن الحبيب»

وقال علي بن محمد الكوفي أيضا:

«كم وقفة لك بالخور *** نق ما توازى بالمواقف»

«بين الغدير إلى السدي *** ر إلى ديارات الأساقف»

«فمدارج الرهبان في *** أطمار خائفة وخائف»

«دمن كأن رياضها *** يكسين أعلام المطارف»

«وكأنما غدرانها *** فيها عشور في مصاحف»

«وكأنما أغصانها *** تهتزّ بالريح العواصف»

«طرر الوصائف يلتقين *** بها إلى طرر المصاحف»

«تلقى أواخرها أوا *** ئلها بألوان الرّفارف»

«بحريّة شتواتها، *** برّيّة منها المصائف»

«درّيّة الصهباء كا *** فوريّة منها المشارف»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


61-معجم البلدان (دجلة)

دِجْلَةُ:

نهر بغداد، لا تدخله الألف واللام، قال حمزة: دجلة معرّبة على ديلد، ولها اسمان آخران وهما: آرنك روذ وكودك دريا أي البحر الصغير، أخبرنا الشيخ مسمار بن عمر بن محمد أبو بكر المقري البغدادي بالموصل أنبأنا الشيخ الحافظ أبو الفضل محمد ابن ناصر بن محمد بن عليّ السّلامي أنبأنا الشيخ العالم أبو محمد جعفر بن أبي طالب أحمد بن الحسين السّرّاج القارئ أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن عليّ بن الحسين التّوّزي في شهر ربيع الآخر سنة 440، قال أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: دفع إليّ أبو الحسن عليّ بن هارون ورقة ذكر أنها بخط

عليّ بن مهدي الكسروي، ووجدت فيها أول مخرج دجلة من موضع يقال له عين دجلة على مسيرة يومين ونصف من آمد من موضع يعرف بهلورس من كهف مظلم، وأول نهر ينصبّ إلى دجلة يخرج من فوق شمشاط بأرض الروم يقال له نهر الكلاب، ثم أول واد ينصبّ إليه سوى السواقي والرواضع وال

الزاب الأعلى من موضع يقال له تلّ فافان والزاب الصغير عند السنّ، ومنها يعظم، ثم بغداد ثم واسط ثم البصرة ثم عبّادان ثم ينصب في بحر الهند، فإذا انفصل عن واسط انقسم إلى خمسة أنهر عظام تحمل السّفن، منها: نهر سياسي ونهر الغرّاف ونهر دقلة ونهر جعفر ونهر ميسان، ثم تجتمع هذه الأنهار أيضا وما ينضاف إليها من الفرات كلها قرب مطارة، قرية بينها وبين البصرة يوم واحد.

وروي عن ابن عباس، رضي الله عنه، أنه قال:

أوحى الله تعالى إلى دانيال، عليه السلام، وهو دانيال الأكبر، أن احفر لعبادي نهرين واجعل مفيضهما البحر فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فأخذ خشبة وجعل يجرها في الأرض والماء يتبعه وكلما مرّ بأرض يتيم أو

أرملة أو شيخ كبير ناشدوه الله فيحيد عنهم، فعواقيل دجلة والفرات من ذلك، قال في هذه الرواية:

ومبتدأ دجلة من أرمينية.

ودجلة العوراء: اسم لدجلة البصرة علم لها، وقد أسقط بعض الشعراء الهاء منه ضرورة، قال بعض الشعراء:

«روّاد أعلى دجل يهدج دونها *** قربا يواصله بخمس كامل»

وقال أبو العلاء المعرّي:

«سقيا لدجلة، والدنيا مفرّقة، *** حتى يعود اجتماع النجم تشتيتا»

«وبعدها لا أحبّ الشرب من نهر *** كأنما أنا من أصحاب طالوتا»

«ذمّ الوليد، ولم أذمم بلادكم، *** إذ قال ما أنصفت بغداد حوشيتا»

وقال أبو القاسم عليّ بن محمد التنوخي القاضي:

«أحسن بدجلة والدّجى متصوّب، *** والبدر في أفق السماء مغرّب»

«فكأنها فيه بساط أزرق، *** وكأنه فيها طراز مذهب»

ولابن التمّار الواسطي يصف ضوء القمر على دجلة:

«قم فاعتصم من صروف الدهر والنّوب، *** واجمع بكأسك شمل اللهو والطرب»

«أما ترى الليل قد ولّت عساكره *** مهزومة، وجيوش الصبح في الطلب»

«والبدر في الأفق الغربيّ تحسبه *** قد مدّ جسرا، على الشطّين، من ذهب»

ودجلة: موضع في ديار العرب بالبادية، قال يزيد ابن الطّثرية:

«خلا الفيض ممن حله فالخمائل *** فدجلة ذي الأرطى فقرن الهوامل»

«وقد كان محتلّا، وفي العيش غرّة، *** لأسماء مفضى ذي سليل وعاقل»

«فأصبح منها ذاك قفرا وسامحت *** لك النفس، فانظر ما الذي أنت فاعل»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


62-معجم البلدان (دربند)

دَرْبَند:

هو باب الأبواب، وقد ذكر، ينسب إليه الحسن بن محمد بن عليّ بن محمد الصوفي البلخي أبو الوليد المعروف بالدّربندي، وكان قديما يكنى بأبي قتادة، وكان ممن رحل في طلب الحديث وبالغ في جمعه وأكثر غاية الإكثار، وكانت رحلته من ما وراء النهر إلى الإسكندرية، وأكثر عنه أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب في التاريخ مرة يصرّح بذكره ومرة يدلّس ويقول: أخبرنا الحسن بن أبي بكر الأشقر، وكان قرأ عليه تاريخ أبي عبد الله غنجار، ولم يكن له كثير معرفة بالحديث غير أنه كان مكثرا رحّالا، لم يذكره الخطيب في تاريخه وذكره أبو سعد، سمع ببخارى أبا عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الحافظ غنجار ومن في طبقته في سائر البلاد، قال أبو سعد: وروى عنه أبو عبد الله محمد بن الفضل الفزاري وأبو القاسم زاهر بن طاهر الشّحّامي، قال أبو سعد: وذكر بعضهم أنّ أبا الوليد الدربندي توفي في شهر رمضان سنة 456.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


63-معجم البلدان (دير سعد)

دَيْرُ سعد:

بين بلاد غطفان والشام، عن الحازمي، قال أبو الفرج عليّ بن الحسين: أخبرنا الحرمي بن

أبي العلاء قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال: وجدت في كتاب بخط الضحاك قال: خرج عقيل بن علفّة وجثّامة وابنته الجرباء حتى أتوا بنتا له ناكحا في بني مروان بالشامات، ثم إنهم قفلوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال عقيل بن علّفة:

«قضت وطرا من دير سعد وطالما *** على عرض ناطحنه بالجماجم»

«إذا هبطت أرضا يموت غرابها *** بها عطشا أعطينهم بالخزائم»

ثم قال: أنفذ يا جثّامة، فقال جثّامة:

«فأصبحن بالموماة يحملن فتية *** نشاوى من الإدلاج ميل العمائم»

«إذا علم غادرنه بتنوفة *** تذارعن بالأيدي لآخر طاسم»

ثم قال: أنفذي يا جرباء، فقالت:

«كأنّ الكرى سقّاهم صرخديّة *** عقارا تمطّى في المطا والقوائم»

فقال عقيل: شربتها ورب الكعبة! لولا الأمان لضربت بالسيف تحت قرطك! أما وجدت من الكلام غير هذا؟ فقال جثّامة: وهل أساءت؟ إنما أجادت وليس غيري وغيرك! فرماه عقيل بسهم فأصاب ساقه وأنفذ السهم ساقه والرجل ثم شدّ على الجرباء فعقر ناقتها ثم حملها على ناقة جثّامة وتركه عقيرا مع ناقة الجرباء ثم قال: لولا أن تسبّني بنو مرّة لما عشت، ثم خرج متوجها إلى أهله وقال: لئن أخبرت أهلك بشأن جثامة أو قلت لهم إنه أصابه غير الطاعون لأقتلنك! فلما قدموا على أهل أبير، وهم بنو القين، ندم عقيل على فعله بجثامة فقال لهم: هل لكم في جزور انكسرت؟ قالوا: نعم، قال: فالزموا أثر هذه الراحلة حتى تجدوا الجزور، فخرج القوم حتى انتهوا إلى جثّامة فوجدوه قد أنزفه الدم، فاحتملوه وتقسموا الجزور وأنزلوه عليهم وعالجوه حتى برأ وألحقوه بقومه، فلما كان قريبا منهم تغنّى:

«أيعذر لا حينا ويلحين في الصّبا *** وما هنّ والفتيان إلّا شقائق»

فقال له القوم: إنما أفلتّ من الجراحة التي جرحك أبوك آنفا وقد عاودت ما يكرهه فأمسك عن هذا ونحوه إذا لقيته لا يلحقك منه شرّ وعرّ، فقال: إنما هي خطرة خطرت والراكب إذا سار تغنّى.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


64-معجم البلدان (الرقة)

الرَّقّةُ:

بفتح أوّله وثانيه وتشديده، وأصله كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء، وجمعها رقاق، وقال غيره: الرقاق الأرض اللينة التراب، وقال

الأصمعي: الرقاق الأرض اللينة من غير رمل، وأنشد:

«كأنّها بين الرّقاق والخمر، *** إذا تبارين، شآبيب مطر»

وهي مدينة مشهورة على الفرات، بينها وبين حرّان ثلاثة أيّام، معدودة في بلاد الجزيرة لأنّها من جانب الفرات الشرقي، طول الرّقّة أربع وستون درجة، وعرضها ست وثلاثون درجة، في الإقليم الرابع، ويقال لها الرقة البيضاء، أرسل سعد بن أبي وقّاص والي الكوفة في سنة 17 جيشا عليه عياض بن غنم فقدم الجزيرة فبلغ أهل الرقة خبره فقالوا: أنتم بين العراق والشام وقد استولى عليها المسلمون فما بقاؤكم مع هؤلاء! فبعثوا إلى عياض بن غنم في الصلح فقبله منهم، فقال سهيل بن عدي:

«وصادمنا الفرات غداة سرنا *** إلى أهل الجزيرة بالعوالي»

«أخذنا الرقّة البيضاء لمّا *** رأينا الشّهر لوّح بالهلال»

«وأزعجت الجزيرة بعد خفض *** وقد كانت تخوّف بالزّوال»

«وصار الخرج ضاحية إلينا *** بأكناف الجزيرة عن تقالي»

وقال ربيعة الرقي يصفها:

«حبّذا الرّقة دارا وبلد! *** بلد ساكنه ممّن تودّ»

«ما رأينا بلدة تعدلها، *** لا ولا أخبرنا عنها أحد»

«إنّها برّيّة بحريّة، *** سورها بحر وسور في الجدد»

«تسمع الصّلصل في أشجارها *** هدهد البرّ ومكّاء غرد»

«لم تضمّن بلدة ما ضمّنت *** من جمال في قريش وأسد»

وقال عبيد الله بن قيس الرّقيّات:

«لم يصح هذا الفؤاد عن طربه *** وميله في الهوى وعن لعبه»

«أهلا وسهلا بمن أتاك من ال *** رّقّة يسري إليك في شجبه»

وقال أيضا عبيد الله بن قيس الرّقيّات لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

«أتيناك نثني بالذي أنت أهله *** عليك كما أثنى على الرّوض جارها»

«تقدّت بي الشّهباء نحو ابن جعفر، *** سواء عليها ليلها ونهارها»

«فو الله لولا أن تزور ابن جعفر *** لكان قليلا في دمشق قرارها»

«فإن متّ لم يوصل صديق ولم يقم *** سبيل من المعروف أنت منارها»

«ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا، *** وجاش بأعلى الرّقّتين بحارها»

«وعندي ممّا خوّل الله هجمة *** عطاؤك منها شولها وعشارها»

قال بطليموس: الرّقة البيضاء طولها ثلاث وسبعون درجة وست دقائق، وعرضها خمس وثلاثون درجة وعشرون دقيقة، طالعها الشّولة، بيت حياتها القوس تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، يقابلها مثلها من الجدي، بيت ملكها مثلها من الحمل، عاقبتها مثلها من الميزان، ارتفاعها ثمان

وسبعون درجة، قال: والرّقّة الوسطى طولها ثلاث وسبعون درجة واثنتا عشرة دقيقة، وعرضها خمس وثلاثون درجة وسبع عشرة دقيقة، طالعها الشولة في الإقليم الرابع، وقيل: طالعها الذابح، بيت حياتها ثلاث درج من الحوت وخمس وأربعون دقيقة تحت إحدى عشرة درجة من السرطان، يق

والرّقة: البستان المقابل للتاج من دار الخلافة ببغداد وهي بالجانب الغربي، وهو عظيم جدّا جليل القدر، وينسب إلى الرقة المذكورة أوّلا جماعة من أهل العلم وافرة، منهم: أبو عمرو هلال بن العلاء بن هلال ابن عمرو بن هلال الرّقّي، قال ابن أبي حاتم:

هلال بن عمرو الرقي جد هلال بن العلاء، روى عن أبيه عمرو بن هلال، سألت عنه أبي فقال: ضعيف الحديث، مات في سنة 270، ومحمد بن الحسن الرقي شاعر يعرف بالمعوّج، مات في سنة 307.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


65-معجم البلدان (زاغونى)

زَاغُونَى:

قرية ما أظنّها إلّا من قرى بغداد، ينسب إليها أحمد بن الحجّاج بن عاصم الزاغوني أبو جعفر، يروي عن أحمد بن حنبل، أنبأنا الحافظ عبد العزيز ابن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد ابن أحمد أخبرنا أبو زكرياء يحيى بن عبد الوهّاب

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد أنبأنا أبو سعيد النقّاش أنبأنا أبو النصر محمد بن أحمد بن العباس قال: حدثني جدّي العباس بن مهيار أنبأنا أبو جعفر أحمد بن حجاج بن عاصم من قرية زاغونى أنبأنا أحمد بن حنبل أنبأنا خلف بن الوليد أنبأنا قيس بن الربيع عن الأشعث بن سوّار عن عدي بن ثابت عن أبي ظبيان عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: يا عليّ إن وليت الأمر من بعدي فأخرج أهل نجران من جزيرة العرب، ومنها فيما أحسب أبو بكر محمد وأبو الحسن عليّ ابنا عبيد الله بن نصر بن السريّ الزاغونيّان الحنبليّان، مات أبو الحسن في محرّم سنة 527، وهو صاحب التاريخ وشيخ ابن الجوزي ومربّيه، ومولده سنة 455، ومات أبو بكر وكان مجلّدا للكتب أستاذا حاذقا في سنة 551، ومولده في سنة 468، روى الحديث.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


66-معجم البلدان (الزراب)

الزراب:

جبال عالية بين فيد والجبلين، عن بدويّ من أهل تلك البلاد أخبرنا بها.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


67-معجم البلدان (سمرقند)

سَمَرْقَنْدُ:

بفتح أوّله وثانيه، ويقال لها بالعربيّة سمران: بلد معروف مشهور، قيل: إنّه من أبنية ذي القرنين بما وراء النهر، وهو قصبة الصّغد مبنيّة

على جنوبي وادي الصغد مرتفعة عليه، قال أبو عون:

سمرقند في الإقليم الرابع، طولها تسع وثمانون درجة ونصف، وعرضها ست وثلاثون درجة ونصف، وقال الأزهري: بناها شمر أبو كرب فسميت شمر كنت فأعربت فقيل سمرقند، هكذا تلفظ به العرب في كلامها وأشعارها، وقال يزيد بن مفرّغ يمدح سعيد بن عثمان وكان قد فتحها:

«لهفي على الأمر الذي *** كانت عواقبه النّدامه»

«تركي سعيدا ذا النّدى، *** والبيت ترفعه الدّعامه»

«فتحت سمرقند له، *** وبنى بعرصتها خيامه»

«وتبعت عبد بني علا *** ج، تلك أشراط القيامه»

وبالبطيحة من أرض كسكر قرية تسمى سمرقند أيضا، ذكره المفجّع في كتاب المنقذ من الإيمان في أخبار ملوك اليمن قال: لما مات ناشر ينعم الملك قام بالملك من بعده شمر بن افريقيس بن أبرهة فجمع جنوده وسار في خمسمائة ألف رجل حتى ورد العراق فأعطاه يشتاسف الطاعة وعلم أن لا طاقة له به لكثرة جنوده وشدّة صولته، فسار من العراق لا يصدّه صادّ إلى بلاد الصين فلمّا صار بالصّغد اجتمع أهل تلك البلاد وتحصّنوا منه بمدينة سمرقند فأحاط بمن فيها من كلّ وجه حتى استنزلهم بغير أمان فقتل منهم مقتلة عظيمة وأمر بالمدينة فهدمت فسميت شمركند، أي شمر هدمها، فعرّبتها العرب فقالت سمرقند، وقد ذكر ذلك دعبل الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها ويردّ بها على الكميت ويذكر التبابعة:

«وهم كتبوا الكتاب بباب مرو، *** وباب الصّين كانوا الكاتبينا»

«وهم سمّوا قديما سمرقندا، *** وهم غرسوا هناك التّبّتينا»

فسار شمر وهو يريد الصين فمات هو وأصحابه عطشا ولم يرجع منهم مخبّر، فبقيت سمرقند خرابا إلى أن ملك تبّع الأقرن بن أبي مالك بن ناشر ينعم فلم تكن له همّة إلّا الطلب بثأر جدّه شمر الذي هلك بأرض الصين فتجهّز واستعدّ وسار في جنوده نحو العراق فخرج إليه بهمن بن إسفنديار وأعطاه الطاعة وحمل إليه الخراج حتى وصل إلى سمرقند فوجدها خرابا، فأمر بعمارتها وأقام عليها حتى ردّها إلى أفضل ما كانت عليه، وسار حتى أتى بلادا واسعة فبنى التّبّت كما ذكرنا، ثمّ قصد الصين فقتل وسبى وأحرق وعاد إلى اليمن في قصة طويلة، وقيل: إن سمرقند من بناء الإسكندر، واستدارة حائطها اثنا عشر فرسخا، وفيها بساتين ومزارع وأرحاء، ولها اثنا عشر بابا، من الباب إلى الباب فرسخ، وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب، والأبواب الاثنا عشر من حديد، وبين كلّ بابين منزل للنوّاب، فإذا جزت المزارع صرت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق، وفي ربضها من المزارع عشرة آلاف جريب، ولهذه المدينة، أعني الداخلة، أربعة أبواب، وساحتها ألفان وخمسمائة جريب، وفيها المسجد الجامع والقهندز وفيه مسكن السلطان، وفي هذه المدينة الداخلة نهر يجري في رصاص، وهو نهر قد بني عليه مسنّاة عالية من حجر يجري عليه الماء إلى أن يدخل المدينة من باب كسّ، ووجه هذا النهر رصاص كلّه، وقد عمل في خندق المدينة مسنّاة وأجري عليها، وهو نهر يجري في وسط السوق بموضع يعرف بباب الطاق،

وكان أعمر موضع بسمرقند، وعلى حافات هذا النهر غلّات موقوفة على من بات في هذا النهر وحفظة من المجوس عليهم حفظ هذا النهر شتاء وصيفا مستفرض ذلك عليهم، وفي المدينة مياه من هذا النهر عليها بساتين، وليس من سكة ولا دار إلّا وبها ماء جار إلّا القليل، وقلّما تخل

ثبت فيها ملك العرب، وأخذ رهانهم وانصرف، فلمّا كانت سنة 87 عبر قتيبة بن مسلم النهر وغزا بخارى والشاش ونزل على سمرقند، وهي غزوته الأولى، ثمّ غزا ما وراء النهر عدّة غزوات في سنين سبع وصالح أهلها على أن له ما في بيوت النيران وحلية الأصنام، فأخرجت إليه الأصنام فسلب حليها وأمر بتحريقها، فقال سدنتها: إن فيها أصناما من أحرقها هلك! فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، وأخذ شعلة نار وأضرمها فاضطرمت فوجد بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب خمسين ألف مثقال، وبسمرقند عدّة مدن مذكورة في مواضعها، منها: كرمانية ودبوسية وأشروسنة والشاش ونخشب وبناكث، وقالوا: ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب ولا أحسن مستشرفا من سمرقند، وقد شبهها حضين بن المنذر الرقاشي فقال:

كأنّها السماء للخضرة وقصورها الكواكب للإشراق ونهرها المجرّة للاعتراض وسورها الشمس للإطباق، ووجد بخط بعض ظرفاء العراق مكتوبا على حائط سمرقند:

«وليس اختياري سمرقند محلّة *** ودار مقام لاختيار ولا رضا»

«ولكنّ قلبي حلّ فيها فعاقني *** وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا»

«وإنّي لممّن يرقب الدّهر راجيا *** ليوم سرور غير مغرى بما مضى»

وقال أحمد بن واضح في صفة سمرقند:

«علت سمرقند أن يقال لها *** زين خراسان جنّة الكور»

«أليس أبراجها معلّقة *** بحيث لا تستبين للنّظر»

«ودون أبراجها خنادقها *** عميقة ما ترام من ثغر»

«كأنّها وهي وسط حائطها *** محفوفة بالظّلال والشّجر»

«بدر وأنهارها المجرّة وال *** آطام مثل الكواكب الزّهر»

وقال البستي:

«للنّاس في أخراهم جنّة، *** وجنّة الدنيا سمرقند»

«يا من يسوّي أرض بلخ بها، *** هل يستوي الحنظل والقند؟»

قال الأصمعي: مكتوب على باب سمرقند بالحميرية:

بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ، وبين بغداد وبين إفريقية ألف فرسخ، وبين سجستان وبين البحر مائتا فرسخ، ومن سمرقند إلى زامين سبعة عشر

فرسخا، وقال الشيخ أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني: أخبرنا أبو الفضل محمد بن عبد الله ابن المظفّر الكسّي بسمرقند أنبأنا أبو الحسن عليّ بن عثمان بن إسماعيل الخرّاط إملاء أنبأنا عبد الجبار بن أحمد الخطيب أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله الخطيب

يا أبا حمزة ما حفظها؟ فقال: أخبرني حبيبي رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، أن مدينة بخراسان خلف النهر تدعى المحفوظة، لها أبواب على كلّ باب منها خمسة آلاف ملك يحفظونها يسبّحون ويهلّلون، وفوق المدينة خمسة آلاف ملك يبسطون أجنحتهم على أن يحفظوا أهلها، ومن فوقهم ملك له ألف رأس وألف فم وألف لسان ينادي يا دائم يا دائم يا الله يا صمد احفظ هذه المدينة، وخلف المدينة روضة من رياض الجنة، وخارج المدينة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنّة ومن اغتسل فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه، وخارج المدينة على ثلاثة فراسخ ملائكة يطوفون يحرسون رساتيقها ويدعون الله بالذكر لهم، وخلف هؤلاء الملائكة واد فيه حيّات وحيّة تخرج على صفة الآدميّين تنادي يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ارحم هذه المدينة المحفوظة، ومن تعبّد فيها ليلة تقبّل الله منه عبادة سبعين سنة، ومن صام فيها يوما فكأنّما صام الدهر، ومن أطعم فيها مسكينا لا يدخل منزله فقر أبدا، ومن مات في هذه المدينة فكأنّما مات في السماء السابعة ويحشر يوم القيامة مع الملائكة في الجنة، وزاد حذيفة بن اليمان في رواية: ومن خلفها قرية يقال لها قطوان يبعث منها سبعون ألف شهيد يشفع كلّ شهيد منهم في سبعين من أهل بيته، وقال حذيفة: وددت أن يوافقني هذا الزمان وكان أحبّ إليّ من أن أوافق ليلة القدر، وهذا الحديث في كتاب الأفانين للسمعاني، وينسب إلى سمرقند جماعة كثيرة، منهم: محمد بن عدي بن الفضل أبو صالح السمرقندي نزيل مصر، سمع بدمشق أبا الحسين الميداني، وبمصر أبا مسلم الكاتب وأبا الحسن عليّ بن محمد بن إسحاق الحلبي وأبا الحسين أحمد بن محمد الأزهر التنيسي المعروف بابن السمناوي ومحمد ابن سراقة العامري وأحمد بن محمد الجمّازي وأبا القاسم الميمون بن حمزة الحسيني وأبا الحسن محمد بن أحمد بن العباس الإخميمي وأبا الحسن علي بن محمد ابن سنان، روى عنه أبو الربيع سليمان بن داود بن أبي حفص الجبلي وأبو عبد الله بن الخطّاب وسهل بن بشر وأبو الحسن عليّ بن أحمد بن ثابت العثماني الديباجي وأبو محمد هيّاج بن عبيد الحطّيني، ومات سنة 444 وأحمد بن عمر بن الأشعث أبو بكر السمرقندي، سكن دمشق مدة وكان يكتب بها المصاحف ويقرأ ويقرئ القرآن، وسمع بدمشق أبا علي بن أبي نصر وأبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، روى عنه أبو الفضل كمّاد بن ناصر بن نصر المراغي الحدّادي، حدث عنه ابنه أبو القاسم، قال ابن عساكر:

سمعت الحسن بن قيس يذكر أن أبا بكر السمرقندي كان يكتب المصاحف من حفظه وكان لجماعة من أهل دمشق فيه رأي حسن فسمعت الحسن بن قيس يذكر أنّه خرج مع جماعة إلى ظاهر البلد في فرجة فقدّموه يصلي بهم وكان مزّاحا، فلمّا سجد بهم تركهم في

الصلاة وصعد إلى شجرة، فلمّا طال عليهم انتظاره رفعوا رؤوسهم فلم يجدوه فإذا هو في الشجرة يصيح صياح السنانير فسقط من أعينهم، فخرج إلى بغداد وترك أولاده بدمشق واتصل ببغداد بعفيف الخادم القائمي فكان يكرمه وأنزله في موضع من داره، فكان إذا جاءه الفرّاش بالطعا

سله عن سبب بكائه، فسأله فقال: إن لي بدمشق أولادا في ضيق فإذا جاءني الطعام تذكّرتهم، فأخبره الفرّاش بذلك، فقال: سله أين يسكنون وبمن يعرفون، فسأله فأخبره، فبعث عفيف إليهم من حملهم من دمشق إلى بغداد، فما أحسّ بهم أبو بكر حتى قدم عليه ابنه أبو محمد وقد خلّف أمّه وأخويه عبد الواحد وإسماعيل بالرحبة ثمّ قدموا بعد ذلك فلم يزالوا في ضيافة عفيف حتى مات، وسألت ابنه أبا القاسم عن وفاته فقال في رمضان سنة 489.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


68-معجم البلدان (صريفون)

صَرِيفُون:

بفتح أوّله، وكسر ثانيه، وبعد الياء فاء مضمومة ثمّ واو، وآخره نون، إن كان عربيّا فهو من الصريف وقد ذكر اشتقاقه في الذي قبله، وإن كان عجميّا فهو كما ترى، وللعرب في هذا وأمثاله من نحو نصيبين وفلسطين وسيلحين ويبرين مذهبان، منهم من يقول إنّه اسم واحد ويلزمه الإعراب كما يلزم الأسماء المفردة التي لا تنصرف فتقول هذه صريفين ومررت بصريفين ورأيت صريفين، والنسبة إليه وإلى أمثاله على هذا القول صريفيّ، وعلى هذه اللغة قال الأعشى في نسبة الخمر إلى هذا الموضع:

«صريفيّة طيّب طعمها، *** لها زبد بين كوز ودنّ»

وقيل فيها غير ذلك ولسنا بصدده، وصريفون: في سواد العراق في موضعين: إحداهما قرية كبيرة غنّاء شجراء قرب عكبراء وأوانا على ضفة نهر دجيل إذا أذّن بها سمعوه في أوانا وعكبراء، وبينهما وبين مسكن وقعت عندها الحرب بين عبد الملك ومصعب ساعة من نهار، وقد خرج منها جماعة كثيرة من أهل العلم والمحدثين، منهم: سعيد بن أحمد بن الحسين أبو بكر الصريفيني، حدّث عن الحسن بن عرفة، روى عنه عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني وذكر أنّه سمع منه بعكبراء، ومحمد بن إسحاق أبو عبد الله الصريفيني المعدّل، حدث بعكبراء عن زكرياء بن يحيى صاحب سفيان بن عيينة، روى عنه عمر بن القاسم بن الحداد المقري، وأحمد بن عبد العزيز بن يحيى بن جمهور أبو بكر الصريفيني، سمع الحسن بن الطيب الشجاعي وغيره، حدّث عنه أبو عليّ بن شهاب العكبري وعبد العزيز بن عليّ الأزجي وهلال بن عمر الصريفيني، سكن بغداد وحدث بها عن أحمد بن عثمان بن يحيى الدارمي وغيره، وأبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عمر بن أحمد بن المجمع بن الهزارمرد أبو محمد الخطيب الصريفيني، سمع أبا القاسم بن حبّابة وأبا حفص الكناني وأبا طاهر المخلص وأبا الحسين ابن أخي ميمي وغيرهم، وهو آخر من حدّث بكتاب علي بن

الجعد وكان قد انقطع من بغداد، قال أبو الفضل بن طاهر المقدسي: سمعت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي صاحبنا يقول: دخلت بغداد وسمعت ما قدرت عليه من المشايخ ثمّ خرجت أريد الموصل فدخلت صريفين فبتّ في مسجد بها فدخل أبو محمد الصريفيني وأمّ الناس فتق

وصريفون الأخرى: من قرى واسط، قال: أخبرنا أحمد بن عثمان بن نفيس المصري وذكر حديثا ثمّ قال: وصريفين هذه مدينة صغيرة تعرف بقرية عبد الله، وهو عبد الله بن طاهر، منها شعيب بن أيوب بن زريق بن معبد بن شيصا الصريفيني، روى عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة وزيد بن الحباب وأقرانهما، روى عنه عبدان الأهوازي ومحمد بن عبد الله الحضرمي مطيّن وأبو محمد بن صاعد وأخواه أبو بكر وسليمان ابنا أيّوب الصريفيني، حدّث سليمان عن سفيان بن عيينة ومرحوم العطّار وغيرهما وسعيد بن أحمد الصريفيني، سمع محمد بن علي بن معدان، روى عنه أبو أحمد بن عدي، وقال الصريفيني: صريفين واسط.

وصريفين: من قرى الكوفة، منها الحسين بن محمد ابن الحسين بن علي بن سليمان الدهقان المقري المعدل الصريفيني أبو القاسم الكوفي من صريفين قرية من قرى الكوفة لا من قرى بغداد ولا من قرى واسط أحد أعيانها ومقدميها، وكان قد ختم عليه خلق كثير كتاب الله، وكان قارئا فهما محدّثا مكثرا ثقة أمينا مستورا، وكان يذهب إلى مذهب الزيدية، ورد بغداد في محرم سنة 480 وقرئ عليه الحديث، سمع أبا محمد جناح بن نذير بن جناح المحاري وغيره، روى عنه جماعة، قال أبو الغنائم محمد بن علي النرسي المعروف بأبيّ: توفي أبو القاسم بن سليمان الدهقان في المحرم ليلة السابع عشر منه سنة 490.

وصريفين أيضا، ممّا ذكره الهلال بن المحسن: من بني الفرات أصلهم من بابلّا صريفين من النهروان الأعلى، وقال الصولي: أصلهم من بابلّا قرية من صريفين، وأوّل من ساد فيهم أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات وأخوه الوزير أبو الحسن علي بن محمد بن الفرات وزير المقتدر وغيرهما من الكبار والوزراء والعلماء والمحدثين.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


69-معجم البلدان (صنعاء)

صَنْعَاءُ:

منسوبة إلى جودة الصنعة في ذاتها، كقولهم:

امرأة حسناء وعجزاء وشهلاء، والنسبة إليها صنعانيّ

على غير قياس كالنسبة إلى بهراء بهراني، وصنعاء:

موضعان أحدهما باليمن، وهي العظمى، وأخرى قرية بالغوطة من دمشق، ونذكر أوّلا اليمانية ثمّ نذكر الدمشقية ونفرق بين من نسب إلى هذه وهذه، فأما اليمانية فقال أبو القاسم الزجاجي: كان اسم صنعاء في القديم أزال، قال ذلك الكلبي والشّرقي وعبد المنعم، فلمّا وافتها الحبشة قالوا نعم نعم فسمّي الجبل نعم أي انظر، فلمّا رأوا مدينتها وجدوها مبنية بالحجارة حصينة فقالوا هذه صنعة ومعناه حصينة فسمّيت صنعاء بذلك، وبين صنعاء وعدن ثمانية وستون ميلا، وصنعاء قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبّه بدمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها فيما قيل، وقيل:

سميت بصنعاء بن أزال بن يقطن بن عابر بن شالخ وهو الذي بناها، وطول صنعاء ثلاث وستون درجة وثلاثون دقيقة، وعرضها أربع عشرة درجة وثلاثون دقيقة، وهي في الإقليم الأوّل، وقيل: كانت تسمى أزال، قال ابن الكلبي: إنما سميت صنعاء لأن وهرز لما دخلها قال: صنعة صنعة، بريد أن الحبشة أحكمت صنعتها، قال: وإنّما سميت باسم الذي بناها وهو صنعاء بن أزال بن عبير بن عابر بن شالخ فكانت تعرف بأزال وتارة بصنعاء، وقال مجاهد في قوله تعالى:

غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ 34: 12، كان سليمان، عليه السلام، يستعمل الشياطين بإصطخر ويعرضهم بالريّ ويعطيهم أجورهم بصنعاء فشكوا أمرهم إلى إبليس فقال: عظم البلاء وقد حضر الفرج، وقال عمارة بن أبي الحسن:

ليس بجميع اليمن أكبر ولا أكثر مرافق وأهلا من صنعاء، وهو بلد في خط الاستواء، وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحوّل الإنسان من مكان طول عمره صيفا ولا شتاء، وتتقارب بها ساعات الشتاء والصيف، وبها بناء عظيم قد خرب، وهو تلّ عظيم عال وقد عرف بغمدان، وقال معمر: وطئت أرضين كثيرة شاما وخراسان وعراقا فما رأيت مدينة أطيب من صنعاء، وقال محمد بن أحمد الهمداني الفقيه:

صنعاء طيبة الهواء كثيرة الماء يقال إن أهلها يشتون مرتين ويصيّفون مرّتين وكذلك أهل فران ومأرب وعدن والشحر، وإذا صارت الشمس إلى أوّل الحمل صار الحر عندهم مفرطا، فإذا صارت إلى أوّل السرطان وزالت عن سمت رؤوسهم أربعة وعشرين شتوا ثمّ تعود الشمس إليهم إذا صارت إلى أول الميزان فيصيّفون ثانية ويشتدّ الحرّ عليهم، فإذا زالت إلى الجنوب وصارت إلى الجدي شتوا ثانية غير أن شتاءهم قريب من صيفهم، قال: وكان في ظفار وهي صنعاء، كذا قال، وظفار مشهورة على ساحل البحر، ولعلّ هذه كانت تسمّى بذلك، قريب من القصور قصر زيدان، وهو قصر المملكة، وقصر شوحطان، وقصر كوكبان، وهو جبل قريب منها، وقد ذكر في موضعه، قال:

وكان لمدينة صنعاء تسعة أبواب، وكان لا يدخلها غريب إلّا بإذن، كانوا يجدون في كتبهم أنها تخرب من رجل يدخل من باب لها يسمّى باب حقل فكانت عليه أجراس متى حركت سمع صوت الأجراس من الأماكن البعيدة، وكانت مرتبة صاحب الملك على ميل من بابها، وكان من دونه إلى الباب حاجبان بين كلّ واحد إلى صاحبه رمية سهم، وكانت له سلسلة من ذهب من عند الحاجب إلى باب المدينة ممدودة وفيها أجراس متى قدم على الملك شريف أو رسول أو بريد من بعض العمال حركت السلسلة فيعلم الملك بذلك فيرى رأيه، وقال أبو محمد اليزيدي يمدح صنعاء ويفضلها على غيرها وكان قد دخلها:

«قلت ونفسي جمّ تأوّهها *** تصبو إلى أهلها وأندهها: »

«سقيا لصنعاء! لا أرى بلدا *** أوطنه الموطنون يشبهها»

«خفضا ولينا، ولا كبهجتها، *** أرغد أرض عيشا وأرفهها»

«يعرف صنعاء من أقام بها *** أعذى بلاد عذا وأنزهها»

«ما أنس لا أنس ما فجعت به *** يوما بنا إبلها تجهجهها»

«فصاح بالبين ساجع لغب، *** وجاهرت بالشّمات أمّهها»

«ضعضع ركني فراق ناعمة *** في ناعمات تصان أوجهها»

«كأنّها فضّة مموّهة *** أحسن تمويهها مموّهها»

«نفس بين الأحباب والهة، *** وشحط ألّافها يولّهها»

«نفى عزائي وهاج لي حزني، *** والنّفس طوع الهوى ينفهها»

«كم دون صنعاء سملقا جددا *** ينبو بمن رامها معوّهها»

«أرض بها العين والظّباء معا *** فوضى مطافيلها وولّهها»

«كيف بها، كيف وهي نازحة، *** مشبّه تيهها ومهمهها»

وبنى أبرهة بصنعاء القليس وأخذ الناس بالحجّ إليه وبناه بناء عجيبا، وقد ذكر في موضعه، وقدم يزيد ابن عمرو بن الصّعق صنعاء ورأى أهلها وما فيها من العجائب، فلمّا انصرف قيل له: كيف رأيت صنعاء؟ فقال:

«ومن ير صنعاء الجنود وأهلها، *** وجنود حمير قاطنين وحميرا»

«يعلم بأنّ العيش قسّم بينهم، *** حلبوا الصفاء فأنهلوا ما كدّرا»

«ويرى مقامات عليها بهجة *** يأرجن هنديّا ومسكا أذفرا»

ويروى عن مكحول أنّه قال: أربع من مدن الجنة:

مكّة والمدينة وإيلياء ودمشق، وأربع من مدن النار:

أنطاكية والطوانة وقسطنطينية وصنعاء، وقال أبو عبيد: وكان زياد بن منقذ العدوي نزل صنعاء فاستوبأها وكان منزله بنجد في وادي أشيّ فقال يتشوق بلاده:

«لا حبّذا أنت يا صنعاء من بلد، *** ولا شعوب هوى مني ولا نقم»

«وحبّذا حين تمسي الرّيح باردة *** وادي أشيّ وفتيان به هضم»

«مخدّمون كرام في مجالسهم، *** وفي الرّحال إذا صحبتهم خدم»

«الواسعون إذا ما جرّ غيرهم *** على العشيرة، والكافون ما جرموا»

«ليست عليهم إذا يغدون أردية *** إلّا جياد قسيّ النّبع واللّجم»

«لم ألق بعدهم قوما فأخبرهم *** إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم»

«يا ليت شعري عن جنبي مكشّحة *** وحيث تبنى من الحنّاءة الأطم»

«عن الأشاءة هل زالت مخارمها، *** وهل تغيّر من آرامها إرم؟»

«يا ليت شعري! متى أغدو تعارضني *** جرداء سابحة أم سابح قدم»

«نحو الأميلح أو سمنان مبتكرا *** في فتية فيهم المرّار والحكم»

«من غير عدم ولكن من تبذّلهم *** للصّيد حين يصيح الصائد اللّحم»

«فيفزعون إلى جرد مسحّجة *** أفنى دوابرهنّ الركض والأكم»

«يرضخن صمّ الحصى في كل هاجرة *** كما تطايح عن مرضاخه العجم»

وهي أكثر من هذا وإنّما ذكرت ما ذكرت منها وإن لم يكن فيها من ذكر صنعاء إلّا البيت الأوّل استحسانا لها وإيفاء بما شرط من ذكر ما يتضمن الحنين إلى الوطن ولكونها اشتملت على ذكر عدة أماكن، وقد نسب إلى ذلك خلق وأجلّهم قدرا في العلم عبد الرزاق ابن همّام بن نافع أبو بكر الحميري مولاهم الصنعاني أحد الثقات المشهورين، قال أبو القاسم: قدم الشام تاجرا وسمع بها الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وسعيد بن بشير ومحمد بن راشد المكحولي وإسماعيل ابن عباس وثور بن يزيد الكلاعي وحدّث عنهم وعن معمّر بن راشد وابن جريج وعبد الله وعبيد الله ابني عمرو بن مالك بن أنس وداود بن قيس الفرّاء وأبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وعبد الله بن زياد بن سمعان وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وأبي معشر نجيح السندي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ومعتمر بن سليمان التيمي وأبي بكر بن عباس وسفيان الثوري وهشيم بن بشير الواسطي وسفيان بن عيينة وعبد العزيز ابن أبي زياد وغير هؤلاء، روى عنه سفيان بن عيينة، وهو من شيوخه، ومعتمر بن سليمان، وهو من شيوخه، وأبو أسامة حمّاد بن أسامة وأحمد بن حنبل ويحيى ابن معين وإسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى الذّهلي وعليّ بن المديني وأحمد بن منصور الرّمادي والشاذكوني وجماعة وافرة وآخرهم إسحاق بن إبراهيم الدبري، وكان مولده سنة 126، ولزم معمّرا ثمانين سنة، قال أحمد بن حنبل: أتينا عبد الرزاق قبل المائتين وهو صحيح البصر، ومن سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف الإسناد، وكان أحمد يقول: إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق، وقال أبو خيثمة زهير بن حرب: لما خرجت أنا وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين نريد عبد الرزاق فلمّا وصلنا مكّة كتب أهل الحديث إلى صنعاء إلى عبد الرزاق:

قد أتاك حفّاظ الحديث فانظر كيف تكون أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب، فلمّا قدمنا صنعاء أغلق الباب عبد الرزاق ولم يفتحه لأحد إلّا لأحمد بن حنبل لديانته، فدخل فحدّثه بخمسة وعشرين حديثا ويحيى بن معين بين الناس جالس، فلمّا خرج قال يحيى لأحمد: أرني ما حلّ لك، فنظر فيها فخطّأ الشيخ في ثمانية عشر حديثا، فلمّا سمع أحمد الخطأ رجع فأراه مواضع الخطإ فأخرج عبد الرزاق الأصول فوجده كما قال يحيى ففتح الباب وقال: ادخلوا، وأخذ مفتاح بيته وسلّمه إلى أحمد ابن حنبل وقال: هذا البيت ما دخلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلّمه إليكم بأمانة الله على أنّكم لا تقولون ما لم أقل ولا تدخلون عليّ حديثا من حديث غيري، ثمّ أومأ إلى أحمد وقال: أنت أمين الدين عليك وعليهم، قال: فأقاموا عنده حولا، أنبأنا الحسن بن رستوا أنبأنا أبو عبد الرحمن النسائي قال: عبد الرزاق بن همّام فيه نظر لمن كتب عنه بآخره، وفي رواية أخرى: عبد الرزاق بن همام لمن

يكتب عنه من كتاب ففيه نظر ومن كتب عنه بآخره حاد عنه بأحاديث مناكير، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي قلت عبد الرزاق كان يتشيّع ويفرط في التشيّع؟ فقال: أما أنا فلم أسمع منه في هذا شيئا ولكن كان رجلا تعجبه الأخبار، أنبأنا مخلد الشعيري قال: ك

فقمت فلم أعد إليه ولا أروي عنه حديثا أبدا، أنبأنا أحمد بن زهير بن حرب قال: سمعت يحيى بن معين يقول وبلغه أن أحمد بن حنبل يتكلم في عبد الله ابن موسى بسبب التشيّع قال يحيى: والله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة لقد سمعت من عبد الرزاق في هذا المعنى أكثر ممّا يقول عبد الله بن موسى لكن خاف أحمد أن تذهب رحلته، أنبأنا سلمة بن شبيب قال: سمعت عبد الرزاق يقول والله ما انشرح صدري قطّ أن أفضّل عليّا على أبي بكر وعمر، رحم الله أبا بكر ورحم عمر ورحم عثمان ورحم عليّا ومن لم يحبّهم فما هو بمسلم فإن أوثق عملي حبّي إياهم، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ومات عبد الرزّاق في شوّال سنة 211، ومولده سنة 126.

وصنعاء أيضا: قرية على باب دمشق دون المزّة مقابل مسجد خاتون خربت، وهي اليوم مزرعة وبساتين، قال أبو الفضل: صنعاء قرية على باب دمشق خربت الآن، وقد نسب إليها جماعة من المحدثين، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتابه: أبو الأشعث شراحيل بن أدّة، ويقال شراحيل بن شراحيل الصنعاني، من صنعاء دمشق، ومنهم أبو المقدام الصنعاني، روى عن مجاهد وعنبسة، روى عنه الأوزاعي والهيثم بن حميد وإسماعيل بن عياش، قال الأوزاعي: ما أصيب أهل دمشق بأعظم من مصيبتهم بالمطعم بن المقدام الصنعاني وبأبي مزيد الغنوي وبأبي إبراهيم بن حدّاد العذري، فأضافه إلى أهل دمشق والحاكم أبو عبد الله نسبه إلى اليمن، وقال أبو بكر أحمد بن عليّ الحافظ الأصبهاني في كتابه الذي جمع فيه رجال مسلم بن الحجاج: حفص بن ميسرة الصنعاني صنعاء الشام كنيته أبو عمر، زيد بن أسلم وموسى بن عقبة وغيرهما، روى عنه عبد الله بن وهب وسويد بن سعيد وغيرهما، وأبو بكر الأصبهاني أخذ هذه النسبة من كتاب الكنى لأبي أحمد النيسابوري فإنّه قال: أبو عمر حفص بن ميسرة الصنعاني صنعاء الشام، وقال أبو نصر الكلاباذي في جمعه رجال كتاب أبي عبد الله البخاري:

هو من صنعاء اليمن نزل الشام، والقول عندنا قول الكلاباذي بدليل ما أخبرنا أبو عمر عبد الوهاب بن الإمام أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبو تمام إجازة قال: أخبرنا أبو سعيد بن يونس بن عبد الأعلى في كتاب المصريين قال: حفص بن ميسرة الصنعاني يكنى أبا عمر من أهل صنعاء، قدم مصر وكتب عنه، وحدث عنه عبد الله بن وهب وزمعة بن عرابي ابن معاوية بن أبي عرابي وحسّان بن غالب، وخرج عن مصر إلى الشام فكانت وفاته سنة 181، وقال أبو سعيد: حدثني أبي عن جدي أنبأنا ابن وهب حدثني حفص بن ميسرة قال: رأيت على باب وهب بن منبّه مكتوبا: ما شاء الله لا قوّة إلّا بالله، فدلّ جميع ذلك على أنّه كان من صنعاء اليمن، قدم مصر ثمّ خرج منها إلى الشام، وحنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء الشام، سمع فضالة بن عبيد، روى عنه خالد ابن معدان والحلّاج أبو كبير وعامر بن يحيى المعافري، قال ابن الفرضي: عداده في المصريين وهو تابعي كبير ثقة ودخل الأندلس، قال: وهو حنش بن عبد الله بن عمرو بن حنظلة بن فهد بن قينان بن ثعلبة ابن عبد الله بن ثامر السّبائي وهو الصنعاني يكنى أبا رشيد، كان مع عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، بالكوفة وقدم مصر بعد قتل عليّ وغزا المغرب مع رويفع بن ثابت والأندلس مع موسى بن نصير، وكان فيمن ثار مع ابن الزبير على عبد الملك بن مروان فأتي به عبد الملك في وثاق فعفا عنه، حدث عنه الحارث بن يزيد وسلامان بن عامر بن يحيى وسيّار ابن عبد الرحمن وأبو مرزوق مولى نجيب وغيرهم، ومات بإفريقية في الإسلام وولده بمصر، وقيل إنّه مات بمصر، وقيل بسرقسطة وقبره بها معروف، كل ذلك عن ابن الفرضي، ويزيد بن ربيعة أبو كامل الرحبي الصنعاني صنعاء دمشق، هكذا ذكره البخاري في التاريخ العساكري، روى عن أبي أسماء الرحبي وأبي الأشعث الصنعاني وربيعة بن يزيد وذكر جماعة أخرى، قال أبو حاتم: يزيد بن ربيعة الصنعاني ليس بثقة دمشقيّ، قال جماعة من أصحاب الحديث:

ليس يعرف بدمشق كذّاب إلّا رجلين: الحكم بن عبد الله الأبلّي ويزيد بن ربيعة، قال أبو موسى الأصبهاني محمد بن عمر: كان الحاكم أبو عبد الله لا يعرف إلّا صنعاء اليمن فإنّه ذكر فيمن يجمع حديثهم من أهل البلدان، قال: ومن أهل اليمن أبو الأشعث الصنعاني والمطعم بن المقدام وراشد بن داود وحنش ابن عبد الله الصنعانيون وهؤلاء كلّهم شاميون لا يمانيون، قال أبو عبد الله الحميدي: حنش بن علي الصنعاني الذي يروي عن فضالة بن عبيد من صنعاء الشام قرية بباب دمشق، وأبو الأشعث الصنعاني منها أيضا، قاله عليّ بن المديني، قال الحميدي: ولهذا ظنّ قوم أن حنش بن عبد الله من الشام لا من صنعاء اليمن ولا أعرف حنش بن عليّ والذي يروي عن فضالة هو ابن عبد الله فهذا بيان حسن لطالب هذا العلم، وقال ابن عساكر: يحيى بن مبارك الصنعاني من صنعاء دمشق، روى عن كثير بن سليم وشريك بن عبد الله النخعي وأبي داود شبل بن عبّاد ومالك بن أنس، روى عنه إسماعيل بن عياض الأرسوفي وخطّاب بن عبد السلام الأرسوفي وعبد العظيم بن إبراهيم وإسماعيل بن موسى بن ذرّ العسقلاني نزيل أرسوف، ويزيد بن السمط أبو السمط الصنعاني الفقيه، روى عن الأوزاعي والنّعمان بن المنذر ومطعم بن المقدام وذكر جماعة وذكر بإسناده أن عالمي أهل الجند بعد الأوزاعي يزيد بن السمط ويزيد ابن يوسف، وكان ثقة زاهدا ورعا من صنعاء دمشق، ويزيد بن مرثد أبو عثمان الهمداني المدعي حي من همدان من أهل صنعاء دمشق، روى عن عبد الرحمن ابن عوف ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي ذرّ وأبي رهم اجزاب بن أسيد السمعي وأبي صالح الخولاني، روى عنه عبد الرحمن بن يزيد بن عامر وخالد بن معدان والوضين بن عطاء، وراشد بن داود أبو المهلّب، ويقال أبو داود الرسمي الصنعاني صنعاء دمشق، روى عن أبي الأشعث شراحيل بن أدّة وأبي

عثمان شراحيل بن مرثد الصنعانيين وأبي أسماء الرحبي ونافع ويعلى بن أبي شدّاد بن أوس وغيرهم، روى عنه يحيى بن حمزة وعبد الله بن محمد الصنعاني وعبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجون وغيرهم، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: ليس به بأس ثقة، قال يحيى:

وصنعاء هذه قرية من قرى الشام ليست صنعاء اليمن.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


70-معجم البلدان (ضرية)

ضَرِيَّةُ:

بالفتح ثمّ الكسر، وياء مشددة، وما أراه إلّا مأخوذا من الضّراء وهو ما واراك من شجر، وقيل: الضراء البراز والفضاء، ويقال: أرض مستوية فيها شجر، فإذا كان في هبطة فهو غيضة، وقال ابن شميل: الضراء المستوي من الأرض خفّفوه لكثرته في كلامهم كأنّهم استثقلوا ضراية أو يكون من ضري به إذا اعتاده، ويقال: عرق ضريّ إذا كان لا ينقطع دمه، وقد ضرا يضرو ضروّا:

وهي قرية عامرة قديمة على وجه الدهر في طريق مكة من البصرة من نجد، قال الأصمعي يعدّد مياه نجد، قال: الشّرف كبد نجد وفيها حمى ضريّة، وضرية بئر، ويقال ضرية بنت نزار، قال الشاعر:

«فأسقاني ضريّة خير بئر *** تمجّ الماء والحبّ التّؤاما»

وقال ابن الكلبي: سمّيت ضريّة بضريّة بنت نزار وهي أمّ حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، هذا قول السّكوني، وقال أبو محمد الحسن بن أحمد الهمداني: أم خولان وإخوته بني عمرو بن الحاف بن قضاعة ضريّة بنت ربيعة بن نزار، وفي ذلك يقول المقدام بن زيد سيد بني حيّ بن خولان:

«نمتنا إلى عمرو عروق كريمة، *** وخولان معقود المكارم والحمد»

«أبونا سما في بيت فرعي قضاعة، *** له البيت منها في الأرومة والعدّ»

«وأمّي ذات الخير بنت ربيعة *** ضريّة من عيص السّماحة والمجد»

«غذتنا تبوك من سلالة قيذر *** بخير لبان، إذ ترشّح في المهد»

«فنحن بنوها من أعزّ بنيّة، *** وأخوالنا من خير عود ومن زند»

«وأعمامنا أهل الرياسة حمير، *** فأكرم بأعمام تعود إلى جد! »

قال الأصمعي: خرجت حاجّا على طريق البصرة فنزلت ضريّة ووافق يوم الجمعة فإذا أعرابيّ قد كوّر عمامته وتنكّب قوسه ورقي المنبر وحمد الله وأثنى عليه وصلّى على نبيّه ثمّ قال: أيها الناس اعلموا أن الدنيا دار ممرّ والآخرة دار مقرّ، فخذوا من ممرّكم لمقرّكم ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، فإنّما الدنيا سمّ يأكله من لا يعرفه، أما بعد فإن أمس موعظة واليوم غنيمة وغدا لا يدرى من أهله، فاستصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه واعلموا أنّه لا مهرب من الله إلّا إليه، وكيف يهرب من يتقلّب في يدي طالبه؟ فكلّ نفس ذائقة الموت وإنما توفّون أجوركم، الآية، ثم قال: المخطوب له من قد عرفتموه، ثمّ نزل عن المنبر، وقال غيره:

ضريّة أرض بنجد وينسب إليها حمى ضرية ينزلها حاجّ البصرة، لها ذكر في أيّام العرب وأشعارهم، وفي كتاب نصر: ضرية صقع واسع بنجد ينسب إليه الحمى يليه أمراء المدينة وينزل به حاجّ البصرة بين الجديلة وطخفة، وقيل: ضرية قرية لبني كلاب على طريق البصرة وهي إلى مكّة أقرب، اجتمع بها بنو سعد وبنو عمرو بن حنظلة للحرب ثم اصطلحوا، والنسبة إليها ضرويّ، فعلوا ذلك هربا من اجتماع أربع ياءات كما قالوا في قصيّ بن كلاب قصويّ وفي غنيّ بن أعصر غنويّ وفي أميّة أمويّ كأنّهم ردّوه إلى الأصل وهو الضرو وهو العادة، وماء ضرية عذب طيب، قال بعضهم:

«ألا يا حبّذا لبن الخلايا *** بماء ضريّة العذب الزّلال»

وضرية إلى عامل المدينة ومن ورائها رميلة اللوى، قاله أبو عبيد السّكوني، وقال نصيب:

«ألا يا عقاب الوكر وكر ضريّة *** سقتك الغوادي من عقاب ومن وكر»

«تمرّ اللّيالي ما مررن ولا أرى *** ممرّ اللّيالي منسيا لي ابنة النّضر»

وحدّث أبو الفتح بن جنّي في كتاب النوادر الممتعة أخبرنا أبو بكر محمد بن عليّ بن القاسم المالكي قراءة عليه قال أنبأنا أبو بكر بن دريد أنبأنا أبو عثمان المازني وأبو حاتم السجستاني قالا حدّثنا الأصمعي عن المفضل بن إسحاق أو قال بعض المشيخة، قال: لقيت أعرابيّا فقلت: ممن الرجل؟ قال: من بني أسد، فقلت: فمن أين أقبلت؟ قال: من هذه البادية، قلت: فأين مسكنك منها؟ قال: مساقط الحمى حمى ضرية بأرض لعمر الله ما نريد بها بدلا عنها ولا حولا، قد نفحتها العذاوات وحفّتها الفلوات فلا يملولح ترابها ولا يمعر جنابها، ليس فيها أذى ولا قذى ولا عكّ ولا موم ولا حمّى ونحن فيها بأرفه عيش وأرغد معيشة، قلت: وما طعامكم؟ قال: بخ بخ عيشنا والله عيش تعلل جاذبه وطعامنا أطيب طعام وأهنؤه وأمرؤه الفثّ والهبيد والفطس والصّلب والعنكث والظهر والعلهز والذّآنين والطراثيث والعراجين والحسلة والضباب وربما والله أكلنا القدّ واشتوينا الجلد فما أرى أن أحدا أحسن منّا حالا ولا أرخى بالا ولا أخصب حالا، فالحمد لله على ما بسط علينا من النعمة ورزق من حسن الدّعة، أوما سمعت بقول قائلنا:

«إذا ما أصبنا كلّ يوم مذيقة *** وخمس تميرات صغار كنائز»

«فنحن ملوك الناس شرقا ومغربا، *** ونحن أسود الناس عند الهزاهز»

«وكم متمنّ عيشنا لا يناله، *** ولو ناله أضحى به جدّ فائز»

قلت: فما أقدمك إلى هذه البلدة؟ قال: بغيّة لبّة، قلت: وما بغيّتك؟ قال: بكرات أضللتهنّ، قلت: وما بكراتك؟ قال: بكرات آبقات عرصات هبصات أرنات آبيات عيط عوائط كوم فواسح أعزبتهنّ قفا الرحبة رحبة الخرجاء بين الشقيقة والوعساء ضجعن مني فحمة العشاء الأولى فما شعرت بهنّ ترجّل الضّحى فقفوتهنّ شهرا ما أحسّ لهنّ أثرا ولا أسمع لهنّ خبرا فهل عندك جالية عين أو جالبة خبر لقيت المراشد وكفيت المفاسد؟ الفثّ: نبت له حبّ أسود يختبز ويؤكل في الجدب ويكون خبزه غليظا كخبز الملّة، والهبيد: حبّ الحنظل تأخذه الأعراب وهو يابس فتنقعه في الماء عدّة أيّام ثمّ يطبخ ويؤكل، والفطس: حبّ الآس، والصّلب:

أن تجمع العظام وتطبخ حتى يستخرج دهنها ويؤتدم في البادية، والعنكث: شجرة يسحّجها الضبّ بذنبه حتى تنجئث ثمّ يأكلها، والعلهز:

دم القراد والوبر يلبك ويشوى ويؤكل في الجدب، وقال آخرون: العلهز دم يابس يدقّ مع أوبار الإبل في المجاعات، وأنشد بعضهم:

«وإنّ قرى قحطان قرف وعلهز *** فأقبح بهذا، ويح نفسك، من فعل! »

والذّآنين جمع ذؤنون: وهو نبت أسمر اللّون مدملك لا ورق له لازق به يشبه الطرثوث تفه لا

طعم له لا يأكله إلّا الغنم، والعراجين: نوع من الكمأة قدر شبر وهو طيب ما دام غضّا، والحسلة جمع حسل: وهو ولد الضبّ والوبر، والهبص:

النشاط وكذلك الأرنات، وآبيات جمع آبية:

وهي التي أبت اللّقاح، وعيط عوائط مثله، يقال:

عاطت الناقة واعتاطت وتعيّطت إذا لم تحمل، وكوم وفواسح: سمان، وأعزبتهن: بت بهنّ عازبا عن الحيّ، وقفا الرحبة: خلفها، والخرجاء: أرض فيها سواد وبياض، وضجعن مني أي عدلن عني.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


71-معجم البلدان (ضلع)

ضِلَع:

بكسر أوّله، وفتح ثانيه، وآخره عين مهملة، ضلع الرّجام: موضع، بالكسر والجيم، جمع رجم جمع رجمة، بالضم، وهي حجارة ضخام ربما جمعت على القبر يسنم بها، قال أوس بن غلفاء الهجيمي:

«جلبنا الخيل من جنبي رويك *** إلى لجإ إلى ضلع الرّجام»

«بكلّ منفّق الجرذان مجر *** شديد الأسر للأعداء حام»

«أصبنا من أصبنا ثمّ فتنا *** إلى أهل الشّريف إلى شمام»

وضلع القتلى: من أيّام العرب، وضلع بني مالك وضلع بني الشيصبان: في بلاد غني بن أعصر، قال أبو زياد في نوادره: وكانت ضلعان وهما جبلان من جانب الحمى حمى ضرية الذي يلي مهبّ الجنوب واحدهما يسمّى ضلع بني مالك، وبنو مالك بطن من الجنّ وهم مسلمون، والآخر ضلع بني شيصبان، وهم بطن من الجن كفار، وبينهما مسيرة يوم وبينهما واد يقال له التسرير، فأما ضلع بني مالك فيحلّ بها الناس ويصطادون صيدها ويحتلّ بها ويرعى كلؤها، وأما ضلع بني شيصبان فلا يصطاد صيدها ولا يحتلّ بها ولا يرعى كلؤها وربّما مرّ عليها الناس الذين لا يعرفونها فأصابوا من كلئها أو من صيدها فأصاب أنفسهم ومالهم شرّ، ولم يزل الناس يذكرون كفر هؤلاء وإسلام هؤلاء، قال أبو زياد: وكان ما تبين لنا من ذلك أنّه أخبرنا رجل من غنيّ: ولغنيّ ماء إلى جنب ضلع بني مالك على قدر دعوة، قال:

بينما نحن بعد ما غابت الشمس مجتمعون في مسجد صلّينا فيه على الماء فإذا جماعة من رجال ثيابهم بيض قد انحدروا علينا من قبل ضلع بني مالك حتى أتونا وسلّموا علينا، قال: والله ما ننكر من حال الإنس شيئا فيهم كهول قد خضبوا لحاهم بالحنّاء وشباب وبين ذلك، قال: فتقدموا فجلسوا فنسبناهم وما نشكّ أنّهم سائرة من الناس، قال: فقالوا حين نسبناهم لا منكر عليكم نحن جيرانكم بنو مالك أهل هذا الضلع، قال: فقلنا مرحبا بكم وأهلا! قال: فقالوا إنا فزعنا إليكم وأردنا أن تدخلوا معنا في هذا الجهاد، إن هؤلاء الكفار من بني شيصبان لم نزل نغزوهم منذ كان الإسلام ثمّ قد بلغنا أنّهم قد جمعوا لنا وأنّهم يريدون أن يغزونا في بلادنا ونحن نبادرهم قبل أن يقعوا ببلادنا ويقعوا فينا وقد أتيناكم لتعينونا وتشاركونا في الجهاد والأجر، قال: فقال رجلنا وهو محجن، قال أبو زياد: وقد رأيته وأنا غلام، قال: استعينونا على ما أحببتم وعلى ما تعرفون أنّنا مغنون فيه عنكم شيئا فنحن معكم، فقالوا: أعينونا بسلاحكم فلا نريد غيره، قال محجن: نعم وكرامة، قال: فأخذ كلّ رجل منّا كأنّه يأمر ليؤتى بسيفه أو رمحه أو نبله،

قال: فقالوا ألا ائذنوا لنا في سلاحكم ثمّ دعوها على حالها، فأما الرمح فمركوز على قدّام البيت وأما النبل وجفيرها وقوسها فمعلّق بالعمود الواسط من البيت وأمّا كلّ سيف فمحجوز في العكم، فقال لهم محجن: أين ترجوهم أن تلقوهم غدا؟ قالوا: قد أخبرنا أن جيوشهم قد أ

فوقفت وتلك الأعاصير تجيء من قبل ضلع بني شيصبان، قال: فإذا دخلت في جماعة الغبار الذي أرى الكثير فلا أدري ما يصنع، قال: وتخرج تلك الأعاصير من ذلك الغبار وترجع فيه، قال: فوقفت قدر فواق ناقة، قال: والفواق ما بين صلاة الظهر إلى صلاة العصر، قال: وأنا أرى تلك الأعاصير تنقلب بعضها في بعض ثمّ انكشف الغبار والأعاصير تقصد ضلع بني شيصبان، فقلت: هزم أعداء الله، قال: فو الله ما زال ذلك حتى سندت الأعاصير في ضلع بني شيصبان ثمّ رجعت أعاصير كثيرة من عن شمال ويمين ذاهبة قبل ضلع بني مالك، قال: فلم أشكّ أنهم أصحابي، قال: فسرت قصدا حيث كنت أرى الغبار وحيث كنت أرى مستدار الأعاصير فرأيت من الحيّات القتلى أكثر من الكثير، قال:

ثمّ تبعت مجرى الغبار حيث رأيته يعلو نحو ضلع بني شيصبان، قال: فو الله ما زلت أرى الحيّات من مقتول وآخر به حياة حتى انتهيت ورجعت ثمّ انصرفت ولحقت بأصحابي قبل أن تغيب الشمس، قال: فلمّا كانت الساعة التي أتونا فيها البارحة إذ القوم منحدرون من حيث كانوا أتونا البارحة حتى جاءوا فسلّموا ثمّ قالوا: أبشروا فقد أظفرنا الله على أعدائه، لا والله ما قتلناهم منذ كان الإسلام أشدّ من قتل قتلناهم اليوم وانفلت شرذمة قليلة منهم إلى جبلهم وقد ردّ الله عليكم سلاحكم ما زاغ منه شيء، وجزونا خيرا ودعوا لنا ثمّ انصرفوا وما أتونا بسلاح ولا رأيناه معهم، قال: فأصبح والله كلّ شيء من السلاح على حاله الذي كان كالبارحة، ثمّ ذكر أبو زياد أخبارا أخر لبني الشيصبان، اقتنعت بما ذكرته، والله أعلم بصحته وسقمه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


72-معجم البلدان (الفلس)

الفُلُسُ:

بضم أوله، ويجوز أن يكون جمع فلس قياسا مثل سقف وسقف إلا أنه لم يسمع: فهو علم مرتجل لاسم صنم، هكذا وجدناه مضبوطا في الجمهرة عن ابن الكلبي فيما رواه السّكّري عن ابن حبيب عنه، ووجدناه في كتاب الأصنام بخط ابن الجواليقي الذي نقله من خط ابن الفرات وأسنده إلى الكلبي فلس، بفتح الفاء وسكون اللام، قال ابن حبيب: الفلس اسم صنم كان بنجد تعبده طيّء وكان قريبا من فيد وكان سدنته بني بولان، وقيل:

الفلس أنف أحمر في وسط أجإ وأجأ أسود، قال ابن دريد: الفلس صنم كان لطيّء بعث إليه رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، عليّا، رضي الله عنه، ليهدمه سنة تسع ومعه مائة وخمسون من الأنصار فهدمه وأصاب فيه السيوف الثلاثة مخذم ورسوب واليماني وسبى بنت حاتم، وقرأت بخط أبي منصور الجواليقي في كتاب الأصنام وذكر أنه من خط أبي الحسن محمد بن العباس بن الفرات مسندا إلى الكلبي أبي المنذر هشام بن محمد أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبّار بن أحمد الصّيرفي أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلم أخبرنا أبو عبد الله المرزباني أنبأنا الحسن بن عليل العنزي أنبأنا أبو الحسن عليّ بن الصبّاح بن الفرات الكاتب قال: قرأت على هشام بن محمد الكلبي في سنة 201، قال: أنبأنا أبو باسل الطائي عن عمّه عنترة بن الأخرس قال:

كان لطيّء صنم يقال له الفلس، هكذا ضبطه بفتح الفاء وسكون اللام، بلفظ الفلس الذي هو واحد الفلوس الذي يتعامل به، وقد ضبطناه عمن قدّمنا ذكره بالضم، قال عنترة: وكان الفلس أنفا أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجأ كأنه تمثال إنسان وكانوا يعبدونه ويهدون إليه ويعترون عنده عتائرهم ولا يأتيه خائف إلا أمن ولا يطرد أحد طريدة فيلجأ بها إليه إلا تركت ولم تخفر حويّته، وكان سدنته بني بولان، وبولان هو الذي بدأ بعبادته، فكان آخر من سدنه منهم رجل يقال له صيفيّ فاطّرد ناقة خليّة لامرأة من كلب من بني عليم كانت جارة لمالك ابن كلثوم الشّمخي وكان شريفا فانطلق بها حتى أوقفها بفناء الفلس وخرجت جارة مالك وأخبرته بذهاب ناقتها فركب فرسا عريا وأخذ رمحا وخرج في أثره فأدركه وهو عند الفلس والناقة موقوفة عند الفلس، فقال: خلّ سبيل ناقة جارتي، فقال: إنها لربّك، قال: خلّ سبيلها، قال: أتخفر إلهك؟

فنوّله الرمح وحلّ عقالها وانصرف بها مالك وأقبل السادن إلى الفلس ونظر إلى مالك ورفع يده وهو يشير بيده إليه ويقول:

«يا ربّ إن يك مالك بن كلثوم *** أخفرك اليوم بناب علكوم»

وكنت قبل اليوم غير مغشوم

يحرّضه عليه، وعدي بن حاتم يومئذ قد عتر عنده وجلس هو ونفر يتحدثون بما صنع مالك وفزع من ذلك عدي بن حاتم وقال: انظروا ما يصيبه في يومه، فمضت له أيام لم يصبه شيء فرفض عديّ عبادته وعبادة الأصنام وتنصّر ولم يزل متنصرا حتى جاء الله بالإسلام فأسلم فكان مالك أول من أخفره فكان السادن بعد ذلك إذا طرد طريدة أخذت منه،

فلم يزل الفلس يعبد حتى ظهرت دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، فبعث إليه عليّ بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان قلده إياهما يقال لهما مخذم ورسوب، وهما اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة، فقدم بهما إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، فتقلد أحدهما ثم دفعه إلى علي بن أبي طالب فهو سيفه الذي كان يتقلّده.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


73-معجم البلدان (قرقشونة)

قَرْقَشُونَةُ:

قال ابن الفرضي: أخبرنا علي بن معاذ قال أخبرني سعيد بن فجلون عن يوسف بن يحيى المغامي أن حبّان بن أبي جبلة القرشي مولاهم غزا موسى بن نصير حين افتتح الأندلس حتى أتى حصنا من حصونها يقال له قرقشونة فتوفّي بها، والله أعلم، وبين قرقشونة وقرطبة مسافة خمسة وعشرين يوما وفيها الكنيسة العظيمة عندهم المسمّاة بشنت مريّة فيها سواري فضة لم ير الراؤون مثلها ولا يحزم الإنسان بذراعيه واحدة منها مع طول مفرط، وقيل: إن حبّان بن أبي جبلة توفي بإفريقية سنة 125 وكان بعثة عمر بن عبد العزيز في جماعة من الفقهاء يفقّهون أهلها.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


74-معجم البلدان (قرير)

قُرْيَرُ:

قرأت بخط عبد الله بن عليّ بن محمد بن سليمان بن داود الفارسي في جزء فيه أخبار رواها أبو هاشم وريزة بن محمد بن وريزة الغساني المصري بإسناده إلى وريزة قال: أنبأنا محمد بن نافع الخزاعي أخبرنا محمد بن المؤمل العدوي أنبأنا الوريزة أنبأنا العباس بن إسماعيل بن حمّاد القريري قال: بلد بين نصيبين والرقّة، قال أنشدني الزبير لإبراهيم بن إسماعيل بن داود:

«فخرت عليّ بأنها عربية، *** فتعرّضت لمفاخر نقّاض»

«فأجبتها: إني ابن كسرى وابن من *** دان الملوك له بغير تراضي»

«ولقد أقي عرضي بما ملكت يدي، *** إن العروض وقاية الأعراض»

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


75-معجم البلدان (القليس)

القُلَيْسُ:

تصغير قلس، وهو الحبل الذي يصير من ليف النخل أو خوصه، لما ملك أبرهة بن الصبّاح اليمن بنى بصنعاء مدينة لم ير الناس أحسن منها ونقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفساء وألوان الأصباغ وصنوف الجواهر وجعل فيها خشبا له رؤوس كرءوس الناس ولكّكها بأنواع الأصباغ وجعل لخارج القبة برنسا فإذا كان يوم عيدها كشف البرنس عنها فيتلألأ رخامها مع ألوان أصباغها حتى تكاد تلمع البصر وسمّاها القلّيس، بتشديد اللام، وروى عبد الملك بن هشام والمغاربة القليس، بفتح القاف وكسر اللام، وكذا قرأته بخطّ السكري أبي سعيد الحسن بن الحسين، أخبرنا سلموية أبو صالح قال: حدثني عبد الله بن المبارك عن محمد بن زياد الصنعاني قال: رأيت مكتوبا على باب القليس وهي الكنيسة التي بناها أبرهة على باب صنعاء بالمسند:

بنيت هذا لك من مالك ليذكر فيه اسمك وأنا عبدك، كذا بخط السكري بفتح القاف وكسر اللام، قال عبد الرحمن بن محمد: سميت القليس لارتفاع بنيانها وعلوّها، ومنه القلانس لأنها في أعلى الرؤوس، ويقال: تقلنس الرجل وتقلّس إذا لبس القلنسوة، وقلس طعامه إذا ارتفع من معدته إلى فيه، وما

ذكرنا من أنه جعل على أعلى الكنيسة خشبا كرءوس الناس ولكّكها دليل على صحة هذا الاشتقاق، وكان أبرهة قد استذلّ أهل اليمن في بنيان هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعا من السّخر، وكان ينقل إليها آلات البناء كالرخام المجزّع والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس صا

أصابه كعيت، وذكر أبو الوليد كذلك وأن كعيتا كان من خشب طوله ستون ذراعا، وقال الحسم شاعر من أهل اليمن:

«من القليس هلال كلما طلعا *** كادت له فتن في الأرض أن تقعا»

«حلو شمائله لولا غلائله *** لمال من شدّة التهييف فانقطعا»

«كأنه بطل يسعى إلى رجل *** قد شدّ أقبية السّدّان وادّرعا»

ولما استتمّ أبرهة بنيان القليس كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ولست بمنته حتى أصرف إليها حجّ العرب، فلما تحدّث العرب بكتاب أبرهة الذي أرسله إلى النجاشي غضب رجل من النّسأة أحد بني فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، والنسأة هم الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية أي يحلونها فيؤخرون الشهر من الأشهر الحرم إلى الذي بعده ويحرّمون مكانه الشهر من أشهر الحل ويؤخرون ذلك الشهر، مثاله أن المحرّم من الأشهر الحرم فيحللون فيه القتال ويحرّمونه في صفر، وفيه قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ في الْكُفْرِ 9: 37، قال ابن إسحاق:

فخرج الفقيمي حتى أتى القليس وقعد فيها، يعني أحدث وأطلى حيطانها، ثم خرج حتى لحق بأرضه فأخبر أبرهة فقال: من صنع هذا؟ فقيل له: هذا فعل رجل من أهل البيت الذي تحج إليه العرب بمكة

لما سمع قولك أصرف إليها حجّ العرب غضب فجاء فقعد فيها أي أنها ليست لذلك بأهل، فغضب أبرهة وحلف ليسيرنّ حتى يهدمه وأمر الحبشة بالتجهيز، فتهيأت وخرج ومعه الفيل، فكانت قصة الفيل المذكورة في القرآن العظيم.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


76-معجم البلدان (مدينة النحاس)

مَدينَةُ النّحَاسِ:

ويقال لها مدينة الصّفر، ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارقتها العادة، وأنا بريء من عهدتها إنما أكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دوّنها العقلاء ومع ذلك فهي مدينة مشهورة الذكر فلذلك ذكرتها، قال ابن الفقيه: ومن عجائب الأندلس أمر مدينة الصّفر التي يزعم قوم من العلماء أن ذا القرنين بناها وأودعها كنوزه وعلومه وطلسم بابها فلا يقف عليها أحد وبنى داخلها بحجر البهتة وهو مغناطيس الناس وذلك أن الإنسان إذا نظر إليها لم يتمالك أن يضحك ويلقي نفسه عليها فلا يزايلها أبدا حتى يموت، وهي في بعض مفاوز الأندلس، ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبرها وخبر ما فيها من الكنوز والعلوم وأن إلى جانبها أيضا بحيرة بها كنوز عظيمة كتب إلى موسى بن نصير عامله على المغرب يأمره بالمسير إليها والحرص على دخولها وأن يعرّفه ما فيها ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك فحمله وسار حتى انتهى إلى موسى بن نصير وكان بالقيروان، فلما أوصله إليه تجهز وسار في ألف فارس نحوها، فلما رجع كتب إلى عبد الملك بن مروان: بسم الله الرحمن الرحيم، أصلح الله أمير المؤمنين صلاحا يبلغ به خير الدنيا والآخرة، أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت لأربعة أشهر وسرت نحو مفاوز الأندلس ومعي ألف فارس من أصحابي حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار وانقطعت عنها الأخبار أحاول بناء مدينة لم ير الراؤون مثلها ولم يسمع السامعون بنظيرها، فسرت ثلاثة وأربعين يوما ثم لاح لنا بريق شرفها من مسيرة خمسة أيام فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رعبا من عظمها وبعد أقطارها، فلما قربنا منها إذ أمرها عجيب ومنظرها هائل كأن المخلوقين ما صنعوها، فنزلت عند ركنها الشرقيّ وصلّيت العشاء الأخيرة بأصحابي وبتنا بأرعب ليلة بات بها المسلمون، فلما أصبحنا كبّرنا استئناسا بالصبح وسرورا به، ثم وجّهت رجلا من أصحابي في مائة فارس وأمرته أن يدور مع سورها ليعرف بابها فغاب عنها يومين ثم وافى صبيحة اليوم الثالث فأخبرني أنه ما وجد لها بابا ولا رأى مسلكا إليها، فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لينظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها، فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه وعلوه، فأمرت عند ذلك باتخاذ السلالم فاتخذت ووصلت بعضها إلى بعض بالحبال ونصبتها

على الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبرها عشرة آلاف درهم، فانتدب لذلك رجل من أصحابي ثم تسنّم السلّم وهو يتعوّذ ويقرأ، فلما صار على سورها وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكا ثم نزل إليها فناديناه: أخبرنا بما عندك وبما رأيته، فلم يجبنا، فجعلت أيضا لمن يصعد

«ليعلم المرء ذو العز المنيع ومن *** يرجو الخلود وما حيّ بمخلود»

«لو أن حيّا ينال الخلد في مهل *** لنال ذاك سليمان بن داود»

«سالت له العين عين القطر فائضة *** فيه عطاء جليل غير مصرود»

«وقال للجنّ: أنشوا فيه لي أثرا *** يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي»

«فصيّروه صفاحا ثم ميل به *** إلى البناء بإحكام وتجويد»

«وأفرغوا القطر فوق السور منحدرا *** فصار صلبا شديدا مثل صيخود»

«وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبة، *** وسوف تظهر يوما غير محدود»

«لم يبق من بعدها في الأرض سابغة *** حتى تضمّن رمسا بطن أخدود»

«وصار في قعر بطن الأرض مضطجعا *** مضمنّا بطوابيق الجلاميد»

«هذا ليعلم أن الملك منقطع *** إلا من الله ذي التقوى وذي الجود»

ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل وهي كثيرة الأمواج وإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه: من أنت؟ فقال: أنا رجل من الجن كان سليمان بن داود حبس ولدي في هذه البحيرة فأتيته لأنظر ما حاله، قلنا له: فما بالك قائما على وجه الماء؟ قال: سمعت صوتا فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرة فهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياما ويهلل الله ويمجده، قلنا: فمن تظنه؟ قال: أظنه الخضر، عليه السلام، ثم غاب عنّا فلم ندر أين أخذ فبتنا تلك الليلة على شاطئ البحيرة وقد كنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاضوا في البحيرة فأخرجوا منها حبّا من صفر مطبقا رأسه مختوما برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رجل من صفر على فرس من صفر بيده مطرد من صفر فطار في الهواء وهو يقول: يا نبي الله لا أعود، ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل ذلك فضجّ أصحابي وخافوا أن ينقطع بهم الزاد فأمرت بالرحيل وسلكت الطريق التي كنت أخذت فيها وأقبلت حتى نزلت القيروان، والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلّم له جنوده! فلما قرأ عبد الملك هذا الكتاب كان عنده الزهري فقال له: ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور كيف استطيروا من السور وكيف كان حالهم؟ قال الزهري:

خبّلوا يا أمير المؤمنين فاستطيروا لأن بتلك المدينة جنّا قد وكلّوا بها، قال: فمن أولئك الذين كانوا يخرجون من تلك الحباب ويطيرون؟ قال: أولئك الجنّ الذين حبسهم سليمان بن داود، عليه السّلام، في البحار.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


77-معجم البلدان (منارة الحوافر)

منارة الحوافِرِ:

وهي منارة عالية في رستاق همذان في ناحية يقال لها ونجر في قرية يقال لها أسفجين، قرأت خبرها في كتاب أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني قال: كان

سبب بنائها أن سابور بن أردشير الملك قال له منجموه:

إن ملكك هذا سيزول عنك وإنك ستشقى أعواما كثيرة حتى تبلغ إلى حدّ الفقر والمسكنة ثم يعود إليك الملك، قال: وما علامة عوده؟ قالوا: إذا أكلت خبزا من الذهب على مائدة من الحديد فذلك علامة رجوع ملكك، فاختر أن يكون ذلك في زمان شبيبتك أو في كبرك، قال: فاختار أن يكون في شبيبته وحدّ له في ذلك حدّا فلما بلغ الحدّ اعتزل ملكه وخرج ترفعه أرض وتخفضه أخرى إلى أن صار إلى هذه القرية فتنكّر وآجر نفسه من عظيم القرية وكان معه جراب فيه تاجه وثياب ملكه فأودعه عند الرجل الذي آجر نفسه عنده فكان يحرث له نهاره ويسقي زرعه ليلا فإذا فرغ من السقي طرد الوحش عن الزرع حتى يصبح، فبقي على ذلك سنة فرأى الرجل منه حذقا ونشاطا وأمانة في كل ما يأمره به فرغب فيه واسترجح عقل زوجته واستشارها أن يزوّجه إحدى بناته وكان له ثلاث بنات فرغبت لرغبته فزوّجه ابنته فلما حوّلها إليه كان سابور يعتزلها ولا يقربها، فلما أتى على ذلك شهر شكت إلى أبيها فاختلعها منه وبقي سابور يعمل عنده، فلما كان بعد حول آخر سأله أن يتزوّج ابنته الوسطى ووصف له جمالها وكمالها وعقلها فتزوّجها فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فاختلعها منه، فلما كان حول آخر وهو الثالث سأله أن يزوّجه ابنته الصغرى ووصف له جمالها ومعرفتها وكمالها وعقلها وأنها خير أخواتها فتزوّجها، فلما حوّلها إليه كان سابور أيضا معتزلا لها ولا يقربها، فلما تمّ لها شهر سألها أبوها عن حالها مع زوجها فأخبرته أنها معه في أرغد عيش وأسرّه، فلما سمع سابور بوصفها لأبيها من غير معاملة له معها وحسن صبرها عليه وحسن خدمتها له رقّ لها قلبه وحنّ عليها ودنا منها ونام معها فعلقت منه وولدت له ابنا، فلما أتى على سابور أربع سنين أحبّ رجوع ملكه إليه، فاتفق أنه كان في القرية عرس اجتمع فيه رجالهم ونساؤهم، وكانت امرأة سابور تحمل إليه طعامه في كل يوم ففي ذلك اليوم اشتغلت عنه إلى بعد العصر لم تصلح له طعاما ولا حملت إليه شيئا، فلما كان بعد العصر ذكرته فبادرت إلى منزلها وطلبت شيئا تحمله إليه فلم تجد إلّا رغيفا واحدا من جاورس فحملته إليه فوجدته يسقي الزرع وبينها وبينه ساقية ماء فلما وصلت إليه لم تقدر على عبور الساقية فمدّ إليها سابور المرّ الذي كان يعمل به فجعلت الرغيف عليه فلما وضعه بين يديه كسره فوجده شديد الصّفرة ورآه على الحديد فذكر قول المنجمين وكانوا قد حدّوا له الوقت فتأمله فإذا هو قد انقضى فقال لامرأته: اعلمي أيتها المرأة أني سابور، وقصّ عليها قصته، ثم اغتسل في النهر وأخرج شعره من الرباط الذي كان قد ربطه عليه وقال لامرأته: قد تم أمري وزال شقائي، وصار إلى المنزل الذي كان يسكن فيه وأمرها بأن تخرج له الجراب الذي كان فيه تاجه وثياب ملكه، فأخرجته فلبس التاج والثياب، فلما رآه أبو الجارية خرّ ساجدا بين يديه وخاطبه بالملك، قال: وكان سابور قد عهد إلى وزرائه وعرفهم بما قد امتحن به من الشقاوة وذهاب الملك وأن مدة ذلك كذا وكذا سنة وبيّن لهم الموضع الذي يوافونه إليه عند انقضاء مدة شقائه وأعلمهم الساعة التي يقصدونه فيها فأخذ مقرعة كانت معه ودفعها إلى أبي الجارية وقال له: علّق هذه على باب القرية واصعد السور وانظر ماذا ترى، ففعل ذلك وصبر ساعة ونزل وقال: أيها الملك أرى خيلا كثيرة يتبع بعضها بعضا، فلم يكن بأسرع مما وافت الخيل أرسالا فكان الفارس إذا رأى مقرعة سابور نزل عن فرسه وسجد حتى اجتمع خلق من

أصحابه ووزرائه فجلس لهم ودخلوا عليه وحيوه بتحية الملوك، فلما كان بعد أيام جلس يحدث وزراءه فقال له بعضهم: سعدت أيها الملك! أخبرنا ما الذي أفدته في طول هذه المدة، فقال: ما استفدت إلّا بقرة واحدة، ثم أمرهم بإحضارها وقال: من أراد إكرامي فليكرمها، فأقبل الو

أيها الملك المظفّر فما أشد شيء مرّ عليك وأصعبه؟

قال: طرد الوحش بالليل عن الزرع فإنها كانت تعييني وتسهرني وتبلغ مني فمن أراد سروري فليصطد لي منها ما قدر لأبني من حوافرها بنية يبقى ذكرها على ممر الدهر، فتفرق القوم في صيدها فصادوا منها ما لا يبلغه العدد فكان يأمر بقطع حوافرها أولا فأولا حتى اجتمع من ذلك تلّ عظيم فأحضر البنّائين وأمرهم أن يبنوا من ذلك منارة عظيمة يكون ارتفاعها خمسين ذراعا في استدارة ثلاثين ذراعا وأن يجعلوها مصمّتة بالكلس والحجارة ثم تركب الحوافر حولها منظمة من أسفلها إلى أعلاها مسمرة بالمسامير الحديد، ففعل ذلك فصارت كأنها منارة من حوافر، فلما فرغ صانعها من بنائها مر بها سابور يتأملها فاستحسنها فقال للذي بناها وهو على رأسها لم ينزل بعد: هل كنت تستطيع أن تبني أحسن منها؟ قال: نعم، قال: فهل بنيت لأحد مثلها؟ فقال: لا، قال: والله لأتركنّك بحيث لا يمكنك بناء خير منها لأحد بعدي! وأمر أن لا يمكّن من النزول، فقال: أيها الملك قد كنت أرجو منك الحباء والكرامة وإذ فاتني ذلك فلي قبل الملك حاجة ما عليك فيها مشقّة، قال: وما هي؟ قال: تأمر أن أعطى خشبا لأصنع لنفسي مكانا آوي إليه لا تمزقني النسور إذا متّ، قال: أعطوه ما يسأل، فأعطي خشبا وكان معه آلة النجارة فعمل لنفسه أجنحة من خشب جعلها مثل الريش وضمّ بعضها إلى بعض، وكانت العمارة في قفر ليس بالقرب منه عمارة وإنما بنيت القرية بقربها بعد ذلك، فلما جاء الليل واشتدّ الهواء ربط تلك الأجنحة على نفسه وبسطها حتى دخل فيها الريح وألقى نفسه في الهواء فحملته الريح حتى ألقته إلى الأرض صحيحا ولم يخدش منه خدش ونجا بنفسه، قال: والمنارة قائمة في هذه المدّة إلى أيامنا هذه مشهورة المكان ولشعراء همذان فيها أشعار متداولة، قال عبيد الله الفقير إليه: أما غيبة سابور من الملك فمشهورة عند الفرس مذكورة في أخبارهم وقد أشرنا في سابور خواست ونيسابور إلى ذلك، والله أعلم بصحة ذلك من سقمه.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


78-معجم البلدان (نباذان)

نُبَاذَان:

من قرى هراة، كذا ذكرت في نوباذان، أخبرنا أبو المظفر السمعاني بمرو، أخبرتنا أمة الله بنت محمد بن أحمد النباذاني العارفة قراءة عليها بهراة وذكرت حديثا.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


79-معجم البلدان (نرس)

نَرْسُ:

بفتح أوله، وسكون ثانيه، وآخره سين مهملة: وهو نهر حفره نرسى بن بهرام بن بهرام بن بهرام بنواحي الكوفة مأخذه من الفرات عليه عدة قرى قد نسب إليه قوم والثياب النرسية منه، وقيل:

نرس قرية كان ينزلها الضّحاك بيوراسب ببابل وهذا النهر منسوب إليها ويسمّى بها، وممن ينسب إليها أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي المعروف بأبيّ، سمع الشريف أبا عبد الله عبد الرحمن الحسني ومحمد ابن إسحاق بن فرويه، روى عنه الفقيه أبو الفتح نصر ابن إبراهيم المقدسي وهو من شيوخه، ومما رواه عنه نصر بن محمد بن الجاز عن محمد بن أحمد التميمي أنبأنا أحمد بن علي الذهبي أن المنذر بن محمد أنشده لعبيد الله بن يحيى الجعفي قال:

«يا ضاحك السنّ ما أولاك بالحزن *** وبالفعال الذي يجزى به الحسن»

«أما ترى النقص في سمع وفي بصر، *** ونكبة بعد أخرى من يد الزمن»

«وناعيا لأخ قد كنت تألفه *** قد كان منك مكان الروح في البدن»

«أخنت عليه يد للموت مجهزة، *** لم يثنها سكن مذ كان عن سكن»

«فغادرته صريعا في أحبّته، *** يدعى له بحنوط التّرب والكفن»

«كأنه حين يبكي في قرائبه *** وفي ذوي ودّه الأدنين لم يكن»

«من ذا الذي بان عن إلف وفارقه *** ولم يحل بعده غدرا ولم يخن؟»

«ما للمقيم صديق في ثرى جدث، *** ولا رأينا حزينا مات من حزن»

قال الحافظ أبو القاسم: قرأت بخط أبي الفضل بن ناصر:

وكان أبيّ شيخا ثقة مأمونا فهما للحديث عارفا بما يحدث كثير التلاوة للقرآن بالليل، سمع من مشايخ الكوفة وهو كبير بنفسه وكتب من الحديث شيئا كثيرا ودخل بغداد سنة 445 فسمع بها من شيوخ الوقت وسافر إلى الحجاز والشام وسمع بها الحديث أيضا وكان يجيء إلى بغداد منذ سنة 478 كل سنة في رجب فيقيم بها شهر رمضان ويسمع فيه الحديث وينسخ للناس بالأجرة ويستعين بها على الوقت، وكان ذا عيال، وكان مولده على ما أخبرنا به في شهر شوال سنة 424، وأول ما سمع الحديث في سنة 42 من الشريف أبي عبد الله العلوي بالكوفة، وبلغ من العمر ستّا وثمانين سنة ومتعه الله بجوارحه إلى حين مماته، قال: وسمعت أبا عامر العبدري يقول: قدم علينا أبيّ في بعض قدماته فقرئ عليه جزء من حديثه ولم يكن أصله معه حاضرا وكان في آخره حديث فقال: ليس هذا الحديث في أصلي فلا تسمعوا عليّ الجزء، ثم ذهب إلى الكوفة فأرسل بأصله إلى بغداد، فلم يكن الحديث فيه على كثرة ما كان عنده من الحديث، وكان أبو عامر يقول: بأبيّ يختم هذا الشأن.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


80-معجم البلدان (وسقند)

وَسْقَنْد:

بالفتح ثم السكون، وفتح القاف، وسكون النون، ودال: من قرى الرّيّ، منها أبو القاسم الوسقندي، مات في رجب سنة 317، وأبو حاتم محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد الوسقندي الرازي الثقة الأمير، توفي سنة 341، قال أبو حفص عمر ابن أحمد النيسابوري: كذا بلغني وفاته، روى أبو حاتم عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، روى عنه أبو عليّ منصور بن عبد الله الذهلي وأبو الهيثم الكشميهني، وروى عن أبي حاتم في حديث سمعنا عن أبي المظفر السمعاني بمرو قال: أخبرتنا أمة الله بنت محمد بن أحمد النباذاني العارفة قراءة عليها بنباذان في جامعها قالت: أخبرنا أبو سهل نجيب بن ميمون الواسطي بهراة قال: أخبرنا أبو علي منصور بن عبد الله الذهلي أنبأنا أبو حاتم محمد بن عيسى بن محمد بن سعيد الوسقندي بالرّي أنبأنا أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر بن مهران الحنظلي الرازي أنبأنا سليمان بن عبد الرحمن أنبأنا عيسى بن دوست عن أشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


81-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الإشباع)

الإشباع:

أشبع الثوب وغيره: روّاه صبغا، وقد يستعمل في غير الجواهر على المثل كاشباع النفخ والقراءة وسائر اللفظ، وكل شي توفره فقد أشبعته حتى الكلام يشبع فتوفر حروفه.

والاشباع في القوافي هو إشباع حركة الحرف بين ألف التأسيس وحرف الروي ككسرة الصاد من قوله:

«كليني لهم يا أميمة ناصب ***وليل أقاسيه بطيء الكواكب »

وقيل: إنّما ذلك إذا كان الروي ساكنا ككسرة الجيم من قوله:

كنعاج وجرة ساقهنّ الى ظلال الصيف ناجر

وقيل: الاشباع اختلاف تلك الحركة اذا كان الروي مقيدا كقول الحطيئة:

«الواهب المائة الصفا***يا فوقها وبر مظاهر»

وقال الأخفش: الاشباع حركة الحرف الذي بين التأسيس والروي المطلق.

ولكن الغانمي قال عنه: «هو أن يأتي الشاعر بالبيت معلق القافية على آخر أجزائه ولا يكاد يفعل ذلك إلّا حذاق الشعراء، وذلك أنّ الشاعر اذا كان بارعا جلب بقدرته وذكائه وفطنته الى البيت وقد تمت معانيه واستغنى عن الزيادة فيه قافية متممة لأعاريضه ووزنه فجعلها نعتا للمذكور»، وذلك كقول ذي الرمة:

«قف العيس في أطلال ميّة فاسأل ***رسوما كأخلاق الرداء المسلسل »

وعلق ابن الأثير على ذلك بعد أن أشار الى التبليغ بقوله: «والبابان المذكوران سواء لا فرق بينهما بحال، والدليل على ذلك أنّ بيت امرئ القيس يتم معناه قبل أن يؤتى بقافيته وكذلك بيت ذي الرمة، ألا ترى أن امرأ القيس لما قال:

«كأنّ عيون الوحش حول خبائنا***وأرحلنا الجزع...»

أتى بالتشبيه قبل القافية ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: «لم يثقّب» وهكذا ذو الرمة فانه لما قال:

«قف العيس في أطلال ميّة فاسأل ***رسوما كأخلاق الرداء...»

أتى بالتشبيه أيضا قبل أن يأتي بالقافية، ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: «المسلسل». واعلم أنّ أبا هلال قد سمى هذين القسمين بعينهما الايغال»

وكان أبو هلال العسكري قد نقل ذلك عن الاصمعي، قال: «وأخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا الصولي عن المبرد عن التوّزي قال: قلت للأصمعي: من أشعر الناس؟ فقال: من يأتي بالمعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا، أو الكبير فيجعله بلفظة خسيسا، أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى»، وذكر بيتي امرئ القيس وذي الرمة. وكأن الاشباع هنا اشباع المعنى وان كان كاملا.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


82-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الاصطراف)

الاصطراف:

الصّرف: ردّ الشيء عن وجهه والصّرف: التّقلّب والحيلة، يقال: فلان يصرف ويتصرّف ويصطرف لعياله أي يكتسب لهم واصطرف في طلب الكسب، قال العجّاج:

«قد يكسب المال الهدان الجافي ***بغير ماعصف ولا اصطراف »

وقال الحاتمي: «الاصطراف هو صرف الشاعر الى أبياته وقصيدته بيتا أو بيتين أو ثلاثة لغيره فيضيفها الى نفسه ويصرفها عن قائلها وكان كثيّر كثيرا ما يصطرف شعر جميل الى نفسه ويهتدمه».

وقال ابن رشيق: «الاصطراف أن يعجب الشاعر ببيت من الشعر فيصرفه الى نفسه فان صرفه اليه على جهة المثل فهو اجتلاب واستلحاق، وإن ادّعاه جملة فهو انتحال... أما الاصطراف فيقع من الشعر على نوعين:

أحدهما: الاجتلاب، وهو الاستلحاق أيضا.

والآخر: الانتحال.

فأما الاجتلاب فنحو قول النابغة الذبياني:

«وصهباء لا تخفي القذى وهو دونها***تصفّق في راووقها حين تقطب »

تمززّتها والديك يدعو صباحه إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا فاستلحق البيت الأخير فقال:

«واجانة ريّا السرور كأنها***اذا غمست فيها الزجاجة كوكب “

«تمززّتها والديك يدعو صباحه ***اذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا»

وربما اجتلب الشاعر البيتين فلا يكون في ذلك بأس كما قال عمرو ذو الطوق:

«صددت الكأس عنا أمّ عمرو***وكان الكأس مجراها اليمينا»

«وما شرّ الثلاثة أمّ عمرو***بصاحبك الذي لا تصبحينا»

فاستلحقهما عمرو بن كلثوم فهما في قصيدته، وكان أبو عمرو بن العلاء وغيره لا يرون ذلك عيبا.

والانتحال عندهم قول جرير:

«إنّ الذين غدوا بلبك غادروا***وشلا بعينك لا يزال معينا»

«غيّضن من عبراتهن وقلن لي ***ماذا لقيت من الهوى ولقينا»

فان الرواة مجمعون على أنّ البيتين للمعلوط السعدي انتحلهما جرير. وكان الحاتمي قد عني بهذا الفن وذكر أنّ كثيّر عزّة كان كثيرا ما يصطرف شعر جميل الى نفسه ويهتدمه وقال: «وأذكر هنا قدرا من اصطرف غيره يستدل به على معنى الاصطراف. أخبرنا أبو أحمد عيسى بن عبد العزيز الطاهري عن الدمشقي قال: أخبرنا الزبير بن بكار قال أخبرنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن عبد الله بن أبي عبيدة أنّ كثيرا أنشده قصيدته التي يقول فيها:

«اذا الغرّ من نوء الثريا تجاوبت ***حمينا بأجواز الفلاة قطارها»

فمرّ في هذه القصيدة على أبي ذؤيب الهذلي في قصيدته التي أولها:

«وما الدهر إلا ليلة ونهارها***وإلا طلوع الشمس ثم غيارها»

فأخذ منها بيتين وهما:

«وعيّرها الواشون أنّي أحبها***وتلك وشاة طائر عنك عارها»

«وإن اعتذر منها فأني مكذّب ***وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها»

فاستضافهما جميعا واصطرفهما...

ومن الاصطراف ما أخبرنا به أبو محمد عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا المبرد عن المازني قال: قال جرير:

«لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب ***يدع الحوائم لا يجدن غليلا»

«من ماء ذي رصف القلاة ممنع ***قطن الأباطح ما يزال ظليلا»

فقال المهرول العامري، واصطرف الأول واهتدم الثاني:

«لو شئت قد نقع الفؤاد بمشرب ***يدع الحوائم لا يجدن غليلا»

«من ماء ذي رصف الفلاة ممنع ***يعلو أشم على الجبال طويلا »

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


83-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التجنيس)

التّجنيس:

الجنس: الضرب من كل شيء، وهو من الناس ومن الطير ومن حدود النحو والعروض ومن الأشياء جملة. ومنه المجانسة والتجنيس، ويقال: هذا يجانس هذا أي يشاكله وفلان يجانس البهائم ولا يجانس الناس إذا لم يكن له تمييز ولا عقل.

وقال الحموي: «وأما اشتقاق الجناس فمنهم من يقول التجنيس هو تفعيل من الجنس ومنهم من يقول المجانسة المفاعلة من الجنس أيضا إلا أنّ إحدى الكلمتين إذا تشابهت بالأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية والجناس مصدر جانس، ومنهم من يقول التجانس التفاعل من الجنس أيضا لأنه مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا في جنس واحد. ولما انقسم أقساما كثيرة وتنوع أنوعا عديدة تنزل منزلة الجنس الذي يصدق على كل واحد من أنواعه فهو حينئذ جنس».

وقال المدني: «الجناس والتجنيس والمجانسة والتجانس كلها ألفاظ مشتقة من الجنس، فالجناس مصدر جانس والتجنيس تفعيل من الجنس والمجانسة مفاعلة منه؛ لأنّ إحدى الكلمتين إذا شابهت الأخرى وقع بينهما مفاعلة الجنسية، والتجانس مصدر تجانس الشيئان إذا دخلا تحت جنس واحد».

فالتجنيس هو التجانس والجناس والمجانسة وكلها مشتقة من الجنس، وقد قال ابن الاثير الحلبي: «فأما لفظة الجناس فيقال إنّ العرب لم تتكلم بها وانما علماء اللغة قاسوها على نظائرها وجعلوا الجناس حال كلمة بالنسبة الى أختها وكذلك المجانسة. وأما التجنيس فانه فعل المجنس مثل التصنيف فعل المصنف. وأما التجانس فهو الكلمات في نفسها من التشابه».

وقال العلوي: «وهو تفعيل من التجانس وهو التماثل وانما سمي هذا النوع جناسا لأن التجنيس الكامل أن تكون اللفظة تصلح لمعنيين مختلفين، فالمعنى الذي تدل عليه هذه اللفظة هي بعينها تدل على المعنى الآخر من غير مخالفة بينهما، فلما كانت اللفظة الواحدة صالحة لهما جميعا كان جناسا، وهو من ألطف مجاري الكلام ومحاسن مداخله وهو من الكلام كالغرة في وجه الفرس. فالجنس في اللغة هو الضرب من الشيء وهو أعم من النوع والمجانسة المماثلة. وسمّي هذا النوع جناسا لما فيه من المماثلة اللفظية. وزعم ابن دريد أنّ الاصمعي يدفع قول العامة: «هذا مجانس» لهذا، ويقول إنه مولّد».

وللأصمعي كتاب سماه «الأجناس» ولأبي عبيد الله القاسم بن سلّام «كتاب الاجناس من كلام العرب وما اشتبه في اللفظ واختلف في المعنى» وقد أشار سيبويه الى فن التجنيس وسماه «اتفاق اللفظين والمعنى مختلف». وذكر المبرد مثل ذلك وله كتاب «ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد». وسماه ثعلب «المطابق» وقال: «هو تكرر اللفظة بمعنيين مختلفين».

والتجنيس ثاني فن من بديع ابن المعتز وهو «أن تجيء الكلمة تجانس أخرى في بيت شعر وكلام.

ومجانستها لها أن تشبهها في تأليف حروفها على السبيل الذي ألف الاصمعي كتاب الاجناس عليها.

وقال الخليل: «الجنس لكل ضرب من الناس والطير والعروض ونحوه فمنه ما تكون الكلمة تجانس أخرى في تأليف حروفها ومعناها ويشتق منها مثل قول الشاعر: «يوم خلجت على الخليج نفوسهم». أو يكون تجانسها في تأليف الحروف دون المعنى مثل قول الشاعر: «إن لوم العاشق اللوم». ومعنى ذلك ان التسمية ليست لابن المعتز وانما هي للخليل وللاصمعي، ويبدو أن رأيهما قريب من كلامه فهو يقول: «على السبيل الذي ألف: الأصمعي كتاب الاجناس عليها».

وللتجنيس تعريفات كثيرة، وقد شرّق المؤلفون فيه وغرّبوا وقسموه أقساما كثيرة لذلك قال ابن الاثير: «وقد تصرف العلماء من أرباب هذه الصناعة فيه فغرّبوا وشرّقوا لا سيما المحدثين منهم، وصنف الناس فيه كتبا كثيرة وجعلوه أبوابا متعددة واختلفوا في ذلك وأدخلوا بعض تلك الابواب في بعض فمنهم عبد الله بن المعتز وأبو علي الحاتمي والقاضي أبو الحسن الجرجاني وقدامة بن جعفر الكاتب، وإنما سمّي هذا النوع من الكلام مجانسا، لأنّ حروف ألفاظه يكون تركيبها من جنس واحد. وحقيقته أن يكون اللفظ واحدا والمعنى مختلفا وعلى هذا فانه: هو اللفظ المشترك وما عداه فليس من التجنيس الحقيقي في شيء إلا أنّه قد خرج من ذلك ما يسمى تجنيسا وتلك تسمية بالمشابهة لا لأنّها دالة على حقيقة المسمّى بعينه».

وكان البلاغيون قبل ذلك قد عرفوا التجنيس وتحدثوا عنه ومنهم قدامة الذي تكلم في باب ائتلاف اللفظ والمعنى على المطابق والمجانس وقال: «ومعناهما أن تكون في الشعر معان متغايرة قد اشتركت في لفظة واحدة وألفاظ متجانسة مشتقة. فأما المطابق فهو ما يشترك في لفظة واحدة مثل قول زياد الأعجم:

«ونبئتهم يستنصرون بكاهل ***وللؤم فيهم كاهل وسنام »

... وأما المجانس فأن تكون المعاني اشتراكها في ألفاظ متجانسة على جهة الاشتقاق مثل قول أوس بن حجر:

«لكن بفرتاج فالخلصاء أنت بها***فحنبل فعلى سرّاء مسرور »

ومثل قول زهير:

«كأنّ عيني وقد سال السليل بهم ***وجيرة ما هم لو أنّهم أمم »

فالمطابق عند قدامة هو التجنيس الحقيقي اما المجانس فهو شبيه به أو أحد أنواعه الذي سمّي تجنيس الاشتقاق.

وذكر الحاتمي قصة هذا الخلاف في المصطلح فقال: «أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين القرشي قال: قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان أعلم من شاهدته بالشعر: أجد قوما يخالفون في الطباق فطائفة تزعم ـ وهي الأكثر ـ بأنه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى. وطائفة تخالف ذلك فتقول: هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم:

«ونبئتهم يستنصرون بكاهل ***وللؤم فيهم كاهل وسنام »

فقوله: «كاهل» للقبيلة، وقوله «كاهل» للعضو عندهم هو المطابقة. قال: فقال الأخفش: من هذا الذي يقول هذا؟ قلت: قدامة وغيره... فقال: هذا يا بني هو التجنيس ومن زعم أنّه طباق فقد ادّعى خلافا على الخليل والأصمعي. فقيل له: أفكانا يعرفان هذا؟فقال: سبحان الله وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه. قلت: فأنشدني أحسن طباق للعرب.

قال قول عبد الله بن الزّبير الأسدي:

«رمى الحدثان نسوة آل حرب ***بمقدار سمدن له سمودا»

«فردّ شعورهنّ السود بيضا***وردّ وجوههنّ البيض سودا »

وتحدث الحاتمي عن المجانسة وذكر له قول جرير:

«كأنّك لم تسر ببلاد نعم ***ولم تنظر بناظرة الخياما»

وقوله:

«وما زال معقولا عقال عن النّدى ***وما زال محبوسا من الخير حابس »

وهذا ما يدخل في التجنيس. وتكلم الآمدي على المجانس في شعر أبي تمام فقال: «هو ما اشتق بعضه من بعض» وذكر مصطلح «التجنيس» فقال عن جرير والفرزدق: «وكأنّ هذين الشاعرين في تجنيس ما جنّساه من هذه الالفاظ وحاجتهما اليه يشبه قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «عصيّة عصت الله، وغفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله». ثم قال بعد أن تكلم على المطابق: «وهذا باب ـ أعني المطابق ـ لقبه أبو الفرج قدامة ابن جعفر في نقد الشعر «المتكافىء» وسمّى ضربا من المتجانس المطابق... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وان كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات، وكانت الألقاب غير محظورة فاني لم أكن أحب له أن يخالف من تقدمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألّف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس المماثل ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت نحو قول جرير:

«تزوّد مثل زاد أبيك فينا***فنعم الزاد زاد أبيك زادا»

وبابه قليل».

وعقد الرماني بابا للتجانس وقال: «هو بيان بأنواع الكلام الذي يجمعه أصل واحد في اللغة». وقال العسكري: «التجنيس أن يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها على حسب ما ألّف الأصمعي كتاب الأجناس. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى لفظا واشتقاق معنى كقول الشاعر:

«يوما خلجت على الخليج نفوسهم ***عصبا وأنت لمثلها مستام “

... ومنه ما يجانسه في تأليف الحروف دون المعنى كقول الشاعر:

«يا صاح إنّ أخاك الصّبّ مهموم ***فارفق به إنّ لوم العاشق اللّوم »

وقال الباقلاني: «ومعنى ذلك أن تأتي بكلمتين متجانستين. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى في تأليف حروفها ومعناها واليه ذهب الخليل.

ومنهم من زعم ان المجانسة أن تشترك اللفظتان على جهة الاشتقاق».

ولم يعرّف ابن رشيق التجنيس وانما ذكر أنّه ضروب كثيرة وعرّف كل ضرب وذكر له أمثلة، وفعل مثله عبد القاهر الذي تحدث عن ميزته ومواضع الاحسان والاساءة في استعماله. وقال التبريزي: هو «أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الأخرى، وهذا الجنس يسمونه المطلق»، ونقل البغدادي هذا التعريف.

وقال الصنعاني: «هو اجتماع كلمتين ألفتا من حروف متجانسة ولأهل الأدب فيه مذاهب مختلفة وأقسامه كثيرة».

وقال السكاكي: «هو تشابه الكلمتين في اللفظ» وأدخله في التحسين اللفظي كما فعل ابن الاثير حينما تحدث عنه في الصناعة اللفظية.

وقال المظفر العلوي: «هو أن يأتي الشاعر بكلمتين مقترنتين متقاربتين في الوزن غير متباعدتين في النظم، غير متنافرتين عن الفهم يتقبلهما السمع ولا ينبو عنهما الطبع».

وقال ابن مالك: «ويسميه قدامة طباقا، وهو أن تأتي في غير رد العجز على الصدر بلفظتين بينهما تماثل في الحروف وتغاير في المعنى». وأدخله في قسم الفصاحة اللفظية من علم البديع.

وقال التنوخي هو: «أن يأتي المتكلم في كلامه بحرف أو حرفين ثم يأتي بها ثانيا في أثناء ذلك الكلام من غير أن يكون بينهما بعد بحيث ينصرف فيه الذهن عن الأول. ولعل ذلك أن يكونا مجتمعين في بيت من الشعر ونحوه من الكلام، ولا بدّ أن يكون المتجانسان مختلفي المعنى».

وسمّاه القزويني: «الجناس» وأدخله في المحسنات اللفظية كالسكاكي وابن مالك، وتبعه في التسمية شراح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني.

وسماه ابن الأثير الحلبي: «الجناس» ولكنه حينما عرفه قال: «وحدّ التجنيس أنّه اتفاق الالفاظ واختلاف المعاني»، وقريب من هذا ما ذكره العلوي الذي عرفه بقوله: «وهو أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما».

ولم يهتم الادباء جميعهم بهذا الفن، فقد كان منهم من لا يتخذه مذهبا لما في كثير منه من التكلف، قال الحموي: «أما الجناس فانّه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله من أهل الأدب وكذلك كثرة اشتقاق الالفاظ فانّ كلا منهما يؤدي الى العقادة والتقييد عن اطلاق عنان البلاغة في مضمار المعاني المبتكرة». وكان الاوائل يستعملون هذا الفن ولكن من غير إسراف فلما أفضى الحال الى المولّدين في العصر العباسي شاع وظهر، وقد أكثر منه أبو تمام، ولذلك قال ابن المعتز في التجنيس وغيره من فنون البديع: «إنّ حبيب ابن أوس الطائي من بعدهم شغف به حتى غلب عليه وتفرّع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف».

وأقسام التجنيس أو الجناس كثيرة، وقد اختلف أرباب البديع فيها اختلافا كبيرا، وقد أفرده بالتأليف جماعة منهم الشيخ صفي الدين الحلي، ألف كتابا سماه «الدر النفيس في أجناس التجنيس» والشيخ صلاح الدين الصفدي. ألف فيه كتابه المسمى «جناس الجناس» ورأى ابن الاثير أنّه سبعة أقسام، واحد منها يدل على حقيقة التجنيس لأنّ لفظه واحد لا يختلف، وستة أقسام مشبهة. فالقسم الأول الحقيقي هو «أن تتساوى حروف ألفاظه في تركيبها ووزنها»، والأقسام الستة المشبهة بالتجنيس هي:

الأول: أن تكون الحروف متساوية في تركيبها مختلفة في وزنها.

الثاني: أن تكون الألفاظ متساوية في الوزن مختلفة في التركيب بحرف واحد لا غير.

الثالث: أن تكون الالفاظ مختلفة في الوزن والتركيب بحرف واحد.

الرابع: المعكوس، وهو ضربان: عكس الالفاظ وعكس الحروف.

الخامس: المجنب وهو أن يجمع مؤلف الكلام بين كلمتين إحداهما كالتبع للأخرى والجنيبة لها.

السادس: ما يساوي وزنه تركيبه غير أنّ حروفه تتقدم وتتأخر.

وفي كتب البلاغة والنقد والأدب أنواع كثيرة هي:

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


84-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (التضاد)

التّضادّ:

ضد الشيء: خلافه، وقد ضادّه وهما متضادّان، يقال: ضادّني فلان إذا خالفك، فأردت طولا وأراد قصرا، وأردت ظلمة وأراد نورا، فهو ضدك وضد يدك. والتضادّ أن يجمع بين المتضادين مع مراعاة التقابل.

والتضاد هو التطبيق والتكافؤ والطباق والمطابقة والمقاسمة، وقد سمّاه ابن المعتز «المطابقة» وهو الفن الثالث من بديعه، قال: «قال الخليل ـ رحمه‌الله ـ: يقال طابقت بين الشيئين إذا جمعتهما على حذو واحد، وكذلك قال أبو سعيد: فالقائل لصاحبه: أتيناك لتسلك بناسبيل التوسع فأدخلتنا في ضيق الضمان. قد طابق بين السعة والضيق في هذا الخطاب» وقد ذكر الحاتمي في باب المطابقة ما قيل فيها فقال: «أخبرنا أبو الفرج علي ابن الحسين القرشي قال: قلت لأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش وكان أعلم من شاهدته بالشعر: أجد قوما يخالفون في الطباق، فطائفة تزعم وهي الاكثر ـ بأنّه ذكر الشيء وضده فيجمعهما اللفظ فهما لا المعنى، وطائفة تخالف ذلك فتقول: هو اشتراك المعنيين في لفظ واحد كقول زياد الاعجم:

«ونبئتهم يستنصرون بكاهل ***وللؤم فيهم كاهل وسنام »

فقوله: «كاهل» للقبيلة، وقوله «كاهل» للعضو عندهم، هو المطابقة. قال: فقال الاخفش: من هذا الذي يقول هذا؟ قلت: قدامة وغيره. فاما قدامة فقد أنشد:

«وأقطع الهوجل مستأنسا***بهوجل عيرانة عنتريس »

«هوجل» واسعة السير، فقال: هذا يا بني هو التجنيس، ومن زعم انه طباق فقد ادّعى خلافا على الخليل والاصمعي. فقيل له: أفكانا يعرفان هذا؟ فقال: سبحان الله، وهل غيرهما في علم الشعر وتمييز خبيثه من طيبه». وقال الحاتمي بعد ذلك: «أخبرنا عبيد الله بن احمد بن دريد عن أبي حاتم قال: سألت الأصمعي عن صنعة الشعر فذكر في بعض قوله المطابقة، وقال: أصلها وضع الرجل موضع اليد، وأنشد:

«وخيل يطابقن بالدّارعين ***طباق الكلاب يطأن الهراسا »

وقال المدني: «قالوا: ولا مناسبة بين معنى المطابقة لغة ومعناها اصطلاحا فانها في اللغة الموافقة، يقال: طابقت بين الشيئين إذا جعلت أحدهما على حذو الآخر وطابق الفرس في جريه: إذا وضع رجليه مكان يديه، والجمع بين الضدين ليس موافقة». ونقل عن ابن الأثير قوله: «إنّهم سمّوا هذا الضرب من الكلام مطابقا لغير اشتقاق ولا مناسبة بينه وبين مسماه، هذا الظاهر لنا من هذا القول إلا ان يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم نعلمها نحن». ثم قال المدني: «وأغرب ابن أبي الحديد في قوله: «الطبق بالتحريك في اللغة هو المشقة، قال الله سبحانه: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} أي مشقة بعد مشقة، فلما كان الجمع بين الضدين على الحقيقة شاقا بل متعذرا، ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في أنفسها توسعا سمّوا كل كلام جمع فيه بين الضدين مطابقة وطباقا».

وقال السعد التفتازاني في شرح المفتاح: «إنّما سمّي هذا النوع مطابقة لأنّ في ذكر المعنيين المتضادين معا توفيقا، وايقاع توافق بين ما هو في غاية التخالف كذكر الإحياء مع الإماتة والابكاء مع الضحك ونحو ذلك».

ثم قال المدني: «وكأنّ ابن الاثير ظهر له وجه المناسبة فيما بعد فقال في كافية الطالب: «المطابقة هي عند الجمهور الجمع بين المعنى وضده، ومعناها أن يأتلف في اللفظ ما يضاد المعنى وكأنّ كل واحد منهما وافق الكلام فسمي طباقا». ويبدو من ذلك ان تسميته «مطابقة» أو «طباقا» غير مناسبة، ومصطلح «التضاد» اكثر دلالة على هذا الفن، لان التضاد يدل على الخلاف..

وسمّاه قدامة «التكافؤ» وقال: «ومن نعوت المعاني التكافؤ وهو أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه أو يتكلم فيه بمعنى ما، أي معنى كان فيأتي بمعنيين متكافئين.

والذي أريد بقولي: «متكافئين» في هذا الموضوع:

متقاومان، إما من جهة المضادة أو السلب والايجاب أو غيرهما من أقسام التقابل». اما «المطابق» عند قدامة فهو التجنيس، وهو ما ذكره ثعلب حيث سمّى الجناس «المطابق»، وإن كانت بعض الأمثلة التي ذكرها تحتمل المطابقة أيضا. وقال الآمدي عن المطابقة: «هو مقابلة الحرف بضده أو ما يقارب الضد، وإنّما قيل مطابق لمساواة أحد القسمين صاحبه وإن تضادّا او اختلفا في المعنى». وقال: «إنّما هو مقابلة الشيء بمثل الذي هو على قدره فسموا المتضادين إذا تقابلا متطابقين»، ثم قال: «وهذا باب أعني المطابقة لقّبه أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر»: المتكافىء، وسمّى

ضربا من المتجانس المطابق، وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها ويكون معناهما مختلفا... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وإن كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الألقاب غير محظورة، فاني لم أكن أحب أن يخالف من تقدّمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس «المماثل» ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت».

وقال التّبريزي: «فالطّباق أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو ما يقوم مقام الضد».

وقال ابن الأثير: «وهذا النوع يسمى البديع أيضا، وهو في المعاني ضد التجنيس في اللفظ»، ورأى أنّ الاليق من حيث المعنى ان يسمى «المقابلة» وكان ابن سنان قد آثر تسميته «المطابق».

وقال المصري إنّ المطابقة ضربان: ضرب يأتي بالفاظ الحقيقة، وضرب يأتي بألفاظ المجاز. فما كان منه بلفظ الحقيقة سمي طباقا، وما كان بلفظ المجاز سمي تكافؤا، ومثاله.

«حلو الشمائل وهو مرّ باسل ***يحمي الذمار صبيحة الإرهاق »

فقوله: «حلو» و «مر» يجري مجرى الاستعارة إذ ليس في الانسان ولا في شمائله ما يذاق بحاسة الذوق».

وأدخل السّكّاكي والقزويني وشرّاح التلخيص المطابقة في المحسنات المعنوية واصبحت من فنون البديع.

والجمع بين المتضادين يكون باسمين أو فعلين أو حرفين، أي لا يصح أن يضم الاسم الى الفعل أو الفعل الى الاسم. والجمع بين الاسمين كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}، ومنه قول الفرزدق:

«والشّيب ينهض في الشباب كأنّه ***ليل يصيح بجانبيه نهار»

والجمع بين الفعلين كقوله تعالى: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ}، وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ: «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع»، وقول أبي صخر الهذلي:

«أما والذي أبكى وأضحك والذي ***أمات وأحيا والذي أمره الأمر»

والجمع بين الحرفين كقوله تعالى: {لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ} وقول الشاعر:

«على أنني راض بأن أحمل الهوى ***وأخلص منه لا عليّ ولا ليا»

وللطباق نوعان كما ذكر المصري:

الأول: الطباق الحقيقي وهو ما كان بألفاظ الحقيقة سواء كان من اسمين أو فعلين أو حرفين كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظًا وَهُمْ رُقُودٌ}، وقوله: {وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}، وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى. وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا}.

الثاني: الطباق المجازي: وهو ما كان بألفاظ المجاز، ويرى المدني أن يشترط فيه أن يكون المعنيان المجازيان متقابلين أيضا وإلا دخل فيه إيهام الطباق. ومن ذلك قوله تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ} أي: ضالا فهديناه، فالموت والاحياء متقابل معناهما المجازيان، وهما الضلال والهدى.

ومنه قول التهامي:

«لقد أحيا المكارم بعد موت ***وشاد بناءها بعد انهدام »

وهذا هو الطباق اللفظي، أمّا الطباق المعنوي فهو مقابلة الشيء بضده في المعنى لا في اللفظ كقوله تعالى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} معناه: ربّنا يعلم إنّا لصادقون. ومنه قول هدبة ابن الخشرم:

«فإن تقتلوني في الحديد فاننّي ***قتلت أخاكم مطلقا لم يقيّد»

فان معناه: فان تقتلوني مقيدا وهو ضد المطلق، فطابق بينهما بالمعنى: وقول المقنع الكندي:

«لهم جلّ مالي إن تتابع لي غنى ***وإن قلّ مالي لا أكلّفهم رفدا»

فقوله: «إن تتابع» في قوة قوله: «ان كثر» والكثرة ضد القلة، فهو طباق بالمعنى لا باللفظ.

والطباق الذي يأتي بألفاظ الحقيقة ثلاثة أقسام:

الأول: طباق الايجاب، وهو الجمع بين الشيء وضده، كالأمثلة السابقة.

الثاني: طباق السلب، وهو الجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفي أو أمر ونهي كقوله تعالى: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا}، وقول الشاعر:

«وننكر إن شئنا على الناس قولهم ***ولا ينكرون القول حين نقول »

وقول البحتري:

«يقيّض لي من حيث لا أعلم النوى ***ويشري اليّ الشّوق من حيث أعلم »

الثالث: طباق الترديد، وهو أن يرد آخر الكلام المطابق على أوله فإن لم يكن الكلام مطابقا فهو ردّ الاعجاز على الصدور. ومثاله قول الأعشى:

«لا يرقع الناس ما أو هوا وإن جهدوا***طول الحياة ولا يوهون ما رقعوا»

ومن الطباق نوع يسمّى الطّباق الخفيّ والملحق بالطباق، وهو الجمع بين معنيين بتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق مثل السببية واللزوم كقوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ}، فإنّ الرحمة وإن لم تكن مقابلة للشدة لكنها مسببة عن اللين الذي هو ضد الشدة. ومنه قول التهامي:

«والهون في ظلّ الهوينى كامن ***وجلالة الأخطار في الاخطار»

فان جلالة الأخطار وان لم تكن مقابلة للهون لكنها لازمة للعز المقابل للهون.

ولا يكفي أن يؤتى بالتضاد أو المطابقة بعيدة عن أي هدف، مجردة عن أي تأثير، وإنما ينبغي أن تأتي مرشحة بنوع من البديع لكي تكتسب جمالا.

قال الحموي: «والذي أقوله إنّ المطابقة التي يأتي بها الناظم مجردة ليس تحتها كبير أمر، ونهاية ذلك أن يطابق الضد بالضد وهو شيء سهل، اللهم إلا أن تترشح بنوع من أنواع البديع وتشاركه في البهجة والرونق، كقوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ، وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}، ففي العطف بقوله تعالى: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} دلالة على أنّ من قدر على الافعال العظيمة قدر على أن يرزق بغير حساب من شاء من عباده. وهذه مبالغة التكميل المشحونة بقدرة الرب سبحانه وتعالى. فانظر الى عظم كلام الخالق هنا فقد اجتمع فيه المطابقة الحقيقية والعكس الذي لا يدرك لو جازته وبلاغته ومبالغة التكميل التي لا تليق بغير قدرته. ومثل ذلك قول امرئ القيس:

«مكر مفرّ مقبل مدبر معا***كجلمود صخر حطّه السيل من عل »

فالمطابقة في الإقبال والإدبار، ولكنه لما قال «معا» زادها تكميلا في غاية الكمال، فانّ المراد بها قرب الحركة في حالتي الاقبال والادبار وحالتي الكر والفر.

فلو ترك المطابقة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الموقع، ثم انّه استطرد بعد تمام المطابقة وكمال التكميل الى التشبيه على سبيل الاستطراد البديعي... وقد اشتمل بيت امرئ القيس على المطابقة والتكميل والاستطراد».

ومن المطابقة التي اكتست بالتورية قول المتنبي:

«برغم شبيب فارق السيف كفّه ***وكانا على العلّات يصطحبان »

«كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه ***رفيقك قيسيّ وأنت يماني »

ومن المطابقة التي اكتست بالجناس قول أبي تمام:

«بيض الصفائح لا سود الصحائف في ***متونهنّ جلاء الشّكّ والرّيب »

وليس معنى ذلك أنّ التضاد أو المطابقة حينما تأتي من غير ترشيح تفقد قيمتها بل أنّ التضاد هو الذي يكسبها قيمة لأنّه يؤدي الى ايضاح المعنى وتقريب الصورة وهي كما قال الشاعر:

«ضدان لمّا استجمعا حسنا***والضّدّ يظهر حسنه الضّدّ»

ولأهمية المطابقة قال القاضي الجرجاني: «وأما المطابقة فلها شعب خفية، وفيها مكامن تغمض، وربما التبست بها أشياء لا تتميز إلا للنظر الثاقب والذهن اللطيف». وقال الصنعاني: «وهي من أكثرها دلالة على الفصاحة في الكلام وأدخل في المنظوم والمنثور».

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


85-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (قبح الأخذ)

قبح الأخذ:

قال العسكري: قبح الأخذ أن تعمد الى المعنى فتتناوله بلفظه كله أو أكثره أو تخرجه في معرض مستهجن. والمعنى إنما يحسن بالكسوة. أخبرنا بعض أصحابنا قال: قيل للشعبي: إنا إذا سمعنا الحديث منك نسمعه بخلاف ما نسمعه من غيرك.

فقال: إني أجده عاريا فأكسوه من غير أن أزيد فيه حرفا أي من غير أن أزيد في معناه شيئا».

فما أخذ بلفظه ومعناه وادّعى آخذه ـ أو ادعي له ـ أنّه لم يأخذه ولكن وقع له كما وقع للأول قول طرفة:

«وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ***يقولون لا تهلك أسى وتجلّد»

وقول امرىء القيس:

«وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ***يقولون لا تهلك أسى وتجمّل »

وقول البعيث:

«أترجو كليب أن يجيء حديثها***بخير وقد أعيا كليبا قديمها»

وقول الفرزدق:

«أترجو ربيع أن تجيء صغارها***بخير وقد أعيا ربيعا كبارها»

قال العسكري: «والأخذ اذا كان كذلك كان معيبا وإن ادّعي أنّ الآخر لم يسمع قول الأول بل وقع لهذا كما وقع لذاك فإنّ صحة ذلك لا يعلمها إلا الله ـ عزوجل ـ والعيب لازم للآخر».

ومن الأخذ المستهجن أن يأخذ المعنى فيفسده أو يعوّصه أو يخرجه في معرض قبيح وكسوة مسترذلة، ومن ذلك قول أبي كريمة:

«قفاه وجه ثمّ وجه الذي ***قفاه وجه يشبه البدرا»

أخذه من قول أبي نواس:

«بأبي أنت من مليح بديع ***بذّ حسن الوجوه حسن قفاكا»

وأحسن ابن الرومي فيه فقال:

«ما ساءني إعراضه ***عني ولكن سرّني »

«سالفتاه عوض ***من كلّ شيء حسن »

وسمع بعضهم قول محمود الوراق:

«إذا كان شكري نعمة الله نعمة***عليّ له في مثلها يجب الشّكر»

«فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ***وإن طالت الأيام واتّصل العمر»

«إذا مسّ بالسّراء عمّ سرورها***وإن مسّ بالضّراء أعقبها الأجر”

«وما منهما إلا له فيه نعمة***تضيق بها الأوهام والبرّ والبحر»

فقال وأساء:

«الحمد لله إنّ الله ذو نعم ***لم يحصها عددا بالشكر من حمدا»

«شكري له عمل فيه عليّ له ***شكر يكون لشكر قبله مددا»

ومن ذلك قول الإمام علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ «قيمة كل امرىء ما يحسنه» أخذه ابن طباطبا بلفظه وأخرجه بغيضا متكلفا بقوله:

«فيا لائمي دعني أغال بقيمتي ***فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه »

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


86-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (المواردة)

المواردة:

ورد الماء وغيره: أشرف عليه، دخله أو لم يدخله، يقال: رجل وارد، وكل من أتى مكانا منهلا او غيره فقد ورده.

قال التّبريزي: «المواردة أن يتّفق الشاعر أن اذا كانا في عصر واحد او تأخّر أحدهما عن الآخر على معنى واحد يتواردانه جميعا بلفظ واحد من غير أخذ أحدهما عن الآخر. وهي مأخوذة من ورود الحيين الماء من غير انفاد» وذلك نحو ما ذكره ثعلب عن محمد بن زياد الأعرابي قال: قال لابن ميادة حين قال:

«بمستأسد القريان حوّ تلاعه ***فنوّاره ميل الى الشمس ظاهره »

أين يذهب بك، هذا للحطيئة. قال: أكذلك؟ قال: نعم. قال: الآن علمت أنّي شاعر ما سمعت بهذا إلّا الساعة، إني لشاعر حين وافقته وواردت على قوله.

وقال الحاتمي: «أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي نصر عن الأصمعي قال: قلت لابي عمرو بن العلاء: «أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ؟ لم يلق أحد منهما صاحبه ولا سمع بشعره؟فقال لي: تلك عقول رجال توافت على ألسنتها».

وأدخل ابن رشيق المواردة في باب السرقات وأشار الى بيت امرىء القيس:

«وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ***يقولون لا تهلك أسى وتجمّل »

وبيت طرفة:

«وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ***يقولون لا تهلك أسى وتجلّد»

ورفض أن تكون هذه مواردة، وقال إنّ امرأ القيس أسبق في قول هذا المعنى لأنّ طرفة في زمان عمرو بن هند شاب حول العشرين وكان امرؤ القيس في زمان المنذر الأكبر كهلا وشعره أشهر من الشمس فكيف يكون مواردة؟

ولم يدخل العلوي هذا النوع في السرقة لأنّ «ذلك إنّما يكون فيمن علم حاله بالسبق لذلك الكلام ثم يأخذه غيره مع علمه بأنه له كسرقة المتاع يأخذه السارق وهو حقّ لغيره على جهة الخفية».

وقال المصري: «هو توارد الشاعرين المتعاصرين اللذين تجمعهما طبقة واحدة على معنى واحد إما مجرّدا أو ببعض ألفاظه أو بأكثرها أو كلها، فان كان أحدهما أقدم أو طبقته أرفع حكم له على صاحبه بالسبق. وقد رأيت من يجعل اتفاق الشاعرين من طبقتين مختلفتين في عصرين متباينين إذا تقارب ما بينهما بعض التقارب في الأمرين أو في القوة والقدرة تواردا». ومثال الأوّل بيتا امرىء القيس وطرفة، ومثال ما جاء من القسم الثاني ما جرى لابن ميّادة وبيت الحطيئة. وسمّى ابن منقذ هذا الباب «التوارد»، وقد تقدّم.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


87-موسوعة الفقه الكويتية (استغاثة)

اسْتِغَاثَة

التَّعْرِيفُ:

1- الِاسْتِغَاثَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْغَوْثِ وَالنَّصْرِ.

وَالِاسْتِغَاثَةُ شَرْعًا: لَا تَخْرُجُ فِي الْمَعْنَى عَنِ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ تَكُونُ لِلْعَوْنِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُوبِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الِاسْتِخَارَةُ:

2- الِاسْتِخَارَةُ لُغَةً: طَلَبُ الْخِيَرَةِ فِي الشَّيْءِ.

وَاصْطِلَاحًا: طَلَبُ صَرْفِ الْهِمَّةِ لِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْأَوْلَى بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ.فَالِاسْتِخَارَةُ أَخَصُّ، لِأَنَّهَا لَا تُطْلَبُ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ.

الِاسْتِعَانَةُ:

3- الِاسْتِعَانَةُ: طَلَبُ الْعَوْنِ.اسْتَعَنْتُ بِفُلَانٍ طَلَبْتُ مَعُونَتَهُ فَأَعَانَنِي، وَعَاوَنَنِي.وَتَكُونُ مِنَ الْعِبَادِ فِيمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَمِنَ اللَّهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لَا تَكُونُ إِلاَّ فِي الشِّدَّةِ.

حُكْمُ الِاسْتِغَاثَةِ:

4- لِلِاسْتِغَاثَةِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ:

الْأَوَّلُ: الْإِبَاحَةُ، وَذَلِكَ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنَ الْأَحْيَاءِ، إِذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا- وَمِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءُ فَإِنَّهُ يُبَاحُ طَلَبُهُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، بَلْ يَحْسُنُ ذَلِكَ- فَلَهُ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِالْمَخْلُوقِينَ أَوْ لَا يَسْتَغِيثَ، وَلَكِنْ لَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ السُّؤَالِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَالتَّضَرُّعِ لَهُمْ كَمَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى، لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَخْلُوقِينَ فِي الْأَصْلِ مُحَرَّمَةٌ، وَلَكِنَّهَا أُبِيحَتْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَالْأَفْضَلُ الِاسْتِعْفَافُ عَنْهَا إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِغَاثَةِ هَلَاكٌ، أَوْ حَدٌّ، أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ بِالِاسْتِغَاثَةِ أَوَّلًا.فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ سَبْقُ ضَمَانٍ لِلدِّمَاءِ وَالْحُقُوقِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَيَأْتِي.

الثَّانِي: النَّدْبُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِاَللَّهِ، أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ فِي الشِّدَّةِ وَالْكَرْبِ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.

الثَّالِثُ: الْوُجُوبُ، وَذَلِكَ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِغَاثَةِ هَلَاكٌ أَوْ ضَمَانٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ مَعَ وُجُوبِهِ أَثِمَ.

الرَّابِعُ: التَّحْرِيمُ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَغَاثَ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ أَوِ التَّأْثِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ إِنْسَانًا، أَوْ جِنًّا، أَوْ مَلَكًا، أَوْ نَبِيًّا، فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ}.

الِاسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ:

5- (أ) فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَةِ:

أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغَاثَةِ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ قِتَالِ عَدُوٍّ أَمِ اتِّقَاءِ سَبُعٍ أَمْ نَحْوِهِ.لِاسْتِغَاثَةِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- بِاَللَّهِ فِي مَوْقِعَةِ بَدْرٍ وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْقُرْآنُ بِذَلِكَ.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وَلِمَا رُوِيَ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ- رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ».

(ب) وَتُسْتَحَبُّ أَيْضًا الِاسْتِغَاثَةُ بِاَللَّهِ فِي الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ بِالْقُوَّةِ وَالتَّأْثِيرِ، وَفِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.مِثْلُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَشِفَاءِ الْمَرَضِ، وَطَلَبِ الرِّزْقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلاَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، لقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} وقوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ}.

وَيُسْتَغَاثُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ»

الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم-.

6- الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ أَقْسَامٌ:

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَبِكُلِّ مَخْلُوقٍ حَالَ حَيَاتِهِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، لقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} وَلِقَوْلِهِ: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} وَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْعَوْنِ وَالنَّجْدَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}

الْقِسْمُ الثَّانِي: الِاسْتِغَاثَةُ بِالرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَالْخِلَافُ فِيهَا.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَغِيثَ الْعَبْدُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِرَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم-، كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَفْعَلَ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الِاسْتِغَاثَةُ بِذَاتِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- كَمَا سَيَأْتِي.

أَنْوَاعُ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْخَلْقِ:

7- وَالِاسْتِغَاثَةُ بِالْخَلْقِ- فِيمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ- تَكُونُ عَلَى أَرْبَعِ صُوَرٍ:

أَوَّلُهَا: أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ تَفْرِيجَ الْكُرْبَةِ، وَلَا يَسْأَلُ الْمُتَوَسَّلَ بِهِ شَيْئًا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: اللَّهُمَّ بِجَاهِ رَسُولِكَ فَرِّجْ كُرْبَتِي.وَهُوَ عَلَى هَذَا سَائِلٌ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَمُسْتَغِيثٌ بِهِ، وَلَيْسَ مُسْتَغِيثًا بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَيْسَتْ شِرْكًا، لِأَنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَيْسَتِ اسْتِغَاثَةً بِالْمُتَوَسَّلِ بِهِ؛ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ حَيْثُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: 8- الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: جَوَازُ التَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ حَالَ حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ مَمَاتِهِمْ.قَالَ بِهِ مَالِكٌ، وَالسُّبْكِيُّ، وَالْكَرْمَانِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ، وَالْقَسْطَلاَّنِيُّ، وَالسَّمْهُودِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِّ، وَابْنُ الْجَزَرِيِّ.

9- وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مِثْلُ «أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا إِلَيْكَ».

وَمِنْهَا مَا قَالَهُ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- فِي الدُّعَاءِ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ «اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أُسْدٍ، وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا، بِحَقِّ نَبِيِّك وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّك أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي».

وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» وَالصَّلَاةُ تَسْتَدْعِي حَيَاةَ الْبَدَنِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- عِنْدَ قوله تعالى {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ، كُلَّمَا الْتَقَتَا هَزَمَتْ غَطَفَانُ الْيَهُودَ، فَدَعَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنْ تُخْرِجَهُ لَنَا إِلاَّ نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ.فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَتَهْزِمُ الْيَهُودُ غَطَفَانَ.

وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}.وَهَذَا تَفْخِيمٌ لِلرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَتَعْظِيمُهُ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ.

وَيَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَى الْمُتَوَسِّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ فِي رَدِّ بَصَرِهِ.

10- الْقَوْلُ الثَّانِي: أَجَازَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاسْتِغَاثَةَ بِاَللَّهِ مُتَوَسِّلًا بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّالِحِينَ حَالَ حَيَاتِهِمْ.وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَحْدَهُ.وَاسْتَشْهَدَ لِهَذَا بِحَدِيثِ الْأَعْمَى الَّذِي دَعَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُتَوَسِّلًا بِرَسُولِ اللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ.

فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ «رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَاهُ- عليه الصلاة والسلام-.فَقَالَ: اُدْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتَ.فَقَالَ: اُدْعُ قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِحَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّكَ فِي حَاجَتِي لِتُقْضَى.اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ: فَقَامَ، وَقَدْ أَبْصَرَ.

11- الْقَوْلُ الثَّالِثُ: عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ إِلاَّ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمُنِعَ التَّوَسُّلُ فِي تِلْكَ الِاسْتِغَاثَةِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَحْيَاءً كَانُوا أَوْ أَمْوَاتًا.

وَصَاحِبُ هَذَا الرَّأْيِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}.

وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه-، أَنَّهُ «كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- مُنَافِقٌ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قُومُوا بِنَا نَسْتَغِيثُ بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي وَإِنَّمَا يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ».

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:

12- اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ: وَهُوَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ، وَيَسْأَلَ الْمُتَوَسَّلَ بِهِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الصَّحَابَةُ، وَيَسْتَغِيثُونَ وَيَتَوَسَّلُونَ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الِاسْتِسْقَاءِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ- رضي الله عنهما-، فَهُوَ اسْتِغَاثَةٌ بِاَللَّهِ، وَاسْتِغَاثَةٌ بِالشَّفِيعِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ.فَهُوَ مُتَوَسِّلٌ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ، وَهَذَا مَشْرُوعٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي حَيَاةِ الشَّفِيعِ، وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ.

فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُسْتَضْعَفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى اللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا لأَوْقَعَ مَطْلُوبَهُ، فَيَبَرُّ بِقَسَمِهِ إِكْرَامًا لَهُ، لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ.

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ خَصَّهُ اللَّهُ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْأَلَ فَيَدْعُوَ لِلْمُسْتَغِيثِ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ عَنِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- وَالصَّحَابَةِ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: اسْتِغَاثَةٌ فِي سُؤَالِ اللَّهِ:

13- وَهِيَ أَنْ يَسْتَغِيثَ الْإِنْسَانُ بِغَيْرِهِ فِي سُؤَالِ اللَّهِ لَهُ تَفْرِيجَ الْكَرْبِ، وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَ هُوَ لِنَفْسِهِ.وَهَذَا جَائِزٌ لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ.

وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «وَهَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ» أَيْ بِدُعَائِهِمْ، وَصَلَاتِهِمْ، وَاسْتِغْفَارِهِمْ.

وَمِنْ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُهَاجِرِينَ».أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ.فَالِاسْتِنْصَارُ وَالِاسْتِرْزَاقُ يَكُونُ بِالْمُؤْمِنِينَ بِدُعَائِهِمْ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُ مِنْهُمْ.لَكِنَّ دُعَاءَهُمْ وَصَلَاتَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، وَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَنْصِرِ بِهِ وَالْمُسْتَرْزِقِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.وَمِنْهُ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ.مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ».

وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ: «فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَكَ فَافْعَلْ» وَقَوْلُ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- لِعُمَرَ لَمَّا وَدَّعَهُ لِلْعُمْرَةِ: «لَا تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِكَ».

الصُّورَةُ الرَّابِعَةُ:

14- أَنْ يَسْأَلَ الْمُسْتَغَاثَ بِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَا يَسْأَلُ اللَّهَتَبَارَكَ وَتَعَالَى، كَأَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِ أَنْ يُفَرِّجَ الْكَرْبَ عَنْهُ، أَوْ يَأْتِيَ لَهُ بِالرِّزْقِ.فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشِّرْكِ، لقوله تعالى {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «شُجَّ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ أُحُدٍ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فَقَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ؟ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} » فَإِذَا نَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى.

الِاسْتِغَاثَةُ بِالْمَلَائِكَةِ:

15- الِاسْتِغَاثَةُ بِهِمُ اسْتِغَاثَةٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ اسْتِغَاثَةٍ بِغَيْرِ اللَّهِ مَمْنُوعَةٌ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.«إِنَّهُ لَا يُسْتَغَاثُ بِي، وَلَكِنْ يُسْتَغَاثُ بِاَللَّهِ» وَلِحَدِيثِهِ أَيْضًا- عليه السلام- «لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ اعْتَرَضَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا» الِاسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ:

16- الِاسْتِغَاثَةُ بِالْجِنِّ مُحَرَّمَةٌ، لِأَنَّهَا اسْتِغَاثَةٌ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ، وَتُؤَدِّي إِلَى ضَلَالٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} وَيُعْتَبَرُ هَذَا مِنَ السِّحْرِ.

الْمُسْتَغِيثُ وَأَنْوَاعُهُ:

17- إِذَا اسْتَغَاثَ الْمُسْلِمُ لِدَفْعِ شَرٍّ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ» وَقَوْلِهِ- عليه السلام- «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَهَذَا إِذَا لَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ ضَرًّا، لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.أَمَّا الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْإِغَاثَةُ، وَلَوْ مَعَ الْخَشْيَةِ عَلَى النَّفْسِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى وَظَائِفِهِمْ.

18- وَإِذَا اسْتَغَاثَ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُغَاثُ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، وَلِأَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا، وَلَمْ يَخْشَ الْمُغِيثُ عَلَى نَفْسِهِ هَلَاكًا، لِأَنَّ لَهُ الْإِيثَارَ بِحَقِّ نَفْسِهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِغَاثَةَ الْمَلْهُوفِ» وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ».وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْكَافِرُ حَرْبِيًّا وَاسْتَغَاثَ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، لَعَلَّهُ يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ، أَوْ يَرْجِعُ عَمَّا فِي نَفْسِهِ مِنْ شَرٍّ وَيَأْسِرُهُ الْمَعْرُوفُ.لقوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أَيْ فَأَجِرْهُ، وَأَمِّنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَمْوَالِهِ، فَإِنِ اهْتَدَى وَآمَنَ عَنْ عِلْمٍ وَاقْتِنَاعٍ فَذَاكَ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُبْلِغَهُ الْمَكَانَ الَّذِي يَأْمَنُ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَكُونُ حُرًّا فِي عَقِيدَتِهِ.

الِاسْتِعَانَةُ بِالْكَافِرِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ:

19- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ لِدَفْعِ شَرٍّ، أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْمَخْلُوقُ تَجُوزُ بِالْمَخْلُوقِينَ مُطْلَقًا، فَيُسْتَغَاثُ بِالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، كَمَا يُسْتَغَاثُ بِالنَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَيُسْتَنْصَرُ بِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ» فَلَمْ تَكُنِ الْإِغَاثَةُ مِنْ خَصَائِصِ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّينَ أَوِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ وَصْفٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْآدَمِيِّينَ.

اسْتِغَاثَةُ الْحَيَوَانِ:

20- يَجِبُ إِغَاثَةُ الْحَيَوَانِ، لِمَا رُوِيَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّ رَجُلًا دَنَا إِلَى بِئْرٍ فَنَزَلَ، فَشَرِبَ مِنْهَا وَعَلَى الْبِئْرِ كَلْبٌ يَلْهَثُ، فَرَحِمَهُ، فَنَزَعَ أَحَدَ خُفَّيْهِ فَسَقَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» حَالَةُ الْمُسْتَغِيثِ:

21- إِذَا كَانَ الْمُسْتَغِيثُ عَلَى حَقٍّ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ إِغَاثَةِ الْمُسْلِمِ، لقوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أَيْ إِنِ اسْتَنْقَذُوكُمْ فَأَعِينُوهُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ، فَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْكُمْ، فَلَا تَخْذُلُوهُمْ إِلاَّ أَنْ يَسْتَنْصِرُوكُمْ عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَلَا تَنْصُرُوهُمْ عَلَيْهِمْ.إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا أَسْرَى مُسْتَضْعَفِينَ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ، وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ، حَتَّى لَا تَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرُفُ، حَتَّى نَخْرُجَ إِلَى اسْتِنْقَاذِهِمْ إِنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلُ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ

وَلِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ أُذِلَّ عِنْدَهُ مُؤْمِنٌ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْصُرَهُ، أَذَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

22- أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُسْتَغِيثُ عَلَى بَاطِلٍ، فَإِنْ أَرَادَ النُّزُوعَ عَنْهُ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ اُسْتُنْقِذَ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْبَقَاءَ عَلَى بَاطِلِهِ فَلَا.وَكَذَلِكَ كُلُّ ظَالِمٍ فَإِنَّ نُصْرَتَهُ مُحَرَّمَةٌ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَثَلُ الَّذِي يُعِينُ قَوْمَهُ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ كَمَثَلِ بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَهُوَ يَنْزِعُ بِذَنَبِهِ».وَقَوْلُهُ: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي مُلْكِهِ، وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ لَا يَعْلَمُ أَحَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ فَهُوَ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ».

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِذَا اسْتَغَاثَ الظَّالِمُ وَطَلَبَ شَرْبَةَ مَاءٍ فَأَعْطَيْتَهُ إِيَّاهَا كَانَ ذَلِكَ إِعَانَةً لَهُ عَلَى ظُلْمِهِ.

ضَمَانُ هَلَاكِ الْمُسْتَغِيثِ:

23- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْعَ الْمُسْتَغِيثِ عَمَّا يُنْقِذُ حَيَاتَهُ- مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِغَاثَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ إِنْ لَمْ يُغِثْهُ- يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ، وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ قَتْلَهُ بِيَدِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ فِيهِ الضَّمَانَ (الدِّيَةَ)، وَسَوَّى أَبُو الْخَطَّابِ بَيْنَ طَلَبِ الْغَوْثِ، أَوْ رُؤْيَةِ مَنْ يَحْتَاجُ لِلْغَوْثِ بِلَا طَلَبٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا ضَمَانَ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرِ الْفِعْلَ الْقَاتِلَ.

حُكْمُ مَنْ أَحْجَمَ عَنْ إِجَابَةِ الْمُسْتَغِيثِ.

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْهَلَاكِ:

24- إِذَا اسْتَغَاثَ الْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ مِنَ الْجُوعِ أَوِ الْعَطَشِ وَجَبَتْ إِغَاثَتُهُ، فَإِنْ مُنِعَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ: لِلْمُسْتَغِيثِ أَنْ يُقَاتِلَ بِالسِّلَاحِ، إِنْ كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ مُحَرَّزٍ فِي إِنَاءٍ، لِمَا وَرَدَ عَنِ الْهَيْثَمِ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ وَاسْتَغَاثُوا بِهِمْ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى بِئْرٍ فَأَبَوْا، فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ أَنْ تُقْطَعَ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ- رضي الله عنه-، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: فَهَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلَاحَ.فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ فِي الْمَاءِ حَقُّ الشَّفَةِ.فَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَغَاثُ بِهِمْ حَقَّ الْمُسْتَغِيثِينَ بِقَصْدِ إِتْلَافِهِمْ كَانَ لِلْمُسْتَغِيثِينَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مُحَرَّزًا، فَلَيْسَ لِلَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنَ الْعَطَشِ أَنْ يُقَاتِلَ صَاحِبَ الْمَاءِ بِالسِّلَاحِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَكَذَلِكَ فِي الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُحَرَّزٌ لِصَاحِبِهِ، وَلِهَذَا كَانَ الْآخِذُ ضَامِنًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُقَاتِلُ بِالسِّلَاحِ، وَيَكُونُ دَمُ الْمَانِعِ هَدَرًا.

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ:

25- لِإِغَاثَةِ مَنْ سَيَتَعَرَّضُ لِلْحَدِّ حَالَتَانِ:

الْأُولَى: قَبْلَ أَنْ يَصِلَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ، أَوِ الْحَاكِمِ، يُسْتَحَبُّ إِغَاثَتُهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ عِنْدَ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَعَدَمِ رَفْعِ أَمْرِهِ لِلْحَاكِمِ.

لِمَا رُوِيَ عَنْ «صَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ بُرْدَهُ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ يَا أَبَا وَهْبٍ فَقَطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ».

وَالثَّانِيَةُ: إِذَا وَصَلَ أَمْرُهُ إِلَى الْحَاكِمِ، فَلَا إِغَاثَةَ وَلَا شَفَاعَةَ.لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها-: «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةَ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا».

الِاسْتِغَاثَةُ عِنْدَ الْغَصْبِ:

26- اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى أَنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغِيثَ أَوَّلًا، وَأَنْ يَدْفَعَ الصَّائِلَ أَوِ السَّارِقَ بِغَيْرِ الْقَتْلِ.فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ كَانَ لَيْلًا، أَوْ لَمْ يُغِثْهُ أَحَدٌ، أَوْ مَنَعَهُ الصَّائِلُ، أَوِ السَّارِقُ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ، أَوْ عَاجَلَهُ، فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ- وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا- وَلَوْ بِالْقَتْلِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ عِرْضِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَأَى لِصًّا فَأَصْلَتَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ: فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ.وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: لِصٌّ دَخَلَ بَيْتِي وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ، أَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَيِّ شَيْءٍ قَدَرْتَ.

27- فَإِذَا قَتَلَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ، أَوِ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ السَّارِقَ بِدُونِ اسْتِغَاثَةٍ وَاسْتِعَانَةٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَإِمْكَانِ دَفْعِهِ بِمَا هُوَ دُونَ الْقَتْلِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ رَأْيَانِ:

الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ الْقَوَدُ.

الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَضْمَنُ الْقَاتِلُ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهُ فَإِذَا انْدَفَعَ بِقَلِيلٍ فَلَا يَلْزَمُ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَإِنْ ذَهَبَ مُوَلِّيًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ كَأَهْلِ الْبَغْيِ.فَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ مُتَعَدِّيًا.

الِاسْتِغَاثَةُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْفَاحِشَةِ:

28- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ عِنْدَ الْفَاحِشَةِ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي تُسْقِطُ الْحَدَّ عَنِ الْمُكْرَهَةِ الْأُنْثَى لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


88-موسوعة الفقه الكويتية (أضحية 1)

أُضْحِيَّةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْأُضْحِيَّةُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَوْ كَسْرِهَا، وَجَمْعُهَا الْأَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْضًا، وَيُقَالُ لَهَا: الضَّحِيَّةُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَجَمْعُهَا الضَّحَايَا، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا: الْأَضْحَاةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَجَمْعُهَا الْأَضْحَى، وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ، وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى، أَيِ الْيَوْمُ الَّذِي يُضَحِّي فِيهِ النَّاسُ.وَقَدْ عَرَّفَهَا اللُّغَوِيُّونَ بِتَعْرِيفَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ ضَحْوَةً، أَيْ وَقْتَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَالْوَقْتَ الَّذِي يَلِيهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى نَقَلَهُ صَاحِبُ اللِّسَانِ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ. (وَثَانِيهُمَا) الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَهُ صَاحِبُ اللِّسَانِ أَيْضًا.أَمَّا مَعْنَاهَا فِي الشَّرْعِ: فَهُوَ مَا يُذَكَّى تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ.فَلَيْسَ، مِنَ الْأُضْحِيَّةِ مَا يُذَكَّى لِغَيْرِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَالذَّبَائِحِ الَّتِي تُذْبَحُ لِلْبَيْعِ أَوِ الْأَكْلِ أَوْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ، وَلَيْسَ مِنْهَا مَا يُذَكَّى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَلَوْ لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ مَا يُذَكَّى بِنِيَّةِ الْعَقِيقَةِ عَنِ الْمَوْلُودِ، أَوْ جَزَاءِ التَّمَتُّعِ أَوِ الْقِرَانِ فِي النُّسُكِ، أَوْ جَزَاءِ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ فِي النُّسُكِ، أَوْ يُذَكَّى بِنِيَّةِ الْهَدْيِ كَمَا سَيَأْتِي.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْقُرْبَانُ:

2- الْقُرْبَانُ: مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعَبْدُ إِلَى رَبِّهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الذَّبَائِحِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا.وَالْعَلَاقَةُ الْعَامَّةُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْقَرَابِينِ أَنَّهَا كُلُّهَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَتِ الْقَرَابِينُ مِنَ الذَّبَائِحِ كَانَتْ عَلَاقَةُ الْأُضْحِيَّةِ بِهَا أَشَدَّ، لِأَنَّهَا يَجْمَعُهَا كَوْنُهَا ذَبَائِحَ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، فَالْقُرْبَانُ أَعَمُّ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ.

ب- الْهَدْيُ:

3- الْهَدْيُ: مَا يُذَكَّى مِنَ الْأَنْعَامِ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ، أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ النُّسُكِ، أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ النُّسُكِ، حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً، أَوْ لِمَحْضِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَطَوُّعًا.وَيَشْتَرِكُ الْهَدْيُ مَعَ الْأُضْحِيَّةِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ذَبِيحَةٌ، وَمِنَ الْأَنْعَامِ، وَتُذْبَحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.وَيَفْتَرِقُ الْهَدْيُ ذُو السَّبَبِ عَنِ الْأُضْحِيَّةِ افْتِرَاقًا ظَاهِرًا، فَإِنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَا تَقَعُ عَنْ تَمَتُّعٍ وَلَا قِرَانٍ، وَلَا تَكُونُ كَفَّارَةً لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ.وَأَمَّا الْهَدْيُ الَّذِي قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ الْمَحْضُ فَإِنَّهُ يَشْتَبِهُ بِالْأُضْحِيَّةِ اشْتِبَاهًا عَظِيمًا، لَا سِيَّمَا أُضْحِيَّةُ الْمُقِيمِينَ بِمِنًى مِنْ أَهْلِهَا وَمِنَ الْحُجَّاجِ، فَإِنَّهَا ذَبِيحَةٌ مِنَ الْأَنْعَامِ ذُبِحَتْ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ صِفَاتٌ لِلْهَدْيِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، فَمَا نُوِيَ بِهِ الْهَدْيُ كَانَ هَدْيًا، وَمَا نُوِيَ بِهِ التَّضْحِيَةُ كَانَ أُضْحِيَّةً.فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ نِيَّةَ أَلْفَاظٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَعَانٍ، فَمَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي يَخْطِرُ بِبَالِ النَّاوِي، حِينَ يَنْوِي الْهَدْيَ، وَحِينَ يَنْوِي الْأُضْحِيَّةَ حَتَّى تَكُونَ النِّيَّةُ فَارِقَةً بَيْنَهُمَا؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ نَاوِيَ الْهَدْيِ يَخْطِرُ بِبَالِهِ الْإِهْدَاءُ إِلَى الْحَرَمِ وَتَكْرِيمُهُ، وَنَاوِيَ الْأُضْحِيَّةِ يَخْطِرُ بِبَالِهِ الذَّبْحُ الْمُخْتَصُّ بِالْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ الْإِهْدَاءِ إِلَى الْحَرَمِ.هَذَا، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَاجَّ لَا يُضَحِّي كَمَا سَيَأْتِي، فَيَكُونُ الْفَرْقُ عِنْدَهُمْ بَيْنَ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْأُضْحِيَّةِ ظَاهِرًا، فَإِنَّ مَا يَقُومُ بِهِ الْحَاجُّ يَكُونُ هَدْيًا، وَمَا يَقُومُ بِهِ غَيْرُ الْحَاجِّ يَكُونُ أُضْحِيَّةً.

ج- الْعَقِيقَةُ:

4- الْعَقِيقَةُ مَا يُذَكَّى مِنَ النَّعَمِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ، مِنْ وِلَادَةِ مَوْلُودٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا تُخَالِفُ الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي هِيَ شُكْرٌ عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، لَا عَلَى الْإِنْعَامِ بِالْمَوْلُودِ، فَلَوْ وُلِدَ لِإِنْسَانٍ مَوْلُودٌ فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَذَبَحَ عَنْهُ شُكْرًا عَلَى إِنْعَامِ اللَّهِ بِوِلَادَتِهِ كَانَتِ الذَّبِيحَةُ عَقِيقَةً.وَإِنْ ذَبَحَ عَنْهُ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى إِنْعَامِهِ عَلَى الْمَوْلُودِ نَفْسِهِ بِالْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْخَاصِّ، كَانَتِ الذَّبِيحَةُ أُضْحِيَّةً.

د- الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ:

5- الْفَرْعُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ الْفَرَعَةُ: أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ، رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا، ثُمَّ صَارَ الْمُسْلِمُونَ يَذْبَحُونَهُ لِلَّهِ تَعَالَى.وَالْعَتِيرَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ: ذَبِيحَةٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ لآِلِهَتِهِمْ وَيُسَمُّونَهَا الْعِتْرَ (بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ) وَالرَّجِيبَةُ أَيْضًا، ثُمَّ صَارَ الْمُسْلِمُونَ يَذْبَحُونَهَا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ وَلَا تَقَيُّدٍ بِزَمَنٍ.وَعَلَاقَةُ الْأُضْحِيَّةِ بِهِمَا أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ مَعَهَا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ ذَبَائِحُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ.فَإِنَّ الْفَرَعَ يَقْصِدُ بِهِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَوَّلِ نِتَاجٍ تُنْتِجُهُ النَّاقَةُ وَغَيْرُهَا وَرَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيهَا، وَالْعَتِيرَةُ يَقْصِدُ بِهَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ إِلَى وَقْتِ ذَبْحِهَا.وَالْأُضْحِيَّةُ يَقْصِدُ بِهَا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ إِلَى حُلُولِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الْحَرَامِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْأُضْحِيَّةِ وَدَلِيلُهَا:

6- الْأُضْحِيَّةُ مَشْرُوعَةٌ إِجْمَاعًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرِ الْبُدْنَ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَحَادِيثُ تَحْكِي فِعْلَهُ- صلى الله عليه وسلم- لَهَا، وَأُخْرَى تَحْكِي قَوْلَهُ فِي بَيَانِ فَضْلِهَا وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا وَالتَّنْفِيرِ مِنْ تَرْكِهَا.فَمِنْ ذَلِكَ مَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا».وَأَحَادِيثُ أُخْرَى سَيَأْتِي بَعْضُهَا مِنْهَا قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا».وَقَدْ شُرِعَتِ التَّضْحِيَةُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَزَكَاةُ الْمَالِ.

أَمَّا حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا، فَهِيَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ الْحَيَاةِ، وَإِحْيَاءُ سُنَّةِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حِينَ أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ اسْمُهُ بِذَبْحِ الْفِدَاءِ عَنْ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَنْ يَتَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ أَنَّ صَبْرَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَإِيثَارَهُمَا طَاعَةَ اللَّهِ وَمَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ النَّفْسِ وَالْوَلَدِ كَانَا سَبَبَ الْفِدَاءِ وَرَفْعَ الْبَلَاءِ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ اقْتَدَى بِهِمَا فِي الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَتَقْدِيمِ مَحَبَّتِهِ عَلَى هَوَى النَّفْسِ وَشَهْوَتِهَا.

وَقَدْ يُقَالُ: أَيُّ عَلَاقَةٍ بَيْنَ إِرَاقَةِ الدَّمِ وَبَيْنَ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ هَذِهِ الْإِرَاقَةَ وَسِيلَةٌ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى النَّفْسِ وَأَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِكْرَامِ الْجَارِ وَالضَّيْفِ، وَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْفَقِيرِ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مَظَاهِرُ لِلْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَهَذَا تَحَدُّثٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ عَزَّ اسْمُهُ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. (ثَانِيهِمَا) الْمُبَالَغَةُ فِي تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَنْعَامَ لِنَفْعِ الْإِنْسَانِ، وَأَذِنَ فِي ذَبْحِهَا وَنَحْرِهَا لِتَكُونَ طَعَامًا لَهُ.فَإِذَا نَازَعَهُ فِي حِلِّ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ مُنَازِعٌ تَمْوِيهًا بِأَنَّهُمَا مِنَ الْقَسْوَةِ وَالتَّعْذِيبِ لِذِي رُوحٍ تَسْتَحِقُّ الرَّحْمَةَ وَالْإِنْصَافَ، كَانَ رَدُّهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَنَا وَخَلَقَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ، وَأَمَرَنَا بِرَحْمَتِهَا وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا، أَخْبَرَنَا وَهُوَ الْعَلِيمُ بِالْغَيْبِ أَنَّهُ خَلَقَهَا لَنَا وَأَبَاحَ تَذْكِيَتَهَا، وَأَكَّدَ هَذِهِ الْإِبَاحَةَ بِأَنْ جَعَلَ هَذِهِ التَّذْكِيَةَ قُرْبَةً فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ:

7- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ.وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٍ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى السُّنِّيَّةِ بِأَدِلَّةٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ بَشَرِهِ شَيْئًا».وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّسُولَ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ» فَجَعَلَهُ مُفَوَّضًا إِلَى إِرَادَتِهِ، وَلَوْ كَانَتِ التَّضْحِيَةُ وَاجِبَةً لَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: «فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ».وَمِنْهَا أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ- رضي الله عنهما- كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، مَخَافَةَ أَنْ يُرَى ذَلِكَ وَاجِبًا.وَهَذَا الصَّنِيعُ مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا عَلِمَا مِنَ الرَّسُول- صلى الله عليه وسلم- عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ.

8- وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرِ الْبُدْنَ، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَمَتَى وَجَبَ عَلَى النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم- وَجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ قُدْوَتُهَا.وَبِقَوْلِ النَّبِيّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا»، وَهَذَا كَالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ التَّضْحِيَةِ، وَالْوَعِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ.وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ شَاةً مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ»، فَإِنَّهُ أَمَرَ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَبِإِعَادَتِهَا إِذَا ذُكِّيَتْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ.ثُمَّ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ يَقُولُونَ: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَيْنًا عَلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْوُجُوبِ.فَالْأُضْحِيَّةُ الْوَاحِدَةُ كَالشَّاةِ وَسُبْعِ الْبَقَرَةِ وَسُبْعِ الْبَدَنَةِ إِنَّمَا تُجْزِئُ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ.

9- وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالسُّنِّيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ أَيْضًا، كَالْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَعِنْدَهُ لَا يُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاحِدَةُ عَنِ الشَّخْصِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ وَلَوْ حُكْمًا، بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُطَالَبٌ بِهَا، وَإِذَا فَعَلَهَا وَاحِدٌ بِنِيَّةِ نَفْسِهِ وَحْدَهُ لَمْ تَقَعْ إِلاَّ عَنْهُ، وَإِذَا فَعَلَهَا بِنِيَّةِ إِشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي الثَّوَابِ، أَوْ بِنِيَّةِ كَوْنِهَا لِغَيْرِهِ أَسْقَطَتِ الطَّلَبَ عَمَّنْ أَشْرَكَهُمْ أَوْ أَوْقَعَهَا عَنْهُمْ.وَهَذَا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا ضَحَّى نَاوِيًا نَفْسَهُ فَقَطْ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْهُ، وَإِذَا ضَحَّى نَاوِيًا نَفْسَهُ وَأَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ، وَقَعَتِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُمْ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ فِي الثَّوَابِ- قَبْلَ الذَّبْحِ- وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ بِثَلَاثِ شَرَائِطَ: (الْأُولَى): أَنْ يَسْكُنَ مَعَهُ.

(الثَّانِيَةُ): أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا لَهُ وَإِنْ بَعُدَتِ الْقَرَابَةُ، أَوْ زَوْجَةً. (الثَّالِثَةُ): أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ يُشْرِكُهُ وُجُوبًا كَأَبَوَيْهِ وَصِغَارِ وَلَدِهِ الْفُقَرَاءِ، أَوْ تَبَرُّعًا كَالْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ وَكَعَمٍّ وَأَخٍ وَخَالٍ.فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ سَقَطَ الطَّلَبُ عَمَّنْ أَشْرَكَهُمْ.وَإِذَا ضَحَّى بِشَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا نَاوِيًا غَيْرَهُ فَقَطْ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكِ نَفْسِهِ مَعَهُمْ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْهُمْ بِهَذِهِ التَّضْحِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِمُ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثُ السَّابِقَةُ.وَلَا بُدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْأُضْحِيَّةُ مِلْكًا خَاصًّا لِلْمُضَحِّي، فَلَا يُشَارِكُوهُ فِيهَا وَلَا فِي ثَمَنِهَا، وَإِلاَّ لَمْ تُجْزِئْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي شَرَائِطِ الصِّحَّةِ.

10- وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِالسُّنِّيَّةِ مَنْ يَجْعَلُهَا سُنَّةَ عَيْنٍ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَسُنَّةَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ، وَهَذَا رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الشَّخْصَ يُضَحِّي بِالْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ- وَلَوْ كَانَتْ شَاةً- عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَفْسِيرَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِأَهْلِ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ (وَالرَّاجِحُ) تَفْسِيرَانِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُ الشَّخْصَ نَفَقَتُهُمْ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ. (ثَانِيهِمَا) مَنْ تَجْمَعُهُمْ نَفَقَةُ مُنْفِقٍ وَاحِدٍ وَلَوْ تَبَرُّعًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ.

قَالُوا: وَمَعْنَى كَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ- مَعَ كَوْنِهَا تُسَنُّ لِكُلِّ قَادِرٍ مِنْهُمْ عَلَيْهَا- سُقُوطُ الطَّلَبِ عَنْهُمْ بِفِعْلِ وَاحِدٍ رَشِيدٍ مِنْهُمْ، لَا حُصُولُ الثَّوَابِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، إِلاَّ إِذَا قَصَدَ الْمُضَحِّي تَشْرِيكَهُمْ فِي الثَّوَابِ.وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى كَوْنِ التَّضْحِيَةِ سُنَّةَ كِفَايَةٍ عَنِ الرَّجُلِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا نُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً».وَهَذِهِ الصِّيغَةُ الَّتِي قَالَهَا أَبُو أَيُّوبَ- رضي الله عنه- تَقْتَضِي أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.الْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَةُ:

11- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَذْرَ التَّضْحِيَةِ يُوجِبُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا، وَهُوَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا لِمُعَيَّنَةٍ نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَذْرًا فِي الذِّمَّةِ لِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لِمَضْمُونَةٍ، كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ، أَوْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ.فَمَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِمُعَيَّنَةٍ لَزِمَهُ التَّضْحِيَةُ بِهَا فِي الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً مَثَلًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّضْحِيَةُ بِهَا فِي الْوَقْتِ.وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ مُعَيَّنَةً، وَبِهَا عَيْبٌ مُخِلٌّ بِالْإِجْزَاءِ صَحَّ نَذْرُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا فِي الْوَقْتِ، وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهَا.وَمَنْ نَذَرَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ، ثُمَّ عَيَّنَ شَاةً بِهَا عَيْبٌ مُخِلٌّ بِالْإِجْزَاءِ لَمْ يَصِحَّ تَعْيِينُهُ إِلاَّ إِذَا كَانَ قَدْ نَذَرَهَا مَعِيبَةً، كَأَنْ قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ عَرْجَاءَ بَيِّنَةِ الْعَرَجِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ مِثْلَ مَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ أَجَازُوا إِبْدَالَ الْمُعَيَّنَةِ بِخَيْرٍ مِنْهَا، لِأَنَّ هَذَا أَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ.وَدَلِيلُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ بِالنَّذْرِ: أَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ كَهَدْيِ التَّمَتُّعِ، فَتَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْقُرَبِ، وَالْوُجُوبُ بِسَبَبِ النَّذْرِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ.

أُضْحِيَّةُ التَّطَوُّعِ:

12- مَنْ لَمْ تَجِبِ التَّضْحِيَةُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِهَا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ، وَلِعَدَمِ تَوَفُّرِ شُرُوطِ السُّنِّيَّةِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ، فَالْأُضْحِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ تَطَوُّعًا.

شُرُوطُ وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ سُنِّيَّتُهَا:

13- الْأُضْحِيَّةُ إِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِالنَّذْرِ فَشَرَائِطُ وُجُوبِهَا هِيَ شَرَائِطُ النَّذْرِ، وَهِيَ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالِاخْتِيَارُ، وَلِتَفْصِيلِهَا يُرَاجَعُ بَابُ النَّذْرِ.

وَإِذَا كَانَتْ وَاجِبَةً بِالشَّرْعِ (عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ) فَشُرُوطُ وُجُوبِهَا أَرْبَعَةٌ، وَزَادَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ شَرْطَيْنِ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ بَعْضُهَا مُشْتَرَطَةٌ فِي سُنِّيَّتِهَا أَيْضًا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ شَرْطًا فِي سُنِّيَّتِهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا يَلِي:

14- (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ): الْإِسْلَامُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ، وَلَا تُسَنُّ لَهُ، لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وُجُودُ الْإِسْلَامِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الَّذِي تُجْزِئُ فِيهِ التَّضْحِيَةُ، بَلْ يَكْفِي وُجُودُهُ آخِرَ الْوَقْتِ، لِأَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ يَفْضُلُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَيَكْفِي فِي وُجُوبِهَا بَقَاءُ جُزْءٍ مِنَ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ وَالْقَائِلِينَ بِالسُّنِّيَّةِ، بَلْ إِنَّهُ أَيْضًا شَرْطٌ لِلتَّطَوُّعِ.

15- (الشَّرْطُ الثَّانِي): الْإِقَامَةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ، لِأَنَّهَا لَا تَتَأَدَّى بِكُلِّ مَالٍ وَلَا فِي كُلِّ زَمَانٍ، بَلْ بِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ، وَالْمُسَافِرُ لَا يَظْفَرُ بِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ لَاحْتَاجَ لِحَمْلِ الْأُضْحِيَّةِ مَعَ نَفْسِهِ، وَفِيهِ مِنَ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى، أَوِ احْتَاجَ إِلَى تَرْكِ السَّفَرِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ، فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى امْتِنَاعِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُقِيمِ وَلَوْ كَانَ حَاجًّا، لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُخَلِّفُ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ أَهْلِهِ أَثْمَانَ الضَّحَايَا، وَذَلِكَ لِيُضَحُّوا عَنْهُ تَطَوُّعًا.وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِيُضَحُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَا عَنْهُ، فَلَا يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ.

هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالسُّنِّيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ هَذَا الشَّرْطُ، وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّطَوُّعِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى سُنِّيَّتِهَا وَلَا التَّطَوُّعِ بِهَا حَرَجٌ.

16- (الشَّرْطُ الثَّالِثُ): الْغِنَى- وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْيَسَارِ- لِحَدِيثِ «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا» وَالسَّعَةُ هِيَ الْغِنَى، وَيَتَحَقَّقُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ مِائَتَا دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرُونَ دِينَارًا، أَوْ شَيْءٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ، سِوَى مَسْكَنِهِ وَحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَدُيُونِهِ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَتَحَقَّقُ الْغِنَى بِأَلاَّ تُجْحِفَ الْأُضْحِيَّةُ بِالْمُضَحِّي، بِأَلاَّ يَحْتَاجَ لِثَمَنِهَا فِي ضَرُورِيَّاتِهِ فِي عَامِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّمَا تُسَنُّ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَنْ مَلَكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْأُضْحِيَّةُ، فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَيْلَتِهِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَلَيَالِيِهَا.

17- (الشَّرْطَانِ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ): الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ، وَهَذَانِ الشَّرْطَانِ اشْتَرَطَهُمَا مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ، فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ التَّضْحِيَةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إِذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ، فَلَوْ ضَحَّى الْأَبُ أَوِ الْوَصِيُّ عَنْهَا مِنْ مَالِهِمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ، وَهَذَا الْخِلَافُ كَالْخِلَافِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.وَلِتَفْصِيلِ حُجَجِ الْفَرِيقَيْنِ يُرْجَعُ لِمُصْطَلَحِ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ).

18- وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي الْجُنُونِ وَالْإِفَاقَةِ، فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ مُفِيقًا وَجَبَتْ مِنْ مَالِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ: إِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ كَيْفَمَا كَانَ.

وَهَذَا الَّذِي قَرَّرَهُ صَاحِبُ «الْبَدَائِعِ» يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، لَكِنْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَاعْتَمَدَهُ صَاحِبُ «الدُّرِّ الْمُخْتَارِ» نَاقِلًا عَنْ مَتْنِ «مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ» أَنَّهُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَدَّمَهُ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ، وَهِيَ «قِيلَ».هَذَا كُلُّهُ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ فِي سُنِّيَّةِ التَّضْحِيَةِ الْبُلُوغُ وَلَا الْعَقْلُ، فَيُسَنُّ لِلْوَلِيِّ التَّضْحِيَةُ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مِنْ مَالِهِمَا، وَلَوْ كَانَا يَتِيمَيْنِ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ مَحْجُورِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا، وَكَأَنَّهُ مَلَكَهَا لَهُمْ وَذَبَحَهَا عَنْهُمْ، فَيَقَعُ لَهُ ثَوَابُ التَّبَرُّعِ لَهُمْ، وَيَقَعُ لَهُمْ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ.وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْيَتِيمِ الْمُوسِرِ: يُضَحِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ مِنْ مَالِهِ، أَيْ مَالِ الْمَحْجُورِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ.

19- هَذَا وَقَدِ انْفَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ بِذِكْرِ شَرْطٍ لِسُنِّيَّةِ التَّضْحِيَةِ، وَهُوَ أَلاَّ يَكُونَ الشَّخْصُ حَاجًّا، فَالْحَاجُّ لَا يُطَالَبُ بِالتَّضْحِيَةِ شَرْعًا، سَوَاءٌ، أَكَانَ بِمِنًى أَمْ بِغَيْرِهَا، وَغَيْرُ الْحَاجِّ هُوَ الْمُطَالَبُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا أَوْ كَانَ بِمِنًى.وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ عَلَى حَاجٍّ مُسَافِرٍ.

20- هَذَا وَلَيْسَتِ الذُّكُورَةُ وَلَا الْمِصْرُ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَلَا السُّنِّيَّةِ، فَكَمَا تَجِبُ عَلَى الذُّكُورِ تَجِبُ عَلَى الْإِنَاثِ، وَكَمَا تَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْأَمْصَارِ تَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِينَ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي، لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ أَوِ السُّنِّيَّةِ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ.

تَضْحِيَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ عَنْ وَلَدِهِ:

21- إِذَا كَانَ الْوَلَدُ كَبِيرًا فَلَا يَجِبُ عَلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُ، أَمَّا الْوَلَدُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ الصَّغِيرَانِ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا مَالٌ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ:

(أُولَاهُمَا): أَنَّهَا لَا تَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَخُصُوصًا الْقُرُبَاتُ، لقوله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}.وَقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ {لَهَا مَا كَسَبَتْ}.

وَلِهَذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الْكَبِيرَيْنِ.

(ثَانِيَتُهُمَا): أَنَّهَا تَجِبُ، لِأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ جُزْؤُهُ وَكَذَا وَلَدَ ابْنِهِ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ ابْنِهِ قِيَاسًا عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ.

ثُمَّ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ- وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ- يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ ابْنِهِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَالْمَقْصُودُ بِوَلَدِ ابْنِهِ هُوَ الْيَتِيمُ الَّذِي تَحْتَ وِلَايَةِ جَدِّهِ.وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ.

شُرُوطُ صِحَّةِ الْأُضْحِيَّةِ

22- لِلتَّضْحِيَةِ شَرَائِطُ تَشْمَلُهَا وَتَشْمَلُ كُلَّ الذَّبَائِحِ، وَلِتَفْصِيلِهَا (ر: ذَبَائِحُ).وَشَرَائِطُ تَخْتَصَّ بِهَا، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَرْجِعُ إِلَى الْأُضْحِيَّةِ، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إِلَى الْمُضَحِّي، وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إِلَى وَقْتِ التَّضْحِيَةِ.

النَّوْعُ الْأَوَّلُ: شُرُوطُ الْأُضْحِيَّةِ فِي ذَاتِهَا:

23- (الشَّرْطُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ: أَنْ تَكُونَ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الْإِبِلُ عِرَابًا كَانَتْ أَوْ بَخَاتِيَّ، وَالْبَقَرَةُ الْأَهْلِيَّةُ وَمِنْهَا الْجَوَامِيسُ وَالْغَنَمُ ضَأْنًا كَانَتْ أَوْ مَعْزًا وَيُجْزِئُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ.

فَمَنْ ضَحَّى بِحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ غَيْرِ الْأَنْعَامِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الدَّوَابِّ أَمِ الطُّيُورِ، لَمْ تَصِحَّ تَضْحِيَتُهُ بِهِ، لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وَلِأَنَّهُ لَمْ تُنْقَلِ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِ الْأَنْعَامِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ ذَبَحَ دَجَاجَةً أَوْ دِيكًا بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لَمْ يُجْزِئْ.

وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ سَبْعَةٍ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ»، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ- رضي الله عنهم-، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَالِمٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُجْزِئُ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ عَنْ سَبْعَةٍ» وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُجْزِئُ الِاشْتِرَاكُ فِي اللَّحْمِ أَوِ الثَّمَنِ، لَا فِي الشَّاةِ وَلَا فِي الْبَدَنَةِ وَلَا فِي الْبَقَرَةِ، وَلَكِنْ تُجْزِئُ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا شَخْصٌ وَاحِدٌ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَبَوَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، وَكَذَلِكَ يُجْزِئُ أَنْ يُضَحِّيَ الْإِنْسَانُ بِالْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا وَحْدَهُ نَاوِيًا إِشْرَاكَ غَيْرِهِ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ، أَوْ نَاوِيًا كَوْنَهَا كُلَّهَا عَنْ غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ (ف9).

24- (الشَّرْطُ الثَّانِي): أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ التَّضْحِيَةِ، بِأَنْ تَكُونَ ثَنِيَّةً أَوْ فَوْقَ الثَّنِيَّةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْمَعْزِ، وَجَذَعَةً أَوْ فَوْقَ الْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ، فَلَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا دُونَ الثَّنِيَّةِ مِنْ غَيْرِ الضَّأْنِ، وَلَا بِمَا دُونَ الْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ».وَالْمُسِنَّةُ مِنْ كُلِّ الْأَنْعَامِ هِيَ الثَّنِيَّةُ فَمَا فَوْقَهَا.حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ.

وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «نِعْمَتِ الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ».

وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الثَّنِيَّةِ وَالْجَذَعَةِ.

25- فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ مَا أَتَمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: مَا أَتَمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَشَيْئًا.وَأَيًّا مَا كَانَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَوْ خُلِطَ بِالثَّنَايَا لَاشْتَبَهَ عَلَى النَّاظِرِينَ مِنْ بَعِيدٍ.وَالثَّنِيُّ

مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ ابْنُ سَنَةٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ ابْنُ سَنَتَيْنِ، وَمِنَ الْإِبِلِ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ مَا بَلَغَ سَنَةً (قَمَرِيَّةً) وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ مُجَرَّدَ دُخُولٍ، وَفَسَّرُوا الثَّنِيَّ مِنَ الْمَعْزِ بِمَا بَلَغَ سَنَةً، وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ دُخُولًا بَيِّنًا، كَمُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَ السَّنَةِ، وَفَسَّرُوا الثَّنِيَّ مِنَ الْبَقَرِ بِمَا بَلَغَ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَلَوْ دُخُولًا غَيْرَ بَيِّنٍ، وَالثَّنِيَّ مِنَ الْإِبِلِ بِمَا بَلَغَ خَمْسًا وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ وَلَوْ دُخُولًا غَيْرَ بَيِّنٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَذَعَ مَا بَلَغَ سَنَةً، وَقَالُوا: لَوْ أَجْذَعَ بِأَنْ أَسْقَطَ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهِ قَبْلَ السَّنَةِ وَبَعْدَ تَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَكْفِي، وَفَسَّرُوا الثَّنِيَّ مِنَ الْمَعْزِ بِمَا بَلَغَ سَنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ.

26- (الشَّرْطُ الثَّالِثُ): سَلَامَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ.

وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا يَأْتِي:

(1) الْعَمْيَاءُ.

(2) الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ بَصَرُ إِحْدَى عَيْنَيْهَا، وَفَسَّرَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا الَّتِي انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا وَذَهَبَتْ، لِأَنَّهَا عُضْوٌ مُسْتَطَابٌ، فَلَوْ لَمْ تَذْهَبِ الْعَيْنُ أَجْزَأَتْ عِنْدَهُمْ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ يَمْنَعُ الْإِبْصَارَ.

(3) مَقْطُوعَةُ اللِّسَانِ بِالْكُلِّيَّةِ.

(4) مَا ذَهَبَ مِنْ لِسَانِهَا مِقْدَارٌ كَثِيرٌ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضُرُّ قَطْعُ بَعْضِ اللِّسَانِ وَلَوْ قَلِيلًا.

(5) الْجَدْعَاءُ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَنْفِ.

(6) مَقْطُوعَةُ الْأُذُنَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، وَكَذَا السَّكَّاءُ وَهِيَ: فَاقِدَةُ الْأُذُنَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا خِلْقَةً وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي السَّكَّاءِ.

(7) مَا ذَهَبَ مِنْ إِحْدَى أُذُنَيْهَا مِقْدَارٌ كَثِيرٌ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْكَثِيرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ فِي رِوَايَةٍ، وَالثُّلُثُ فَأَكْثَرُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَالنِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالرُّبْعُ أَوْ أَكْثَرُ فِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يَضُرُّ ذَهَابُ ثُلُثِ الْأُذُنِ أَوْ أَقَلُّ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضُرُّ ذَهَابُ بَعْضِ الْأُذُنِ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَضُرُّ ذَهَابُ أَكْثَرِ الْأُذُنِ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ حَدِيثُ: «إِنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى أَنْ يُضَحِّيَ بِعَضْبَاءِ الْأُذُنِ».

(8) الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْدِرُ أَنْ تَمْشِيَ بِرِجْلِهَا إِلَى الْمَنْسَكِ- أَيِ الْمَذْبَحِ- وَفَسَّرَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِاَلَّتِي لَا تَسِيرُ بِسَيْرِ صَوَاحِبِهَا.

(9) الْجَذْمَاءُ وَهِيَ: مَقْطُوعَةُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ، وَكَذَا فَاقِدَةُ إِحْدَاهُمَا خِلْقَةً.

(10) الْجَذَّاءُ وَهِيَ: الَّتِي قُطِعَتْ رُءُوسُ ضُرُوعِهَا أَوْ يَبِسَتْ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضُرُّ قَطْعُ بَعْضِ الضَّرْعِ، وَلَوْ قَلِيلًا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الَّتِي لَا تُجْزِئُ هِيَ يَابِسَةُ الضَّرْعِ جَمِيعِهِ، فَإِنْ أَرْضَعَتْ بِبَعْضِهِ أَجْزَأَتْ.

(11) مَقْطُوعَةُ الْأَلْيَةِ، وَكَذَا فَاقِدَتُهَا خِلْقَةً، وَخَالَفَ الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا بِإِجْزَاءِ فَاقِدَةِ الْأَلْيَةِ خِلْقَةً، بِخِلَافِ مَقْطُوعَتِهَا.

(12) مَا ذَهَبَ مِنْ أَلْيَتِهَا مِقْدَارٌ كَثِيرٌ.وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضُرُّ ذَهَابُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ وَلَوْ قَلِيلًا.

(13) مَقْطُوعَةُ الذَّنَبِ، وَكَذَا فَاقِدَتُهُ خِلْقَةً، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْبَتْرَاءِ، وَخَالَفَ الْحَنَابِلَةُ فِيهِمَا فَقَالُوا: إِنَّهُمَا يُجْزِئَانِ.وَخَالَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى.

(14) مَا ذَهَبَ مِنْ ذَنَبِهَا مِقْدَارٌ كَثِيرٌ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا تُجْزِئُ ذَاهِبَةُ ثُلُثِهِ فَصَاعِدًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَضُرُّ قَطْعُ بَعْضِهِ وَلَوْ قَلِيلًا.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يَضُرُّ قَطْعُ الذَّنَبِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا.

(15) الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، أَيِ الَّتِي يَظْهَرُ مَرَضُهَا لِمَنْ يَرَاهَا.

(16) الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي، وَهِيَ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي ذَهَبَ نَقْيُهَا، وَهُوَ الْمُخُّ الَّذِي فِي دَاخِلِ الْعِظَامِ، فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، لِأَنَّ تَمَامَ الْخِلْقَةِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ، فَإِذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ كَانَ تَقْصِيرًا.

(17) مُصَرَّمَةُ الْأَطِبَّاءِ، وَهِيَ الَّتِي عُولِجَتْ حَتَّى انْقَطَعَ لَبَنُهَا.

(18) الْجَلاَّلَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَلَا تَأْكُلُ غَيْرَهَا، مِمَّا لَمْ تُسْتَبْرَأْ بِأَنْ تُحْبَسَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِنْ كَانَتْ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا إِنْ كَانَتْ مِنَ الْبَقَرِ، أَوْ عَشْرَةً إِنْ كَانَتْ مِنَ الْغَنَمِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


89-موسوعة الفقه الكويتية (بدعة 1)

بِدْعَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْبِدْعَةُ لُغَةً: مِنْ بَدَعَ الشَّيْءَ يَبْدَعُهُ بَدْعًا، وَابْتَدَعَهُ: إِذَا أَنْشَأَهُ وَبَدَأَهُ.

وَالْبِدْعُ: الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ أَوَّلًا، وَمِنْهُ قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} أَيْ لَسْتُ بِأَوَّلِ رَسُولٍ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ، بَلْ قَدْ جَاءَتِ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلُ، فَمَا أَنَا بِالْأَمْرِ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ حَتَّى تَسْتَنْكِرُونِي.

وَالْبِدْعَةُ: الْحَدَثُ، وَمَا ابْتُدِعَ فِي الدِّينِ بَعْدَ الْإِكْمَالِ.

وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ: الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَأْتِي أَمْرًا عَلَى شَبَهٍ لَمْ يَكُنْ، بَلِ ابْتَدَأَهُ هُوَ.وَأَبْدَعَ وَابْتَدَعَ وَتَبَدَّعَ: أَتَى بِبِدْعَةٍ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} وَبَدَّعَهُ: نَسَبَهُ إِلَى الْبِدْعَةِ، وَالْبَدِيعُ: الْمُحْدَثُ الْعَجِيبُ، وَأَبْدَعْتُ الشَّيْءَ: اخْتَرَعْتُهُ لَا عَلَى مِثَالٍ، وَالْبَدِيعُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: الْمُبْدِعُ، لِإِبْدَاعِهِ الْأَشْيَاءَ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا.

أَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ، فَقَدْ تَعَدَّدَتْ تَعْرِيفَاتُ الْبِدْعَةِ وَتَنَوَّعَتْ؛ لِاخْتِلَافِ أَنْظَارِ الْعُلَمَاءِ فِي مَفْهُومِهَا وَمَدْلُولِهَا.

فَمِنْهُمْ مَنْ وَسَّعَ مَدْلُولَهَا، حَتَّى أَطْلَقَهَا عَلَى كُلِّ مُسْتَحْدَثٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، فَتَقَلَّصَ بِذَلِكَ مَا يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَسَنُوجِزُ هَذَا فِي اتِّجَاهَيْنِ.

الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ:

2- أَطْلَقَ أَصْحَابُ الِاتِّجَاهِ الْأَوَّلِ الْبِدْعَةَ عَلَى كُلِّ حَادِثٍ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْعِبَادَاتِ أَمِ الْعَادَاتِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَذْمُومًا أَمْ غَيْرَ مَذْمُومٍ.وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَمِنْ أَتْبَاعِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَالنَّوَوِيُّ، وَأَبُو شَامَةَ.وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ: الْقَرَافِيُّ، وَالزَّرْقَانِيُّ.وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ: ابْنُ عَابِدِينَ.وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ: ابْنُ الْجَوْزِيِّ.وَمِنَ الظَّاهِرِيَّةِ: ابْنُ حَزْمٍ.

وَيَتَمَثَّلُ هَذَا الِاتِّجَاهُ فِي تَعْرِيفِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِلْبِدْعَةِ وَهُوَ: أَنَّهَا فِعْلُ مَا لَمْ يُعْهَدْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى بِدْعَةٍ وَاجِبَةٍ، وَبِدْعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، وَبِدْعَةٍ مَنْدُوبَةٍ، وَبِدْعَةٍ مَكْرُوهَةٍ، وَبِدْعَةٍ مُبَاحَةٍ.

وَضَرَبُوا لِذَلِكَ أَمْثِلَةً:

فَالْبِدْعَةُ الْوَاجِبَةُ: كَالِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ النَّحْوِ الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَذَلِكَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِحِفْظِ الشَّرِيعَةِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.وَالْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْ أَمْثِلَتِهَا: مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ، وَالْجَبْرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْخَوَارِجِ.وَالْبِدْعَةُ الْمَنْدُوبَةُ: مِثْلُ إِحْدَاثِ الْمَدَارِسِ، وَبِنَاءِ الْقَنَاطِرِ، وَمِنْهَا صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ.

وَالْبِدْعَةُ الْمَكْرُوهَةُ: مِثْلُ زَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ، وَتَزْوِيقِ الْمَصَاحِفِ.

وَالْبِدْعَةُ الْمُبَاحَةُ: مِثْلُ الْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ، وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ.وَاسْتَدَلُّوا لِرَأْيِهِمْ فِي تَقْسِيمِ الْبِدْعَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

(أ) قَوْلُ عُمَرَ- رضي الله عنه- فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ.فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ.فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ، فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ.يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ.وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.

(ب) تَسْمِيَةُ ابْنِ عُمَرَ صَلَاةَ الضُّحَى جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ بِدْعَةً، وَهِيَ مِنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ.رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ- فَقَالَ: بِدْعَةٌ.

(ج) الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُفِيدُ انْقِسَامَ الْبِدْعَةِ إِلَى الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ، وَمِنْهَا مَا رُوِيَ مَرْفُوعًا: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

الِاتِّجَاهُ الثَّانِي:

3- اتَّجَهَ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى ذَمِّ الْبِدْعَةِ، وَقَرَّرُوا أَنَّ الْبِدْعَةَ كُلَّهَا ضَلَالَةٌ، سَوَاءٌ فِي الْعَادَاتِ أَوِ الْعِبَادَاتِ.وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالشَّاطِبِيُّ وَالطُّرْطُوشِيُّ.وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ: الْإِمَامُ الشُّمُنِّيُّ، وَالْعَيْنِيُّ.وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ: الْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ.وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ: ابْنُ رَجَبٍ، وَابْنُ تَيْمِيَةَ.

وَأَوْضَحُ تَعْرِيفٍ يُمَثِّلُ هَذَا الِاتِّجَاهَ هُوَ تَعْرِيفُ الشَّاطِبِيِّ، حَيْثُ عَرَّفَ الْبِدْعَةَ بِتَعْرِيفَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنَّهَا: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ، يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ.وَهَذَا التَّعْرِيفُ لَمْ يُدْخِلِ الْعَادَاتِ فِي الْبِدْعَةِ، بَلْ خَصَّهَا بِالْعِبَادَاتِ، بِخِلَافِ الِاخْتِرَاعِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا.

الثَّانِي أَنَّهَا: طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ تُضَاهِي الشَّرِيعَةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ.وَبِهَذَا التَّعْرِيفِ تَدْخُلُ الْعَادَاتُ فِي الْبِدَعِ إِذَا ضَاهَتِ الطَّرِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ، كَالنَّاذِرِ لِلصِّيَامِ قَائِمًا لَا يَقْعُدُ مُتَعَرِّضًا لِلشَّمْسِ لَا يَسْتَظِلُّ، وَالِاقْتِصَارِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَلْبَسِ عَلَى صِنْفٍ دُونَ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِذَمِّ الْبِدْعَةِ مُطْلَقًا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:

(أ) أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ كَمُلَتْ قَبْلَ وَفَاةِ الرَّسُولِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَجِيءَ إِنْسَانٌ وَيَخْتَرِعَ فِيهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا تُعْتَبَرُ اسْتِدْرَاكًا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.وَتُوحِي بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ نَاقِصَةٌ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.

(ب) وَرَدَتْ آيَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ تَذُمُّ الْمُبْتَدِعَةَ فِي الْجُمْلَةِ، مِنْ ذَلِكَ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}

(ج) كُلُّ مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْبِدْعَةِ جَاءَ بِذَمِّهَا، مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ.فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا.فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ.فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»

(د) أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، مِنْ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا، وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، فَثَوَّبَ الْمُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: «اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا الْمُبْتَدِعِ» وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْمُحْدَثَاتُ:

4- الْحَدِيثُ نَقِيضُ الْقَدِيمِ، وَالْحُدُوثُ: كَوْنُ شَيْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ.وَمُحْدَثَاتُ الْأُمُورِ: مَا ابْتَدَعَهُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى غَيْرِهَا.وَفِي الْحَدِيثِ: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ» وَالْمُحْدَثَاتُ جَمْعُ مُحْدَثَةٍ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ: مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ.وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَلْتَقِي الْمُحْدَثَاتُ مَعَ الْبِدْعَةِ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي.

ب- الْفِطْرَةُ:

5- الْفِطْرَةِ: الِابْتِدَاءُ وَالِاخْتِرَاعُ.وَفَطَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ: خَلَقَهُمْ وَبَدَأَهُمْ، وَيُقَالُ: أَنَا فَطَرْتُ الشَّيْءَ أَيْ: أَوَّلُ مَنِ ابْتَدَأَهُ.وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَلْتَقِي مَعَ الْبِدْعَةِ فِي بَعْضِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ.

ج- السُّنَّةُ:

6- السُّنَّةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّرِيقَةُ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ سَيِّئَةً.قَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ الْجَارِيَةُ فِي الدِّينِ الْمَأْثُورَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَوْ صَحْبِهِ.لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» وَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُقَابِلَةٌ لِلْبِدْعَةِ وَمُضَادَّةٌ لَهَا تَمَامًا.

وَلِلسُّنَّةِ إِطْلَاقَاتٌ أُخْرَى شَرْعِيَّةٌ اشْتُهِرَتْ بِهَا، مِنْهَا:

أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا، كَقَوْلِهِمْ: الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ.وَمِنْهَا: مَا هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ مَا صَدَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- غَيْرَ الْقُرْآنِ- مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ تَقْرِيرٍ.وَمِنْهَا: مَا يَعُمُّ النَّفَلَ، وَهُوَ مَا فِعْلُهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ وَلَا وُجُوبٍ.

د- الْمَعْصِيَةُ:

7- الْعِصْيَانُ: خِلَافُ الطَّاعَةِ يُقَالُ: عَصَى الْعَبْدُ رَبَّهُ إِذَا خَالَفَ أَمْرَهُ، وَعَصَى فُلَانٌ أَمِيرَهُ: إِذَا خَالَفَ أَمْرَهُ.

وَشَرْعًا: عِصْيَانُ أَمْرِ الشَّارِعِ قَصْدًا، وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.

فَهِيَ إِمَّا كَبَائِرُ وَهِيَ: مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَدٌّ، أَوْ وَعِيدٌ بِالنَّارِ أَوِ اللَّعْنَةِ أَوِ الْغَضَبِ، أَوْ مَا اتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْدِيدِهَا.

وَإِمَّا صَغَائِرُ وَهِيَ: مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ إِذَا اجْتُنِبَ الْإِصْرَارُ عَلَيْهَا، لقوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبِدْعَةُ أَعَمَّ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، حَيْثُ تَشْمَلُ الْمَعْصِيَةَ، كَالْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، وَغَيْرَ الْمَعْصِيَةِ كَالْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ وَالْمُبَاحَةِ.

هـ- الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ:

8- الْمَصْلَحَةُ لُغَةً كَالْمَنْفَعَةِ وَزْنًا وَمَعْنًى، فَهِيَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الصَّلَاحِ، أَوْ هِيَ اسْمٌ لِلْوَاحِدِ مِنَ الْمَصَالِحِ.

وَالْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ اصْطِلَاحًا هِيَ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَقْصُودِ الشَّرْعِ الْمُنْحَصِرِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ.الْخَمْسِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ- رحمه الله-، أَوْ هِيَ اعْتِبَارُ الْمُنَاسِبِ الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ عِنْدَ الشَّاطِبِيِّ، أَوْ هِيَ أَنْ يَرَى الْمُجْتَهِدُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ رَاجِحَةٌ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَنْفِيهِ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَةَ.أَوْ هِيَ أَنْ يُنَاطَ الْأَمْرُ بِاعْتِبَارٍ مُنَاسِبٍ لَمْ يَدُلَّ الشَّرْعُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَلَا إِلْغَائِهِ إِلاَّ أَنَّهُ مُلَائِمٌ لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّعْرِيفَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي يُرْجَعُ لِتَفَاصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ (مَصْلَحَةٌ مُرْسَلَةٌ).

حُكْمُ الْبِدْعَةِ التَّكْلِيفِيُّ:

9- ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَبُو شَامَةَ، وَالنَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ وَالزَّرْقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنِيفَةِ إِلَى تَقْسِيمِ الْبِدْعَةِ تَبَعًا لِلْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ إِلَى: وَاجِبَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَنْدُوبَةٍ أَوْ مَكْرُوهَةٍ أَوْ مُبَاحَةٍ.

وَضَرَبُوا لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَمْثِلَةً:

فَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدْعَةِ الْوَاجِبَةِ: الِاشْتِغَالُ بِعِلْمِ النَّحْوِ، الَّذِي يُفْهَمُ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ وَاجِبٌ، وَلَا يَتَأَتَّى حِفْظُهَا إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.وَتَدْوِينُ الْكَلَامِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِتَمْيِيزِ الصَّحِيحِ مِنَ السَّقِيمِ؛ لِأَنَّ قَوَاعِدَ الشَّرِيعَةِ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَعَيِّنِ، وَلَا يَتَأَتَّى حِفْظُهَا إِلاَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ: مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالْمُجَسِّمَةِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدْعَةِ الْمَنْدُوبَةِ: إِحْدَاثُ الْمَدَارِسِ وَبِنَاءُ الْقَنَاطِرِ وَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمَكْرُوهَةِ: زَخْرَفَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيقُ الْمَصَاحِفِ.

وَأَمَّا أَمْثِلَةُ الْبِدْعَةِ الْمُبَاحَةِ فَمِنْهَا: الْمُصَافَحَةُ عَقِيبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، وَمِنْهَا التَّوَسُّعُ فِي اللَّذِيذِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ.

هَذَا وَقَدْ قَسَّمَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةَ الْمُحَرَّمَةَ إِلَى بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ وَغَيْرِ مُكَفِّرَةٍ، وَصَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي.

الْبِدْعَةُ فِي الْعَقِيدَةِ:

10- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الْعَقِيدَةِ مُحَرَّمَةٌ، وَقَدْ تَتَدَرَّجُ إِلَى أَنْ تَصِلَ إِلَى الْكُفْرِ.فَأَمَّا الَّتِي تَصِلُ إِلَى الْكُفْرِ فَهِيَ أَنْ تُخَالِفَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيِّينَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فِي قوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} وقوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} وَحَدَّدُوا كَذَلِكَ ضَابِطًا لِلْبِدْعَةِ الْمُكَفِّرَةِ، وَهِيَ: أَنْ يَتَّفِقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْبِدْعَةَ كُفْرٌ صُرَاحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ.

الْبِدْعَةُ فِي الْعِبَادَاتِ:

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْبِدْعَةَ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْهَا مَا يَكُونُ حَرَامًا وَمَعْصِيَةً، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَكْرُوهًا.

أ- الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ:

11- وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: بِدْعَةُ التَّبَتُّلِ وَالصِّيَامِ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، وَالْخِصَاءِ لِقَطْعِ الشَّهْوَةِ فِي الْجِمَاعِ وَالتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ.لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي حَدِيثِ الرَّهْطِ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ: «جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ.لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

ب- الْبِدْعَةُ الْمَكْرُوهَةُ:

12- قَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، مِثْلَ الِاجْتِمَاعِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لِلدُّعَاءِ لِغَيْرِ الْحُجَّاجِ فِيهَا وَذِكْرِ السَّلَاطِينِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ لِلتَّعْظِيمِ، أَمَّا لِلدُّعَاءِ فَسَائِغٌ، وَكَزَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ.جَاءَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي الْبُحْتُرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْمًا يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِيهِمْ رَجُلٌ يَقُولُ: كُبِّرُوا اللَّهَ كَذَا وَكَذَا، وَسَبِّحُوا اللَّهَ كَذَا وَكَذَا، وَاحْمَدُوا اللَّهَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَإِذَا رَأَيْتَهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَأْتِنِي فَأَخْبِرْنِي بِمَجْلِسِهِمْ، فَأَتَاهُمْ فَجَلَسَ، فَلَمَّا سَمِعَ مَا يَقُولُونَ قَامَ فَأَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَجَاءَ- وَكَانَ رَجُلًا حَدِيدًا- فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ جِئْتُمْ بِبِدْعَةٍ ظُلْمًا، وَلَقَدْ فَضَلْتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- عِلْمًا.فَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالطَّرِيقِ فَالْزَمُوهُ، وَلَئِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالًا لَتَضِلُّنَّ ضَلَالًا بَعِيدًا.

الْبِدْعَةُ فِي الْعَادَاتِ:

13- الْبِدْعَةُ فِي الْعَادَاتِ مِنْهَا الْمَكْرُوهُ، كَالْإِسْرَافِ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَنَحْوِهَا.وَمِنْهَا الْمُبَاحُ، مِثْلُ التَّوَسُّعِ فِي اللَّذِيذِ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَاكِنِ، وَلُبْسِ الطَّيَالِسَةِ، وَتَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ، مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا اخْتِيَالٍ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الِابْتِدَاعَ فِي الْعَادَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْعِبَادَاتِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَتِ الْمُؤَاخَذَةُ فِي الِابْتِدَاعِ فِي الْعَادَاتِ لَوَجَبَ أَنْ تُعَدَّ كُلُّ الْعَادَاتِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ- مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَسَائِلِ النَّازِلَةِ- بِدَعًا مَكْرُوهَاتٍ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ تِلْكَ الْعَادَاتِ الَّتِي بَرَزَتْ بَعْدَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مُخَالِفَةٌ لَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَاتِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَدُورُ مَعَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ.

دَوَاعِي الْبِدْعَةِ وَأَسْبَابُهَا:

14- دَوَاعِي الْبِدْعَةِ وَأَسْبَابُهَا وَبَوَاعِثُهَا كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، يَصْعُبُ حَصْرُهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ وَتَتَنَوَّعُ حَسَبَ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَمْكِنَةِ وَالْأَشْخَاصِ، وَأَحْكَامُ الدِّينِ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ، وَالِانْحِرَافُ عَنْهَا وَاتِّبَاعُ سُبُلِ الشَّيْطَانِ فِي كُلِّ حُكْمٍ مُتَعَدِّدُ الْوُجُوهِ.وَكُلُّ خُرُوجٍ إِلَى وَسِيلَةٍ مِنْ وَسَائِلِ الْبَاطِلِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ بَاعِثٍ.وَمَعَ ذَلِكَ فَمِنَ الْمُمْكِنِ إِرْجَاعُ الدَّوَاعِي وَالْأَسْبَابِ إِلَى مَا يَأْتِي:

أ- الْجَهْلِ بِوَسَائِلِ الْمَقَاصِدِ:

15- أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا لَا عُجْمَةَ فِيهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ جَارٍ فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}.وَقَالَ: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُفْهَمُ إِلاَّ إِذَا فَهِمَ اللِّسَانُ الْعَرَبِيُّ، لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} وَالْإِخْلَالُ فِي ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْبِدْعَةِ.

ب- الْجَهْلِ بِالْمَقَاصِدِ:

16- مَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَهُ وَلَا يَجْهَلَهُ مِنَ الْمَقَاصِدِ أَمْرَانِ:

(1) أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ كَامِلَةً تَامَّةً لَا نَقْصَ فِيهَا وَلَا زِيَادَةَ، وَيَجِبُ أَنْ يُنْظَرُ إِلَيْهَا بِعَيْنِ الْكَمَالِ لَا بِعَيْنِ النَّقْصِ، وَأَنْ يَرْتَبِطَ بِهَا ارْتِبَاطَ ثِقَةٍ وَإِذْعَانٍ، فِي عَادَاتِهَا وَعِبَادَاتِهَا وَمُعَامَلَاتِهَا، وَأَلاَّ يَخْرُجَ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ.وَهَذَا الْأَمْرُ أَغْفَلَهُ الْمُبْتَدِعَةُ فَاسْتَدْرَكُوا عَلَى الشَّرْعِ، وَكَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.وَقِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: نَحْنُ لَمْ نَكْذِبْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَذَبْنَا لَهُ.وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، الْمَعْرُوفِ بِالْأُرْدُنِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الْكَلَامُ حَسَنًا لَمْ أَرَ فِيهِ بَأْسًا، أَجْعَلُ لَهُ إِسْنَادًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.

(2) أَنْ يُوقِنَ إِيقَانًا جَازِمًا أَنَّهُ لَا تَضَادَّ بَيْنَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، أَوْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لِأَنَّ النَّبْعَ وَاحِدٌ، وَمَا كَانَ الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى، وَإِنَّ قَوْمًا اخْتَلَفَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ لِجَهْلِهِمْ، هُمُ الَّذِينَ عَنَاهُمُ الرَّسُولُ بِقَوْلِهِ: «يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ»

فَيَتَحَصَّلُ مِمَّا قَدَّمْنَا كَمَالُ الشَّرِيعَةِ وَعَدَمُ التَّضَادِّ بَيْنَ نُصُوصِهَا.

أَمَّا كَمَالُ الشَّرِيعَةِ فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.

وَأَمَّا عَدَمُ التَّضَادِّ فِي اللَّفْظِ أَوِ الْمَعْنَى فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ الْمُتَدَبِّرَ لَا يَجِدُ فِي الْقُرْآنِ اخْتِلَافًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مُنَافٍ لِلْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.

ج- الْجَهْلُ بِالسُّنَّةِ:

17- مِنَ الْأُمُورِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْبِدْعَةِ الْجَهْلُ بِالسُّنَّةِ.

وَالْجَهْلُ بِالسُّنَّةِ يَعْنِي أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ، جَهْلُ النَّاسِ بِأَصْلِ السُّنَّةِ.

وَالثَّانِي: جَهْلُهُمْ بِالصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَخْتَلِطُ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ.

أَمَّا جَهْلُهُمْ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، فَيَجْعَلُهُمْ يَأْخُذُونَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَكْذُوبَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.وَقَدْ وَرَدَتِ الْآثَارُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ تَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».. وَمِنْ جَهْلِهِمْ بِالسُّنَّةِ، جَهْلُهُمْ بِدَوْرِهَا فِي التَّشْرِيعِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَكَانَةَ السُّنَّةِ فِي التَّشْرِيعِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

د- تَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْعَقْلِ:

18- عَدَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ دَوَاعِي الْبِدْعَةِ تَحْسِينَ الظَّنِّ بِالْعَقْلِ، وَيَتَأَتَّى هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ يَعْتَمِدَ عَلَى عَقْلِهِ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْوَحْيِ وَإِخْبَارِ الْمَعْصُومِ- صلى الله عليه وسلم- فَيَجُرُّهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ إِلَى أَشْيَاءَ بَعِيدَةٍ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ فِي الْخَطَأِ وَالِابْتِدَاعِ، وَيَظُنُّ أَنَّ عَقْلَهُ مُوَصِّلُهُ، فَإِذَا هُوَ مُهْلِكُهُ.

وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ، مِنْ نَاحِيَةِ الْكَمِّ وَمِنْ نَاحِيَةِ الْكَيْفِ.أَمَّا عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَتَنَاهَى، وَالْمُتَنَاهِي لَا يُسَاوِي مَا لَا يَتَنَاهَى.

وَيَتَخَلَّصُ مِنْ ذَلِكَ:

(1) أَنَّ الْعَقْلَ مَا دَامَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُجْعَلُ حَاكِمًا بِإِطْلَاقٍ، وَقَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِإِطْلَاقٍ، وَهُوَ الشَّرْعُ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ مَا حَقُّهُ التَّقْدِيمُ، وَيُؤَخِّرَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ.

(2) إِذَا وَجَدَ الْإِنْسَانُ فِي الشَّرْعِ أَخْبَارًا يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا خَرْقَ الْعَادَةِ الْمَأْلُوفَةِ- الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهُ أَنْ رَآهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا عِلْمًا صَحِيحًا- لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَوَّلِ وَهْلَةٍ الْإِنْكَارَ بِإِطْلَاقٍ، بَلْ أَمَامَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ: إِمَّا أَنْ يُصَدِّقَ بِهِ وَيَكِلَ الْعِلْمَ فِيهِ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ وَالْمُتَخَصِّصِينَ فِيهِ مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}

الثَّانِي: يَتَأَوَّلُ عَلَى مَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ مِنَ الْآرَاءِ بِمُقْتَضَى الظَّاهِرِ.وَيَحْكُمُ هَذَا كُلَّهُ قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

هـ- اتِّبَاعُ الْمُتَشَابِهِ:

19- قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُتَشَابِهُ هُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مَا تَقَابَلَتْ فِيهِ الْأَدِلَّةُ.وَقَدْ نَهَى الرَّسُولُ- صلى الله عليه وسلم- عَنِ اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ بِقَوْلِهِ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ» وَقَدْ ذَكَرَهُمُ الْقُرْآنُ فِي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}.فَلَيْسَ نَظَرُهُمْ فِي الدَّلِيلِ نَظَرَ الْمُسْتَبْصِرِ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَحْتَ حُكْمِهِ، بَلْ نَظَرُ مَنْ حَكَمَ بِالْهَوَى.ثُمَّ أَتَى بِالدَّلِيلِ كَالشَّاهِدِ لَهُ.

و- اتِّبَاعُ الْهَوَى:

20- يُطْلَقُ الْهَوَى عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ وَانْحِرَافِهَا نَحْوَ الشَّيْءِ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَيْلِ الْمَذْمُومِ وَالِانْحِرَافِ السَّيِّئِ.

وَنُسِبَتِ الْبِدَعُ إِلَى الْأَهْوَاءِ، وَسُمِّيَ أَصْحَابُهَا بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فَلَمْ يَأْخُذُوا الْأَدِلَّةَ مَأْخَذَ الِافْتِقَارِ إِلَيْهَا وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهَا، بَلْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ وَاعْتَمَدُوا عَلَى آرَائِهِمْ، ثُمَّ جَعَلُوا الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْظُورًا فِيهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ.

21- مَدَاخِلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ:

أ- اتِّبَاعُ الْعَادَاتِ وَالْآبَاءِ وَجَعْلُهَا دِينًا.قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ هَؤُلَاءِ: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}

فَقَالَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}

ب- رَأْيُ بَعْضِ الْمُقَلِّدِينَ فِي أَئِمَّتِهِمْ وَالتَّعَصُّبُ لَهُمْ، فَقَدْ يُؤَدِّي هَذَا التَّغَالِي فِي التَّقْلِيدِ إِلَى إِنْكَارِ بَعْضِ النُّصُوصِ وَالْأَدِلَّةِ أَوْ تَأْوِيلِهَا، وَعَدِّ مَنْ يُخَالِفُهُمْ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ.

ج- التَّصَوُّفُ الْفَاسِدُ وَأَخْذُ مَا نُقِلَ عَنِ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِمْ، أَوِ الْأَقْوَالِ الصَّادِرَةِ عَنْهُمْ دِينًا وَشَرِيعَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِلنُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

د- التَّحْسِينُ وَالتَّقْبِيحُ الْعَقْلِيَّانِ.فَإِنَّ مَحْصُولَ هَذَا الْمَذْهَبِ تَحْكِيمُ عُقُولِ الرِّجَالِ دُونَ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا أَهْلُ الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ، بِحَيْثُ إِنَّ الشَّرْعَ إِنْ وَافَقَ آرَاءَهُمْ قَبِلُوهُ وَإِلاَّ رُدَّ.

هـ- الْعَمَلُ بِالْأَحْلَامِ.فَإِنَّ الرُّؤْيَا قَدْ تَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ أَخْلَاطٍ مُهْتَاجَةٍ.فَمَتَى تَتَعَيَّنُ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ النَّقِيَّةُ حَتَّى يُحْكَمَ بِهَا؟،. أَنْوَاعُ الْبِدْعَةِ:

تَنْقَسِمُ الْبِدْعَةُ مِنْ حَيْثُ قُرْبُهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ أَوْ بُعْدُهَا عَنْهَا إِلَى حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ.

الْبِدْعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ:

22- هِيَ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، لَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا فِي التَّفْصِيلِ، وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بِدْعَةً حَقِيقِيَّةً؛ لِأَنَّهَا شَيْءٌ مُخْتَرَعٌ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَدِعُ يَأْبَى أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنِ الشَّرْعِ؛ إِذْ هُوَ مُدَّعٍ أَنَّهُ دَاخِلٌ بِمَا اسْتَنْبَطَ تَحْتَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، أَمَّا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَبِالْعَرْضِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فَإِنَّ أَدِلَّتَهُ شُبَهٌ وَلَيْسَتْ بِأَدِلَّةٍ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ وَتَرْكِ الزَّوَاجِ مَعَ وُجُودِ الدَّاعِي إِلَيْهِ وَفَقْدِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ، كَرَهْبَانِيَّةِ النَّصَارَى الْمَذْكُورَةِ فِي قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} فَهَذِهِ كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، أَمَّا فِي الْإِسْلَامِ فَقَدْ نُسِخَتْ فِي شَرِيعَتِنَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- «فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».

وَمِنْهَا: أَنْ يَفْعَلَ الْمُسْلِمُ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْهِنْدِ فِي تَعْذِيبِ النَّفْسِ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ الشَّنِيعِ وَالْقَتْلِ بِالْأَصْنَافِ الَّتِي تَفْزَعُ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَتَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، مِثْلِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ عَلَى جِهَةِ اسْتِعْجَالِ الْمَوْتِ لِنَيْلِ الدَّرَجَاتِ الْعُلْيَا وَالْقُرْبَى مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي زَعْمِهِمْ.

الْبِدْعَةُ الْإِضَافِيَّةُ:

23- وَهِيَ الَّتِي لَهَا شَائِبَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مُتَعَلِّقٌ، فَلَا تَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِدْعَةً، وَالثَّانِيَةُ لَيْسَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ إِلاَّ مِثْلَ مَا لِلْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.وَلَمَّا كَانَ الْعَمَلُ لَهُ شَائِبَتَانِ، وَلَمْ يَتَخَلَّصْ لِأَحَدٍ الطَّرَفَيْنِ، وُضِعَتْ لَهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ سُنَّةٌ لِاسْتِنَادِهَا إِلَى دَلِيلٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى بِدْعَةٌ لِاسْتِنَادِهَا إِلَى شُبْهَةٍ لَا إِلَى دَلِيلٍ، أَوْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شَيْءٍ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْبِدَعِ هُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْبِدَعِ وَالسُّنَنِ.وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: صَلَاةُ الرَّغَائِبِ، وَهِيَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ الْأُولَى مِنْ رَجَبٍ بِكَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مُنْكَرَةٌ.وَكَذَا صَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَهِيَ: مِائَةُ رَكْعَةٍ بِكَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ.وَصَلَاةُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ.

وَوَجْهُ كَوْنِهَا بِدْعَةً إِضَافِيَّةً: أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ، بِاعْتِبَارِ النَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ، لِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ» وَغَيْرُ مَشْرُوعَةٍ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهَا مِنَ الْتِزَامِ الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ وَالْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ.فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا، مُبْتَدَعَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهَا.

الْبِدَعُ الْمُكَفِّرَةُ وَغَيْرُ الْمُكَفِّرَةِ:

24- الْبِدَعُ مُتَفَاوِتَةٌ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ هُوَ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ، أَوِ التَّحْرِيمُ فَقَطْ.فَقَدْ وُجِدَ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي أَحْكَامِهَا، فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ، كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَبَّهَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} الْآيَةَ، وقوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} وقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ}.

وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الدِّينَ ذَرِيعَةً لِحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فَهَذَا وَأَضْرَابُهُ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ كُفْرٌ صُرَاحٌ، لِابْتِدَاعِهِ أَشْيَاءَ أَنْكَرَتْهَا النُّصُوصُ وَتَوَعَّدَتْ عَلَيْهَا.

وَمِنْهَا مَا هُوَ كَبِيرَةٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ، أَوْ يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ هُوَ كُفْرٌ أَمْ لَا؟ كَبِدَعِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ.وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ اتِّفَاقًا، كَبِدْعَةِ التَّبَتُّلِ وَالصِّيَامِ قَائِمًا فِي الشَّمْسِ، وَالْخِصَاءِ بِقَطْعِ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ، لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ بَعْضٌ مِنْهَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


90-موسوعة الفقه الكويتية (خيار الشرط 1)

خِيَارُ الشَّرْطِ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْخِيَارُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ الِاخْتِيَارِ، وَمَعْنَاهُ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ، أَوِ الْأُمُورِ.

أَمَّا (الشَّرْطُ) - بِسُكُونِ الرَّاءِ- فَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ: إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ شُرُوطٌ، وَبِفَتْحِهَا: الْعَلَامَةُ، وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ، وَالِاشْتِرَاطُ: الْعَلَامَةُ يَجْعَلُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ.

2- أَمَّا فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «إِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ صَارَ عَلَمًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى: مَا يَثْبُتُ (بِالِاشْتِرَاطِ) لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنَ الِاخْتِيَارِ بَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَالْفَسْخِ...»

وَقَدْ عَرَّفَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (ابْنُ عَرَفَةَ) - بِمُلَاحَظَةِ الْكَلَامِ عَنْ (بَيْعِ الْخِيَارِ) - بِقَوْلِهِ: (بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ أَوَّلًا عَلَى إِمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ).وَاحْتَرَزَ بِعِبَارَةِ وُقِفَ بَتُّهُ عَنْ بَيْعِ الْبَتِّ، وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ.

كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ قَيْدَ (أَوَّلًا) لِإِخْرَاجِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَنَحْوِهِ (خِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ) لِأَنَّ أَمْثَالَ هَذَا الْخِيَارِ لَمْ تَتَوَقَّفْ أَوَّلًا، بَلْ آلَ أَمْرُهَا إِلَى الْخِيَارِ، أَيْ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا يَثْبُتُ فِيمَا بَعْدُ، حِينَ ظُهُورِ الْعَيْبِ.

3- وَلِخِيَارِ الشَّرْطِ أَسْمَاءٌ أُخْرَى دَعَاهُ بِهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ، مِنْهَا:

أ- الْخِيَارُ الشَّرْطِيُّ (بِالْوَصْفِيَّةِ لَا بِالْإِضَافَةِ) وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ، وَالْغَرَضُ مِنْ وَصْفِهِ بِالشَّرْطِيِّ تَمْيِيزُهُ عَنِ الْخِيَارِ (الْحُكْمِيِّ) الَّذِي يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى اشْتِرَاطٍ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ.

وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مُتَدَاوَلَةٌ كَثِيرًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.

ب- خِيَارُ التَّرَوِّي، لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي وَهُوَ النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْأَمْرِ وَالتَّبَصُّرُ فِيهِ قَبْلَ إِبْرَامِهِ.

وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ يَسْتَعْمِلُهَا الشَّافِعِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ.

ج- بَيْعُ الْخِيَارِ، وَهَذَا الِاسْمُ وَاقِعٌ عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَيُعَبِّرُ بِهِ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ كُلُّهُمْ وَبِخَاصَّةِ الْمَالِكِيَّةُ.

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى الْأَخْذِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاعْتِبَارَهُ مَشْرُوعًا لَا يُنَافِي الْعَقْدَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.

فَأَمَّا السُّنَّةُ: فَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ «رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ بِلِسَانِهِ لَوْثَةٌ، وَكَانَ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِذَا بِعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، مَرَّتَيْنِ»

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ حِبَّانَ قَالَ: هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ، فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ وَنَازَعَتْهُ عَقْلَهُ، وَكَانَ لَا يَدَعُ التِّجَارَةَ وَلَا يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا».وَقَدْ كَانَ عُمِّرَ طَوِيلًا، عَاشَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ- رضي الله عنه- حِينَ فَشَا النَّاسُ وَكَثُرُوا، يَتَبَايَعُ الْبَيْعَ فِي السُّوقِ وَيَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَقَدْ غُبِنَ غَبْنًا قَبِيحًا، فَيَلُومُونَهُ وَيَقُولُونَ: لِمَ تَبْتَاعُ؟ فَيَقُولُ: أَنَا بِالْخِيَارِ إِنْ رَضِيتُ أَخَذْتُ، وَإِنْ سَخِطْتُ رَدَدْتُ، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَيَرُدُّ السِّلْعَةَ عَلَى صَاحِبِهَا مِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَقْبَلُهَا، قَدْ أَخَذْتُ سِلْعَتِي وَأَعْطَيْتنِي دَرَاهِمَ، قَالَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا.فَكَانَ يَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ لِلتَّاجِرِ: وَيْحَكَ إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَدْ كَانَ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا.

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِإِحْدَى رِوَايَاتِ حَدِيثِ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» الَّتِي فِيهَا قَوْلُهُ- عليه الصلاة والسلام-: «إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلاَّ صَفْقَةَ خِيَارٍ».فَحَمَلَ هَؤُلَاءِ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى حَالَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَقَالُوا فِي مَعْنَاهُ: هُوَ خِيَارُ كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ، أَوِ الْإِحْجَامِ عَنْهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَمْتَدَّ فَيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ أَطْوَلَ مِنْ تِلْكَ الْفَتْرَةِ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ مُشْتَرَطًا فِيهِ خِيَارٌ.

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَاسْتَدَلَّ بِهِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ كَثِيرُونَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: «وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الْإِجْمَاعَ» وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَهُوَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ».لَكِنَّهُ أَشَارَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ إِلَى أَنَّ صِحَّتَهُ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا هِيَ فِيمَا «إِذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً»

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: «وَشَرْطُ الْخِيَارِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ».

صِيغَةُ الْخِيَارِ:

5- لَا يَتَطَلَّبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ التَّعْبِيرَ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَكَمَا يَحْصُلُ بِلَفْظِ اشْتِرَاطِ (الْخِيَارِ) يَحْصُلُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُرَادِ، مِثْلُ لَفْظِ (الرِّضَا) أَوِ (الْمَشِيئَةِ) بَلْ يَثْبُتُ وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنُ الْكَلَامُ لَفْظَ الْخِيَارِ أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ، فِيمَا إِذَا وَرَدَ عِنْدَ التَّعَاقُدِ أَوْ بَعْدَهُ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخِيَارِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: «إِذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ إِنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: لِي عَلَيْكَ الثَّوْبُ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا عِنْدَنَا خِيَارٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ».وَذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلًا عَنِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: خُذْهُ وَانْظُرْ إِلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنْ رَضِيتَهُ أَخَذْتَهُ بِكَذَا، فَهُوَ خِيَارٌ.وَنُقِلَ عَنِ الذَّخِيرَةِ مِثْلُ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيمَا لَوْ قَالَ: هُوَ بَيْعٌ لَكَ إِنْ شِئْتَ الْيَوْمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الثَّمَنِ، أَوِ الْمَبِيعِ بَدَلًا عَنِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ.فَهُوَ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ (فِي الْعَقْدِ).

وَمِنْ ذَلِكَ: التَّوَاطُؤُ عَلَى أَلْفَاظٍ أَوْ تَعَابِيرَ بِأَنَّهَا يَتَوَلَّدُ عَنْهَا الْخِيَارُ، سَوَاءٌ كَانَ ارْتِبَاطُ هَذِهِ التَّعَابِيرِ بِنُشُوءِ الْخِيَارِ مُنْبَعِثًا عَنِ الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ مُبَاشَرَةً أَوِ الْعُرْفِ.فَمِمَّا اعْتُبِرَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَوَاطَأِ عَلَى أَنَّهَا يُرَادُ بِهَا الْخِيَارُ، تَبَعًا لِلِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ، عِبَارَةُ «لَا خِلَابَةَ» شَرِيطَةَ عِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ بِمَعْنَاهَا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ: «لَا خِلَابَةَ» عِبَارَةٌ عَنِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالِاشْتِرَاطِ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ قَطْعًا، فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَثْبُتُ، (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ، بَلْ غَلَطٌ، لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقْدُ مَعَ شَرْطِ الِاسْتِئْمَارِ خِلَالَ وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلَانًا، وَحَدَّدَ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا، فَهُوَ خِيَارٌ صَحِيحٌ لَدَى الْحَنَابِلَةِ.وَقَالُوا: إِنَّ لَهُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهُ «لِأَنَّا جَعَلْنَا ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْخِيَارِ» وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ قَبْلَ الِاسْتِئْمَارِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهُ.

هَذَا إِذَا ضُبِطَ شَرْطُ الِاسْتِئْمَارِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُضْبَطْ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ فِي الْأَصَحِّ أَنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ.أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَحُكْمُهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ، لَا يَصِحُّ عَلَى الرَّاجِحِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ تَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالْخِيَارِ.قَالَ الزَّرْقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: «لَوْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِاشْتِرَاطِهِ (أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ) كَانَ خِيَارًا، لِأَنَّهَا- أَيِ الْعَادَةَ- كَالشَّرْطِ صَرَاحَةً»

فَإِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ مِنَ السِّلَعِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهَا بِلَا شَرْطٍ.

وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الْأَخْرَسَ تَقُومُ إِشَارَتُهُ مَقَامَ الصِّيغَةِ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَامَ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ مَقَامَهُ.

شَرَائِطُ قِيَامِ الْخِيَارِ:

6- لَا يَقُومُ خِيَارُ الشَّرْطِ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِ الِاشْتِرَاطِ فِي الْعَقْدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لَهُ، فَإِذَا اكْتَمَلَتْ تِلْكَ الشَّرَائِطُ غَدَا خِيَارُ الشَّرْطِ قَائِمًا مَرْعِيَّ الِاعْتِبَارِ، وَإِذَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا اعْتُبِرَ الْعَقْدُ لَازِمًا بِالرَّغْمِ مِنِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ.غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الشَّرَائِطَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْعَدَدِ بَيْنَ مَذْهَبٍ وَآخَرَ، وَفِيمَا يَأْتِي بَيَانُهَا:

أَوَّلًا: شَرِيطَةُ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ:

7- الْمُرَادُ مِنَ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ أَنْ يَحْصُلَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مَعَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ أَوْ لَاحِقًا بِهِ، لَا أَنْ يَسْبِقَ الِاشْتِرَاطُ الْعَقْدَ.فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ قَبْلَ إِجْرَاءِ الْعَقْدِ، إِذِ الْخِيَارُ كَالصِّفَةِ لِلْعَقْدِ فَلَا يُذْكَرُ قَبْلَ الْمَوْصُوفِ.وَبَيَانُ الصُّورَةِ الْمُحْتَرَزِ مِنْهَا مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنِ الْعَتَّابِيَّةِ أَنَّهُ «لَوْ قَالَ: جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي نَعْقِدُهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ».

وَيُعْتَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ مَا لَوْ أُلْحِقَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ بِالْعَقْدِ بَعْدَئِذٍ، بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَذَلِكَ فِي حُكْمِ حُصُولِهِ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ أَوْ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْمُلْتَزَمَيْنِ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ.

ذَهَبَ إِلَى تِلْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُقَارَنَةِ وَاللَّحَاقِ الْحَنَفِيَّةُ.وَمِنْ مُسْتَنَدِهِمُ الْقِيَاسُ لِهَذَا عَلَى مَا فِي النِّكَاحِ مِنْ جَوَازِ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ، كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ أَوِ الْحَطِّ مِنْهُ، وَدَلِيلُ هَذَا الْحُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}.قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ يَجُوزُ إِلْحَاقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالْبَيْعِ، لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ: جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ- أَيْ إِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ- ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ إِلْحَاقَ الْخِيَارِ بَعْدَ الْعَقْدِ جَارٍ مَجْرَى إِدْخَالِهِ فِي الْعَقْدِ تَمَامًا مِنْ حَيْثُ نَوْعُ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ وَمُدَّتُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ خِيَارُ الشَّرْطِ بِالْعَقْدِ بَعْدَهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي مَجْلِسِهِ.وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ لِمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ الْمَانِعِ مِنْ تَأَخُّرِ الْخِيَارِ عَنِ الْعَقْدِ بِأَنَّ الْعَقْدَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمَجْلِسِ أَصْبَحَ لَازِمًا، فَلَمْ يَصِرْ جَائِزًا بِقَوْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ إِلْحَاقَ الزِّيَادَةِ (فِي الْأُجْرَةِ) وَالشُّرُوطِ بِالْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ لَا يَصِحُّ.

وَبَيْن هَذَيْنِ الِاتِّجَاهَيْنِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ اشْتَرَكَ مَعَ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ فِي النَّتِيجَةِ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي تَحْدِيدِ طَبِيعَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ إِلْحَاقَ الْخِيَارِ بِالْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَى النِّيَّاتِ، سَوَاءٌ كَانَ إِلْحَاقُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا، فَيَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ اللاَّحِقُ، وَيَلْزَمُ مَنِ الْتَزَمَهُ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ خَالِيًا مِنْهُ، لَكِنَّهُ- وَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ عَنِ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ- بِمَثَابَةِ بَيْعٍ مُؤْتَنَفٍ، بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ..صَارَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بَائِعًا..كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ اللاَّحِقَ لِلْعُقُودِ لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهَا، فَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنَ الْمُشْتَرِي.

وَأَشَارَ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ إِلْحَاقِ الْخِيَارِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ انْتِقَادِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ، أَمَّا إِلْحَاقُهُ قَبْلَ انْتِقَادِهِ فَلَا يُسَاوِيهِ فِي الْجَوَازِ لِمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ (فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ) وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ.

وَقَدْ ذَكَرُوا فِي خِلَالِ مُنَاقَشَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ «جَعْلَ الْخِيَارِ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لَيْسَ عَقْدًا حَقِيقَةً، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَطْيِيبُ نَفْسِ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ لَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ».قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ: لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، أَيِ اقْتِصَارُ الْجَوَازِ عَلَى مَا لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا.

ثَانِيًا: شَرِيطَةُ التَّوْقِيتِ أَوْ مَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّةِ:

8- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ تَقْيِيدِ الْخِيَارِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَضْبُوطَةٍ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ خِيَارٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ أَصْلًا، وَهُوَ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ، فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، إِلاَّ أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَهُ اسْتِحْسَانًا (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ) بِالنَّصِّ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.

وَالْحِكْمَةُ فِي تَوْقِيتِ الْمُدَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْخِيَارُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُعِ، وَهُوَ مِمَّا تَتَحَامَاهُ الشَّرِيعَةُ فِي أَحْكَامِهَا.

9- وَلِلْمُدَّةِ الْجَائِزِ ذِكْرُهَا حَدَّانِ: حَدٌّ أَدْنَى، وَحَدٌّ أَقْصَى.

أَمَّا الْحَدُّ الْأَدْنَى فَلَا تَوْقِيتَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ بِحَيْثُ لَا يَقِلُّ عَنْهُ فَيَجُوزُ مَهْمَا قَلَّ، لِأَنَّ جَوَازَ الْأَكْثَرِ يَدُلُّ بِالْأَوْلَوِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الْأَقَلِّ، وَمِنْ هُنَا نَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ «وَلَوْ لَحْظَةً».

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: (أَقَلُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ).وَنَحْوُهُ نُصُوصُ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْرَفُ.

وَأَمَّا الْحَدُّ الْأَقْصَى لِلْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، يُمْكِنُ حَصْرُهُ فِي الِاتِّجَاهَاتِ الْفِقْهِيَّةِ التَّالِيَةِ: التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مُطْلَقًا- التَّفْوِيضُ لَهُمَا فِي حُدُودِ الْمُعْتَادِ- التَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. الِاتِّجَاهُ الْأَوَّلُ- التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مُطْلَقًا:

10- مُقْتَضَى هَذَا الِاتِّجَاهِ جَوَازُ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى أَيِّ مُدَّةٍ مَهْمَا طَالَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، لَكِنَّهُ قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي الطَّوِيلُ.

فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِمَا فِي النُّصُوصِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ، وَلِأَنَّ الْخِيَارَ حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ مِنَ الْعَاقِدِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فِي تَقْدِيرِهِ.أَوْ يُقَالُ: هُوَ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ فَتَقْدِيرُهَا إِلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

وَهُنَاكَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ تُشْبِهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِّ الْأَدْنَى لِلْمُدَّةِ لَكِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا، لِمَا فِي بَحْثِهَا مِنْ تَقْيِيدِ الْخِيَارِ بِأَنْ لَا يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُفْقِدَهُ غَايَتَهُ.تِلْكَ الصُّورَةُ مَا لَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً خَارِجَةً عَنِ الْعَادَةِ «كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَمِائَةِ سَنَةٍ» فَقَدِ اسْتَوْجَهَ صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى أَنْ لَا يَصِحَّ لِإِفْضَائِهِ- عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ وَنَحْوِهَا- إِلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَهَذَا الْمَنْعُ مُنَافٍ لِلْعَقْدِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إِرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ وَافَقَهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ.

الِاتِّجَاهُ الثَّانِي- التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي حُدُودِ الْمُعْتَادِ:

11- وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَحْدَهُ.فَيَتَحَدَّدُ أَقْصَى مُدَّةِ الْخِيَارِ الْجَائِزَةِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، نَظَرًا لِاخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ، فَلِلْعَاقِدِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَشَاءُ عَلَى أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ فِي كُلِّ نَوْعٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا عُمْدَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِبَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إِمْكَانِ اخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ مَبِيعٍ.

وَبِمَا أَنَّ لِهَذَا الِاتِّجَاهِ الْفِقْهِيِّ تَقْدِيرَاتٍ مُحَدَّدَةً بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَقَدْ جَرَى تَصْنِيفُهَا لَدَى الْمَالِكِيَّةِ إِلَى زُمَرٍ: الْعَقَارُ:

12- وَأَقْصَى مُدَّتِهِ شَهْرٌ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ هُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ، فَأَقْصَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ مَدُّ الْخِيَارِ إِلَيْهَا فِي الْعَقَارِ (36) يَوْمًا.وَهُنَاكَ الْيَوْمَانِ الْمُلْحَقَانِ بِزَمَنِ الْخِيَارِ وَهُمَا لِلتَّمْكِينِ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ حِينَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ (الشَّهْرِ وَالْأَيَّامِ السِّتَّةِ) بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُرِيدُ الْفَسْخَ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَلْزَمَ الْمَبِيعُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ دُونَ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْعَاقِدِ الْآخَرِ.فَالْيَوْمَانِ الْمُلْحَقَانِ هُمَا لِهَذَا الْغَرَضِ (دَفْعِ اللُّزُومِ عَنِ الْمُشْتَرِي دُونَ إِرَادَتِهِ).أَمَّا زَمَنُ الْخِيَارِ لِلْعَقَارِ فَهُوَ شَهْرٌ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ.

الدَّوَابُّ:

13- وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخِيَارِ فِيهَا

، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِمَعْرِفَةِ قُوَّتِهَا وَأَكْلِهَا وَسِعْرِهَا فَأَقْصَى مُدَّتِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ مُتَضَمِّنًا أَنَّهَا لِلِاخْتِبَارِ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ فَالْمُدَّةُ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَشَبَهُهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَأَقْصَى الْمُدَّةِ بَرِيدٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَرِيدَانِ عِنْدَ أَشْهَبَ.وَقَدْ أُلْحِقَ بِالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ يَوْمٌ وَاحِدٌ لِتَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ، كَمَا سَلَفَ.

بَقِيَّةُ الْأَشْيَاءِ:

14- وَتَشْمَلُ: الثِّيَابَ، وَالْعُرُوضَ، وَالْمِثْلِيَّاتِ. وَأَقْصَى الْمُدَّةِ لَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَيَلْحَقُ بِهَا يَوْمٌ.وَقَدْ أَطْلَقَ الْخَرَشِيُّ لَفْظَ (الْمِثْلِيَّاتِ) عَلَى كُلِّ مَا عَدَا (الرَّقِيقِ وَالْعَقَارِ وَالدَّوَابِّ) وَبِالرَّغْمِ مِنْ شُمُولِ الْمِثْلِيَّاتِ لِلْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ إِلاَّ أَنَّ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ حُكْمًا خَاصًّا بِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمُدَّةُ نَظَرًا لِطَبِيعَتِهِمَا الْخَاصَّةِ مِنْ تَسَارُعِ التَّلَفِ إِلَيْهِمَا، فَالْخُضَرُ وَالْفَوَاكِهُ بِخَاصَّةٍ أَمَدُ الْخِيَارِ فِيهِمَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْمُدَّةُ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ فِيهَا.

الِاتِّجَاهُ الثَّالِثُ- التَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ:

15- وَهَذَا التَّحْدِيدُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا مَهْمَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، مَعَ الْمَنْعِ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا.وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ زُفَرَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ.

وَقَدِ احْتَجَّ لِهَذَا التَّحْدِيدِ بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ السَّابِقِ ذِكْرُهُ لِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

وَالْبَيَانُ الدَّقِيقُ لِمُسْتَنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَحْدِيدِ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُهُ أَبُو يُوسُفَ، فَقَدْ قَالَ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ: لَا يَكُونُ الْخِيَارُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ».فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخِيَارَ كُلَّهُ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-.

وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: (الْخِيَارُ جَائِزٌ شَهْرًا كَانَ أَوْ سَنَةً وَبِهِ نَأْخُذُ).وَنَحْوُهُ مُسْتَنَدُ الشَّافِعِيِّ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ لَحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلَاثٍ فِيمَا ابْتَاعَ، انْتَهَيْنَا إِلَى مَا قَالَ- صلى الله عليه وسلم-.

كَمَا احْتَجُّوا لَهُ مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْخِيَارَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَدْ جَازَ لِلْحَاجَةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَآخِرُ الْقِلَّةِ ثَلَاثٌ، وَاحْتَجَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ بَعْدَمَا أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ حِبَّانَ.

الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ:

16- إِذَا زَادَتْ مُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَدَى هَذَا الْفَرِيقِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِ بِالتَّحْدِيدِ بِهَا، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَبَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ لَا يُصَحِّحُ الْعَقْدَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، بَلْ فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ، لِأَنَّ الْمَجْلِسَ ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ، لَا لِفَاسِدٍ، لِوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَثْبُتُ دَائِمًا.

غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ شَرْطِ الْخِيَارِ الزَّائِدِ عَنِ الثَّلَاثِ- أَوْ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ- يُصَحِّحُ الْعَقْدَ، وَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ الْإِسْقَاطُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَمْضِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ.وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ زُفَرُ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزَّائِدِ لَا يُصَحِّحُ الْعَقْدَ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَسَبِ الثُّبُوتِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الصُّوَرِ الْمُفْسِدَةِ: - اشْتِرَاطَ مُشَاوَرَةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ بِأَمَدٍ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْعَقَارِ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَعَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُحَدَّدَةَ لِلْعَقَارِ أَقْصَاهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا.

- اشْتِرَاطَ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُدَّةِ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِكَثِيرٍ، أَمَّا لَوْ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ فَلَا يَضُرُّ.

الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ:

17- فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْمُدَّةِ تَتَّجِهُ الْمَذَاهِبُ إِلَى أَرْبَعَةِ اتِّجَاهَاتٍ: بُطْلَانِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ- بُطْلَانِ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ- صِحَّةِ الْعَقْدِ وَتَعْدِيلِ الشَّرْطِ- صِحَّةِ الْعَقْدِ وَبَقَاءِ الشَّرْطِ بِحَالِهِ.

أ- بُطْلَانُ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادُهُ، فَالْبُطْلَانُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ- وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى فَسَادِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَ الْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ أَوِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْحَصَادِ مَثَلًا، كَمَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخِيَارِ الْمُفْسِدِ لَوْ أَبْطَلَ خِيَارَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ، أَوْ سَقَطَ بِسَبَبٍ مَا وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ التَّالِيَةِ لِلْعَقْدِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الْمُشْتَرِطِ حُصُولَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ) انْقَلَبَ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَ الْجَمِيعِ- بَلْ لَوْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ- لِحَذْفِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ لِأَنَّهُمَا يُجِيزَانِ الزِّيَادَةَ عَنِ الثَّلَاثَةِ.

ب- بُطْلَانُ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لِأَحْمَدَ وَمَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى

ج- صِحَّةُ الْعَقْدِ وَتَعْدِيلُ الشَّرْطِ، فَالْخِيَارُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُؤَبَّدُ هُنَا يُخَوِّلُ الْقَاضِي تَحْدِيدَ الْمُدَّةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي الْعَادَةِ لِاخْتِبَارِ مِثْلِ السِّلْعَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُقَيَّدٌ فِي الْعَادَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَيْهِ.وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.

وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ إِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلَاثًا، لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ.

د- صِحَّةُ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الشَّرْطِ بِحَالِهِ: فَيَبْقَى الْخِيَارُ مُطْلَقًا أَبَدًا كَمَا نَشَأَ حَتَّى يَصْدُرَ مَا يُسْقِطُهُ.وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَقَوْلٌ لِأَحْمَدَ.

تَأْبِيدُ الْخِيَارِ:

18- مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ فِي الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ (أَبَدًا) أَوْ (أَيَّامًا).

التَّوْقِيتُ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ:

19- مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَقُدُومِ فُلَانٍ، وَمَوْتِ فُلَانٍ، وَوَضْعِ الْحَامِلِ وَنَحْوِهِ.أَوْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً، كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ.

ثَالِثًا- شَرِيطَةُ الِاتِّصَالِ، وَالْمُوَالَاةِ

20- الْمُرَادُ بِالِاتِّصَالِ أَنْ تَبْدَأَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ فَوْرِ إِبْرَامِ الْعَقْدِ، أَيْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَرَاخَى عَنْهُ، فَلَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ تَبْدَأُ مِنَ الْغَدِ، أَوْ تَبْدَأُ مَتَى شَاءَ..أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ، فَسَدَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْتَضَى هُنَا: حُصُولُ آثَارِهِ مُبَاشَرَةً.هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ.لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنِ الْعَقْدِ) لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يُبْطِلُونَ هَذَا الْعَقْدَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ نَظَرًا لِذَهَابِهِمْ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ مُنْعَقِدٌ وَيَحْتَمِلُ بَعْضُهُ التَّصْحِيحَ، وَسَبِيلُ ذَلِكَ هُنَا اعْتِبَارُ الْمُدَّةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ مَبْدَأِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ مَشْمُولَةً بِالشَّرْطِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ، مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَاشْتَرَطَ خِيَارَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (الْيَوْمُ الْآخِرُ مِنْ رَمَضَانَ وَالْيَوْمَانِ مِمَّا بَعْدَهُ).

وَهَكَذَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْمُدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ وَمَا بَعْدَهَا.أَمَّا إِذَا كَانَ الِاشْتِرَاطُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ بِإِرَادَةِ كُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ وَبِإِرَادَةِ الْقَاضِي، وَمِثَالُهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ- عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ- مَا لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَهُ كَذَا يَوْمًا مِمَّا بَعْدَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ. 21- وَيَتْبَعُ شَرِيطَةَ الِاتِّصَالِ شَرِيطَةٌ أُخْرَى يُمْكِنُ تَسْمِيَتُهَا «الْمُوَالَاةَ» لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا: تَتَابُعُ أَجْزَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ.فَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى أَنَّهُ يَوْمًا يَثْبُتُ وَيَوْمًا لَا يَثْبُتُ فَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا- وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ-: الصِّحَّةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، لِإِمْكَانِهِ، وَالْبُطْلَانُ فِيمَا بَعْدَهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَعُدْ إِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ.

وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: (احْتِمَالُ) بُطْلَانِ الشَّرْطِ كُلِّهِ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ تَنَاوَلَ الْخِيَارَ فِي أَيَّامٍ، فَإِذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ جَمِيعُهُ.

رَابِعًا- تَعْيِينُ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ:

22- مُسْتَحِقُّ الْخِيَارِ أَوْ صَاحِبُ الْخِيَارِ: هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يَكُونُ إِلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْخِيَارِ وَمُمَارَسَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُشْتَرِطَهُ أَوْ خُوِّلَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَاقِدِ الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَرَفًا فِي الْعَقْدِ أَمْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَلَا يَصِحُّ تَطَرُّقُ الْجَهَالَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ، فَلَوِ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنَا هَلْ هُوَ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِشَخْصٍ مَا يُعَيِّنُهُ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَعْدُ، أَوْ لِمَنْ يَشَاءُ أَحَدُهُمَا، فَهَذَا كُلُّهُ فِيهِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ. وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ.لِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ تَعْيِينًا مُشَخَّصًا أَهُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُهُ بِالذَّاتِ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الصِّفَةِ (مَثَلًا) كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِأَحَدِ التُّجَّارِ أَوِ الْخُبَرَاءِ دُونَ تَحْدِيدٍ.وَقَالَ النَّوَوِيُّ: (لَوْ يُشْرَطُ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ، الْأَصَحُّ: الصِّحَّةُ).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


91-موسوعة الفقه الكويتية (دعوة 1)

دَعْوَةٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الدَّعْوَةُ مَصْدَرُ (دَعَا) تَقُولُ: دَعَوْتُ زَيْدًا دُعَاءً وَدَعْوَةً، أَيْ نَادَيْتُهُ.

وَقَدْ تَكُونُ لِلْمَرَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} أَيْ دَعَاكُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً.

وَالدَّعْوَةُ تَأْتِي فِي اللُّغَةِ لِمَعَانٍ مِنْهَا:

أ- النِّدَاءُ، تَقُولُ دَعَوْتُ فُلَانًا أَيْ نَادَيْتُهُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي مَعْنَى (دَعَا) مُطْلَقًا وَلَوْ مِنَ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى، وَمِنْهُ قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}

ب- الطَّلَبُ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى، وَمِنْهُ قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ الدُّعَاءِ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنَ (الدَّعْوَةِ).وَمِثْلُهُ (الدَّعْوَى) كَمَا فِي قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أَيْ آخِرُ دُعَائِهِمْ، وَقَدْ يُخَصُّ بِطَلَبِ الْحُضُورِ، تَقُولُ: (دَعَوْتُ فُلَانًا) أَيْ قُلْتُ لَهُ تَعَالَ.

ج- وَالدَّعْوَةُ الدِّينُ أَوِ الْمَذْهَبُ، حَقًّا كَانَ أَمْ بَاطِلاً، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}.

د- وَالدَّعْوَةُ مَا دَعَوْتَ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ.

وَخَصَّهَا اللِّحْيَانِيُّ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ، وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ.

هـ- وَالدَّعْوَةُ الْحِلْفُ، أَيْ لِأَنَّهُ يُدْعَى بِهِ لِلِانْتِصَارِ.

و- وَالدَّعْوَةُ النَّسَبُ، تَقُولُ: فُلَانٌ يُدْعَى لِفُلَانٍ، أَيْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لآِبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} وَالْمَنْسُوبُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ يُقَالُ لَهُ: الدَّعِيُّ، وَأَكْثَرُ الْعَرَبِ يَقُولُونَ فِي النَّسَبِ (الدَّعْوَةُ) وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الدِّعْوَةُ (بِكَسْرِ الدَّالِ) فِي النَّسَبِ، وَالدَّعْوَةُ فِي الطَّعَامِ، وَعَدِيُّ بْنُ الرَّبَابِ عَلَى الْعَكْسِ يَفْتَحُونَ الدَّالَ فِي النَّسَبِ وَيَكْسِرُونَ فِي الطَّعَامِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالضَّمِّ.

ز- وَالدَّعْوَةُ الْأَذَانُ أَوِ الْإِقَامَةُ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ، وَالْحُكْمُ فِي الْأَنْصَارِ، وَالدَّعْوَةُ فِي الْحَبَشَةِ» جَعْلُ الْأَذَانِ فِي الْحَبَشَةِ تَفْضِيلاً لِمُؤَذَّنِ بِلَالٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْأَذَانِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَعْوَةٌ إِلَى الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْمُجِيبُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ...إِلَخْ».

وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ.

2- وَسَنَقْصِرُ الْبَحْثَ فِي هَذَا الْمُصْطَلَحِ عَلَى الْمَعَانِي التَّالِيَةِ:

أ- الدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى طَلَبِ الدُّخُولِ فِي الدِّينِ وَالِاسْتِمْسَاكِ بِهِ.

ب- وَالدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى الْمُنَادَاةِ وَطَلَبِ الْحُضُورِ إِلَى الدَّاعِي.

وَأَمَّا الدَّعْوَةُ: بِمَعْنَى الدُّعَاءِ.وَهُوَ الرَّغْبَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يُجِيبَ سُؤَالَ الدَّاعِي وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي (دُعَاءٌ).

وَأَمَّا الدَّعْوَةُ بِمَعْنَى النَّسَبِ فَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي: (نَسَبٌ).

أَوَّلاً:

الدَّعْوَةُ بِمَعْنَى الدِّينِ «أَوِ الْمَذْهَبِ» أَوْ بِمَعْنَى الدُّخُولِ فِيهِمَا:

3- أَمَّا بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَوَاضِحٌ مَأْخَذُهُ لُغَةً، فَإِنَّ الدَّاعِيَ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يُتَابِعَهُ عَلَى دِينِهِ، وَالطَّلَبُ دَعْوَةٌ.

وَأَمَّا إِطْلَاقُ الدَّعْوَةِ عَلَى الدِّينِ نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلِأَنَّ صَاحِبَهُ يَدْعُو إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قوله تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ) قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَيْ لِأَنَّهَا يُدْعَى إِلَيْهَا أَهْلُ الْمِلَلِ الْكَافِرَةِ.وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى هِرَقْلَ: «إِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَاعِيَةِ الْإِسْلَامِ».قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: أَيْ بِدَعْوَتِهِ.

وَيُطْلَقُ عَلَى الْأَدْيَانِ وَالْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ أَنَّهَا دَعَوَاتٌ، كَدَعَوَاتِ الْمُتَنَبِّئِينَ، وَأَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْفَاسِدَةِ الْمُبْتَدَعَةِ، كَالدَّعَوَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي أَكْثَرَتْ مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمُصْطَلَحِ وَمُشْتَقَّاتِهِ، غَيْرَ أَنَّ «الدَّعْوَةَ» إِذَا أُطْلِقَتْ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فَالْمَعْنِيُّ بِهَا دَعْوَةُ الْحَقِّ وَهِيَ الدَّعْوَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، كَقَوْلِهِمْ فِي أَبْوَابِ الْجِهَادِ: «لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُقَاتِلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ».

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

4- أ- الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ:

الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْسَعُ دَلَالَةً مِنَ «الدَّعْوَةِ»، إِذْ أَنَّ «الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ» أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ وَالصَّلَاحُ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَالْإِشْرَاكُ بِهِ وَمَعْصِيَتُهُ.

(وَالدَّعْوَةُ) تَهْدُفُ إِلَى الْإِقْنَاعِ وَالْوُصُولِ إِلَى قُلُوبِ الْمَدْعُوِّينَ لِلتَّأْثِيرِ فِيهَا حَتَّى تَتَحَوَّلَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِعْرَاضِ أَوِ الْعِنَادِ، إِلَى الْإِقْبَالِ وَالْمُتَابَعَةِ، أَمَّا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَدْ يَهْدُفُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ يَهْدُفُ إِلَى مُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَعْرُوفِ وَزَوَالِ الْمُنْكَرِ، سَوَاءٌ أَحَصَلَ الِاقْتِنَاعُ وَالْمُتَابَعَةُ أَمْ لَمْ يَحْصُلَا.

وَعَلَى هَذَا فَالدَّعْوَةُ أَخَصُّ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

ب- الْجِهَادُ:

5- الْجِهَادُ الْقِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْجِهَادُ فِعْلٌ، وَالْجِهَادُ لَيْسَ هُوَ الدَّعْوَةُ، بَلِ الدَّعْوَةُ مُطَالَبَةُ الْكَافِرِ وَنَحْوِهِ بِالْإِيمَانِ وَالِاتِّبَاعِ، وَالدَّعْوَةُ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقِتَالِ، كَمَا سَيَأْتِي.

ج- الْوَعْظُ:

6- الْوَعْظُ وَالْعِظَةُ: النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ، قَالَ ابْنُ سِيدَةَ: هُوَ تَذْكِيرُكَ لِلْإِنْسَانِ بِمَا يُلَيِّنُ قَلْبَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَةِ، إِذِ الدَّعْوَةُ تَكُونُ أَيْضًا بِالْمُجَادَلَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ وَكَشْفِ الشُّبَهِ وَتَبْلِيغِ الدِّينِ مُجَرَّدًا.

حُكْمُ الدَّعْوَةِ:

7- الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ لَازِمٌ، لقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} وَقَوْلِهِ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ هَلْ هُوَ عَيْنِيٌّ أَمْ كِفَائِيٌّ.

وَتَفْصِيلُهُ ذُكِرَ فِي مُصْطَلَحِ: «أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ».

فَضْلُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى:

8- يَتَبَيَّنُ فَضْلُ الْقِيَامِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوهٍ: 9- الْوَجْهُ الْأَوَّلُ:

أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَوَلاَّهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكُتُبَ وَأَيَّدَهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ، وَأَمَرَ بِالتَّقْوَى، وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ نَصَبَ الْأَدِلَّةَ عَلَى كَوْنِهِ الرَّبَّ الْخَالِقَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَدَ، وَفِي كُتُبِهِ ذَكَرَ الْبَرَاهِينَ الَّتِي تُثْبِتُ ذَلِكَ، ثُمَّ بَشَّرَ وَحَذَّرَ وَأَنْذَرَ، وَقَالَ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

وَتَوَلَّى الدَّعْوَةَ أَيْضًا رُسُلُهُ ((بِتَكْلِيفٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ مَضْمُونَ الرِّسَالَةِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} وَقَالَ: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

وَآخِرُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدَّدَ لَهُ مَهَامَّ الرِّسَالَةِ وَمِنْهَا الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ تَعَالَى، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًّا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}.

فَوَظِيفَةُ الدَّاعِيَةِ إِذَنْ مِنَ الشَّرَفِ فِي مَرْتَبَةٍ عَالِيَةٍ، إِذْ أَنَّهَا تَبْلِيغُ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمُتَابَعَةُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ، وَالسَّيْرُ عَلَى طَرِيقِهِمْ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ دُعَاءِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ أَنْ يَقُولُوا: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} قَالَ قَتَادَةُ: «أَيْ قَادَةً فِي الْخَيْرِ، وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِنَا فِي الْخَيْرِ».

10- الْوَجْهُ الثَّانِي:

مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} فَإِنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ، وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ، هُوَ أَحْسَنُ الْقَوْلِ، وَأَعْلَاهُ مَرْتَبَةً، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِشَرَفِ غَايَاتِهِ وَعِظَمِ أَثَرِهِ.

11- الْوَجْهُ الثَّالِثُ:

مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} وَقَوْلُهُ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فَالْآيَةُ تُبَيِّنُ أَفْضَلِيَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَأَنَّهُ هُوَ دَعْوَةُ النَّاسِ، وَالتَّسَبُّبُ فِي إِيمَانِهِمْ، وَفِي مُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْمَعْرُوفِ وَانْتِهَائِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ: حَصَرَتِ الْفَلَاحَ فِي الدُّعَاةِ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِينَ، عَنِ الْمُنْكَرِ.

12- الْوَجْهُ الرَّابِعُ:

مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ» فَفِيهِ عِظَمُ أَجْرِ الدُّعَاةِ إِذَا اهْتَدَى بِدَعْوَتِهِمْ أَقْوَامٌ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رضي الله عنه- لَمَّا أَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ».

أَهْدَافُ الدَّعْوَةِ وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهَا:

13- يَهْدُفُ تَشْرِيعُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَى تَحْقِيقِ أَغْرَاضٍ سَامِيَةٍ مِنْهَا:

1- إِرْشَادُ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى أَعْلَى حَقٍّ فِي هَذَا الْوُجُودِ، إِذْ بِدُونِ الدَّعْوَةِ لَا يَتَمَكَّنُ الْبَشَرُ مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ، وَيَبْقَوْنَ فِي تَخَبُّطٍ مِنْ أَمْرِ أَصْلِ الْخَلْقِ وَالْغَرَضِ مِنْهُ، وَمَآلِهِ، وَوَضْعِ الْإِنْسَانِ فِي هَذَا الْكَوْنِ، فَتَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَاتُ وَالْأَوْهَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ}: أَيْ بِالْكِتَابِ وَهُوَ الْقُرْآنِ، أَيْ بِدُعَائِكَ إِلَيْهِ مِنْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ بِتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُمْ وَلُطْفِهِ بِهِمْ، وَأُضِيفَ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ الدَّاعِي، وَالْمُنْذِرُ الْهَادِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.

2- إِنْقَاذُ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ أَسْبَابِ الدَّمَارِ وَالْهَلَاكِ، فَإِنَّ الْبَشَرَ إِذَا سَارُوا فِي حَيَاتِهِمْ بِمُجَرَّدِ عُقُولِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ وَغَرَائِزِهِمْ، لَا يَسْتَطِيعُونَ تَوَقِّي مَا يَضُرُّهُمْ، وَيُؤَدِّي بِهِمْ إِلَى الْفَسَادِ فِي الْغَالِبِ، وَالشَّرَائِعُ الْإِلَهِيَّةُ جَاءَتْ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي تَكْفُلُ لِمُتَّبِعِيهَا السَّعَادَةَ وَالصَّلَاحَ وَاسْتِقَامَةَ الْأُمُورِ.قَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} أَيْ يُحْيِي دِينَكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ، أَوْ إِلَى مَا يُحْيِي بِهِ قُلُوبَكُمْ فَتُوَحِّدُوهُ، وَهَذَا إِحْيَاءٌ مُسْتَعَارٌ، لِأَنَّهُ مِنْ مَوْتِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْجُمْهُورُ: اسْتَجِيبُوا لِلطَّاعَةِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ، فَفِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ وَالنِّعْمَةُ السَّرْمَدِيَّةُ.

3- تَحْقِيقُ الْغَايَةِ مِنَ الْخَلْقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْكَوْنَ وَمَهَّدَهُ لِلنَّاسِ لِيُعْبَدَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونَ}

قَالَ عَلِيٌّ- رضي الله عنه- : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لآِمُرَهُمْ بِالْعِبَادَةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلاَّ لِيَعْرِفُونِي.قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخْلُقْهُمْ لَمَا عُرِفَ وُجُودُهُ وَتَوْحِيدُهُ.

وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالدَّعْوَةِ، لِيَتَمَكَّنَ الْخَلْقُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُجُوهِ الَّتِي يُرِيدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُعْبَدَ بِهَا، فَإِنَّ الْعَقْلَ لَا يَهْتَدِي لِذَلِكَ مِنْ دُونِ أَنْ يُبَلَّغَ بِهِ مِمَّنْ يُعَلِّمُهُ.

4- إِقَامَةُ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، بِأَنَّ دِينَهُ وَشَرَائِعَهُ قَدْ بَلَغَتْهُمْ حَتَّى إِنْ عَذَّبَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَذَابُهُ ظُلْمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.

5- تَحْقِيقُ الْهِدَايَةِ وَالرَّحْمَةِ الْمَقْصُودَةِ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} وَقَالَ عَنْ كِتَابِهِ: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فَالدَّعْوَةُ هِيَ الْوَسِيلَةُ إِلَى إِطْلَاعِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالرَّسُولِ وَالْكِتَابِ عَلَى حَقِيقَتِهِمَا وَحَقِيقَةِ مَا جَاءَا بِهِ، فَتَعُمُّ الرَّحْمَةُ وَالْهِدَايَةُ إِلَى الْمَدَى الَّذِي يَشَاءُ إِلَيْهِ.

6- تَكْثِيرُ عَدَدِ الْأَقْوَامِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، وَتَحْقِيقُ عِزَّةِ شَأْنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.

7- مَا تَقَدَّمَ هُوَ فِي دَعْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا الدَّعْوَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْهَدَفُ مِنْهَا تَذْكِيرُ الْغَافِلِينَ وَالْعُصَاةِ، وَالْعَوْدَةُ بِالْمُنْحَرِفِينَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَتَقْلِيلُ الْمَفَاسِدِ فِي الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، وَإِزَالَةُ الشُّبَهِ الَّتِي يَنْشُرُهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ، وَتَكْثِيرُ الْمُلْتَزِمِينَ الْمُتَمَسِّكِينَ بِتَعَالِيمِ الدِّينِ لِيَعِيشَ الْمُؤْمِنُونَ- وَمِنْهُمُ الدُّعَاةُ أَنْفُسُهُمْ- فِي عِزَّةٍ وَقُوَّةٍ، وَفِي أَمْنٍ وَرَخَاءٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَثُرَ الْمُنْكَرُ وَأَهْلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى ضَعْفِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَذُلِّهِمْ بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ، وَإِذَا كَثُرَ الْمُنْكَرُ وَأَهْلُهُ حَتَّى غَلَبُوا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفِتَنِ وَالْعُقُوبَةِ الَّتِي قَدْ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}.

الدَّعْوَةُ إِلَى الْبَاطِلِ:

14- حَرَّمَ الْإِسْلَامُ الدَّعْوَةَ إِلَى الْبَاطِلِ، وَشَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى دُعَاةِ الْبَاطِلِ فِي آيَاتٍ صَرِيحَةٍ وَأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ، كَمَا حَذَّرَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مِنْ مُسَانَدَةِ الدَّاعِينَ إِلَى الْبَاطِلِ أَوْ تَسْهِيلِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ.فَحَذَّرَ اللَّهُ مِنْ دَعْوَةِ شَيْطَانِ الْجِنِّ الْإِنْسَانَ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، بِأَنْ أَخْبَرَنَا بِمَقَالَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلضَّالِّينَ وَلِلْعُصَاةِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَكَذَلِكَ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ يَقُولُ لَهُمُ الْمَدْعُوُّونَ الَّذِينَ ضَلُّوا بِسَبَبِهِمْ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} وَحَذَّرَ مِنْ مَصِيرِ دُعَاةِ الْبَاطِلِ وَأَتْبَاعِهِمْ فَقَالَ فِي فِرْعَوْنَ وَآلِهِ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}

وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْبَاطِلِ يَحْمِلُ بِالْإِضَافَةِ إِلَى وِزْرِ نَفْسِهِ أَوْزَارَ مَنْ ضَلُّوا بِدَعْوَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّ الدُّعَاةَ عَلَيْهِمْ إِثْمُ ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِثْمٌ آخَرُ، بِسَبَبِ مَا أَضَلُّوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ أُولَئِكَ شَيْءٌ، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- : «مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا الشَّرَّ فَقَالَ: دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قَالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» الْحَدِيثَ.وَكُلُّ هَذَا يُوجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحَذَرَ مِنْ دَعْوَةِ الْبَاطِلِ وَمِمَّنْ يَحْمِلُ تِلْكَ الدَّعْوَةَ.

بَيَانُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ:

15- أَوَّلُ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ الْكَافِرُ الَّذِي لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، الْإِيمَانُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَوْحِيدُهُ، وَالتَّصْدِيقُ بِكِتَابِهِ، وَالْإِيمَانُ بِرَسُولِهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْإِيمَانُ بِسَائِرِ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمُتَابَعَةُ أَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، وَاتِّبَاعُ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ- صلى الله عليه وسلم- وَتَعْظِيمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالِالْتِزَامُ بِسَائِرِ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ، وَعَلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَتَزْكِيَةُ النَّفْسِ مِنْ شَوَائِبِ النِّفَاقِ وَالرِّيَاءِ، وَتَرْكُ مَا كَرِهَهُ الشَّرْعُ، وَتَعَلُّمُ الْقُرْآنِ وَالْأَحْكَامِ.

16- وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ تَقْدُمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ- وَفِي رِوَايَةٍ: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ- فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ»- وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنْ أَطَاعُوا بِذَلِكَ- فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَدَأَ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ الدِّينِ الَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ غَيْرُهُ إِلاَّ بِهِمَا، فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُوَحِّدٍ فَالْمُطَالَبَةُ مُتَوَجِّهَةٌ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَمَنْ كَانَ مُوَحِّدًا فَالْمُطَالَبَةُ لَهُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: بَدَأَ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَذَلِكَ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي الْخِطَابِ لِأَنَّهُ لَوْ طَالَبَهُمْ بِالْجَمِيعِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لَمْ يَأْمَنِ النُّفْرَةَ.

وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ- صلى الله عليه وسلم- بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ فَقَالَ: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}.

وَفِي بَعْضِ الْآيَاتِ عَبَّرَ بِالدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} وَهَذَا أَعْظَمُ مَا دَعَا إِلَيْهِ الرُّسُلُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْلِ نُوحٍ ((: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} وَقَوْلُ كُلٍّ مِنْ هُودٍ وَصَالِحٍ- عليهما السلام- : {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

وَاجِبُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إِلَى الْحَقِّ:

17- مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى قَبُولِهِ، وَالرِّضَا بِهِ، وَمُتَابَعَةُ الدَّاعِي إِلَيْهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَفَتَحَ لَهُ بِهِ بَابًا لِيَدْخُلَ إِلَى مَأْدُبَتِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ نَائِمٌ إِلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَحَمَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً، وَبَعَثَ دَاعِيًا، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ» فَأَوَّلُوا الرُّؤْيَا فَقَالُوا:

«الدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ- صلى الله عليه وسلم- فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ الْمَدْعُوُّ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ لَهُ بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ فَقَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةَ الْمُشْرِكِينَ وَالْكَافِرِينَ، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وَقَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكْتَفِيَ بِالتَّسَمِّي بِالْإِسْلَامِ، بَلْ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِأَحْكَامِهِ وَالْعَمَلُ بِهَا، وَالتَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا يُنَافِي الْإِسْلَامَ مِنَ الِاعْتِمَادَاتِ وَالْعَادَاتِ.

مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ:

18- مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ لَا يُكَلَّفُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا إِذَا رَغِبَ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ فِي دُخُولِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ لِيَسْمَعَ الْقُرْآنَ، وَيَعْلَمَ مَا جَاءَ بِهِ، وَيَفْهَمَ أَحْكَامَهُ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ، فَيَجِبُ إِعْطَاؤُهُ الْأَمَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ قَبِلَ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِلاَّ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ.قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ}.

أَمَّا مِنْ حَيْثُ النَّجَاةُ فِي الْآخِرَةِ، فَقَدْ قَسَّمَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ النَّاسَ فِي شَأْنِ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

الْأَوَّلُ: مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا بِالْمَرَّةِ، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ نَاجُونَ.

الثَّانِي: مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَدِلَّتِهَا اسْتِكْبَارًا أَوْ إِهْمَالاً أَوْ عِنَادًا، قَالَ: وَهَؤُلَاءِ مُؤَاخَذُونَ.

الثَّالِثُ: مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، كَمَنْ بَلَغَهُ اسْمُ مُحَمَّدٍ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَعْتُهُ وَصِفَتُهُ، بَلْ سَمِعُوا مُنْذُ الصِّبَا بِاسْمِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ مُتَّهَمًا بِالتَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ فِي مَعْنَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ.

الْمُكَلَّفُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ:

19- الْإِمَامُ أَوْلَى النَّاسِ بِإِقَامَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ لأُِمُورٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ إِنَّمَا هِيَ لِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَحِرَاسَةُ الدِّينِ تَتَضَمَّنُ الْحِرْصَ عَلَى نَشْرِهِ، وَتَقْوِيَتِهِ، وَقِيَامِ الْعَمَلِ بِهِ، وَاسْتِمْرَارِ كَلِمَتِهِ عَالِيَةً، وَتَتَضَمَّنُ الدِّفَاعَ عَنْهُ ضِدَّ الشُّبُهَاتِ، وَالضَّلَالَاتِ، الَّتِي يُلْقِيهَا وَيَبُثُّهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ.قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: «وَلِيُّ الْأَمْرِ إِنَّمَا نُصِّبَ لِيَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَذَلِكَ هُوَ مَقْصُودُ الْوِلَايَةِ» كَمَا أَنَّ مِنْ وَاجِبِ الْإِمَامِ إِقَامَةُ الْجِهَادِ لِنَشْرِ الْإِسْلَامِ، وَالْجِهَادُ فِي ذَلِكَ نَوْعٌ مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ هُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الرَّاجِحِ، وَفُرُوضُ الْكِفَايَاتِ عَلَى الْإِمَامِ الْقِيَامُ بِهَا أَوْ تَكْلِيفُ مَنْ يَقُومُ بِهَا، كَتَكْلِيفِهِ لِلْقُضَاةِ، وَالْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِ، وَأَهْلِ الْجِهَادِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ مَا حَصَلَ لِلْإِمَامِ مِنَ التَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ صَالِحًا فِي نَفْسِهِ مُحَاوِلاً الْإِصْلَاحَ جَهْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

20- وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ مُكَلَّفٌ بِهَا كُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ الْكِفَائِيِّ أَوِ الْعَيْنِيِّ، فَلَيْسَتْ خَاصَّةً بِالْعُلَمَاءِ الَّذِينَ بَلَغُوا فِي الْعِلْمِ الْمَرَاتِبَ الْعَالِيَةَ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي عَالِمًا بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- : «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ».وَقَوْلِهِ:

«بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» وَقَالَ بَعْدَ أَنْ خَطَبَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ».

فَالْمُسْلِمُ يَدْعُو إِلَى أَصْلِ الْإِسْلَامِ، وَإِلَى أَصْلِ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُ كَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَكَفِعْلِ الصَّلَاةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلَى نَحْوِ تَرْكِ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ مِنَ الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالْعُقُوقِ، وَالْفُحْشِ فِي الْقَوْلِ.وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى شَيْءٍ يَجْهَلُهُ، لِئَلاَّ يَكُونَ عَلَيْهِ إِثْمُ مَنْ يُضِلُّهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَخْتَصُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَكَشْفِ الشُّبَهِ، وَجِدَالِ أَصْحَابِهَا، وَرَدِّ غُلُوِّ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا الدَّعْوَةُ إِلَى مَسَائِلَ جُزْئِيَّةٍ إِذَا عَلِمُوهَا وَأَصْبَحُوا بِهَا عَلَى بَصِيرَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ التَّبَحُّرُ فِي الْعِلْمِ الدِّينِيِّ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ، فَكُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ يَدْعُو إِلَى مَا هُوَ عَالِمٌ بِهِ.قَالَ الْغَزَالِيُّ: «وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَمَحَلَّةٍ مِنَ الْبَلَدِ فَقِيهٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ، وَكَذَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ» ثُمَّ قَالَ: «وَكُلُّ عَامِّيٍّ عَرَفَ شُرُوطَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَ غَيْرَهُ، وَإِلاَّ فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْإِثْمِ..وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُولَدُ عَالِمًا بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّبْلِيغُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ.فَكُلُّ مَنْ تَعَلَّمَ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا.وَالْإِثْمُ- أَيْ فِي تَرْكِ التَّبْلِيغِ- عَلَى الْفُقَهَاءِ أَشَدُّ لِأَنَّ قُدْرَتَهُمْ فِيهِ أَظْهَرُ، وَهُوَ بِصِنَاعَتِهِمْ أَلْيَقُ».

شُرُوطُ الدَّاعِيَةِ:

21- يُشْتَرَطُ فِي الدَّاعِيَةِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا (أَيْ مُسْلِمًا عَاقِلاً بَالِغًا) وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا عَادِلاً، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ مُكَلَّفَةٌ بِالدَّعْوَةِ، مُشَارِكَةٌ لِلرَّجُلِ فِيهَا.

وَرَاجِعْ هُنَا مُصْطَلَحَ: (الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ) (ف 4).

أَخْلَاقُ الدَّاعِيَةِ وَآدَابُهُ:

22- يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَخْلَاقُ الدَّاعِيَةِ مُنْسَجِمَةٌ وَمُتَّفِقَةٌ مَعَ مَضْمُونِ الدَّعْوَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَمَثَّلُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَفِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْخَيْرَ كُلَّهُ، مِنَ الْكَرَمِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالْوَفَاءِ، وَالصِّدْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْتَارَ مُحَمَّدًا- صلى الله عليه وسلم- لِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ أَدَّبَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهُ، وَجَعَلَهُ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ تَخَلُّقَ الدَّاعِي بِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ وَاصْطِبَاغَهُ بِصِبْغَتِهِ، يُعِينُهُ عَلَى الدَّعْوَةِ، فَإِنَّهُ يُيَسِّرُ عَلَى الْمَدْعُوِّينَ قَبُولَ الدَّعْوَةِ، إِذْ يَرَوْنَ دَاعِيَهُمْ مُمْتَثِلاً لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، كَمَا قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلَا وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ وَمَالٍ وَمَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ يُوضَعُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ اللَّهَ قَضَى أَنَّ أَوَّلَ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ».

الرَّابِعُ: أَنَّ مُوَافَقَةَ أَخْلَاقِ الدَّاعِي لِمَضْمُونِ دَعْوَتِهِ يُؤَكِّدُ مَضْمُونَ الدَّعْوَةِ وَيُقَوِّيهِ فِي نُفُوسِ الْمَدْعُوِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مَثَلاً حَيًّا لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَنَمُوذَجًا عَمَلِيًّا يَحْتَذِيهِ الْأَتْبَاعُ، وَيَخْرُجُ فِي أَنْفُسِهِمْ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونُ الدَّعْوَةِ أَمْرًا خَيَالِيًّا بَعِيدًا عَنِ الْوَاقِعِ.هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ الْمَدْعُوَّ يَتَعَلَّمُ مِنْ أَخْلَاقِ الدَّاعِيَةِ مِنَ التَّفَاصِيلِ مَا قَدْ لَا تُبَلِّغُهُ الدَّعْوَةُ الْقَوْلِيَّةُ.

وَلَوْ أَنَّ أَخْلَاقَ الدَّاعِي كَانَتْ عَلَى خِلَافِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا ضِمْنِيًّا لِدَعْوَتِهِ، وَإِضْعَافًا لَهَا فِي نُفُوسِ الْمَدْعُوِّينَ وَالْأَتْبَاعِ، وَالْمَعْصِيَةُ قَبِيحَةٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلَكِنَّهَا مِنَ الدَّاعِيَةِ أَشَدُّ قُبْحًا وَسُوءًا.وَهُوَ مُهْلِكٌ لِدَعْوَتِهِ، قَاطِعٌ لِلنَّاسِ عَنِ الْقَبُولِ مِنْهُ.

وَهَذَا الْقَوْلُ صَادِقٌ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ.

الْخَامِسُ: التَّحَلِّي بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنِ الصِّفَاتِ.

عَلَى الدُّعَاةِ أَنْ يَزِيدُوا عِنَايَتَهُمْ بِأَخْلَاقٍ وَصِفَاتٍ مُعَيَّنَةٍ خَاصَّةٍ، لِمَا لَهَا مِنْ مِسَاسٍ بِالدَّعْوَةِ يُؤَدِّي إِلَى نَجَاحِهَا، كَالصَّبْرِ وَالتَّوَاضُعِ، وَالرَّحْمَةِ وَاللِّينِ، وَالرِّفْقِ بِالْمَدْعُوِّينَ، وَالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَالْحُنْكَةِ وَالْفِطْنَةُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ مَنْ يَدْعُوهُمْ، وَمَعَ ظُرُوفِ الدَّعْوَةِ، وَرِعَايَةِ الضُّعَفَاءِ وَالْعَامَّةِ عِنْدَ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ، وَالْفِطْنَةِ فِي التَّعَامُلِ مَعَ أَهْلِ النِّفَاقِ. وَكَذَلِكَ التَّعَاوُنُ وَعَدَمُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدُّعَاةِ، مَعَ التَّحَابِّ وَالتَّوَاصُلِ وَالتَّنَاصُحِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى تُؤْتِيَ الدَّعْوَةُ أُكُلَهَا، وَالْحَذَرُ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَمِمَّنْ يُحَاوِلُونَ إِفْسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ بَيْنَ الدُّعَاةِ.

طُرُقُ الدَّعْوَةِ وَأَسَالِيبُهَا:

23- طُرُقُ الدَّعْوَةِ وَأَسَالِيبُهَا تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ ظُرُوفِ الدَّعْوَةِ، وَبِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَدْعُوِّينَ وَالدُّعَاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ تَعَامُلٌ مَعَ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي طَبَائِعِهَا وَأَمْزِجَتِهَا، وَمَا يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ قَدْ لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِهِ، وَمَا يُؤَثِّرُ فِي إِنْسَانٍ فِي حَالٍ قَدْ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فِي حَالٍ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ لِلدَّاعِيَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْعَمَلِ بِحَسَبِهِ، وَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وَالْحَكِيمُ- كَمَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ- الْمُتْقِنُ لِلْأُمُورِ.

24- وَمِنَ الْأَسَالِيبِ الرَّئِيسِيَّةِ فِي الدَّعْوَةِ الَّتِي سَارَ عَلَيْهَا النَّبِيُّونَ وَعَمِلَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهَا حُجَجُ التَّجَارِبِ:

1- التَّمَسُّكُ بِالْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِي وَسَائِلِ الدَّعْوَةِ، فَلَا يَسْلُكْ وَسَائِلَ غَيْرَ مَشْرُوعَةٍ.

2- التَّدَرُّجُ فِي الدَّعْوَةِ.

3- التَّرَيُّثُ وَالتَّمَهُّلُ وَعَدَمُ اسْتِعْجَالِ النَّتَائِجِ قَبْلَ أَدَائِهَا.

4- التَّصَدِّي لِلشُّبُهَاتِ الَّتِي يَطْرَحُهَا أَعْدَاءُ الدِّينِ لِلتَّشْكِيكِ فِي الدَّعْوَةِ، أَوِ الدُّعَاةِ، وَإِزَالَةُ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ.

5- تَنْوِيعُ أَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ بِاسْتِخْدَامِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.

6- الِاسْتِفَادَةُ مِنَ الْفُرَصِ الْمُتَاحَةِ لِتَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ.

7- تَقْدِيمُ النَّفْعِ، وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ لِكُلِّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، كَإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَكِسْوَةِ الْعَارِي، وَرِعَايَةِ الْيَتِيمِ، وَمَعُونَةِ الْمُضْطَرِّ.

8- إِنْشَاءُ الْمَرَاكِزِ التَّعْلِيمِيَّةِ لِيُتَابَعَ الدَّاخِلُ فِي الْإِسْلَامِ، بِالتَّرْبِيَةِ، وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَسِيرَةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَتَفْقِيهِهِ فِي الدِّينِ، وَاسْتِئْصَالِ بَقَايَا الشِّرْكِ وَالْجَاهِلِيَّةِ، وَأَخْلَاقِهِمَا، وَعَدَاتِهِمَا، وَآدَابِهِمَا، الْمُخَالِفَةِ لِدِينِ اللَّهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


92-موسوعة الفقه الكويتية (ملائكة)

مَلَائِكَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَلَائِكَةُ جَمْعُ الْمَلَكِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهُوَ وَاحِدُ الْمَلَائِكَةِ، قِيلَ: مُخَفَّفٌ مِنْ مَالَكٍ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصْلُهُ مَأْلَكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الْأُلُوكِ وَهِيَ الرِّسَالَةُ، ثُمَّ قُلِبَتْ وَقُدِّمَتِ اللاَّمُ وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْمَلْكُ بِفَتْحِ ثُمَّ سُكُونٍ: وَهُوَ الْأَخْذُ بِقُوَّةٍ، وَأَصْلُ وَزْنِهِ مَفْعَلٌ فَتُرِكَتِ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَظَهَرَتْ فِي الْجَمْعِ، وَزِيدَتِ الْهَاءُ إِمَّا لِلْمُبَالَغَةِ وَإِمَّا لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْمَلَكُ جِسْمٌ لَطِيفٌ نُورَانِيٌّ يَتَشَكَّلُ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَمَسْكَنُهَا السَّمَاوَاتُ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْإِنْسُ:

2- الْإِنْسُ فِي اللُّغَةِ: جَمَاعَةُ النَّاسِ، وَالْوَاحِدُ إِنْسِيٌّ وَأَنَسِيٌّ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُمْ بَنُو آدَمَ، وَالْإِنْسِيُّ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ الْوَحْشِيِّ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ: إِنْسِيٌّ وَوَحْشِيٌّ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنْ نُورٍ، وَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ، وَيَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُطِيعُونَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِنْسُ.

ب- الْجِنُّ:

3- الْجِنُّ فِي اللُّغَةِ: خِلَافُ الْإِنْسِ، وَالْجَانُّ: الْوَاحِدَةُ مِنَ الْجِنِّ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ جِنًّا لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْعُيُونِ، يُقَالُ: جَنَّ اللَّيْلُ: إِذَا سَتَرَ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَهُ قُوَّةُ التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ لِلْمَلَائِكَةِ:

وَرَدَتْ فِي الْمَلَائِكَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أَوَّلًا- الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ

4- مِنْ أَرْكَانِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- عِنْدَمَا سَأَلَ جِبْرِيلٌ- عليه السلام- عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ».فَوُجُودُ الْمَلَائِكَةِ ثَابِتٌ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ شَكٌّ، وَمِنْ هُنَا كَانَ إِنْكَارُ وُجُودِهِمْ كُفْرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ يَنُصُّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ.

ثَانِيًا- صِفَاتُهُمُ الْخِلْقِيَّةُ

5- أَخْبَرَنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا قَبْلَ آدَمَ- عليه السلام-، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

كَمَا أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ، فَقَدْ وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ».

فَتَدُلُّ النُّصُوصُ فِي مَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقَاتٌ نُورَانِيَّةٌ لَيْسَ لَهَا جِسْمٌ مَادِّيٌّ يُدْرَكُ بِالْحَوَّاسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْبَشَرِ فَلَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَنَامُونَ وَلَا يَتَزَوَّجُونَ، مُطَهَّرُونَ مِنَ الشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَمُنَزَّهُونَ عَنِ الْآثَامِ وَالْخَطَايَا، وَلَا يَتَّصِفُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا ابْنُ آدَمَ غَيْرَ أَنَّ لَهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِصُوَرِ الْبَشَرِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثَالِثًا- عِبَادَةُ الْمَلَائِكَةِ لِلَّهِ وَمَا وُكِّلَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ

6- عَلَاقَةُ الْمَلَائِكَةِ بِاللَّهِ هِيَ عَلَاقَةُ الْعُبُودِيَّةِ الْخَالِصَةِ وَالطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ وَالْخُضُوعِ الْمُطْلَقِ لِأَوَامِرِهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}.

وَهُمْ مُنْقَطِعُونَ دَائِمًا لِعِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ أَمْرِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ.

وَعَنْ جَابِرٍ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ قَدَمٍ وَلَا شِبْرٍ وَلَا كَفٍّ إِلاَّ وَفِيهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ مَلَكٌ سَاجِدٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالُوا جَمِيعًا: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ إِلاَّ أَنَّا لَمْ نُشْرِكْ بِكَ شَيْئًا».

7- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَنَّهَا مُوَكَّلَةٌ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَكَّلَ بِالْجِبَالِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسَّحَابِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَائِكَةً تُدَبِّرُ أَمْرَ النُّطْفَةِ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهَا، ثُمَّ وَكَّلَ بِالْعَبْدِ مَلَائِكَةً لِحِفْظِهِ، وَمَلَائِكَةً لِحِفْظِ مَا يَعْمَلُهُ وَإِحْصَائِهِ وَكِتَابَتِهِ، وَوَكَّلَ بِالْمَوْتِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالْأَفْلَاكِ مَلَائِكَةً يُحَرِّكُونَهَا، وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالنَّارِ وَإِيقَادِهَا وَتَعْذِيبِ أَهْلِهَا وَعِمَارَتِهَا مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالْجَنَّةِ.وَعِمَارَتِهَا وَغِرَاسِهَا وَعَمَلِ الْأَنْهَارِ فِيهَا مَلَائِكَةً، فَالْمَلَائِكَةُ أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْهُمْ: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا} وَمِنْهُمْ: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} وَمِنْهُمْ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}.

وَمِنْهُمْ: مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، وَمَلَائِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِحَمْلِ الْعَرْشِ، وَمَلَائِكَةٌ قَدْ وُكِّلُوا بِعِمَارَةِ السَّمَاوَاتِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي لَا يُحْصِيهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَفْظُ الْمَلَكِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، بَلِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَهُمْ يُنَفِّذُونَ أَمْرَهُ {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

وَلَا تَتَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ إِلاَّ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا تَفْعَلُ شَيْئًا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ.

وَرُؤَسَاؤُهُمُ الْأَمْلَاكُ الثَّلَاثُ: جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».

فَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ لِهَؤُلَاءِ الْأَمْلَاكِ الثَّلَاثَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالْحَيَاةِ.

فَجِبْرِيلُ مُوَكَّلٌ بِالْوَحْيِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ، وَمِيكَائِيلُ وُكِّلَ بِالْقَطْرِ الَّذِي بَهْ حَيَاةُ الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِسْرَافِيلُ مُوَكَّلٌ بِالنَّفْخِ فِي الصُّورِ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ الْخَلْقِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ.

رَابِعًا- تَفْضِيلُ الْمَلَائِكَةِ

8- قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ نَقْلًا عَنِ الزَّنْدُوسَتِيِّ: أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ، وَأَنَّ نَبِيَّنَا- صلى الله عليه وسلم- أَفْضَلُهُمْ، وَأَنَّ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَلَائِكَةُ الْأَرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرِضْوَانُ وَمَالِكٌ، وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ.

وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ: سَائِرُ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ: سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ.

خَامِسًا- سَبُّ الْمَلَائِكَةِ

9- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَلَائِكَتَهُ- الْوَارِدَ ذِكْرُهُمْ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ- أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِمْ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا أَتَوْا بِهِ أَوْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ وَجَحَدَ نُزُولَهُمْ قُتِلَ كُفْرًا.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُسْتَتَابُ أَمْ لَا؟

فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يُسْتَتَابُ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُسْتَتَابُ عَلَى الْمَشْهُورِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: قُتِلَ وَلَمْ يُسْتَتَبْ- أَيْ بِلَا طَلَبٍ أَوْ بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ مِنْهُ- حَدًّا إِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ كُفْرًا، إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ فَلَا يُقْتَلُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.

قَالَ الْمَوَّاقُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ كَجِبْرِيلَ وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَالزَّبَانِيَةِ وَرِضْوَانٍ وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ تَثْبُتِ الْأَخْبَارُ بِتَعْيِينِهِ وَلَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ، كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ، وَلُقْمَانَ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَمَرْيَمَ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ فِيهِمْ مَا ذَكَرْنَا إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، لَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ.

وَأَمَّا إِنْكَارُ كَوْنِهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوِ النَّبِيِّينَ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا حَرَجَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ هَذَا، وَقَدْ كَرِهَ السَّلَفُ الْكَلَامَ فِي مِثْلِ هَذَا مِمَّا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ.

(ر: رِدَّةٌ ف 16- 17، 35).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


93-موسوعة الفقه الكويتية (مناولة)

مُنَاوَلَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُنَاوَلَةُ فِي اللُّغَةِ تُطْلَقُ عَلَى: كُلِّ مَا يُعْطَى بِالْيَدِ.

يُقَالُ: نَاوَلَتُ فُلَانًا الشَّيْءَ مُنَاوَلَةً: إِذَا عَاطَيْتَهُ، وَتَنَاوَلْتُ مِنْ يَدِهِ شَيْئًا: إِذَا تَعَاطَيْتَهُ، وَالتَّنَاوُلُ: أَخْذُ الشَّيْءِ بِالْيَدِ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَفِي اصْطِلَاحِ عُلَمَاءِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ:

الْمُنَاوَلَةُ: أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْخُ إِلَى الطَّالِبِ أَصْلَ سَمَاعِهِ أَوْ فَرْعًا مُقَابَلًا بِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا سَمَاعِي، أَوْ رِوَايَتِي عَنْ فُلَانٍ فَارْوِهِ عَنِّي، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي، ثُمَّ يُمَلِّكُهُ إِيَّاهُ، أَوْ يَقُولُ: خُذْهُ وَانْسَخْهُ وَقَابِلْ بِهِ ثُمَّ رُدَّهُ إِلَيَّ وَهِيَ صِيغَةٌ اسْتَعْمَلَهَا الْمُحَدِّثُونَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- السَّمَاعُ:

2- السَّمَاعُ مَصْدَرُ سَمِعَ سَمَاعًا وَسَمْعًا وَسَمَاعَةً.

وَالسَّمْعُ فِي اللُّغَةِ: قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعَصَبِ الْمَفْرُوشِ فِي مَقْعَدِ الصِّمَاخِ تُدْرَكُ بِهَا الْأَصْوَاتُ.

وَفِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ: أَنْ يَقُولَ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، أَوْ حَدَّثَنَا فُلَانٌ، أَوْ سَمِعْتُ مِنْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَذَكَرَ لَنَا فُلَانٌ.

وَالسَّمَاعُ مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمُنَاوَلَةُ.ب- الْإِجَازَةُ:

3- الْإِجَازَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ أَجَازَ الْأَمْرَ: نَفَّذَهُ، سَوَّغَهُ.

وَفِي اصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ: أَنْ يَقُولَ الشَّيْخُ لِلطَّالِبِ: أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ أَوْ هَذَا الْكِتَابَ وَالْإِجَازَةُ مِمَّا تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا الْمُنَاوَلَةُ.

أَوَّلًا: الْمُنَاوَلَةُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ

مَشْرُوعِيَّةُ الْمُنَاوَلَةِ

4- قَالَ الْبُخَارِيُّ: احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ «كَتَبَ كِتَابًا لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَهُ حَتَّى يَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- ».

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي ذَلِكَ.

أَنْوَاعُ الْمُنَاوَلَةِ

الْمُنَاوَلَةُ نَوْعَانِ:

5- أَحَدُهُمَا: الْمُنَاوَلَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالْإِجَازَةِ، وَهِيَ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَاتِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَهَا صُوَرٌ، مِنْهَا:

أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْخُ إِلَى الطَّالِبِ أَصْلَ سَمَاعِهِ، أَوْ فَرْعًا مُقَابَلًا بِهِ وَيَقُولُ: هَذَا سَمَاعِي مِنْ فُلَانٍ، أَوْ رِوَايَتِي عَنْهُ فَارْوِهِ عَنِّي، أَوْ أَجَزْتُ لَكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي.ثُمَّ يُمَلِّكُهُ إِيَّاهُ، أَوْ يَقُولُ: خُذْهُ وَانْسَخْهُ وَقَابِلْ بِهِ ثُمَّ رُدَّهُ إِلَيَّ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

6- الثَّانِي: الْمُنَاوَلَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنِ الْإِجَازَةِ كَأَنْ يُنَاوِلَ الشَّيْخَ الطَّالِبَ الْكِتَابَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا مِنْ حَدِيثِي، أَوْ مِنْ سَمَاعَاتِي.وَلَا يَقُولُ: ارْوِهِ عَنِّي، أَوْ أَجَزْتُ لَكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي.قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ: لَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: هَذِهِ مُنَاوَلَةٌ مُخْتَلَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِهَا.وَعَابَهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ أَجَازُوهَا وَسَوَّغُوا الرِّوَايَةَ بِهَا، وَحَكَى الْخَطِيبُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوهَا وَأَجَازُوا رِوَايَةً بِهَا.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الْأُصُولِيِّ.

ثَانِيًا: الْمُنَاوَلَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ

حُصُولُ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالْمُنَاوَلَةِ:

7- يَكُونُ قَبْضُ الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي تُتَنَاوَلُ بِالْيَدِ عَادَةً- كَالْمُجَوْهَرَاتِ وَالْحُلِيِّ وَالنُّقُودِ وَالثِّيَابِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ- بِمُنَاوَلَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِلْآخَرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَتَنَاوُلِ الْآخَرِ مِنْهُ، أَوْ إِذْنِهِ لَهُ بِالتَّنَاوُلِ، أَوْ وَضْعِهِ قَرِيبًا مِنْهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لَهُ تَنَاوُلُهُ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ بِالْيَدِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَحْصُلُ قَبْضُ سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ أَيْضًا بِالْمُنَاوَلَةِ، كَمَا يَحْصُلُ بِنَقْلِهِ أَوْ تَحْوِيلِهِ مِنْ مَكَانِ الْعَقْدِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قَبْضٌ ف9).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


94-موسوعة الفقه الكويتية (نعي)

نَعْيٌ

التَّعْرِيفُ:

1- النَّعْيُ وَالنُّعْيَانُ لُغَةً: خَبَرُ الْمَوْتِ، أَوْ نِدَاءُ الدَّاعِي، أَوِ الدُّعَاءُ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ وَالْإِشْعَارُ بِهِ، النَّاعِي: الَّذِي يَأْتِي بِخَبَرِ الْمَوْتِ، أَوْ بِإِذَاعَةِ مَوْتِ الشَّخْصِ أَوْ يَنْدُبُهُ.

قَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ: كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ شَرِيفٌ أَوْ مَاتَ بَعَثُوا رَاكِبًا إِلَى قَبَائِلِهِمْ يَنْعَاهُ إِلَيْهِمْ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

(ر: جَنَائِز ف 4).

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- النَّدْبُ:

2- النَّدْبُ مِنْ مَعَانِي النَّدْبِ فِي اللُّغَةِ: الْبُكَاءُ مَعَ تَعْدِيدِ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ بِلَفْظِ النِّدَاءِ، كَوَاسَيِّدَاهُ، وَاجَبَلَاهُ.

وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّعْيِ أَنَّ النَّدْبَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِالنَّعْيِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بَعْدَهُ، فَلَيْسَ هُنَاكَ تَلَازُمٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ بِالْمَوْتِ.

ب- النَّوْحُ:

3- النَّوْحُ لُغَةً: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْبُكَاءِ مَعَ رَنَّةٍ، وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ: «أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَلاَّ نَنُوحَ».وَعَنْ أَبَى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ».

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّوْحِ وَالنَّعْيِ أَنَّ النَّعْيَ الْمُطْلَقَ الْإِعْلَامُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ بُكَاءٌ أَمْ لَا، أَمَّا النَّوْحُ فَهُوَ الْإِعْلَامُ الْمُقْتَرِنُ بِالْبُكَاءِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِالْمَوْتِ.

صِيغَةُ النَّعْيِ:

4- لَمْ يَذْكُرِ الْفُقَهَاءُ صِيغَةً مُحَدَّدَةً لِلنَّعْيِ، بَعْدَ اسْتِبْعَادِ مَا كَانَ مُبَاهَاةً وَمُفَاخَرَةً وَلَكِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى اخْتِيَارِ مَا فِيهِ تَذَلُّلٌ وَاسْتِرْحَامٌ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلًا عَنِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِنَحْوِ: مَاتَ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- كَانَ يُؤْذِنُ بِالْجِنَازَةِ، فَيَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ فَيَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ دُعِيَ فَأَجَابَ، أَوْ أَمَةُ اللَّهِ دُعِيَتْ فَأَجَابَتْ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلنَّعْيِ:

5- اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ النَّعْيِ، حَتَّى فِي الْمَذْهَبِ الْوَاحِدِ، مَا بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ، وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ أَقْوَالَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ الْخِلَافِ فِي الْأَمْرِ إِذْ لَمْ تَتَوَارَدْ عَلَى الصُّورَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلنَّعْيِ.

قَالَ الْمُبَارَكْفُورِيُّ نَقْلًا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ: يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:

1- إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ، فَهَذَا سُنَّةٌ.

2- دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ بِالْكَثْرَةِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ.

3- الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ، كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا مُحَرَّمٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: النَّعْيُ لَيْسَ مَمْنُوعًا كُلُّهُ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَصْنَعُونَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ رَأْيٌ فِقْهِيٌّ بِوُجُوبِ النَّعْيِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ مُفْلِحٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ حَتَّى لِلْقَرِيبِ، فَقَالَ: وَلَا يَلْزَمُ إِعْلَامُ قَرِيبٍ.

النَّعْيُ الْمُسْتَحَبُّ:

6- النَّعْيُ الْمُسْتَحَبُّ أَوِ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ عَلَى حَسَبِ تَعْبِيرِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ- هُوَ عَلَى مَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِهِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَابْنُ سِيرِينَ- مَا كَانَ فِيهِ إِعْلَامُ الْجِيرَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْلَمَ جِيرَانُهُ وَأَصْدِقَاؤُهُ حَتَّى يُؤَدُّوا حَقَّهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ.

رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ النَّخَعِيِّ: لَا بَأْسَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ أَنْ يُؤْذَنَ صَدِيقُهُ وَأَصْحَابُهُ، إِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجْلِسِ فَيُقَالَ: أَنْعِي فُلَانًا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَرُوِيَ نَحْوُهُ بِاخْتِصَارٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.

قَالَ النَّوَوِيُّ، فِي شَرْحِ حَدِيثِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- نَعَى لِلنَّاسِ النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ».فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِعْلَامِ بِالْمَيِّتِ، لَا عَلَى صُورَةِ نَعْيِ الْجَاهِلِيَّةِ، بَلْ مُجَرَّدُ إِعْلَامِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَشْيِيعِهِ وَقَضَاءِ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ، وَالَّذِي جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ النَّعْيِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ الْمَفَاخِرِ وَغَيْرِهَا.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيَتَوَجَّهُ اسْتِحْبَابُهُ، لِإِعْلَامِهِ- صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ، وَقَوْلِهِ عَنِ الَّذِي يُقِمُّ الْمَسْجِدَ، أَيْ يَكْنُسُهُ: «أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ» أَيْ أَعْلَمْتُونِي، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يُؤْذِنَ الرَّجُلُ بِالْمَوْتِ صَدِيقَهُ وَحَمِيمَهُ.

وَحَدِيثُ الَّذِي يُقِمُّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ فِي إِيذَانِ أَصْحَابِ الْمَنْعِيِّ وَأَقَارِبِهِ هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- «أَنْ أَسْوَدَ (رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً كَانَ يُقِمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ؟ قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا قِصَّتُهُ (قَالَ الرَّاوِي): فَحَقَّرُوا شَأْنَهُ قَالَ: فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ».

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَحَبَّ النَّعْيَ لِلْغَرِيبِ الَّذِي إِذَا لَمْ يُؤْذَنُ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ.

وَالْوَجْهُ فِي الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ ابْنِ قُدَامَةَ أَنَّ فِي كَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ عَلَى الْمَيِّتِ أَجْرًا لَهُمْ وَنَفْعًا لِلْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ مِنَ الْأَجْرِ، وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- كَذَلِكَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللَّهُ فِيهِ».

وَيَشْمَلُ حُكْمُ الِاسْتِحْبَابِ، النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ عَلَى مَا نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ النِّهَايَةِ قَوْلُهُ: إِنْ كَانَ الْمَنْعِيُّ عَالِمًا أَوْ زَاهِدًا فَقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ لِجِنَازَتِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ عَلَى هَيْئَةِ التَّفْخِيمِ.

النَّعْيُ الْمُبَاحُ:

7- النَّعْيُ الْمُبَاحُ هُوَ مَا اقْتُصِرَ فِيهِ عَلَى الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ بِصُورَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: مَحْضُ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لَا يُكْرَهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِمَوْتِهِ لِيَقْضُوا حَقَّهُ، وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَزِقَّةِ وَالْأَسْوَاقِ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَنْوِيهٌ بِذِكْرِهِ وَتَفْخِيمٌ بَلْ يَقُولُ: الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ...فَإِنَّ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ مَا كَانَ فِيهِ قَصْدُ الدَّوَرَانِ مَعَ الضَّجِيجِ وَالنِّيَاحَةِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ».كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.

وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمُ النِّدَاءَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، كَمَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.

وَحَصَرَ الْحَنَابِلَةُ النَّعْيَ الْمُبَاحَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ نِدَاءٌ، قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ أَقَارِبِهِ وَإِخْوَانِهِ مِنْ غَيْرِ نِدَاءٍ، «لِإِعْلَامِهِ- صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ بِالنَّجَاشِيِّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ»، وَفِيهِ كَثْرَةُ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَيَحْصُلُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَنَفْعٌ لِلْمَيِّتِ.

قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ- مِنْ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ- مُبَيِّنًا الْحِكْمَةَ فِي الْإِبَاحَةِ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّعْيَ الَّذِي هُوَ إِعْلَامُ النَّاسِ بِمَوْتِ قَرِيبِهِمْ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِدْخَالُ الْكَرْبِ وَالْمَصَائِبِ عَلَى أَهْلِهِ، لَكِنَّ فِي تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ مَصَالِحَ جَمَّةً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ مِنَ الْمُبَادَرَةِ لِشُهُودِ جِنَازَتِهِ وَتَهْيِئَةِ أَمْرِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ لِلْإِبَاحَةِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِالِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ قَالَ: الصَّحِيحُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِمَوْتِهِ لِمَنْ يَعْلَمُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ إِنْ قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذِكْرُ الْمَآثِرِ وَالْمَفَاخِرِ وَالتَّطْوَافُ بَيْنَ النَّاسِ يَذْكُرُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَهَذَا نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَقَدْ صَحَّتِ الْأَحَادِيثُ بِالْإِعْلَامِ فَلَا يَجُوزُ إِلْغَاؤُهَا.

النَّعْيُ الْمَكْرُوهُ:

8- لِلنَّعْيِ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ صُورَتَانِ:

الْأُولَى: أَنَّهُ مَا كَانَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ أَوْ صَدِيقٍ أَوْ جَارٍ أَوْ مَنْ يُرْجَى إِجَابَةُ دُعَائِهِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ مَا كَانَ بِنِدَاءٍ، وَعَلَيْهِ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.

قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: كُرِهَ صِيَاحٌ بِمَسْجِدٍ، أَوْ بِبَابِهِ، بِأَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَدْ مَاتَ فَاسْعَوْا إِلَى جِنَازَتِهِ مَثَلًا، إِلاَّ الْإِعْلَامَ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ أَيْ مِنْ غَيْرِ صِيَاحٍ فَلَا يُكْرَهُ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَا يُسْتَحَبُّ النَّعْيُ، وَهُوَ النِّدَاءُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُكْرَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: يُكْرَهُ إِعْلَامُ غَيْرِ قَرِيبٍ أَوْ صَدِيقٍ.وَنَقَلَ حَنْبَلٌ عَنْهُ: أَوْ جَارٍ، وَعَنْهُ: أَوْ أَهْلِ دِينٍ.

وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْكَرَاهَةَ فِي نَعْيِ الْمَيِّتِ وَالنِّدَاءِ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَالْبَغَوِيُّ.

النَّعْيُ الْمُحَرَّمُ:

9- النَّعْيُ الْمُحَرَّمُ- عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ- هُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى النَّحِيبِ وَالْبُكَاءِ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَتَعْدَادِ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ وَمَزَايَاهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاهَاةِ، وَإِظْهَارِ الْجَزَعِ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مِنْ هَدْيِهِ- صلى الله عليه وسلم- تَرْكُ النَّعْيِ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ، «فَعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ- رضي الله عنه- قَالَ: إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ».

وَقَالَ الرُّحَيْبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ بِدْعَةٌ أَيْ مَا كَانَ بِالنَّحِيبِ وَالنَّدْبِ وَالْجَزَعِ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ السُّخْطَ عَلَى مَوْتِ الْمَنْعِيِّ يُشْبِهُ التَّظَلُّمَ مِنَ الظَّالِمِ، وَحُكْمُ الْمَوْتِ عَلَى الْعِبَادِ عَدْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ، لِأَنَّهُمْ مِلْكُهُ.

وَمِمَّا نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ مُحَرَّمٌ مَا كَانَ عَلَى صُورَةِ النَّعْيِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَفِي صِفَتِهِ أَوْرَدَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: أَكَانُوا يَكْرَهُونَ النَّعْيَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: كَانُوا إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ رَكِبَ رَجُلٌ دَابَّةً ثُمَّ صَاحَ فِي النَّاسِ: أَنْعِي فُلَانًا.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


95-الأضداد لابن الأنباري (الوامق)

11 - والوامق من الأَضْداد أيضًا؛ يقال: فلان وامق إِذا كانَ مُحِبًّا ومُحَبًّا، قال الشَّاعر:

«إِنَّ البَغِيضَ لَمَنْ تَمَلُّ حَدِيثَهُ *** فانْقَعْ فُؤَادَك مِنْ حَديثِ الوَامِقِ»

أَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: قال ابن الأَعْرَابِيّ: الوامق في هذا البيت معناه الموموق.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


96-الأضداد لابن الأنباري (عنوة)

42 - وعَنْوَة من الأَضْداد؛ يقال: أَخذَ الشَّيْءَ عَنْوَة، إِذا أَخذه غَصْبًا وغَلَبَة، وأَخذه عنوة إِذا أَخذه بمحبَّة ورضًا من المأْخوذ منه؛ أَخبرنا بهذا أَبو العبَّاس، وأَنشدنا قولَ

كُثَيِّر:

«فما أَخذُوها عَنْوَةً عَنْ مَودَّةٍ *** ولكنْ بحَدِّ المَشْرَفيِّ اسْتقالَها»

وقال الآخر:

«هلَ انْتَ مُطيعِي أَيُّها القلبُ عَنْوَةً *** ولَمْ تُلْحَ نفْسٌ لم تُلَمْ في اختيالِها»

وقال الله عزَ وجلّ: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للحَيِّ القَيُّوم، فمعناه خضعت وذلَّت. وقالَ المفسِّرون: هو وضْعُ المسلِم يديه وركبتيه وجبهتِه على الأَرض. ويقال: قد عنوتُ لفلان إِذا خضعتَ له، ويقال: الأَرض لم تَعْنُ بنبات ولم تَعْنَ بنبات، أَي لم تظهر النبات، قال أُميَّة بن أَبي الصَّلْت:

«مَلِكٌ على عَرْشِ السَّماءِ مُهَيْمِنٌ *** تَعْنُو لِعِزَّتِهِ الوُجُوهُ وتسْجُدُ»

وقالَ أُميَّة أَيْضًا:

«الحمدُ للهِ الَّذي م يتَّخِذْ *** ولَدًا وقَدَّرَ خَلْقَهُ تقْدِيرَا»

«وعَنَا لهُ وجهي وخَلْقي كلّه *** في الخاشعين لوجهِه مشكورَا»

ويقال: للأَسير: عان لخضوعه وذلِّهِ، جاءَ في الحديث: اتَّقوا الله في النِّساءِ فإِنَّهُنَّ عندكم عوان، أَي أُسَراء.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


97-الأضداد لابن الأنباري (خجل)

91 - وخَجِل حرف من الأَضْداد؛ قال ابن السِّكِّيت: قال أَبو عَمْرو: يقال: خَجِل الرَّجُل إِذا مَرِح، وخَجِل إِذا كَسِل. وأَنشد ابن السِّكِّيت:

«إِذا دَعا الصَّارِخُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ *** مَرًّا أَمَرْت كُلَّ مَنْشُورٍ خَجِلْ»

المنشور: المشهور الأَمر.

وأَخبرنا أَبو عليّ العَنَزِيّ، قال: حدَّثنا عليّ بن الصّباح، قال: أَخبرنا أَبو المنذر هشام بن محمد، قال: أَخبرني رجل من النَّخَع، قال: أَخبرنا ليث بن أَبي سُلَيْم، عن

منصور بن المعتمر، قال: أَقبلتْ سائلةٌ، فسأَلت عائشة، رحمها الله، ورسول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم في المتوضَّأ، فقالت عائشة لخادمها: أَعطيها وأَقلِّي، فخرج رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، فقال: يا عائشة لا تُقَتِّري فيقتّر الله عليك، إِنَّكنَّ لتكفُرْنَ العشير، وتَغْلِبْنَ ذا الرَّأْي على رأْيه، إِذا شبعتُنَّ خجِلْتُنَّ، وإِذا جُعْتُنَّ دقِعْتُنَّ.

قال أَبو بَكْر: قال بعض أَهل اللُّغة: خجلتُنَّ، معناه مَرِحْتُنَّ، ودقِعتنّ معناه خضعتنّ؛ يقال: قد دَقع الرَّجُل دَقْعًا، إِذا خضع ولصِق بالتُّراب وبالدَّقْعاء من شدَّة الخضوع. وقالَ أَبو عُبيد: قال أَبو عَمْرو: الدَّقَع: الخضوع في طلب الحاجة والحرْص عليها، والخَجَل: التَّواني في طلب الرزق.

وقالَ ابن السِّكِّيت: قال ابن الأَعْرَابِيّ عن أَبي تمام الأَسَدِيّ: الخَجَل: سوء احتمال الغِنى، والدَّقَع: سوء احتمال الفقر. وقالَ الكُمَيْتُ يمدح قومًا:

«ولَمْ يَدْقَعُوا عِند ما نابَهُمْ *** لِوَقْعِ الحرُوبِ ولَم يَخْجَلُوا»

أَرادَ: ولم يخضعوا ولم يَكْسَلوا ويفشلوا، ويقال: واد خَجِل، إِذا كان كَثير النَّبات؛ لا يكاد أَصحابه يبرحون منه لكمال خصْبه، ويقال: نبات مُخْجِل إِذا كان

كثيرًا، قال أَبو النَّجم: في رَوْضِ ذَفْرَاءَ ورُغْلٍ مُخْجِلِ

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


98-الأضداد لابن الأنباري (تأثم)

105 - وتَأَثَّمَ حرف من الأَضْداد؛ يقال: قد تأَثَّم الرَّجُل، إِذا أَتى ما فيه المأْثم، وتأَثَّم، إِذا تجنَّب المأْثم؛ كما يقال: قد تحوَّب الرَّجُل إِذا تجنَّب الحُوب.

ولا يستعمل تَحَوَّب في المعنى الآخر؛ أَخبرنا محمد بن أَحمد بن النَّضر، قال: حدَّثنا معاوية بن عَمْرو، قال: حدَّثنا زائدة، عن هشام، قال: قال الحسن ومحمد: ما علمنا أَحدًا منهم ترك الصَّلاة على أَحدٍ من أَهل القبلة تأَثُّمًا من ذلك، أَي تجنُّبًا للمأْثم. والحُوب: الإِثم العظيم، قال الله عزَ وجلّ: إِنَّهُ كان حُوبًا كَبيرًا، وقالَ الشَّاعر:

«فَلا تُخْنُو عليَّ ولا تُشِطُّوا *** بقول الفَخْرِ إِنَّ الفخرَ حُوبُ»

وقالَ نابغة بَنِي شيبان:

«نماكَ أَربعةٌ كانوا أَئمَّتَنا *** فكانَ مُلكُك حقًّا لَيْسَ بالحُوبِ»

ويقال: قد حاب الرَّجُل يحوب فهو حائب حَوْبًا، إِذا أَثِم، أَنشدنا العنزيّ:

«أَتاه مهاجرانِ تكنَّفَاهُ *** بتَرْكِ كبيرهِ ظلَمَا وحَابَا»

وقرأَ الحسن: إِنَّهُ كان حَوْبًا كَبيرًا. وقالَ الفَرَّاءُ: الحائب في لغة بَنِي أَسد: القاتل. ويقال: قد تحوَّب الرجل، إِذا تغيَّظ وتندَّم؛ قال طُفَيْل:

«فذُوقُوا كما ذُقْنا غَداة محجِّرٍ *** من الغيظِ في أَكبادِنا والتَّحَوُّبِ»

والحَوْبة: الفعلة، من الحوْب بمنزلة القَومة من القيام. والحوْبة أَيْضًا: الأُمّ، ويقال: هي كلّ من قرب من نسائه إِلَيْه في النسب، والحِيبة: من الحُوب، بمنزلة الرِّكْبة من الرُّكوب، وأَصل الياءِ واو جعلت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها؛ قال الكُمَيْتُ يذكر ذئبًا:

«وصُبَّ له شَوْلٌ من الماءِ غائرٌ *** به ردَّ عنه الحِيبَةَ المتحوِّبُ»

ويقال: بات فلان بحيبةِ سوء، إِذا بات بهمٍّ يقلقه ويزعجه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


99-الأضداد لابن الأنباري (خبت)

108 - وخَبَتْ حرف من الأَضْداد. يقال: خَبت النَّارُ إِذا سكنت، وخبت إِذا حميت، وقالَ الكُمَيْتُ:

«ومِنَّا ضِرارٌ وابْنَماه وحاجِبٌ *** مُؤَجِّجُ نيرانِ المَكارمِ لا المُخْبِي»

أَرادَ بالمُخْبِي المسكِّن للنَّار. وقال الآخر:

«أَمِنَ زَيْنَبَ ذي النَّارُ *** قُبَيْلَ الصُّبح ما تخبُو»

«إِذا ما خمدتْ يُلقَى *** عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ»

قال أَبو بَكْر: أَرادَ: أَمِنْ زينب هذه النار. وقالَ القُطاميّ:

«وكُنَّا كالحريقِ أَصابَ غَابا *** فيخبُو ساعةً ويَهُبُّ ساعَا»

وقول الله عزَ وجلّ: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيرًا، قال بعض المفسِّرين: معناه توقَّدت. وهذا ضدُّ الأَوَّل.

حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بكر بن الأَسود، قال: حدَّثنا علي بن مسهر، عن إِسماعيل، عن أَبي صالح، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: معناه كلَّما حَمِيَتْ.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جريح في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: خُبُؤُّها توقُّدها؛ فإِذا أَحرقتهم فلم تبق منهم شيئًا صارت جَمْرًا تتوهَّج، فإِذا أَعادهم الله خَلْقًا جديدًا عاودتهم. عن ابن عباس.

قال أَبو بَكْر: والذين يذهبون إِلى أَنَّ الخبوّ هو السكون يقولون: معنى قوله: كُلَّمَا خَبَتْ: كلَّما خبت سكنت، وليس في سكونها راحة لهم؛ لأَنَّ النَّار يسكن لهبها ويتضرَّم جَمْرُها؛ هذا مذهب أَبي عُبيدة.

وقالَ غير أَبي عُبيدة: نار جَهَنَّم لا تسكن البتَّةَ؛ لأَنَّ الله تعالى قال: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وإِنَّما الخبوّ للأَبْدان، والتأْويل: كلَّما خبت الأَبدان زدناهم سعيرًا، أَي إِذا احترقت جلودهم ولحومهم، فأَبدلَهم الله جلودًا غيرها ازداد تسعُّر النار في حال عملها في

الجلود المبَدَّلة.

أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا عَمْرو بن حمران، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيرًا، قال: كلَّما احترقت جلودهم بُدِّلوا جلودًا غيرها.

وقال بعض أَهل اللُّغة: الخبوّ لا يكون أَبدًا إِلاَّ بمَعْنَى

السُّكون، والنَّار تَسْكُن في حال يأْمرها الله عزَ وجلّ بالسُّكون فيها، قال: وهذا لا يبطله قوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، لأَنَّ معناه لا يفتَّر عنهم من العذاب الَّذي حُكِمَ عليهم به في الأَوقات الَّتي حكم عليهم بالعذاب فيها؛ فأَمَّا الوقت الَّذي تسكن فيه النَّار فهو خارج من هذا المذكور في الآية الأُخرى. قال: ويدلُّ على صحَّة هذا القول أَنَّهُ لو حَكم رجل على رجل بأَنْ يعذَّب أَوَّل النهار وآخره، وأَلاَّ يعذب في وسطه لجاز له أَن يقول: ما نقصتُه من العذاب شيئًا، وهو لم يعذِّبه وسط النَّهار، لأَنَّه يريد ما نقصته من العذاب الَّذي حكمتُ به عليه شيئًا.

وقال بعض أَهل اللُّغة أَيْضًا: الخبوّ لا يكون إِلاَّ بمَعْنَى السكون، وتأْويل الآية: كلَّما أَرادت أَن تخبوَ زدناهم سعيرًا، فهي على هذا لا تخبُو؛ لأَنَّ القائل إِذا قال: أَردتُ أَن أَتكلَّم، فمعناه لم أَتكلَّم. واحتجُّوا بقول الله جلّ وعزّ: فَإِذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم معناه: إِذا أَردت قراءة القرآن؛ لأَنَّ الاستعاذة حكمها أَن تسبِق القراءة.

وقالَ الآخرون: الخبوّ معناه السكون، وتأْويل الآية

كلَّما خبت كان خبؤُّها الزيادة في الالتهاب، فما خبؤُّه هكذا فلا خُبُؤَّ له؛ كما تقول: سأَلت فلانًا أَن يزورَني فكانت زيارته إِيَّاي قطيعتي؛ أَي جعل القطيعة بدل الزيارة، فمَنْ زيارته قطيعة فلا زيارة له. ومثله: ما لفلان عَيْبٌ غير السَّخاءِ؛ معناه: مَنِ السَّخاءُ عيبه فلا عيب فيه، قال الشَّاعر:

«قُلْتُ أَطْعِمنِي عُمَيْمِ تَمْرَا *** فكان تَمري كَهزَةً وَزَبْرَا»

عُمَيْم تصغير عَمّ، معناه: جعل الانتهار بدلًا من التَّمر. وقالَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ:

«ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أَنَّ سيُوفُهمْ *** بهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتائبِ»

معناه: مَنْ عيبه فَلُّ سيفه لكثرة حربه، فلا عيبَ فيه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


100-الأضداد لابن الأنباري (توسد)

115 - وقالَ ابن قتيبة: توسَّد حرف من الأَضداد؛ يقال: قد توسَّد فلان القرآن إِذا نام عليه وجعله كالوِسادة له، فلم يُكثِر تلاوتَه، ولم يَقُمْ بحقِّه. ويقال: قد توسّد القرآن

إِذا أَكثَر تلاوتَه، وقام به في الليل فصار كالوِسادة، وبدلًا منها، وكالشعار والدِّثار.

وقالَ في حديث حدثناه أَبو جعفر محمد بن غالب الضبيّ المعروف بالتمتام، قال: أَخبرنا زكريا بن عدي، قال: أَخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن الزهريّ، عن السائب بن يزيد، قال: ذكر عند رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم شُريح الحضرميّ، فقال: ذاك رجل لا يتوسَّد القرآن، فقال ابن قتيبة، يجوز أَن يكون هذا مدحًا وذمًّا من النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، على ما مضى من التفسير.

وقالَ أَبو بكر: فالقولُ عندنا في توسَّد القرآن أَنه لا يكون إِلاَّ ذمًّا، لأَنَّ متوسِّد القرآن هو النائم عليه، والجاعل له كالوسادة؛ فإذا قام به في الليل وأَكثر تلاوتَه في النهار لم يشبَّه بالنِّيام، وإذا زال عنه شَبَه النِّيام لم يوصف بالتوسُّد، لأَنَّ التوسّد من آلات النوم. وحديث رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم لا يحتمل إِلاَّ معنى المدح، أَي ذاك رجل يقوم بالقرآن في ليله ونهاره، فلا يكون بمنزلة المتوسّدين له، جاءَ في الحديث: مَنْ قرأَ في كلّ

ليلة ثلاث آياتٍ من القرآن لم يبت متوسِّدًا للقرآن.

وقالَ الحسن: لعن الله مَنْ يتوسَّد القرآن. وقالَ غيره: يأَيها الناس، لا توسّدوا القرآن، وأَكثروا تِلاوته، ولا تستعجلوا ثوابًا؛ فإِنَّ له ثوابًا. وقالَ رجل لبعض أَصحاب رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: إنِّي أُحبّ أَن أَتعلّم العلم، وأَخاف ألاَّ أَقوم بحقه، فقال: لأَنَّ تتوسّد العلمَ خير لك من أَن تتوسّد الجهل، أَي تحفظ العلم وتنام عليه وإن لم تعمل به؛ خيرٌ لك من أَن تنام على الجهل؛ لأَنَّ العلم يؤَمَّلُ لصاحبه وإن تَرَك العمل به في وقتٍ أَن يُنبَّه للعمل به في وقت آخر.

قال بعض العلماء: طلبنا العلم لغير الله فأَبى العلم إِلاَّ أَن يكون لله عزَ وجلّ. وأَنشد الفَرَّاءُ:

«يا رُبّ سارٍ باتَ ما تَوَسَّدا *** إِلاَّ ذِراعَ العَنْسِ أَو كَفَّ اليَدا»

أَي كان ذراع النّاقة بمنزلة الوِسادة، وموضع اليد خفض بإضافة الكفّ إليها، وثبتت الأَلف فيها وهي مخفوضة لأَنَّها شبهت بالرّحا والفتى والعصا؛ وعلى هذا قالت جماعة من العرب: قام أَباك، وجلس أَخاك، فشبهوها بعصاك ورحاك، وما لا يتغير من المعتلة، هذا مذهب أَصحابنا.

وقالَ غيرهم: موضع اليد نصب بكفّ، وكفّ فعل ماض من قولك: قد كفّ فلان الأَذى عنا.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


101-الأضداد لابن الأنباري (أرديت)

132 - وأَرديت حرف من الأَضداد. يقال: أَردَيْت الرَّجُل إِذا أَهلكتَه، ويقال: قد رَدِيَ الرَّجُلُ يَرْدَى رَدًى، إِذا هلك؛ قال عليٌ بن أَبي طالب رضوان الله عليه:

«ولا تصحبْ أَخا الجهلِ *** وإياكَ وإيّاهُ»

«فكمْ من جاهل أَرْدَى *** حليمًا حين آخاهُ»

وقال الآخر:

«لَعَلَّ الَّذي يَرْجو رَداي ويَدَّعي *** به قبلَ موتي أَن يكونَ هوَ الرَّدي»

وقالَ طالب بن أَبي طالب:

«أَلا إنَّ كَعْبًا في الحروب تَخَاذَلوا *** فَأَرْدَتْهُمُ الأَيامُ واجْتَرَحوا ذَنْبا»

وقالَ الله عزَ وجلّ: وما يُغْني عنهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى، معناه إِذا هلك. وقالَ بعضهم: معناه إِذا تردّى في النار، قال الشَّاعِر:

«خَطِفَتْهُ مَنِيَّةٌ فتردَّى *** وهو في المُلْكِ يأمُل التعميرا»

ويقال: أَرديت الرَّجُل إِذا أَعنتَه، من قول الله عزَ وجلّ: فَأَرْسِلْهُ مَعيَ رِدْءًا يُصَدِّقُني، معناه عَوْنًا. ويقال منه: أَردأت الرَّجُل وأَرداتُه وأَرديتُه، فمن قال: أَرداتُه لَيّن الهمزة، ومن قال: أَرديته، انتقل عن الهمزة؛ وشبه أَرديْتُ بأَرضيت؛ ومثل هذا قول العرب: قرأَت بتحقيق الهمز، وقرات بتليين الهمزة، وقريْت بترك الهمز؛ والانتقال عنه إِلى التشبيه بقضيت ورميت، وكذلك يقال: اقرأْ رُقعتي بالتحقيق، واقرا رقعتي بالتليين، واقْرَ رُقعتي بالترك؛ وهو أَقلُّ الثلاثة.

وكذلك لم يجيء فلان، ولم يجي، بتسكين الياء، ولم يجِ بحذف الياء وهي أَقلَّها.

ويقال: صحيفة مقروءة، وامرأَة مشنوءة على التحقيق. وصحيفة مقروّة وامرأَة مشنوّة، على التليين، وصحيفة مقريّة وامرأَة مشنيّة على الانتقال عن الهمز، والتشبيه بمقضيّة ومرميّة.

أَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفَرَّاءُ، قال: سمع الرُّؤاسيّ من سمع نُصَيْبا الشَّاعِر - وكانَ فصيحًا يقول: قد قَرَت، وأَنشد الفَرَّاءُ:

«ما خاصم الأَقوامَ من ذي خصومةٍ *** كوَرْهاء مَشْنِيٍّ إليها حَليلُها»

وأَنشد الكِسَائِيّ والفراء:

«أَلا يا غرابَ البينِ مالَكَ تَهْتِفُ *** وصَوْتُكَ مَشْنِيٌّ إليَّ مُكَلَّفُ»

وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضًا:

«لانتَ أَذلُّ من وَتِدٍ بقاعٍ *** يُوَجِّي رَأسَه بالفهْرِ واجي»

أَراد: يُوَجِّئ رأسه واجئ، فترك الهمزة. وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضًا:

«راحَتْ بمسلمةَ الرِّكابُ عَشِيَّةً *** فارْعَيْ فَزارَةُ لا هَناكَ المَرْتَعُ»

أَراد لا هنأَك. وأَنشد الفَرَّاءُ أَيْضًا:

«إنّي من القومِ الذين إِذا ابتَدَوْا *** بدأوا بحقّ الله ثمَّ النائلِ»

وقالَ زهير:

«جَرِيٌّ متى يُظْلَمْ يعاقِبْ بظُلْمه *** سريعًا وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْم يَظلِم»

أَراد يُبْدَأْ فترك الهمز.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


102-الأضداد لابن الأنباري (البعل)

142 - وقال قُطْرب: البَعْل: حرف من الأَضْداد؛ يقال لما تَسقيه السَّماء بَعْل، ويقال لما يشرب بعروقه: بَعْل.

أَخبرنا عبيد الله بن عبد الواحد بن شريك البزَّاز، قال: حدَّثنا ابن أَبي مريم، قال: حدَّثنا ابن لهيعة، عن يزيد ابن أَبي حبيب، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أَبيه، أَنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم فَرَض في البَعْل وفيما سقت

الأَنهار، أَو كان عَثَرِيًّا يُسْقَى بالسَّماء العُشُور، وفيما سُقِيَ بالنَّضْح نصفَ العُشُور.

وقالَ أَبو عُبيد: حدَّثنا أَبو النضر، عن اللَّيْث بن سعد، عن يزيد ابن أَبي حبيب، عن بُسر بن سعيد، أَنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال في صَدَقة النخل: ما سقى منه بَعْلًا ففيه العُشْر.

وقالَ أَبو عُبيدة: قال الأَصْمَعِيّ: البَعْل ما شرب بعروقه من غير سَقْي سماء ولا غيرها، فإِذا سقتْه السَّماء فهو العِذْيُ، واحتجَّ بقول النَّابِغَة في صفة النخل:

«مِنَ الوارِداتِ الماَء بالقاعِ تَسْتَقِي *** بأَذْنابِها قَبْلَ اسْتِقاءِ الحَنَاجِرِ»

يعني أَنَّها تستقي بعروقها من الثرَى. وقالَ الكِسَائِيّ وأَبو عُبيدة: البَعْل هو العِذْيُ وما سقته السَّماء، والعَثَرِيّ في قول أَهل اللُّغة أَجمعِين: ما سقته السَّماء، والسَّيْح: الماءُ الجاري في الأَنهار؛ وإِنَّما سُمِّيَ سَيْحًا لأَنَّه يَسيح فيذهب ويمتدّ، ويقال له: الغَيْل والفَتْح، والغَلَل: الماءُ الجاري بين الشجر، قال جرير:

«طَرِبَ الحَمَامُ بذِي الأَراكِ فشَاقَنِي *** لا زِلْتُ في غَلَلٍ وأَيْكٍ ناضِرِ»

وردَّ ابن قتيبة على أَبي عُبيد ما حكاه عن الأَصْمَعِيّ في البَعْل من قوله: البَعْلُ ما شَرِب بعروقه، ولم يُسَمِّ الأَصْمَعِيّ.

وقالَ أَبو عُبيد: البَعْل ما شرب بعروقه من غير سَقْي سماء ولا غيرها. قال: فهذا نَقضٌ للذي في الحديث، إذْ كان في الحديث ما سُقِيَ منه بَعْلًا، قال: فالبَعْل وغير البَعْل وسائر الشجر يشرب الماءَ بعروقه. والعِذْي والمَسْقِيّ يشرب الماء بأَعاليه، فأَين هذا الَّذي لا تسقيه سماء ولا غيرها! أَفي أَرض لم تمطر قطّ، أَم في كِنّ! هذا ما لا يُعرف. قال: والَّذي رأَيت عليه أَهلَ اللُّغة، وناظرت عليه الحجازيين أَنَّ البَعْل هو العِذْي وما سقته السَّماء، الدليل على هذا قول عبد الله بن رَواحة حين خرج غازيًا إِلى الشَّام:

«إِذا بَلَّغتِني وحَمَلْتِ رَحْلي *** مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الحِسَاءِ»

«فزادُكِ أَنْعُمٌ وخَلاَك ذَمٌّ *** ولا أَرجِعْ إِلى أَهْلي وَرَائي»

«وعادَ المسلمون وَغادَرُونِي *** بأَرضِ الشَّام منقطِعَ الثَّواءِ»

«هُنالِكَ لا أُبالي نَخْلَ سَقْيٍ *** ولا بَعْلٍ وإِنْ عَظُمَ الأَتاءِ»

يقول: إِذا اسْتُشْهِدْت لا أُبالي ولا أُفكِّر في بَعْل النخل ولا سَقْيِه، والأَتاءُ: النّماءُ وكثرة الرَّيْع؛ يقال: طعامٌ ذو أَتاء، إِذا كان كثير النَّزَلِ والرَّيْع.

قال ابن قتيبة: والعَثَرِيّ: هو ما يُؤَتَّى لماء السَّيل إِلَيْه ويُجعل في مَجْرَى الماء عاثور، فإِذا صدمه ترادّ، فدخل تلك المجاريَ حتَّى يَسقِيَه، فلذلك سُمِّيَ عَثَرِيًّا.

قال: وقد يكون العَثَرِيّ ما سقته السماء، والبَعْل قد يكون ما سقته السَّماء، وما فُتِحَ لماءِ السَّيل إِلَيْه بغير عواثير.

قال أَبو بَكْر: فردَّ ابن قتيبة على أَبي عُبيد والأَصْمَعِيّ ما قالاه في البَعْل هو المخطئ فيه، لا أَبو عُبيد ولا الأصمعي، لأَنَّهما رحمة الله عليهما لم يذهبا إِلى أَنَّ البَعْل يكون في كِنٍّ لا يصيبه مطر، أَو في أَرض لا تُغَاثُ؛ وإِنَّما أَرادا أَنَّ البَعْل يجتذب بعروقه من الثرى ما يُغنيه عن المطر؛ فإِذا أَصابه المطر لم يكن مضطرًّا إِلَيْه؛ لأَنَّ الَّذي يؤدِّيه عروقه إِلَيْه من الثرى يُغْنيه عنه، وإِذا انقطع المطر فتغيَّر لانقطاعه سائر النبات لم يتغيَّر البَعْل لاكتفائه بما يشربُ من الثَّرَى.

والدليل على أنَّ البَعْل يخالف العِذْيَ والعَثَرِيّ وجميعَ المسقيّ ما حدَّثناه أَحمد بن الهيثم، قال: حدَّثنا القعنبيّ، قال: حدَّثنا بهلول بن راشد، عن يونس، عن الزهريّ، عن سالم، عن أَبيه، أنَّ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم فرض فيما سقت السَّماء والعيون، أَو كان بَعْلًا العُشْرَ، وما كان عَثَرِيًّا يُسْقى بالسَّماء العُشْر، وما سُقي بالنَّضْح نصف العُشْر. قال أَبو بَكْر: ففرقه صلى الله عليه بين البَعْل والعَثَرِيّ، وما سقته السَّماء دليل على أَنَّهُ جنس يخالفها، ففي هذا أَوضح دليل على غلط ابن قتيبة، وبالله التوفيق.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


103-الأضداد لابن الأنباري (إنك أنت المحزون في أثر ال حي فإن تنو نيهم تقم)

168 - وممَّا يفسَّر من الشِّعْر تفسيرين متضادّين قول الجعديّ:

«إِنَّك أَنت المحزون في أَثر ال *** حَيِّ فإِنْ تَنْوِ نِيَّهمْ تُقِمِ»

أَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: حدَّثنا بعض أَصحابنا أَنَّ رجلًا جاءَ بكرَّاسة إِلى كيسان، فقال له كيسان: ما في كرَّاستك هذه؟ قال: شعر النَّابِغَة الجعديّ، قرأْته على الأَصْمَعِيّ، فقال له: فما حفظت من تفسيره؟ قال: حفظت عنه أَنَّه قال: فإِن تَنْوِ نِيَّهمْ تُقِمِ، معناه تُقِمْ صدور الإِبل وتلحق بأَهلك؛ فقال كيسان: كذب الأَصْمَعِيّ؛ لم يُرِد النَّابِغَةُ هذا، وقد سمع الجواب من أَبي عَمْرو ولكنَّه نَسِيَه؛ وإِنَّما أَراد: فإِن تنوِ ما نَوَوْا من البعد والقطيعة تُقم ولا تتبعهم حتَّى يوافِق فعلُهم فعلَك، وما تَنْوي ما ينوُون.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


104-الأضداد لابن الأنباري (إلا إبليس كان من الجن)

223 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، يقال: الجنّ الملائكة، سُمُّوا جنًّا لاستتارهم عن النَّاس، من قول العرب: قد جنَّ عليه اللَّيل، وأَجَنَّه وجَنَّه، إِذا ستره، قال الشَّاعر:

«يُوَصِّلُ حَبْلَيْهِ إِذا اللَّيْلُ جَنَّهُ *** لِيَرْقَى إِلى جَارَاتِهِ في السَّلالِمِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا إِبراهيم بن زكريا البزَّاز، قال: حدَّثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير في قوله: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، قال: كان من حيٍّ من الملائكة، يصوغون حِلْيَةَ أَهل الجَنَّةِ.

وأَخبرنا أَبو الحسن بن البراء، قال: حدَّثنا ابن غانم وابن حميد، قالا: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إِسحاق، عن خلاّد بن عطاء، عن طاوس - أَو عن مجاهد أَبي الحجاج - عن ابن عباس وغيره، قالوا: كان إِبليس قبل أَن يركبَ المعصية مَلَكًا من الملائكة، اسمه عَزَازيل، وكانَ من سكَّانِ الأَرض من الملائكة يُسَمُّون الجِنّ، ولم يكن من

الملائكة مَلَكٌ أَشدُّ اجتهادًا ولا أَكثر منه علمًا، فلمَّا تكبَّر على الله عزَ وجلّ، وأَبى السُّجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطانًا مَريدًا وسمَّاه إِبليس، يقول الله عزَ وجلّ: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلًا.

قال ابن إِسحاق: وقالت العرب: الجنّ ما استتر عن النَّاس ولم يَظْهر. وقالَ أَصحاب هذا القول: الذليل على أَنَّ إِبليس من الملائكة أَنَّ الله جلّ وعزّ استثناه معهم من سجودهم. ويدلُّ أَيْضًا على أَنَّ الملائكة يقال لهم جنّ قول الأَعشى في ذكره سُلَيْمَان بن داود عليهما السَّلام:

«لَوْ كانَ شيئًا خالِدًا مُعَمَّرًا *** لكان سليمانُ البريَء من الدَّهْرِ»

«بَراه إِلهي واصْطَفاه عبادَهُ *** وملَّكَه ما بيت تُرنَي إِلى مِصْرِ»

«وسَخًّرَ من جِنّ الملائكِ تِسْعَةً *** قيامًا لديه يَعْمَلُون بِلاَ أَجْرِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، قال: حدَّثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إنَّما قيل لإِبليس: الجِنيّ، لأَنَّه كان من الملائكة، وأَنَّ الله خلق ملائكة، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فأَبوْا فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلَق ملائكة آخرين، فقال لهم مثل ما قال للأَوَّلين، فأَبوْا، فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلق هؤلاء الملائكة الذين هم عنده، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فقالوا: سمعنا وأَطعنا، فقال ابن عباس: فكان إِبليس من الملائكة الذين حُرِقُوا أَوَّلًا. قال أَبو عاصم: ثمَّ أَعاده الله ليضِلَّ به مَنْ يشاءُ.

وأَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا سعيد بن سليمان، ق خبَّرنا عبَّاد، عن سفيان بن حسين، عن يعلَى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان إِبليس اسمه عَزَازيل، وكانَ من أَشراف الملائكة، من أُولي الأَربعة الأَجنحة، ثمَّ أُبْلِس بعد.

وأَخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدَّثنا منجاب، قال: أَخبرنا بشر، عن أَبي رَوْق، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس، قال: إنَّما سُمِّيَ إِبليس إِبليس؛ لأَنَّه أُبْلِس من الخير كلِّه، فقال اللغويون: هذا التفسير يشهد لمعنى إِبليس وصَرْفِه عن الخير واستحقاقه البُعْد منه ولا يشهد؛ لأَنَّ لفظ إِبليس مأْخوذ من أُبْلِس أَو أَبلَس؛ لأَنَّه لو كان كذلك كان عربيًّا منوَّنًا، كما يجري إِكليل، وهو على

مثاله، فلمَّا وجدنا الله عزَ وجلّ قال: إِلاَّ إِبليس، فلم ينوّنه عَلِمْنا أَنَّهُ أَعجميّ مجهول الاشتقاق؛ ولأنَّ ما عرف اشتقاقه كان عربيًّا يلزمه من التعريب ما يلزم زيدا وعمرا وأَشباههما؛ إِلاَّ أَنْ يكون مُنِعَ الإِجراءُ للتعريف؛ وأَنَّه اسم واقع على أَولاده، وجميع جنسه فَيُلْحق بثمود وما أَشبهه في ترك الإِجراء.

وقالَ آخرون: ما كان إِبليس من الملائكة قطّ، وهو أَبو الجنّ؛ كما كان آدم أَبو الإِنس، فاحْتَجَّ عليهم بقوله: وإِذْ قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجدُوا إِلاَّ إِبليسَ، وبقوله: فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون. إِلاَّ إِبليسَ، فاحتجُّوا بأَنَّه لمَّا أُمِرَ بالسُّجود كما أُمروا فخالف وأَطاعوا، أُخرج من فعلهم، ونُصِب على الاستثناء، وهو من غير جنسهم، كما تقول العرب: سارَ النَّاس إِلاَّ الأَثقال، وارتحل أَهلُ العسكر إِلاَّ الأَبنية والخيام.

وحدَّثنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: خبَّرنا هوذة، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إِبليس من الملائكة طَرْفَةَ عين.

وقالَ أَصحاب القول الأَوَّل: يجوز أَن يكون تأْويلُ

قوله: كَانَ مِنَ الجِنِّ كان ضالاًّ؛ كما أَنَّ الجنّ كانوا ضُلاَّلًا، فلمَّا فعل مثل فعلهم أُدخل في جملتهم؛ كما قال: المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ، فهذا ما انتهى إِلينا، والله أَعلم بحقيقة ذلك وأَحكم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


105-الأضداد لابن الأنباري (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين)

234 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزَّ وجلَّ تفسيرين متضادَّين، قوله تعالى: قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ منْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذابًا لا أُعَذِّبه أَحَدًا مِنَ العالَمِينَ، قالَ بعض المفسِّرين: نزلت المائدة، وقالَ بعضهم: لم تنزِل.

أَخبرنا أَبو علي العَنَزِيّ، قالَ: حدَّثنا الحسن بن قَزْعَة، قالَ: حدَّثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد، عن قَتادة، عن خِلاس ابن عمرو، عن عَمَّار بن ياسر، قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: نزلت المائدة خُبْزًا ولحمًا، وأُمروا أَلا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، فخانوا، وخَبئُوا وادَّخروا، فمسِخوا قِردة وخنازير.

وحدَّثنا محمد بن يونس، قالَ: حدَّثنا عمر بن يونس ابن القاسم اليماميّ، قالَ: حدَّثنا إِسماعيل بن فيروز، عن أَبيه، عن وهب بن منبّه، قالَ: كانت مائدةً يجلس عليها أَربعة آلاف، فقالوا لقوم من وُضَعائهم: إِنَّ هؤلاء يلطِّخون ثيابنا علينا، فلو بنينا لها دكانًا يرفعها! فبنوْا لها دكانًا، فجعلت الضُّعفاءُ لا تصل إِلى شيء، فلمَّا خالفوا أَمرَ الله جلّ وعزّ رفعها عنهم.

وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: حدَّثنا إِسرائيل، عن سِماك، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، في قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: مائدة طعام.

وحدَّثنا محمد، قالَ: خبَّرنا بشر بن عمر، قال، خبَّرنا شعبة عن أَبي إِسحاق، عن أَبي عبد الرحمن السُّلَميّ، في قوله: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: خبزًا وسمكًا.

وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: أَخبرنا الفضل بن مرزوق، عن عطية، قالَ: كانت سمكة وجدوا فيها كلّ شيء.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قالَ: خبَّرنا يوسف القطَّان، قالَ: حدَّثنا جرير، عن أَشعث، عن جعفر، عن سعيد، قالَ: نزلت المائدة وهي طعام يفور؛ فكانوا يأْكلون منها قعودًا، فأَحدثوا فرفعت شيئًا، فأَكلوا على الرُّكَب، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت شيئًا، فأَكلوا قيامًا، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت البتَّة.

وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: خبَّرنا عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، قالَ: كانت مائدة ينزل عليها ثَمَرٌ من ثمار الجنَّة، وأُمِروا أَلاّ يَخونوا، ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، بلاءً ابتلاهم الله به، فكانوا إِذا فعلوا شيئًا من ذلك أَخبرهم به عيس عليه السَّلام، قالَ: فخانوا وخبئوا وادَّخروا.

وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: أَخبرنا

عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، عن الحسن، قالَ: لمَّا قال الله عزَّ وجلَّ: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا من العالمين، قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل عليهم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


106-الأضداد لابن الأنباري (العاديات ضبحا)

265 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادَّين قوله: والعَادِيَاتِ ضَبْحًا، يقول بعضهم: العاديات الخيل، والضَّبْح: صوت أَنفاس الخيل إِذا عَدَوْن؛ يُقال: قد ضَبَح الفرس، وقد ضَبَح الثعلب، وكذلك ما أَشبههما. ويُقال: العاديات: الإِبل، وضَبْحًا، معناه ضَبْعًا، فأُبدلت الحاءُ من العين، كما تقول العرب: بُعْثِر ما في القبور، وبُحْثِر ما في القبور؛ فمن قال: العاديات: الخيل، قال: هي المُوريات قَدْحًا؛ لأَنَّها تُورى النَّار بسنابكها؛ إِذا وقعتْ على الحجارة، وهي المغيرات صبحا.

ومن قال: العاديات: الإِبل، قال: الموريات قدحًا، الرِّجال؛ يُتبيَّن من رأْيهم ومكرهم ما يُشبه النَّارَ الَّتي تورى في القَدْح. والمغيرات صبحا: الإِبل، يُذْهَب إِلى أَنَّها تعدو في بعض أَوقات الحجّ وكذلك تُغير، على أَنَّ الإِسراع بها يشبه الإِسراع في حلال الإِغارة.

حدَّثني أَبي، قال: حدَّثنا الحسن بن عرفة، قال: حدَّثنا يونس المؤدب، قال: حدَّثنا حماد، عن سماك، عن عكرمة، قال: الموريات قدحا الأَلسنة. وكان عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه يقول: العاديات: الإِبل. وكان ابن عباس رحمه الله يقول: العاديات: الخيل.

أَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَبو همام، قال: حدَّثنا ابن وهب، قال: أَخبرني أَبو صخر، عن أَبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، أَنَّه

حدَّثه، قال: بينما أَنا جالس في الحِجْر، جاءَني رجل، فسأَلني عن العاديات ضَبْحا، فقلت: هي الخيلُ حين تُغِيرُ في سبيل الله، ثمَّ يَأْوون باللَّيل، فيصنَعون طعامهم، ويُورُون نارهم. فانفتل عنِّي وذهب إِلى عليّ بن أَبي طالب رضي الله عنه، وهو تحت سِقاية زمزم، فسأَله عن العاديات ضَبْحا، فقال له: أَسأَلت عنها أَحدًا قبلي؟ قال: نعم، سأَلت ابن عباس فقال: هي الخيل حين تُغير في سبيل الله. فقال: اذهب فادْعُه لي، فلمَّا وقفتُ على رأْسه، قال: إِنْ كانت أَوَّل غزوة في الإِسلام لَبَدْرًا، وما كان معنا إِلاَّ فَرَسان: فرس للزبير وفرس للمقداد. فكيف تكون العاديات الخيل! إِنَّما العاديات ضَبْحا، مِنْ عَرفة إِلى المزدلفة، ومن المزدلفة إِلى مِنًى، فإِذا كان الغد فالمُغيرات صُبْحا إِلى مِنًى؛ فذلك جمع، فأَمَّا قوله: فَأَثَرْنَ به نَقْعًا فهو نَقْع الأَرض حين تطؤُه بأَخفافها. قال ابن عباس: فنزعتُ عن قولي، ورجعتُ إِلى قول عليّ عليه السَّلام.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


107-الأضداد لابن الأنباري (بينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم)

272 - وممَّا يفسَّر من القرآن تفسيرين متضادّين قول الله عزّ وجلّ: وبَيْنَهُما حِجَابٌ وعلى الأَعْرافِ رِجَالٌ يَعْرِفونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ.

يُقال: أَصحاب الأَعراف قوم من أُمَّة محمد صلّى الله عليه وسلّم تستوي حسناتهم وسيآتهم، فيُمنَعُون الجنَّة بالسَّيآت، ويُمنعون النَّار بالحسنات؛ فهم على سُورٍ بين الجنَّة والنار، إِذا نظروا إِلى أَهل الجنَّة، قالوا: السَّلام عليكم، وإِذا

نظروا إِلى أَهل النَّار: قالوا ربَّنا لا تَجْعَلْنَا معَ القَوْمِ الظالمين.

وحدَّثنا أَبو الحسن علي بن محمد بن أَبي الشوارب القاضي، قال: حدَّثنا أَبو الوليد، قال: حدَّثنا أَبو معشر، عن يحيى ابن شِبْل الأَنصاريّ، عن عمر بن عبد الرحمن المزنيّ عن أَبيه، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أَصحاب الأَعراف، فقال: هم قوم قُتِلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم. فمنعهم الجنَّة معصيةُ آبائهم، ومنعهم النَّارَ قتلُهم في سبيل الله عزّ وجلّ. وقال بعض المفسرين: أَصحاب الأَعراف ملائكة.

أَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أَبي مَجْلَز، قال: أَصحاب الأَعراف ملائكة، قال: فقلت له: يقول الله عزّ وجلّ: رِجَالٌ، وتقول أَنت: ملائكة! قال: إِنَّهم ذكور وليسوا بإِناث.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


108-الأضداد لابن الأنباري (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)

299 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادين قوله تبارك وتعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، فقال بعض النَّاس: المعنى لو كانت الأَمانَةُ يجوز أَن تُعرض على السَّموات والأَرض والجبال لكانت تأْبَى تَحَمُّلَهَا، ولكنَّها موات لا تَعْقِلْ، والأَمانَةُ لا تُعْرَض على ما لا يعقل. وقالَ هذا من باب المجاز، كقول العرب: شكا إِليَّ بعيري طُولَ السير، معناه لو كان يعقل لشكا، ولكنَّه لا يعقل ولا يشكو.

وقال غيرهم: الأَمانة عَرَضها الله على السَّموات والأَرض والجبالِ بعقل رَكَّبه

فيها، حتَّى عرفت معنى العرْض، وعقلتِ الرَّدّ.

ذهب إِلى هذا سادات أَهل العلم وقالوا: مجراه مجرى كلام الذئب، وتسبيح الحصى؛ وسجود البهائم، للنبيّ صلى الله عليه.

حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بِشر بن عمرو الزهرانيّ، قال: حدَّثنا شعبة، عن أَبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: إِنَّا عَرَضْنا الأَمانَةَ على السَّمَواتِ والأَرْضِ والجِبالِ فأَبَيْنَ أَنْ

يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ منْهَا، فلم تقبلها الملائكة، فلمَّا خلق الله تعالى عزّ وجلّ آدم عليه السَّلام عَرَضَها عليه، فقال: يا ربّ ما هي؟ قال: إِن أَحسنتَ جزيتُك، قال: فقد تحمَّلتُها يا ربّ، قال: فما كان بين أَن تحمَّلها وبين أَن أُخرج من الجنَّة، إِلاَّ كقَدْر ما بين الظُّهر والعصر. وأَخبرنا محمد، قال: حدَّثنا قَبِيصة بن عقبة، قال: حدَّثنا الحرّ بن جرموز، عن ماهان، قال: الأَمانة الطاعة.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطَّان، قال: خبرنا يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضَّحَّاك، قال: الأَمانة: الفرائض على كلِّ مؤمن: أَلاَّ يغشّ مُؤمنًا، ولا مُعاهِدًا في قليل ولا كثير؛ فمن انتقصَ شيئًا من الفرائض فقد خان الأَمانة. أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن المنصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ ابن أَبي طلحة، عن ابن عباس، قال: الأَمانة: الفرائض، عرضها الله تبارك وتعالى على السَّموات والأَرض والجبال، إِن أَدُّوها أَثابهم، وإِن ضيَّعوها عَذَّبهم، فكرهوا ذلك وأَشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله تبارك وتعالى أَلاَّ يقوموا به، ثمَّ عرضها على آدم عليه السلام فقبِلَها بما فيها؛ فهو قوله عزّ وجلّ: وحَمَلَها الإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا، أَي غِرًّا بأَمر الله سبحانه.

وأَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، قال: حُدِّثت أَنَّ الله لمَّا خلق السَّموات والأَرضَ والجِبالَ، قال: إِنِّي فارضٌ فريضةً، وخالقٌ جنَّةً ونارًا، وثوابًا لمن أَطاعني، وعقابًا لمن عَصاني، فقالت السَّموات: خلقْتَنِي وسخَّرتَ فِيَّ الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والغيوث، فأَنا مسخّرة على ما خلقتني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا. وقالت الأَرض: خلقتَني وسخَّرتَ فِيَّ الأَنهار، وأَخرجتَ منِّي الثمار، وخلقتَني لما شئت، فأَنا لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا، وقالت الجبال: خلقتَني رواسيَ للأَرض، فأَنا على ما خلقتَني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا. فلمَّا خلق آدم عليه السَّلام عَرضَ ذلك عليه فتحمَّله، فقال الله جلّ وعزّ: إِنَّه كَانَ ظَلُومَا، ظلمُه نَفْسَه في خطيئته، جَهُولًا، بعقاب ما تحمَّله.

وقال بعض المفسِّرين: إِنَّ الله جلَّ اسمه لمَّا استخلف آدم عليه السَّلام على ذُرّيته، وسلَّطه على جميع ما في الأَرض

من الأَنعام والطَّير والوحش، عَهِدَ إِليه عَهْدًا أَمره فيه، ونهاه وحرَّم عليه وأَحلَّ له، فقبله، ولم يزل عاملًا به حتَّى حضرتْه الوفاة، فلمَّا حضرتْهُ الوفاة، سأَل الله جلَّ وعَلا أَن يُعْلِمه مَنْ يَسْتخلِفُ بعدَه، ويُقلِّدُه من الأَمر ما قلَّده، فأَمره أَن يَعْرِض ذلك على السَّموات والأَرض والجِبال بالشَّرْط الذي أَخِذَ عليه من الثَّواب إِنْ أَطاع، ومن الغضب إِن عصى، فأَبت السَّموات والأَرض والجِبال ذلك؛ إِشفاقًا من معصية الله جلَّ وعلا وغضبِه، ثمَّ أَمره أَن يَعْرِض ذلك على ولده ففعل، فقبله ولدُم، ولم يتهيَّبْ منه ما تهيَّبت السَّموات والأَرض والجِبال، فقال الله عزّ وجلّ: إِنَّه كانَ ظَلُومًا جَهُولًا، أَي بعاقبة ما تقلَّد لربّه جلَّ وعَلا، وقال بعد: ليُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ والمُنَافِقَاتِ والمُشْرِكِين والمُشْرِكَاتِ، أَي عرضنا ذلك عليه ليتبيَّن إِيمانُ المؤمن فيتوبَ الله عليه، ونفاقُ المنافق فيعاقبَه الله عزّ وجلّ: وكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا.

وقال آخرون: محال أَن يكون الله جلَّ وعلا عرضَ الأَمانة على السَّموات في

ذاتها، لأَنَّها ممَّا لا يُكلَّفُ عملًا، ولا يَعْقل ثوابًا، وإِنَّما المعنى: إِنَّا عرضنا الأَمانة على أَهل السَّموات وأَهل الأَرض وأَهل الجبال فأَبَوْا أَن يحملوها، فحُذِف الأَهل وقام الذي بعده مقامه، وجعل أَبَيْن للسموات والأَرض والجبال لقيامها مقام الأَهل، كما قالوا: يا خيلَ الله اركبي، وأَبشري بالجنَّة، أَرادوا: يا فرسان خيل الله اركبوا، فأُقيم الخيل مقام الفُرْسان، وصرِف الرُّكوب إِليها، والإِنسان عندهم الكافر، وهو الذي وصفه الله تعالى بالظّلم والجهل، إِذ لم يكفر فيما فَكَّرَ فيه مؤمنو أَهل السَّموات والأَرض والجِبال.

وقال آخرون: ما عرض الله جلَّ ذكره الأَمانةَ على السَّموات والأَرض قطّ، وإِنَّما هذا من المجاز على قول العرب: عَرَضْت الحِمْل على البعير فأَبى أَن يَحْمِله، أَي وجدت البعير لا يصلح للحَمْل ولا للعَرْض، فكذلك السَّموات والأَرض والجِبال، لا تصلح للأَمانة ولا لعَرْضِها عليها.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


109-الغريبين في القرآن والحديث (ببس)

(ببس)

وفي حديث كعب: (أن جريجًا عابد بني إسرائيل لما ادعت عليه الفاجرة بالزنا مسح رأس الصبي، وقال: يا بابوس، من أبوك؟) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: البابوس: الصبي الرضيع.

قلت: وقد جاء هذا الحرف في شعر عمرو بن أحمر في قوله:

«حنت قلوصي إلى بابوسها جزعًا *** وما حنينك أم ما أنت والذكر»

ولم يعرف في شعر غيره. والحرف غير مهموز

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


110-الغريبين في القرآن والحديث (ب ر د)

(ب ر د)

قوله تعالى: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا}. قال ابن عرفة: العرب تقول: أنا أتبرد بذلك: أي أستريح، فالمعنى: لا يذوقون فيها راحة، وقال غيره: بردًا: أي نومًا، والعرب تقول: منع البُرد والبَرد، أي منع البرد النوم.

أخبرنا به أبو عبد الله محمد بن حامد الماسح، قال: حدثنا أبو العباس الأزهري، قال: حدثنا محمد بن علي الشقيقي، قال: سمعت أبا معاذ النحوي، يقول في قول الله تعالى: {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا} قال: البرد: النوم.

قوله تعالى: {قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} أي ذات برد وسلامة، لا يتأذى ببردها، كما لم يتأذى بحرها.

وقوله: {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قال ابن عرفة: سمعت أحمد بن يحيى يقول: فيه قولان: أحدهما: وينزل من السماء بردًا من جبال في السماء من برد والآخر: وينزل من السماء أمثال الجبال من البرد، ويقال إنما سمي بردًا؛ لأنه يبرد وجه الأرض: أي يقشر، وقد برد القوم، وغيث برد. وأبردت السحابة: جاءت ببرد.

وفي الحديث: (أصل كل داء البردة) يعني الطنا والتخمة والثقلة على المعدة.

سميت بردة؛ لأنها تبرد المعدة فلا تستمرئ الطعام، وقال اليزيدي: البردة بسكون الراء.

وفي الحديث: (إذا أبردتم إلي بريدًا) يعني: إذا أرسلتم إلي رسولًا.

والبريد: الرسول، قال الشاعر:

رأيت للموت بريدًا مبردًا

أي رسولا مرسلًا: يعني الشيخوخة.

ويقال: الحمى بريد الموت، وسك البريد: كل سكة منها بريد.

وقيل لدابة البريد: بريد، لسيرة في البريد.

والسكة: الطريق المستقيم، والبريد من سكة، والسكة كل اثني عشر ميلًا بريد، قال ابن الأعرابي: كل ما بين المنزلتين فهو بريد.

ومنه الحديث: (إني لا أحبس البرد) يقول: إني لا أحبس الرسل الواردين علي من الملوك والأطراف.

وفي الحديث: (أنه لما تلقاه بريدة الأسلمي في طريق المدينة، قال له: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فقال لأبي بكر: برد أمرنا وصلح) قوله: (برد أمرنا) أي سهل. ومنه قوله: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي لا تعب فيه ولا مشقة، وكل محبوب عندهم بارد، ومنه قولهم: اللهم برد عليه مضجعه.

ويحتمل أن يكون معناه: ثبت أمرنا واستقام. يقال: برد علي حق فلان: أي ثبت.

وفي الحديث: (لا تبردوا عن الظالم) أي لا تشتموه فتخففوا عنه، وتسهلوا عليه من عقوبة ذنبه.

وهذا كما قال لعائشة- رضي الله عنه-، وسمعها تدعو على سارق، فقال: (لا تسبخي عنه بدعائك عليه) يقول: لا تخففي.

وفي حديث عمر رضي الله عنه: (شرب النبيذ بعدما برد) أي سكن وفتر، يقال: جد في الأمر ثم برد: أي فتر، ويقال: سمي النوم بردًا؛ لأنه يرخي المفاصل، ويسكن الحركات.

وفي الحديث: (من صلى البردين دخل الجنة) البردان والأبردان: الغداة والعشي.

وأما حديثه: (أبردوا بالظهر) فالإبراد: انكسار الوهج، وقال بعض اهل اللغة: أراد: صلوها في أول وقتها، وبرد النهار: أوله.

وفي الحديث: (وعلى ابن عمر يوم الفتح برد فلوت) قال شمر: البردة: هي الشملة المخططة، وجمعها: برد، وهي النمرة.

وفي حديث عمر قال: (فهبره بالسيف حتى برد) يعني مات.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


111-الغريبين في القرآن والحديث (بعثط)

(بعثط)

وفي حديث معاوية، وقيل له: أخبرنا عن نسبك في قريش فقال: (أنا ابن بعثطها) البعثط: سره الوادي، يريد أنه واسطة قريش، ومن سرة البطاح.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


112-الغريبين في القرآن والحديث (ثغم)

(ثغم)

في الحديث: (أنه أتى بأبي قحافة وكأن رأسه ثغامة) قال أبو عبيد: هو نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه بياض الشيب به. وقال ابن الأعرابي: هي شجرة تبيض كأنها الثلج، وحدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن مالك الرازي، قال: حدثنا محمد بن أيوب، قال: أخبرنا يحيي بن عبد الحميد قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، عن مطر الوراق، عن أبي رجاء، عن جابر، قال: لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا قحافة رأسه ولحيته كأنهما ثغامة، قال: (اذهبوا به إلى بعض نسائه حتى يغير) فذهبوا به فخضبوه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


113-الغريبين في القرآن والحديث (ثقل)

(ثقل)

قوله: {انفروا خفافًا وثقالًا} قيل: موسرين ومعسرين وقيل: خفت عليكم الحركة أو ثقلت؛ والعرب تقول: رجل مثقل: إذا كان معه ما يثقله، ويكون ذلك من العوائق. وضده رجل مخف.

وقال قتادة: أراد نشاطًا وغير نشاط، يعني جمع نشيط.

وقوله: {وأخرجت الأرض أثقالها} يقال: موتاها؛ لأنها تثقل بهم. ويقال ما فيها من الكنوز.

وقوله: {اثاقلتم إلى الأرض} أي أخلدتم إليها.

وقال النضر بن شميل: يقال: ثقلت إلى الأرض: أي اضطجعت وطمأننت.

وقوله: {ثقلت في السموات والأرض} قال ابن عرفة: أي ثقلت علمًا وموقعًا.

وقال أبو محمد القتيبي: ثقلت: أي خفيت: وإذا خفي عليك الشيء ثقل.

وقوله عز وجل: {وإن تدع مثقلة إلى حملها} أي نفس مثقلة بالذنوب.

وقوله: {قولا ثقيلًا} أي له وزن. يقال: ثقلت الشيء: إذا وزنته.

وجاء في التفسير أن أوامر الله عز وجل ونواهيه وفرائضه لا يؤديها أحد إلا بتكلف ما يثقل، فهو معنى قوله: {قولا ثقيلًا}.

وقوله: {مثقال ذرة} أي زنة ذرة. وقال الشاعر:

وكلًا يوفيه الجزاء بمثقال

أي يوزن.

وقوله: {أيها الثقلان} يعني بهما الجن والإنس، سميا ثقلين؛ لأنهما

فضلًا بالتمييز الذي يفيئهما على سائر الحيوان. وكل شيء له قدر ووزن يتنافس فيه فهو ثقل. ومنه قيل لبيض النعام: ثقل؛ لأن آخذه يفرح به، وهو قوت.

وفي الحديث إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي) قال أبو العباس أحمد بن يحيي ثعلب: سماهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل.

وقال غيره: العرب تقول لكل خطير نفيس: ثقيل، فجعلهما ثقلين إعظامًا لقدرهما، وتفخيمًا لشأنهما.

أخبرنا ابن عمار، قال: قال أبو عمر: سألت ثعلبًا عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (إني مخلف فيكم الثقلين) لم سميا ثقلين؟ فأومأ إلى بجمع كفه، ثم قال: لأن الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


114-الغريبين في القرآن والحديث (جخخ)

(جخخ)

في الحديث البراء: (كان إذا سجد جخ) أخبرنا به أبو حامد الشاركي، قال: حدثنا محمد بن موسى الحلواني، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسن، قال: حدثنا النضر بن شميل: قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء، الحديث.

قوله: (جخ) أي فتح عضديه في السجود.

ورأيت لأبي حمزة: (كان إذا صلى جخ) أي تحول من مكان إلى مكان، وفي حديث بعضهم: (إذا أردت العز فجخجخ في جشم) قال أبو الهيثم: أي ادع بها تفاخر معك، ويقال: معناه: فصح بهم، وناد فيهم، وتحول إليهم.

وفي حديث الدجال: (أعور مطموس العين، ليست بناتئة ولا جخراء)

قال الأزهري: الجخراء الضيقة التي فيها غمص، ورمص، ومنه قيل للمرأة: جخراء: إذا لم تكن نظيفة المكان.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


115-الغريبين في القرآن والحديث (جرد)

(جرد)

في حديث عبد الله (جردوا القرآن) قال ابن عيينة: يقول: لا تقرنوا به شيئا من الأحاديث، قال أبو عبيد: يعني من الأحاديث التي يرويها أهل الكتاب؛ لأنهم غير مأمونين، وكان إبراهيم يقول: جردوا القرآن من النقط والتعجيم، وما أشبهها.

وفي حديث عمر (تجردوا بالحج وإن لم تحرموا) قال أحمد بن حنبل يعني تشبهوا بالحاج. وقال ابن شميل: يقال: جرد فلان بالحج: إذا أفرد، ولم يقرن.

وفي صفته - صلى الله عليه وسلم -: (كان أنور المتجرد) أي مشرق الجسد والمتجرد من جسده: الذي تجرد عنه الثياب.

وفي حديث عمر: (إئتني بجريدة) الجريدة السعفة، وجمعها: جريد.

وهو أيضا الخرص، وجمعه: خرصان.

وفي حديث الشراة: (فإذا ظهروا بين النهرين لم يطاقوا، ثم يقلون حتى يكون آخرهم لصوصا جرادين) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: أبو المكارم، وغيره من الأعراب: يقال: قد جرده: إذا شلحه.

وفي حديث آخر (وكانت فيها أجارد أمسكت الماء) أي مواضع منجردة من النبات، ويقال: مكان أجرد، وأرض جرداء.

وفي حديث آخر (ثم ينعتون إلى أهليهم إنكم في أرض جردية) وقال بعضهم: هي منسوبة إلى الجرد، وهي كل أرض لا نبات بها، يقال: جردت الأرض جردا، وسنة جرداء: قحطة.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


116-الغريبين في القرآن والحديث (جعدب)

(جعدب)

رباعي، في حديث عمرو قال لمعاوية: (لقد رأيتك بالعراق وإن أمرك كحق الكهول، أو كالجعدبة أو كالكعدبة) أخبرنا ابن عمار عن أبي ثعلب عن أبي عبد الله قال: الجعدبة، والكعدبة، والحباب، وهي النفاخات التي تكون من ماء المطر.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


117-الغريبين في القرآن والحديث (جمم)

(جمم)

قوله: {حبا جما} أي كثيًرا، ومنه: جمة الماء، اجتماعه في البئر.

وفي الحديث: (قيل له: كم المرسلون قال: ثلاثمائة وخمسة عشر جم الغفير).

قال أبو بكر: الرواية كذلك، والصواب: جماء غفيرًا يقال: جاء القوم جمًاء غفيرًا، والجماء الغفير، وجما غفيرًا.

وأخبرنا ابن عمار أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي عمرو عن ابن الأعرابي والكسائي: الجماء الغفير: البيضة التي تجمع الشعر، ويراد به: مررت بهم مجتمعين، كاجتماع البيضة وما تحتها، والجماء: من الجمام والجمة، وهو اجتماع الشيء.

والغفير: من قولك: غفرت الشيء: إذا سترته وغطيته.

وفي الحديث: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمة جعدة) قال شمر: الجمة: أكثر من الوفرة، وهي الجمة إذا سقطت على المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذنين واللمة: التي ألمت بالمنكبين.

وفي الحديث: (لعن الله المجممات من النساء) قال الأزهري: أراد المترجلات يتخذن شعورهن جمة، فعل الرجال، لا يرسلنها إرسال النساء شعورهن.

ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الأجم وهو الذي لا رمح معه، وقد جم يجم فهو أجم.

وفي حديث ابن عباس: (أمرنا أن نبني المدائن شرفًا والمساجد جما) الجم: التي لا شرف لها، والشرف: التي لها شرفات.

وفي حديث أنس: (توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوحي أجم ما كان لم يفتر عنه) قال شمر: يعني أكثر ما كان، وقد جم الشيء يجم جمومًا ويجم أيضًا.

وفي حديث طلحة: (رمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسفر جلة وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد) قال ابن عائشة: معناه: تريحه.

وقال غيره: تجمعه وتكمل إصلاحه ونشاطه، يقال: جم الماء يجم إذا زاد وجم الفرس: زاد جريه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


118-الغريبين في القرآن والحديث (جنه)

(جنه)

وفي خبر علي بن الحسين أن الفرزدق مدحه، فقال في كلمة له:

«في كفه جنهي ريحه عبق *** من كف أروع في عرنينه شمم»

«يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم»

أخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي: الجنهي: الخيزران، قلت: وقد جاء به القتيبي في (التعبير).

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


119-الغريبين في القرآن والحديث (حتم)

(حتم)

قوله تعالى: {حتمًا مقضيًا} الحتم: الواجب المعزوم عليه.

وفي حديث الملاعنة:؛ (إن جاءت به أسحم أحتم) سمعت الأزهري يقول: الحتم: السواد. هكذا قالها بفتح التاء والحاء، قال: والأحتم: الأسود.

وفي الحديث (من أكل وتحتم فله كذا) أخبرنا ابن عمار عن ابن عمر

عن تغلب عن سلمة عن الفراء: التحتم: أكل الحتامة: وهي فتات الخبز.

قال أبو العباس: قد رواها بالتاء وقد صحف.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


120-الغريبين في القرآن والحديث (حرش)

(حرش)

في حديث عمر في صفة التمر: (وتحترش به الضباب (أي تصطاد ويقال إن الضب يعجب بالتمر. وفي المثل: هذا أجل من الحرش - يعني من صيد الضباب.

وفي حديث المسور بن مخرمة قال: (رأيت رجلًا ينفر من الحرش مثله) يعني: معاوية. أخبرنا بن عمار عن أبي عمر قال: الحرش الخديعة.

في بعض الحديث: (فأخذ منه دنانير حرشًا) قال القتيبي: هي الخشن لحدتها، وكل شيء خشن فهو أحرش. ومنه يقال للضب أحرش لخشونة جلده.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


121-الغريبين في القرآن والحديث (حرم)

(حرم)

قوله تعالى: {وهو محرم عليكم إخراجهم} قال ابن عرفة: التحريم المنع ومنه قوله: {وحرمنا عليه المواضع من قبل} أي معناه ذلك فلم يشتهها، يقال: حرمه عطاء إذا منعه.

وقوله: {للسائل والمحروم} أي الممنوع الرزق. قال ابن عباس: هو [146 ب] المحارق يعني الذي قد انحرف عنه رزقه. وقولهم له: به حرمة أي حق يمنع من ظلمه، ولهذا سميت النساء الحرم، والرجل محرم للمرأة أي ممنوع عن نكاحها.

قوله: {وأنتم حرم} الواحد: حرام ويقال: رجل محرم، وحرام، ومحل، وحلال، وأحرم الرجل إذا أهل بالحج وأحرم إذا دخل في الشهر الحرام وكذلك إذا دخل في البلد الحرام.

وقوله: {والحرمات قصاص} قال ابن عرفة: هذه الآية تحكم على كل من نال من مسلم شيئًا حرم عليه بالقصاص).

وقوله: {وحرام على قرية أهلكناها} وقرئ: (وحرم) والمعنى: واحد وقرئ: (وحرم على قرية) أي: وجب.

وقوله: {ذلك ومن يعظم حرمات الله} يعني: فروضه، والحرمة: ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه، المعنى: ومن يعظم ما حرمه الله عليه فيجتنبه.

وفي الحديث: (كل مسلم عن مسلم محرم أخوان نصيران) قال ابن الأعرابي: يقال إنه لمحرم عنك: أي محرم أذاك عليه. ويقال: مسلم محرم، وهو الذي لم يحل من نفسه شيئًا يوقع به.

قال زهير: *وكم بالقنان من محل ومحرم*

وفي حديث عمر رضي الله عنه: (الصيام إحرام) قال شمر: إنما قال ذلك لاجتناب الصائم ما يثلم صومه. ويقال: للصائم محرم. قال الراعي: [147 أ]

«قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا *** ودعا فلم أر مثله مخذولًا»

قال أبو عمرو: أي صائمًا. ويقال: لم يحل من نفسه شيئًا يوقع به.

ويقال: للحالف محرم لتحرمه به.

ومن قول الحسن (في الفرجل يحرم في الغضب) أي يحلف.

وفي حديث عائشة: (كنت أطيبه لحله وحرمه) المعنى لإحرامه بالحج وحله من حرمه.

وفي الحديث: (أنه كان يبدو إلى هذه التلاع وانه أراد البداوة فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة) المحرمة: التي لم تركب ولم تذلل وسوط محرم لم ينعم دباغه، والرجل الساقط الذكر محرم أيضًا.

وفي حديث بعضهم: (إذا اجتمعت حرمتان طرحت الصغرى للكبرى) قال القتيبي: إذا امر بأمر فيه منفعة لعامة الناس ومضرة على خاص منهم قدمت منفعة العامة. وقال: ومثال ذلك: نهر يجري لشرب العامة وفي مجراه حائط لرجل وحمام بضربه هذا النهر فلا يترك إجراؤه من قبل هذه المضرة هذا وما أشبهه.

وفي الحديث (الذين تدركهم الساعة تبعث عليهم الحرمة) أي: الغلمة يقال: استحرمت الماعزة إذا اشتهت الفحل فهي حرمي. أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن [147 ب] أبي العباس: يقال حرم الجماع إذا اشتهى كل ساعة.

وفي الحديث: (إن فلانًا كان حرمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحرمى معناه أن أشراف العرب الذين كانوا يتحمسون في دينهم، كان إذا حج أحدهم، لم يأكل إلا طعام رجل من الحرم، ولم يطف إلا في ثيابه، فكان لكل شريف من أشراف العرب رجل من قريش، فكان كل واحد منهم حرمى صاحبه، كما يقال كري للمكتري، وكري للمكري، وخصيم للمخاصم والمخاصم، وقال غيره: المنسوب إلى الحرم من الناس حرمى، فإذا كان في غير الناس، قيل ثوب حرمى.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


122-الغريبين في القرآن والحديث (حصلب)

(حصلب)

ومن رباعيه في حديث ابن عباس في صفة الجنة قال: (وحصلبها الصوار) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: والحصلب التراب والصوار المسك.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


123-الغريبين في القرآن والحديث (حفا)

(حفا)

قوله: {يسألونك كأنك حفي عنها} أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر [163 ب]

قال: سأل ابن كيسان ثعلبًا عن قوله: {إنه كان بي حفيًا} فقال: قال ابن الأعرابي: كان بي بارًا وصولًا، قال: فقوله: {كأنك حفي عنها} فقال: معنى هذا غير معنى ذاك، العرب تقول: فلان خفيف بخبر فلان، إذا كان معنيًا بالسؤال عنه، وروي عن مجاهد أنه قال: أراد كأنك اس

ومنه قوله: {فليحفكم تبخلوا} أي: يبالغ في مسألتكم.

وفي الحديث: (أن عجوزًا دخلت عليه فسأل بها فأحفى) يقال: أحفى وتحفى بصاحبه، وحفي به إذا بالغ في بره.

ومنه قوله: {إنه كان بي حفيًا} أي: بارًا وقال الأزهري في قوله} يسألونك كأنك حفي} أي: عالم بها والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفي وقيل: معناه: كأنك فرح بسؤالهم عنها، يقال: تحفيت بفلان في المسألة، إذا سألت به سؤالًا أظهرت فيه البر، قال السدي: يسألونك عنها كأنك حفي لهم أي: صديق لهم.

وفي حديث عمر قال: (فأنزل أويسًا القرني فاحتفاه وأكرمه) قوله:

(احتفاه) أي: بالغ في إلطافه ومسألته، وفد حفي به حفي وتحفى به أيضًا ومنه حديث علي (أن الأشعت سلم عليه فرد عليه بغير تحف).

قال ابن اليزيدي: يقال للحاكم: الحافي، وقد تحافينا إلى فلان أي: [164 أ] تحاكمنا إليه.

وفي الحديث: (أنه عطس عنده رجل فوق ثلاث فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: حفوت؟) قال ابن الأعرابي: الحفو: المنع وحفي فلان فلانًا من كل خير إذا منعه، وأتاني فحفوته أي: فحرمتهخ يقول: (منعتنا أن نشمتك بعد الثلاث) ومن رواه حقوت - بالقاف - فمعناه: شددت علينا الأمر حتى قطعتنا عن تشميتك مأخوذ من الحقوف.

وفي الحديث: (أمر أن تحفي الشوارب وتعفى اللحى) قوله: (تحفى الشوارب) أي يلزق جزها، يقال أحفى فلان شاربه ورأسه.

وفي الحديث: (قيل له متى تحل لنا الميتة؟ فقال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تختفئوا بها بقلا فشأنكم بها) قال أبو عبيد: هو من الحفا مقصور مهموز وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه، فتأكلوه وقال أبو سعيد: صوابه (يحتفوا بها) بقلًا محفف الفاء، وكل شيء استوصل فقد احتفى.

ومنه الحديث: (احتفينا إذا فماذا يبقي منه؟ احفاء الشعر) ويقال: احتفى الرجل يحتفي إذا اخذ من وجه الأرض بأطراف أصابعه قال: ومن قال: تحتفئوا بالهمز من الحفأ باطل لأن البردي ليس من البقول، والبقول ما نبت من العشب على وجه الأرض مما لا عرق له، ولا بردي في بلا

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


124-الغريبين في القرآن والحديث (حنن)

(حنن)

وفي حديث أبي ذر (لو صليتم حتى تصيروا كالحائز ما نفعلكم حتى نحبوا آل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا به الثقة عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الحنيزة القوس بلا وتر وقال الليث: الخير ألطاف المعقود، يقال: حزت القوس حنيزة إذا بينها، وسمعت الأزهري يقول: كل شئ منحنى فهو حنيزة له كقوله: (لو تعبدتم حتى تنحني ظهوركم)

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


125-الغريبين في القرآن والحديث (خصر)

(خصر)

في الحديث: (أنه خرج إلى البقيع ومعه مخصرة له) قال أبو عبيد: هي ما اختصره الإنسان بيده فأمسكه من عصا أو عنزة أو عكزة.

وفي حديث آخر: (فإذا تخصروا بها سجد لهم) قال القتيبي: التخصر هو: إمساك القضيب باليد وكانت الملوك تخصر بقضبان لها وتشير بها ويصل كلامها، وهي المخاصر الواحدة: مخصرة، وقد خاصرت فلانًا إذا أخذت بيده وتماشيتا. [199 ب]

وفي حديث آخر: (المتخصرون يوم القيامة على وجوههم النور].

قال أبو العباس: معناه المصلون بالليل وغذا تعبوا وضعوا أيديهم على خواصرهم من التعب، قال: ويكون معناه إنهم يأتون يوم القيامة ويكون لهم أعمال يتكئون عليها ماخوذ من المخصرة أخبرنا بذلك الثقة عن أبي عمر عنه.

وفي حديث أبي هريرة: (هل يصلي الرجل مختصرًا؟) قيل: هو أن يأخذ بيده عصًا يتكئ عليها، وقيل: معناه أن يقرأ من آخر السورة آية أو

آيتين ولا يقرأ السورة بكمالها في فرضه هكذا رواه ابن سيرين عنه، رواه غيره (متخصرًا) قال: ومعناه أن يصلي الرجل وهو ولضع يده على خصره.

ومنه الحديث: (الاختصار راحة أهل النار ونهى عن اختصار السجدة).

ويفسر على وجهين أحدهما: أن يختصر الآيات التي فيها السجدة فيسجد فيها، والثاني: أن يقرأ السورة فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها ولم يسجد لها.

ومنه: (أحد مختصرات الطرق).

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


126-الغريبين في القرآن والحديث (خلف)

(خلف).

قوله: {إني جاعل في الأرض خليفة} قال ابن عرفة: أي يخلف كل واحد صاحبه، وقال غيره: الخليفة يستبدل من كان قبل، وكان أبو بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ها هنا.

ومنه قوله: {ثم جعلناكم خلائف في الأرض} أي كلما مضت طائفة خلفتها طائفة.

قوله: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} يعني أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خلفوا سائر الأمم يخلف بعضكم بعضا.

وقوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء} الخلفاء: جمع الخليفة علي التذكير لا علي اللفظ مثل: ظريف وظرفاء، وجائز أن يجمع خلائف علي اللفظ مثل طريفة وطرائف، والهاء في الأول للمبالغة وينبغي أن يكون جمع خليف خلفاء، مثل كريم وكرماء.

وقوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: الفراء: الخلف يجيء بعد يقال للقرن الذي يجيء بعد قرن خلف.

وفي الحديث: (سيكون بعد ستين سنة خلف أضاعوا الصلاة).

قال: وأما الخلف فما أجد لك بدلًا مما أخذ منك.

وفي الحديث: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الناس وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين) يعني من كل قرن، ويقال: خلف سوء، وخلف صدق.

وقوله: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} أي يكونون بدلًا منكم.

وقوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} أي خلفه، وكذلك (خلافك) وقرئ (خلفك إلا قليلًا) وسمعت الأزهري يقول: في قوله: (خلاف رسول الله) أي: خلافة رسول الله، والمعني: أنهم قعدوا عن الغزو لخلافه.

وقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} قال ابن عرفة: أي مع النساء، ويقال (الحي خلوف) أي خرج الرجال وبقى النساء.

ومنه الحديث: (أن اليهود قالت: لقد علمنا أن محمدًا لم يترك أهله خلوفًا) أي لم يتركهن لا راعي لهن ولا حامي، وقال الأزهري: يقال: الحي خلوف، فيكون بمعنيين، فيكون بمعني المتخلفين المقيمين في الدار، ويكون بمعني الغيب الظاعنين، رواه أبو عبيد في باب الأضداد قال: ويقال للرجل الذي ليس يجيب: خالفة وخالف، قال: والخوالف جمع خالفة، ولا يكون جمع خالف، ولم يأت فاعل صفة مجموعًا على فواعل، إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك، ويقال: ما أبين الخلافة في وجهه-بفتح الخاء-

أي الجهل، والحمق، وقال ابن البريدي، في قوله: {مع الخالفين} الواحد: خالف، وهو الذي يقعد بعدك، قال: والخوالف: النساء.

وقوله: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} أي يجيء هذا في أثر هذا.

وقوله: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} أي لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه.

وسمعت الأزهري يقول: سمعت أعرابيًا وهو صادر عن ماء ونحن نريده فسألته عن صاحب لنا فرطنا هل أجسسته فقال: خالفني، أراد أنه ورد، وأنا صادر.

وقوله: {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} قال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقًا يرحم فلا يختلف، وفريقًا لا يرحم فيختلف.

وقوله: {اخلفني في قومي} أي كن خليفتي.

وقوله: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} وهو أنه قيل لهم: لا تعملوا؛ فاتخذوا مصائد السمك يوم الجمعة فكانت تقع فيها يوم السبت فتخرج من الماء.

وقوله: {وإن لك موعدًا لن تخلفه} أي هو حق؛ لأن الموعد يوم القيامة.

قال قتادة: لن تغيب عنه، وقرئ: (لن تخلفه) بكسر اللام-أي لن تجده مخلفًا، يقال: أخلفت موعد فلان، أي وجدته مخلفًا.

وفي الحديث: (بنيتها على أساس إبراهيم وجعلت لها خلفين، فإن قريشًا استقصرت من بنائه) وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: الخلف: المرتد، والخلف: الظهر.

وفي الحديث: (لخوف فم الصائم) يقال: خلف فوه: إذا تغير يخلف خلوفًا.

ومنه حديث على، وسئل عن قبلة الصائم فقال: (وما أربك إلى خلوف فيها؟) ويقال: نوم الضحى مخلفة للفم، أي مغيرة.

وفي الحديث (أن رجلًا أخلف السيف يوم بدر) قال شمر: قال الفراء: أخلف يده: إذا أراد سيفه فأخلف يده إلى الكنانة وقال غيره: يقال: خلف له بالسيف إذا جاء من ورائه وضربه.

وفي الحديث: (أن رجلًا قال: جئت بالهاجرة فوجدت عمر يصلي فقمت عن يساره فأخلفني عمر فجعلني عن يمينه) أي ردني إلى خلفه.

وفي حديث ابن عباس: (جاء رجل إلى أبي بكر الصديق فقال له: أنت

خليفة رسول الله؟ فقال: لا أنا الخالفة بعده).

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب قال: أراد القاعد بعده، قال: والخالفة الذي يستخلفه الرئيس على أهله وماله ثقة به، وقد خلفه يخلفه خلافة- بكسر الخاء- إذا صار خليفة له.

وفي الحديث (إني لأحسبك خالفة في عدي) أي كثير في الخلاف لهم.

وفي حديث معاذ: (من تحول من مخلاف إلى مخلاف فعشره وصدقته إلى مخلافه الأول إذا حال عليه الحول) قال أبو معاذ: المخلاف هاهنا: البنكرد، وهو أن يكون لكل قوم صدقة على حدة فذاك بنكرد يؤديه إلى عشيرته التي كان يودي إليها، والمخلاف: كالرستاق عند أهل اليمن ومخاليفها: رساتيقها.

ومنه الحديث: (من مخلاف خارف ويام) وهما قبيلتان.

وفي حديث عمر (لو أطقت الأذان مع الخليفي لأذنت) يقال خليفة بين الخلافة والخليفي.

وفي الحديث (فلينفض فراشه فإنه لا يدري ما خلفه عليه) يقول: لعل هامة دبت، فصارت فيه بعده.

وفي حديث جرير: (خير المراعي الأراك، والسلم إذا أخلف كان

لجينًا) يريد: إذا أخرج الخلفة، وهو ورق يخرج بعد الورق الأول في الصيف.

ومنه حديث خزيمة السلمي فقال: (حتى آل السلامي وأخلف الخزامي) يريد: طلعت من أصولها خلفة بالمطر يقال: أخلفت الشجرة إذا لم تحمل، وأخلف الغرس إذا لم يعلق.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


127-الغريبين في القرآن والحديث (خنز)

(خنز)

وفي الحديث: (لولا بنوا إسرائيل ما خنز الطعام) يقال: خنز يخنز وخزن يخزن، وخزن يخزن إذا أنتن.

وفي حديث علي: (أنه قضى قضاء فاعترض عليه بعض الحرورية فقال له: اسكت يا خناز) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الخناز: الوزغة.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


128-الغريبين في القرآن والحديث (خنن)

(خنن)

وفي الحديث قال بنو تميم لعائشة: (هل لك في الأحنف؟ قالت: لا، ولكن كونوا على مخنته) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: المخنة: وسط الدار، والغناء والحرم وضيق الوادي، ومصب الماء من التلعة إلى الوادي، والمحجة البينة، وطرف الأنف يجوز أن يكون لكل واحد منهما، ثم قال ابن الأعرابي: قال الشعبي:

«وذلك الأكنان دونك لم يجد *** عليك مقالًا ذو أذاة يقولها»

فبلغها كلامه وشعره، فقالت عائشة: ألي كان يستجم مثابة سفهه وما للأحنف والعربية، وإنما هم علوج لآل عبيد الله سكنوا الريف، إلى الله أشكوا عقوق أبنائي وقالت: [216 ب]

«بني اتعظ إن المواعظ سهلة *** ويوشك أن تكتان وعرًا سبيلها »

«ولا تنسين في الله حق أمومتي *** فإنك أولى الناس أن لا تقولها»

«ولا تنطقن في أمة لي بالخنا *** حنيفية قد كان بعلي رسولها»

قولها: (تكتان) أي تأوي في الكن، وهو أبشر وأرادت به القبر فجاء الأحنف فاعتذر إليها.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


129-الغريبين في القرآن والحديث (دعا)

(دعا)

وقوله: {بهد تدعون} أي هذا الذي كنتم به تدعون وتستبطئونه.

وقوله: {تدعو من أدبر وتولى} قال المبرد: أي تعذب.

وقال ثعلب: تنادي، وقال أهل التفسير: أنها تدعو الكافر باسمه.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر قال: سئل المبرد عن قوله: {تدعوا} فقال:

تعذب، رواه النضر، عن الخليل، وأنكر قول ثعلب: تنادي، لأن هذا كان يعتقد أن جهنم لا تتكلم قال: وقال الخليل قال أعرابي لآخر: دعاك الله أي عذبك وقال أبو العباس معنى قوله: دعاك الله أي أماتك الله واحتج أبو العباس بقول ابن عباس: (نار جهنم تنادي يوم القيامة بل

وقال غيرهم: دعوتها إياهم ما تفعل بهم من الأفاعيل، والعرب تقول: دعانا غيث وقع بناحية كذا أي كان ذلك.

سببًا لانتجاعنا إياه. ومنه قول ذي الرمة:

«أمسى برهبين مجتازًا المرتعة *** من ذيالفوارس تدعو أنفه الديب»

وقال أيضًا:

«دعت مية الأعداد واستبدلت بها *** خناطيل آجال من العبر خذل»

ويقال: ما الذي دعاك إلى هذا أي جرك إليه وحملك عليه.

وقوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا}.

قال مجاهد: أمروا أن يدعوه في لين وتواضع، قال ابن عرفة: إن تكن الرواية كما حكاه، فالتسليم للخير وإلا فإنه يحتمل ما قاله مجاهد، ويحتمل أن يكون معناه: لا تجعلوا دعاء الرسول إذا دعاكم لأمر أو نهي كدعاء بعضكم [229 أ] بعضًا تجيبون إذا شئتم، وتمنعون إذا شئتم ألا تراه يقول بعده: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذًا}.

وقوله: {أن دعوا للرحمن ولدًا} أي جعلوا، قال ابن أحمر:

وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا

أي أسمي وأجعل.

وقوله تعالى: {لن ندعو من دونه إلهًا} أي لن نعبد وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (الدعاء هو العبادة).

وقوله عز وجل: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} الدعي: الذي تبناه رجل فدعاه ابنه.

وفي الحديث: (إن الله تعالى بنى دارًا واتخذها مأدبة فدعا الناس غليها) قوله: {دعا} من الدعوة والمدعاة وهي الوليمة.

وفي الحديث: (أنه قال للحالب دع داعي اللبن) قال أبو عبيد تقول: ابق في الضرع قليلًا من اللبن ولا تستوعبه فإن الذي تبقيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله وإذا استقصى كل ما في الضرع أبطأ دره على حالبه.

وفي حديث عمر: (كان يقدم فيها سابقتهم في أعطياتهم فإن انتهت الدعوة إليه كبر) يقال: لبني فلان الدعوة على قومهم إذا بدئ بهم في العطاء.

وفي الحديث في قريش: (والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة) أراد [229 ب] بالدعوة: الأذان جعله في الحبشة تفضيلًا لمؤذنه بلال وجعل الحكم في الأنصار لكثرة فقهائها.

وفي الحديث: (ولو دعيت إلى ما دعي أليه يوسف لأجبت) قال القتيبي: حين دعي للإطلاق من الحبس بعد الغم الطويل فلم يخرج وقال: {ارجع إلى ربك} يقول: لو كنت مكانه لم أتلبث وخرجت وهذا من جنس تواضعه - صلى الله عليه وسلم - كما قال في وقت آخر: (لا تفضلوني على يونس ب

وفي الحديث: (سمع رجلًا في المسجد يقول: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال: لا وجدت) يريد من وجده فدعا إليه، ونهى أن تنشد الضالة في المسجد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


130-الغريبين في القرآن والحديث (ذيح)

(ذيح)

في حديث علي: (وكان الأشعث ذا ذيح) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الذيح: الكبر.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


131-الغريبين في القرآن والحديث (ريش)

(ريش)

قوله تعالى: {وريشا ولباس التقوى} وقرئ: (ورياشًا) قال مجاهد: أي

مالًا، وكل ما ستر الإنسان فهو ريش، وتريش فلان، إذا حسنت حاله وصار ذا مال، ومنه ريش الطائر، وقيل: الرياش: الخصب والمعاش. ومنه حديث علي - رضي الله عنه -: (أنه كان يفضل على امرأة مؤمنة من رياشه) أي: مما يستفيده، أخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، أخبرنا ثعلب، ع

وفي حديث على رضي الله عنه: (أنه اشترى قميصًا بثلاثة دراهم، وقال: الحمد لله الذي هذا من رياشه) قال القتيبي: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس، مثل الربع والرباغ، واللبس واللباس، والحرم والحرام.

وفي حديث عائشة في صفة أبيها رضي الله عنهما، قالت: (يفك عانيها ويريش مملقها) قال القتيبي: أصله الريش، كأن المعدم لا نهوض به، مثل المقصوص من الطير، تجعل الريش مثلا للباس والمال، أرادت: أنه يفضل على المحتاج فيحسن حاله.

في الحديث: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش).

قال القتيبي: هو الذي يسعى بينهما، وكل من أنلته خيرًا فقد رشته، قال الشاعر:

فرشني بخير طال ما قد تريتني

وفي الحديث: (فأخبرني عن الناس، فقال: هم كسهام الجعبة منها القائم الرائش ومنها العضل الطائش).

الرائش: ذو الريش، ورشت السهم، فهو مريش، يقول: هم بين مستقيم ومعوج.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


132-الغريبين في القرآن والحديث (سبط)

(سبط)

قوله تعالى: {أسباطا أممًا} قال الأزهري: الأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهما السلام، يقال سموا بذلك ليفصل بين أولادهما قال: ومعنى القبيلة معنى الجماعة يقال: لكل جماعة من أب وأم واحد قبيلة، ويقال: لكل جمع من آباء شتى قبيل بلاهاء.

قال: الأسباط اشتقاقها من السبط وهي شجرة لها أغصان كثيرة وأصلها واحد كأن الواحد بمنزلة الشجرة والأولاد بمنزلة أغصانها.

وفي الحديث: (الحسين سبط من الأسباط - رضي الله عنه -) قال أبو بكر: أي: أمة من الأمم، قال: وقال جماعة من أهل اللغة: السبط في ولد إسحاق بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل فهو واقع في الأمة والأمة واقعة عليه.

ومنه قوله تعالى: {أسباطًا أممًا} فترجم عن الأسباط بالأمم.

وفي حديث آخر: (الحسن والحسين سبطا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

قال أبو العباس: أي طائفتان منه وقطعتان.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن أبي العباس قال: سألت ابن الأعرابي عن الأسباط فقال: هم خاصة الأولاد.

وفي الحديث في صفته - صلى الله عليه وسلم -: (ليس بالسبط ولا بالجعد القطط).

فالسبط: المتسبط الشعر، ورجل سبط وسبط وسبط. شعره وقطط بين القطوطة.

وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - (كانت تضرب اليتيم يكون في حجرها حتى يسبط) أي: يمتد، يقال: أسبط على وجه الأرض إسباطًا: إذا امتد، وانبسط عليه من الضرب واسبطر: أيضًا إذا امتد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


133-الغريبين في القرآن والحديث (سجح)

(سجح)

وفي حديث عائشة أنها قالت لعلي - رضي الله عنهما -: لما ظهر على أصحاب الجمل: (ملكت فاسجح) أي سهل وأحسن العفو.

قال الليث: الإسجاح: حسن العفو، والسجح لين الخد، وهو الأسجح.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن عمر بن سبه عن الأصمعي (اسجح أي أحسن).

وفي حديث علي - رضي الله عنه - يحرض أصحابه على القتال: (وامشوا إلى الموت مشية سجحا) أي سهلة أو سجحا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


134-الغريبين في القرآن والحديث (سمد)

(سمد)

قوله تعالى: {وأنتم سامدون} أي لا هون، والسمود في الناس: الغفلة والسهو عن الشيء وعن ابن عباس (سامدون) مستنكرون.

وفي حديث علي رضي الله عنه (أنه خرج والنس ينتظرونه للصلاة، فقال: مالي أراكم سامدين؟) يعني قيامًا أنكر عليهم قبل أن تروا إمامكم، وكل رافع رأسه فهو سامد، وقد سمد يسمد ويسمد وقال المبرد: هو القائم في تحير، أخبرنا به الثقة عن أبي عمر الزاهد عنه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


135-الغريبين في القرآن والحديث (سوق)

(سوق)

قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} يقول أهل اللغة: يكشف عن الأمر الشديد، وهو قول ابن عباس ومجاهد.

وقوله تعالى: {والتفت الساق بالساق} قيل: التفت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة، وقيل: التفت ساقه بالأخرى إذا لفتا في الكفن، وقال ابن الأنباري: العرب تذكر الساق إذا أرادت شدة الأمر وخبرت عن هوله. [99 أ]

وأخبرنا ابن عمار قال: أخبرنا أبو عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الساقان شدة الدنيا والآخرة.

وفي حديث معاوية- رحمه الله-: (قال رجل: خاصمت إليه ابن أخي فجعلت أحجة فقال: أنت كما قال:

«أني أتيح له حرباء تنضبه *** لا يرسل الساق إلا ممسكًا ساقا»

أراد لا تنقضي له حجة حتى يتعلق بأخرى تشبيهًا بالحرباء، والأصل فيه أن الحرباء تستقبل الشمس فتعلق بصف الشجرة ثم ترتقي إلى الأغصان إذا حميت الشمس ثم ترتقي إلى غصن أعلى منه فلا ترسل الأول حتى تقبض على الآخر.

وقال علي رضي الله عنه في حرب الشراة: (لابد من قتالهم ولو تلقت ساقي) قال أبو العباس: الساق النفس، رواه عنه أبو عمر الزاهد.

وفي الحديث: (أنه رأى بعبد الرحمن وضرا من صفرة فقال: مهيم؟ فقال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: ما سقت منها؟) أي ما أمهرت منها بدلا من بضعها، والعرب تضع موضع البدل، من ذلك.

قوله: {ولو نشاء لجعلنا من ملائكة في الأرض يخلفون} أي بدلكم وقال الشاعر:

« [99 ب] أخذت ابن هند من علي وبئسما *** أخذت وفيها منك ذاكية اللهب »

يقول: أخذته بدلا من علي، وقيل للمهر سوق، لأن العرب كانت أموالهم المواشي فكان الرجل إذا تزوج ساق الإبل والشاة مهرًا لها ثم وضع السوق موضع المهر.

وفي الحديث: (كان يسوق أصحابه) أي لم يكن يأذن لأحد أن يمشي خلفه لكنه يقدمهم ويمشي خلفهم تواضعًا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


136-الغريبين في القرآن والحديث (شأف)

(شأف)

في الحديث (خرجت شأفة بآدم في رجله) الشأفة: قرحة تخرج بالقدم، يقال: شئف الرجل فهو مشئوف، قال الأصمعي: يقال شئفت رجله، ويكوي ذلك الداء فيبرأ يقال: استأصل الله شأفته أي أذهبه الله كما أذهب ذلك الداء.

ومنه خبر الشراة قالوا لعلي- رضي الله عنه- (لقد استأصلنا شأفتهم فقال: حزق عير) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر قال: يضرب هذا مثلا لكل من استؤصل أصله، قال: وهي الشأفة مسكنة فإن حركتها مددتها فقلت: شافة، وهي العداوة قال: وأنشدنا أبو العباس قال أنشدني ابن الأعرابي:

«فما لشآفة من غير شيء *** إذا ولي صديقك من طبيب»

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


137-الغريبين في القرآن والحديث (شمت)

(شمت)

قوله تعالى: {فلا تشمت بي الأعداء} الشماتة: فرح الأعداء ببلية تنزل بمن يعاديهم، يقال: شمت به يشمت.

وفي دعائه عليه الصلاة والسلام (ولا تطع في عدوًا شامتًا) أي لا تفعل بي ما يحب.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر قال: أخبرني الباري قال: سألت المبرد عن الشماتة، فقال: هي تقلب قلب الحاسد في حالاته الحزن والفرح، وهي مأخوذة من الشوامت، وهي قوائم الفرس لأنها تتقلب نشاطًا وكلًا وعدوًا ووقوفًا.

وفي الحديث (فشمت أحدهما ولم يشمت الأخر) قال أبو عبيد: [130 أ] شمت العاطس وسمته- بالسين والشين- إذا دعي له بالخير والشين على اللغتين، قال أبو بكر: يقال شمت فلانًا وسمت عليه إذا دعوت له وكل داع بالخير مشمت ومسمت، وقال أحمد بن يحيي الأصل فيها السين من ألمت، وهو القصد والهدى.

ومنه الحديث في ترويج فاطمة- رضي الله عنه- (أنه - صلى الله عليه وسلم - دعي لهما وشمت عليهما ثم خرج)

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


138-الغريبين في القرآن والحديث (صمغ)

(صمغ)

في الحديث (نظفوا الصماغين فإنهما مقعد الملكين).

أخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن أي العباس قال: سألت ابن الأعرابي عنهما فقال: الصماغان، والصامغان مجتمعًا الريق في جانب الشفة وهو الذي نسميه الصوارين، قال أبو عمرو: قال القطامي ومن رواه بالغين فقد صحف.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


139-الغريبين في القرآن والحديث (ضزن)

(ضزن)

في حديث: عمر (رضي الله عنه): (أنه بعث عاملًا ثم عزله فانصرف إلى منزله بلا شيء، فقالت له امرأته: أين مرافق العمل؟ فقال لها: كان معي ضيزنان يحفظان زيعلمان) يعني الملكين.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الاعرابي قال: الضيزن الحافظ الثقة، والضيزن في غيره: الذي يتزوج امراة أبيه بعد موته.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


140-الغريبين في القرآن والحديث (ضفز)

(ضفز)

وفي الحديث: (ملعون كل ضفاز) قال الزجاج: معناه النمام؛ وأصله الضفيز: وهو شعير يجش فنعلفه البعير، وقيل للنمام: ضفاز؛ لأنه يقلب القول ويزوره كما يهيأ الشعير لقمًا لعلف الإبل، يقال: ضفزت البعير: إذا علفته الضفايز؛ وهي اللقم الكبار، الواحدة ضفيزة. [152 أ].

ومنه الحديث: (فيضفزونه في في أحدهم) أي يدفعونه، ومنه يقال: ضفزت الجارية؛ إذا وطئتها.

ومنه حديث النبي: - صلى الله عليه وسلم -: (أنه مر بوادي ثمود فقال: من اعتجن بمائة فليضفزه بعيره) والضفز: التلقيم، والضفز أيضًا: القفز، أخبرنا به الثقة عن أبي عمر عن ثعلب عن أبي عبد الله قال: ومن ذلك: (أنه لما قتل ذو الثدية ضفز أصحاب علي رصي الله عنه ضفزًا) أي: فرحًا بقتل الكافر.

وقال عليه الصلاة والسلام لعلي: (ألا أن قومًا يزعمون أنهم يحبونك يضفزون الإسلام ثم يلفظونه) معناه: يلقنونه فلا يقبلونه.

وفي حديث: (فنام حتى سمع صفيزه) هذا إن ىكان محفوظًا فهو شبه الغطيط، والأصل فيه ما اعلمتك، ورواه بعضهم: (حتى سمع صفيره). بالصاد والراء، غير أن الصفير يكون بالشفتين.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


141-الغريبين في القرآن والحديث (طبج)

(طبج)

وفي بعض الحديث: (وكان في الحي رجل، له زوجة وأم ضعيفة، فشكت زوجته إليه أمه، فقام الأطبج إلى أمه فألقاها في الوادي).

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الطبج استحكام الحماقة، وقد طبج يطبج طبجا فهو أطبج.

في الحديث: (في الناس طباخ) أصل الطباخ: القوة والسمن ثم استعمل في غيره، يقال: فلا لا طباخ له؛ أي: لا عقل له ولا خير.

وفي حديث آخر: (إذا أراد الله بعبد سوءا جعل ماله في الطبيخين) يقال: هما الجص والآجر.

قوله تعالى: {ونطبع على قلوبهم} أي: نختم عليها مجازاة لهم، فلا يدخلها الهدى.

ومنه الحديث: (من ترك ثلاث جمع من غير عذر طبع الله على قلبه) قال أبو بكر: أصل الطبع في اللغة من الوسخ والدنس يغشيان السيف، يقال: طبع يطبع طبعا، ثم يستعمل فيما يشبه الوسخ والدنس من الآثام والأوزار وغيرهما من المقابح.

ومنه الحديث الآخر: (نعوذ بالله من طمع يدلي إلى طبع) أي إلى دنس، وكان الصدر يرون أن الطابع هو الرين، وقال مجاهد: الرين أشد من الطبع، والطبع أيسر من الإقفال، والإقفال أشد ذلك كله.

وفي الحديث: (كل الخلال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب) قال شمر: أي يخلق عليه، والطباع: ما ركب في الإنسان من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا يزايلها، يقال: فلان كريم الطباع والطابع، وهو اسم مؤنث على فعال نحو مهاد ومثال.

وفي حديث الحسن: (وسئل عن قوله تعالى: {لها طلع نضيد} فقال: هو الطبيع في كفراه) الطبيع: لب الطلع، سمي بذلك لامتلائه، يقال: طبعت الإناء، إذا ملأته، وكفراه، وكافوره: وعاؤه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


142-الغريبين في القرآن والحديث (طبق)

(طبق)

قوله تعالى: {لتركبن طبقا عن طبق} قال: أبو بكر: معناه: لتركبن حال بعد حال، لأنها تكون في حال كالمهل، ثم كالفرس الورد، وفي حال

كالدهان، وقيل: معنى الآية: لتركبن حالا بعد حال، وقيل للحال: طبقن لأنها تملأ القلوب أو تشارف ذلك.

ومنه الحديث: (اللهم اسقنا غيثا طبقا) أي: مالئا الأرض، يقال: هذا مطر طبق الأرض، إذا طبقها، أي: ملأها والغيث الطبق: هو العام الواسع يطبق الأرض بالماء.

وفي حديث عمر (رضي الله عنه) (لو أنه لي طباق الأرض ذهبا) أي: كأنه يعم الأرض فيكون طبقا لها.

وقال الأزهري في قوله: {لتركبن طبقا عن طبق} أي: حالا بعد حال من إحياء وإماتة وبعث، حتى تصيروا إلى الله تعالى.

وقرئ: {لتركبن} أي: لتركبن يا محمد طبقا من أطباق السماء، وقال ابن عرفة: يقال مضى طبق وجاء طبق، أي مضى عالم، وجاء عالم.

ومنه قول العباس (رضي الله عنه): (إذا مضى عالم، بدا طبق).

يقول: إذا مضى قرن بدا قرن، وقيل للقرن طبق: لأنهم طبق للأرض ثم ينقرضون ويأتي طبق آخر.

وفي حديث آخر: (علم عالم قريش طباق الأرض) أي: ملء الأرض، وفي رواية أخرى: (قريش الكتبة الحسبة ملح هذه الأمة، عالمهم طباق الأرض) كأنه يعم الأرض فيكون طبقا لها.

وفي حديث أم زرع: (زوجي عياياء طباقاء) قال ابن الأعرابي: والمطبق عليه حمقاء، وقال أبو بكر: هو الذي أموره مطبقة عليه، وقيل: هو المقدم العب.

وفي حديث ابن مسعود: (وتبقى أصلاب المنافقين طبقا واحدا) الطبق: فقار الظهر، واحدتها: طبقة، يقال: صار فقاره كله فقارة واحدة فلا يقدرون على السجود.

وفي حديث ابن عباس حين سأله أبو هريرة فأفتاه فقال: (طبقت) قال أبو عبيد: أراد: أصبت وجه الفتيا، وأصله: إصابة المفاصل، ولهذا قيل لأعضاء الشاة: طوابق واحدتها: طابق.

وفي الحديث: (أن مريم (عليها السلام) جاعت، فجاء طبق من جراد فصادت منه).

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن أبي المكارم قال: يقال: مر بنا رجل من جرد، وطبق وطبق وسد، قال: ويقال للجراد: كفانة، وتكنى أم سرياح.

وفي حديث ابن مسعود: (أنه كان يطبق في صلاته) وهو أن يلاقي بين أصابعه من الكفين ثم يجمعهما بين ركبتيه إذا ركع.

وفي الحديث: (إن لله مائة رحمة، كل رحمة منها كطباق الأرض) أي: تغشى الأرض كلها.

وفي حديث محمد بن الحنفية (رضي الله عنه) ووصف من يلي الأرض بعد السفياني فقال: (يكون بين شت وطباق) وهما شجرتان بناحية الحجاز، وقد مر تفسيره.

وفي حديث الحسن: (أنه أخبر بأمر فقال: إحدى المطبقات) يريد إحدى الدواهي والشدائد التي تطبق عليهم، ويقال: للدواهي: بنات طبق.

وفي حديث عمران بن حصين: (أن غلاما له أبق فقال: لأقطعن منه طابقا إن قدرت عليه) أي عضوا.

وفي حديث معاوية: (قال له ابن الزبير: وأيم الله لئن ملك مروان عنان خيل تنقاد له في عثمان ليركبن منك طبقا تخافه) الطبق: فقار الظهر، وهذا

كقول عائشة في عثمان (رضي الله عنهما): (المركوبة منه الفقر الأربع) أراد ابن الزبير أنه ليركبن منك أمرا وحالا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


143-الغريبين في القرآن والحديث (طرز)

(طرز)

وفي حديث صفية لعائشة رضي الله عنهما: (من فيكن مثلي؟ أبي نبي، وعمي نبي، وزوجي نبي، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علمها ذلك، فقالت عائشة: ليس هذا الكلام من طرازك).

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن أبي العباس قال: سألت ابن الأعرابي عن ذلك، فقال: العرب تقول للخطيب إذا تكلم بشيء استنباطا وقريحة: هذا من طرازه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


144-الغريبين في القرآن والحديث (عرر)

(عرر)

قوله تعالى: {فتصيبكم منهم معرة} المعرة التي كانت تصيب المؤمنين أنهم لو كبسوا أهل مكة وبين ظهرانيهم قوم مؤمنون لم يتميزوا من الكفار لم يأمنوا أن يطئوا المؤمنين بغير علم فيقتلوهم، فتلزمهم دياتهم، وتلحقهم سبة بأنهم قتلوا من هو على دينهم، والمعرة: الأمر القبيح المكروه، وأما حديث عمر- رضي الله عنه-: (اللهم إني أبرأ إليك من معرة الجيش) فهو أن ينزلوا بقوم فيأكلون منه زرعهم شيئا بغير علم، وقال ابن الأعرابي: المعرة قتال الجيش دون إذن الأمير.

قوله تعالى: {القانع والمعتر} المعتر الذي يتعرض ولا يسأل يقال: اعتره

يعتره، واعتراه يعتريه، والقانع المبرز وجهه للمسألة وعررته أعره أيضا إذا أتيته تطلب معروفه، وفي حديث حاطب بن أبي بلتعة، قال: (كنت عريرا فيهم) أي دخيلا غريبا ولم أكن صميمهم.

وفي حديث سلمان: (كان إذا تعار من الليل، قال كذا وكذا) أي استيقظ ولا أحسبه يكون إلا مع كلام، يقال: تعار في نومه يتعار وكان بعضهم يجعله مأخوذا من عرار الظليم، أخبرنا- ابن عمار عن ابن عمر عن ثعلب قال اختلف الناس في تعار فقال قوم: انتبه، وقال قوم، علم، وقال قوم: تمطي وأن، وفي حديث آخر: (أتيناك بهذا المال لما يعروك في أمور الناس) ويورى: (يعررك) يقال: عره وتعره، وعراه يعروه، واعتراه أي أتاه.

وفي حديث أبي موسى قيل له: (ما عرنا بك أيها الشيخ) أي ما جاءنا بك، وفي حديث طاووس: (إذا استعر عليكم شيء من النعم) أي ند واستعصى، العرارة: الشدة وفي حديث سعد: (أنه كان يدمل أرضه بالعرة) يعني بعذرة الناس، ومنه يقال عر قومه بشر إذا لطخهم به، ويكون من العر وهو الجرب أي أعداهم به، وفي حديث جعفر بن محمد: (كل سبع تمرات في نخلة غير معرورة) أخبرنا ابن عمار عن ابن عمر عن ثعلب، قال: وسألته- يعني ابن الأعرابي- عن هذا فقال: معرورة ومعرة أي ممهدة

بالعرة وهي السماد، وفي حديث آخر: (أن رجلا سأل آخر عن منزله، فأخبره أن يزلن بين حيين من العرب، فقال: نزلت بين المجرة والمعرة) المجرة: مجرة السماء، والمعرة ما وراءها من ناحية القطب الشمالي، سميت معرة لكثرة النجوم فيها، وأصل المعرة موضع العر وهو الجرب، وا

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


145-الغريبين في القرآن والحديث (عرش)

(عرش)

وقوله تعالى: {وما كانوا يعرشون} أي يبنون، والعرش هاهنا: البناء، يقال: عرش يعرش، ويعرش، وقوله تعالى: {وهي خاوية على عروشها} أي سقوفها وقد سقط بعضها على بعض، وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها، وخوت صارت خاوية من الأساس، وقوله: {ولها عرش عظيم} العرش سرير الملك، وفي الحديث: (اهتز العرش بموت سعد) قيل

أراد بالعرش الجنازة، وهو سرير الميت، واهتزازه فرحه به لأنه حمل عليه إلى مدفنه، وقيل غير ذلك والله أعلم بالتأويل.

وفي الحديث: (كنت أسمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا على عريش) العرش والعريش السقف، ومنه الحديث: (أو كالقنديل المعلق بالعرش) أي السقف، وقيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ألا نبني لك عريشا) العريش والعرش ما يستظل به، وفي الحديث: (تمتعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفلان كافر بالعرش) يعني وهو مقيم بعرش مكة، وهي بيوتها، ومنه حديث ابن عمر: (كان إذا نظر إلى عروشي مكة وهي بيوتها قطع التلبية) قال أبو عبيدة: سميت عروشا، لأنها عيدان تنصب وتظلل، ويقال لها عروش أيضا فمن قال: عرش فواحدها عريش مثل قلب وقلب، ومن قال: عروش فواحدها عرش، وفي مقتل أبي جهل (قال لابن مسعود: سيفك كهام فخذ سيفي فأختر رأسي من عرشي).

قال أبو العباس: العرش في أصل العنق، أخبرنا بذلك ابن عمار عن أبي عمر عنه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


146-الغريبين في القرآن والحديث (علل)

(علل)

في الحديث: (أتي بعلالة الشاة فأكل منها ثم قام إلى العصر فصلى ولم يتوضأ) يريد: بقية لحمها، ويقال: لبقية اللبن في الضرع، ولبقية جري الفرس ولبقية قوة الشيخ: علالة مأخوذ من العلل وهو الشرب البالي وقال الأزهري: عاللة الشاة ما يتعلل به شيء بعد شيء.

وفي الحديث: (الأنبياء أولاد علات) معناه أنهم لأمهات مختلفات ودينهم واحد.

وفي الحديث: (يتوارث بنو الأعيان من الإخوة دون بني العلات) أي يتوارث الأخوة للأب والأم دون الأخوة للأب والعلة الضرة والعلة بكسر العين توضع موضع العذر ومنه قول عاصم بن ثابت:

«ما عليت وأنا جلد نابل *** والقوس فيها وتر عنابل»

أي ما عذري في ترك الجهاد وعل ولعل حرفا مطمع وترج.

وقوله تعالى: {لعله يتذكر أو يحشى} يقول: اذهبا على طمعكما ورجابكما في خبر إبراهيم عليه السلام (إنه يحمل أباه ليجوز به الصراط فينظر فإذا أبوه عيلام أمدر) أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن أبي العباس قال: أخبرنا ابن الأعرابي قال العيلام ذكر الضبعان والأمدر المنتفخ الجوف.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


147-الغريبين في القرآن والحديث (عور)

(عور)

قوله تعالى: {إن بيوتنا عورة} أي معورة مما يلي العدو وليست بحريرة وقيل ممكنة للسراق لخلوتها منا لرجال يقال: دار معورة.

وذات عورة إذا كان يسهل دخولها يقال عور المكان عورا فهو عور وبيت عورة وأعور فهو معور، وفيل: عورة أي ذات عورة وكل مكان ليس بممنوع ولا مستور فهو عورة من قوله تعالى: {ثلاث عورات لكم}.

وفي الحديث: (لما عترض أبو لهب على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إظهار الدعوة قال له أبو طالب يا أعور ما أنت وهذا).

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: لم يكن أبو لهب أعور ولكن العرب تقول للذي ليس له أخ من أبيه وأمه: أعور قال أبو العباس: وقال ابن الأعرابي في قوله: (يا أعور يا رديء) قال: والعرب تقول لرديء من كل شيء من الأمور والأخلاق: أعور وللأنثى

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


148-الغريبين في القرآن والحديث (غفر)

(غفر)

قوله عز وجل: {غفرانك ربنا} أي أغفر لنا، وفعلان من أسماء المصادر نحو الشكران والكفران، يقال: أعطنا غفرانك.

ومثله (سبحانك).

وقوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} أخبرنا أبو منصور الأزهري، عن المنذري، عن الزيدي، عن أبي حاتم قال: المعنى ليغفرن لك الله، فلما حذف النون كسر الكلام فأعملها إعمال لام كي قال: وليس المعنى فتحنا لك لكي يغفر لك الله، ولا يكن الفتح سببا

ومن صفاته تعالى: (الغفار، والغفور) وهو الساتر لذنوب عباده وعيوبهم.

وفي حديث عمر رضي الله عنه: (أنه لم حصب المسجد قال له رجل: لم فعلت هذا؟ قال: هذا أغفر للنخامة) أي أستر لها وأصل الغفر التغطية، وبه سمى المغفر والغفارة، وهما وقاية للرأس يتقنع به المتسلح قال الأعشى:

«والشطبة القوداء تطفر *** بالمذحج ذي الغفارة»

والغفارة أيضا خرقة تضعها المدهنة على رأسها.

ومنه (المغفرة) وهي إلباس الله تعالى الناس العفو، قلت: الغفر متحرك الفاء شعر ساق المرأة، والغفيرة شعر الأذن، والغفر بسكون الفاء والغفيرة زئير الثوب، وكل ذلك أصله الستر.

وفي الحديث: (إن قادما قدم عليه - صلى الله عليه وسلم - من مكة فقال: كيف تركت الحزورة؟ فقال: جادها المطر فأغفرت بطحاؤها) قال القتيبي: أراد أن المطر جارها حتى صار عليها كالغفر من النبات والغفر الزنبر على الثوب، وقال غيره: أراد أن رمثها قد أغفرت أي أخرجت مغافيرها ألا ترى أنه وصف شجرها فقال: (وأبرم سلمها، وأعذق لي إذخرها).

وفي الحديث: (أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أكلت مغافير؟) المغافير: والمغاثير شيء ينضحه العرفط حلو كالناطف وله ريح منكرة والعرفط من العضاة، وليس في الكلام مفعول بضم الميم إلا مغفور ومغرود لضرب من الكمأة وهي الغردة والمنخور للمنحر معا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


149-الغريبين في القرآن والحديث (غفل)

(غفل)

قوله تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} أخبرنا أبو منصور، عن المندري، عن أحمد بن يحيى قال: أغفلنا أي جعلناه غافلا قال: ويكون أغفلته أي سميته غافلا، وقال غيره: أغفلنا قلبه عن ذكرنا أي وجدناه غافلا.

وقوله تعالى: {وإن كنت من قبله لمن الغافلين} أي عن قصة يوسف لأنه إنما علمها بالوحي معناه ما كنت من قبله إلا من الغافلين.

وقوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها} قال ابن عباس: نصف النهار.

وفي الحديث: (أن نقادة الأسدي قال له: يا رسول الله إني رجل مغفل) أي صاحب إبل أغفل لا سمات عليها والأطلاق التي لا عقل عليها، والأعطان التي لا إرسان عليها.

وفي الحديث: (في ذكر السنة ولنا نعم همل أغفال) قال أبو بكر: الأغفال التي لا ألبان لها والأصل فيه التي لا سمات عليها.

وفي حديث بعضهم (عليك بالمغفلة والمنشلة) قال أبو العباس ثعلب: المغفلة العنفقة نفسها والمنشلة موضع حلقة الخاتم يقول: تنوق في غسلها، وقال القتيبي: سميت مغفلة، لأن كثيرا من الناس يغفل عنها.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


150-الغريبين في القرآن والحديث (غلم)

(غلم)

في حديث علي رضي الله عنه: (تجهوزا لقتال المارقين المغتلمين). أخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، وعن سلمة، عن الفراء، عن الكسائي: الإغتلام أن يتجاوز الإنسان حد ما أمر به من الخير والمباح. قال: ومنه قول عمر رضي الله عنه: (إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاكسروها بالماء) قال أبو العباس: أراد إذا جاوزت حدها الذي لا يسكر إلى حدها الذي يسكر.

وكذلك (المغتلمون) في قول علي رضي الله عنه هم الذين جاوزوا حد ما أمروا به من الدين والطاعة للإمام، وقال أبو العباس: ومنه الخبر: (من يبغ في الدين يصلف) أي من يطلب في الدين أكثر مما وقف عليه يقل حظه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


151-الغريبين في القرآن والحديث (فلل)

(فلل)

وفي حديث: أم زرع (شجك أو فلك أو جمع كلا لك) قال أبو بكر: (في فلك قولان: يقال: فلك أي كسرك ويقال: ذهب بمالك ويقال: فل القوم فانفلوا والفل: الكسر وجمعه فلول، ويقال: فلك: كسرك بخصومته وعذله وقولها (أو جمع كلا لك أي: جمع بين الضرب والخصومة لك) وفي حديث عبد خير (فأسرعت إلى علي لأسأله عن وقت الوتر فإذا هو يتفلفل) أخبرنا ابن عمار عن أبي العباس قال: يقال: جاء فلان متفلفلا إذا جاء والمسواك في فمه يشوصه به وقال ذلك ابن الأعرابي، ويقال: جاء فلان يتفلفل إذا جاء يتبختر.

قال القتيبي: لا أعرف يتفلفل بمعنى يستاك ولعله يتتفل، لأن من استاك تفل.

وفي حديث معاوية (صعد المنبر وفي يده فليلة وطريدة فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: هذان حرام على ذكور أمتي).

قال ابن الأعرابي: الفليلة: الكبة من الشعر والطريدة: الخرقة الطويلة من الحرير.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


152-الغريبين في القرآن والحديث (فنع)

(فنع)

في حديث معاوية (أنه قال لابن أبي محجن الثقفي أبوك الذي يقول البيتين في الخمر) فقال: أبي الذي يقول:

«وقد أجود وما مالي بذي فنع *** وأكتم السر فيه ضربة العنق»

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الفنيع: المال الكثير والفنع مثله. قال أبو عبيد: الفنع: ألخير والكرم.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


153-الغريبين في القرآن والحديث (كفأ)

(كفأ)

قوله عز وجل: {ولم يكن له كفوا احد} أي: نظيرا ومساويا، يقال: تكافأ القوم إذا تساووا.

ومنه الحديث (المسلمون تتكافأ دماؤهم) أي: تتساوى في الديات والقصاص.

وفي حديث العقيقة: (عن الغلام شاتان متكافئتان) أي: متساويتان حدقنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن مالك الرازي حدقنا محمد بن أيوب أخبرنا موسى ابن إسماعيل، حدثنا أبان حدثنا مطر عن عطاء عن أم كرز الخزاعية أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: في العقيق

وفي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان لا يقبل الثناء إلا من مكافئ) قال القتيبي: معناه إذا أنعم على رجل نعمة فكافأه بالثناء عليه قبل ثناءه، وإذا أثنى قبل أن ينعم عليه لم يقبله، قال أبو بكر بن الأنباري: هذا غلط بين، لأنه لا ينفك أحد من إنعام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الله قد بعثه إلى الناس كافة ورحم به وأنقذ به وانتاش به، فنعمته سابقة إليهم لا يخرج منها مكافئ ولا غير مكافئ هذا والثناء عليه فرض لا يتم الإسلام إلا به، وإنما المعنى أنه لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه، ولا يدخل عنده في جملة المنافقين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فإذا كان المثنى عليه بهذه الصفة قبل ثناؤه، وكان مكافأ ما سلف من نعمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإحسانه إليه.

قال الأزهري: وفيه قول ثالث: إلا من مكافئ، أي من مقارب في مدحه غير مجاز به حد مثله، ولا ينقص به عما رفعه الله إليه.

ألا تراه يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله) فإذا قيل: هو نبي الله أو رسول الله، فهذا وصف بما لا يجوز أن يوصف به أحد من أمته فهو مدح مكافئ له، يقال: هو كفيه وكفوه أي مثله.

في الحديث: (لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في إنائها) إنما هو تفعيل من كفأت القدر إذا كببتها ليفرغ ما فيها، وهذا مثل لإمالة الضرة بحق صاحبتها من زوجها إلى نفسها، قال الكسائي: يقال: كفأت الإناء كببته وكفأته إذا أملته.

ومنه الحديث في صفته عليه الصلاة والسلام: (كان إذا مشى تكفى تكفيا). أي تمايل إلى قدام كما تتكفى السفينة في جريها، والأصل فيه الهمزة ثم تركت.

وفي حديث عمر رضي الله عنه: أنه انكفأ لوه عام الرمادة) أي: تغير عن حاله، يقال: رأيته متكفئ اللون، ومنكفت بمعنى، والأصل في الانكفاء الانقلاب من كفأت الإناء إذا قلبته.

وفي الحديث: (وكان يكفى لها الإناء) أي: يميل لها الإناء لتصل إلى الشرب بسهولة- يعني الهر-.

في حديث أي ذر (ولنا عباءتان تكافئ بهما عين الشمس) أي: تدفع وأصل المكافأة: المقاومة والموازنة، يقال: بني فلان ظلمة يكافئ بها الشمس أي يدافع، وأصل المكافأة المقاومة والموازنة.

وفي الحديث: (أن فلانا اشترى معدنا بمائة شاة متع، فقالت له أمه: إنك اشتريت ثلاث مائة شاة أمهاتها مائة، وأولادها مائة وكفاءتها مائة) الكفأة: أصلها في الإبل، وهو أن تجعل الإبل قطعتين تراوح بينهما في النتاج، وقال الأزهري: جعلت الكفاءة نتاج مائة في كل نتاج مائة لأن الغنم لا تجعل قطعتين ولكن ينزل عليها جميعا وتحمل جميعا ولو كانت إبلا كانت كفأة مائة من الإبل خمسين.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


154-الغريبين في القرآن والحديث (لبد)

(لبد)

قوله تعالى: {كادوا يكونون عليه لبدا} أي: يسقطون عليه ويتكابسون تعجبا منه وشهرة للقرآن ومعنى (لبدا) يركب بعضهم بعضا وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقا نعما فقد لبدته وواحد اللبد لبدة ومن قرأ لبدا فهو جمع لابد مثل راكع وركع، يقال: لبد بالمكان إذا ثبت به.

وقوله تعالى: {أهلكت مالا لبدا} قال الفراء: هو المال الكثير.

وفي الحديث (أن عائشة أخرجت كساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ملبدا) أي: مرقعا، وقد لبدت الثوب ولبدته وألبدته، أخبرنا بذلك ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب قال: ويقال للرقعة التي ترقع بها قبة القميص القبيلة، وللرقعة التي ترقع بها قبة القميص القبيلة، وللرقعة التي يرقع بها قدر القميص اللبدة، وقد لبدت الثوب ألبده وألبده.

في حديث أبي بكر رضي الله عنه (أنه كان يحلب فيقول: ألبد أم أرغى؟ فإن قالوا: أليد، ألزق العلبة بالضرع فيحلب، ولا يكون لذلك الحلب رغوة، وإن أبان العلبة رغا الشخب لشدة قرعه في العلبة).

وفي حديث ابن عمر (من لبد أو عقص فعليه الحق) قوله: (لبد) هو أن

هو يجعل في رأسه شيئا من صمغ لتلبد شعره، ولا يقمل، والتلبيد: بقيا على الشعر لئلا يشعث في الإحرام، وربما لبد الشعر لطول الشعث فيكون لبد بمعنى تلبد.

ومنه الحديث: (لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا) ومروى (ملبيا).

وفي الحديث في صفة الغيث (فلبدت الدماث) أي: صيرتها لا تسوخ فيها الأرجل، والدماث: الأرضون السهلة.

وفي حديث حذيفة وذكر فتنة فقال: (البدوا لبود الراعي على عصاه، لا يذهب بكم السيل) فيقول: اقعدوا في بيوتكم ولا تخرجوا منها فتهلكوا، وتكونوا كمن ذهب به السيل، يقال: لبد بالأرض إذا لزق يلبد لبودا.

وفي حديث أم زرع (على رأس قوز وعيث ليس بلبد فيتوقل ولا له عندي معول) قال ابن الأنباري: معناه ليس بمستمتك فيسرع المشي فيه.

وفي حديث قتادة: (وذكر إلباد البصر في الصلاة) يعني: إلزامه موضع السجود من الأرض وقد لبد الشيء وتلبد، انضم بعضه إلى بعض.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


155-الغريبين في القرآن والحديث (لحط)

(لحط)

في الحديث: (مر على قوم قد لحطوا باب دارهم) أي: رشوه قال أبو العباس: واللحط: الرش أخبرنا به ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


156-الغريبين في القرآن والحديث (مرع)

(مرع)

وفي حديث الاستسقاء (اللهم اسقنا غيثا مريعا مربعا) المربع: المخصب الناجع في المال، والمربع: المغن عن الارتياد لعمومه.

والناس يريعون حيث كانوا، يقال: أمرع الوادي، ومرع، وقال الليث: مرع مراعة.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن عمرو عن أبيه قال: المرعة: طائر أبيض حسن اللون طيب الطعم في حد السماني.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


157-الغريبين في القرآن والحديث (مسح)

(مسح)

قوله عز وجل: {بكلمة منه اسم المسيح عيسى ابن مريم} قال الأزهري: سمى الله عز وجل ابتداء أمره كلمة لأنه ألقى إليها الكلمة ثم كون الكلمة بشرا، ومعنى الكلمة معنى الولد، المعنى يبشرك بولد اسمه المسيح.

وفي الحديث: (أنه كان يتعوذ من المسيح الدجال) قال أبو إسحاق الحربي: سمي مسيحا لأن فرد عينه ممسوحة عن أن يبصر بها، وسمي عيسى مسيحا باسم خصه الله به أو لمسح زكريا إياه.

وفي الحديث: (أما مسيح الضلالة فدجل) دل هذا الحديث على أن عيسى مسيح الهدى، وأن الدجال مسيح الضلالة وليس من قال للدجال مسيح على فعيل بشيء، وقال أبو الهيثم: المسيح: ضد المسيخ يقال: مسحه الله أي خلقه خلقا حسنا مباركا، ومسخه أي خلقه خلقا معلونا قبيحا، وقال أبو العباس: سمي مسيحا لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها، وروي عن ابن

عباس: (أنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ) فكأنه سمي مسيحا لذلك، وقال ابن الأعرابي: المسيح: الصديق وبه سمي عيسى، والمسيح الأعور، وبه سمي الدجال، وقال أبو عبيد: المسيح أصله بالعبرانية مشيحا فعرب كما عرب موشى بموسى، وأما الدجال فسمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى ال

وقوله: {وامسحوا برءوسكم} أخبرنا الأزهري قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الدارمي عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري قال: المسيح في كلام العرب يكون مسيحا ومنه يقال للرجل إذا توضأ وغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال: مسح الله ما بك أي غسل عنك وطهرك من الذنوب.

وقوله تعالى: {فطفق مسحا بالسوق والأعناق} معنى المسح: القطع ويقال: مسح رأسه إذا قطعه، وقال أبو منصور الأزهري قال أخبرنا أو الفضل المنذري أنه حضر أبا العباس ثعلبا وسئل عن هذه الآية فقال: قال قطرب: يمسحها، وينزل عليها فأنكر أبو العباس قوله وقال: ليس بشئ، والقول: ما قال الفراء: فضرب أعناقها وسوقها لأنها كانت سبب ذنبه، وهكذا قال المفسرون وقال غيره: كأنه أراد أن يفجع نفسه بها لما كانت سبب ذنبه بعد أن أباح الله له ذلك.

وفي الحديث في صفته - صلى الله عليه وسلم - (مسيح القدمين) أراد أنهما ملساوان ليس فيهما وسخ ولا شقاق ولا تكسر فإذا أصابهما الماء نبا عنهما، وقال شمر: أراد بمسيح القدمين الملاسة واللين، ويقال: مسحته إذا لينت له القول وقلت له ما يحب، ويجوز أن يكون ممسوحا من اللحم عاريا، قال الشيح: المسيح العرق أيضا والمسيح أيضا سبائك الفضة.

وفي الحديث: (كان لا يسمح بيده ذا عاهة إلا برأ) أي: لا يمرها عليه.

وفي الحديث (على وجهه مسحة ملك) قال شمر: تقول: العرب عليه مسحة جمال ومسحة عتق لا يقال: ذلك إلا في المدح.

في حديث الملاعنة: (إن جاءت به ممسوح الإليتين) قال شمر: هو الذي لزقت إليتاه بالعظم، يقال: رجل أمسح وامرأة مسحاء وهي الرسحاء قاله النضر.

في حديث أبي بكر رضي الله عنه: (غارة مسحاء) وهي فعلا من مسحهم يمسحهم إذا مر بم مرا خفيفا لم يقم فيه عندهم.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


158-الغريبين في القرآن والحديث (نتخ)

(نتخ)

وفي حديث ابن عباس: (إن في الجنة بساطا منتوخا بالذهب) أي منسوجًا، قال الأعرابي: النتخ والنسخ واحد أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر قال: حدثنا ثعلب عن انب الأعرابي قال: نتجته نسجته ونتجته نفته ونتجته أهنته.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


159-الغريبين في القرآن والحديث (نسك)

(نسك)

وقوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} أي عرفنا متعبداتنا وكل متعبد منسك ثم سمى أمور الحج مناسك.

وقوله تعالى: {لكل أمة جعلنا منسكًا} قال مجاهد: أي مذبحا وقيل نسك إذا ذبح ينسك نسكًا والذبحة نسيكة وجمعها نسك.

ومنه قوله: {أو صدقة أو نسك} والنسك الطاعة، وقال بعضهم: النسك ما أمرت الشريعة به والورع ما نهت عنه.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر: قال سئل ثعلب عن معنى الناسك ما هو فقال مأخوذ من النسيكة وهي السبيكة من الذهب المصفى فكأنه صفى الله نفسه وقال الأزهري: في قوله تعالى: {إن صلاتي ونسكي} النسك كل ما تقترب به إلى عز وجل وقول الناس فلان من النساك أي عابد يؤبدي المناسك وما فرض الله عليه وما يقترب به إليك قال والمنسك في قوله: {لكل أمة جعلنا منسكًا} يدل على موضع النحر في هذا الموضع أراد مكان نسك ويقال منسك ومنسك.

وقال ابن عرفة في قوله: {لكل أمة جعلنا منسكًا} أي مذهب من طاعة الله يقال: نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


160-الغريبين في القرآن والحديث (نور)

(نور)

قوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض} قال الأزهري: أي: مدبر أمرهما

لحكمة بالغة. قال ابن عرفة: أي منور السماوات والأرض كما تقول: غياثنا أي مغيثنا وفلا زادي أي مزودي.

قال جرير:

«وأنت لنا نور وغيث وعصمة *** ونبت لمن يرجو نداك وريق»

أي ذو ورق. وقال سمعت أحمد بن يحيى يقول: مثل نور [,,,]

وأضاءت به سبل الحق.

وقوله تعالى: {قد جاءكم من الله نور} هو محمد - صلى الله عليه وسلم - والنور هو يبين الأشياء. وقال الأزهري: في قوله مثل نوره أي مثل نور هذا في قلب المؤمن.

وقوله: {نور على نور} أي نور الزجاجة ونور المصباح.

وفي حديث علي رضي الله عنه: (نائرات الأحكام، ومنيرات الإسلام)

يريد الواضحات البينات يقال: أنار الشيء واستنار إذا وضح.

في الحديث: (فرض عمر رضي الله عنه للجد ثم أنارها زيد بن ثابت) أي: نورها وأوضحها.

وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - (أنور المتجرد) العرب تقول للحسن المشرق الحسن أنور معناه إذا تجرد من ثيابه كان أنور ملء العين وأراد بالأنوار النير فوضع أفعل موضع فعيل كما قال: هو أهون عليه قال أبو عبيدة: معناه وهو هين عليه يقال أنار الشيء ينير فهو منير ونار فهو نير ونورت الشيء فهو منور.

في الحديث: (ولما نزل تحت الشجرة أنورت) قال أبو بكر: إنارة الشجر إنما هو لحسن خضرتها.

وفي الحديث: (لا تستضيئوا بنار المشركين) قال أبو العباس: سألت ابن

الأعرابي عنه فقال: النار هاهنا الرأي يقول: لا تشاوروهم.

وفي حديث صعصعة (قال: وما ناراهما) يقول: ما سمتهما؟ ويقال في مثل نجاراها نارها أي سمتها نجارها.

قال الشاعر:

«حتى سقوا إبلهم بالنار *** النار قد تشفى من الأواد»

معناه حتى سقوا إبلهم بالسمة حتى إذا نظر إلى سمة البعير عرف صاحبه فسقى وقدم على غيره لشرف أرباب تلك السمة وخلوا لها الماء وكل وسم بمكوى نار فإذا كان بغير مكوى قيل له حز وحرق وقرع وقرم وزنم.

في الحديث: (إنه قال - صلى الله عليه وسلم - أنا بريء من كل مسلم مع مشرك فقيل: لم يا رسول الله؟ قال: لا تراءى ناراهما) قال أبو عبيد: فيه وجهان أحدهما لا يحل لمسلم أن يسكن ديار المشركين فيكون كل واحد منهما يفقد ما يرى نار صاحبه فجعل الرؤية للنار ولا رؤية لها ومعناه أن ينور هذه من هذه يقال دارى نطو إلى دار فلان أي تقابلها ودورنا تناظر الوجه الآخر أنه أراد نار الحرب يقول: ناراهما مختلفتان هذه تدعو إلى الله وهذه تدعو إلى الشيطان فكيف يتفقان؟ وكيف نساكنهم في بلادهم وهذه حال هؤلاء؟

في الحديث (لعن الله من غير منار الأرض) المنار: العلم والحد ما بين الأرضين ومنار الحرم أعلامها التي ضربها إبراهيم عليه السلام على أقطاره.

أخبرنا ابن عمار عن أبي عمر، عن أبي العباس قال: سألت ابن الأعرابي عن قوله (لا تستشضيئوا بنار المشركين) فقال: النار هاهنا: الرأي يقول: لا تشاوروهم ومما يثبت ذلك تقدمه عمر إلى أبي موسى لعزل كاتبه النصراني، وقال: (لا تشاورهم بعد أن جهلهم الله، ولا تكرموهم بعد إذا أهاههم الله تعالى).

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


161-الغريبين في القرآن والحديث (هور)

(هور)

قوله تعالى: {شفا جرف هار} أي: هائر منهار، وهو المتهدم كقولهم شاك في السلاح وشائك، وقوله تعالى: {فانهار به} أي: تهور به.

وقال أبو بكر في} جرف هار} أي: ساقط، قال: ومنه جاء في حديث خزيمة في ذكر السنة: (تركت المخ رارًا والمطي هارًا) الهار: الساقط الضعيف: يعني من شدة الزمان قال تعالى: {جرف هار} وهار والذي يقال: هار يقول أصله هار فترك الهمز، والذي ينفك هار يقول: أصله هاري لأن الياء تقلب في موضع العين إلى موضع اللام وأصله الهمز وقبل أن ينقل فيجري مجرى قولهم عاقني وقعاني.

وفي الحديث: (حتى تهور الليل) أي: ذهب أكثره من قولهم: تهور

البناء: يقال: تهور الليل وتهير وتهور البناء: ذهب أكثره.

وفي الحديث: (من أطاع ربه فلا هوارة عليه) أي: لا هلاك أخبرنا ابن عمار وعن ابن عمر عن ثعلبة عن ابن الأعرابي يقال: اهتور فلان إذا هلك وفي رواية أخرى: (من اتقى الله وقي الهورات) يعني المهالك واحدتها هور.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


162-الغريبين في القرآن والحديث (وبل)

(وبل)

قوله تعالى: {أصابها وابل} الوابل: المطر العظيم القطر وجمعه وبل كما يقال راكب وركب وصاحب وصحب وقد وبلت السماء وأبلت.

وقوله سبحانه: {وبال أمرها} الوبال ثقل الشيء المكروه وماء وبيل وطعام وبيل إذا كانا غير مرئيين.

ومنه قوله تعالى: {فأخذناه أخذا وبيلا} أي ثقيلا شديدا وقيل: الوبيل: الذي يوقد، استوبل فلان البلد إذا اشتدت عليه الإقامة ولم توافقه.

وقوله تعالى: {فذاقت وبال أمرها} أي خاصة عاقبة أمرها.

وفي الحديث: (أي مال أديت عنه زكاته فقد ذهب في أبلته) أي ربته وهو وباله فقلبت الواو همزة ومعناه ذهاب مضرته وشره.

وفي الحديث: (لا تبع الثمرة حتى يأتي عليه الأبلة أي العامة).

وفي الحديث: (أهدي رجل للحسن، أو الحسين رضي الله عنهما هدية، وكان محمد بن الحنفية رضي الله عنه بينهما جالسا فانكسر قلبه فأومأ علي رضي الله عنه إلى وابلة محمد ثم قال:

«وما شر الثلاثة أم عمرو *** يصاحبك الذي لا تصحبينا»

عنى به نفسه، فأهدى الرجل لمحمد مثل ذلك.

أخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: الوابلة طرف الكتف، الوابلة: الأولاد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


163-الأفعال المتداولة (كَذَبَ [عليه])

كَذَبَ [عليه]: حينما حدّثنا زيد كَذَبَ علينا. (أخبرنا خلاف الواقع مع علمه به)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


164-الأفعال المتداولة (مَوَّهَ [عليه])

مَوَّهَهُ [عليه]: مَوَّهَ الراوي علينا الخبرَ. (أخبرنا بخلافه، زوّره علينا وزخرفه)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


165-تاج العروس (كفأ)

[كفأ]: كَافَأَهُ على الشي‌ء مُكَافَأَةً وكِفَاءً كَقِتَالٍ أَي جَازَاهُ، تقول: مالي به قِبَلٌ ولا كِفَاءٌ؛ أَي مالي به طاقَةٌ على أَنِّي أُكافِئُه وكافأَ [فُلانًا] مُكافأَةً وكِفَاءً: مَاثَلَه، وتقول: لا كِفَاءَ له، بالكسر، وهو في الأَصل مصدرٌ؛ أَي لا نَظِيرَ له، وقال حَسَّانُ بن ثابت:

وجبريل رسول الله فينا *** وَرُوح القُدْسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ

أَي جبريلُ عليه‌السلام ليس له نَظِيرٌ ولا مَثيلٌ. وفي الحديث: «فَنَظَر إِليهم فَقال: مَنْ يُكَافِئُ هؤلاءِ»، وفي حديث الأَحنف: لا أَقَاوِمُ من لا كِفَاءَ لَهُ. يعني الشيطانَ، ويروى: لا أُقاوِلُ وكافَأَه: رَاقَبَهُ ومن كلامهم: الحَمْدُ للهِ كِفَاءَ الوَاجِبِ؛ أَي قدر مَا يَكُونُ مُكَافِئًا لَهُ، والاسْمُ الكَفَاءَةُ والكَفَاءُ بفتحهما ومَدِّهما، وهذا كِفَاؤُهُ بالكسر والمدّ، قال الشاعر:

فَأَنْكَحَها لَا فِي كِفَاءٍ وَلَا غِنًى *** زِيَادٌ أَضَلَّ اللهُ سَعْيَ زِيَادِ

وَكِفْأَتُه بكسر فسكون وفي بعض النسخ بالفتح والمدّ وكَفِيئُهُ كأَميرٍ وكُفْؤُهُ كقُفْلٍ وكَفْؤُهُ بالفتح عن كراع وَكِفْؤُهُ بالكسر وكُفُوءُه بالضم والمدّ أَي مِثْلُه يكون ذلك في كلّ شي‌ء، وفي اللسان: الكُفْ‌ءُ: النظير والمساوِي، ومنه الكَفَاءَة في النّكاح، وهو أَن يكون الزَّوْجُ مُساوِيًا للمرأَةِ في حَسَبِها ودِينِها ونَسَبِها وَبيْتِها وغَيْر ذلك. قال أَبو زيد: سمعتُ امرأَةً من عُقَيْلٍ وزَوْجَها يقرآنِ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفًا أَحَدٌ فأَلقى الهمزةَ وحوَّل حَركتَها على الفاءِ، وقال الزجاج في قوله تعالى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْؤًا أَحَدٌ أَربعة أَوْجُهٍ، القراءَةُ منها ثلاثةٌ: كُفُؤًا بضم الكاف والفاءِ، وكُفْأً بضم الكاف وسكون الفاءِ، وكِفْأً بكسر الكاف وسكون الفاءِ، وقد قرئ بها، وكِفَاءٌ بكسر الكاف والمدّ، ولم يُقْرَأْ بها، ومعناه: لم يكن أَحدٌ مِثلًا لله تعالى جَلَّ ذِكْرُهُ، ويقال: فُلانٌ كَفِي‌ءُ فلانٍ وَكُفُؤُ فلانٍ، وقد قرأَ ابن كَثيرٍ وأَبو عمرو وابنُ عامرٍ والكسائيُّ وعاصمٌ كُفُؤًا مُثقَّلًا مهموزًا، وقرأَ حَمزة بسكون الفَاء مهموزًا، وإِذا وَقَف قرأَ كُفَا، بغير همزة، واختُلِف عن نافع فَرُوِي عنه كُفُؤًا، مثل أَبي عمرٍو، وروي كُفْأً مثل حمزة. الجمع: أَي من كلّ ذلك أَكْفَاءٌ. قال ابنُ سيِده: ولا أَعرف للكَفْ‌ءِ جمعًا على أَفْعُلٍ ولا فُعُولٍ وحَرِيٌّ أَن يَسَعه ذلك، أَعني أَن يكون أَكْفاء جَمْعَ كَفْ‌ءٍ المَفْتوح الأَوّل. وكِفَاءٌ جمع كَفِي‌ءٍ، ككِرام وكَريم، والأَكفاء، كقُفْلٍ وأَقْفالٍ، وحِمْل وأَحمال، وعُنُقٍ وأَعْنَاق.

وكَفَأَ القومُ: انصرفوا عن الشي‌ءِ وكَفَأَهُ كمَنَعه عنه كَفْأً: صَرَفَه وقيل كَفَأْتُهم كَفْأً إِذا أَرادوا وَجْهًا فَصَرفْتَهم عنه إِلى غيره فانكَفَئوا، [أَي]: رَجَعُوا. وكَفَأَ الشي‌ءَ والإِناءَ يَكْفَؤُه كَفأً وكَفَّأَه فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ: كَبَّهُ. حكاه صاحب الواعي عن الكسائي، وعبدُ الواحد اللغوي عن ابن الأَعرابي، ومثله حُكِيَ عن الأَصمعي، وفي الفَصِيح: كَفَأْتُ الإِناءَ: كَبَبْتُه وعن ابنِ دُرُسْتَوَيْه: كَفَأه بمعنى: قَلَبَهُ حكاه يعقوب في إِصلاح المنطق، وأَبو حاتمٍ في تَقْوِيم المفسد، عن الأَصمعي، والزجّاج في فعلت وأَفعلت، وأَبو زيد في كتاب الهمز، وكل مِنهما صحيحٌ. قال شيخنا: وزعم ابنُ دُرستويه أَن معنى قَلَبه أَمَالَه عن الاستواءِ، كَبَّه أَو لَمْ يَكُبَّهُ، قال: ولذلك قيل: أَكْفأَ في الشِّعْر، لأَنه قَلَبَ القوافِيَ عن جِهَة استوائِها، فلو كان مِثْلَ كَبَبْتُه كما زعم ثعلبٌ لَمَا قِيل في القَوافي، لأَنها لا تُكَبُّ، ثم قال شيخنا: وهذا الذي قاله ابنُ دُرستويه لا مُعَوَّل عليه، بل الصحيح أَن كَبَّ وقَلَبَ وكَفَأَ مُتَّحِدَةٌ في المعنى، انتهى.

ويقال: كَفَأَ الإِناءَ كَأَكْفَأَهُ رباعيًّا، نقله الجوهريُّ عن ابنِ الأَعرابيّ، وابنُ السكيت أَيضًا عنه، وابنُ القُوطِيّة وابنُ القطاع في الأَفعال، وأَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْل المَقال، وأَبو عُبَيْدٍ في المُصَنَّف، وقال: كَفَأَتُه، بغير أَلفٍ أَفصحُ، قاله شيخنا، وفي المحكم أَنها لُغةٌ نادرةٌ، قال: وأَباها الأَصمعيُّ. واكْتَفَأَهُ أَي الإِناءَ مثل كَفَأَه. وكَفَأَه أَيضًا بمعنى تَبِعَهُ في أَثَرِه، وكَفَأَ الإِبلَ واكتَفأَها: أَغارَ عليها فذَهب بها، وفي حديث السُّلَيْك بن السُّلَكَةِ: أَصابَ أَهْلِيهم وأَموالَهم فاكْتَفَأَهَا.

وكَفَأَت الغَنَمُ في الشِّعْبِ أَي دَخَلَتْ فيه. وأَكفَأَها: أَدخَلَهَا، والظاهر أَن ذِكْرَ الغَنمِ مِثالٌ، فيقال ذلك لجميعِ الماشيةِ.

وكَفأَ فُلَانًا: طَرَدَه، والذي في اللسان: وكَفأَ الإِبلَ والخَيْلَ: طَرَدَها. وكَفَأَ القَوْمُ عن الشي‌ء انْصَرَفُوا عنه ورجعوا، ويقال: كان الناسُ مُجتمعِينَ فانكَفَأُوا وانْكَفَتُوا إِذا انْهَزَمُوا.

وأَكْفَأَ في سَيْره عَن القَصْدِ: جَارَ. وأَكْفَأَ وكَفَأَ: مَالَ كانْكَفَأَ وكَفَأَ وأَكْفَأَ: أَمَالَ [وقَلَبَ] قال ابنُ الأَثير: وكُلُّ شيْ‌ءٍ أَملْتَه فقد كَفَأْتَه، وعن الكسائيّ: أَكْفَأَ الشيْ‌ءَ. أَمالَه، لُغَيَّةٌ، وأَبَاها الأَصمعيُّ، ويقال: أَكْفأْتُ القَوْسَ إِذَا أَملْتَ رأْسَها ولم تَنْصِبْهَا نَصْبًا حين ترمي عنها، وقال بعض: حين ترمي عليها، قال ذو الرمة:

قَطَعْتُ بِهَا أَرْضًا تَرَى وَجْهَ رَكْبِهَا *** إِذَا مَا عَلَوْهَا مُكْفَأً غَيْرَ سَاجعٍ

أَي مُمَالًا غَيْرَ مُستقيمٍ، والساجعُ القاصدُ: المُستَوِي المُستقِيم. والمُكْفَأُ: الجائر، يَعني جائرًا غيرَ قاصِد، ومنه السَّجْعُ في القَولِ. وفي حديث الهرَّة أَنه [كان] يُكفِئُ لها الإِناءَ؛ أَي يُمِيلُه لِتَشربَ منه بسُهولةِ. وفي حديث الفَرَعَةِ: خَيْرٌ مِنْ أَن تَذْبَحَه يَلْصَقُ لَحْمُه بِوَبَرِه وتُكْفِئُ إِناءَكَ وتُولِهُ نَاقَتَكَ. أَي تَكُبُّ إِناءَك [لأنه] لا يَبْقَى لَك لَبَنٌ تَحْلُبُه فِيه، وتُولِهُ ناقَتَكَ؛ أَي تَجْعَلُها وَالِهَةً بِذَبْحِك ولَدَها.

ومُكْفِئُ الظُّعْنِ: آخِرُ أَيَّامِ العَجُوز.

وأَكْفَأَ في الشِّعْرِ إِكفاءً: خَالَف بَيْنَ ضُروب إِعْرَابِ القَوَافِي التي هي أَواخرُ القَصيدة، وهو المخالفةُ بين حَركاتِ الرَّوِيِّ رَفْعًا ونصْبًا وجَرًّا أَو خَالَفَ بَيْنَ هِجَائِها أَي القوافي، فلا يَلْزَم حَرْفًا واحدًا، تَقَاربَتْ مخارِجُ الحُروف أَو تَباعدَتْ، على ما جَرَى عليه الجوهريُّ، ومثله بأَن يَجعل بعضَها مِيمًا وبعضَها طاءً، لكن قد عاب ذلك عليه ابنُ بَرّيّ.

مثالُ الأَوّلِ:

بُنَيَّ إِنَّ البِرَّ شَيْ‌ءٌ هَيِّنُ *** المَنْطِقُ اللَّيِّنُ والطُّعَيِّمُ

ومثال الثّاني:

خَلِيلَيَّ سِيرَا واتْرُكا الرَّحْلَ إِنَّنِي *** بِمَهْلَكَةٍ والعَاقِبَاتُ تَدُورُ

مع قوله:

فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ قَالَ قَائِلٌ *** لِمَنْ جَمَلٌ رِخْوُ المِلَاطِ نَجِيبُ

وقال بعضهم: الإِكفاءُ في الشعر هو التعاقبُ بين الراءِ واللام والنون.

قلت: وهو أَي الإِكفاء أَحَدُ عيُوبِ القافية السّتَّة التي هي: الإِيطاءُ، والتَّضمينُ، والإِقواءُ، والإِصرافُ، والإِكفاءُ، والسِّنادُ، وفي بعض شُروح الكافي: الإِكفاءُ هو اختلافُ الرَّوِيِّ بحُروفٍ مُتَقَارِبَةِ المخارج؛ أَي كالطَّاءِ مع الدَّالِ، كقوله:

إِذَا رَكِبْتُ فاجْعلاني وَسَطَا *** إِنِّي كَبِيرٌ لَا أُطِيقُ العُنَّدَا

يريد العُنَّتَ، وهو من أَقبح العيوب، ولا يجوز لأَحد من المُحدَثين ارتكابه، وفي الأَساس: ومن المجاز: أَكْفَأَ في الشِّعْرِ: قَلَب حَرْفَ الرَّوِيِّ من راءٍ إِلى لامٍ، أَو لامٍ إِلى ميمٍ، [ونحوِه من الحروفِ المُتقارِبةِ المَخْرَجِ، أَو مخالفةِ إِعرابِ القوافي]، انتهى. أَوْ أَكفأَ في الشعر إِذا أَقْوَى فيكونان مُتَرادِفَيْنِ، نقله الأَخفشُ عن الخَليل وابن عبدِ الحَقّ الإِشْبِيلي في الواعي وابن طريف في الأَفعال، قيل: هما واحد، زاد في الواعي: وهو قَلْبُه القافية من الجَرِّ إِلى الرفع وما أَشبه ذاك، مأْخوذٌ من كَفَأْتُ الإِناء: قَلَبْتُه، قال الشاعر [النابغة الذبياني]:

أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا *** لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالِنَا وَكَأَنْ قَدِ

زَعَمَ الغُدَافُ بِأَنَّ رِحْلَتَنَا غَدًا *** وَبِذَاكَ أَخْبَرَنا الغُدَافُ الأَسْوَدُ

وقال أَبو عُبيدٍ البكريُّ في فَصْلِ المَقال: الإِكفاءُ في الشعر إِذا قُلْتَ بَيْتًا مرفوعًا وآخرَ مخفوضًا، كقول الشاعر:

وهَلْ هِنْدُ إِلَّا مُهْرَةٌ عَرَبِيَّةٌ *** سَلِيلَةُ أَفْرَاسٍ تَجَلَّلَها بَغْلُ

فَإِن نُتِجَتْ مُهْرًا كَرِيمًا فَبِالْحَرَى *** وَإِنْ يَكُ إِقْرَافٌ فَمِنْ قِبَلِ الفَحْلِ

أَوْ أَفْسَدَ في آخِرِ البَيْتِ أَيَّ إِفْسَادٍ كانَ قال الأَخفش: وسأَلت العربَ الفُصحاءَ عنه، فإِذا هم يَجعلونه الفسادَ في آخرِ البيت والاختلافَ، من غير أَن يَحُدُّوا في ذلك شيئًا، إِلا أَني رأَيتُ بعضَهم يَجعله اختلافَ الحروفِ، فأَنشدته:

كَأَنَّ فَا قَارُورَةٍ لم تُعْفَصِ *** مِنْها حِجَاجَا مُقْلَةٍ لَمْ تُلْخَصِ

كَأَنَّ صِيرَانَ المَهَا المُنَقِّزِ

فقال: هذا هو الإِكفاءُ، قال: وأَنشده آخرُ قَوافِيَ على حُروفٍ مُختلفةٍ، فعَابِه، ولا أَعلمه إِلَّا قال له: قد أَكْفَأْتَ. وحكى الجوهريُّ عن الفرَّاءِ: أَكفَأَ الشاعرُ، إِذا خالف بين حَركات الرَّويِّ، وهو مِثْلُ الإِقواءِ، قال ابنُ جِنّي: إِذا كان الإِكفاءُ في الشّعْرِ محمولًا على الإِكفاء في غيرِه، وكان وَضْعُ الإِكفاء إِنما هو للخلافِ ووقوعِ الشيْ‌ءِ على غيرِ وَجْهِهِ لمْ يُنْكَرْ أَنْ يُسَمُّوا به الإِقواءَ في اختلافِ حرف الرَّوِيّ جميعًا، لأَن كلَّ واحدٍ منهما واقعٌ على غيرِ استواءٍ، قال الأَخفش: إِلا أَني رأَيتهم إِذا قَرُبتْ مَخَارجُ الحُروف، أَو كانت من مَخرَجٍ واحدٍ ثم اشتَدَّ تَشابُهُهَا لم يَفْطُنْ لها عَامَّتُهم، يعني عامَّةَ العربِ، وقد عاب الشيخُ أَبو محمد بن بَرِّيٍّ على الجوهريِّ قولَه: الإِكفاءُ في الشعر: أَن يُخالَفَ بين قَوَافِيه فتَجْعَل بعضَها ميمًا وبعضَها طاءً، فقال: صوابُ هذا أَن يقول: وبعضَها نُونًا، لأَن الإِكفاءَ إِنما يكون في الحروف المتقارِبة في المَخْرَجِ، وأَمَّا الطاءُ فليستْ من مَخْرَج المِيمِ. والمُكْفَأُ في كلامِ العربِ هو المقلوبُ، وإِلى هذا يَذهبون، قال الشاعر:

وَلَمَّا أَصَابَتْنِي مِنَ الدَّهْرِ نَزْلَةٌ *** شُغِلْتُ وَأَلْهَى النَّاسَ عَنِّي شُؤُنُهَا

إِذَا الفَارِغُ المَكْفِيُّ مِنْهُمْ دَعَوْتُهُ *** أَبَرَّ وَكَانَتْ دَعْوَةً تَسْتَدِيمُهَا

فجَعَل الميمَ مع النونِ لِشَبهها بها، لأَنهما يَخرُجانِ من الخَياشيمِ، قال: وأَخبرني من أَثِقُ به من أَهلِ العلمِ أَن ابْنَةَ أَبِي مُسافِعٍ قالتْ تَرثي أَباها [وقُتِلَ] وهو يَحْمِي جِيفَةَ أَبي جَهْلِ بنِ هِشامِ:

وَمَا لَيْتُ غَرِيفٍ ذُو *** أَظَافِيرَ وَإِقْدَامْ

كَحِبِّي إِذْ تَلَاقَوْا وَ *** وُجُوهُ القَوْمِ أَقْرَانْ

وَأَنْتَ الطَّاعِنُ النَّجْلَاء *** مِنْهَا مُزْبِدٌ آنْ

وَبِالْكَفِّ حُسَامٌ صَا *** رِمٌ أَبْيَضُ خَذَّامْ

وَقَدْ تَرْحَلُ بِالرَّكْبِ *** فَمَا تُخْنِي بِصُحْبَانْ

قال: جَمَعوا بين الميمِ والنونِ لقُرْبهما، وهو كثيرٌ، قال: و [قد] سمعت من العرب مِثل هذا ما لا أُحْصِي، قال الأَخفش: وبالجُمْلة فإِنّ الإِكفاءَ المخالفةُ، وقال في قوله:

مُكْفَأً غَيْرَ سَاجِعِ

المُكْفَأُ هاهنا: الذي ليس بِمُوافِقٍ. وفي حديثِ النَّابِغة: أَنه كان يُكْفِئُ في شِعْرِه، وهو أَن يخالِف بين حركاتِ الرَّوِيّ رفعًا ونصبًا وجرًّا، قال: وهو كالإِقْواءِ، وقيل: هو أَن يُخَالف بين قَوافِيه فلا يَلْزَم حرفًا واحدًا كذا في اللسان.

وأَكفأَت الإِبِلُ: كَثُرَ نِتَاجُهَا وكذلك الغنم، كما يُفيده سِياقُ المُحكم وأَكفأَ إِبِلَهُ وغَنَمَه فُلانًا: جَعَلَ له مَنَافِعَهَا أَوْبَارَها. وأَصوَافَهَا وأَشعارَها وأَلبانَها وأَولَادَها.

والكَفْأَةُ بالفتح ويُضَمُّ أَوَّلُه: حَمْلُ النَّخْلِ سَنَتَهَا، وهو في الأَرْضِ: زِرَاعَةُ سَنَتِهَا قال الشاعر:

غُلْبٌ مَجَالِيحُ عِنْدَ المَحْلِ كُفْأَتُهَا *** أَشطانُها فِي عَدَابِ البَحْرِ تَسْتَبقُ

أَراد به النَّخيلَ، وأَراد بأَشطانِها عُروقَها، والبَحْرُ هنا الماءُ الكثيرُ، لأَن النخْلَ لا يَشْرب في البَحْرِ، وقال أَبو زيد: استكْفَأْتُ فلانًا نَخْلَه إِذا سأَلْتَه ثَمَرها سَنَةً، فجعل للنخْلِ كَفْأَةً، وهو ثَمَرةُ سَنَتِها، شُبِّهَتْ بِكَفْأَةِ الإِبل، قلت: فيكون من المجاز.

والكَفْأَة في الإِبِلِ والغَنم نِتَاجُ عَامِهَا واستكْفأْتُ فُلانًا إِبلَه؛ أَي سأَلْتُه نِتَاجَ إِبلِه سَنَةً فأَكْفَأَنِيهَا؛ أَي أَعطاني لَبَنَها وَوَبَرَها وأَولادَها منه، تقول: أَعطِني كُفْأَةَ ناقَتك، تضمُّ وتفتَحُ، وقال غيره: ونَتَجَ الإِبلَ كَفْأَتَيْنِ، وأَكفَأَها إِذا جَعلها كُفْأَتينِ، وهو أَن يَجعلها نِصْفَيْنِ تَنْتِجُ كُلَّ عامٍ نِصْفًا وَتَدَعُ نِصْفًا، كما يصنعُ بالأَرض بالزِّراعة، فإِذا كان العام المُقْبِل أَرسلَ الفحلَ في النِّصف الذي لم يُرسِله فيه من العامِ الفارِطِ لأَن أَجْوَد الأَوقات عند العَرب في نِتاجِ الإِبل أَن تُتْرَك الناقة بعد نِتاجِها سَنةً لا يُحْمَلُ عليها الفَحْلُ، ثم تُضرَب إِذا أَرادَتِ الفَحْلَ، وفي الصحاح: لأَن أَفضلَ النِّتاجِ أَن يُحْمَلَ على الإِبلِ الفُحُولَةُ عامًا وَتُتْرَكَ عامًا، كما يُصْنَع بالأَرضِ في الزِّراعة، وأَنشد قولَ ذي الرُّمَّة:

تَرَى كُفْأَتَيْهَا تُنفِضانِ وَلَمْ يَجِدْ *** لَهَاثِيلَ سَقْبٍ فِي النِّتَاجَيْنِ لَامِسُ

وفي الصحاح: «كِلَا كَفْأَتَيْهَا» يعني أَنها نُتِجت كُلُّها إِنَاثًا، وهو محمودٌ عندهم، قال كعبُ بن زُهَيْر:

إِذَا ما نَتَجْنَا أَرْبَعًا عَامَ كُفْأَةٍ *** بَغَاها خَنَاسِيرًا فَأَهْلَكَ أَرْبَعَا

الخَنَاسِيرُ: الهَلاكُ، أَو كُفْأَة الإِبِل: نِتَاجُهَا بَعْدَ حِيَال سَنَةٍ أَو بعد حِيالِ أَكْثَرَ مِن سَنةٍ، يقال من ذلك: نَتَجَ فُلانٌ إِبلَه كَفْأَةً وكُفْأَةً، وأَكْفأَت في الشاءِ: مِثْلُه في الإِبل وقال بعضهم مَنَحَهُ كَفْأَةَ غَنَمِهِ، ويُضَمُّ أَي وَهَبَ له ألْبَانَهَا وَأَوْلَادَهَا وأَصْوَافَها سَنَةً وَرَدَّ عَلَيْهِ الأُمَّهَاتِ ووهَبْتُ له كُفْأَة ناقتي، تُضمّ وتُفتح، إِذا وهَبْتُ له وَلَدَها ولَبنَها وَوَبَرها سَنَةً، واستكْفَأَه فأَكْفَأَه: سأَلَه أَن يَجْعل له ذلك. وعن أَبي زيدٍ: استكفأَ زَيْدٌ عَمْرًا نَاقَتَه، إِذا سأَله أَن يَهبها له وَولَدَها ووَبَرَها سَنةً، ورُوي عن الحارث بن أَبي الحارث الأَزدِيِّ مُن أَهْلِ نَصِيبَيْن أَن أَباه اشترى مَعْدِنًا بمائة شاةِ مُتْبِع، فأَتى أُمَّه فاستأْمَرَهَا، فقالت: إِنك اشتريتَه بثلاثِمائة شاةٍ: أُمُّها مائةٌ، وأَولادُها مائةُ شاةٍ، وكُفْأَتُها مائةُ شاةٍ. فندِمَ فاستقالَ صاحِبَه فَأَبَى أَن يُقِيله، فقَبض المَعْدِن فأذابَه وأَخرج منه ثَمنَ أَلْفِ شاةٍ، فأَتَى به صاحِبُه إِلى عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه ـ أَي وشَى به وسَعَى ـ وقال: إِن أَبا الحارث أصابَ رِكَازًا. فسأَله عليٌّ رضي ‌الله‌ عنه، فأَخبره أَنه اشتراه بمائةِ شاةٍ مُتْبِع، فقال عليٌّ: ما أَرى الخُمُسَ إِلَّا على البائع، فأَخذَ الخُمُسَ من الغنم، والمعنى: أَن أُمَّ الرجلِ جعَلَتْ كُفْأَة مائةِ شاةٍ في كلّ نِتاجٍ مائةً، ولو كانتْ إِبلًا كان كفأَةُ مائةٍ من الإِبل خَمْسينَ، لأَن الغَنَمَ يُرْسَل الفَحْلُ فيها وقْتَ ضِرابِها أَجْمَعَ، وتَحْمِلُ أَجمعَ، وليستْ مِثلَ الإِبلِ يُحْمَل عليها سنَةً، وسَنَةً لا يُحْمَل عليها، وأَرادت أُم الرجلِ تَكثيرَ ما اشتَرَى به ابنُها، وإِعلامَه أَنَّه غُبِن فيما ابتاعَ، فَفطَّنَتْه أَنه كان اشتَرَى المَعدِنَ بثلاثِمائةِ شاةٍ، فَنَدم الابنُ واستقالَ بائعَه، فأَبَى وبارك اللهُ له في المعدِنِ، فحسَده البائعُ وسَعَى به إِلى عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه، فأَلزَمَه الخُمُسَ، وأَضرَّ البائعُ بنفسِه في سِعَايته بصاحبه إِليه، كذا في لسان العرب.

والكِفَاءُ بالكسر والمدّ كَكِتَابٍ: سُتْرَةٌ مِنْ أَعْلَى البَيْتِ إِلى مِنْ مُؤَخَّرِه، أَو هو الشُّقَّةُ التي تكون في مُؤَخَّرِ الخِبَاءِ، أَو هو كسَاءٌ يُلْقَى على الخِبَاءِ كالإِزار حَتَّى يَبْلُغَ الأَرْضَ، ومنه: قَدْ أَكْفَأْتُ البَيْتَ إِكْفَاءُ، وهو مُكْفَأٌ، إِذَا عَمِلْتَ له كِفَاءً، وكِفَاءُ البيتِ مُؤَخَّرْه، وفي حديث أُمِّ مَعْبَدٍ: رأَى شَاةً، في كِفَاءِ البَيْتِ، هو من ذلك، والجمعُ أَكْفِئَةٌ، كحِمارٍ وأَحْمِرَةٍ.

ورجلٌ مُكْفَأُ الوجْهِ: مُتَغَيِّرُه سَاهِمُه ورأَيتُ فلانًا مُكْفَأَ الوَجْهِ، إِذا رَأَيْتَه كاسِفَ اللوْنِ سَاهِمًا، ويقال: رأَيته مُتَكَفِّئَ اللوْنِ ومُنْكَفِتَ اللوْنِ؛ أَي مُتَغَيِّرَهُ. ويقال: أَصبح فلانٌ كَفِي‌ءَ اللوْنِ مُتَغَيِّرَهُ، كأَنه كُفِئَ فهو كَفِي‌ءُ اللَّوْنِ كأَمِيرٍ ومُكْفَؤُهُ كَمُكْرَم؛ أَي كَاسِفُهُ ساهِمُه أَي مُتَغَيِّرُهُ لِأَمْرٍ نَابَه، قال دُرَيدُ بنُ الصِّمَّةِ.

وَأَسْمَرَ مِنْ قِدَاحِ النَّبْعِ فَرْعٍ *** كَفِي‌ءِ اللَّوْنِ مِنْ مَسٍّ وَضَرْسِ

أَي متغيّر اللَّوْنِ من كثرة ما مُسِحَ وعُصِرَ.

وكَافَأَهُ: دَافَعهُ وقَاوَمَه، قال أَبو ذَرٍّ في حديثه: لنا عَبَاءَتَانِ نُكافِئُ بهما عَنَّا عَيْنَ الشمسِ وإِني لأَخْشَى فَضْلَ الحِسَابِ. أَي نُقابِل بهما الشمْسَ ونُدافِع، من المُكافَأَة: المُقَاوَمةِ.

وكَافَأَ الرجلُ بَين فَارِسَيْنِ بِرُمْحِهِ إِذا وَالَى بينهما طَعَنَ هذا ثُمَّ هذا. وفي حديث العَقيقة عن الغلام شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ بفتح الفاءِ، قال ابنُ الأَعرابيّ مُشْتَبِهَتانِ، وقيل: مُتقارِبَتَان، وقيل: مُسْتَوِيتانِ وتُكْسَر الفَاءُ عن الخَطَّابِي، واختار المحدِّثون الفَتْحَ، ومعنى مُتَساوِيَتَان كُل [واحدة] منهما مُسَاوِيَةٌ لِصَاحِبَتِها فِي السِّنِّ فمعنى الحديث: لا يُعَقُّ إِلّا بِمُسِنَّةٍ، وأَقلَّه أَن يكون جَذَعًا كما يُجْزِئ في الضَّحايا، قال الخَطَّابي: وأَرى الفَتْحَ أَولَى، لأَنه يريد شَاتَيْنِ قد سُوِّى بينهما؛ أَي مُسَاوًى بينهما، قال: وأَما الكَسْر فمعناه أَنهما مُتساوِيتان، فيُحْتَاج أَن يَذْكُر أَيَّ شَيْ‌ءٍ سَاوَيَا، وإِنما لو قال مُتَكافِئتان كان الكَسْرُ أَوْلَى، وقال الزّمخشري: لا فَرْقَ بين المُكافِئَتين والمُكَافَأَتَيْنِ، لأَن كلّ واحدٍة إِذا كافَأَت أُختَها فقد كُوفِئَت، فهي مُكافِئَة ومُكَافَأَة، أَو يكون معناه مُعَادِلَتَان لما يَجِب في الزكاةِ والأُضْحَيَّة من الأَسنانِ، قال: ويحتمل مع الفتح أَن يُرادَ مَذبوحتانِ، من كَافَأَ الرجلُ بين البَعِيرينِ إِذا نَحرَ هذا ثم هذا معًا من غير تفريقٍ، كأَنه يُريد يَذْبَحُهما في وقتٍ واحدٍ، وقيل: تُذْبَحُ إِحداهما مُقابلةَ الأُخرَى، وكلُّ شيْ‌ءٍ سَاوَى شَيْئًا حتى يكونَ مِثلَه فهو مُكافِئٌ له، والمُكافَأَةُ بين الناسِ من هذا، ويقال: كافَأْتُ الرجلَ أَي فعَلْتُ به مثل ما فَعَل بِي ومنه الكُفْ‌ءُ من الرجال للمرأَةِ، تقول: إِنه مثلُها في حَسبها.

وقرأَتُ في قُرَاضة الذَّهب لأَبي الحسنِ عليّ بنِ رَشيق القَيْرَوَانِيّ قولَ الكُمَيْت يَصِف الثور والكِلاب:

وَعاثَ فِي عَانَةٍ مِنْهَا بِعَثْعثَةٍ *** نَحْرَ المُكَافِئِ والمَكْثُورُ يَهْتَبِلُ

قال: المُكافِئُ: الذي يَذبحُ شاتَيْنِ إِحداهما مُقَابِلَة الأُخرى للعَقِيقة.

وَانْكَفَأَ: مَالَ، كَكَفَأَ، وأَكْفَأَ وفي حديث الضَّحِيَّة: ثُمَّ انْكَفَأَ إِلى كَبْشَيْنِ أَمْلَحيْنِ فذَبحَهما. أَي مَالَ رَجَعَ، وفي حديث آخَرَ: فوضَع السَّيْفَ في بَطْنِه ثم انْكَفَأَ عليه.

وانْكَفَأَ لَوْنُه كَأَكْفَأَ وكَفَأَ وتَكَفَّأَ وانْكَفَت؛ أَي تَغَيَّرَ وفي حَدِيث عُمَر أَنه انْكَفَأَ لَوْنُه عَامَ الرَّمَادَةِ؛ أَي تَغيَّر عَن حالِه حين قال: لا آكُلُ سَمْنًا ولا سَمِينًا. وفي حَدِيث الأَنصاريّ: مَا لِي أَرَى لَوْنَك مُنكفِئًا؟ قال: من الجُوع. وهو مجاز.

والكَفِي‌ءُ كأَمِير والكِفْ‌ءُ، بالكسر: بَطْنُ الوَادِي نقله الصاغاني وابنُ سيِده.

والتَّكَافُؤُ: الاستِواءُ وتكافَأَ الشَّيْئَانِ: تَماثَلا، كَكَافَأَ، وفي الحديث «المُسلمونَ تَتَكَافَأُ دِماؤُهم» قال أَبو عُبيدٍ: يريد تَتَساوى في الدِّيَاتِ والقِصاص، فليس لِشَرِيفٍ على وَضِيع فَضْلٌ في ذلك.

* ومما بقي على المصنف:

قول الجوهري: تَكَفَّأَتِ المرأَةُ في مِشْيَتِها: تَرَهْيَأَتْ ومَادَتْ كما تَتَكفَّأُ النخْلَةُ العَيْدَانَةُ، نقلَه شيخُنا. قلت: وقال بِشْر بنُ أَبي خَازِم:

وَكَأَنَّ ظُعْنَهُمُ غَدَاةَ تَحَمَّلُوا *** سُفُنٌ تَكَفَّأُ فِي خَلِيجٍ مُغْرَبِ

هكذا استشهَد به الجوهريُّ، واستَشْهد به ابنُ منظور عند قوله: وكَفَأَ [الشي‌ءَ] والإِناءَ يَكْفَؤُه كَفْأً [وَكَفَّأَه] فَتَكَفَّأَ، وهو مَكْفُوءٌ [واكْتَفَأَهُ مثلُ كَفَأَهُ] قَلَبَهُ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الكَفَاءُ، كسحابٍ: أَيْسَرُ المَيل في السَّنام ونَحْوِه، جَمَلٌ أَكْفأُ وناقة كَفْآءُ، عن ابنِ شُمَيْلٍ: سَنامٌ أَكْفَأُ: هو الذي مالَ على أَحدِ جَنْبِي البعيرِ، وناقة كَفْآءُ، وجَملٌ أَكْفَأُ، وهذا من أَهْوَنِ عُيوبِ البعير، لأَنه إِذا سَمِنَ استقامَ سَنامُه.

ومن ذلك في الحديث أَنه صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله ‌وسلم كان إِذا مَشَى تَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا. التَّكَفُّؤُ: التمايُلُ إِلى قُدَّامٍ كما تَتَكَفَّأُ السفينةُ في جَرْيها. قال ابن الأثير: رُوي مهموزًا وغيرَ مهموزٍ، قال: والأَصل الهمْزُ، لأَن مصدر تَفَعَّلَ من الصحيح كتقدَّم تقدُّمًا وتَكَفَّأَ تَكَفُّؤًا، والهمزة حرفٌ صَحيحٌ، فأَما إِذا اعتلَّ انكَسرت عَيْن المُستقبَل منه نحو تَخَفَّى تَخَفِّيًا وتَسمَّى تَسمِّيًا، فإِذا اخُفِّفَتِ الهمزةُ التحَقَتْ بالمعتلِّ، وصارَ تَكَفِّيًا، بالكسر، وهذا كما جاءَ أَيضًا: أَنه كان إِذا مَشَى كأَنَّه يَنحَطُّ في صَبَبٍ، وفي رواية: إِذا مَشَى تَقَلَّع. وبعضه يُوافقُ بَعْضًا ويُفَسّره، وقال ثعلبٌ في تفسير قوله: كأَنّما ينحط في صَبَبٍ: أَراد أَنَّه قَوِيُّ البَدنِ، فإِذا مَشى فكأَنما يَمْشِي على صُدُورِ قَدَميْهِ من القُوَّةِ، وأَنشد:

الوَاطِئينَ عَلَى صُدُورِ نِعالِهِمْ *** يَمْشُونَ فِي الدَّفَنِيِّ والأَبْرَادِ

والتَّكَفِّي في الأَصل مهموزٌ، فتُرِكَ هَمْزُه، ولذلك جُعِل المصدر تَكَفِّيًا.

وفي حديث القِيامة «وتَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً واحدَة يَكْفَؤُهَا الجَبَّارُ بِيَدِه كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَه في السَّفَرِ» وفي رواية «يَتَكَفَّؤُهَا» يريد الخُبْزَةَ التي يَصْنَعها المُسافِرُ، ويضعُها في المَلَّةِ، فإِنها لا تُبْسَط كالرُّقَاقَةِ وَإِنَّها تُقلبُ على الأَيْدي حتى تَستَوي.

وفي حديث الصِّراط «آخِرُ مَنْ يَمُرُّ رَجُلٌ يَتَكَفَّأُ به الصِّراطُ» أَي يَتَمَيَّلُ وَيَنْقَلِب.

وفي حديث [دعاء] الطعام: غير مُكْفَإٍ ولا مُوَدَّع، وفي رواية غير مَكْفِيّ؛ أَي غير مَرْدُود ولا مقلوب، والضميرُ راجعٌ للطعام، وقيل من الكِفَايَة، فيكون من المُعتل، والضميرُ لله سبحانه وتعالى، ويجوز رجوع الضمير للحمد.

وفي حديثٍ آخر: كانَ لا يقبَل الثَّناءَ إلَّا من مُكَافِئٍ أَي من رجل يَعْرِف حقيقةَ إِسلامه ولا يَدْخل عنده في جُملةِ المُنافقين الّذين {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}، قاله ابنُ الأَنباري، وقيل: أَي منْ مُقارِب غير مُجَاوِزٍ حَدَّ مثلِه، ولا مُقَصِّرٍ عما رفَعه الله تعالى إِليه، قاله الأَزهري، وهناك قول ثالث للقُتَيْبِيِّ لم يرتضه ابنُ الأَنباري، فلم أَذكُرْه، انظره في لسان العرب.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


166-تاج العروس (حب حبب حبحب)

[حبب] الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ، والحُبّ: الوِدَادُ والمَحَبَّةُ، كالحِبَابِ بِمَعْنَى المُحَابَّة والمُوَادَّةِ والحُبِّ، قال أَبو ذُؤيب:

فَقُلْتُ لِقَلْبِي يَا لَكَ الخَيْرُ إِنَّمَا *** يُدَلِّيكَ للخَيْرِ الجَدِيدِ حِبَابُهَا

وقال صَخْرُ الغَيّ:

إِنِّي بِدَهْمَاءَ عَزَّ مَا أَجِدُ *** عَاوَدَنِي مِنْ حِبَابِهَا الزُّؤُدُ

والحِبّ، بكَسْرِهِمَا حُكِيَ عن خَالِدِ بنِ نَضْلَةَ: مَا هَذَا الحِبُّ الطَّارِقُ. والمَحَبَّةِ، والحُبَابِ بالضّمِّ، قَالَ أَبُو عَطَاءٍ السِّنْدِيُّ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ:

فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَصَادِقٌ *** أَدَاءٌ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكِ أَمْ سِحْرُ

قال ابن بَرِّيّ: المَشْهُورُ عند الرُّوَاةِ مِنْ حِبَابِكِ، بكسر الحاءِ، وفيه وَجْهَانِ، أَحدُهما أَن يكون مصدرَ حَابَبْتُه مُحَابَّةً وحِبَابًا، والثاني أَنْ يَكُونَ جَمْعَ حُبٍّ، مثل عُشّ وعِشَاش، ورواهُ بعضُهُم: من جَنَابِكِ، بالجيم والنون؛ أَي من نَاحِيَتِك وقال أَبو زيد: أَحَبَّه اللهُ، وهو مُحِبٌّ بالكسْرِ، ومَحْبُوبٌ على غير قياسٍ هذَا الأَكثرُ قال: ومِثْلُهُ مَزْكُومٌ ومَحْزُونٌ ومَجْنُونٌ ومَكْزُوزٌ وَمَقْرُورٌ، ولذلك أَنهم يقولون: قَد فُعِلَ، بغير أَلِفٍ في هذا كله، ثم بُنِيَ مفْعُولٌ على فُعِلَ وإِلّا فلا وَجْهَ له، فإِذَا قالُوا: أَفْعَلَه اللهُ فهو كله بالأَلف، وحكى اللِّحْيَانِيُّ عن بني سُلَيْمٍ: ما أَحَبْتُ ذلكَ أَي ما أَحْبَبْتُ، كما قالوا: ظَنْتُ ذلك؛ أَي ظَنَنْتُ، ومثلُه ما حكاه سيبويه من قولهم: ظَلْتُ، وقال:

فِي سَاعَةٍ يُحَبُّهَا الطَّعَامُ

أَي يُحَبُّ فِيهَا وقد قِيلَ مُحَبٌّ بالفَتْح على القياسِ وهو قليلٌ قالَ الأَزهريُّ: وقد جاءَ المُحَبُّ شاذًّا في قولِ عنترةَ:

ولَقَدْ نَزَلْتِ فَلَا تَظُنِّي غَيْرَهُ *** مِنِّي بِمَنْزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ

وحكى الأَزهريُّ عن الفراء قال: وحَبَبْتُه أَحِبُّه بالكَسْر لُغَةٌ حُبًّا بالضَّمِّ والكَسْرِ فهو مَحْبُوبٌ، قال الجوهريّ: وهو شَاذٌّ لأَنَّهُ لا يَأْتِي في المضاعف يَفْعِلُ بالكَسْرِ إِلّا ويَشْرُكُه يَفْعُلُ بالضَّمِّ إِذا كان مُتَعَدِّيًا، ما خَلا هذَا الحَرْفَ، وكَرِهَ بعضُهُمْ حَبَبْتُه وأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا البيتُ لِفَصِيح، وهو قولُ غَيْلَانَ بنِ شُجَاعٍ النَّهْشَلِيِّ:

أَحِبُّ أَبَا مَرْوَانَ مِنْ أَجْلِ تَمْرِهِ *** وأَعْلَمُ أَنَّ الجَارَ بالجَارِ أَرْفَقُ

فَأُقْسِمُ لَوْ لَا تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ *** وَلَا كَانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ ومُشْرِقِ

وكان أَبو العباس المبرِّدُ يَرْوِي هذا الشِّعْرَ:

وَكَانَ عِيَاضٌ منه أَدْنَى ومُشْرِقُ.

وعَلَى هذه الرِّوَاية لا يكون فيه إِقْوَاءٌ. وحكى سيبويهِ:

حَبَبْتُهُ وأَحْبَبْتُه بِمَعْنًى واسْتَحْبَبْتُه كَأَحْبَبْتُهُ، والاسْتحْبَابُ كالاستِحْسَانِ.

والحَبِيبُ والحُبَابُ بالضَّمِّ، وكَذَا الحِبّ بالكَسْرِ، والحُبَّةُ بالضَّمِّ مع الهاء كُلُّ ذلك بمعنى المَحْبُوب، وهي أَي المَحْبُوبَةُ بهاء، وتَحَبَّب إِليه: تَوَدَّدَ، وامرأَةٌ مُحِبَّةَ لزَوْجِهَا، ومُحِبٌّ أَيضًا، عن الفراء، وعن الأَزهريّ: حُبَّ الشَّي‌ءُ فهو مَحْبُوبٌ ثم لا تَقُلْ: حَبَبْتَهُ، كما قالوا جُنَّ فهو مَجْنُونٌ، ثم يقولون: أَجَنَّه اللهُ، والحِبُّ بالكَسْرِ: الحَبِيبُ، مثل خِدْنٍ وخَدِينٍ، وكان زيدُ بنُ حارِثَةَ يُدْعَى حِبَّ رَسُولِ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، والأُنْثَى بالهاء، وفي الحديث «ومَنْ يَجْتِرِئُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رسولِ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم» أَي مَحْبُوبُهُ، وكان صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم يُحِبُّه كَثِيرًا، وفي حديث فاطمةَ رضي ‌الله‌ عنها قالَ لَهَا رسولُ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم [عَنْ عائشة] «إِنَّهَا حِبَّةُ أَبِيكِ» الحِبُّ بالكسر: المَحْبُوبُ والأُنْثَى: حِبَّةٌ وجَمْعُ الحِبِّ بالكسر أَحْبَابٌ وحِبَّانٌ بالكسر وحُبُوبٌ وحِبَبَةٌ بالكسر مُحَرَّكَةً، وحُبٌّ بالضم وهذه الأَخيرةُ إِما أَنها جَمْعٌ عَزِيزٌ أَو أَنها اسمُ جَمْعٍ، وقال الأَزهريّ: يُقَالُ للحَبِيبِ: حُبَابٌ، مُخَفَّفٌ، وقال الليث: الحِبَّةُ والحِبُّ بمنزلة الحَبِيبَةِ والحَبِيبِ، وحكى ابن الأَعرابيّ: أَنَا حَبِيبُكُمْ أَي مُحَبُّكُم، وأَنشد:

وَرُبَّ حَبِيبٍ ناصحٍ غَيْرِ مَحْبُوبِ

وفي حديث أُحُدٍ «هُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبّهُ» قال ابن الأَثير: وهذا محمولٌ على المجازِ، أَراد أَنه جَبَلٌ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ ونُحِبُّ أَهْلَهُ، وهُم الأَنْصَارُ، ويجوزُ أَن يكونَ من باب المَجَاز الصَّريحِ؛ أَي أَنَّنَا نُحِبُّ الجَبَلَ بِعَيْنِه، لأَنَّه في أَرْضِ مَنْ نُحِبُّ، وفي حديث أَنَس «انْظُرُوا حُبَّ الأَنْصَارِ التَّمْرَ» وفي روايةٍ بإسْقَاطِ انْظُرُوا، فيجوزُ أَن تكونَ الحَاءُ مكسورةً بمعنَى المَحْبُوبِ أَي مَحْبُوبُهُمُ التَّمْرُ، فعلَى الأَوّلِ يكون التمرُ منصوبًا، وعلى الثاني مرفوعًا.

وحُبَّتُكَ، بالضَّمِ: ما أَحْبَبْتَ أَنْ تُعْطَاهُ أَو يكونَ لَكَ واخْتَرْ حُبَّتَكَ ومَحَبَّتَكَ أَي الذي تُحِبُّه وقال ابن بَرِّيّ: الحَبِيبُ يجي‌ءُ تَارَةً بمعنى المُحِبِّ كقول المُخَبَّلِ:

أَتَهْجُرُ لَيْلَى بالفِرَاقِ حَبِيبَها *** ومَا كَانَ نَفْسًا بالفِرَاقِ تَطِيبُ

أَي مُحِبَّهَا، ويجي‌ءُ تارةً بمعنى المَحْبُوبِ كقول ابنِ الدُّمَيْنَةَ:

وإِنَّ الكَثِيبَ الفَرْدَ مِنْ جَانِب الحِمَى *** إِلَيَّ وإِنْ لَمْ آتِهِ لَحَبِيبُ

أَي لمَحْبُوبٌ:

وحَبِيبٌ بلا لامٍ خَمْسَةٌ وثَلَاثُون صَحَابِيًّا وهم حَبيبُ بنُ أَسْلَمَ مَوْلَى آلِ جُشَمَ، بَدْرِيٌّ، رُوِيَ عنه، وحَبِيبُ بنُ الأَسْوَدِ، أَوْرَدَه أَبُو مُوسَى، وحَبِيبُ بنُ أَسِيد بنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ اليَمَامَةِ، وحَبِيبُ بنُ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ، وحَبِيبُ بنُ تَيْمٍ، وحَبِيبُ بنُ حَبِيبِ بنِ مَرْوَانَ، لَهُ وِفَادَةٌ، وحبيبُ بنُ الحَارِثِ، له وِفَادَةٌ، وحَبِيبُ بنُ حُبَاشَةَ، وحَبِيبُ بنُ حِمَارٍ، وحَبِيبُ بن خِرَاشٍ العصريّ، وحَبِيبُ بنُ حَمَامَةَ، ذَكَره أَبُو مُوسَى، وحَبُيبُ بنُ خِرَاش التَّمِيمِيُّ، وحبيبُ بن خماسة الأَوْسِيُّ الخطميّ وحبيبُ بنُ رَبِيعَةَ بن عَمْرو، وحبيبُ بن رَبِيعَةَ السُّلَمِيُّ، قاله المزّيّ، وحَبِيبُ بن زيدِ بنِ تَيْمِ البَيَاضِيُّ، اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، وحَبِيبُ بن زَيْدِ بنِ عاصمٍ المَازِنِيُّ الأَنْصَاريُّ، وحَبِيبُ بنُ زَيْدٍ الكِنْدِيُّ، وحبيبُ بنُ سَبُعٍ أَبو جُمُعَةً الأَنْصَارِيُّ، وحَبيبُ بنُ سبيعة، أَوْرَدَهُ أَبُو حَاتِمٍ، وحَبِيبُ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، وحَبِيبٌ أَبُو عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ، وحَبِيبُ بنُ سَنْدَر وحَبِيبُ بنُ الضَّحَّاكِ، رضي ‌الله‌ عنهم.

وحَبِيبٌ أَيضًا جَمَاعَةٌ مُحَدِّثُونَ وأَبُو حَبيبٍ: خَمْسَةٌ من الصَّحَابَةِ.

ومُصَغَّرًا هو حُبَيِّبُ بنُ حَبِيب أَخُو حمْزَةَ الزَّيَّاتِ المُقرِئ وحُبَيِّبُ بنُ حَجْرٍ بفَتْحٍ فَسُكُونٍ بَصْرِيُّ وحُبَيِّبُ بنُ عَلِيٍّ، مُحَدِّثُونَ، عن الزُّهْرِيِّ.

وفاتَهُ مُحَمَّدُ بنُ حُبَيِّب ابنُ أَخي حَمْزَةَ الزَّيَاتِ، رَوَتْ عنه بِنْته فَاطِمَةُ، وعنها جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، وحَبِيب بنُ فَهْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ، الثَّانِي شَيْخٌ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وحَبِيب بنُ تَمِيمٍ المُجَاشِعِيُّ، شَاعِرٌ، وحَبِيب بنُ كَعْبِ بنِ يَشْكُرَ، قَدِيم، وحَبِيب بنُ عَمْرِو بنِ عَوْف جَدّ سُوَيْدِ بنِ الصَّامِتِ وحُبَيِّب ابن الحارث في ثَقِيفٍ، وذَكَرَ الأَصْمَعيُّ أَنَّ كُلَّ اسمٍ في العَرَبِ فهو حَبِيبٌ بالفَتْحِ إِلّا الذي في ثَقِيفٍ وفي تَغْلِب وفي مُرَادٍ، ذَكَره الهَمْدَانيُّ.

وحُبَيْبٌ كزُبَيْر بنُ النُّعْمَان، تَابِعِيّ عن أَنَسٍ، لَهُ مَنَاكِيرُ وهُوَ غَيْرُ حُبَيْب بنِ النُّعْمَانِ الأَسَدِيِّ الذي رَوَى عن خُرَيْمِ بن فَاتِكٍ الأَسَدِيِّ، فإِنَّ ذَاكَ بالفَتْحِ وهو ثِقَةٌ.

وقَالُوا حَبَّ بِفُلَانٍ أَي مَا أَحَبَّهُ إِلَيَّ، قَالَهُ الأَصمعيُّ، وقال أَبو عبيدٍ: مَعْنَاهُ حَبُبَ بِفُلَانٍ بضَمِّ البَاءِ ثم سُكِّنَ وأُدْغِمَ في الثانيةِ، ومثلُه قال الفراءُ، وأَنشد:

وزَادَهُ كَلَفًا فِي الحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ *** وَحَبَّ شَيْئًا إِلى الإِنْسَانِ ما مُنِعَا

قال: ومَوْضِعُ «مَا» رَفْعٌ، أَرَادَ حَبُبَ، فأَدْغَمَ، وأَنْشَدَ شَمِرٌ:

وَلَحَبَّ بِالطَّيْفِ المُلِمِّ خَيَالا

أَي مَا أَحَبَّه إِلَيَّ، أَيْ أَحْبِبْ بِهِ.

وحَبُبْتُ إِلَيْهِ، كَكَرُمَ: صِرْتُ حَبِيبًا لَهُ، ولا نَظِيرَ له إِلَّا شَرُرْتُ، مِنَ الشَّرِّ وما حَكَاه سيبويه عن يُونُسَ من قولهم لَبُبْتُ مِنَ اللُّبِّ وتقول: مَا كُنْتَ حَبِيبًا ولَقَدْ حَبِبْتَ، بالكَسْرِ؛ أَي صِرْتَ حَبِيبًا.

وحَبَّذَا الأَمْرُ، أَيْ هُوَ حَبيبٌ قال سيبويه: جُعِلَ حَبَّ وذَا أَي مَعَ ذَا كَشَيْ‌ءٍ وَاحِدٍ أَي بِمَنْزِلَتِهِ وهُوَ عِنْدَه اسْمٌ وما بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِه ولَزِمَ ذَا حَبَّ وجَرَى كالمثَلِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ في المُؤَنَّثِ حَبَّذَا لَا يقولونَ حَبَّذِهْ بكسر الذالِ المعجمة، ومنه قولُهم: حَبَّذَا زَيْدٌ، فَحَبَّ فِعْلٌ مَاضٍ لَا يَتَصَرَّفُ، وأَصْلُهُ حَبُبَ، عَلَى ما قَالَهُ الفرّاءُ، وذَا فَاعلُهُ، وهو اسْمٌ مُبْهَمٌ من أَسْمَاءِ الإِشَارَةِ، جُعِلَا شَيئًا واحدًا فصارَا بِمَنْزِلَةِ اسم يَرْفَعُ ما بَعْدَه، وموضِعُه رَفْعٌ بالابْتِدَاءِ وزيدٌ خَبَرُه ولا يجوز أَن يكونَ بَدَلًا مِنْ ذَا، لأَنَّكَ تقولُ: حَبَّذَا امْرَأَةٌ، ولو كان بَدَلًا لقلتَ حَبَّذِهِ المَرْأَةُ، قال جرير:

يَا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ بَلَدٍ *** وَحَبَّذَا سَاكِنُ الرَّيَّانِ مَنْ كَانَا

وحَبَّذَا نَفَحَاتٌ مِنْ يَمَانِيَةٍ *** تَأْتِيكَ مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ أَحْيَانَا

وقال الأَزهريّ: وأَمّا قولُهم: حَبَّذَا كَذَا وكَذَا فهُوَ حَرْفُ مَعْنًى أُلِّفَ مِنْ حَبَّ وَذَا، يُقَالُ: حَبَّذَا الإِمَارَةُ، والأَصْلُ: حَبُبَ ذَا، فأُدْغِمَتْ إِحْدَى البَاءَيْنِ في الأُخْرَى وشُدِّدَتْ، وذَا إِشَارةٌ إِلى ما يَقْرُبُ مِنْك، وأَنشد:

حَبَّذَا رَجْعُهَا يَدَيْهَا إِلَيْهَا *** فِي يَدَيْ دِرْعِهَا تَحُلُّ الإِزَارَا

كأَنَّه قال: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عن ذَا فقال: هو رَجْعُهَا يَدَيْهَا إِلَى حَلِّ تِكَّتِهَا؛ أَي مَا أَحَبَّه، وقال ابنُ كَيْسَانَ: حَبَّذَا كَلِمَتَانِ جُمِعَتَا شيئًا واحدًا ولم تُغَيَّرَا في تَثْنِيَةٍ وَلا جَمْعٍ ولا تَأْنِيثٍ، ورُفعَ بها الاسم، تَقُولُ: حَبَّذَا زَيْدٌ، وحَبَّذَا الزَّيْدَانِ، وحَبَّذَا الزَّيْدُونَ، وحَبَّذَا هِنْدٌ وحَبَّذَا أَنْتَ وأَنْتُمَا وأَنْتُم، يُبْتَدَأُ بها، وإِن قُلْتَ: زَيْدٌ حَبَّذَا فَهِيَ جَائِزَةٌ وهي قَبِيحَةٌ، وإِنَّمَا لَمْ يُثَنَّ ولَمْ يُجْمَعْ ولَمْ يُؤَنَّثْ، لأَنَّك إِنَّمَا أَجْرَيْتَهَا على ذِكْرِ شي‌ءٍ سَمِعْتَهُ فكأَنَّكَ قُلْتَ حَبَّذَا الذِّكْرُ ذِكْرُ زَيْدٍ، فصارَ زَيْدٌ مَوْضِعَ ذِكْره مُشَارًا إِلى الذِّكْرِ به، كذا في كتب النحو وحَبَّ إِليَّ هَذَا الشَّيْ‌ءُ يَحَبُّ حُبًّا قال ساعِدَةُ:

هَجَرَتْ غَضُوبُ وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ *** وَعَدَتْ عَوَاد دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ

وأَنشد الأَزهريّ:

دَعَانَا فَسَمَّانَا الشِّعَارَ مُقَدِّمًا *** وحَبَّ إِلينا أَن يكونَ المُقَدَّما

ويقال: أَحْبِبْ إِلَيَّ بِه، وروى الجوهريّ في قول سَاعِدَةَ: وحُبَّ، بالضمِّ، قال: إِراد حَبُب فأَدْغَمَ ونَقَلَ الضمةَ إلى الحاءِ لأَنه مَدْحٌ، ونَسبَ هذا القولَ لابن السكّيت.

وحَبَّبهُ إِلَيَّ: جعلَنِي أُحِبُّهُ وحَبَّبَ الله إِليه الإِيمانَ، وحَبَّبه إِليَّ إِحسانُه، وحَبَّ إِلَيَّ بِسُكْنَى مَكَّةَ، وحَبَّ إِليَّ بأَن تَزورني.

وقَولُهُم: حَبَابُكَ كَذَا بالفَتْح، وحَبابُكَ أَنْ يكُونَ ذلكَ، أَو حَبابُكَ أَن تَفْعلَ ذلكَ أَي غَايةُ مَحبَّتِكَ أَو معناه مَبْلَغُ جُهْدِكَ الأَخِيرُ عن اللِّحْيانيّ، ولم يذْكُرِ: الحُبَّ، ومثلُه: حُمَاداك؛ أَي جُهْدُكَ وغَايتُكَ.

ويقال تَحابُّوا: أَحبَّ بَعْضُهُمْ بعْضًا وهما يَتَحابَّانِ، وفي الحديث «تَهادَوْا تَحابُوا» أَي يُحِبّ بعْضُكُمْ بعْضًا.

والتَّحبُّبُ: إِظْهارُ الحُبِّ، يقال تَحبَّبَ فلانٌ، إِذا أَظْهرَهُ أَي الحُبَّ، وهو يَتَحَبَّبُ إِلى الناسِ، ومُحَبَّبٌ إِليهم أَي مُتَحَبِّبٌ وَحَبَّانُ وحُبَّانُ وحِبَّانَ بالتثليث وحُبَيِّبُ مُصغَّرًا قد سبق ذكرُه، فَسردُه ثانيًا كالتكرارِ وحُبَيْبٌ كَكُمَيْتِ كذلك تقدَّمَ ذِكرُه وحَبِيبةُ كَسفِينَةٍ، وحُبَيْبة ك جُهَيْنَةَ وحَبابةُ مثلُ سَحابةٍ وحَبَابٌ مثلُ سَحَاب وحُبَابٌ مِثْلُ عُقَابٍ وحَبَّةُ بالفتح وحُبَاحِبُ بالضم وقد يأْتي ذكره في الرباعيّ أَسْمَاءٌ مَوْضوعةٌ من الحُبِّ.

وحَبَّانُ بالفَتْحِ: وَادٍ باليَمَنِ قريبٌ من وادِي حَيْقٍ وحَبَّانُ بنُ مُنْقِذِ بنِ عمرٍو الخَزْرَجِيُّ المازنيُّ شَهد أُحُدًا، وتُوُفِّي في زَمنِ عثمانَ رضي ‌الله‌ عنه صحابِيُّ وابْنُه سعيدٌ له ذِكْرٌ وحَبَّانُ بنُ هِلَالٍ وحَبَّانُ بنُ واسِعِ بنِ حَبَّانَ الحارِثيُّ الأَنْصارِيُّ من أَهْلِ المدِينَةِ، يَرْوِي عن أَبِيه، وعن ابنُ لَهِيعةَ وسَلَمَةُ بنُ حَبَّانَ شيخٌ لأَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيِّ مُحَدِّثُونَ.

وسِكَّةٌ حِبَّانَ بالكَسْرِ: مَحَلَّةٌ بَنَيسابُور منها محمدُ بن جعفرِ بنِ أَحمد الحِبَّانِيّ، وحِبَّانَ بنُ الحكَم السُّلَمِيّ من بَنِي سُلَيْمٍ، قِيلَ كانت معه رايةُ قَوْمِهِ يومَ الفَتْحِ وحِبَّانُ بنُ بُجٍّ الصُّدَائِيُّ له وِفَادةٌ، وشَهِد فَتْحَ مِصْرَ أَوْ هُوَ حَبَّانُ بالفَتْحِ قاله ابن يُونُس، والكَسْرُ أَصحّ وكذا حِبَّانُ بنُ قَيْسِ أَو هُو أَي الأَخِيرُ بالياءِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وكذا حِبَّانُ أَبُو عقيلٍ الأَبْصارِيُّ، وحِبَّانُ بن وَبرَة المرّيّ صحابِيُّونَ وحِبَّانُ بنُ مُوسى المَرْوَزِيُّ شيخُ البُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ وحِبَّانُ بنُ عَطِيَّةَ السُّلَمِيُّ، لَهُ ذِكْرٌ في الصَّحِيحِ، في حديث عليّ رضي ‌الله‌ عنه في قِصَّةِ حاطِبٍ، ووَقَع في رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الهَرَوِيّ حَبَّانُ بالفَتْحِ. وحِبَّانُ بنُ عَلِيّ العَنَزِيُّ من أَهلِ الكوفَة، روى عن الأَعْمَشِ والكُوفيّينَ مات سنة 173 وكان يَتَشَيَّع، كذا في الثِّقَاتِ.

قلتُ: هو أَخُو مَنْدَل، وابْنَاهُ: إِبراهيمُ وعبدُ الله حَدَّثَا وحِبَّانُ بنُ يَسَارٍ أَبُو رَوْحٍ الكِلَابِيُّ يَرْوِي عن العِرَاقِيِّينَ، مُحَدّثُونَ.

وحُبَّانُ بالضَّمِّ بنُ مَحْمُودِ بن محموية البَغْدَادِيّ قال عَبْدُ الغَنِيِّ: حَدَّثْتُ عنْهُ ومُحَمَّدُ بن جُبَانَ بن بَكْرِ بنْ عَمْرٍو بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ، رَوَى عن سَلَمَةَ بنِ الفَضْلِ وعنه الطَّبَرَانِيُّ، والجِعَابِيّ ولهم آخر: مُحَمَّدُ بنُ حُبَّانَ اخْتُلِفَ فيه، قيلَ بالفَتْح، واسم جَدِّه أَزْهَرُ، وهو باهِلِيٌّ، يَرْوِي عن أَبِي الطَّاهِرِ الذُّهْلِيِّ، وقيل: هُمَا واحِدٌ، رَاجِع «التَّبْصِير» للحافظ رَوَيَا وحَدَّثَا.

والمُحَبَّةُ والمَحْبُوبَةُ حَكَاهُمَا كُرَاع وكذا المُحَبّبَةُ والحَبِيبَةُ جميعًا من أَسماءِ مَدِينَة النَّبيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم وقد أَنْهَيْتُهَا إِلى اثْنَيْن وتِسْعِينَ اسْمًا، وإِنَّمَا سُمِّيَتْ بذلك لحُبِّ النبيّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم وأَصحابه إِياها.

ومَحْبَبٌ كمَقْعَدٍ اسْمُ عَلَمٌ جَاءَ على الأَصْلِ لمكان العَلَمِيَّةِ، كما جاءَ مَزْيَدٌ، وإِنَّمَا حَمَلَهُم على أَن يَزِنُوا مَحْبَبًا بمَفْعَلٍ دُونَ فَعْلَلٍ لأَنهم وَجَدُوا ما تركَّب من ح ب ب ولم يَجِدُوا معروف ح ب ولَوْ لَا هذا لكان حَمْلُهُم مَحْبَبًا على فَعْلَلٍ أَوْلَى، لأَنَّ ظُهورَ التضعيفِ في فَعْلَل هو القِيَاسُ والعُرْفُ كَقَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ.

وأَحَبَّ البَعِيرُ: بَرَكَ فلَمْ يَثُرْ وقيلَ: الإِحْبَابُ في البَعِيرِ كالحِرَانِ في الخَيْلِ، وهو أَنْ يَبْرُكَ، قال أَبُو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيُّ:

حُلْتُ عَلَيْهِ بالقَفِيلِ ضَرْبَا *** ضَرْبَ بَعِيرِ السَّوْءِ إِذْ أَحَبَّا

القَفِيلُ: السُّوْطُ، وقالَ أَبُو عُبَيْدَةَ في قوله تعالى {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} أَيْ لَصِقْتُ بالأَرْضِ لِحُبِّ الخَيْلِ حَتَّى فَاتَتْنِي الصَّلاةُ أَوْ أَحَبَّ البَعِيرُ إحْبَابا: أَصَابَهُ كَسْرٌ أَو مَرَضٌ فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ قال ثعلبٌ: ويقال لِلْبَعِيرِ الحَسِيرِ: مُحِبُّ، وأَنْشَدَ يَصِفُّ امْرَأَةً قَاسَتْ عَجِيزَتَهَا بِحَبْلٍ وبَعَثَت بِهِ إِلى أَقْرَانِهَا:

جَبَّتْ نِسَاءَ العَالَمِينَ بالسَّبَبْ *** فَهُنَّ بَعْدُ كُلُّهُنَّ كالمُحِبّ

وقال أَبُو الهَيْثَمِ: الإِحْبَابُ: أَنْ يُشْرِفَ البَعِيرُ عَلَى المَوْتِ من شِدَّةِ المَرَضِ فَيَبْرُكَ وَلَا يَقْدِرَ أَنْ يَنْبَعِثَ، قال الراجز:

مَا كَانَ ذَنْبِي مِنْ مُحَبٍّ بَارِكْ *** أَتَاهُ أَمْرُ اللهِ وهُوَ هَالِكْ

والإِحْبَابُ: البُرْءُ من كُلِّ مَرَضٍ، يقال: أَحَبَّ فُلَانٌ إِذا بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ، وأَحَبَّ الزَّرْعُ وَأَلَبَّ صَارَ ذَا حَبٍّ، ووذَلِكَ إِذا دَخَلَ فيه الأُكْلُ وتَنَشَّأ الحَبُّ واللُّبُّ فيه.

واسْتَحَبَّتْ كَرِشُ المَالِ إِذَا أَمْسَكَتِ المَاءَ وطَالَ ظِمْؤُهَا، وإِنما يكون ذلك إِذَا التَقتِ الصَّرْفَةُ والجَبْهَة وطلعَ بهما سُهيل.

والحَبَّةُ: وَاحِدَةُ الحَبِّ، والحَبُّ: الزَّرْعُ صغيرًا كان أَو كبيرًا، والحَبُّ: معروفٌ مستعملٌ في أَشياءَ: حَبَّةٌ مِنْ بُرٍّ، وحَبَّةٌ مِنْ شَعِيرٍ، حَتَّى يقولوا: حَبَّةٌ من عِنَبٍ، والحَبَّةُ منَ الشَّعِيرِ والبُرِّ ونحوِهِمَا الجمع: حَبَّاتٌ وحَبٌّ وحُبُوبٌ وحُبَّانٌ كتُمْرَانٍ في تَمْرٍ، وهذه الأَخيرةُ نادرةٌ، لأَنَّ فَعْلَة لا يُجْمَعُ على فُعْلَانٍ إِلا بَعْدَ الزَّائِدِ.

والحَبَّةُ: الحَاجَةُ. والحُبَّةُ بالضَّمِّ: المُحَبَّةُ وقد تَقَدَّمَ، وعَجَمُ العِنَبِ، وقد يُخَفَّفُ فيقال: الحُبَةُ كَثُبَةٍ.

والحِبَّةُ بالكَسْرِ بُزُورُ البُقُولِ ورَوَى الأَزهريُّ عن الكِسَائيِّ: الحِبَّة: حَبُّ الرَّيَاحِينِ ووَاحِدَةُ الحِبَّةِ حَبَّةٌ أَو هِيَ نَبْتٌ يَنْبُتُ في الحَشِيشِ صَغِيرٌ أَو هي الحُبُوبُ المُخْتَلِفَةُ من كلِّ شي‌ءٍ وبِهِ فُسِّرَ حديثُ أَهلِ النارِ «فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ» والحَمِيلُ: ما يَحْمِلُ السَّيْلُ من طِينٍ أَو غُثَاءٍ، والجَمْعُ حِبَبٌ، وقِيلَ: مَا كَانَ له حَبٌّ منَ النَّبَاتِ فاسمُ ذلك الحَبِّ الحِبَّةُ أَو هي ما كانَ من بَزْرِ العُشْبِ قاله ابن دريد أَو هي جَمِيعُ بُزُورِ النَّبَاتِ قاله أَبو حنيفَةَ، وقيل: الحِبَّةُ بالكسر: بُزُورُ الصَّحْرَاءِ مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ وَوَاحِدُهَا حِبَّةٌ بالكَسْرِ، وحَبَّةٌ بالفَتْحِ عن الكسائِيِّ، قال: فَأَمَّا الحَبُّ فليْسَ إِلَّا الحِنْطَةَ والشَّعِيرَ، وَاحِدَتُهَا حَبَّةٌ بالفَتْحِ، وإِنَّمَا افْتَرَقا في الجَمْع، وقال الجوهريّ: الحَبَّةُ: وَاحِدَةُ حَبّ الحِنْطَةِ ونحوِهَا من الحُبُوبِ، أَو الحِبَّةُ بالكسرِ بَزْرُ كلِّ ما نَبَتَ وَحْدَه بِلَا بَذْرٍ، وكُلُّ مَا بُذِرَ فَبالفَتْحِ وقال أَبُو زِيَادٍ: الحِبَّةُ بالكسرِ اليَبِيسُ المُتَكَسِّرُ المُتَرَاكِمُ بعضُه على بعضٍ، رواه عنه أَبو حنيفةَ، وأَنشد قولَ أَبِي النَّجْمِ:

تَبَقَّلَتْ مِنْ أَوَّلِ التَّبَقُّلِ *** فِي حِبَّةٍ حَرْفٍ وحَمْضٍ هَيْكَلِ

قال الأَزهريّ: ويقال لِحَبِّ الرَّيَاحِين حِبَّةٌ؛ أَي بالكسر، والوَاحِدَةُ منها حَبَّةٌ أَي بالفتح أَو الحِبَّة: يابسُ البَقْل والحِبَّة حُبُّ البَقْلِ الذي يَنْتَثِرُ، قال الأَزهَريّ، وسمعتُ العرَبَ يقولونَ: رَعَيْنَا الحِبَّةَ، وذلك في آخِرِ الصَّيْفِ إِذَا هَاجَتِ الأَرْضُ وَيَبِسَ البَقْلُ والعُشْبُ وتَنَاثَرَتْ بُزُورُهَا وَوَرَقُهَا، فإِذَا رَعَتْهَا النَعَمُ سَمِنَتْ عليها. قال: ورأَيْتُهُمْ يُسَمُّونَ الحِبَّةَ بعدَ الانْتِثَارِ القَمِيمَ والقَفَّ، وتَمَامُ سِمَنِ النَّعَمِ بعدَ التَّبَقُّلِ ورَعْيِ العُشْبِ يكونُ بِسَفِّ الحِبَّةِ والقَمِيمِ، قال: وَلَا يَقَعُ اسْمُ الحِبَّةِ إِلَّا على بُزُورِ العُشْبِ، وقد تقَدَّم، والبُقُولِ البَرِّيَةِ ومَا تَنَاثَرَ من وَرَقِهَا فاخْتَلَطَ بها، مثل القُلْقُلَانِ، والبَسْبَاسِ، والذُّرَقِ، والنَّفَلِ، والمُلَّاحِ وأَصْنَافِ أَحْرَارِ البُقُولِ كُلِّهَا وذُكُورِهَا.

ويُقَالُ: جَعَلَه في حَبَّةِ قَلْبِهِ وأَصَابَتْ فُلَانَةُ حَبَّة قَلْبِهِ حَبَّةُ القَلْبِ: سُوَيْدَاؤُهُ، أَو هي مُهْجَتُه، أَو ثَمَرَتَهُ أَو هي هَنَةٌ سَوْدَاءُ فيهِ وقيل: هي زَنَمَةٌ في جَوْفِهِ قال الأَعْشى:

فَأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِهَا وطِحَالَهَا

وعن الأَزهريّ: حَبَّةُ القَلْبِ: هِي العَلَقَةُ السَّوْداءُ التي تكونُ دَاخِلَ القَلْبِ وهي حَمَاطَةُ القَلْبِ أَيضًا، يقالُ: أَصَابَتْ فلانةُ حَبَّةَ قَلْبِ فُلَانٍ، إِذا شَغَفَ قَلْبَهُ حُبُّهَا، وقال أَبو عمرٍو: الحَبَّةُ: وَسَطُ القَلْبِ.

وحَبَّةُ بِنْتُ عبدِ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ تَابِعِيَّةٌ: وحبة اسمُ امْرَأَةٍ عَلِقَهَا: عَشِقَهَا مَنْظُورٌ الجِنِّيُّ فكَانَتْ حَبَّةُ تَتَطَبَّبُ بِمَا يُعَلِّمُهَا مَنْظُورٌ قالَه ابنُ جِنِّي، وأَنشد:

أَعَيْنَيَّ سَاءَ الله مَنْ كَانَ سَرَّهُ *** بُكَاؤُكُمَا أَوْ مَنْ يُحِبُّ أَذاكُمَا

ولَوْ أَنَّ مَنْظُورًا وحَبَّةَ أُسْلِمَا *** لِنَزْعِ القَذَى لَمْ يُبْرِئَا لِي قَذَاكُمَا

وحَبَّةُ بنُ الحَارِثِ بنِ فُطْرَةَ بنِ طَبِّي‌ءٍ هو الذي سَارَ مع أُسَامَةَ بنِ لُؤَيّ بنِ الغَوْثِ خَلْفَ البَعِيرِ إِلى أَنْ دَخَلَا جَبَلَيْ أَجَاءٍ وسَلْمَى.

وحَبَابُ المَاءِ والرَّمْلِ وكَذَا النَّبِيذِ كسَحَابٍ: مُعْظَمُه، كَحَبَبِهِ مُحَرَّكَة وحِبَبِهِ بالكسرِ، واختص بالثالث أَولهما قال طرفة:

يَشُقُّ حَبَابَ المَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا *** كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفَايِلُ باليَدِ

فَدَلَّ على أَنه المُعْظَمُ، قلتُ: ومنهُ حدِيثُ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه قال لأَبي بكرٍ رضي ‌الله‌ عنه «طِرْتَ بِعُبَابِهَا وفُزْتَ بِحَبَابِهَا» أَي مُعْظَمِهَا، أَو حَبَابُ المَاءِ: طَرَائِقُه كأَنَّهَا الوَشْيُ، قاله الأَصمعيّ وأَنشد لجريرٍ.

كَنَسْجِ الرِّيحِ تَطَّرِدُ الحَبَابَا

أَوْ حَبَابُ المَاءِ نُفَّاخَاتُه وفَقَاقِيعُه التي تَطْفُو كَأَنَّهَا القَوَارِيرُ وهي اليَعَالِيلُ، يقالُ: طَفَا الحَبَابُ عَلَى الشَّرَابِ، وقال ابنُ دُرَيْد: حَبَبُ المَاءِ: تَكَسَّرُهُ، وهو الحَبَابُ وأَنشد الليثُ:

كَأَنَّ صَلَا جَهِيزَةَ حِينَ قَامَتْ *** حَبَابُ المَاءِ يَتَّبِعُ الحَبَابَا

ويُرْوَى: حِينَ تَمْشِي، لَمْ يُشَبِّهْ صَلَاهَا ومَآكِمَهَا بالفَقَاقِيع وإِنَّما شَبَّهَ مَآكمَهَا بالحَبَابِ الذِي عليه، كأَنَّهُ دَرَجٌ في حَدَبَةٍ، والصَّلَا: العَجِيزَةُ، وقيلَ: حَبَابُ المَاءِ: مَوْجُهُ الذي يتبعُ بعضُه بَعْضًا، قال ابنُ الأَعْرَابِيّ، وأَنشد شَمِرٌ:

سُمُوّ حَبَابِ المَاءِ حَالًا عَلَى حَالِ

والحُبُّ بالضَّمِّ: الجَرَّةُ صَغِيرَةً كانت أَو كبيرةً أَو هي الضَّخْمَة منها أَو الحُبُّ: الخَابِيَةُ، وقال ابن دُريد: هو الذي يُجْعَلُ فيه الماءُ، فلم يُنَوِّعْهُ، وهو فارسيٌّ مُعَرَّبٌ، قال: وقال أَبو حاتم: أَصْلُهُ حُنْبُ، فعُرِّب، والحُبَّةُ بالضَّمِّ: الحُبُّ، يُقَالُ: نَعَم وحُبَّةً وكَرَامَةً أَوْ يُقَالُ في تَفْسِيرِ الحُبِّ والكَرَامةِ: إن الحُبَّ: الخَشَبَاتُ الأَرْبَعُ التي تُوضَعُ عليها الجَرَّةُ ذاتُ العُرْوَتَيْنِ، وإِن الكَرَامَةَ غِطَاءُ الجَرَّةِ من خَشَبٍ كانَ أَو من خَزَف ومنه قولُهُم حُبًّا وكَرَامَةً نقله الليثُ الجمع: أَحْبَابٌ وحِبَبَةٌ وحِبَابٌ بالكسر.

والحِبُّ بالكَسْرِ: الحَبِيبُ مثل خِدْن وخَدِينٍ، قال ابن برّيّ: والحَبِيبُ يجي‌ءُ تارةً بمعنى المُحِبِّ كقول المُخَبَّلِ:

أَتَهْجُرُ لَيْلَى بالفِرَاقِ حَبِيبَها *** وَما كَانَ نَفْسًا بالفِرَاقِ تَطِيبُ

أَي مُحِبَّهَا، ويجي‌ءُ تارةً بمعنى المَحْبُوبِ كقَوْل ابنِ الدُّمَيْنَةِ:

وإِنَّ الكَثِيبَ الفَرْدَ مِنْ جَانِبِ الحِمَى *** إلَيَّ وإِنْ لَمْ آتِهِ لحَبِيبُ

وقد تَقَدَّم.

والحِبُّ القُرْطُ مِنْ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ قال ابن دريد: أَخْبَرَنَا أَبو حاتمٍ عن الأَصمعيِّ أَنَّهُ سَأَلَ جنْدَلَ بنَ عُبَيْدٍ الرَّاعِي عن معْنَى قولِ أَبِيهِ الرَّاعِي:

تَبِيتُ الحَيَّةُ النَضْنَاضُ مِنْهُ *** مَكَانَ الحِبِّ تَسْتَمِعُ السِّرَارَا

ما الحِبُّ: فقال: القُرْطُ، فقال خُذُوا عنِ الشَّيْخِ فإِنَّه عالِمٌ، قال الأَزهريُّ وفَسَّر غيرُه الحِبَّ في هذا البيتِ الحَبِيبَ، قال: وأُرَاهُ قَوْلَ ابنِ الأَعْرَابيّ، وقوله كالحِبَاب بالكَسْر صَرِيحُه أَنه لغةٌ في الحبِّ بمَعْنَى القُرْط ولم أَرَه في كُتُبِ اللُّغةِ، أَو أَنه لُغَةٌ في الحِبِّ بمعنى المُخِبِّ وهو كَثِيرٌ، وقد تقدم في كلامِه، ثم إِنّي رأَيتُ في لسان العرب بعد هذه العبارة ما نَصُّه: والحُبَابُ كالحِبِّ، ولا يخْفَى أَنَّه مُحْتَمِل المَعْنَيَيْنِ، فتأَمَّلْ.

والحُبَابِ كغُرَابِ: الحَيَّة بِعَيْنِهَا وقيل: هي حَيَّةٌ ليْسَتْ مِن العَوَارِم. والحُبَابُ: حَيٌّ من بَنِي سُلَيْمٍ، وحُبَابٌ اسْمُ رَجُل من الأَنْصَارِ، غُيِّرَ لِلْكَرَاهَةِ وحُبَابٌ جَمْعُ حُبَابَةٍ اسْم لِدُوَيْبَةٍ سَوْدَاءَ مَائِيَةٍ، وحُبَابٌ اسْمُ شَيْطَانٍ، وفي الحديث «الحُبَابُ شَيْطَانٌ» قال ابن الأَثير: هو بالضَّمِّ اسمٌ له، ويَقَعُ عَلَى الحَيَّةِ أَيضًا، كما يقالُ لها: شَيْطَانٌ، فهما مُشْتَرِكَانِ، ولذلك غُيِّرَ اسمُ حُبَابٍ كَرَاهِيَةً للشَّيْطَانِ، وقال أَبو عُبيدٍ: وإِنما قيلَ الحُبَابُ اسمُ شَيْطَانٍ لأَن الحَيَّةَ يقال لها شَيْطَانٌ، قال الشاعر:

تُلَاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ كَأَنَّهُ *** تَمَعُّجُ شَيْطَانٍ بِذِي خِرْوَعٍ قَفْرٍ

وبه سُمَّي الرَّجُلُ، انتهى.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


167-تاج العروس (دبج)

[دبج]: الدَّبْجُ: النَّقْشُ والتَّزْيِين، فارِسيّ مُعَرّب.

والدِّيبَاجُ، بالكسر، كما في شُرُوح الفصيح، نعم حَكى عِياضٌ فيه عن أَبي عُبَيْد الفتح، ورواه بعضُ شُرَّاح الفصيح، وفي مشارِقِ عِيَاض: يقال بكسر الدال وفتحها، قال أَبو عُبَيْد، والفتح كلامٌ مُوَلَّد ونقل التَّدْمُرِيّ عن ثعلب في نوادره أَنه قال: الدِّيوان مكسور الدّال، والدَّيباج مفتوح الدّال، وقال المُطَرِّزِيّ: أَخبرنا ثعلَبٌ عن ابن نجدة عن أَبي زيدٍ قال: الدِّيوان والدِّيباج وكِسْرَى لا يقولها فَصِيحٌ إِلَّا بالكسر، ومن فَتحها فقد أَخطأَ. قال: وأَخبرنا ثعلبٌ عن ابن الأَعرابيّ قال: الكَسْر فصيحٌ، وقد سُمِعَ الفَتْحُ فيها ثَلَاثَتِهَا، وقال الفِهْرِيّ في شرح الفصيح: حَكَى أَبو عبيد في المصنّف عن الكسائيّ أَنه قال في الدّيوان والدّيباج: كلامٌ مُوَلَّد، وهو ضَرْبٌ من الثِّيَاب مُشْتَقّ من دَبَج، وفي الحديث ذكر الدِّيباج، وهي الثِّيَابُ المُتَّخذة من الإِبْرَيْسَمِ، وقال اللَّبْلِيّ: هو ضَرْبٌ من المَنْسوج مُلَوَّنٌ أَلوانًا، وقال كُراع في المُجَرّد: الدِّيباج من الثِّيابِ فارِسيّ مُعَرَّبٌ، إِنما هو ديبايْ؛ أَي عُرِّب بإِبدال الياءِ الأَخيرة جِيمًا، وقيلَ: أَصلُه دِيبا، وعُرِّب بزيادة الجيم العربيّة، وفي شِفَاءِ الغَلِيل: دِيباجٌ مُعَرَّب دُيوبَاف؛ أَي نِسَاجَةُ الجِنّ، وج، دَيَابِيجُ: بالياءِ التّحتيّة، وَدَبَابِيجُ، بالموحّدة، كلاهما على وَزْنِ مَصابِيح، قال ابن جِنّي: قولهم دَبَابِيج يدلّ على أَن أَصله دِبَّاج، وأَنهم إِنما أَبدلوا الباءَ ياءً استثقالًا لتضعيف الباءِ، وكذلك الدِّينار والقِيراط، وكذلك في التصغير.

وسَمَّى ابنُ مَسْعُودٍ الحَوَامِيمَ دِيباجَ القُرآنِ.

وعن ابن الأَعرابِيّ النَّاقَةُ الفَتِيَّةُ الشَّابَّةُ تُسَمّى بالقِرْطَاس والدِّيباجِ والدِّعْلِبَة والدِّعْبِلُ والعَيْطَمُوس.

ورُوِي عن إِبراهِيمَ النَّخَعِيّ أَنه كان له طَيْلَسَانٌ مُدَبَّجٌ، قالوا المُدَبَّجُ كمُعَظَّم، هو المُزَيَّنُ بِهِ أَي زُيِّنَتْ أَطْرَافُه بالدِّيباجِ.

والمُدَبَّجُ الرَّجُلُ القَبِيحُ الوَجْهِ والرَّأْسِ والخِلْقَةِ.

وفي التهذيب: المُدَبَّجُ: ضَرْبٌ مِن الهَامِ وطائرٌ مِن طَيْرِ الماءِ قَبِيحُ الهَيْئَة، يقال له أَغْبَرُ مُدَبَّجٌ مُنْتفِخُ الرِّيشِ قَبِيحُ الهَامَةِ، يكون في الماءِ مع النُّحَامِ.

ومن المجاز مَا فِي الدَّارِ دِبِّيجٌ كسِكِّينٍ؛ أَي ما بها أَحدٌ، لا يُستعمَل إِلّا في النَّفْيِ، وفي الأَساس: أَي إِنْسانٌ.

قال ابن جِنِّي: هو فِعِّيل من لفظ الدِّيبَاج ومعناه، وذلك أَن النّاس هم الذين يَشُونَ الأَرْضَ، وبهم تَحْسُن، وعلى أَيديهم وبِعَمارتهم تَجْمُلُ.

وحكى الفَرَّاءُ، عن الدُّبَيْرِيّة: ما في الدَّار شَفْرٌ ولا دِبِّيجٌ، ولا دَبِّيجٌ، ولا دِبِّيٌّ، ولا دَبِّيٌّ، قال: قال أَبو العبّاس: والحاءُ أَفصحُ اللُّغَتَيْنِ، قال الجوهَرِيّ: وسأَلْت عنه في البَادِيَة جَمَاعَةً مِن الأَعْرَاب، فقالوا: ما في الدّار دِبِّيٌّ، قال: وما زادوني على ذلك، قال: ووجدت بخطِّ أَبي مُوسى الحَامِض ما في الدار دِبِّيجٌ، مُوَقَّعٌ بالجِيم عن ثعلب، قال أَبو منصور: والجيم في دِبِّيج مبدلَةٌ من الياءِ في دِبِّيّ، كما قالوا صِيصِيٌّ وصِيصِجٌ، ومُرِّيّ ومُرّجّ، ومثله كثيرٌ.

* ومما بَقِيَ على المُصَنّف من هذه المادة: من المجاز: دَبَجَ الأَرْضَ المَطَرُ يَدْبُجُها دَبْجًا: رَوَّضَهَا؛ أَي زَيَّنها بالرِّياض، وأَصبحَت الأَرْضُ مُدَبَّجَةً.

والدِّيبَاجَتَانِ: هما الخَدَّانِ، وقيل: هما اللِّيتَانِ، قال ابنُ مُقْبِلٍ:

يَسْعَى بِهَا بَازِلٌ دُرْمٌ مَرَافِقُه *** يَجْرِي بِدِيبَاجَتَيْهِ الرَّشْحُ مُرْتَدِعُ

الرَّشْحُ: العَرَقُ. والمُرْتَدِع هنا: الذي عَرِقَ عَرَقًا أَصْفَرَ، تَشْبِيهًا بالخَلُوقِ. والبازِلُ من الإِبل الذي له تسْعُ سِنينَ، ورُويَ «فُتْلٌ مَرَافِقُه» والفُتْل: التي فيها انْفِتَالٌ وتباعُدٌ عن زَوْرِهَا، وذلك محمودٌ فيها.

ولهذه القصيدةِ دِيباجَةٌ حَسَنَةٌ، إِذا كانَت مُحَبَّرَةً، وما أَحْسَنَ دِيبَاجَاتِ البُحْتُرِيّ: وفي اللسان: دِيبَاجَةُ الوَجْهِ ودِيبَاجُهُ: حُسْنُ بَشَرَتِه، أَنشد ابنُ الأَعْرَابِيّ للنَّجاشيّ:

هُمُ البِيضُ أَقْدَامًا ودِيباجُ أَوْجُهٍ *** كِرَامٌ إِذَا اغْبَرَّتْ وُجُوهُ الأَشائِمِ

ومنه أَخَذَ المُحَدِّثُون التَّدْبِيجَ، بمعنى رِوَايَةِ الأَقْرَانِ كُلّ واحدٍ منهم عن صاحِبه، وقيل غير ذلك.

والدِّيباجُ لَقَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ وغَيرِهِم، منهم محمّد بْنُ عبد الله بْنِ عَمْرو بن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، وأُمّه فاطمةُ بنتُ الحُسَيْنِ، وإِسماعيلُ بْنُ إِبراهِيمَ الغَمْرِ بْنِ الحَسَن بن الحَسَنِ بن عَلِيٍّ، ومحمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبيرِ بْنِ العَوَّام، لجمَالِهِم ومَلاحتهم.

وأَبو الطّيّب مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ [محمد بن] المُهَلَّب الدِّيباجِيّ إِلى صَنْعَةِ الدِّيباج، روى عن [يعقوب] الدَّوْرَقيِّ وأَبي الأَشْعثِ [أَحمد بن المقدام] العِجْلِيّ وغيرِهما.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


168-تاج العروس (طنج)

[طنج]: الطُّنُوجُ: الصُّنوفُ والفُنونُ ـ.وحكَى ابن جِنِّي قال: أَخبرَنا أَبو صالحٍ السَّلِيلُ بن أَحمدَ بنِ عيسى بن الشيخ قال: حدّثنا أَبو عبد الله محمد بن العباس اليَزيديّ قال: حدّثنا أَبو عبد الله محمد بن العباس اليَزيديّ قال: حدّثنا الخليل بن أَسدٍ النُّوشَجَانيّ قال: حدّثنا محمد بن يزيد بن ربّان قال: أَخبرني رجلٌ عن حَمّادٍ الرَّاوِيَةِ قال: أَمرَ النُّعْمَانُ فنُسِخت له أَشعارُ العَربِ في الطُّنُوجِ، يعني الكَرارِيس فكُتِبتْ له، ثم دَفَنَهَا في قَصْره الأَبيضِ، فلمّا كان المُختارُ بن [أَبي] عُبَيْد قيلَ له: إِن تَحتَ القَصْرِ كَنْزًا. فاحْتَفَرَه فأَخْرَجَ تلك الأَشعارَ. فمِن ثَمَّ أَهلُ الكوفةِ أَعلَمُ بالأَشعار من أَهلِ البَصرَةِـ لا واحدَ لهَا.

وفي التهذيب نقلًا عنِ النوادر: تَنَوَّعَ في الكلام وتَطنَّجَ وتَفَنَّنَ، إِذا أَخَذَ في فُنونٍ شَتَّى. قلت: هذا هو الصّوَاب وأَما ذكْرُ المصنّف إِيّاهَا في «طبج» فوَهَمٌ، وقد أَشرنا له آنفًا.

وطَنْجَةُ: د، بشاطِئِ بَحْرِ المَغْرِب قريبةٌ من تطاون، وهي قاعِدَةٌ كبيرةٌ جامعةٌ، بين الأَمصارِ المُعْتَبَرَة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


169-تاج العروس (أمر)

[أمر]: الأَمْرُ معْرُوفٌ، وهو ضِدُّ النَّهْيِ، كالإِمَارِ والإِيمارِ، بكسرِهما الأَوَّلُ في اللِّسَان، والثاني حَكَاه أَهلُ الغَرِيبِ، وقد أَنكرَهما شيخُنا واستغربَ الأَخِيرَ، وقد وَجَدتُه عن أَبي الحَسَنِ الأَخفَشِ، قال: وأَمِرَ ـ بالكسر ـ مالُ بني فلانٍ إِيمارًا: كَثُرَتْ أَموالُهم؛ ففي كلامِ المصنِّف نَظَرٌ وتأَمُّلٌ.

والآمِرَةُ، وهو أَحدُ المصادرِ التي جاءَتْ على فاعِلَةٍ كالعافِيَةِ، والعاقِبَةِ والخاتِمَةِ.

أَمَرَه وأَمَرَه به، الأَخيرةُ عن كُراع، وأَمَرَه إِيّاه ـ على حَذف الحرف ـ يأْمُره أَمْرًا وإِمَارًا.

وآمَرَهَ بالمدِّ، هكذا في سائر النُّسَخ، وهو لُغةٌ في أَمَرَه، وقال أَبو عُبَيْد: آمَرْتُه ـ بالمدّ ـ وأَمرْتُه لغتان بمعنى كَثَّرتُه. وسيأْتي.

فأْتَمَرَ؛ أَي قَبِلَ أَمْرَهُ، ويقال: ائتُمِرَ بخيرٍ؛ كأَنَّ نفسَه أَمَرَتْه به فقَبِلَه.

وفي الصّحاح: وائْتَمرَ الأَمْرَ؛ أَي امتَثَلَه، قال امرؤ القيس:

ويَعْدُو على المَرْءِ ما يَأْتَمِرْ

وفي الأَساس: وائْتَمَرْتُ ما أَمرْتَنِي به: امْتَثَلْتُ.

ووَقَعَ أَمرٌ عظيمٌ، أي الحادثةُ، الجمع: أُمُورٌ، لا يُكَسَّر على غير ذلك، وفي التَّنزِيل العزيز: {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}.

ويقال: أَمْرُ فلانٍ مستقيمٌ، وأُمُورُه مستقيمةٌ.

وقد وَقَعَ في مُصَنَّفات الأُصُول الفَرْقُ في الجَمْع، فقالوا: الأَمر إِذا كان بمعنَى ضِدِّ النهي فجمعُه أَوَامِرُ، وإِذا كان بمعنَى الشَّأْنِ فجمعُه أُمُور، وعليه أَكثرُ الفُقَهاء، وهو الجارِي في ألْسِنَة الأَقوام.

وحقَّق شيخُنَا في بعض الحَوَاشِي الأُصولِيَّة ما نصُّه: اختلفوا في واحدِ أُمورٍ وأَوامِرَ؛ فقال الأُصولِيُّون: إِنّ الأَمرَ بمعنَى القولِ المخصَّصِ يُجمَع على أَوامِرَ، وبمعنَى الفِعْلِ أَو الشأْن يُجمَع على أُمُورٍ، ولا يُعْرَف مَن وافقَهم إِلا الجوهريّ في قوله: أَمَرَه بكذا أَمْرًا وجمعُه أَوامِرُ، وأَما الأَزهريُّ فإِنه قال: الأَمْرُ ضِدُّ النَّهْيِ واحدُ الأُمُور. وفي المُحكَم: لا يُجمَع الأَمرُ إِلّا على أُمور، ولم يَذْكُر أَحدٌ من النُّحاة أَنَّ فَعْلًا يُجمَع على فَوَاعِلَ، أَو أَنَّ شيئًا مِن الثُّلاثِيَّاتِ يُجْمَع على فَوَاعِلَ، ثم نَقَلَ شيخُنَا عن شرح البُرْهَان كلامًا ينبغي التَّأَمُّلُ فيه.

وفي المِصباح: جَمْعُ الأَمْرُ أَوامرُ، هكذا يَتكلَّم به النَّاس، ومِن الأَئِمَّةِ مَنْ يُصحِّحه ويقول في تَأْوِيله: إِنّ الأَمْرَ مَأْمُورٌ به، ثم حُوِّلَ المفعولُ إِلى فاعل، كما قيل أَمْرٌ عارِفٌ وأَصلُه معرُوفٌ، وعيشةٌ راضيةٌ وأَصلُه مَرْضِيَّة، إِلى غير ذلك، ثم جُمِع فاعلٌ على فَوَاعِلَ، فأَوامِرُ جمعُ مَأْمورٍ.

وبعضُهُم يقول: جُمِعَ على أَوامِرَ فَرْقًا بينه وبين الأَمْرِ بمعْنَى الحالِ، فإِنه يُجمَع على فُعُول.

والأَمْرُ: مَصْدَرُ أَمَرَ فلانٌ علينا يَأْمُر، وأَمِرَ، وأَمُرَ مُثَلَّثَة، إِذا وَلِيَ، قال شيخُنا: اقتصرَ في الفَصِيح على الفتْح، وحَكَى ابنُ القَطّاع الضَّمَّ، ورَوَى غيرُهم الكسرَ، وأَنكره جماعةٌ.

قلتُ: ما ذَكَره عن الفَصِيح، فإِنه حَكَى ثعلبٌ عن الفَرّاء: كان ذلك إِذْ أَمَرَ عَلَيْنَا الحَجّاجُ. بفتحِ المِيمِ.

وأَما بالكسرِ والضَّمِّ فقد حكاهما غيرُ واحِدٍ من الأَئِمَّة، قالوا: وقد أَمِرَ فلانٌ ـ بالكسر ـ وأَمُرَ بالضمِّ، أَي: صار أَمِيرًا، وأَنشدُوا على الكسر:

قد أَمِرَ المُهَلَّبُ *** فَكَرْنِبُوا ودَوْلِبُوا

وحيثُ شِئْتُمْ فاذْهَبُوا

والاسمُ الإِمْرَةُ، بالكسر، وهي الإِمارة، ومنه‌حديثُ طَلْحَةَ: «لعلَّكَ ساءَتْكَ إِمْرَةُ ابنِ عَمِّكَ».

وقولُ الجوهريِّ: مَصْدرٌ، وَهَمٌ، قال شيخُنا: وهذا ممّا لَا يَنْبَغِي بمثلهِ الاعتراضُ عليه: إِذْ هو لعلَّه أَراد كَوْنَه مَصدَرًا على رَأْي مَن يقولُ في أَمثاله بالمصدريَّة، كما في النِّشْدَةِ وأَمثالِهَا، قالوا: إِنّه مصدرُ نَشَدَ الضَّالَّةَ، أَو جاءَ به على حذْفِ مضافٍ؛ أَي اسم مصدر الإِمرة بالكسر، أَو غير ذلك مما لا يخفَى عَمَّن له إِلمامٌ باصطلاحهم.

ويقال: له عليَّ أَمْرَةٌ مُطَاعَةٌ، بالفتح، لا غير؛ للمَرَّةِ الواحِدةِ منه؛ أَي من الأَمْر، أَيْ له عليَّ أَمْرَةٌ أُطِيعُه فيها ولا تَقُل: إِمْرَةٌ، بالكسر؛ إِنما الإِمْرَةُ مِن الولاية، كذا في التَّهْذِيب والصّحاح وشُرُوح الفَصِيح، وفي الأَساس: ولكَ عليَّ أَمْرَةٌ مُطاعةٌ؛ أَي أَنْ تَأْمُرَنِي مَرَّةً واحِدَةً فأُطِيعَكَ.

والأَمِيرُ المَلِكُ؛ لِنَفَاذِ أَمْرِه، وهي أَي الأُنْثَى أَمِيرَةٌ، بهاءٍ، قال عبدُ الله بنُ هَمّام السَّلُولِيُّ:

ولَوْ جاءُوا بِرَمْلَةَ أَو بِهِنْدٍ *** لَبَايَعْنَا أَمِيرَةَ مُؤْمِنِينَا

قال شيخُنَا: وهو بناءً على ما كان في الجاهليَّةِ مِن تَوْلِيَةِ النِّسَاءِ، وإِنْ مَنَعَ الشَّرْعُ ذلك، على ما تَقَرَّر؛ بَيِّنُ الإِمارةِ، بالكسرِ؛ لأَنّها من الوِلَايَات، وهي ملحقةٌ بالحِرَف والصَّنائع، ويُفْتَحُ وهذا ممّا أَنكرُوه وقالوا: هو لا يُعرَف، كما في الفَصِيح وشُرُوحه، قاله شيخُنَا، وقد ذَكَرَهما صاحبُ اللِّسَان وغيره، فَتَأَمَّلْ، الجمع: أُمَرَاء والأَميرُ: قائدُ الأَعْمَى؛ لأَنه يَملِكُ أَمْرَه، ومنه قول الأَعشى:

إِذا كانَ هادِي الفَتَى في البِلا *** دِ صَدْرَ القَنَاةِ أَطاعَ الأَميرَا

والأَميرُ: الجارُ؛ لانْقيادِه له.

والأَمِيرُ: هو المُؤامَر؛ أَي المُشَاوَر، وفي الحديث: أَمِيرِي مِن الملائكةِ جِبْرِيلُ»؛ أَي صاحب أَمْرِي ووَلِيِّي.

وكلُّ مَن فَزِعْتَ إِلى مُشَاوَرَتِه ومُؤَامَرَتِه فهو أَمِيرُك.

والأَمِيرُ: المُؤَمَّرُ، كمُعَظَّمٍ: المُمَلَّكُ، يقال: أُمِّرَ علَيْه فلانٌ، إِذا صُيِّر أَمِيرًا.

والمُؤَمَّرُ: المُحَدَّدُ بالعَلاماتِ، وقيل: هو المَوْسُومُ.

وسِنَانٌ مُؤَمَّرٌ: أَي مُحَدَّدٌ، قال ابنُ مُقْبِلٍ:

وقد كانَ فِينا مَنْ يَحُوطُ ذِمَارَنا *** ويُحْذِي الكَمِيَّ الزّاعِبِيَّ المُؤَمَّرَا

والمُؤَمَّرُ: القَنَاةُ إِذا جَعَلْتَ فيها سِنَانًا، والعربُ تقول: أَمِّرْ قَنَاتَكَ؛ أَي اجعَلْ فيها سِنَانًا.

والمُؤَمَّرُ: المُسَلَّطُ. وقال خالدٌ في تفسِيرِ الزّاعِبِيِّ المُؤَمَّر: إِنّه هو المُسَلَّط، والزّاعِبِيُّ الرُّمْح الذي إِذا هُزَّ تَدافَعَ كلُّه؛ كأَنّ مُؤَخَّرَه يَجْرِي في مُقَدَّمِه، ومنه قيل: مَرَّ يَزْعَبُ بحِمْلِه، إِذا كانَ يَتَدَافَعُ، حَكَاه عن الأَصمعيِّ.

وفي التَّنزِيل العزيز: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. قالوا: أُولُو الأَمْرِ: الرُّؤَسَاءُ والعُلَماءُ، وللمفسِّرين أَقوالٌ فيه كثيرة.

وأَمِرَ الشيْ‌ءُ، كفَرِحَ، أَمَرًا وأَمَرَةً، بالتَّحْرِيك فيهما: كَثُرَ وتَمَّ. وحَكَى ابنُ القَطَّاع فيه الضّمَّ أَيضًا، قال المصنِّفُ في البَصائر: وأَمِرَ القَوْمُ، كسَمِعَ: كَثُرُوا؛ وذلك لأَنّهم، إِذا كَثُرَوا صارُوا ذا أَمْرٍ، مِن حيثُ إِنّه لا بُدَّ لهم مِن سائِسٍ يَسُوسُهم، فهو أَمِرٌ كفَرِح، قال:

أُمُّ عِيَالٍ ضَنْؤُهَا غيرُ أَمِرْ

والاسمُ الإِمْرُ.

وزَرْعٌ أَمِرٌ: كَثِيرٌ، عن اللِّحيانيّ.

وقَرَأَ الحَسَنُ: أَمِرْنَا مُتْرَفِيها على مِثَالِ عَلِمْنَا، قال ابنُ سِيدَه: وعَسى أَن تكونَ هذه لغةً ثالثةً، وقال الأَعْشَى:

طَرِفُونَ وَلّادُون كلَّ مُبَارَكٍ *** أَمِرُونَ لَا يَرِثُونَ سَهْمَ القُعْدُدِ

ويقال: أَمَرَهم الله فأَمِرُوا؛ أَي كَثُرُوا.

ويقال: أَمِرَ الأَمْرُ يَأْمَرُ أَمْرًا إِذا اشتدَّ. والاسْمُ الإِمْرُ بالكسر.

وتقولُ: [العرب]: الشَّرُّ أَمِرٌ.

ومنه‌حديثُ أَبي سُفْيَانَ: «لقد أَمِرَ أَمْرُ ابنِ أَبِي كَبْشَةَ وارتَفَعَ شَأْنُه، يعني النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم. ومنه حديثُ ابنِ مسعود: «كُنّا نقولُ في الجاهِلِيَّةِ: قد أَمِرَ بنو فلانٍ؛ أَي كَثُرُوا.

وأَمِرَ الرَّجُلُ فهو أَمِرٌ: كَثُرَت ماشِيَتُه، وقال أَبو الحَسَن: أَمِرَ بنو فلانٍ: كَثُرَتْ أَموالُهم.

وآمَره الله، بالمدِّ، وأَمَره، كَنصَره وهذه لُغَيَّةٌ.

فأَمَّا قولُهُم: ومُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ، فعلَى ما قد أُنِسَ من الإِتباع، ومثلُه كثيرٌ.

وقال أَبو عُبَيْدٍ: آمَرتُه ـ بالمدّ ـ وأَمَرتُه لغتانِ بمعنى كَثَّرتُه، وأَمِرَ هو؛ أَي كَثُرَ: فخُرِّجَ على تقديرِ قولهم: عَلِمَ فلانٌ وأَعلمتُه أَنا ذلك، قال يعقوبُ: ولم يَقُلْه أَحدٌ غيرُه؛ أَي كَثَّرَ نَسْلَه وماشِيَتَه وفي الأَساس: وقَلَّ بنو فلان بعدَ ما أَمِرُوا [أَي كَثرُوا]، وفي مَثَل: «مَنْ قَلَّ ذَلَّ ومَنْ أَمِرَ فَلّ» وإِنَّ مالَه لأَمِرٌ، وعَهْدِي به وهو زَمِرٌ.

والأَمِرُ، كَكَتِفٍ: الرجلُ المُبَارَكُ يُقْبِلُ عليه المالُ.

وامرأَةٌ أَمِرَةٌ: مُبَاركَةٌ على بَعْلها، وكلُّه من الكَثْرَة. وعن ابن بُزُرْجَ: رجلٌ أَمِرٌ وامرأَةٌ أَمِرَةٌ، إِذا كَانا مَيْمُونَيْنِ.

وَرَجُلٌ إِمَّرٌ وإِمَّرَةٌ كإِمَّعٍ وإِمَّعَةٍ، بالكسر ويُفْتَحَان، الأُولىَ مفتوحةٌ، عن الفَرّاءِ: ضعيفُ الرَّأْيِ أَحمقُ، وفي اللِّسَان: رجلٌ إِمَّرٌ وإِمَّرَةٌ [أحمق] ضعيفٌ لا رَأْيَ له، وفي التَّهْذِيب: لا عَقْلَ له، يُوَافِقُ كلَّ أَحدٍ على ما يُرِيدُ مِن أَمْرِه كلِّه وفي اللِّسَان: إِلّا ما أَمَرْتَه به، لِحُمْقِه، وقال امْرُؤُ القَيْس:

وليس بِذِي رَثْيَةٍ إِمَّرٍ *** إِذا قِيدَ مُسْتَكْرَهًا أَصْحَبَا

ويقال: رجلٌ إِمَّرٌ: لا رَأْيَ له، فهو يَأْتَمِرُ لكلِّ آمِر ويُطِيعُه. وقال السّاجِعُ: إِذا طَلَعَتِ الشَّعْرَى سَفَرًا فلا تُرْسِلْ فيها إِمَّرَةً ولا إِمَّرًا. قال شَمِرٌ: معناه لا تُرْسِلْ في الإِبلِ رجلًا لا عقلَ له يُدَبِّرُها. وفي حديث آدَمَ عليه‌السلام: «مَن يُطِعْ إِمَّرَةً لا يَأْكُلْ ثَمَرَةً».

قال ابنُ الأَثِير: هو الأَحمق الضعيفُ الرَّأْيِ الذي يقولُ لغيرِه: مُرْنِي بأَمْرِكَ؛ أَي مَنْ يُطِعْ امرأَةً حمقاءَ يُحْرَمِ الخَيْرَ، ومثلُه في الأَساس، قال: وقد يُطلَقُ الإِمَّرةُ على الرَّجل، والهاءُ للمبالغة، يقال: رجلٌ إِمَّرَةٌ، وقال ثعلبٌ في قوله: رجلٌ إِمَّرٌ، قال: شُبِّه بالجَدْي.

وهما أَيضًا: الصَّغِيرُ من أَولاد الضَّأْنِ؛ أَي يُطلَقان عليه، وقِيل: هما الصَّغِيرَان من أَولادِ المَعزِ.

والعربُ تقولُ للرَّجل إِذا وَصَفُوه بالإِعدام: ما لَه إِمَّرٌ ولا إِمَّرَةٌ؛ أَي ما له خَرُوفٌ ولا رِخْلٌ، وقيل: ما له شي‌ءٌ، والإِمَّرُ: الخَرُوفُ، والإِمَّرَةُ: الرِّخْلُ، والخروفُ ذَكَرٌ والرِّخْلُ أُنْثَى.

والأَمَرَةُ، محرَّكةً: الحِجَارةُ. قال أَبو زُبَيْدٍ يَرْثِي فيها عُثمانَ بنَ عفّانَ، رَضِىَ اللهُ عنه:

يا لَهْفَ نَفْسِيَ إِنْ كان الَّذِي زَعَمُوا *** حقًّا وما ذا يَرُدُّ اليَومَ تَلْهِيفِي

إِنْ كَان عُثْمانُ أَمْسَى فَوقَه أَمَرٌ *** كراقِبِ العُونِ فوقَ القُنَّةِ المُوفِي

شَبَّه الأَمَرَ بالفحل يَرْقُبُ عُيُونَ أُتُنِه. وقال ابنُ سِيدَه: الأَمَرَةُ: العَلَامةُ.

وقال غيرُه: الأَمَرَة: العَلَمُ الصغيرُ مِن أَعَلام المَفَاوِزِ من حِجارةٍ، وهو بفَتْحِ الهمزةِ والميم.

والأَمَرةُ أَيضًا: الرّابِيَةُ.

وقال ابنُ شُمَيل: الأَمَرَةُ مثلُ المَنارِة فوقَ الجبلِ عَرِيضٌ، مثلُ البَيتِ وأَعظمُ، وطُولُه في السَّماءِ أَربعونَ قامَة صُنِعَتْ على عهدِ عادٍ وإِرَمَ، وربما كان أَصلُ إِحداهنَّ مثلَ الدّارِ، وإِنما هي حجارةٌ مُكوَّمةٌ بعضُها فوق بعضٍ قد أُلزِقَ ما بينها بالطِّين، وأَنت تَراها كأَنَّهَا خِلْقَة.

جَمْعُ الكُلِّ أَمَرٌ.

قال الفَرّاءُ: يقال: ما بها أَمَرٌ؛ أَي عَلَمٌ.

وقال أَبو عَمْرو: الأَمَرَاتُ: الأَعلامُ، واحدتُها أَمَرَةٌ، وقال غيرُه: وأَمَارةٌ مثلُ أَمَرَةٍ.

والأَمَارةُ والأَمَارُ، بفتحِهما: المَوْعِدُ والوقْتُ المحدُودُ، وعَمَّ ابنُ الأَعْرَابِيِّ بالأَمَارَة الوَقتَ؛ فقال: الأَمَارةُ: الوَقتُ، ولم يُعَيِّن أَمَحدودٌ أَم غيرُ محدودٍ.

والأَمَارُ: العَلمُ الصغيرُ من أَعلامِ المَفاوِزِ من حجارةٍ، وقال حُمَيد:

بِسَوَاءِ مَجْمَعَةٍ كأَنَّ أَمَارَةً *** منها إِذا بَرَزَتْ فَنِيقٌ يَخْطِرُ

وكلُّ علَامةٍ تُعَدُّ فهي أَمَارةٌ، وتقول: هي أَمَارةُ ما بَيْنِي وبَيْنِكَ؛ أَي علامة، وأَنشد:

إِذا طَلَعَتْ شمسُ النّهارِ فإِنَّها *** أَمَارةُ تَسْلِيمِي عليك فَسَلِّمِي

وقال العَجّاج:

إِذْ رَدَّهَا بِكَيْدِه فارْتَدَّتِ *** إِلى أَمَارٍ وأَمارٍ مُدَّتِي

قال ابنُ بَرّيّ: «وأَمَارِ مُدَّتِي» بالإِضافَةِ، والضميرُ المرتفعُ في رَدِّها يعودُ على الله تعالَى، يقول: إِذْ رَدَّ اللهُ نفسِي بكَيْدِه وقوَّتِه إِلى وقتِ انتهاءِ مُدَّتِي.

وفي حديث ابن مَسْعُود: «ابْعَثوا بالهَدْيِ، واجْعَلوا بَينَكم وبينَه يومَ أَمَارٍ». الأَمَارُ والأَمَارةُ: العَلَامَة، وقيل: الأَمَار جمْع الأَمَارةِ، ومنه‌الحديثُ الآخَرُ: «فهل للسَّفَرِ أَمَارة؟» وأَمْرٌ إِمْرٌ، بالكسر: اسمٌ مِن أَمِرَ الشَّي‌ءُ ـ بالكسر ـ إِذا اشتدَّ؛ أَي مُنْكَرٌ عَجِيبٌ قال الرّاجز:

قد لَقِيَ الأَقْرَانُ منِّي نُكْرَا *** داهِيةً دَهْيَاءَ إِدَّا إِمْرَا

وفي التَّنزيل العزيز: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}. قال أَبو إِسحاق: أَي جئتَ شيئًا عظيمًا من المُنْكَر، وقيل: الإِمْر، بالكسر: الأَمْرُ العظيمُ الشَّنِيعُ، وقيل: العَجِيب، قال:

و {نُكْرًا} أَقلُّ مِن قوله: إِمْرًا؛ لأَنّ تَغْرِيقَ مَنْ في السَّفِينة أَنْكَرُ مِن قَتْلِ نفسٍ واحدةٍ. قال ابنُ سِيدَه: وذهبَ الكسائيُّ إِلى أَنّ معنى إِمْرًا: شيئًا داهِيًا مُنكَرًا عَجَبًا، واشتقَّه مِن قولهم: أَمِرَ القومُ، إِذا كَثُرَوا.

ويقال: ما بها أَي بالدّارِ أَمَرُ ـ محرّكةً ـ وتَأْمُورٌ، وهذه عن أَبي زَيْد، مهموز، وتُؤْمُور، بالضَّمِّ في الأَخِير، وهذه عن ابن الأَعرابيّ، والتاءُ زائدةٌ فيهما، وبالهمز ودونَه، أَثبتَهما الرَّضِيُّ وغيره وزادَ: وتُؤْمُرِيُّ، أَيْ أَحَدٌ، واستطردَ شيخُنا في شرح نَظْمِ الفَصِيح أَلفاظًا كثيرةً من هذا القَبِيل، منها: ما بها شُفْرٌ [وشَفْرةٌ] وطُوئِيٌّ وطاوِيٌّ [وطُوَوِيٌّ وطُؤَوِيٌّ] وطُؤْرِيٌّ ودُورِيٌّ ودارِيٌّ ودِبِّيجٌ وآرِمٌ وأَرَمٌ وأَريمٌ [وإِرَمِيٌّ، وأَيرَمِيٌّ] ونُمِّيُّ ودُعْوِيٌّ وِدُبِّيٌّ وكَتِيعٌ وكُتَاعٌ ودَيّار [ودَيُّورٌ] وكَرّابٌ ووَابِنٌ ونافِخُ ضَرَمَةٌ ووَابرٌ وعَيْنٌ وعائِنَةٌ ولا عَريبٌ ولا صافِرٌ، قال: ومعنَى هذه الحُرُوفِ كلِّهَا: أَحَدٌ.

وحَكَى جميعَها صاحِبُ كتابِ المَعَالِم، والمُطرّز في كتاب الياقوت، وابنُ الأَنباريّ في كتاب الزاهر، وابنُ السِّكِّيت، وابنُ سِيدَه في العَوِيص، وزاد بعضُهم على بعضٍ، وقد ذَكَر المصنِّفُ بعضًا منها في مواضعها واستجادَ، فراجِعْ شَرْحَ شيخِنا في هذا المَحَل فإِنه بَسَطَ وأَفادَ.

والائْتِمَارُ: المُشَاوَرَةُ، كالمُؤامَرَةِ والاسْتئْمارِ والتَّأَمُّرِ على التَّفَعُّلِ، والتَّآمُرِ على التَّفاعُلِ. وآمَرَه في أَمْره ووَامَرَه واستَأْمَره: شاوَرَه. وقال غيرُه: آمَرْتُه في أَمْرِي مُؤامرةً، إِذا شاوَرْته، والعامَّةُ تقول: وَامَرْته.

ومِن المُؤامَرِة: المُشَاورِة، في الحديث: «آمِرُوا النِّساءَ في أَنْفُسِهِن»؛ أَي شاوِرُوهُنَّ في تَزْويجِهنَّ، قال ابنُ الأَثِير: ويقال فيه: وَامَرْتُه، وليس بفَصِيحٍ. وفي حديث عُمر: «آمِرُوا النِّساءَ في بناتِهنَّ»، وهو من جهةِ استطابَةِ أَنفسِهنَّ؛ وهو أَدْعَى للأُلفةِ وخَوْفًا من وُقُوعِ الوَحْشَةِ بينهما إِذا لم يكن برِضَا الأُمَّ، إِذ البَناتُ إِلى الأُمَّهَاتِ أَمْيَلُ، وفي سَماع قولِهِنَّ أَرغبُ. وفي حديث المُتْعَة: «فآمَرَتْ نَفْسَها» أَي شاوَرَتْها واستأْمَرَتْهَا.

ويقال: تأَمَّرُوا على الأَمْر وائْتَمَرُوا: تَمارَوْا وأَجْمَعُوا آراءَهم. وفي التَّنزِيل: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} قال أَبو عُبَيْدَةَ: أَي يَتَشَاوَرُون عليكَ [ليقتلوك]، وقال الزَّجَّاج: معنى قولِه: {يَأْتَمِرُونَ بِكَ}: يأْمُر بعضُهم بعضًا بقتلِكَ. قال أَبو منصور: ائتمرَ القومُ وتآمَرُوا، إِذا أَمَرَ بعضُهُم بعضًا، كما يقال: اقْتَتَل القومُ وتَقَاتَلُوا، واختَصُموا وتَخَاصَمُوا، ومعنى، {يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أَي يُؤامِرُ بعضُهم بعضًا بقتلِكَ وفي قتلِكَ، قال: وأَمَّا قولُه: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} فمعناه ـ والله أَعلمُ ـ لِيأْمُرْ بعضُكم بعضًا بمعروفٍ. وقال شَمِرٌ في تفسيرِ حديثِ عُمَرَ، رضي ‌الله‌ عنه: «الرِّجالُ ثلاثةٌ: رجلٌ إِذا نَزَلَ به أَمْرٌ ائْتَمَرَ رَأْيَه»، قال: معناه ارْتَأَى وشاوَرَ نفسَه قبلَ أَنْ يُواقِعَ ما يُرِيدُ، قال: ومنه قولُ الأَعْشَى:

لا يَدَّرِي المَكْذُوُب كيفَ يَأْتَمِرْ

أَي كيف يَرْتَئِي رَأْيًا ويُشاوِرُ نفسَه ويَعْقِدُ عليه؟ والائْتِمَارُ: الهَمُّ بالشيْ‌ء، وبه فَسَّر القُتَيبيُّ قولَه تعالَى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أَي يَهُمُّون بكَ، وأَنشد:

اعْلَمَنْ أَنْ كلَّ مُؤْتَمِرٍ *** مُخْطئٌ في الرَّأْيِ أَحْيَانَا

قال: يقولُ: مَن رَكِبَ أَمْرًا بغيرِ مَشُورةٍ أَخطأَ أَحيانًا.

وخَطَّأَ قولَ مَن فَسَّر قولَ النَّمِر بنِ تَوْلَب أَو امْرِئ القَيس:

أَحارُ بنَ عَمْرٍو فُؤَادِي خَمِرْ *** ويَعْدُو على المَرْءِ ما يَأْتَمِرْ

أَي إِذا ائْتَمَرَ أَمْرًا غيرَ رَشَدٍ عَدَا عليه فأَهْلَكَه، قال: كيف يَعْدُو على المرءِ ما شاوَرَ فيه والمُشَاوَرَةُ بَرَكَةٌ؟: وإِنَّما أَرادَ: يَعْدُو على المرءِ ما يَهُمُّ به من الشَّرِّ، وقال أَيضًا في قوله تعالَى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}: أَي هُمُّوا به واعْتَزِمُوا عليه، قال: ولو كانَ كما قال أَبُو عُبَيْدَةَ في قولِه تعالَى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أَي يَتَشاوَرُونَ عليكَ لقال: يَتَأَمَّرُونَ بكَ.

قال أَبو منصور: وجائزٌ أَن يقال: ائْتَمَر فلانٌ رَأْيَه، إِذَا شَاوَرَ عقلَه في الصَّوَاب الذي يأْتِيه، وقد يُصِيبُ الذي يَأْتَمِرُ رأْيَهُ مَرّةً ويُخْطِئُ أُخْرَى، قال: فمعنَى قولِه: {يَأْتَمِرُونَ بِكَ}: أَي يُؤامِرُ بعضُهُم بعضًا فيكَ؛ أَي في قَتْلِكَ، أَحْسَنُ مِن قَول القُتَيْبِيِّ: إِنّه بمعنى: يَهُمُّون بكَ.

وفي اللِّسَان: والمُؤْتَمِرُ: المُسْتَبِدُّ بِرَأْيِه، وقيل: هو الذي يَسْبِقُ إِلى القَوْلِ، وقيل: هو الذي يَهُمُّ بأَمْرٍ يَفْعَلُه، ومنه‌الحديثُ: «لا يَأْتَمِرُ رَشَدًا»؛ أَي لا يَأْتِي برَشَدٍ مِن ذاتِ نفسِه، ويقال لكلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مِن غيرِ مُشَاورةٍ: ائْتَمَرَ؛ كأَنَّ نفسَه أَمَرتْه بشيْ‌ءِ فَائتَمرها؛ أَي أَطاعَها.

ويقال: أَنتَ أَعْلَمُ بِتَأْمُورِكَ، التَّأْمُورُ: الوِعَاءُ؛ يريدُ أَنتَ أَعلمُ بما عندكَ.

وقيل: التَّأْمُورُ: النَّفْسُ: لأَنها الأَمّارة، قال أَبو زَيْدٍ: يُقَال: لقد عَلِم تَأْمُورُكَ ذلك؛ أَي قد عَلِمَتْ نَفْسُك ذلك، وقال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ:

أُنْبِئْتُ أَنَّ بَنِي سِحَيْمٍ أَوْلَجُوا *** أَبْياتَهم تَأْمُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ

قال الأَصمعيُّ: أَي مُهْجةَ نفْسِه، وكانُوا قَتَلُوه.

وقيل: تَأْمُورُ النَّفْسِ: حَيَاتُها.

وقيل: العقْلُ، ومنه قولُهم: عَرَفْتُه بِتَأْمُورِي.

والتَّأْمُورُ: القَلْبُ نفسُه، تَفْعُول مِن الأَمْر، ومنه قولُهم: حَرْفٌ في تَأْمُورِكَ خَيْر مِن عَشَرَةٍ في وِعَائِكَ. وقيل: التَّأْمُورُ: حَبَّتُه وحَياتُه ودَمُه وعُلْقَتُه، وبه فَسَّر بعضُهُم قولَ عَمْرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ: «أَسد في تَأْمُورَتِهِ»؛ أَي في شِدَّةِ شجاعَتِه وقَلْبِه.

ورُبَّمَا جُعِلَ خَمْرًا، ورُبَّما جُعِلَ صِبْغًا، على التَّشْبِيه.

أَو التَّأْمُورُ الدَّمُ مطلقًا؛ على التَّشْبِيه، قالَه الأَصْمَعِيُّ.

وكذلك الزَّعْفَرانُ، على التَّشبِيه، قالَه الأَصمعيُّ.

والتَّأْمُور: الوَلَدُ، ووِعاؤُه.

والتَّأْمُور: وَزِيرُ المَلِكِ؛ لنفُوذِ أَمْرِه.

والتَّأْمُور: لَعِبُ الجَوَارِي أَو الصِّبيانِ، عن ثعلب.

والتَّأْمُور: صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ، ونامُوسُه.

ومن المجاز: ما في الرَّكِيَّةِ تَأْمُور، يُعْنَى: شَيْ‌ءٌ من الماء. قال أَبو عُبَيْد: وهو قياس على قولهم: ما بالدّار تَأْمُور؛ أَي ما بها أَحَدٌ، وحَكاه الفارسيُّ فيما يُهْمَزْ ولا يُهْمَزُ.

والتَّأْمُورُ: عِرِّيسَةُ الأَسَدِ وخِيسُه، عن ثعلب، وهو التَّأْمُورَةُ أَيضًا: ويقال: احْذَرِ الأَسَد في تَأْمُورِه ومِحْرَابِه وغِيلِه. وسَأَلَ عُمَرُ بنُ مَعْدِيكرَبَ عن سَعْد، فقال: أَسَدٌ في تَأْمُورَتِه؛ أَي في عَرِينه، وهي في الأَصل الصَّوْمَعَةُ، فاستعارَها للأَسد، وقيل: أَصلُ هذه الكلمةِ سُرْيَانِيَّة.

والتَّأْمُور: الخَمْرُ نفسُها؛ على التَّشْبِيه بدَمِ القلب.

والتَّأْمُور: الإِبْرِيقُ. قال الأَعْشَى يصفُ خَمَّارة:

وإِذا لها تَامُورَةٌ *** مَرْفُوعَةٌ لشَرابِهَا

ولم يَهْمِزِها.

وقيل: التَّأْمور: الحُقَّةُ يُجْعَل فيها الخَمْر، كالتّأْمُورةِ، في هذه الأَربعةِ، وَزْنُه تَفْعُولٌ، أَو تَفْعُولَةٌ. قال ابنُ سِيدَه: وقَضَيْنا عليه أَنَّ التّاءَ زَائدةٌ في هذا كلِّه لعَدَمِ فَعْلُولٍ في كلام العرب. وهذا مَوْضِعُ ذِكْرِه، لا كما تَوَهَّمَ الجَوهَرِيُّ، وهو مذهبُ أَهلِ الاشْتِقَاقِ، ووَزْنُه حينئذٍ فاعُولَ وفَاعُولَةٌ.

وما اختارَه المصنِّفُ تَبَعًا لابن سِيدَه مالَ إِليه كثيرُ مِن أَئِمَّة الصَّرْف.

والتَّأْمُورِي والتَّأْمُريُّ والتُّؤْمُرِيُّ، بالضمّ في الأَخير: الإِنسانُ، تقول: ما رَأَيتُ تَأْمُرِيَّا أَحسنَ من هذه المَرْأَة، وقيل: إِنها من أَلفاظ الجَحْدِ؛ لغة في تأْمُورِيٍّ السابق، وصُوِّبَ فيها العُمُوم، كما هو ظاهِرُ المُصَنِّفِ، قالَه شيخُنَا.

وآمِرٌ ومُؤْتَمِر، آخِرُ أَيامِ العَجُوزِ؛ فالآمِر: السادس منها، والمُؤْتَمِرُ السابعُ منها، قال أَبو شِبْلٍ الأَعرابيُّ:

كُسِعَ الشِّتاءُ بسَبْعَةٍ غُبْرٍ *** بالصِّنِّ والصِّنَّبْرِ والوَبْرِ

وبِآمِرٍ وأَخيه مُؤْتَمِرٍ *** ومُعَلِّلٍ وبمُطْفِئِ الجَمْرِ

كَأَنَّ الأَوّلَ منهما يأْمرُ الناسَ بالحَذَر، والآخر يُشاوِرُهم في الظَّعْن أَو المُقام. وفي التهذِيب: قال البُسْتِيّ: سُمِّيَ أَحدُ أَيامِ العَجُوزِ آمِرًا؛ لأَنه يأْمُر الناسَ بالحَذَر منه، وسُمِّيَ الآخرَ مُؤْتَمِرًا. قال الأَزهريُّ: وهذا خَطَأٌ؛ وإِنّما سُمِّيَ آمِرًا لأَنّ الناسَ يُؤامِرُ فيه بعضُهم بعضًا للظَّعْن أَو المُقَام، فجَعَلَ المؤتمرَ نَعْتًا لليوم، والمعنى أَنه يُؤْتَمرُ فيه، كما يقال: ليلٌ نائمٌ: يُنَامُ فيه، ويومٌ عاصفٌ: تَعْصِفُ فيه الرِّيح، ومثلُه كثير، ولم يَقُلْ أَحدٌ ولا سُمِعَ مِن عربيٍّ: ائْتَمرتُه، أي آذَنْتُه، فهو باطل.

والمُؤْتَمِرُ بالّلام ومُؤْتَمِرٌ بغيرها: المُحَرَّم. أَنشد ابنُ الأَعرابي:

نحن أَجَرْنَا كلَّ ذَيّالٍ قَتِرا *** في الحَجِّ مِن قَبْلِ دَآدِي المُؤْتَمِرْ

أَنشدَه ثعلب. الجمع: مآمِرُ ومآمِيرُ قال ابنُ الكَلْبيِّ: كانت عادٌ تُسَمِّي المُحَرَّم مُؤْتَمِرًا، وصَفَرَ نَاجِرًا، ورَبِيعًا الأَوّلَ خُوّانًا، وربيعًا الآخِرَ بُصَانًا، وجُمَادَى الأُولى رُبَّى وجُمَادَى الآخِرَة حَنِينًا، ورَجَبَ الأَصَمَّ وشَعبانَ عاذِلًا، ورمضانَ ناتِقًا، وشَوَّالًا وَعِلًا، وذا القَعْدَةِ ورْنَةَ، وذا الحِجَّةِ بُرَكَ.

وإِمَّرَةُ، كإِمَّعَة: بلد قال عُرْوَةُ بنُ الوَرْد:

وأَهْلُكَ بينَ إِمَّرَةٍ وكِيرِ

وإِمَّرَةُ أَيضًا: جَبَلٌ قال البكريُّ: [إِمَّرَةُ] الحِمَى لغَنِيٍّ وأَسَد، وهي أَدْنَى حِمَى ضَرِيَّة، حَمَاه عُثْمَانُ لإِبلِ الصَّدَقَةِ، وهو اليومَ لعامرِ بنِ صَعْصَعَة، وقال حبيبُ بنُ شَوْذبٍ: كان الحِمَى حِمَى ضَرِيَّةَ على عَهْد عُثْمَانَ، سَرْحَ الغَنَم سِتَّةَ أَميالٍ، ثم زادَ الناسُ فيه فصارَ خَيَالٌ بإِمَّرَةَ، وخَيَالٌ بأَسْوَدِ العَيْنِ، والخَيَالُ: خُشُبٌ كانُوا يَنْصِبُونها وعليها ثِيابٌ سُودٌ لِيُعْلَمَ أَنَّها حِمىً.

ووادِي الأُمِيِّر، مُصغَّرًا: موضع قال الرّاعي:

وأُفْزعنَ في وادِي الأُمَيِّرِ بَعْدَ ما *** كَسَا البِيدَ سَافِي القَيْظَةِ المُتَناصِرُ

ويومُ المَأْمُورِ يومٌ لبَنِي الحارثِ بنِ كَعْب على بني دارِم، وإِيّاه عَنَى الفَرزدقُ بقوله:

هَل تَذْكُرُون بَلاءَكُمْ يومَ الصَّفَا *** أَو تَذْكُرُون فَوَارِسَ المَأْمُورِ

وفي الحديث: «خَيْرُ المال مُهْرَةٌ مَأْمُورةٌ وسِكَّةٌ مَأْبُورةٌ». قال أَبو عُبَيْد: أَي [مُهْرَةٌ] * كثيرةُ النِّتَاجِ والنَّسْلِ، والأَصلُ مُؤْمَرةٌ، مِن آمَرَهَا الله. وقال غيرُه: إِنّمَا هو مُهرةٌ مَأْمُورةٌ للازْدِوَاج والإِتباع؛ لأَنّهم أَتْبَعُوها مَأْبُورَةً فلمّا ازدوجَ الَّلفظانِ جاؤوا بمَأْمُورة على وزن مَأْبُورة، كما قالت العربُ: إِنِّي آتِيهِ بالغَدَايا والعَشَايَا، وإِنما يُجْمَع الغَداةُ غَدَوَاتٍ، فجاؤوا بالغَدايا على لفظ العَشَايا تزويجًا للفْظَينَ، ولها نظائرُ. وقال الجوهريُّ: والأَصلُ فيها مُؤْمَرةٌ على مُفْعَلَةٍ، كما قال صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: «ارْجِعْنَ مَأْزُوراتٍ غيرَ مَأْجُوراتٍ»، وإِنّما هو مَوْزُورات من الوِزْر، فقِيل: مَأْزُورَات على لفظ مَأْجُورات لِيَزْدَوِجَا.

وقال أَبو زَيْد: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ هي التي كَثُرَ نَسْلُها، يقولون: أَمَرَ الله المُهرةَ؛ أَي كَثَّر وَلَدَها، وفيه لُغتانِ أَمَرَها فهي مَأْمُورة، وآمَرَها فهي مُؤْمَرَةٌ. ورَوَى مُهَاجِرٌ عن عليِّ بنِ عاصِمٍ: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ؛ أَي نَتُوجٌ وَلُودٌ. وفي الأَساس ومن المَجاز: مهرةٌ مَأْمُورةٌ؛ أَي كثيرةُ النِّتاج؛ كأَنَّهَا أُمِرَتْ به، وقِيل لها كُونِي نَثُورًا فكانتْ. أَو لُغَيَّةٌ، كما سَبَقَ؛ أَي إِذا كانت مَن أَمَرَها الله فهي مَأْمُورة، كنَصَر، وقد تقدَّم عن أَبي عُبَيد وغيرِه أَنهما لغتان.

ويقال: تَأَمَّرَ عليهم فحَسُنَت إِمْرَتُه؛ أَي تَسَلَّطَ.

واليَأْمُورُ، بالياءِ المُثَنّاة التَّحْتِيَّة كما في سائر النُّسَخ، ومثلُه في التكملة عن الليث، والذي في اللِّسَان وغيره من الأُمَّهات بالمُثَنَّاةِ الفَوْقِيَّة كنَظَائِرها السابقة، والأَوَّلُ الصَّوَابُ: دَابَّةٌ بَرِّيَّةٌ لها قَرْنٌ واحِدٌ متشعِّبٌ في وسَطِ رَأْسِه، قال اللَّيْث: يجْرِي على مَن قَتَلَه في الحَرَمِ والإِحرام إِذا صِيدَ الحُكْمُ، انتهى. وقيل: هو مِن دَوابِّ البحرِ، أَو جِنْسٌ من الأَوْعَالِ، وهو قولُ الجَاحِظ، ذَكَره في باب الأَوْعَال الجَبَلِيَّة والأَيايِل والأَرْوَى، وهو اسمٌ لجِنْسٍ منها بوزن اليَعْمُور. والتّآمِيرُ هي الأَعْلامُ في المَفاوِزَ ليُهْتَدَى بها، وهي حجارةٌ مُكَوَّمَةٌ بعضُها على بعض، الواحدُ تُؤْمُورٌ بالضّمِّ، عن الفَرّاءِ. وبَنُو عِيدِ بنِ الآمِرِيِّ، كعامريٍّ: قبيلةٌ من حِمْيَر نُسِبَ إِليه النَّجائِبُ العِيدِيَّةُ، وقد تقدَّم في الدّال المهملة.

* ومما يُستدرَك عليه:

الأَمِيرُ: ذو الأَمْر، والأَمِير: الآمِرُ، قال: و

النّاسُ يَلْحَوْنَ الأَمِيرَ إِذَا هُمُ *** خَطِئُوا الصَّوابَ ولا يُلامُ المُرْشِدُ

ورجلٌ أَمُورٌ بالمعروفِ نَهُوٌّ عن المُنْكَر.

والمُؤْتَمِرُ: المُسْتَبِدُّ برأْيهِ، ومنه قولُهم: أَمَرْتُه فأْتَمَرَ، وأَبَى أَنْ يَأْتَمِرَ.

وأَمَّرَ أَمَارَةً، إِذا صَيَّرَ عَلَمًا.

والتَّأْمِيرُ: تَوْلِيَةُ الإِمارةِ.

وقالوا: في وَجْهِ مالِكَ تَعْرِفُ أَمَرَتَه، محرَّكةً، وهو الذي تَعْرِفُ فيه الخيرَ مِن كلِّ شيْ‌ءٍ، وأَمَرَتُه زيادتُه وكثرَتُه.

وما أَحسنَ أَمارَتَهم؛ أَي ما يَكْثرُون ويَكثُر أَولادُهم وعَددُهم.

وعن الفَرّاءِ: الأَمَرَة: الزِّيادة والنَّماءُ والبَركة، قال:

ووَجْهُ الأَمْرِ أَوّلُ ما تَراه، وقال أَبو الهيْثَم: تقولُ العَربُ: في وجْهِ المالِ تَعْرِفُ أَمَرَتَه؛ أَي نُقصانَه، قال أَبو منصور: والصَّوابُ ما قال الفَرّاءُ، وقال ابن بُزُرْج: قالوا: في وَجْه مالِكَ تَعرفُ أَمَرَتَه؛ أَي يُمْنَه، وأَمَارَتَهُ مثلُه، وأَمْرَتُه، بفَتْحٍ فسُكُونٍ.

وقالوا:

يا حَبَّذَا الإِمَارهْ *** ولَو عَلى وجه الحِجَارَهْ

ومُرْنِي، بمعنَى: أَشِرْ عليَّ.

وفلانٌ بَعِيدٌ مِن المِئْمَرِ قَرِيبٌ مِن المِئْبَرِ، وهو المَشُورَة:

مِفْعَلٌ مِن المُؤامَرَةِ. والمِئْبر: النَّمِيمَةُ. وفلانةُ مُطِيعةٌ لأَمِيرِهَا: زَوْجِهَا.

وفي الحديث. ذُكِرَ «ذو أَمَرٍ، ـ محرَّكةً ـ وهو موضعٌ بنَجْدٍ مِن ديار غَطَفَانَ، قال مُدْرِكُ بنُ لأْيٍ:

تَرَبَّعَتْ مُوَاسِلًا وذا أَمَرْ *** فمُلْتَقَى البَطْنَيْنِ مِن حيثُ انْفَجَرْ

وكان رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم خَرَجَ إِليه لجَمْع مُحَارِب، فهربَ القومُ منه إِلى رُؤُوس الجِبال، وزَعِيمُهُم دُعْثُورُ بنُ الحارثِ المُحَارِبيُّ، فعَسْكَر المسلمون به.

وذو أَمَرّ، مثلُه مشدَّدًا: ماءٌ أَو قريةٌ مِن الشام.

والأَمِيرِيَّة، ومَحَلَّةُ الأَمِير: قَرْيَتَانِ بمصر.

تَذْيِيلٌ

. قال الله عَزَّ وجَلَّ: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها}، قال ابن منظور: أَكثرُ القراءِ «أَمَرْنا»، ورَوَى خارِجَةُ عن نافع: «آمَرْنَا» بالمَدّ، وسائرُ أَصحابِ نافِعٍ رَوَوْه عنه مَقْصُورًا. ورُوِىَ عن أَبي عَمْرٍو:

«أَمَّرْنَا»، بالتَّشْدِيد، وسائرُ أَصحابِه رَوَوْه بتخفِيفِ المِيمِ وبالقَصْر، وَرَوَى هُدْبَةُ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ عن ابنِ كَثِيرٍ بالتَّشديد، وسائرُ النَّاسِ رَوَوْه عنه مخفَّفًا، وَرَوَى سَلَمَةُ عن الفَرّاءِ: مَنْ قرأَ: «أَمَرْنا» خَفِفَةً فَسَّرها بعضُهُم {أَمَرْنا مُتْرَفِيها} بالطّاعَة {فَفَسَقُوا فِيها}، أَن المُتْرَفَ إِذا أُمِرَ بالطَّاعَة خالَفَ إِلى الفِسْق، قال الفَرّاءُ: وقرأَ الحَسَنُ: «آمَرنا»، ورُوِىَ عنه: «أَمَرْنا»، قال: ورُوِىَ عنه أَنه بمعنى أَكْثَرْنَا، قال: ولا نرَى أَنها حُفِظَتْ عَنْه؛ لأَنَّا لا نعرفُ معناها هنا، ومعنى آمرنا ـ بالمَدِّ أَكثَرْنا، قال: وقرأَ أَبو العالِيَةِ: أَمَّرنا، وهو موافِقٌ لتفسِيرِ ابنِ عَبّاس؛ وذلك أَنّه قال: سَلَّطْنَا رُؤَسَاءَهَا ففسَقُوا، وقال الزَّجّاج نحوًا ممّا قال الفَرّاءِ، قال: ومَن قرأَ:

«أَمَرْنا» بالتَّخْفِيف، فالمعنى أَمَرناهم بالطّاعة ففسَقوا، فإِن قال قائلٌ: أَلستَ تقول: أَمَرْتُ زيدًا فضَرَب عَمْروًا، والمعنى أَنكَ أَمَرْتَه أَن يَضْربَ، فهذا اللَّفْظُ لا يَدُلّ على غير الضَّرْب، ومثلُه قولُه: فَعَصَيْتَنِي؛ فقد عُلِمَ أَنّ المَعْصِيَةَ مخَالَفَةُ الأَمرِ، وذلك الفِسقُ مخالفة أَمْرِ اللهِ، وقرأَ الحَسَنُ: أَمِرْنَا مُترفيها على مِثال عَلِمْنَا، قال ابنُ سِيدَه: وعَسى أَن تكون هذه لغةً ثالثةً قال الجَوْهَريُّ: معناه أَمَرْنَاهُم بالطّاعة فعَصَوْا، قال: وقد تكونُ مِن الإِمارة، قال: وقد قِيل: أَمِرْنَا مُتْرَفِيها: كَثَّرْنَا مُترَفِيها، والدليلُ على هذا قولُ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: «خيرُ المالِ سِكَّةٌ مأْبُورَةٌ أَو مُهْرَةٌ مَأْمُورةٌ»؛ أَي مُكَثِّرةٌ.

تَكْمِيلٌ:

وإِذَا أَمَرْتَ مِن أَمَرَ قلتَ: مُرْ؛ وأَصلُه اؤْمُرْ فلما اجتمعتْ همزتانِ وكَثُرَ استعمالُ الكلمةِ حُذِفت الهمزةُ الأَصليّةُ، فزال السّاكنُ فاستُغْني عن الهمزةِ الزائدِة، وقد جاءَ على الأَصْل، وفي التَّنْزِيل العزيز: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ}، وفيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}. وفي التَّهْذِيبِ: قال اللَّيْث: ولا يُقال: أُومُرْ ولا أُوخُذْ منه شيئًا، ولا أُوكُلْ. إِنّمَا يقال: مُرْ وكُلْ وخُذْ، في الابتداءِ بالأَمْر؛ استثقالًا للضَّمَّتَيْنِ، فإِذا تقدَّم قبلَ الكلام واوٌ أَو فاءٌ قلتَ: وأمُرْ، فأمُرْ، كما قال عزّ وجلّ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ}، فأَمّا كُلْ مِن أَكلَ يأْكُل فلا يكادُ يُدخِلُون فيه الهَمْزةَ مع الفاءِ والواوِ، ويقولُون: وكُلَا، وخُذَا، وارْفَعَاه فكُلَاه، ولا يقولون: فَأْكُلَاه، قال: وهذه أَحْرفٌ جاءَتْ عن العربِ نَوَادِرَ؛ وذلك أَنّ أَكثرَ كلامِهَا في كلِّ فِعْلٍ أَولُه همزةٌ، مثلُ أَبَلَ يَأْبِلُ، وأَسَرَ يَأْسِرُ، أَنْ يَكْسِرُوا يَفْعِلُ منه، وكذلك أَبَقَ يَأْبِقُ فإِذا كان الفِعْلُ الذي أَولُه همزةٌ ويفْعِلُ منه مكسورًا مَرْدُودًا إلى الأَمْر، قيل: إِيسرْ فلانُ، إِيبِقْ يا غُلامُ، وكان أَصْلُه إِأْسِرْ بهمزتَيْن، فكَرِهُوا جَمْعًا بين همزَتَيْن فحَوَّلُوا إِحداهما ياءً، إِذْ كان ما قَبلَها مكسورا، قال: وكان حَقُّ الأَمر مِن أَمَرَ يَأْمُرُ أَن يقال: أُؤمُرْ، أُؤْخُذْ، أُؤْكُلْ، بهمزتينْ، فتُرِكَتْ الهمزةُ الثانيةُ وحُوِّلتْ واوًا للضَّمَّةِ، فاجتمعَ في الحَرْف ضَمَّتَان بينهما واوٌ، والضَّمَّةُ مِن جنس الواو، فاستَثْقلَتِ العربُ جَمْعًا بين ضَمَّتَين وواوٍ، وطَرَحُوا هَمْزَة الواوَ؛ لأَنه بَقِيَ بعد طَرْحِهِما حرفان فقالوا: مُرْ فلانًا بكذا وكذا وخُذْ من فلانٍ، وكُلْ، لم يقولوا: أُكُلْ ولا أُخُذْ ولا أُمُرْ، كما تقدَّم، فإِنْ قيل: لمَ رَدُّوا وأُمُرْ إِلى أَصلها ولَمْ يَرُدُّوا كُلَا ولا خُذَا؟ قيل: لسَعَةِ كلامِ العربِ؛ ربما رَدُّوا الشي‌ءَ إِلى أَصلِه، وربما بَنَوْه على ما سَبَقَ له، وربما كَتَبُوا الحرف مهموزًا، وربما كَتَبُوه على تَرْكِ الهمزِة وربما كَتَبُوه على الإِدغام، وربما كتبوه على ترك الإِدغام، وكلُّ ذلك جائز واسع.

تَتْمِيم:

العربُ تقول: أَمَرْتُكَ أَن تفْعَل، ولِتَفْعَلَ، وبأَنْ تَفْعَلَ؛ فمَنْ قال: أَمَرتُكَ بأَن تفعلَ فالباءُ للإِلصاق، والمعنى وقع الأَمْرُ بهذا الفِعل، ومنَ قال: أَمرتُكَ أَن تفعلَ، فعلى حذفِ الباءِ، ومَن قال: أَمرتُكَ لِتَفْعَلِ فقد أَخبرَنا بالِعلَّة التي لها وَقَعَ الأَمْرُ، والمعنى أُمِرْنا للإِسلام.

وقولُه عَزّ وجَلّ: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} قال الزَّجّاج: أَمْرُ الله ما وَعَدَهم به مِن المُجازاةِ على كُفْرِهم مِن أَصنافِ العذاب، والدَّليلُ على ذلك قولُه تعالَى: {حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ}؛ أَي جاءَ ما وَعَدْناهُم به، وكذلك قولُه تعالى: {أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا}؛ وذلك أَنّهم استعجَلُوا العذابَ واستَبْطَئُوا أَمْرَ السَّاعةِ فأَعْلَمَ اللهُ أَنّ ذلك في قُرْبِه بمَنْزِلَةِ ما قد أَتَى، كما قال عَزّ وجَلّ: {وَما أَمْرُ السّاعَةِ إِلّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


170-تاج العروس (بشر)

[بشر]: البَشَرُ: الخَلْقُ، يَقَعُ على الأُنْثَى والذَّكَرِ، والواحِد والاثْنيْنِ والجَمْعِ، لا يُثَنَّى ولا يُجمَعُ، يقال هي بَشَرٌ، وهو بَشَرٌ، وهما بَشَرٌ، وهم بَشَرٌ، كذا في الصّحاح. وفي المُحْكَم: البَشَرُ، مُحَرَّكَةً: الإِنسانُ، ذَكَرًا أَو أُنْثَى، واحدًا أَو جمعًا، وقد يُثَنَّى، وفي التَّنْزِيل العزيز:

{أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} قال شيخُنا: ولعلَّ العَرَبَ حين ثَنَّوْه قَصَدُوا به حين إِرادةِ التَّثْنِيَةِ الواحِدَ، كما هو ظاهرٌ، ويُجْمَعُ أَبشارًا، قياسًا. وفي المِصْباح: لكنّ العَرَبَ ثَنَّوْه ولم يَجْمَعُوه. قال شيخُنا، نَقْلًا عن بعض أَهْلِ الاشتقاق: سُمِّيَ الإِنسانُ بَشَرًا؛ لِتَجرُّدِ بَشَرَتِه من الشَّعَر والصُّوف والوَبَر.

ومِن فُصُوله الممتازِ بها عن جميعِ الحيوانِ بادِي البَشَر، وهو ظاهِرُ جِلْدِ الإِنسانِ، قيل: وغيرِه كالحَيَّة، وقد أَنكَرَه الجَمَاهِيرُ ورَدُّوه. جَمعُ بَشَرَةٍ، وأَبْشَارٌ ججٍ؛ أَي جَمْعُ الجَمْعِ، وفي المُحْكَم: البشَرةُ أَعلَى جِلْدَةِ الرَّأسِ والوَجْهِ والجَسَدِ من الإِنسان، وهي التي عليها الشَّعرُ، وقيل: هي التي تَلِي اللَّحْمَ. وعن اللَّيْث: البَشَرَةُ أَعلَى جِلْدَةِ الوَجهِ والجسدِ من الإِنسانِ، ويُعْنَى به اللَّوْنُ والرِّقَّةُ، ومنه اشْتُقَّتْ مُباشَرَةُ الرَّجُلِ المرأَةَ: لتَضامِّ أَبشارِهما. وفي الحديث: «لم أَبْعثْ عُمّالِي لِيضْرِبُوا أَبشارَكم». وقال أَبو صَفْوَانَ: يُقَال لظاهِرِ جِلْدَةِ الرأْسِ الذي يَنْبُتُ فيه الشَّعرُ: البشَرةُ، والأَدَمَةُ، والشَّوَاةُ.

وفي المِصْباح: البَشَرَةُ ظاهِرُ الجِلْدِ، والجمعُ البَشَرُ، مثلُ قَصَبَةٍ وقَصَبٍ، ثم أُطْلِقَ على الإِنسان واحِدِه وجَمْعِه.

قال شيخُنا: كلامُه كالصَّرِيح في أَنّ إِطلاقَ البَشَرِ على الإِنسان مَجازٌ لا حقيقةٌ، وإن كَتَبَ بعضٌ على قوله؛ «ثم أُطْلِقَ إِلخ» ما نَصُّه: بحيثُ صار حقيقةً عُرْفِيَّةً، فلا تَتوقَّفُ إِرادتُه منه على قَرِينَةٍ؛ أَي والمرادُ من العُرْفِيَّة عُرْفُ اللُّغَةِ.

وكلامُ الجوهريِّ كالمصنِّف صريحٌ في الحقيقة؛ ولذلك فَسَّره الجوهريُّ بالخَلْق، وهو ظاهرُ كلامِ الجَمَاهِيرِ. والبَشْرُ بفتحٍ فسكونٍ: القَشْرُ، كالإِبْشَارِ، وهذه عن الزَّجّاج، يقال: بَشَرَ الأَدِيمَ يَبْشُرُه بَشْرًا، وأَبْشَرَه: قَشَرَ بَشَرَتَه التي يَنْبُتُ عليها الشَّعَرُ، وقيل: هو أَن يَأْخُذَ باطِنَه بشَفْرَةٍ.

وعن ابن بُزُرْجَ: من العَرَبِ مَن يَقُولُ: بَشَرْتُ الأَدِيمَ أَبْشِرُه ـ بكسرِ الشِّينِ ـ إِذا أَخَذْتَ بَشَرَتَه.

وأَبْشُرُه ـ بالضمِّ ـ: أُظْهِرُ بَشَرَتَه، وأَبْشَرْتُ الأَدِيمَ فَهو مُبْشَرٌ، إِذا ظَهَرَتْ بَشَرَتُه التي تَلِي اللَّحْمَ، وآدَمْتُهُ؛ إِذا أَظْهَرْتَ أَدَمَتَه التي يَنْبُتُ عليها الشَّعَرُ. وفي التَّكْمِلَةِ: بَشَرْتُ الأَدِيمَ أَبْشِرُه ـ بالكسر ـ لغةٌ في أَبْشُرُه بالضَّمِّ.

والبَشْر: إِحْفَاءُ الشّارِبِ حتَّى تَظْهَرَ البَشَرَةُ، وفي حديث عبدِ اللهِ بن عَمْرٍو: «أُمِرْنَا أَنْ نَبْشُرَ الشَّوَارِبَ بَشْرًا» أَي نُحْفِيِها حتى تَتَبَيَّنَ بَشَرتُها، وهي ظاهِرُ الجِلْدِ.

والبَشْرُ: أَكْلُ الجَرَادِ ما على وَجْهِ الأَرضِ. وقد بَشَرَها بَشْرًا: قَشَرَهَا وأَكَلَ ما عليها؛ كأَنَّ ظاهِرَ الأَرضِ بَشَرَتُها.

والمُبَاشَرَةُ والتَّبْشِيرُ، كالإِبشارِ والبُشُورِ والاستبشارِ.

والبِشَارةُ الاسمُ منه، كالبُشْرَى.

وقد بشرَه بالأَمْرِ ـ يَبْشُرُه، بالضمِّ ـ بَشْرًا وبُشُورًا وبِشْرًا، وبَشرَه به، عن اللِّحْيَانيِّ، وبَشَّرَه وأَبْشَرَه فبَشِرَ به، وبَشَرَ يَبْشُرُ بَشْرًا وبُشُورًا، يقال: بَشَرْتُه، فأَبْشَرَ، واسْتَبْشَرَ وتَبَشَّرَ وبَشِرَ: فرِحَ، وفي التَّنزِيل: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ}، وفيه أَيضًا: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ}، واسْتَبْشَرَه كبَشَّرَهُ. وفي الصّحاح: بَشَرْتُ الرَّجُلَ أَبْشُرُه ـ بالضمِّ ـ بَشْرًا وبُشُورًا، مِن البُشْرَى، وكذلك الإِبشارُ، والتَّبْشِيرُ: ثلاثُ لُغَاتٍ.

والبِشَارةُ: اسمُ ما يُعْطَاه المُبَشِّرُ بالأَمْر. ويُضَمُّ فيهما.

يقال: بَشَرْتُه بِمَوْلُودٍ فأَبْشَرَ إِبشارًا؛ أَي سُرَّ، وتقولُ: أبْشِرْ بِخَيْرٍ، بقَطْع الأَلفِ، وبَشِرْتُ بكذا ـ بالكسر ـ أَبْشَرُ؛ أَي اسْتَبْشَرْتُ به.

وفي حديثِ تَوْبَةِ كَعْبٍ: «فأَعْطَيْتُه ثَوْبِي بُشَارةً»، قال ابنُ الأَثِير: البُشَارةُ، بالضمِّ: ما يُعْطَى البَشِيرُ، كالعُمَالَةِ للعاملِ، وبالكسر، الاسْمُ؛ لأَنها تُظْهِرُ طَلَاقَةَ الإِنسانِ.

وهم يَتَبَاشَرُون بذلك الأَمرِ؛ أَي يُبَشِّرُ بعضُهُم بعضًا.

وقولُه تعالى: يا بُشْرَايَ هذا غُلامٌ كقولك: عَصَايَ، وتقولُ في التَّثْنِيَةِ: يا بُشْرَيَيَّ.

والبِشَارَةُ المُطْلَقَةُ لا تكونُ إِلّا بالخَيْر، وإِنّمَا تكونُ بالشَّرِّ إِذا كانت مُقَيَّدَةً، كقوله تعالَى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} والتِّبْشِيرُ يكونُ بالخيرِ والشَّرِّ، كقولِه تعالَى {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ} وقد يكونُ هذا على قولِهم: تَحيَّتُكَ الضَّرْبُ، وعِتابُكَ السَّيْفُ.

وقال الفَخْرُ الرّازِيُّ أَثناءَ تفسيرِ قولِه تعالَى: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى}: التَّبْشِيرُ في عُرْفِ اللُّغَة مُختصٌّ بالخَبَرِ الذي يُفيدُ السُّرُورَ، إِلّا أَنه بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ عبارةٌ عن الخَبَرِ الذي يُؤَثِّر في البَشَرةِ تَغَيُّرًا، وهذا يكونُ للحُزْن أَيضًا، فوَجَبَ أَن يكونَ لفظُ التَّبْشِيرِ حقيقةً في القِسْمَيْن.

وفي المِصْباح: بَشِرَ بكذا كفَرِحَ وَزْنًا ومعنًى، وهو الاستبشارُ أَيضًا. ويَتعدَّى بالحركةِ فيقال: بَشَرْتُه وأَبْشَرْتُه، كنَصرْتُه في لُغَةِ تهامةَ وما وَالاها، والتَّعْدِيَةُ بالتَّثْقِيل لغةُ عامَّةِ العربِ، وقرأَ السَّبْعَةَ باللُّغَتَيْن. والفاعِلُ من المخفَّف بَشِيرٌ، ويكون البَشِيرُ في الخَيْرِ أَكثرَ منه في الشَّرِّ.

والبِشَارةُ، بالكسر، والضمُّ لغةٌ، وإِذا أُطلِقتْ اختَصَّتْ بالخَيْرِ، وفي الأَساس: وتَتَابَعَتِ البِشَارَاتُ والبَشَائِرُ.

والبَشَارَةُ بالفَتْح: الجَمَالُ والحُسْنُ، قال الأَعْشَى:

ورَأَتْ بأَنَّ الشَّيْبَ جا *** نَبَه البَشَاشَةُ والبَشَارَهْ

ويقال: هو أَبْشَرُ منه؛ أَي أَحْسَنُ وأَجْمَلُ وأَسْمَنُ، وفي الحديث: «ما مِن رَجُلٍ له إِبِلٌ وبَقَرٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا، إِلّا بُطِحَ لها يومَ القِيَامَةِ بقَاع قَرْقَرٍ، كأَكْثَرِ مَا كَانَتْ، وأَبْشَرِه» أَي أَحْسَنِه، ويُرْوَى: «وآشَرِه»؛ من النّشاط والبَطَر.

والبِشْرُ، بالكسر: الطَّلاقَةُ والبَشَاشَةُ، يقال: بَشَرَنِي فلانٌ بوَجهٍ حَسَنٍ؛ أَي لَقِيَنِي وهو حَسَنُ البِشْرِ؛ أَي طَلْقُ الوَجْهِ.

والبِشْرُ: ع: وقيل: جَبَلٌ بالجَزِيرة في عَيْنِ الفُراتِ الغَربيِّ، وله يَومٌ، وفيه يقول الأَخطلُ:

لقد أَوْقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْرِ وَقْعَةً *** إِلى اللهِ منها المُشْتَكَى والمُعَوَّلُ

وتَفصيله في كتاب البلاذريّ.

وقيل: ماءٌ لِتَغْلِبَ بنِ وائلٍ، قال الشاعر:

فلَنْ تَشْرَبِي إِلَّا بِرَنْقٍ ولَنْ تَرَيْ *** سَوَامًا وحَيًّا في القُصَيْبَةِ فالبِشْرِ

أَو البِشْرُ: اسمُ وادٍ يُنْبِتُ أَحْرَارَ البُقُولِ وذُكُورَهَا.

والمُسَمَّى ببِشْر سبعةٌ وعشرون صَحابيَّا، وهم: بِشْرُ بنُ البَرَاءِ الخَزْرَجِيُّ، وبِشْرٌ الثَّقَفِيُّ، ويقال: بَشِير؛ وبِشْرُ بنُ الحارث الأَوْسِيُّ، وبِشْرُ بنُ الحارث القُرَشِيّ، وبِشْرُ بن حَنْظَلَةَ الجُعْفِيّ، وبِشْرٌ أَبو خليفةَ، وبِشْرٌ أَبو رافعٍ، وبِشْرُ بنُ سُحَيْمٍ الغِفَاريُّ، وبِشْرُ بنُ صُحَار، وبِشْرُ بنُ عاصمٍ الثَّقَفِيُّ، وبِشْرُ بنُ عبد الله الأَنصاريُّ، وبِشْرُ بنُ عَبْدٍ، نَزَلَ البصرة، وبِشْرُ بنُ عُرْفَطَةَ الجُهَنيُّ، وبِشْرُ بن عِصْمَةَ اللَّيْثِيُّ، وبشْرُ بنُ عَقْرَبَةَ الجُهَنِيّ، وبِشْرُ بنُ عَمْرٍو الخَزْرَجِيُّ، وبِشْرٌ الغَنَوِيُّ، وبِشْرُ بنُ قُحَيْفٍ، وبِشْرُ بنُ قُدَامةَ، وبِشْرُ بنُ مُعَاذٍ الأَسَدِيُّ، وبِشْرُ بنُ معاويةَ البَكّائِيُّ، وبِشْرُ بنُ هِلالٍ العَبْدِيُّ، وبِشْرُ بنُ مادة الحارِثيّ، وبِشْرُ بنُ حَزْنٍ النَّضْرِيُّ، وبِشْرُ بنُ جِحَاشٍ، ويقال بسر، وقد تقدّم.

وأَبو الحَسَنِ البِشْرُ صاحبُ أَبي محمّدٍ سَهْلِ بنِ عبد الله بن يُونُسَ التُّسْتَرِيّ البَصْرِيّ، صاحب الكرامات.

وأَبو حامدٍ أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ أَحمدَ بنِ محمّدٍ الهَرَوِيُّ، عن حامد الرّفَّاءِ، رَوَى عنه شيخُ الإِسلام الهَرَوِيُّ. وأَبو عَمْرٍو أَحمدُ بنُ محمّدٍ الأَسْتَراباذِيّ، عن إِبراهِيمَ الصّفارِ، ذَكَره حمزةُ السَّهْمِيُّ البِشْرِيُّون: محدِّثون.

وفاته:

محمّدُ بنُ يزَيدَ البِشْرِيُّ الأُمَوِيُّ، قال الأَمِير: أَظنُّه مِن وَلَدِ بِشْر بنِ مَروانَ، كان شاعرًا. وأَبو القاسم البِشْرِيُّ، من شُيوخ ابن عبد البَرِّ، قال ابنُ الدَّبّاغ: لم أَقف على اسمه، ووجدتُه مضبوطًا بخطِّ طاهرِ بن مفوز.

وبِشْرَوَيْهِ كسِيبَوَيْهِ. جماعةٌ منهم: أَحمدُ بنُ إِسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ محمّدِ بنِ بِشْرَوَيْهِ. وعليُّ بنُ الحَسَنِ بنِ بِشْرَوَيْهِ الخُجَنديّ، شيخٌ لغُنجار، صاحِبِ تاريخ بُخارَى.

وإِبراهيمُ بنُ أَحمدَ بنِ بِشْرَوَيْهِ بخارِيُّ. وأَبو نُعيمٍ بِشْرَوَيْهِ بُن محمّدِ بنِ إِبراهِيمَ المعقليّ، رئيسُ نَيْسابُورَ، رَوَى عن بِشْرِ بنِ أَحمدَ الإِسفرايِنيّ. ومحمّدُ بنُ عبد اللهِ بنِ محمّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشْرَوَيْهِ الأَصْبهانيُّ، وابنُه أَحمدُ بنُ بِشْرَوَيْهِ الحافظُ. وأَحمدُ بنُ بِشْرَوَيْهِ الإِمامُ، قديمٌ، حدَّث عن أَبي مَسْعُودٍ الرّازيّ.

وبَشَرى كجَمَزَى: قرية بمكَّةَ بالنَّخْلَةِ الشّامِيَّةِ.

وبُشَرَى كأُرَبَى: بالشّام.

وعن ابن الأَعرابيِّ: هم البُشَارُ كغُرَابٍ: سُقَّاطُ النّاسِ كالقُشَار والخُشَارِ. وبِشْرَةُ، بالكسر: اسمُ جارِيَة عَوْنِ بنِ عبدِ الله، وفيها يقول إِسحاقُ بنُ إِبراهيمَ المَوْصلِيُّ:

أَيَا بِنْتَ بِشْرَةَ ما عاقَنِي *** عن العَهْدِ بَعْدَكِ مِنْ عائِقِ

قال مغلْطايْ: رأَيتُه مضبوطًا بخطِّ أَبي الرَّبِيعِ بنِ سالمٍ.

وبِشْرَةُ: فَرَسُ ماوِيَةَ بنِ قَيْسٍ الهَمْدَانِيِّ، المُكَنَّى بأَبِي كُرْزٍ.

والبَشِيرُ: المُبَشِّرُ الذي يُبَشِّرُ القَوْمَ بأَمْر: خيرٍ أَو شَرٍّ.

والبَشِيرُ: الجَميِلُ. وهي بهاءٍ. رجلٌ بَشِيرُ الوَجه: جميلُه، وامرأَةٌ بَشِيرَةُ الوجهِ. ووَجْهٌ بَشِيرٌ: حَسَنٌ.

وبَشِيرٌ، كأَمِيرٍ: جُبَيْلٌ أَحمرُ مِن جِبالِ سَلْمَى لِبَنِي طَيِّي‌ءٍ.

وبَشِيرٌ: إِقليمٌ بالأَنْدَلُسِ نُسِبَ إِليه جماعةٌ من المحدِّثين.

والمُسَمَّى ببَشِيرٍ ستّةٌ وعشرونَ صَحابيًّا وهم: بَشِيرُ بنُ أَنَسٍ الأَوسيُّ، وبَشيرُ بنُ تَيْمٍ، وبَشيرُ بن جابرٍ العَبْسِيُّ، وبَشيرٌ أَبو جَمِيلَةَ السُّلَمِيُّ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ الأَنْصاريُّ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ العَبْسِيُّ، وبَشيرُ بنُ الخَصاصِيَّة، وبشيرُ بنُ أَبي زَيْد، وبشيرُ بنُ زيدٍ الضُّبَعِيُّ، وبَشيرُ بنُ سعدٍ الأَنصاريُّ، وبَشيرُ بنُ سَعد بنِ النُّعمان، وبَشيرُ بنُ عبد الله الأَنصاريُّ، وبَشيرُ بنُ عبدِ المُنذر، وبَشيرُ بنُ عتيك، وبشيرُ بن عُقْبَةَ، وبَشيرُ بنُ عَمْرو، وبَشيرُ بن عَنْبَسٍ، وبَشيرُ بنُ فديكٍ، وبَشيرُ بنُ مَعْبد أَبو بِشْر، وبَشيرُ بنُ النَّهّاس العَبْدِيّ، وبَشيرُ بنُ يزَيدَ الضُّبَعِيُّ، وبَشيرُ بنُ عَقْرَبَةَ الجُهَنِيّ، وبَشيرُ بنُ عَمْرِو بن محصن، وبَشيرٌ الغِفَاريُّ، وبشيرٌ الحارثيُّ أَبو عِصَامٍ، وبَشيرُ بنُ الحارثِ الشاعر.

والمُسَمَّى ببَشِيرٍ جماعةٌ محدِّثون منهم: بَشِيرُ بن المُهَاجِر الغَنَوِيّ، وبَشيرُ بن نهيك، وبَشيرٌ مولَى بني هاشم، وبَشيرٌ أَبو إِسماعيل الضُّبَعيّ، وبَشيرُ بن مَيْمونٍ الوَاسِطيّ، وبَشيرُ بن زاذانَ، وبَشيرُ بنُ زياد، وبَشيرُ بن ميمونٍ، غير الذي تقدَّم، وبَشيرُ بنُ مهرانَ، وبَشيرٌ أَبو سَهْل، وبَشيرُ بن كَعْب بن عُجْرَةَ، وبَشيرُ بنُ عبد الرحمن الأَنصاريّ، وبَشيرٌ مولَى معاويَةَ، وبَشيرُ بنُ كَعْبٍ العَدَوِيّ، وبشيرُ بن يَسار، وبشيرُ بن أَبي كَيْسَانَ، وبَشيرُ بن رَبِيعَةَ البَجليّ، وبَشيرُ بنُ حَلْبَسٍ، وبَشيرٌ الكَوْسَجُ، وبَشيرُ بن عُقبة، وبَشيرُ بن مُسلم الكِنديّ، وبشيرُ بن مُحرِز، وبشيرُ بنُ غالب، وبَشيرُ بنُ المهلَّب، وبَشيرُ بن عُبَيْد، وغير هؤلاءِ ممّن رَوَى الحديث، وأَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عبد الله عن عليِّ بنِ خَشْرَمٍ، وعنه عبدُ الله بن جعفرِ بن الوَرْدِ، وعبدُ الله بنُ الحَكَمِ شيخٌ لأَبي أُميّةَ الطَّرسوسيّ، وأَبو محمّدٍ المُطَّلِبُ بنُ بَدْرِ بنِ المُطَّلِب بنِ رهْمانَ البغداديّ، الكُرْديّ، نُسِب إِلى جدِّه بَشِير، وُلدِ سنة 547، وسمع من ابن البَطّيّ مع أَبيه، تُوفِّي سنة 674، البَشِيريُّون: محدِّثون.

وأَحمدُ بنُ بَشِير أَبو بكرٍ الكُوفيُّ، وأَحمدُ بن بشير أَبو جعفرٍ المؤدِّب، وأَحمدُ بنُ بَشّار الصَّيْرفيُّ، وأَحمدُ بنُ بشّار بنُ الحسن الأَنباريُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر الدمشقيُّ، وأحمدُ بنُ بِشْر المَرثديُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر الطَّيالسيُّ، وأَحمدُ بنُ بِشْر البَزّازُ، وأَحمدُ بنُ بِشْر بن سَعِيد: محدِّثون.

وقَلْعَةُ بَشِيرٍ بِزَوْزَنَ، نقلَه الصَّاغانيّ.

وحِصْنُ بَشِيرٍ بينَ بغدادَ والحِلَّةِ على يسارِ الجائي من الحِلَّةِ إِلى بغدادَ.

وعن ابن الأَعرابِيّ: المَبْشُورةُ: الجارِيَةُ الحَسَنَةُ الخَلْقِ واللَّوْنِ، وما أَحْسَنَ بَشَرَتَها.

والتَّبَاشِيرُ: البُشْرَى، وليس له نَظِيرٌ إِلّا ثلاثةُ أَحرفٍ: تَعاشِيبُ الأَرضِ، وتَعاجِيبُ الدَّهرِ، وتَفاطِيرُ النَّبَاتِ: مَا يَنْفَطِرُ منه، وهو أَيضًا ما يَخْرُجُ على وَجْهِ الغِلْمَانِ والقَيْنَاتِ، قال:

تَفاطِيرُ الجُنُونِ بِوَجْهِ سَلْمَى *** قَدِيمًا لا تَفَاطِيرُ الشَّبابِ

ومن المَجَاز: التَّبَاشِيرُ: أَوائِلُ الصُّبْحِ، كالبَشَائِرِ، قال أَبو فِرَاس:

أَقولُ وقد نَمَّ الحُلِيُّ بخرْسِه *** علينا ولاحتْ للصَّباحِ بَشائِرُهْ

والتَّبَاشِيرُ أَيضًا: أَوائِلُ كلِّ شيْ‌ءٍ، كَتَباشِيرِ النّورِ وغيرِه، ولا واحِدَ له، قال لَبِيدٌ يصفُ صاحبًا له عَرَّسَ في السَّفَرِ فأَيقظَه:

قَلَّما عَرَّسَ حَتَّى هِجْتُه *** بالتَّبَاشِيرِ من الصُّبْحِ الأُوَلْ

والتَّبَاشِيرُ: طَرَائِقُ ضوءِ الصُّبْح في اللَّيْل. وفي الأَساس: كأَنَّه جَمْعُ تَبْشِيرٍ، مصدرُ بَشَّرَ.

وعن اللَّيْث: التَّبَاشِيرُ: طَرَائِقُ تَرَاها على وَجْهِ الأَرضِ من آثار الرِّياحِ.

والتَّبَاشِيرُ: آثارٌ بِجَنْبِ الدّابَّةِ من الدَّبَرِ، محرَّكةً، وأَنشدَ:

ونِضْوَةُ أَسْفَارٍ إِذا حُطَّ رَحْلُهَا *** رأَيتَ بدِفْئَيْهَا تَباشِيرَ تَبْرُقُ

وفي حديث الحجّاج: «كيف كان المَطَرُ وتَبْشِيرُهُ»؟ أَي مَبْدَؤُه وأَوَّلُه.

ورأَى النَّاسُ في النَّخْل التَّبَاشيرَ؛ أَي البَواكِر من النَّخْلِ.

والتَبَاشِيرُ: أَلوانُ النَّخْلِ أَوَّلَ ما يُرْطِبُ، وهو التَّبَاكِيرُ.

وفي المُحْكَم: أَبْشَرَ الرَّجلُ إِبشارًا: فَرِحَ، قال الشّاعر:

ثُمَّ أَبْشَرْتُ إِذْ رَأَيْتُ سَوَامًا *** وبُيُوتًا مَبْثُوثَةً وجِلَالا

وعن ابن الأَعرابيِّ: يقال: بَشَرْتُه وبَشَّرْتُه، وأَبْشَرْتُه، وبَشَرْتُ بكذا، وبَشِرْتُ، وأَبْشَرْتُ، إِذا فَرِحْت، ومنه: أَبْشِرْ بخَيرٍ، بقَطْعِ الأَلِفِ.

ومن المَجاز: أَبْشَرَتِ الأَرضُ: أَخرجَتْ بَشَرَتَها؛ أَي ما ظَهَرَ مِن نَبَاتِهَا؛ وذلك إِذا بُذِرَتْ. وقال أَبو زيادٍ الأَحمرُ: أَمْشَرَتِ الْأَرضُ، وما أَحسنَ مَشَرَتَها.

وأَبْشَرَتِ النّاقَةُ: لَقِحَتْ؛ فكأَنَّهَا بَشَّرَتْ باللِّقَاح، كذا في التَّهْذِيب، قال: وقولُ الطِّرِمّاحِ يُحَقِّقُ ذلك:

عَنْسَلٌ تَلْوِي إِذا أَبْشَرَتْ *** بخَوَافِي أَخْدَرِيٍّ سُخامْ

وفي غيره: وبَشَّرَتِ النّاقَةُ باللِّقاح، وهو حين يُعلَمُ ذلك عند أَوَّلِ ما تَلْقَحُ.

وأَبْشَرَ الأَمْرَ: حَسَّنَه ونَضَّرَه، هكذا في النُّسَخِ، وقد وَهِمَ المصنِّفُ، والصَّوابُ: وأَبْشَرَ الأَمرُ وَجْهَه: حَسَّنَه ونَضَّرَه. وعليه وَجَّهَ أَبو عَمْرٍو مَنْ قَرَأَ: ذلِكَ الَّذِي يَبْشُرُ الله عِبَادَه قال: إِنّمَا قُرِئَتْ بالتَّخْفِيف؛ لأَنه ليس فيه بكذا، إِنما تقديرُه: ذلك الذي يُنَضِّرُ الله به وُجُوهَهم، كذا في اللِّسَان.

ومن المَجَاز: باشَرَ فلانٌ الأَمْرَ، إِذا وَلِيَه بنفسِه، وهو مستعارٌ من مُباشَرَةِ الرجلِ المرأَةَ؛ لأَنه لا بَشَرةَ للأَمْرِ؛ إِذْ ليس بِعَيْنٍ. وفي حديث عليٍّ كَرَّمَ الله وجهَه: «فباشِرُوا رُوحَ اليَقِينِ»، فاستعاره لِرُوحِ اليَقِين؛ لأَنّ رُوحَ اليَقِينِ عَرَض، وبَيِّنٌ أَنَّ العَرَضَ ليستْ له بَشَرَة. ومُبَاشَرَةُ الأَمْرِ: أَن تَحْضُرَه بنفْسِكَ وتَلِيَه بنفْسِك.

وباشَرَ المرأَةَ: جامَعَها مُبَاشرةً وبِشَارًا، قال الله تعالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ}. المُباشَرةُ: الجِمَاعُ، وكان الرجلُ يَخرُج من المسجدِ وهو مُعْتَكِف فيُجامِعُ، ثم يعودُ إِلى المسجد.

أو باشَرَ الرجلُ المرأَةَ، إِذا صارا في ثَوْبٍ واحدٍ، فباشَرَتْ بَشَرَتُه بَشَرَتَها. ومنه‌الحديثُ: «أَنّه كان يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صائِم» وأَراد به المُلَامَسَةَ، وأَصلُه مِن لَمْسِ بَشَرةِ الرجلِ بَشَرةَ المرأَةِ، وقد يَرِدُ بمعنَى الوَطْءِ في الفَرْجِ، وخارجًا منه. والتُّبُشِّرُ بضمِّ التاءِ والباءِ وكسرِ الشَّيْن المشدَّدةِ ووُجِدَ بخطِّ الجوهريِّ. الباءُ مفتوحة، وهو لغة فيه ـ: طائرٌ يقال له: الصُّفَارِيّةُ، ولا نَظِيرَ له إِلا التُّنَوِّطُ، وهو طائر أَيضًا، وقولهم: وَقَعَ في وادِي تُهُلِّكَ، ووادِي تُضُلِّلَ، ووادِي تُخَيِّبَ، الواحدُة بهاءٍ.

وَبَشِرْتُ به، كعَلِمَ وضَرَبَ: سُرِرْتُ، الأُولَى لغة رواهَا الكِسائِيُّ.

ويقال: بَشَرَنِي بوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ حَسَنٍ يَبْشُرني، إِذا لَقِيَني به.

وسَمَّوْا مُبَشِّرًا وبَشّارًا وبِشَارَة وبِشْرًا كمحدِّثٍ وكَتّان وكِتَابةٍ وعِجْلٍ.

وفاته:

بَشِرٌ، ككَتِفٍ، ومنهم: بَشِرُ بنُ مُنْقِذٍ البُسْتِيُّ، قال الرَّضِيّ الشاطِبيُّ: رأَيتُه بخطِّ الوزيرِ المغربيِّ مُجوَّدًا بالكسرِ.

وبُشَيْر، كزُبَيْرٍ، الثَّقفيُّ قال ابنُ ماكُولا: له صُحْبَة، وبُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ أَبو أَيَّوبَ العَدَوِيُّ عَدِيُّ مَنَاةَ، ويقال: العَامِرِيُّ، وبُشَيْر السُّلَمِيُّ رَوَى عنه ابنُه رافِعٌ أَو هو أَي الأَخيرُ بِشْرٌ، وقيل: بَشِيرٌ كأَمِيرٍ: وقيل: بُسْرٌ بالمُهْمَلَة: صَحابِيُّون.

وبُشَيْرُ بنُ كَعْبٍ أَبو عبدِ الله العَدَوِيُّ، ويقال: العامِرِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ يَسارٍ الحارِثِيُّ الأَنصارِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ عبدِ الله بنِ بُشَيْر بن يَسار الحارِثيُّ الأَنصارِيُّ، وبُشَيْرُ بنُ مُسْلِمٍ الحِمْصِيُّ، وعبدُ العزيزِ بنُ بُشَيْرٍ شيخٌ لأَبِي عاصِمٍ: محدِّثون.

ومن المَجاز: يقال: رجلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ، وهو الذي قد جَمَعَ لِينًا وشِدَّةً مع المعرفةِ بالأُمور، عن الأَصمعيِّ، قال: وأَصلُه مِن أَدَمَةِ الجِلْدِ وبَشَرَتِه.

وامرأَةٌ مُؤْدَمَةٌ مُبْشَرَةٌ: تامَّةٌ في كلِّ وَجهٍ، وسيأتي في أَدم.

وتَلُّ باشِرٍ: موضع قُرْبَ حَلَبَ، منه ـ على يَوْمَيْن منها، وفيه قلعةٌ، منها ـ محمّدُ بنُ عبدِ الرّحمنِ بنِ مُرْهَفٍ الباشِرِيُّ، قال الذَّهَبِيُّ: لا أَعرفه، قال الحافظُ: بل حَدَّثَ عن الفَخْر الفارِسِيِّ، وحَسَنُ بنُ عليِّ بنِ ثابتٍ التَّلُّ باشِرِيِّ، سَمِعَ الغَيلانيّاتِ على الفَخْرِ ابنِ البُخَارِيِّ.

وأَبو البَشَرِ: آدَمُ عليه‌السلام، أَوّلُ مَن تَكَنَّى به، ولَقَبُه صَفِيُّ اللهِ. وأَبو البَشَرِ عبدُ الآخِرِ المُحَدِّثُ، الرّاوِي عن عبدِ الجَلِيلِ بنِ أَبي سَعْد جزءَ بِيبَى. وأَبو البَشَرِ بَهْلَوانُ ابنُ شهر مزن بنِ محمّدِ بن بيوراسفَ، كما رَأَيتُه بخطِّه، هكذا في آخرِ شرْح المَصابيحِ للبَغَوِيِّ البَزْدِيُّ، دَجَّالٌ كذَّابٌ، زَعَمَ أَنه سَمِعَ من شَخْصٍ لا يُعرَف بعد السبعين وخَمْسمائة صحيحَ البُخَاريِّ، قال: أَخبرَنَا الدّاوُودِيُّ؛ فانْظُرْ إِلى هذه الوَقَاحَةِ، قالَه الحافظُ.

وأَبو الحَرَم مَكِّيُ بنُ أَبي الحَسَنِ بنِ أَبي نَصْرٍ، المعروفُ بابنِ بَشَرٍ ـ مُحَرَّكةً ـ المُطَرّز البغداديُّ: محدِّثٌ، رَوَى عن ابن نُقْطَةَ، وهو من شيوخِ الحافِظِ الدِّمْيَاطِيِّ، أَخرجَ حديثَه في مُعْجَمه وضَبَطَه.

* وممّا يُستدرَك عليه:

البُشَارةُ، بالضمِّ: ما بُشِرَ من الأَدِيم، عن اللِّحْيانِيِّ، قال: والتَّحْلِئُ: ما قُشِرَ مِن ظَهْرِه.

وفي المَثَل: «إِنّمَا يُعَاتَبُ الأَدِيمُ ذو البَشَرَةِ، قال أَبو حَنِيفَةَ: معناه إِنّمَا يُعَاتَبُ مَنْ يُرْجَى، ومَنْ له مُسْكَةُ عَقْلٍ.

وفي الحديث: «مَنْ أَحَبَّ القُرْآنَ فَلْيَبْشَرْ»، مَنْ رَوَاه بالضَّمِّ، فقال: هو مِن بَشَرْتُ الأَدِيمَ، إِذا أَخذْتُ باطِنَه بالشَّفْرَة، فمعناه فَلْيُضَمِّرْ نفْسَه للقرآن؛ فإِن الاستكثارَ مِن الطَّعَامِ يُنْسِيه القرآن.

وما أَحْسَنَ بَشَرَتَه؛ أَي سَحْنَاءَه وهَيْئَتَه.

والبَشَرَةُ: البَقْلُ والعُشْبُ.

والبَشْرُ: المُبَاشَرَةُ، قال الأَفْوَهُ:

لمّا رَأَتْ شَيْبِي تَغَيَّرَ وانْثَنَى *** مِن دُونِ نَهْمَةِ بَشْرِهَا حِينَ انْثَنَى

أَي مُبَاشَرَتِي إِيّاهَا.

وتَبَاشَر القَومُ: بَشَّرَ بعضُهم بعضًا.

ومن المَجاز: المُبَشِّرَاتُ: الرِّياحُ التي تَهُبُّ بالسَّحَاب، وتُبَشِّرُ بالغَيْث، وفي الأَساس: وهَبَّتِ البَوَاكيرُ والمُبَشِّرَاتُ، وهي الرِّيَاحُ المُبَشِّرَةُ بالغَيْث، قال اللهُ تَعَالَى:

{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ}، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا} وبُشُرًا وبُشْرَى وبَشْرًا؛ ف بُشُرًا جمعُ بَشُورٍ، وبُشْرًا مُخَفَّفٌ منه، وبُشْرَى بمعنَى بِشارَةٍ، وبَشْرًا مصْدرُ بَشَرَه بَشْرًا، إِذا بَشَّرَه.

ومِن المَجاز: فيه مَخايِلُ الرُّشْدِ وتَباشِيرُه.

وباشَرَه النَّعِيمُ: والفِعْلُ ضَرْبانِ: مُباشِرٌ ومُتَوَلِّدٌ، كذا في الأَساس.

وبَشَائِرُ الوَجهِ: مُحَسِّناتُه.

وبَشَائِرُ الصُّبحِ: أَوَائلُه.

وعن اللِّحْيَانِيِّ: ناقةٌ بَشِيرَةٌ؛ أَي حَسَنَةٌ، وناقَةٌ بَشِيرَةٌ: ليست بمَهْزُولةٍ ولا سَمِينَةٍ. وحُكيَ عن أَبي هلالٍ، قال: هي التي ليستْ بالكرِيمَةِ ولا الخَسِيسَةِ، وقيل: هي التي على النِّصْفِ مِن شَحْمِها.

وبِشْرَةُ: اسمٌ، وكذلك بُشْرَى اسمُ رَجُلٍ، لا ينصرفُ في معرفةً ولا نكرةٍ؛ للتَّأْنِيثِ ولُزُومِ حرفِ التأْنيثِ له، وإِن لم تكن صفةً؛ لأَنّ هذه الأَلِفَ يُبْنَى الاسمُ لها، فصارتْ كأَنَّها من نفْسِ الكلمةِ وليستْ كالهَاءِ التي تَدخلُ في الاسمِ بعد التَّذْكِير.

وأَبو الحَسَنِ عليُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ بَشّارٍ، نَيْسَابُورِيُّ، وأَبو بكرٍ أَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ إِسماعيلَ بنِ بَشَّارٍ البُوشَنْجِيُّ، وأَبو محمّدٍ بِشْر بنِ محمّد بن أَحْمدَ بنِ بِشْرٍ البِشْرِيُّ، وأَبو الحسنِ أَحمدُ بنُ إِبراهيمَ بنِ أَحمدَ بنِ بَشِيرٍ، وابنُه عليٌّ.

وأَحمدُ بنُ محمّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ بَشِيرِ بنِ عبد الرَّحِيمِ: محدِّثون.

والبِشْرِيَّةُ: طائفةٌ مِن المُعْتَزِلَةِ؛ يَنْتَسِبُون إِلى بِشْرِ بنِ المُعْتَمِر.

وباشِرُ بنُ حازِمٍ، عن أَبي عِمْرانَ الجَوْنِيّ.

وكزُبَيْرٍ: بُشَيْر بنُ طَلحةَ.

وبَشِيرُ بنُ أُبَيْرِقٍ. شاعرٌ مُنافِق. وبَشِيرُ بنُ النِّكْث اليَرْبُوعِيُّ راجزٌ.

وأبو بَشيرٍ محمّدُ بنُ الحسنِ بنِ زكريّا الحَضْرَمِيُّ.

وحِبّانُ بنُ بَشِيرِ بنِ سَبْرَةَ بنِ مِحْجَنٍ: شاعِرٌ فارسٌ، لقبُه الْمِرقال.

وأَمّا مَن اسمُه بَشَّارٌ ـ ككَتَّان ـ فقد اسْتَوْفاهم الحافظُ في التَّبْصِير، فراجِعْه، وكذلك البشاريّ، ومن عُرِفَ به ذَكَرَه في كتابِه المذكور.

وابنُ بشْرانَ: محدِّث مشهور.

وبِشْرَيْنِ، بالكسر مثنَّى: جَدُّ الشَّعْبِيِّ.

والبَشِيرُ: فَرَسُ محمّدِ بنِ أَبي شِحَاذٍ الضَّبِّيِّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


171-تاج العروس (حشر)

[حشر]: الحَشْرُ: ما لَطُفَ منَ الآذانِ، وهو مجَازٌ.

يقال: لِلْواحِدِ والاثْنَيْن والجمْعِ. وأخصرُ منه عِبَارةُ الجوْهرِيّ: لا يُثَنَّى ولا يُجْمع، قال: لأَنه مَصْدرٌ في الأَصْل مثْل قولهم: ماءٌ غَوْرٌ وماءٌ سكْبٌ. وقد قِيلَ أُذُنٌ حَشْرَةٌ، قال النَّمِر بنُ تَوْلَب:

لَها أُذُنٌ حشْرَةٌ مَشْرةٌ *** كإِعْلِيطِ مَرْخٍ إِذَا ما صَفِرْ

هكذا أَنشدهُ الجَوْهَرِي لَه، قال الصَّاغانِيُّ: وإِنَّمَا هو لِرَبِيعَةَ بْنِ جُشَمَ النَّمَرِيِّ، ولعلّه نَقَلَه من كِتَابٍ قال فِيهِ: قال النَّمَرِيُّ، فظَنَّه النَّمِرَ بْنَ تَوْلَب انْتَهى.

وقال ابنُ الأَعْرابِيِّ: ويُسْتَحَبُّ في البَعِير أَن يَكُونَ حَشْرَ الأُذُن، وكَذلك يُسْتَحَبُّ في النَّاقَةِ. قال ذُو الرُّمَّة:

لها أُذُنٌ حَشْرٌ وذِفْرَى لَطِيفَةٌ *** وخَدٌّ كمِرْآة الغَرِيبَةِ أَسْجَحُ

ومن المَجاز: الحشْرُ: مَا لَطُف مِن القُذَذِ.

قال اللّيْث: الحَشْرُ من الآذانِ ومِن قُذَذِ رِيشِ السِّهَامِ: ما لَطُفَ، كأَنَّمَا بُرِيَ برْيًا. وأُذُنٌ حَشْرَةٌ وحَشْرٌ: صَغِيرَةٌ لَطِيفَةٌ مُسْتَدِيرَة.

وقال ثعلب: دَقِيقَةُ الطَّرَفِ، سُمِّيت في الأَخِيرة بالمَصْدر؛ لأَنَّهَا حُشِرَتْ حَشْرًا؛ أَي صُغِّرَت وأُلْطِفَتْ. وقال غيره: الحَشْرُ من القُذَذِ والآذانِ: المؤَلَّلَةُ الحدِيدَةُ، والجَمْعُ حُشُورٌ. قال أُميَّةُ بنُ أَبِي عائذٍ:

مَطارِيحَ بالوَعْثِ مَرَّ الحُشُو *** رِ، هاجَرْنَ رَمَّاحَةً زَيْزَفُونَا

والحَشْرُ: الدَّقِيقُ مِنَ الأَسِنَّة والمُحَدَّدُ مِنْهَا. يُقَالُ: سِنَانٌ حَشْرٌ وسِكِّينٌ حَشْرٌ.

ومن المَجاز: الحَشْر: التَّدْقِيقُ والتَّلْطِيفُ، يقال: حَشَرْتُ السِّنانَ حشْرًا، إِذا لَطَّفْته ودَقَّقْته، وهو مَجازٌ، كما في الأَساس. وقال ثَعْلب: حُشِرَت حَشْرًا؛ أَي صُغِّرَتْ وأُلْطِفَت. وقال الجوهريّ: أَي بُرِيَتْ وحُدِّدَت. وقال غَيرُه: حَشَرَ السِّنانَ والسِّكِّينَ حَشْرًا: أَحَدَّهُ فأَرَقَّه وأَلْطَفَه. وحَدِيدةٌ محْشُورةٌ وحَرْبةٌ حَشْرَةٌ: حَدِيدَةٌ.

والحَشْرُ: الجَمْعُ والسَّوْقُ. يقال: حَشَرَ يَحْشُر، بالضَّمّ، ويحْشِر، بالكَسْر، حَشْرًا، إِذا جَمَعَ وساقَ. ومنه يوم المَحْشِر، بكسر الشين ويُفْتَح، وهذه عن الصَّاغانيّ؛ أَي مَوْضِعُه؛ أَي الحَشْرِ ومَجْمَعُه الَّذِي إِليه يُحْشَر القَوْمُ، وكذلك إِذا حُشِرُوا إِلَى بَلَدٍ أَو مُعَسْكَر أَو نحْوِه. وفي الحَدِيث: «انْقَطعَت الهِجْرَةُ إِلَّا من ثَلاثٍ: جهادٍ أَو نِيَّةٍ أَو حشْرٍ» قالوا: الحَشْرُ هو الجَلَاءُ عن الأَوطان. وفي الكتاب العَزِيزِ {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، نَزَلَت في بَنِي النَّضيرِ وكانُوا قَوْمًا من اليَهُود عاقَدُوا النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لَمَّا نَزلَ المَدِينَةَ أَن لا يَكُونُوا عليه ولا له، ثم نَقَضُوا العهْد ومَايَلُوا كُفَّارَ أَهْلِ مَكَّةَ، فقَصدَهُم النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، فَفارقُوه على الجلَاءِ مِن منازلهم، فجلَوْا إِلَى الشَّام.

قال الأَزْهَرِيّ: وهو أَوّلُ حَشْرٍ حُشِرَ إِلى أَرضِ المَحْشَرِ، ثُمَّ يُحْشَرُ الخَلْقُ يومَ القِيَامَةِ إِلَيْها، قال: ولِذلِكَ قِيلَ: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ}، وقيل: إنَّهُمْ أَوّلُ مَنْ أُجْلِيَ من أَهْلِ الذِّمّة مِن جَزِيرةِ العَرَب، ثم أُجْلِيَ آخِرُهم أَيّامَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّاب، رضي ‌الله‌ عنه، منهم نصارَى نَجْرَانَ ويَهُودُ خَيْبَرَ.

ومن المَجاز، الحَشْرُ: إِجْحَافُ السَّنَةِ الشَّدِيدَةِ بِالْمَال.

قال اللَّيْث: إِذَا أَصابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ شَدِيدَةٌ فأَجْحَفَتْ بالمَال وأَهْلَكَتْ ذَواتِ الأَرْبَعِ قيل: قد حشَرَتْهُم السَّنَةُ، تَحشُرُهم وتَحْشِرهم. وذلك أَنَّهَا تَضُمُّهم من النَّواحِي إِلى الأَمْصَارِ.

وحَشَرَت السَّنَةُ مالَ فُلانٍ: أَهلكتْه.

وفي الأَساس: حشَرتْهُم السَّنَةُ: أَهْبَطَتْهُم إِلَى الأَمْصار.

وقال أَبُو الطَّيِّب اللُّغوِيُّ في كِتَاب الأَضْدَاد: وحشَرَتْهُم السَّنَةُ حَشْرًا، إِذا أَصابهُم الضُّرُّ والجهْد، قالَ: ولا أُرَاه سُمِّيَ بِذلِك إِلّا لانْحِشَارِهم مِنَ البَادِيَة إِلى الحَضَر، قال رُؤْبَةُ:

وما نَجَا مِنْ حَشْرهَا المَحْشُوشِ *** وَحْشٌ ولا طَمْشٌ من الطُّمُوشِ

ومن المَجاز: حُشِرَ فُلانٌ في ذَكرِهِ وفي بطْنِه وأُحْثِلَ فِيهِمَا، إِذا كَانَا ضَخْمَيْن مِنْ بَيْنِ يَديْه، نقلَه الأَزهريّ من النَّوادِرِ. وفي الأَساس: حُشِرَ فُلانٌ في رَأْسِهِ إِذا اعْتَزَّه ذلِك وكَان أَضْخَمَه أَي عَظِيمَه، وكذا كُلُّ شَيْ‌ءٍ من بَدنِه، كاحْتَشَر، وهذِه عنِ الصَّاغانِيّ.

والحاشِرُ: اسمٌ للنبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، لأَنهُ يَحْشُر النّاسَ خَلْفَه وعلى مِلّتِه دُونَ مِلَّة غَيْره، قاله ابنُ الأَثِير.

والحَشَّار، كَكَتَّان: موضع نقله الصَّاغانِيّ.

وسَالمُ بنُ حرْمَلَةَ بْنِ زُهَيْرِ بْن عَبدِ الله بْنِ حَشْرٍ، بفتح فسكون، العَدَوِيّ.

وعتَّابُ بن سُلَيْم بن قَيس بن خالد بْنِ أَبِي الحَشْرِ: صَحَابِيَّان. الأَخِيرِ أَسلَم يَوْمَ الفَتْح وقُتِلَ يومَ اليَمامَةِ. وجَدُّه أَبو الحَشْر هو مُدْلِجُ بنُ خَالِد بْنِ عَبْدِ مَنَاف.

وعن الأَصْمعِيّ: الحشَراتُ والأَحراشُ والأَحناشُ وَاحِدٌ، وهي الهوَامُّ، ومنه‌حَدِيثُ الهِرَّة: «لم تَدعْها فتَأْكُلَ من حشَرَاتِ الأَرضِ» أَو الدَّوابُّ الصِّغَارُ، كاليَرَابِيعِ والقَنَافِذِ والضِّبابِ ونَحْوِهَا، وهو اسْمٌ جامِعٌ لا يُفْرَدُ، الواحد كالحَشَرَةِ، مُحرَّكةً فيهما؛ أَي في هَوَامِّ الأَرْضِ ودَوَابِّهَا.

ويَقُولون: هذا من الحَشَرَةِ، ويجْمعُون مُسَلَّمًا، قال:

يا أُمَّ عمْروٍ مَنْ يَكُنْ عُقْرَ *** حِوَاءُ عَدِيٍّ يَأْكُلِ الْحشَرَاتِ

والحَشَرَاتُ: ثِمَارُ البَرِّ، كالصَّمْغِ وغَيْرِه.

والحَشَرَةُ أَيْضًا؛ أَي بالتَّحْرِيك: القِشْرَةُ الَّتِي تَلِي الحَبَّ، الجمع: الحَشَرُ، قَالَهُ أَبو حَنِيفَةَ. وَرَوَى ابنُ شُمَيْلٍ عَنْ أَبي الخَطَّاب قال: الحَبَّة عليها قِشْرَتانِ، فَالَّتِي تَلِي الحَبَّةَ الحَشَرَةُ، قال: وأَهلُ اليَمن يُسَمُّونَ اليومَ النُّخَالةَ الحَشَرَ، والأَصل فيه ما ذَكرْت، والَّتِي فَوْقَ الحَشَرة القَصَرَةُ. و‌في الحَدِيثِ: «لَمْ أَسْمَع لِحَشَرةِ الأَرضِ تَحْرِيمًا». قِيل: الصَّيْدُ كُلُّه حَشَرةٌ، سواءٌ تَصَاغَرَ أَو تَعاظَمَ، أَو الحَشَرَةُ: ما تَعَاظَمَ مِنْهُ؛ أَي منَ الصَّيْدِ، أَوْ ما أُكِلَ منْه، هكذا في سائِرِ النُّسَخ، وهو يَقْتَضِي أَن يكُونَ الضَّمِيرُ راجِعًا للصَّيْد ولَيْس كذلك، والّذِي صَرَّح به في التَّهْذِيب والمُحْكَم أَنّ الحَشَرةَ كُلُّ ما أُكِلَ من بقْلِ الأَرْض، كالدُّعاعِ والفَثِّ، فليُتَأَمَّلْ.

والحَشَرُ، مُحَرَّكَةً: النُّخَالَةُ، بلُغَة أَهْلِ اليَمَن، كما تَقدَّمَت الإِشَارةُ إِليْه.

والحُشُر، بضَمَّتَيْن، في الْقِشْرة، لُغَيَّةٌ.

والحَشْورَةُ مِنَ الخَيْلِ، وكَذلك مِن النَّاسِ، كما صَرَّحَ بِهِ الإِمَامُ أَبو الطَّيِّب اللُّغَوِيُّ: المُنْتَفِخُ الجَنْبَيْنِ وفَرَسٌ حَشْوَرٌ.

والحشْورَةُ: العجُوزُ المُتَظَرِّفَةُ البَخِيلَةُ، والحَشْورَةُ أَيْضًا: المرْأَةُ البطِينَةُ، وكذلك من الرِّجَالِ، يقال: رَجُلٌ حَشْوَرٌ وحَشْوَرَةٌ. قال الراجز:

حَشْوَرَةُ الجَنْبَيْنِ مِعْطَاءُ القَفَا

والحَشْورَةُ: الدَّوَابُّ المُلَزَّزَةُ الخَلْقِ الشَّدِيدتُه، الواحِدُ حَشْوَرٌ كجرْولٍ. ورَجلٌ حَشْوَرٌ: ضَخْمٌ عَظِيمُ البَطْنِ، وذَكَره الإِمامُ أَبو الطَّيِّب في كتَابِه وعَدَّه من الأَضْداد وكأَنّ المُصَنِّف لم يرَ بيْنَ الضَّخَامةِ وعِظَمِ البَطْنِ وتَلَزُّزِ الخَلْق ضِدِّيَّةً، فليُتَأَمَّلْ. ووَطْبٌ حَشِرٌ، ككَتِفٍ: بَيْن الصَّغيرِ والكَبِيرِ، عن ابْنِ دُريْد. وقال غيرُه: هو الوِسخ، وذكره الجَوْهَرِيّ بالجيمِ.

* ومما يُسْتَدْرَك عليه:

الحَشْرُ: السَّوْقُ إِلَى جهَة. ويَوْمُ الحَشْر: يومُ القِيَامةِ.

وسُورَةُ الحَشْر مَعْرُوفَةٌ، وهُمَا مَجازانِ. والحَشْرُ: الخُرُوجُ مَع النَّفِير إِذَا عَمّ. ومِنْهُم مَنْ فَسَّرَ به الحديثَ الَّذِي تَقَدَّم «انْقَطَعَتِ الهِجْرَةُ إِلّا مِن ثَلَاثٍ» إِلى آخره. والحَشْرُ، المَوْتُ. قال الأَزهرِيُّ: في تَفْسِير قَولِ الله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال بعضهم: حَشْرُها: مَوْتُها في الدُّنْيا. وقرأْتُ في كتاب الأَضْدَادِ لأَبي الطَّيِّب اللُّغَوِيّ ما نَصُّه: وزَعَمُوا أَنَّ الحَشْرَ أَيضًا الموْتُ.

أَخبرنا جعفَر بنُ مُحمَّد، قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَن الأَزْدِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم عن أَبِي زَيْدٍ الأَنْصارِيِّ، أَخبرنا قيسُ بنُ الرَّبِيعِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوق عن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عبّاس في قول الله عزّ وجلّ: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} قال: حَشْرُهَا: مَوْتُها، انتهَى.

قلْت: وقول أَكثر المُفَسِّرين تُحْشَر الوُحُوشُ كُلُّهَا وسائِرُ الدَّوابِّ حَتَّى الذُّباب لِلْقِصاص، ورَوَوْا فِي ذلك حَدِيثًا.

وقَالَ بعضُهُم: المَعْنَيانِ مُتَقَارِبَانِ، لأَنه كلَّه كَفْتٌ وجَمْعٌ.

وفي التَّهْذِيبِ: والمَحْشَرَةُ، في لُغَة اليَمَن: مَا بَقِيَ في الأَرضِ وما فِيهَا من نَبَاتٍ بعدَ ما يُحْصدُ الزَّرْعُ، فرُبَّمَا ظَهَرَ من تَحْتِه نَبَاتٌ أَخْضَرُ، فذلك المحْشَرَةُ. يقال: أَرْسَلُوا دَوَابَّهُم في المَحْشَرَةِ.

والحُشَّار: عُمَّال العُشُورِ والجِزْيَةِ، وفي حَدِيثِ وَفدِ ثَقِيفٍ «اشْتَرَطُوا أَن لا يُعْشَرُوا ولا يُحْشَروا»؛ أَي لا يُنْدَبُونَ إِلَى المَغَازِي ولا تُضْرَبُ عليهم البُعُوثُ. وقِيلَ: لا يُحْشَرُون إِلى عَامِل الزَّكاةِ ليأْخُذَ صَدَقَةَ أَمْوَالِهِم، بلْ يَأْخُذُها في أَمَاكِنِهم.

وأَرْضُ المَحْشَر: أَرضُ الشَّامِ. ومِنْه الحدِيثُ « [نارٌ] تَطْرُدُ الناسَ إِلى مَحْشَرِهِم» أَي الشام.

وأُذُنٌ مَحْشُورَةٌ، كالحَشْرِ.

وفَرسٌ حَشْوَرٌ: كجرْوَلٍ: لَطِيفُ المَقَاطِعِ.

وكُلُّ لَطيفٍ دَقِيقٍ حَشْرٌ. وسَهْمٌ مَحْشُورٌ وحَشْرٌ: مُسْتَوِي قُذَذِ الرِّيشٍ وفي شعر أَبي عُمَارَةَ الهُذَلِيّ:

وكُلُّ سَهْمٍ حَشِرٍ مَشُوفِ

ككَتِفٍ؛ أَي مُلْزَقٌ جَيِّدُ القُذَذِ والرِّيشِ.

وحَشَر العُودَ حَشْرا: بَرَاهُ.

والحَشْرُ: اللَّزِجُ في القَدَحِ مِنْ دَسَمِ اللَّبَنِ.

وحُشِرَ عَنِ الوَطْبِ، إِذَا كَثُرَ وَسخُ اللَّبَنِ عَلَيهَ فقُشِرَ عَنْه، رواه ابنُ الأَعرابيّ.

والمُحَشَّر، كمُعَظَّم: ما يُلْبَسُ كالصِّدَارِ.

وحَشْرٌ، بفَتْح فَسُكُون: جُبَيْلٌ من دِيار سُلَيْم عند الظَّرِبَيْن اللَّذَين يقال لهما الإِشْفَيانِ.

وأَبو حَشْرٍ رَجُلٌ من العَرَب.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


172-تاج العروس (نير)

[نير]: النِّيرُ، بالكسْر: القَصَبُ والخُيُوطُ إِذا اجتمعَتْ.

والنِّيرُ: العَلَم. وفي الصحَاح: عَلَمُ الثَّوْبِ، قال ابن سيده: الجمع: أَنْيارٌ، وفي حديث عُمَر «أَنَّه كَرِهَ النِّيرَ» وهو العَلمُ في الثَّوْب. ورُوي عن ابن عُمَرَ أَنّه قال: «لوْلا أَنّ عُمَرَ نَهَى عن النِّير لم نَرَ بالعَلَم بَأْسًا ولكنه نَهَى عن النِّير» وهي الخُيُوطةُ والقصَبَةُ إِذا اجتمَعَتا، فإِذا تَفَرَّقَتَا سُمِّيَت الخُيوطَةُ خُيُوطةً، والقَصَبَةُ قَصَبَةً، وإِنْ كانت عَصَا فعَصًا.

ونِرْتُ الثَّوْبَ، بكسر النون، أَنِيرُه نَيْرًا، بالفتح، ونَيَّرْتُه وأَنَرْتُه وهَنرْتُهُ أُهَنِيرُه إِهْنارَةً وهو مُهَنَارٌ، على البدَل، حكى الفعلَ والمصدَرَ اللِّحْيَانيّ عن الكسَائيّ: جَعَلْت لهُ نِيرًا؛ أَي عَلَمًا.

والنِّيرُ: هُدْبُ الثَّوْبِ، عن ابن كَيْسَان، وأَنشدَ بيت امرئِ القَيْس:

فقُمْتُ بهَا تَمْشِي تَجُرُّ وَراءَنَا *** على أَثَرَيْنا نِيرَ مِرْطٍ مُرَجَّلِ

وقال الجوهريّ: نِيرُ الثَّوبِ: لُحْمَتُه، وقد أَنارَه ونَيَّرَه، إِذا أَلْحَمَه. والنِّير أَيضًا: الخَشبةُ المُعترِضَة التي على عُنُق الثَّوْر بأَدَاتها، ج: أَنْيارٌ. ونِيرَانٌ، شاميّة، وفي التهذيب: على عُنُقَيِ الثَّوْرَيْن المَقرْونَين للحِرَاثة، وهو نِيرُ الفَدّان.

ومن المجَاز: النيِّر: جانبُ الطَّرِيقِ وصَدْرُه، تشبيهًا بعَلَم الثَّوْبِ. أَوْ أَخْدُودٌ وَاضِحٌ في الطَّريق، قاله ابنُ سيدَه.

وقيل: نِيرُ الطّرِيق: ما يَتَّضِح منه. وقال الأَزهريّ: الطُّرَّةُ من الطَّريق تُسَمَّى النِّيرَ، تَشْبيهًا بنِيرِ الثَّوْب، وهو العَلَمُ في الحاشِيَة، وأَنشدَ بعضُهم في صِفةِ طَريق:

على ظَهْرِ ذي نِيرَيْن أَمَّا جَنَابُه *** فوَعْثٌ وأَمَّا ظَهْرُه فمُوَعَّسُ

والنِّيرُ: قرية ببَغْدادَ، منها أَبو جَعْفرٍ أَحمدُ بنُ عبد الله بن أَحمدَ بن العَبّاس بن سالم بن مِهْرانَ البَزَّازُ البَغْدَاديّ المُحَدّث عن أَبي سَعيد الأَشَجّ، وعنه ابنُ شاهين وابنُ المُظفّر، مات سنة 325.

وقال الجَوْهَريّ: النِّيرُ: جَبَلٌ لبني غاضِرة، وأَنشدَ الأَصمَعيّ:

أَقْبَلْنَ مِن نِيرٍ ومن سُوَاجِ *** بالقَوْم قد مَلُّوا من الإِدْلاجِ

قلْت: وهو بأَعْلى نَجْدٍ، شرقيّةُ لَغنيّ بن أَعْصُر وغَربيّةُ لغاضرَة، وهو ابن صَعْصَعَةَ بن مُعَاوية بن بَكْر بن هَوَازن، وحِذاءَه الأَحساءُ، بوَادٍ يقال له [ذو] بِحَارٍ. وقال أَبو هِلال الأَسديّ، وفيه دلالة على أَنه لغاضرَةِ أَسَدٍ:

أَشَاقَتْكَ الشَّمَائلُ والجَنُوبُ *** ومِن عَلْوِ الرِّيَاحِ لها هُبُوبُ

أَتَتْك بنَفْحَةٍ من شِيحِ نَجْدٍ *** تَضَوَّعَ والعَرَارُ بها مَشُوبُ

وشِمْت البارِقاتِ فقُلْت جِيدَت *** جِبَالُ النِّيرِ أَو مُطِرَ القَلِيبُ

وبالنِّيرِ قَبْرُ كُلَيْبِ بن وَائل، على ما أَخبرَنَا بعضُ طيّئٍ [على] الجَبَليْن قال: وهو قُرْبَ ضَرِيَّة. قاله ياقوت.

وثَوْبٌ مُنَيَّرٌ، كمُعَظَّم: مَنْسُوجٌ على نِيرَيْن، عن اللِّحْيَانيّ؛ أَي على خَيْطيْن، وهو الذي فارسيَّتُه، دُو بُود فبُود: الخَيْط ودُو الاثنين، وعَرَّبُوه فقالُوا: دَيابُوذُ. وقد تَقدّم في الذال المعجمة، ويقال له أَيضًا بالفارسيَّة: دُوباف [ويقال له] في النَّسْج: المُتاءَمَةُ، وهو أَن يُنَارَ خَيْطانِ معا ويُوضَع على الحَفَّة خَيطانِ وأَمّا ما نِيرَ خَيْطًا وَاحدًا فهو المُسْحَلُ فإِذا كان خيطٌ أَبيضَ وخيطٌ أَسودَ فهو المُقَاناةُ، وإِذا نُسِجَ على نِيرَيْن كان أَصْفَقَ وأَبْقَى.

ومن المَجاز: ناقَةٌ ذاتُ نِيرَيْنِ وأَنْيَارٍ: مُسِنَّة وفيها بَقِيَّةٌ، وربما استُعْمل في المَرْأَة، وقيل: ناقةٌ ذاتُ نِيرَيْن، إِذا حَمَلَت شَحْمًا على شَحْم كان قَبلَ ذلك، وأَصلُ هذا من قَولهم: ثَوبٌ ذو نِيرَيْن، إِذا نُسِجَ على خَيْطَيْن. وفي الأَساس: ناقةٌ ذاتُ نِيرَيْن وأَنْيَارٍ: عليها سَحَائفُ من شَحْم. وفي التكملة: ناقةٌ ذاتُ أَنْيَار؛ أَي كَثِيفةُ اللَّحْمِ.

وفي كلام المصنّف قُصُورٌ من وُجُوه.

وَأَنارَ به: صاتَ به، نقله الصاغانيّ.

والمُنَيَّرُ، كمُعَظَّم: الجِلْدُ الغَلِيظُ المَتِين، كالثَّوْب ذي النِّيرَيْن، وهو مَجازٌ.

وأَبُو بُرْدَةَ هانىُّ بنُ نِيَار بن عَمْرو، ككِتَاب، من قُضَاعَة، حَلِيفُ الأَنصارِ، وهو خالُ البَرَاءِ بن عازب، ونِيَارُ بن ظالم بن عَبْسٍ، شهِدَ أُحُدًا مع أَبيه، ونِيَارُ بنُ مَسعود بن عَبَدَة، قال الطّبريّ: شَهدَ أُحُدًا مع أَبيه. ونِيَارُ بن مُكْرَمٍ الأَسْلَميّ ضُبِطَ والدُه بكسْر الرّاءِ وبفتْحها، ونِيَارٌ هذا أَحدُ مَنْ دَفَن عُثمانَ في اللَّيْل، وله رِوَايَةٌ، صحابيُّون.

ومن المَجاز: هذا أَنْيَرُ منْهُ؛ أَي أَوْضَحُ منه، هنا ذَكرَه الصّاغانيُّ، وصَوابُ ذِكْرِه في الواو، لأَنّ ياءَه مُنقلبة عن وَاوٍ، وقد أَشرْنا إِليه هناك.

وبَيْنَهُم مُنايَرَةٌ؛ أَي شَرٌّ، هكذا نقله الصّاغانيّ، والذي في اللّسَان: النائرةُ: الحِقْد والعَدَاوة. وقال اللَّيْث: النائرَة الكائنة تَقَعُ بينَ القَوْم. وقال غيرُه: بينهم نائرةٌ؛ أَي عَدَاوة.

قلْت: وقد تَقَدّم للمصنّف في «ن أَ ر»: نَأَرَتْ نائِرَةٌ: هاجت هائجَةٌ، وهو يُشير إِلى ما قاله اللّيث، وهَمزتُها منقلِبة عن الياءِ.

* وممّا يستدرك عليه:

النَّيْر، بالفتح، لغة في الكسْر، وقال بَعضُ الأَغْفال:

تَقسِمُ اسْتِيًّا لها بنَيْرِ *** وتَضْرِبُ النَّاقُوسَ وَسْطَ الدَّيْرِ

وعن ابن الأَعْرَابيّ: يقال للرّجل: نِرْنِرْ، إِذا أَمَرْتَه بعَمَل عَلَمِ الْمِنْدِيل.

والنِّيرَة، بالكسْر: من أَدَوَات النَّسَّاج يَنْسِج بها، وهي، الخَشبَةُ المُعْترِضة. ويقال للرَّجُل: ما أَنت بسَتَاةٍ ولا لُحْمَة ولا نِيرَةٍ يُضْرَب لمَن لا يَضُرّ ولا يَنفَع. ويقال: لسْت في هذا الأَمْرِ بمُنِيرٍ ولا مُلْحِم. ويقال: هو يُسْدِي الأُمورَ ويُنِيرُها. وهو مَجازٌ. وقال الكُمَيْت:

فما تأْتُوا يكُنْ حَسَنًا جَميلًا *** وما تُسْدُوا لِمَكْرُمَة تَنِيرُوا

يقول: إِذا فَعلْتم فِعْلًا أَبْرَمْتُموه، وأَنشدَ ابنُ بُزُرْج:

أَلمْ تَسْأَل الأَحْلافَ كيفَ تَبَدَّلُوا *** بأَمْرٍ أَنَارُوه جَميعًا وأَلْحَمُوا

يقال: نائرٌ، ونَارُوهُ، ومُنِيرٌ، وأَنَارُوهُ.

ويقال: رَجلٌ ذو نِيرَيْنِ، إِذا كان قُوَّتُه وشِدَّتُه ضِعْفَ شِدّةِ صاحبِه. وهو مَجاز. وفي الأَساس رجلٌ ذو نِيرَيْن: شَدِيدٌ مُحْكَم، وكذلك رأْيٌ ذو نِيرَيْن، إِذا كان سَديدًا. ويقال للحَرْب الشَّديدة: ذاتُ نِيرَيْن، وهو مَجاز، قال الطِّرِمّاح:

عَدَا عن سُليْمى أَنّني كُلَّ شارِقٍ *** أَهُزُّ لحَرْبٍ ذاتِ نِيرَيْنِ أَلَّتِي

والنائِرُ: المُلْقِي بين الناسِ الشُّرُورَ.

وأَبو حامدٍ أَحمدُ بن عَليّ بن نَيّار، كشدّاد، محدّث.

وأُطُمُ نِيَارٍ، ككِتاب، بالمدينة في بيوتِ أَبي مَجْدَعةَ من الأَنصار، نُسِبَت إِلى والد أَبي بُرْدَة المذكور.

وأَبو الحَسن عليّ بن محمّد بن الحَسن بن الَّنيَّار، كشدّاد، البغداديّ، شيخُ الشيوخ، رَوَى عنه الدِّمياطيُّ، ذُبحَ بدار الخلافة في وَقْعة التّتار. والمُنَيِّر، كمحَدِّث: لَقَبُ شيخِنا الصُّوفيّ المعمَّر محمَّد بن أَحمد بن حسن السَّمَنُّوديّ، لقي أَبا العِزّ العَجَميّ، وسَمعَ على أَبي عبد الله محمّد بن شرَفِ الدّين الخَليليّ، وتلَا بالسَّبْع على محمّد البَقَريّ.

ونَيْرُوه، بالفتح فالسكون: من قِلَاعِ ناحيةِ الزَّوَزان لصاحب المَوْصل.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


173-تاج العروس (عز عزز عزعز)

[عزز]: عَزَّ الرَّجلُ يَعِزّ عِزًّا وعِزَّةً، بكَسْرِهما، وعَزَازَةً، بالفَتْح: صار عَزِيزًا، كتَعَزَّزَ، ومنه الحديث قال لعائشة: «هل تَدْرِين لمَ كانَ قَوْمُك رَفَعُوا بابَ الكَعْبَةِ، قالت: لا، قال: تَعَزُّزًا لا يدخُلُهَا إِلاَّ مَنْ أَرادُوا»؛ أَي تَكَبُّرًا وتَشدُّدًا على الناس، وجاءَ في بعض نُسَخ مُسْلِم: تَعَزُّرًا، بالرّاءِ بعد الزّاي من التَّعْزِير وهو التَّوقِيرُ. وقال أَبو زَيْد: عَزَّ الرَّجل يَعِزّ عِزًّا وعِزَّةً، إِذ قَوِيَ بعد ذِلَّةٍ وصار عَزِيزًا. وأَعَزّه الله تعالى: جَعَلَه عَزِيزًا وعَزَّزَه تَعْزِيزًا كذلك، ويقَال: عَزَزْتُ القَوْمَ وأَعزَزْتُهم وعَزَّزْتُهُم قَوَّيتُهُم وشَدَّدْتُهُمْ وفي التَّنزِيل: فَعَزَّزْنا {بِثالِثٍ} أَي قَوَّيْنَا وشَدّدَنا» وقد قُرِئَت: فعَزَزْنَا بالتَّخفِيفِ كقولك: شَدَدنا. والعِزّ في الأَصْل القُوَّةُ والشِّدّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاعُ. وفي البَصَائِر: العِزَّةُ: حالةٌ مانِعَةٌ للإِنْسَان من أَن يُغْلَبَ، وهي يُمْدَح بها تَارَةً، ويُذَمّ بها تَارَةً، كعِزَّة الكُفَّار {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي} عِزَّةٍ {وَشِقاقٍ} ووَجْهُ ذلك أَنَّ العِزَّةُ لله ولِرسُولِه، وهي الدّائِمَة البَاقِيَة، وهي العِزّة الحَقِيقِيّة، والعِزّةُ التي هي للكُفّار هي التَّعَزُّز، وفي الحَقِيقَة ذُلّ لأَنّه تَشَبُّع بما لم يُعْطَه، وقد تُسْتَعَار العِزّة للحَمِيَّة والأَنَفَة المَذْمُومة، وذلِك في قَوْله تَعَالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ} الْعِزَّةُ (بِالْإِثْمِ).

وعَزَّ الشّيْ‌ءُ يَعِزّ عِزًّا وعِزَّةً وعَزَازَة: قَلَّ فلا يَكَادُ يُوجَد، وهذا جامِعٌ لكَلّ شَيْ‌ء، فهو عَزِيزٌ قَلِيلٌ. وفي البَصَائِر: هو اعْتِبَار بما قِيل: كُلّ مَوْجُودٍ مَمْلُولَ وكُل مَفْقُودٍ مَطْلُوبٌ، الجمع: عِزَازٌ، بالكَسْرِ، وأَعِزَّةٌ وأَعِزَّاءُ. قال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أَعِزَّةٍ {عَلَى الْكافِرِينَ}؛ أَي جَانِبهُم غَلِيظٌ على الكَافِرِين، لَيّنٌ على المُؤْمِنِين، وقال الشاعر:

بِيضُ الوُجُوهِ كَريمَةٌ أَحْسَابُهُم *** في كلِّ نائِبَةٍ عِزَازُ الآنُفِ

ولا يُقال عُزَزَاءُ، كَراهِيَةَ التَّضْعِيف، وامْتِنَاع هذا مُطَّرِد في هذا النَّحْو المُضَاعَف. قال الأَزْهَرِيّ: يَتَذَلَّلُون للمُؤْمِنين وإِن كَانُوا في شَرَفِ الأَحْسَاب دُونَهُم.

وعَزَّ المَاءُ يَعِزُّ، بالكَسْر؛ أَي سَالَ وكَذلك هَمَى وفَزَّ وفَضّ. وعَزّت القَرْحَةُ تَعِزّ، بالكَسْر، إِذا سَالَ مَا فِيهَا ويقال: عَزَّ عَلَيَّ أَن تَفْعَلَ كذا، وعَزّ عليّ ذلِك؛ أَي حَقَّ واشْتَدّ وشَقّ، وكذا قَولهم: عَزّ عَلَيَّ أَن أَسوءَك؛ أَي اشتَدّ، كما في الأَسَاس، يَعِزّ ويَعَزّ، كيَقِلّ ويَمَلّ؛ أَي بالكسر وبالفَتْح، يقال: عَزّ يَعَزُّ، بالفَتْح، إِذا اشْتَدَّ.

وعَزَزْتُ عليه أَعِزّ، من حَدّ ضَرَب؛ أَي كَرُمْت عليه، نقله الجوهريّ.

وأُعْزِزْتُ بما أَصابَكَ، بالضّمّ؛ أَي مَبْنِيًّا للمَجْهُول؛ أَي عَظُم عَلَيّ. ويقال: أَعزِزْ عَلَيَّ بذلك؛ أَي أَعْظِمْ، ومعناه عَظُمَ عَلَيّ، ومنه‌ حَدِيث عَلِيّ رَضِيَ الله عنه لمَّا رَأَى طَلْحَةَ قَتِيلًا قال: «أَعزِزْ عَلَيَّ أَبا محمَّد أَنْ أَرَاك مُجَدَّلًا تحتَ نُجُومِ السَّمَاءِ».

والعَزُوزُ، كصَبور: النّاقَةُ الضَّيِّقَةُ الإِحْلِيل لا تَدِرّ حتى تُحلَب بِجهْد، وكذلك الشَّاة، الجمع: عُزُزٌ، بضمَّتَيْن، كصَبُور وصُبُر، ويقولون: ما العَزُوز كالفَتُوح، ولا الجَرُور كالمَتُوح؛ أَي لَيْسَت الضَّيِّقَة الإِحْلِيلِ كالواسِعَتِه، والبَعِيدةُ القَعْرِ كالقَرِيبَتِه، وقد عَزَّتْ تَعُزُّ، كمَدَّ يَمُدُّ، عُزُوزًا، كقُعُود، وعِزَازًا، بالكَسْر، وعَزُزَت، ككَرُمَت، قَال ابنَ الأَعْرَابِيّ: عَزُزَت، الشَّاةُ والنَّاقَةُ عُزُزًا شَدِيدًا، بضَمَّتَيْن، إِذا ضاقَ خَلِفُهَا ولها لَبَنٌ كَثِيرٌ. قال الأَزهَرِيُّ: أَظهَر التَّضْعِيف في‌ عَزُزَتْ، ومِثْلُه قَلِيل، وقد أَعَزَّت، إِذا كانَتْ عَزُوزًا، وكذلِك تَعَزَّزَت، والاسم العَزَز والعَزَازُ.

وعَزّه يَعُزّه عَزًّا كمَدَّه: قَهَرَه وغَلَبهَ في المُعَازَّةِ؛ أَي المُحَاجَّةِ. قال الشاعِرُ يَصِف جَمَلًا:

يَعُزُّ على الطَّرِيق بمَنْكِبَيْه *** كما ابتَرَكَ الخَلِيعُ على القِدَاحِ

أَي يَغْلِب هذا الجَمَلُ الإِبلَ على لُزُوم الطَّرِيقِ، فشَبَّهَ حِرْصَه عليه وإِلحَاحَه في السَّيْر بِحِرْص هذا الخَلِيعِ على الضَّرْب بالقِدَاحِ لعلّه يَسْتَرْجِع بعضَ ما ذهب من مالِه، والخَلِيع: المَخْلُوع المَقْمُور مالَه. والاسم العِزَّة، بالكَسْر، وهي القُوَّة والغَلَبة، كعَزْعَزَه عَزْعَزَةً. وعَزَّه في الخِطَابِ؛ أَي غَلَبَه في الاحْتِجَاج، وقيل: غَالَبَه كعَازَّه مُعَازَّةً، وقوله تعالى: {وَ} عَزَّنِي {فِي الْخِطابِ} أَي علبنِي، وقُرِئَ: وعَازَّنِي؛ أَي غَالَبَنِي، أَو عَزَّنِي: صَارَ أَعزَّ مِنّي في المُخَاطَبة والمُحَاجَّة، ويقال: عَازَّني فعَزَزْتُه؛ أَي غَالَبَنِي فغَلَبْتُه، وضَمّ العَيْنِ في مثل هذا مُطَّرِدٌ ولَيْس في كلّ شيْ‌ءٍ يُقَال فاعَلَني فَفعَلْتُه.

والعَزّة، بالفَتْح: بِنْتُ الظَّبْيَة، وقال الراجز:

هَانَ على عَزَّةَ بِنْتِ الشَّحّاجْ *** مَهْوَى جِمَالِ مالِكٍ في الإِدْلَاجْ

وبهَا سُمِّيَت المَرْأَة عَزَّة، وهي بنتُ جَمِيل الكِنانِيّة صاحِبة كُثَيِّر، وجَمِيلٌ هو أَبو بَصْرة الغِفَارِيّ.

والعَزَازُ، كسَحَاب: الأَرْضُ الصُّلْبَةُ، وفي كِتَابِه صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم لوَفْدِ هَمْدانَ: «علَى أَنّ لهم عَزَازَها» وهو ما صَلُبَ من الأَرْض وخَشُنَ واشتَدَّ، وإِنَّمَا يَكُون في أَطْرافهَا، ويقال: العَزَاز: المَكَانُ الصُّلبُ السَّرِيعُ السَّيْلِ. قال ابنُ شُمَيْل: العَزَازُ: ما غَلُظَ من الأَرْض وأَسْرَعَ سَيْلُ مَطَرِه، يكونُ من القِيعَانِ والصَّحاصِح وأَسْنادِ الجِبَالِ والآكامِ وظُهُورِ القِفَافِ. قال العَجّاج:

من الصَّفَا العَاسِي ويَدْهَسْنَ الغَدَرْ *** عَزَازَهُ ويَهْتَمِرْن مَا انْهَمَرْ

وقال أَبو عَمرو في مَسايِلِ الوَادِي: أَبعَدُهَا سَيْلًا الرَّحَبَةُ، ثمّ الشُّعْبَةُ، ثمّ التَّلْعَة، ثمّ المِذْنَبُ ثمّ العَزَازَةُ. وفي الحَدِيث «أَنَّه نَهَى عن البَوْل في العَزَاز» لئلًا يَتَرشَّشَ عليه.

وفي حَدِيث الحَجَّاج في صِفَة الغَيْث: وأَسَالت العَزَازَ.

وأَعَزَّ الرَّجلُ إِعْزَازًا: وَقَعَ فيها؛ أَي في أَرْضٍ عَزَازٍ وسارَ فيها، كما يُقَال أَسْهَلَ، إِذا وَقَع في أَرْضٍ سَهْلَةٍ.

وعن أَبِي زَيد: أَعَزَّ فُلانًا: أَكْرمَه وأَحَبَّه، وقد ضَعَّفَ شَمِرٌ هذِه الكلمةَ عن أَبي زَيْد.

وعن أَبي زَيْد أَيضًا: أَعَزَّت الشَّاةُ من المَعْزِ والضَّأْن، إِذا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وعَظُمَ ضَرْعُهَا، قال: وكذلِك أَرْأَتْ ورَمَّدَتْ واضْرَعَت، بمعنًى وَاحِدٍ. وأَعَزَّت البَقَرَةُ إِذا عَسُرَ حَمْلُهَا وقال ابنُ القَطَّاع: ساءَ حَمْلُهَا.

وعَزَاز، كسَحَاب: موضع باليَمَن. وعَزَاز: بلد بالرِّقّة قُرْبَ حَلَبَ شَمَاليَّها. قالوا: إِذا تُرِكَ تُرَابُها على عَقْربٍ قَتَلَهَا بالخَوَاصّ، فإِن أَرضَها مُطلْسمه، وقد نسِب إِليها الشِّهَابُ العَزَازِيّ أَحدُ الشّعراءِ المُجِيدِين، كان بعدَ السَّبْعِمائَة، وقد ذَكَرَه الحَافِظُ في التَّبْصِير.

والعَزَّاءُ، بالمدّ: السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ، قال:

ويَعْبِطُ الكُومَ في العَزَّاءِ إِن طُرِقَا

ويقال: هُوَ مِعْزازُ المَرَضِ، كمِحْرَاب؛ أَي شَدِيدُه.

والعُزَّى، بالضَّمّ: العَزِيزَةُ من النِّساءِ وقال ابنُ سِيدَه: العُزَّى تَأْنِيث الأَعَزّ، بمنزلة الفُضْلَى من الأَفْضَل، فإِن كان ذلك فاللامُ في العُزَّى ليست بزائِدَة، بل هي فِيهِ على حَدّ اللاّم في الحَارِث والعَبَّاس، قال: والوَجْهُ أَن تكُون زائِدَةً، لأَنَّا لم نَسْمَع في الصِّفَات العُزَّى، كما سَمِعْنَا فيها الصُّغْرَى والكُبْرَى.

وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَ} الْعُزّى جاءَ في التَّفْسِير أَنّ الَّلاتَ صَنَمٌ كان لِثَقِيف، والعُزَّى: صَنَمٌ كان لُقرَيْش وبَنِي كِنَانَةَ، قال الشاعر:

أَمَا ودِمَاءٍ مَائِرَاتٍ تَخالُهَا *** على قُنَّةِ العُزَّى وبِالنَّسْرِ عَنْدَمَا

أَو العُزَّى: سَمُرَةٌ عَبدَتْهَا غَطَفانُ بنُ سَعْدِ بنِ قَيْس عَيْلان، أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَها منهم ظَالِمُ بنُ أَسعَد، فوقَ ذات عِرْق إِلى البُسْتَان بتِسْعَة أَميال، بالنَّخْلَة الشّامِية، بقرب مكّة، وقيل بالطَّائف، بَنَى عليها بَيْتًا وسَمَّاه بُسًّا، بالضَّمّ، وهو قَولُ ابنِ الكَلبِيّ، وقال غيره: اسمُه بُسّاءُ، بالمَدّ كما سَيَأْتِي، وأَقامُوا لها سَدَنَة مُضاهَاةً للكَعْبَة، وكانُوا يَسْمَعُون فيها الصَّوْتَ، فبَعَث إِليها رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم خَالِدَ بنَ الوَلِيد رَضِيَ الله عنه عامَ الفَتْح، فهَدَم البَيْتَ، وقتل السادِنَ وأَحْرَقَ السَّمُرَةَ.

وقرَأْتُ في شَرْح دِيوانِ الهُذَلِيّين لأَبِي سَعِيد السُّكَّريّ ما نَصُّه: أَخبَرَ هِشَامُ بنُ الكَلبيّ عن أَبِيه عن أَبِي صَالِح، عن ابنِ عَبَّاس قال: كانت العُزَّى شَيْطَانةً تأْتي ثَلاثَ سَمُرَات ببَطْن نَخْلَة فلما افتَتَح النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم مَكَّةَ بعَثَ خالدَ بنَ الوَلِيد فقال: ائْتِ بَطْنَ نَخْلَةَ، فإِنك تَجِدُ بها ثَلاثَ سَمُرَّاتٍ، فاعْضِد الأُولَى، فأَتَاهَا فعَضدَها، ثم أَتَى النَّبِيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، فَقَال: هل رأَيتَ شَيْئًا: قال: لا، قال: فاعْضِد الثَّانِيَة، فَأَتَاهَا فعَضَدَها، ثم أَتَى النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، فقال: هل رأَيتَ شَيْئًا؟ قال: لا، قال: فَاعْضِد الثَّالِثَةَ. فأَتَاهَا، فإِذَا هو بزِنْجِيّة نَافِشَةٍ شَعرَهَا وَاضِعَةٍ يَدَيْهَا على عَاتِقها تَحْرِق بأَنْيَابها وخَلْفَها دُبَيّة السُّلَمِيّ وكان سادِنَها فَلَمَّا نظر إِلى خَالِد قال:

أَيَا عُزَّ شُدِّي شَدّةً لا تُكَذِّبِي *** على خالدٍ أَلقِي الخِمَارَ وشَمِّرِي

فإِنَّكِ إِن لمْ تَقتُلي اليومَ خالِدًا *** فبُوئِي بذُلٍّ عاجِلٍ وتَنَصَّرِي

فقال خالدٌ:

يا عُزَّ كفُرانَكِ لا سُبْحَانَكِ *** إِني وجدتُ الله قد أَهَانَكِ

ثمّ ضَرَبَهَا ففَلقَ رأْسَها، فإِذا هي حُمَمَةٌ، ثمّ عَضَدَ السَّمُرَةَ وقَتَل دُبَيَّةَ السّادِنَ، ثمّ أَتى النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم فأَخبَرَه. فقال: تِلك العُزَّى ولا عُزَّى للعَرب بَعْدَهَا أَبدًا، أَمَا إِنّها لا تُعْبَد بعدَ اليومِ أَبدًا» قال: وكان سَدَنةُ العُزَّى بني شَيْبَانَ بن جَابر بنِ مُرَّةَ، من بني سُلَيم، وكان آخِرَ مَن سَدَنها منهم دُبَيّةُ بنُ حَرَميّ.

والعُزَيْزَى، مُصَغَّرًا مَقْصُورًا ويُمَدّ: طَرَفُ وَرِكِ الفَرَسِ، أَو ما بَيْن العَكْوَةِ والجَاعِرَة، وهما عُزَيْزَيَانِ، ومن مَدّ يقول: عُزَيْزَوَانِ وقِيل: العُزَيْزَوَانِ: عَصَبَتَانِ في أُصولِ الصَّلَوَيْن، فُصِلَتا من العَجْب وأَطرافِ الوَرِكَيْن: وقال أَبو مَالِك: العُزَيْزَى: عَصَبَةٌ رَقِيقةٌ مُركّبةٌ في الخَوْرَانِ إِلى الوَرِكِ، وأَنشد في صِفَةِ فَرَسٍ:

أُمِرَّت عُزَيْزاهُ ونِيطَتْ كُرُومُه *** إِلى كَفَلٍ رَابٍ وصُلْبٍ مُوَثَّقِ

المُرَادُ بالكُرُوم رأْسُ الفَخِد المُسْتَدِير كأَنّه جَوْزَةٌ.

وسَمّت العَرَبُ عِزّانَ، بالكَسْر، وأَعزَّ، وعَزَازَةَ، بالفَتْح، وعَزُّون، كحَمْدُون، وعَزِيزًا، كأَمِير، وعُزَيْزًا كزُبَيْر، وأَعَزُّ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد السُّهْرَوَرْدِيّ البَكريّ، حدّثَ عن أَبي القاسم بنِ بَيَان وغَيرِه، مات سنة 557.

والأَعزُّ بنُ عَلِيّ بن المُظَفّر البَغْدَادِيّ الظَّهيْرِيّ، بفَتْح الظّاءِ المَنْقُوطة، أَبو المَكَارِم، رَوَى عن أَبي القَاسِم بن السَّمَرقَنْدِيّ، قيل اسمُه المُظَفّر، ووَلدُه أَبو الحَسَن عَليّ من شُيوخِ الدِّمياطيِّ، سَمِع أَباه أَبا المَكَارم المَذْكُور في سنة 83 وقد رأَيته في مُعْجَم شُيُوخِ الدِّمياطِيّ هكذا، وقد أَشَرْنَا إِليه في: ظَهْر. وأَبو نَصْر الأَعزّ بنُ فَضَائِل بن العُلَّيْق سَمِعَ شُهْدَة الكَاتِبَة، وعنه أُمّ عبد الله زَيْنَب بِنتُ الكَمَال وأَبُو الأَعزِّ قَرَاتَكِينُ، سَمِع أَبا محمّد الجَوهريّ، مُحَدِّثون.

قلْت: وفاتَه عبدُ الله بنُ أَعزّ، شيخٌ لأَبِي إِسحاقَ السَّبِيعِيّ، ذكره ابنُ مَاكُولَا. ويَحْيَى بنُ عبد الله بن أَعَزَّ، روى عن أَبي الوَقْت ذكَره ابنُ نُقْطَة. وأَعزّ بن كَرَم الحَرْبِيّ، عن يَحْيَى بن ثابت بن بُنْدار، وابنه عبد الرحمن، رَوَى عن‌ عبدِ الله بن أَبي المَجْد الحَرْبِيّ، والحَسَنُ بنُ محمّد بنِ أَكْرَم بن أَعَزَّ الموسويّ، ذكره ابنُ سَلِيم. والأَعزُّ بن قَلاقِس، شاعِرُ الإِسْكَنْدَرِيّةِ، مَدَحَ السِّلَفيّ وسَمِع منه، واسمه نَصْر، وكُنْيَتُه أَبو الفُتُوح. والأَعزّ بنُ عبد السّيّد بن عبد الكريم السُّلَميّ، رَوَى عن أَبِي طَالِب بن يُوسف، وعُمَرُ بن الأَعَزّ بن عُمر، كتبَ عنه ابنُ نُقْطَة، والأَعزّ بنُ مَأْنُوس، ذكرَه المُصَنِّف في أَنس، وأَبُو الفَضَائِل أَحمدُ بنُ عبد الوهّاب بن خَلَف بن بَدْر ابن بِنْتِ الأَعزّ العلائِيّ، وُلِد بالقاهرة سنة 648 وتوفي سنة 699 والأَعزّ الذي نُسِب إِليه هو ابن شُكْر وَزِيرُ الملكِ الكامل.

وعَزَّانُ، بالفَتْح: حِصْنٌ على الفُراتِ، بل هي مَدِينَة كانت للزَّبَّاءِ، ولأُخْتِهَا أُخرَى يقال لها عَدَّانُ. وعَزّانُ خَبْتٍ.

وعَزَّانُ ذَخِرٍ، ككَتِف: مِن حُصُون اليَمَن. قلْت: هي من حصون تَعِزّ في جبل صَبِر، وتَعِزّ كتَقِلّ: قَاعِدَةُ اليَمَنِ، وهي مَدِينَةٌ عَظِيمَةٌ ذَاتُ أَسوارٍ وقُصَور، كانَتْ دَارَ مُلْكِ بَنِي أَيُّوبَ ثمّ بَنِي رَسُولٍ من بَعْدِهِم.

ويقال: عَزْعَزَ بالعَنْزِ فلَم تَتَعَزْعَزْ؛ أَي زَجَرَهَا فلم تَتَنَحَّ، وعَزْعَزْ زَجْرٌ لها، كذا في اللّسَان والتَّكْمِلَة.

واعْتَزَّ بفُلانٍ: عَدَّ نَفْسَه عَزِيزًا به، واعتَزّ به وتَعَزَّزَ، إِذا تَشَرَّفَ، ومنه المُعْتَزُّ بالله أَبو عبد الله مُحَمَّدُ بن المُتَوَكّل العَبّاسِيّ، وُلِدَ سنة 224 وبُويِعَ له سنة 252 وتُوُفِّي في رجب سنة 255 وابنه عَبْدُ الله بنُ المُعْتَزّ الشّاعِر المَشْهُور.

واستَعَزَّ عَلَيْه المَرَضُ، إِذا اشْتَدَّ عَليْه وغَلبَه، وكذلك استعَزّ به، كما في الأَسَاس، واستعَزَّ الله به: أَمَاتَه، واستَعَزَّ الرَّمْلُ: تَمَاسَكَ فلم يَنْهَلْ وعَزَّزَ المَطَرُ الأَرْضَ، وكذا عَزَّزَ المَطَرُ منها تَعْزِيزًا، إِذا لَبَّدَهَا وشَدَّدَهَا فلا تَسُوخُ فيها الأَرجُلُ، قال العَجّاج:

عَزَّزَ مِنْه وهو مُعْطِي الإِسْهَالْ *** ضَرْبُ السَّوارِي مَتْنَه بالتَّهْتَالْ

وعَزَوْزَى، كشرَوْرَى، وضَبَطَه الصَّاغَانِيّ بضَمّ الزّاي الأُولَى: موضع بين الحَرَمَيْن الشَّرِيفَيْن، فيما يقال، هكذا قاله الصاغَانِيّ. والمَعَزَّةُ: فَرَسُ الخَمْخَامِ بن حَمَلَةَ بن أَبي الأَسود.

وعِزّ، بالكَسْر: قَلْعَةٌ برُسْتَاقِ بَرْذَعَةَ، من نَوَاحِي أَرَّانَ.

والعِزّ أَيضًا؛ أَي بالكَسْر: المَطَرُ الشَّدِيدُ، وقيل: هو العَزِيز الكَثِير الذي لا يَمْتَنِع منه سَهْلٌ ولا جَبَل إِلاّ أَسَالَه.

والأَعزّ: العَزِيزُ، وبه فُسِّر قَوْلُه تعالى: {لَيُخْرِجَنَّ} الْأَعَزُّ {مِنْهَا الْأَذَلَّ} أَي العَزِيزُ منها ذَلِيلًا. ويُقَال: مَلِكٌ أَعزّ وعَزِيزٌ بمَعْنًى وَاحِدٍ، قال الفرزدق:

إِنّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لنا *** بَيْتًا دعَائِمُه أَعَزُّ وأَطْوَلُ

اي عَزِيزةٌ طَوِيلَةٌ، وهو مثل قَوْلِه تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} وإِنّمَا وَجّهَ ابنُ سِيدَه هذا على غَيْر المُفَاضَلَةِ، لأَن الّلام ومن مُتَعَاقِبَتَان، وليس قَوْلُهُم: الله أَكْبَر بحُجَّة، لأَنّه مَسْمُوع، وقد كَثُر استِعْمَاله على أَنّ هذا وُجِّه على كبِير أَيضًا.

والمَعْزُوزَةُ: الشَّدِيدَةُ. يُقَال: أَرض مَعْزُوزَةٌ [وعزازة قد لبدها المطر، وعززها. وقال أَبو حنيفة: العز المطر الكثير. والمعزوزة: الأَرض الممطورة، يُقال: أَرض مَعْزوزة] *: أَصابها عِزّ من المَطَر، وفي قَوْلِ المُصَنّف نَظَرٌ، فإِن الشَّدِيدَةَ والمَمْطُورَةَ كِلاهُمَا من صِفَةِ الأَرضِ، كما عَرفْت، فلا وَجْهَ لتَخْصِيصِ أَحَدِهما دُونَ الآخرِ، مع القُصُورِ في ذِكْر نَظَائِر الأُولَى، وهي العَزَازَة والعَزَّاءُ، كما نبّه عليه في المستدركات.

وأَبو بَكْر مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْز، كَزُبَيْر، وقد أَغْفَل ضَبطَه قُصُورًا، فإِنّه لا يُعْتَمد هنا على الشُّهْرَة مع وُجود الاخْتِلافِ، العُزَيْزِيّ السِّجِسْتَانِيّ المُفَسِّر، مُؤَلّف غَرِيبِ القُرْآن والمُتَوفَّى سنة 330 والبَغَادِدَةُ؛ أَي البَغْدَادِيُّون، يَقُولُون هو مُحَمَّدُ بنُ عُزَيْز، بالرّاءِ، ومنهُم الحَافِظُ أَبو الفَضْل محمَّدُ بنُ ناصِر السّلاميّ، والحَافِظ أَبو بَكْر محمدُ ابنُ عبد الغَنِيّ بنِ نُقْطَة، وابن النّجّار صاحب التاريخ، وأَبو محمّد بن عُبيد الله، وعبد الله بن الصّبّاح البَغْدَادِيّ، فهؤلاءِ‌ كلُّهم ضَبطُوا بالرَّاءِ، وتَبِعَهم من المَغَارِبَة الحُفَّاظِ أَبو عليّ الصّدفِيّ، وأَبو بَكْر بن العَرَبِيّ، وأَبو عامر العَبْدَرِيّ، والقاسِم التُّجِيبيّ، في آخرين، وإِليه ذَهَب الصَّلاحُ الصَّفَدِيّ في الوَافِي بالوَفَيات، وهو تَصْحِيف، وَبَعْضُهم؛ أَي من البَغَادِدَة، والمُرَادُ به الحَافِظُ ابنُ نَاصِر، قد صَنّفَ فِيهِ رِسَالَةً مستقلَّةً، وجَمعَ كلامَ الناسِ، ورجَّحَ أَنَّه بالرَّاءِ، وقد ضَرَبَ في حَدِيدٍ بَارِدٍ لأَن جميع ما احتَجَّ به فيها راجِعٌ إِلى الكِتَابةِ لا إِلى الضَّبْط من قبل الحُرُوفِ، بل هو من قبلِ الناظِرِين في تلك الكِتَابَات، ولَيْسَ في مَجموعه ما يُفيد العِلْمَ بأَنَّ آخِرَه رَاءٌ، بل الاحْتِمَال يَطْرق هذِه المَواضِعَ التي احتَجَّ بها، إِذ الكاتِبُ قد يَذْهَلُ عن نَقْط الزَّاي فتَصِيرُ رَاءً، ثمّ ما المَانعُ أَن يكون فَوْقَها نُقْطَة فجَعَلَهَا بعضُ من لا يُمَيِّز علامَةَ الإِهْمَال، ولنَذْكُر فيه أَقْوَالَ العُلَمَاءِ ليَظْهَر لك تَصْوِيبُ ما ذَهَب إِليه المُصَنِّف، قال الحَافِظُ الذَّهَبِيّ في المِيزَان فِي تَرْجَمَتِه: قال ابنُ ناصر وغيرُه: من قَاله بزَاءَيْن مُعْجَمَتَيْن فقَد صَحّف، ثمّ احتَجّ ابنُ ناصِر لقَوْله بأُمور يَطول شَرحُها تُفِيد العِلْم بأَنّه بِرَاءٍ، وكذا ابنُ نُقْطَة وابنُ النّجّار، وقد تَمَّ الوَهمُ فيه على الدارَقطنيّ وعبدِ الغَنِيّ، والخَطِيب، وابنِ مَاكُولَا فقالوا: عزيز، بزاي مكرَّرة، وقد بَسطْنا القولَ في ذلك في تَرجَمَتِه في تاريخ الإِسلام، قال الحافِظُ ابنُ حَجَر في التَّبْصِير: هذا المكانُ هو مَحَلُّ البَسْطِ فيه، لأَنّه مَوضِعُ الكَشْفِ عنه، وقد اشتَهَر على الأَلسِنَةِ كِتَابُ غَرِيبِ القرآن للعُزَيْزِيّ، بزاءَين معجمتين.

وقَضِيّة كَلام ابنِ نَاصِر ومَنْ تَبِعَه أَن تَكُونَ الثَانِيَةُ رَاءً مهملَة، والحُكْم على الدار قطنيّ فيه بالوَهَم مع أَنّه لَقِيَه وجَالَسه وسَمِع مَعَه ومنه، ثمّ تَبِعَه النُّقَّادُ الذِين انتَقَدُوا عليه، كالخَطِيب، ثم ابن مَاكُولَا وغَيْرهمَا، في غَايَة البُعْدِ عِنْدِي.

والذي احتَجَّ به ابنُ ناصِرِ هُو أَنّ الإِثباتَ من اللّغَويِّين ضَبَطُوه بالرّاءِ. قال ابنُ نَاصِر: رأَيْت كِتَابَ المَلَاحن لأَبِي بكر بنِ دُرَيْد، وقد كَتَبَ عَلَيْه لمحمّد بن عُزَيْز السِّجِسْتَانِيّ، وقَيْده بالرَّاءِ، قال: ورأَيت بخَطّ إِبراهِيمَ بنِ مُحَمَّد الطَّبَرِيّ تُوزونَ، وكان ضابِطًا، نُسخةً من غَرِيبِ القرآن، كَتَبَها عن المُصنّف، وقيّد التَّرْجمة: تأْلِيف محمّد بن عُزَيْر ـ بالرّاءِ غير معجمة ـ قال: ورأَيتُ بخَطّ محمّدِ بنِ نَجْدة الطَّبَرِيّ اللّغوي نُسْخَة من الكِتَابِ كذلِك. قال ابنُ نُقْطَة: ورأَيْتُ نُسْخَةً من الكِتَاب بخَطّ أَبِي عامر العَبْدَرِيّ، وكان من الأَئمة في اللُّغَة والحَدِيث قال فيها. قال عبد المحسن السِّنجيّ: رأَيتُ نُسْخَةً من هذا الكتاب بخَطّ محمّد بن نَجْدة، وهو مُحَمَّد ابن الحُسين الطّبَريّ، وكان غاية في الإِتْقَان، تَرجمتُها: كتاب غريب القرآن لمحمّد بن عُزَير، الأَخِيرَة راءٌ غَيْرُ مُعْجَمَة. قال أَبو عامر: قال لي عبد المُحسن: ورأَيتُ أَنا نُسْخَةً من كتاب الأَلْفاظ رواية أَحمد بن عُبيد بن ناصِح، لمحمّد بن عُزَيْر السِّجِسْتَانِي، آخره راءٌ، مكتوب بخطّ ابن عُزَيْرٍ نَفسهِ الذي لا يَشُكّ فيه أَحدٌ من أَهل المَعْرِفة.

هذا آخر ما احتَجَّ به ابنُ نَاصِر وابنُ نُقطة. وقد تقدَّم ما فيه. ثمّ قال الحافظ: فكيف يَقْطع على وَهم الدارقطنيّ الذي لَقِيَه وأَخذَ عنه ولم يَنْفَرِد بذلك حتى تابَعَه جَمَاعةٌ.

هذا عندي لا يَتّجِه، بل الأَمر فيه على الاحتمال، وقد اشتهر في الشّرق والغَرْب بزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ إِلاّ عندَ مَن سَمَّيْنَاه، ووجد بخَطّ أَبي طَاهِر السِّلفِيّ أَنّه بزَاءَيْن. وقيل فيه: براءٍ آخره، والأَصح بزَاءَين. قال: والقَلْبُ إِلى ما اتَّفَقَ عليه الدارقطنيّ [وأَتْبَاعه] أَميّلُ، إِلاّ أَن يَثبت عن بَعْضِ أَهل الضّبط أَنّه قَيَّدَه بالحُرُوف لا بالقَلَم. قال: ومِمَّن ضَبَطَه من المَغَارِبة بزَاءَيْن مُعْجَمَتَيْن أَبو العَبَّاس أَحمد بنُ عبد الجَلِيل بن سُلَيْمَان الغَسَّانيّ التُّدْمِيرِيّ، كما نَقَلَه ابنُ عبد الملك في التَّكْمِلَة، وتعقّب ذلِك عليه بكَلَام ابنِ نُقْطَة، ثمّ رجعَ في آخرِ الكلام أَنه على الاحْتِمَال. قلت: ونسبَه الصَّفدِيّ إِلى الدّار قُطْنيّ، قال: وهو مُعاصِرُه وأَخَذَا جَمِيعًا عن أَبي بَكْر بنِ الأَنْبَارِيّ؛ أَي فهو أَعرَفُ باسْمه ونَسَبِه من غيره.

وعُزَيْز أَيضًا؛ أَي كزُبَيْر كُحْلٌ معروف مَعْرُوف من الأَكْحَالِ، نقله الصَّاغَانِيّ.

وحَفْر عزَّى، ظاهره أَنه بفَتْح العَيْن، وهكذا هو‌ مَضْبُوط بخَطّ الصّاغَانِيّ، والذي ضَبَطَه من تَكَلَّم على البِقَاع والبُلْدَان أَنه بكَسْرِ العَيْن وقالوا: هو ناحِيَةٌ بالمَوْصِلِ.

وتَعَزَّزَ لَحمُه، وفي الأَساس واللّسَان: لَحْمُ النّاقَةِ: اشتَدَّ وصَلُبَ، وقال المُتَلَمِّس:

أُجُدٌ إِذا ضَمَرَت تَعَزَّزَ لَحْمُها *** وإِذا تُشَدّ بنِسْعِهَا لا تَنْبِسُ

والعَزِيزَةُ في قَوْلِ أَبي كَبِيرٍ ثابِتِ بن عَبْد شَمْس الهُذَلِيّ من قَصِيدةٍ فائِيّة عِدَّتُها ثَلَاثَةٌ وعِشْرُون بَيْتًا:

حتّى انتهَيْتُ إِلى فِرَاشِ عَزِيزَةٍ *** سَوْدَاءَ رَوْثَةُ أَنْفِهَا كالمِخْصَفِ

وأَولُهَا:

أَزُهَيْرَ هَل عن شَيْبَةٍ من مَصْرِفِ *** أَم لا خُلُودَ لبَاذِلٍ مُتَكَلِّفِ

يريد زُهَيْرَة وهي ابنتُه، وقَبْل هذا البَيْت:

ولقد غَدَوتُ وصاحِبِي وَحْشِيّةٌ *** تَحت الرِّداءِ بَصِيرَةٌ بالمُشْرِفِ

يريد بالوَحْشِيّة الرِّيحَ. يقول: الرِّيح تَصْفُقُنِي. وبَصِيرَة الخ؛ أَي هذِه الرِّيح مَنْ أَشرَفَ لها أَصَابَتْه إِلاّ أَن يَستَتِرَ تدخُل في ثِيَابِه، والمُرَاد بالعَزِيزة العُقَاب، وبالفِرَاش وَكْرها، ورَوْثَة أَنْفِهَا؛ أَي طَرَف أَنْفِهَا. يَعْنِي مِنْقَارَها، أَراد: لم أَزَلْ أَعْلُو حتى بَلَغْت وَكْرَ الطَّيْر. والمِخْصَفُ: الذي يُخْصَف به، كالإِشْفَى، ويُرْوَى عَزِيبَة، وهي التي عَزَبَت عَمَّن أَرادَهَا، ويُرْوَى أَيضًا غَرِيبَة، بالغَيْن والراءِ، وهي السوداءُ، كما نَقله السُّكّرِيّ في شَرْح ديوان الهُذَليّين.

ويَقُولُون للَّرجُل: تُحِبُّني، فيقُول: لَعَزَّ مَا؛ أَي لَشَدَّ ما ولَحَقَّ مَا، كذا في الأَساس. ويقولون: فلان جئْ به عَزًّا بَزًّا؛ أَي لا مَحَالَةَ؛ أَي طَوْعًا أَو كَرْهَا. وقال ثَعْلَب في الكَلَام الفَصِيح: «إِذا عَزَّ أَخُوك فهُنْ»، والعَرَبُ تَقُولُه، وهو مَثلٌ؛ أَي إِذا تَعظَّمَ أَخُوك شامِخًا عليك فَهُن، فالتَزِمْ له الهَوَانَ، وقال الأَزهريّ: المَعْنَى: إِذا غَلَبَكَ وقَهَرَك ولم تُقَاوِمْه فلِنْ له: أَي تواضع له فإِن اضْطِرابك عليه يَزِيدُك ذُلًّا وخَبَالًا. قال أَبو إِسحاق: الذي قاله ثَعْلَب خَطَأٌ، وإِنَّمَا الكلام: إِذا عَزَّ أَخُوك فهِنْ. بكَسْر الهاءِ. مَعْنَاه: إِذا اشْتَدّ عَلَيْك فهِنْ له ودَارِه. وهذا من مَكارِم الأَخلاقِ. وأَمّا هُنْ، بالضّمّ، كما قَالَه ثَعْلَب، فهو من الهَوَانِ، والعَرب لا تَأْمُر بذلِك، لأَنهم أَعِزَّة أَبَّاؤُون للضَّيْم.

قال ابنُ سِيدَه: إِن الذي ذَهبَ إِليه ثَعْلَبٌ صَحِيحٌ، لِقَوْل ابنِ أَحمَر:

وقارِعَةٍ من الأَيّام لولَا *** سَبِيلُهُمُ لَزَاحَتْ عنك حِينَا

دَبَبْتُ لهَا الضَّرَاءَ فَقُلتُ أَبقَى *** إِذا عَزَّ ابنُ عَمِّك أَن تَهُونَا

«ومن عَزَّ بَزَّ» أَي مَنْ غَلَبَ سَلَب، وهو أَيضًا من الأَمثال، وقد تقدّم في ب ز ز.

والعَزِيزُ كأَمِير، المَلِك، مأْخُوذ من العِزّ، وهو الشِّدّة والقَهْر؛ وسُمِّيَ به لِغَلَبَتِه على أَهْلِ مَمْلَكَتِه؛ أَي فلَيْس هو من عِزَّةِ النَّفْس. والعَزِيزُ أَيضًا: لَقَبُ مَنْ مَلَكَ مِصْر مع الإِسْكَنْدَرِيَّة، كما يُقَال النَّجَاشِيّ لمَنْ مَلَك الحَبَشَة، وقَيْصَر لمَنْ مَلَك الرّومَ، وبهما فُسِّر قوله تعالى: {يا أَيُّهَا} الْعَزِيزُ {مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ}.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

الْعَزِيزُ: من صِفات الله تعالى وأَسمائِه الحُسْنَى، قال الزَّجَّاج: هو المُمتَنِع فلا يَغْلِبُه شيْ‌ءٌ. وقال غَيْرَه: هو القَوِيّ الغالِبُ كلَّ شيْ‌ءٍ، وقيل: هو الذي {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‌ءٌ}. ومن أَسمائِه عَزَّ وجَلَّ: المُعِزّ، وهو الذي يَهَب العِزَّ لمَنْ يَشَاءُ من عِبَادِه. والتَّعَزُّز: التَّكَبُّر: ورجل عَزِيزٌ: مَنِيعٌ لا يُغْلَب ولا يُقْهَر، وقَوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ} عَزِيزٌ {لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أَي حُفِظَ وعَزّ من أَن يَلحَقَه شَيْ‌ءٌ من هذا. وعِزٌّ عَزِيزٌ، على المُبَالَغَة، أَو بمعنى مُعِزّ، قال طَرَفَةُ:

ولو حَضَرَتْه تَغْلِبُ ابنَةُ وَائِلٍ *** لَكانُوا له عِزًّا عَزِيزًا ونَاصِرَا

وكَلِمَةٌ شَنْعَاءُ لاهْل الشِّحْر، يَقُولُون: بعِزِّي لَقَدْ كان كَذا وكذا، وبِعِزِّك، كقَوْلِك: لعَمْرِي ولَعَمْرُك. وفي حَدِيثِ عُمَر: «اخْشَوْشِنُوا وتَمَعْزَزُوا»؛ أَي تَشَدَّدُوا في الدّيْن وتَصَلَّبُوا. من العِزّ القُوّةِ والشِّدَة. والمِيمُ زَائِدَة، كتَمَسْكَن من السُّكُون، وقيل: هو من المَعَز وهو الشدّة، وسَيَأْتِي في مَوْضِعِه ويُرَوى و: تَمَعْدَدُوا. وقد ذُكِر في مَوضعه. وعَزَّزتُ القَوْمَ: قَوَّيتُهُم. والأَعِزَّاءُ: الأَشِدَّاءُ وليس من عِزَّة النَّفْسِ. ونقلَ سِيبَوَيْه: وقالُوا: عَزَّ ما أَنَّك ذَاهِبٌ، كقَولِك: حَقًّا أَنّك ذَاهِب.

والعَزَز، مُحَرَّكة: المَكَانُ الصُّلْبُ السَّرِيع السَّيْل. وأَرضٌ عَزَازَةٌ وعَزَّاءُ: مَعْزُوزَة، أَنشدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

عَزَازَة كلِّ سائِلِ نَفْعِ سَوْءٍ *** لكُلِّ عَزَازَةٍ سالَتْ قَرَارُ

وفَرسٌ مُعْتَزَّةٌ: غَلِيظَةُ اللَّحْمِ شَدِيدَتُه.

وقولهم: تعزَّيت عنه؛ أَي تَصَبَّرْت، أَصلها تَعَزَّزْت؛ أَي تَشدَّدْت مثل تَظَنَّيْت من تَظَنَّنْت، ولها نَظَائِر تُذْكَر في مَوْضِعها. والاسمُ منه العَزَاءُ. وفي الحدِيث: «مَن لم يَتَعَزَّ بعَزَاءِ الله فلَيْس مِنّا» فسّره ثَعْلَب فقال: معناه مَنْ لم يَرُدَّ أَمرَه إِلى الله فلَيْس مِنَّا.

والعَزّاءُ: السنة الشَّدِيدَة.

وعَزَّه يَعُزّه عَزًّا: أَعانه، نقلَه ابنُ القَطّاع، قال: وبه فَسَّر من قرأَ: فَعَزَّزْنا {بِثالِثٍ}.

يقال: فلانٌ عَنْزٌ عَزُوز، كصَبُور: لها دَرٌّ جَمٌّ، وذلك إِذا كان كثِيَر المَالِ شَحِيحًا. وعازَّ الرجُلُ إِبلَه وغَنَمَه مُعَازَّةً، إِذا كانت مِرَاضًا لا تَقدِرُ أَن تَرْعَى فاحْتَشّ لها ولَقَّمَها، ولا تكون المُعازَّةُ إِلاّ في المَالِ، ولم يُسْمَع في مَصْدَرِه عِزَازًا.

وسَيْلٌ عِزٌّ، بالكَسْر: غالبٌ. والمُعْتَزّ: المُسْتَعِزّ.

وعِزَّ، بالكَسْر مَبْنِيًّا على الفَتْح: زَجْرٌ للغَنَم، وهذِه عن الصّاغَانِيّ. وعَزِيز، كأَمِير: بَطْن من الأَوْس من الأَنْصار.

وفي شرح أَسماءِ الله الحُسْنَى لابن بَرْجَان: العَزُوزُ، كصَبور: من أَسماءِ فَرْج المرأَة البِكْر. وعُزَّى، على اسمِ الصَّنَم: لَقبُ سَلمَة بنِ أَبي حَيَّةَ الكاهِن العُذرِيّ.

والعُزَّيَانِ، مُثَنًّى، هُمَا بظاهر الكُوفَة حيث قَبْرُ أَمِيرٍ المُؤمِنِين عليٍّ رضي ‌الله‌ عنه، زَعمُوا أَنهما بَناهُما بَعْضُ ملُوكِ الحِيرَةِ. وخَيَالانِ من أَخْيِلَةِ حِمَى فَيْد، يَطؤُهُمَا طَرِيقُ الحَاجّ، بينَهُمَا وبين فَيْدٍ سِتَّةَ عَشَر مِيلًا.

واستَعَزّ فُلانٌ بحَقّي؛ أَي غَلَبَنِي، واستُعِزَّ بفُلان أَي غُلِب في كل شيْ‌ءٍ من عاهَةٍ أَو مَرَضٍ أَو غيرِه. وقال أَبو عَمْرو: استُعِزّ بالعَلِيل، إِذا اشْتَدّ وَجَعُه وغُلِب على عَقْلِه. وفي الحديث: «لما قَدِم المَدِينَةَ نَزَل على كُلْثُومِ بنِ الهَدْمِ، وهو شاكٍ، ثمّ استُعِزّ بكُلْثومٍ فانتَقَلَ إِلى سَعْد بنِ خَيْثَمَة» ويقال أَيضًا: استُعِزّ به، إِذا مَاتَ.

وعَزَّز بهم تَعْزِيزًا: شَدَّدَ عليهم ولم يُرَخِّص. ومنه‌ حَدِيثُ ابنِ عُمَر: «إِنكم لمُعَزَّز بكم، عليكم جَزاءٌ وَاحِدٌ» أَي مُثَقَّل عليكم الأَمرُ.

ومحمّد بن عِزّانَ، بالكَسْر، رَوَى عن صالحٍ مَوْلَى مَعْنِ بن زائدة. وعَزَّاز بن أَوْس، كشَدَّاد: مُحَدّث. وعُزَيْز، كزُبَيْر: محمّد بن عُزَيْز الأَيليّ، وعبد الله بن محمد بن عُزَيْزِ المَوْصِليّ. وأَحمَد بن إِبراهيم بن عُزَيْز الغُرناطِيّ. ومَيْسَرَةُ ابن عُزَيز: مُحَدِّثون. وكأَمِير، أَبو هُرَيْرَة عَزِيز بن محمّد المَالِقيِّ الأَندلُسِيِّ. وعَزِيز بن مُكْنِف، وعَزِيز بنُ محمّدِ بنِ أَحمدَ النَّيْسَابُورِيّ، ومُصْعَب بن عبد الرحمن بن شُرَحْبِيل ابن [أَبي] عَزِيز، وعَبْدُ الله بنُ يَحيى بن معاوِيَة بن عَزِيز بن ذي هِجْرَان السّبائي المِصْرِيّ، وعُمر بن مُصْعَب بن أَبي عَزِيزٍ الأَندلسيّ: مُحَدِّثون.

وأَبو إِهَابِ بنُ عَزيز بن قَيْسٍ الدّارِميّ: أَحَدُ سُرَّاقِ غَزَالِ الكَعْبَة، وابنَتَاه أُمّ حُجَيْر وأُم يَحْيَى، وقع ذكرُ الأَخيرةِ في صَحِيح البخاريّ، المَشْهُورُ فيه الفَتْح: وقَيَّده أَبو ذَرّ الهَرَوِيّ في روَايتِه عن المُسْتَمْلي والحَمَوِيّ بالضّمّ. وأَبو عَزِيز بن عُمَيْر العَبْدَرِيّ، قُتِل يَوْمَ أُحُد كافِرًا، وحَفِيده مُصْعَب بن‌ عُمَيْر بن أَبي عَزِيز قُتِل بالحَرَّة. وهانئُ بن عَزيزٍ أَوّل من قُتِل من مُشْرِكِي مكّة، ذكره ابنُ دُرَيْد. ويَحْيَى بنُ يَزِيد بن حُمْرَان بن عَزِيز الكِلابيّ، من صَحَابَة المَنْصُور، وشُمَيْسة بنت عَزِيز، لها رواية. وعَزِيزَة ابنةُ علِيّ بن يَحْيَى بن الطَّرَّاح، عن جَدّهَا، ماتَت سنة 600 وعَزِيزة بنت مُشَرِّف، ماتت سنة 619 وعَزِيزةُ. لَقبُ مُسندة مِصر أُمّ الفضل هاجَرُ القُدْسية.

وبالضّمّ أَبو بكر محمّدُ بنُ عمر بن إِبراهيم بن عُزَيْزة الأَصْبَهَانيّ من شيوخ السِّلفَيّ، وأَخوه عبد الله، وابنه أَبو الخَيْر عُمَر بن محمّد، حدّث عنهما أَبو موسى المَدِينيّ، وعَنْهما، يعني: أَخبرَنا العُزَيْزِيّان، وولده أَبو الوفاءِ محمّد بن عُمر، حَدَّث أَيضًا، وأَبو المَكَارم أَحمد بن هِبة الله بن عُزَيْزَة الشّاهد، وابن عمه محمّد بن عبد الله بن محمود، حَدّثَا. والشِّهاب عليّ بن أَبي القاسم بن تميم الدِّهِسْتانيّ العَزِيزِيّ، بالفَتْح، سَمع من أَبي اليُمْن بنِ عَسَاكرَ، مَولده سنة 627. وعُزَيْزِيّ بلفظ النَّسب، اسم شَيْذَلةَ الواعِظِ المشهور، يأْتي للمصنِّف في شَ ذَ ل. وأَبو عبد رَبّ العِزّة، بالكَسْر، رَوَى عن معاويةَ، وعنه عَبْدُ الرحمن بن يَزِيد بن جابر. وعبد العُزَّى اسمُ أَبي لَهَبٍ، وعبد العُزَّى بن غَطَفان أَخو رَيْث ويُسَمَّى عبد الله. وعَبْد العُزَّى وَالدُ أَبي الكنُود وجَعْدةَ الشَّاعرَين. وعزازة بنُ عبدَّ الدائم شَيْخٌ لأَبي أَحمد العَسكريّ. والحُسين بن علي المُعْتَزّي المِصْريّ، روَى عن جعفر بن عبد الواحد الهَاشِمِيّ، وذكره المَالِينيّ ومُعْتَزَّة بنتُ الحُصَيْن الأَصْبَهانِيَّة، روتْ عن عبد المَلك بن الحُسين بن عَبْد رَبِّه العَطَّار، ماتتْ بعد الخَمْسِمِائَة. والعَزِيزِيّة، بالفَتْح: اسمٌ لثلاثِ قُرًى بمِصْر بالشَّرقِيَّة والمُرتاحِيّة والسَّمَنُّودِيّة. ومُنْيَة العِزّ، اسمٌ لأَربعِ قُرًى بمِصْر أَيضًا، بالدَّقَهْلِيّة وبالشَّرقِيَّة وبالمُنُوفِيَّة وبالأَشْمُونين، وكُوْم عَزّ الملك ومُنية عِزّ الملك، ومُنْيَة عَزُّونَ: قُرًى بالديار المِصريّة.

وأَبو العِزّ محمّد بن أَحمد بن أَحمد بن عبد الرحمن القاهرِيّ شَيخُ شُيوخِنا، أَجازَه المُعمَّر محمّدُ بنُ عُمر الشّوبريّ والشَّمس البابِليّ والشَّمْس بن سُليمان المَغْرِبيّ، سمعَ منه شيوخُنا: الشِّهابانِ: أَحمدُ بنُ عبد الفتاح المجيريّ، وأَحمد بن الحسن الخَالِديّ، والمحمَّدانِ: ابنُ يَحْيى بن حِجازيّ، وابن أَحْمَد بن محمّد الأَحمديّ، وغيرهم، وهو من أَعظَم مُسْندي مصرَ، كأَبِيه. وعبد الله بن عُزَيِّز، مُصَغَّرًا مثقَّلًا، من شُيُوخ العِزّ عبد السلام البَغْدَادِيّ الحَنَفِيّ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


174-تاج العروس (بيض)

[بيض]: الأَبْيَضُ: ضِدُّ الأَسْوَدِ، من البَيَاضِ، يَكُونُ ذلِكَ في الحَيَوَانِ والنَّبَاتِ وغيْرِ ذلِكَ مِمَّا يَقبَلُهُ غيْرُه، وحَكَاه ابنُ الأَعْرَابِيّ في الماءِ أَيْضًا، الجمع: بِيضٌ، بالكَسْرِ، قال الجَوْهَرِيُّ: وأَصْلُهُ بُيْضٌ، بالضَّمِّ، أَبْدَلُوه بالكَسْرِ لتَصِحَّ الياءُ.

والأَبْيَضُ، السَّيْفُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ، أَيْ لِبَيَاضِهِ. قال المُتَنَخِّلُ الهُذَلِيّ:

شَرِبْتُ بجَمِّه وصَدَرْتُ عَنْه *** بأَبْيَضَ صَارِمٍ ذَكَرٍ إِباطِي

والْأَبْيَضُ: الْفِضَّةُ، لِبَيَاضِهَا، ومِنْه‌ الحَدِيثُ: «أُعْطِيتُ الكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ والأَبْيَضَ» ‌هُمَا الذَّهَبُ والفِضَّةُ.

والْأَبْيَضُ: كَوْكَبٌ في حَاشِيَةِ المَجَرَّةِ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ.

ومن المَجَاز: الْأَبْيَضُ: الرَّجُلُ النَّقِيُّ العِرْضِ. قال الأزْهَريّ: إِذا قالَتِ العَرَبُ فُلانٌ أَبْيَضُ، وفُلانَةُ بَيْضَاءُ، فالمَعْنَى نَقَاءُ العِرْضِ من الدَّنَسِ والعُيُوبِ، من ذلِكَ قَوْلُ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى يَمْدَحُ هَرِمَ بنَ سِنَانٍ:

أَشَمُّ أَبْيَضُ فَيّاضٌ يُفَكِّك عَنْ *** أَيْدِي العُنَاةِ وعَن أَعْنَاقِهَا الرِّبَقَا

وقال ابنُ قَيْس الرُّقيّاتِ في عَبْدِ العَزيزِ بْن مَرْوانَ:

أَمُّكَ بَيْضَاءُ مِنْ قُضَاعَةَ في ال *** بَيْتِ الَّذِي يُسْتَظَلُّ في طُنُبِهْ

قال: وهذا كَثِيرٌ في [كلامهم و] شِعْرِهم، لا يُرِيدُون به بَيَاضَ اللَّوْنِ، ولكِنَّهُم يُرِيدُون المَدْحَ بالكَرَمِ، ونَقَاءِ العِرْضِ من العُيُوبِ [والأدناس].

وإِذَا قَالُوا: فُلانٌ أَبْيَضُ الوَجْهِ، وفُلانَةُ بَيْضَاءُ الوَجْهِ، أَرادُوا نَقَاءَ اللَّوْنِ من الكَلَفِ والسَّوَادِ الشَّائِنِ. قَال الصَّاغَانِيّ: وأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِر:

بِيضٌ مفارِقُنَا تَغْلِي مَرَاجِلُنَا. *** نَأْسُو بأَمْوالِنَا آثَارَ أَيْدِينا

فإِنَّهُ قِيلَ فيه مِائَتا قَوْلٍ، وقد أُفْرِدَ لِتَفْسِيرِ هذَا البَيْتِ كِتَاب. والبَيْتُ يُروَى لِمِسْكِين الدَّارِميّ، وليْسَ لَهُ. ولِبَشامَةَ ابْن حَزْنٍ النَّهْشَلِيّ. ولبَعْضِ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَة، كذا في التَّكْمِلَةِ، وفي العُبَاب: سَمِعْتُ وَالِدِي، المَرْحُوم، بغَزْنَةَ في شُهُورِ سَنَةِ نَيِّفٍ وثَمَانِينَ وخَمْسَمائةٍ يَقُولُ: كُنتُ أَقْرَأُ كِتَابَ الحَمَاسَةِ لابِي تَمّامٍ على شَيْخِي بغَزْنَةَ، ففَسَّرَ لي هذا البَيْتَ، وأَوَّلَ لي قَولَهُ: بِيضٌ مَفَارِقُنا مِائَتَيْ تَأْوِيلٍ، فاسْتَغْرَبْتُ ذلِكَ حَتَّى وَجَدْتُ الكِتَابَ الَّذِي بُيِّنَ فيه هذِه الوُجُوهُ ببَغْدَادَ في حُدُودِ سَنَة أَرْبَعِينَ وسِتَّمِائةٍ، والحَمْدُ لله على نِعَمِه.

قُلْتُ: وأَبْيَضُ الوَجْهِ: لَقَبُ أَبِي الحَسَنِ مُحَمَّدِ ابن مُحَمَّدٍ، أَبِي البَقَاءِ جَلالِ الدين البَكْرِيّ المُتَوَفَّى سنة‌ 952 المَدْفُون ببِرْكَةِ الرَّطْلِيّ، وهو جَدُّ السَّادةِ المَوْجُودِين الآنَ بِمِصْرَ.

والأَبْيَضُ: جَبَلُ العَرْجِ، على جَادَّةِ الحَاجِّ، بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ.

والأَبْيَضُ: جَبَلٌ بِمَكَّةَ، شَرَّفَهَا الله تَعالَى، مُشرِفٌ على حُقِّ أَبي لَهَبٍ، وحُقِّ إِبراهِيم بْنِ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ، وكان يُسَمَّى في الجاهِليَّةِ المُسْتَنْذر، قاله الأَصْمَعِي.

والأَبْيَضُ: قَصْرٌ لِلْأَكَاسِرَةِ بالمَدَائِنِ كَانَ مِنَ الْعَجَائِبِ، لَمْ يَزَلْ قَائِمًا إلى أَنْ نَقَضَهُ المُكْتَفِي بالله العَبّاسِيُّ، في حُدُودِ سنة 290 وبَنَى بِشُرَافَتهِ أَسَاسَ التَّاجِ الَّذِي بدَارِ الخِلافَةِ، وبأَسَاسِهِ شُرَافاتِهِ، فتُعُجِّبَ من هذا الانْقِلَابِ، وإِيَّاه أَرادَ البُحْتُرِيّ بقَوْلِه:

وَلَقَدْ رَابَنِي نُبُوُّ ابْنِ عَمِّي *** بَعْدَ لِينٍ مِن جانِبَيْهِ وأُنْسِ

وإِذا ما جُفِيتُ كُنْتُ حَرِيًّا *** أَن أُرَى غيْرَ مُصْبِح حَيْثُ أُمسِي

حَضَرَتْ رَحْلِيَ الهُمُومُ فوَجَّه *** تُ إِلَى أَبْيَضِ المَدَائِنِ عَنْسِي

أَتَسَلَّى عَنِ الحُظوظِ وآسَى *** لمَحَلٍّ من آلِ سَاسَانَ دَرْسِ

ذَكَّرَتْنِيهُمُ الخُطُوبُ التَّوَالِي *** ولَقَدْ تُذْكِرُ الخُطُوبُ وتُنْسِي

والأَبْيَضَانِ: الَّلَبَنُ والماءُ، نقله الجوْهَرِيُّ عن ابْنِ السِّكِّيت. وأَنْشَدَ لِهُذيْلِ بْنِ عَبْدِ الله الأَشْجَعِيّ:

ولكِنَّما يَمْضِي لِيَ الحَوْلُ كَامِلًا *** وما لِيَ إِلاَّ الأَبْيَضَيْنِ شَرَابُ

من الماءِ أو مِنْ دَرِّ وَجْناءَ ثَرَّةٍ *** لهَا حَالِبُ لا يَشْتَكِي وحِلَابُ

أو الشَّحْمُ واللَّبَنُ، قالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. أَو الشَّحْمُ والشَّبَابُ، قاله أَبُو زيْد وابنُ الأَعْرَابِيّ، ومنه قَولُهُم: ذَهَبَ أَبْيَضَاهُ. أَو الخُبْزُ والْمَاءُ، قاله الأَصْمَعِيُّ وَحْدَه. أَو الحنْطَةُ والمَاءُ.

قاله الفَرّاءُ.

وقال الكِسَائِيّ: يُقَال: مَا رَأَيْتُه مُذْ أَبْيَضَانِ، أي مُذْ شَهْرانِ أوْ يَوْمانِ، وذلِكَ لبَيَاضِ الأَيّامِ، وعلى الأَخِيرِ اقْتَصَر الزَّمَخْشَرِيّ. و‌في الحَدِيث: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ المَوْتُ الأَبْيَضُ والأَحْمَرُ»، الأَبْيَضُ: الفَجْأَةُ، أَيْ ما يَأْتِي فَجْأَةً ولم يَكُنْ قَبْلَهُ مَرَضٌ يُغَيِّر لَوْنَه. والأَحْمَرُ: المَوْتُ بالقَتْلِ لأَجْلِ الدَّمِ. وقِيلَ مَعْنَى البَيَاضِ فيهِ خُلُوُّه مِمَّا يُحْدِثُهُ مَنْ لا يُعَاقِصُ مِنْ تَوْبَةٍ، واسْتِغْفَارٍ، وقَضَاءِ حُقُوقٍ لازِمَةٍ، وغيْرِ ذلِكَ، من قَوْلهِم: بَيَّضْتُ الإِنَاءَ، إِذا فَرَّغْتَهُ، قاله الصَّاغَانيّ.

والْأَبَايِضُ، ضَبَطَه هُنَا بالضَّمِّ، والإِطْلاق هُنَا وفي أ ب ض يَدُلّ على أَنَّه بالفَتْح، وهو الصَّوابُ فإِنَّ يَاقُوتًا قال في مُعْجَمِه كأَنَّه جَمْعُ بَايِضٍ. وقد تَقَدَّمَ أَنَّه هَضَبَاتٌ يُوَاجِهْنَ ثَنِيَّةَ هَرْشَى.

والبَيْضَاءُ: الدَّاهِيَةُ، نَقَله الصَّاغَانِيّ، وكَأَنَّه على سَبِيلِ التَّفاؤُلِ، كما سَمَّوُا اللَّدِيغَ سَليمًا.

والْبَيْضَاءُ: الحِنْطَةُ وهي السَّمْرَاءُ أَيْضًا.

والبَيْضَاءُ أَيْضًا: الرَّطْبُ من السُّلْتِ، قاله الخَطَّابِيّ.

وفي حَديثِ سَعْدٍ: «سُئِلَ عن السُّلْتِ بالبَيْضَاءِ فكَرِهَهُ»؛ أَي لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وخَالَفَهُ غيْرُهُ، وعَلى قَوْلِ الخَطَّابيّ كرِهَ بَيعهُ باليَابِسِ منه، لأَنَّهُ مِمّا يَدْخُلُه الرِّبَا، فلا يَجُوزُ بَعْضُهُ ببَعْض إِلاّ مُتَمَاثِلَيْنِ، ولا سَبِيلَ إِلى مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ فِيهِمَا وأَحَدُهُمَا رَطْبٌ والآخَرُ يَابِسٌ، وهذا‌ كقَوْلِهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم: «أَيَنْقُصُ الرَّطْبُ إِذا يَبِسَ؟ فقِيلَ لَهُ: نَعَمْ. فَنَهَى عَنْ ذلِكَ» ‌والسُّلْتُ بَيْنَ الحِنْطَةِ والشَّعيرِ، لا قِشْرَ له.

والبَيْضَاءُ: الخَرَابُ من الأَرْضِ، وهُوَ‌ في حَدِيثِ ظَبْيَانَ، وذَكَرَ حِمْيَرَ، قال: «وكانَتْ لَهُمُ البَيْضَاءُ والسَّوْدَاءُ»، أَرادَ الخَرَابَ والعَامِرَ من الأَرْضِ، لأَنَّ المَوَاتَ مِنَ الأَرْضِ يَكُونُ أَبْيَضَ، فإِذا غُرِسَ فيه الغِرَاسُ اسْوَدَّ واخْضَرَّ.

والبَيْضَاءُ: القِدْرُ، عن أَبِي عَمْرٍو، كأُمّ بَيْضَاءَ، عنه أَيْضًا، وأَنْشَدَ:

وإِذْ ما يُرِيحُ النَّاسُ صَرْماءُ جَوْنَةٌ *** يَنُوسُ عَليْهَا رَحْلُهَا ما يُحَوَّلُ

فَقُلْتُ لَهَا: يا أَمَّ بَيْضَاءَ فِتْيَةٌ *** يَعُودُكِ منهم مُرْمِلُون وعُيَّلُ

والْبَيْضَاءُ: حِبَالَةُ الصَّائِد، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، وأَنشد:

وبَيْضَاءَ مِنْ مَالِ الفَتَى إِنْ أَرَاحَهَا *** أَفَادَ وإِلاَّ مالُه مالُ مُقْتِرٍ

يقول: إِنْ نَشِبَ فِيهَا عَيْرٌ فجَرَّهَا بَقِيَ صَاحِبُهَا مُقْتِرًا.

والبَيْضَاءُ: فَرَسُ قَعْنَبِ بْنِ عَتَّاب بنِ الحارِثِ.

والبَيْضَاءُ: دارٌ بالبَصْرَةِ لعُبَيْدِ الله بْنِ زِيَاد ابنِ أَبِيه.

والبَيْضَاءُ: بَيْضَاءُ البَصْرَةِ، وهيَ المُخَيَّس، هكذا نَقَلَهُ الصَّاغَانِيّ. ويُفْهَم من سِيَاقِ المُصَنّف أَنَّ المُخَيَّس هو دَارُ عُبَيْدِ اللهِ، وليْسَ كَذلِكَ. ويَدُلُّ لِذلِكَ‌ قَوْلُ سَيِّدِنا عَلِيٍّ رضِيَ الله عنه فيما رُويَ عنه:

أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مُكيَّسَا *** بَنَيْتُ بَعْدَ نَافِعٍ مُخَيَّسَا

قالَ جَحْدَرُ المُحْرِزِيّ، اللِّصّ، وكان قد حُبِسَ فيها:

أَقُولُ للصَّحْبِ والبَيْضَاءِ دُونكُمْ *** مَحلّةً سَوَّدَتْ بَيْضَاءَ أَقْطَارِي

والبَيْضَاءُ: أَرْبَعُ قُرًى بمِصْرَ، اثْنَتَانِ مِنْهَا في الشَّرْقِيَّةِ، ووَاحِدَةٌ من أَعْمَالِ جَزِيرَةِ قويسنا، وأخْرَى من ضَوَاحِي الأسْكَنْدَرِيّة، إِحدَاهُنّ تُذْكَر مع المليصِ، والّتِي في الشَّرْقِيّة تُذْكَر مع مجول.

والبَيْضَاءُ: د، بفَارِسَ، سُمِّيَ لِبَيَاضِ طِينهِ، ومنه القاضِي ناصِرُ الدين، عَبْدُ الله بن عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بن عليٍّ البَيْضَاوِيّ المُفَسِّر، تُوُفِّيَ بتْبرِيز سنة 691 وأَبُو الأَزْهَرِ عَبْدُ الوَاحِد بنُ مُحَمَّدِ بن حبّان الأَصْطَخْرِيّ، صاحب الرِّبَاط بالبَيْضَاءِ، والقَاضِي أَبُو الحَسَن مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله ابْنِ أَحْمَد البَيْضَاوِيّ، حَدَّث عنه أَبُو بَكْرٍ الخَطِيبُ.

والبَيْضَاءُ: كُورَةُ بالمَغْرِب.

والبَيْضَاءُ: موضع، بحِيمَى الرَّبَذَةِ، وفيه يَقُولُ الشَّاعِرُ:

لقد مَاتَ بالْبَيْضَاءِ من جانِبِ الحِمَى

والْبَيْضَاءُ: موضع بِالْبَحْرَيْنِ، كان لعبْدِ القيْسِ، وهو ثَغْرٌ دُونَ ثاج، فيه نَخِيلٌ ومِيَاهٌ وأَحْسَاءٌ عَذْبَةٌ، وقُصُورٌ في حُدْودِ الخَطِّ، وتُعْرَف ببَيْضَاءَ بَنِي جَذِيمَةَ. قال أَبو سَعِيد: وقد أَقمْتُ به مع القَرَامِطَة قَيْظَةً.

والْبَيْضَاءُ: عَقَبَةٌ بجَبَلٍ يُسَمَّى المَنَاقِب.

والْبَيْضَاءُ: مَاءُ بنَجْدٍ، لبَنِي مُعَاوِيَةَ بن عُقيْل، ومعهم فيه عامِرُ بنُ عُقيْلٍ.

والْبَيْضَاءُ: د، خَلْفَ بابِ الأَبْوَابِ بِبِلادِ الخَزَرِ.

والبَيْضاءُ: اسْمٌ لحَلَبَ الشَّهْبَاءِ، يُقَال لَهَا ذلِكَ، كما يُقَالُ لَهَا الشَّهْبَاءُ.

والبَيْضَاءُ: موضع، بالقَطِيفِ، وهُوَ قُرَيّاتٌ في رَمْلٍ فيها النَّخْلُ.

والبَيْضاءُ: عَقَبَةٌ، وفي التَّكْمِلَة: ثَنِيَّةُ التَّنْعِيمِ.

والبَيْضَاءُ: مَاءٌ لِبَني سَلُول.

وقَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيّ: «رَأَيْتُ في عامٍ كَثُرَ فيه الرِّسْلُ، الْبَيَاض أَكْثَر من السَّوادِ» ‌أَي اللَّبَن أَكثَر من التَّمْر.

والْبَيَاضُ: لَوْنُ الْأَبْيَض، كالبَيَاضَةِ، كما قَالُوا: مَنْزِلٌ ومَنْزِلَةٌ، كما في الصّحاح، وزَادَ في العُبَاب: ودَارٌ ودَارَهٌ.

والبَيَاضُ: موضع، باليَمَامَةِ.

والبَيَاضُ: حِصْنٌ باليَمَنِ.

والْبَيَاضُ: أَرضٌ بنَجْدٍ لبَنِي عَامِر بنِ عُقَيْل.

وبَنُو بَيَاضَةَ: قَبِيلَةٌ من الأَنْصَارِ. ومنه‌ حَدِيثُ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، رَضِيَ الله عَنه: «إِنَّ أَوَّلَ جُمْعَةٍ جُمِعَتْ في الإِسْلامِ بالمَدِينَةِ في هَزْم بَنِي بَيَاضَةَ». قلتُ: وَهُوَ بَيَاضَةُ بن عَامِرِ ابنِ زُرَيْقِ بنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زيْدِ مَنَاةَ، من وَلَدِ جُشَمَ بْنِ الخَزْرَجِ. منْ وَلَدِهِ زِيَادُ بنُ لَبِيدٍ، وفَرْوَةُ‌ ابنُ عَمْرٍو، وخَالِدُ بنُ قيْسٍ، وغَنَّامُ بنُ أَوْسٍ، وعَطِيَّةُ ابنُ نُوَيْرةَ، الصَّحَابِيُّون، رَضِيَ الله عنهُم.

وتَقُولُ: هذا أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْه، ويُقَالُ أَيْضًا: هذَا أَبْيَضُ مِنْه، وهو شَاذُّ كُوفيّ. قال الجَوْهَرِيّ: وأَهْلُ الكُوفَةِ يَقُولُونَه، ويَحْتَجُّون بقَوْلِ الرَّاجِزِ:

جَارِيَةُ في دِرْعِها الفَضَاض *** أَبْيَضُ مِنْ أُخْتِ بَنِي إِبَاض.

قال المُبَرَّد: البَيْتُ الشَّاذُّ ليْسَ بحُجَّةٍ على الأَصْل المُجْمَعِ عليه.

قال: وأَمّا قَوْلُ الآخِرِ:

إِذا الرَّجَالُ شَتَوْا واشْتَدَّ أَكْلُهُمْ *** فَأَنْتَ أَبْيَضُهُمْ سِرْبالَ طَبَّاخِ

فَيَحْتَمِلُ أَن لا يَكُونَ بمَعْنَى أَفْعَلَ الَّذِي تَصْحَبُه مِنْ لِلْمُفَاضَلَةِ، وإِنَّمَا هو بمَنْزِلَة قَوْلك: هو أَحْسَنُهم وَجْهًا وأَكْرَمَهُم أَبًا، تُريد: حَسَنُهُمْ وَجْهًا وكَرِيمُهُم أَبًا، فكَأَنَّه قال: فَأَنْتَ مُبْيَضُّهُم سِرْبالًا، فَلَمَّا أَضافَهُ انْتَصَبَ مَا بَعْدَه عَلَى التَّمْيِيِز. انْتَهَى.

قُلتُ: البَيْتُ لِطَرَفَةَ يَهْجُو عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ، ويُرْوَى:

إِن قُلتَ نَصْرٌ فنَصْرٌ كانَ شَرَّ فَتًى *** قدْمًا وأَبْيَضَهُم سِرْبَالَ طبَّاخِ

وهكذا رَوَاه صَاحِبُ العُبَاب.

والْبَيْضَةُ وَاحِدَةُ بَيْضِ الطَّائِرِ، سُمِّيَتْ لِبَيَاضِهَا، الجمع: بُيُوضٌ، بالضَّمِّ، وبَيْضَاتٌ، وبَيْضٌ. قال عُمْرو بنُ أَحْمَرَ:

أَرِيهِمْ سُهَيْلًا والمَطِيُّ كأَنَّهَا *** قَطَا الحَزْنِ قد كانَتْ فِرَاخًا بُيُوضُهَا

قال الصَّاغَانِيّ: ولا تُحَرَّك اليَاءُ من بَيْضَاتٍ إِلاَّ في ضَرورةِ الشَّعْرِ، قال:

أخُو بَيَضَاتٍ رائحٌ مُتَأَوَّبٌ *** رَفيقٌ بِمَسْحِ المَنْكِبَيْنِ سَبُوحُ

وكَذلِكَ البَيْضَةُ وَاحدَةُ الْبَيْضِ من الحَدِيدِ، على التَّشبِيهِ بِبَيْضَةِ النَّعَامِ، قاله أَبو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بنُ المُثَنَّى التَّيْميّ في كِتَاب «الدُّروع»، وأَنشد فيه:

كَأَنَّ نَعامَ الدَّوِّ بَاضَ عَليْهِمُ *** وأَعْيُنُهُمْ تَحْتَ الحَبِيكِ حَوَاجِرُ

وقال آخَر:

كأَنَّ النَّعَامَ بَاضَ فوقَ رُؤُوسِنَا *** بنِهْيِ القِذَافِ أَو بنِهْيِ مُخَفَّقِ

وقال فيه: البَيْضَةُ: اسمٌ جَامِعٌ لِمَا فِيهَا من الأَسْمَاءِ والصَّفات الَّتِي مِن غيْرِ لَفْظها، ولَهَا قَبائِلُ وصَفَائِحُ كقبَائلِ الرَّأْسِ، تُجْمَعُ أَطْرَافُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ بِمَسَامِيرَ يَشُدُّونَ طَرَفَيْ كُلِّ قَبِيلَتْينِ. قال: ورُبما لم تَكُنْ مِنْ قبَائِلَ، وكانَت مُصْمَتَةً مَسْبُوكَةً من صَفِيحَةٍ وَاحِدَةٍ، فيُقَالُ لها صَمّاءُ. ثمّ أَطالَ فِيَها.

والبَيْضَةُ: الخُصْيَةُ، جَمْعُه بِيضَانٌ، بالكَسْرِ.

ومن المَجَازِ: الْبَيْضَةُ: حَوْزَةُ كُلِّ شَيْ‌ءٍ، يُقَال: اسْتُبِيحَتْ بَيْضَتُهُم؛ أَي أَصْلُهُم ومُجْتَمَعُهُم، ومَوْضِعُ سُلْطانِهِم، ومُسْتَقَرُّ دَعْوَتِهِم.

والْبَيْضَةُ: سَاحَةُ القَوْمِ. قال لَقيطُ بنُ مَعْبَدٍ:

يا قَوْم بَيْضَتُكُمْ لا تُفْضَحُنَّ بِها *** إِنَّي أَخافُ عَليْهَا الأَزْلمَ الجَذَعَا

يقول: احْفَظُوا عُقْرَ دَارِكُمْ. والأَزلَمُ الجَذَعُ: الدَّهْرُ، لأَنَّهُ لا يَهْرَم أَبَدًا.

وبَيْضَةُ الدارِ: وَسَطُها ومُعْظَمُهَا. وبَيْضَةُ الإِسْلامِ: جَمَاعَتُهُم: وبَيْضَةُ القَوْمِ: أَصْلُهُم ومُجْتَمَعُهُم. يقال: أَتَاهم العَدُوُّ في بَيْضَتِهِمْ. وَبَيْضَةُ القَوْمِ: عَشِيرَتُهم.

وقال أَبُو زيْدٍ: يُقَال لوَسَطِ الدَّارِ: بَيْضَةٌ، ولجَمَاعَةِ المُسْلِمينَ: بَيْضَةٌ.

والْبَيْضَةُ: موضع بالصَّمَّان لِبَنِي دَارِم، قالَه ابنُ حَبِيب.

قُلتُ: وهُوَ دَارِمُ بنُ مَالِكِ بن حَنْظَلَة، ويُكْسَرُ. وقال أَبو سَعِيد: يُقَال: لِمَا بَيْنَ العُذَيْبِ والعَقَبةِ: البَيْضَةُ، وبَعْدَ البَيْضَةِ البَسِيطَةُ، كَذَا نَصُّ العُبَابِ.

وفي الصّحاح: بِيضَةُ، بالكَسْر: اسمُ بَلْدَةٍ. قال الصَّاغَانِيّ: هي بالحَزْنِ لبَني يَرْبوع. قُلْتُ: وفي المُعْجَم: المُصْعِد إِلى مَكَّة يَنْهَضُ في أَوَّلِ الحَزْنِ من العُذَيْبِ في أَرْضٍ يُقَال لها البِيضَة حَتَّى يَبْلُغَ مَرْحَلَةَ العَقَبَةِ في أَرْضٍ يُقَال لها: البَسِيطَةُ، ثمّ يَقَع في القَاعِ، وهو سَهْلٌ، ويقال: زُبَالَةُ أَسْهَلُ مِنه.

وبَيْضَةُ النَّهَارِ: بَيَاضُهُ، يُقال: أَتَيْتُه في بَيْضَةِ النَّهَارِ.

ومن المجاز قَولُهم: هو أَذَلُّ مِنْ بَيْضَةِ البَلَدِ؛ أَي من بَيْضَةِ النَّعَامِ، وهي التَّرِيكَةُ الَّتِي تَتْرُكُهَا في الفَلَاةِ فلا تَحْضُنُهَا، وهو ذَمٌّ. وأَنْشد ثَعْلَبٌ للرَّاعي يَهْجُو ابنَ الرِّقَاع العَامِلِيّ:

لَوْ كُنْتَ من أَحَدٍ يُهْجَى هَجَوْتُكُمُ *** يابْنَ الرِّقَاعِ ولكِنْ لَسْتَ من أَحَدِ

تَأْبَى قُضاعَةُ لَمْ تَعْرِفْ لَكُم نَسَبًا *** وابْنَا نِزَارٍ فأَنْتُم بَيْضَةُ البَلَدِ

أَرادَ أَنَّه لا نَسَب له ولا عَشِيرَةَ تَحْمِيه.

وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِشَاعِرٍ. قال ابن بَرِّيّ: هو صِنَّان بنُ عَبّادٍ اليَشْكُريّ:

لو كانَ حَوْضَ حِمَارٍ ما شَرِبْتُ بِهِ *** إِلاَّ بإِذْنِ حِمَارٍ آخِرَ الأَبَدِ

لكِنَّه حَوضُ مَنْ أَوْدَى بِإِخْوَتِهِ *** رَيْبُ المَنُون فَأَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ

أَي أَمْسَى ذَلِيلًا كهذِه البَيْضَةِ الَّتِي فَارَقَهَا الفَرْخُ فَرَمَى بِهَا الظَّلِيمُ فدِيسَتْ، فلا أَذَلَّ منْهَا. وقال كُرَاع: الشِّعْر للمُتَلَمِّس. وقال المَرْزُبَانِيّ: إِن الشّعرَ لِثَوْرٍ بن الفَّار اليَشْكُرِيّ.

ويقال أَيْضًا: هُو بَيْضَةُ البَلَدِ، إِذا مَدَحُوهُ وَوَصَفُوه بالتَّفَرُّدِ؛ أَي وَاحِدُه الَّذِي يُجْتَمَع إِليْه ويُقبَلُ قَوْلُه.

وأَنْشَدَ أَبُو العَبّاس لِامْرَاةٍ من بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ تَرْثي عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ، وتَذْكُر قَتْل عَليٍّ إِيّاه:

لَوْ كَانَ قَاتِلُ عَمْرٍو غيْرَ قَاتِلِه *** بَكيْتُهُ ما أَقَامَ الرُّوحُ في جَسَدي

لكِنَّ قاتِلَه مَنْ لا يُعَابُ بِهِ *** وكَانَ يُدْعَى قَدِيمًا بَيْضَةَ البَلَدِ

أَي أَنَّهُ فَرْدٌ ليْسَ أَحَدٌ مِثْلَهُ في الشَّرَفِ، كالْبَيْضَةِ الّتي هي تَرِيكَةٌ وَحْدَهَا ليْسَ مَعَهَا غيْرُهَا.

قال الصَّاغَانِيّ: قائلة هذا الشِّعر هي أُخْتُ عمْرِو بن عبْد وُدّ.

وإِذَا ذُمَّ الرَّجُلُ فقِيلَ هُوَ بَيْضَةُ البَلَدِ، أَرادُوا هو مُنْفَرِدٌ لا نَاصرَ له بمَنْزلَةِ بَيْضَةٍ قَام عَنْهَا الظَّلِيم وتَرَكَهَا لا خيْرَ فِيهَا ولا مَنْفَعَة، ضِدٌّ.

ذَكَرَهُ أَبو حَاتِمٍ في كتَابِ الأَضْدَادِ. وكَذَا أَبو الطَّيّب اللُّغَويّ في كتاب الأَضْدَادِ. وسُئِلَ ابنُ الأَعْرَابِيّ عَن ذلِكَ فقَال: إِذا مُدِحَ بها فهي الَّتِي فيهَا الفَرْخُ، لأَنَّ الظَّليم حِينئِذٍ يَصُونُهَا، وإِذا ذُمَّ بِها فهي الَّتي قد خَرَج الفَرْخُ عَنْهَا ورَمَى بها الظَّلِيمُ فَدَاسَهَا النَّاسُ والإِبِلُ، وهكذا نَقَلَه أَبو عَمْرٍو عن أَبِي العَبَّاسِ أَيْضًا. وقال أَبُو بَكْرٍ: قولُهم: فُلانٌ بَيْضَةُ البَلَدِ، هو من الأَضْدادِ، يَكُونُ مَدْحًا، ويكون ذَمًّا. قُلْتُ: وأَما قَوْلُ حَسّانَ في نَفْسِه:

أَمْسَى الخَلابيسُ قَدْ عَزُّوا وقَدْ كَثُرُوا. *** وابْنُ الفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ البَلَدِ

فقال أَبو حَاتم: هو مَدْح. وأَبَاه الأَزْهَرِيُّ وقال: بَلْ هُوَ ذَمُّ، انْظُرْه في التَّهْذِيب.

وبَيْضَةُ البَلَدِ: الفَقْعُ، كما في العبابِ، وفي الأَسَاس: هي الكَمْأَةُ. ومن المَجَاز قوْلُهُم في المَثل: كَانُوا بَيْضَةَ العُقْرِ، للمَرَّة الأَخِيرَة، نَقَلَه الزَّمَخْشَرِيّ. وقال اللّيْثُ يَبِيضُهَا الدِّيكُ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ لا يَعُودُ. يُضْرَبُ لِمَنْ يَصْنَع الصَّنِيعَةَ ثُمَّ لا يَعُودُ لَهَا. وقيل: بَيْضَةُ العُقْرِ: أَن تُغْصَبَ الجَارِيَةُ نَفْسُهَا فتُقْتَضَّ فتُجَرَّبَ بِبَيْضَةٍ، وتُسَمَّى تلك البَيْضَةُ بَيْضَةَ العُقْرِ، وقد تقدّم في «ع ق ر».

ومن المَجَازِ: بَيْضَةُ الخِدْرِ: جَارِيَتُهُ، لِأَنَّهَا في خِدْرهَا مَكْنُونَةٌ. وفي البَصَائِر: وكُنِيَ عَنِ المَرْأَةِ بِالبَيْضَةِ تَشبِيهًا بِهَا في اللَّوْنِ، وفي كَوْنِهَا مَصُونَةً تَحْتَ الجَنَاحِ، ويُقَال: هِيَ من بَيْضَاتِ الحِجَالِ. وأَنْشَدَ الصَّاغَانِيّ لامْرِئِ القيْس:

وبَيْضَةِ خِدْر لا يُرَامُ خِبَاؤُهَا *** تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غيْرَ مُعْجَلِ

والبَيْضَتَانِ، بالفَتْحِ، ويُكْسَرُ، وبهما رُوِيَ قَوْلُ الأَخْطَل:

فَهْوَ بها سَيِّي‌ءٌ ظَنًّا وليْسَ لَهُ *** بِالْبَيْضَتَيْنِ ولا بالغَيْضِ مُدَّخَرُ

وهو موضع على طَرِيقِ الشَّامِ من الكُوفَة. وقال أَبو عَمْرو: هو بالفَتْح، فَوْقَ زُبَالَةَ. وقال غيْرُه: هو ما حَوْلَ البَحْرَيْنِ من البَرِّيِّة، ورَوَاهُ بالكَسْر. وأَمَّا قولُ جرير:

قَعِيدَكُمَا الله الَّذِي أَنْتُمَا له *** أَلمْ تَسْمَعَا بِالْبَيْضَتَيْنِ المُنَادِيَا

فإِنَّهُ أَرادَ بِهِمَا المَوْضِعَ الَّذِي بالحَزْنِ لِبَنِي يَرْبُوعٍ، والذِي بالصَّمَّان لِبَنِي دَارِمٍ. وقد رُوِيَ فِيهِمَا الفَتْحُ والكَسْرُ، كما تَقَدَّم. وهُناكَ قولٌ آخَرُ، يُقَالَ لِمَا بَيْنَ العُذيْبِ ووَاقِصَةَ بأَرْضِ الحَزْنِ من دِيارِ بَنِي يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ: بَيْضَةٌ.

والْبِيضَةُ، بالكَسْرِ: الأَرْضُ البَيْضَاءُ المَلْسَاءُ. قال رُؤْبَةُ:

يَنْشَقُّ عَنِّي الحَزْنُ والبِرِّيتُ *** والْبِيضَةُ البَيْضَاءُ والخُبُوتُ

هكذا رَوَاه شَمِرٌ عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيّ بكَسْرِ البَاءِ.

وقال ابنُ عَبَّادٍ: البِيضَةُ: لَوْنٌ من التَّمْرِ، الجمع: البِيضُ، بالكَسْرِ أَيضًا.

ومن المَجَازِ قَوْلُهُم: سَدَّ ابْن بِيضٍ الطَّرِيقَ، بالكَسْر، وقد يُفْتَح، كما هُوَ في الصّحاح. ووجدتُ في هَامِشِه بخَطّ أَبِي زَكَريّا، قال أَبُو سَهْلٍ الهَرَوِيّ: هكذا رأَيْتُ بخَطّ الجَوْهَرِيّ بفَتْحِ البَاءِ. وكذَا رَوَاهُ خَالُه أَبُو إِبْرَاهِيمَ الفَارَابِيّ في دِيوَانٍ الأَدَبِ. أو هو وَهَمٌ للجَوْهَرِيّ، قال أَبو سَهْلٍ: والَّذِي قَرَأْتُهُ على شيخَنا أَبِي أُسَامَةَ، بكَسْرِ البَاءِ، وهكذا رَأَيْتُه بخَطِّ جَمَاعَةٍ من العُلَمَاءِ باللُّغَة، بكَسْرِ البَاءِ، وهكذا نَقَلَه ابنُ العَدِيم في تَارِيخ حَلَب. قُلْتُ: والصَّوابُ أَنَّه بالكَسْرِ والفَتْح، كما نَقَلَه الصَّاغَانِيّ وغَيْرُه، وبِهِمَا رُوِيَ قَوْلُ عَمْرِو بنِ الأَسْوَد الطُّهَوِيّ:

سَدَدْنَا كما سَدَّ ابنُ بَيضٍ طَرِيقَهُ *** فلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ الثَّنِيَّةِ مَطْلَعَا

وكذا قَوْل عَوْفِ بنِ الأَحْوَصِ العَامِرِيّ:

سَدَدْنَا كما سَدَّ ابُن بَيْضٍ فلم يَكُن *** سِوَاهَا لِذِي الأَحْلَامِ قَوْمِيَ مَذْهَبُ

والجَوْهَرِيّ لم يُصَرِّح بالفَتْح ولا بالكَسْر، وإِنَّمَا هو ضَبْط قَلَمٍ، فَلا يُنْسَب إِليه الوَهَمُ في مِثْل ذلِكَ، على أَنَّ له أُسْوَةً بخَاله، وكَفَى به قُدْوَةً. وأَمّا ابنُ بَرِّيّ فقد اخْتَلَفَ النَّقْلُ عنه في التَّعْقِيب. وقال رَضِيُّ الدينِ الشّاطِبِيّ على حَاشِيَة الأَمَالي لابْنِ بَرِّيّ ما نَصُّه: وأبو مُحَمَّد، رَحِمَهُ الله، حَمَلَ الفَتْحَ في بَاءِ الشَّاعِر على فَتْح البَاءِ في صَاحِبِ المَثَل، فعَطَفَه عَليه، أَيْ أَنَّ الشَّاعِرَ الذِي هو حَمزَةُ بنُ بِيضٍ، وسَيَأْتي ذِكْرُه بكَسْرِ الباءِ لَا غيْر، فَتَأَمَّلْ: تَاجِرٌ مُكْثِرٌ من عَادٍ، كَذَا نَصُّ المُحِيط. وقال ابنُ القَطَّاعِ: أَخبَرنَا أَبُو بَكْرٍ اللُّغَوِيُّ، أَخبَرَنا أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيّ، أَخبَرنَا أَبو نَصْرٍ الجَوْهَرِيّ، قال: قال الأَصْمَعِيُّ: ابنُ بَيْضٍ‌ كَانَ في الزَّمَن الأَوّلِ، عَقَرَ نَاقَتَهُ عَلَى ثَنِيَّة، وعند ابنِ قُتيْبَة: نَحَرَ بَعِيرًا له على أَكَمَةٍ، فسَدَّ بِهَا الطَّريقَ ومَنَعَ النَّاسَ مِنْ سُلُوكِهَا. وقال المُفَضَّلُ: كَانَ ابنُ بَيْضٍ رَجُلًا من عَادٍ تاجِرًا مُكْثِرًا، فكانَ لُقْمَانُ بنُ عَادٍ يَخْفِره في تِجَارَته ويُجِيزهُ على خَرْجٍ يُعْطِيه ابنُ بَيْضٍ يَضَعُه له على ثَنِيَّةٍ، إِلى أَنْ يَأْتِيَ لُقْمَانُ فَيَأْخُذَهُ، فإِذَا أَبْصَرَهُ لُقْمَانُ قَد فَعَل ذلِكَ. قال: «سَدَّ ابنُ بَيْضٍ السَّبِيلَ»؛ أَي لم يَجْعَلْ لي سَبِيلًا على أَهْلِهِ ومَالِهِ. وذكر ابنُ قُتَيْبَةَ عن بَعْضِهِم: هو رَجُلٌ كانَت عليه إِتَاوَةٌ فَهَرَبَ بها فاتَّبَعه مُطَالِبُهُ، فلَمَّا خَشِيَ لَحَاقَهُ وَضَعَ ما يُطَالِبُه به على الطَّرِيقِ ومَضَى، فلَمَّا أَخَذ الإِتَاوَةَ رَجَعَ وقَال هذَا المَثَلَ؛ أَي مَنَعَنَا مِنِ اتِّبَاعِهِ حِينَ أَوْفَى بِمَا عَليْه، فكَأَنَّهُ سَدَّ الطَّرِيقَ. وقَالَ بَشَامَة بن عَمْرو:

وإِنَّكُم وعَطَاءَ الرِّهَانِ *** إِذَا جَرَّت الحَرْبُ جُلاَّ جَلِيلَا

كثَوْبِ ابْنِ بَيْضٍ وَقاهُمْ بِهِ *** فسَدَّ على السَّالِكِين السَّبِيلَا

قال الصَّاغَانِيّ: الثَّوْبُ كِنَايَةٌ عن الوِقَايَة لأَنَّهَا تَقِي وِقَايةَ الثَّوْب.

وقال ابنُ قُتَيْبة في قَوْلِ عمْرو بْن الأَسْوَد الطُّهَوِيّ السَّابِق: كَنَى الشّاعِرُ عن البَعِيِر، إِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ على ما قَالَهُ الأصمَعِيّ، أو عَنِ الإتَاوَة إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ على ما ذَكَرَه غيْرُهُ بالثَّوْب، لأَنَّهَما وَقَيَا، كما يَقِي الثَّوْبُ، كَذَا في تَارِيخ حَلب لابْنِ العَدِيم.

وبِيضَات هكذا في النُّسَخِ بالتَّاءِ الفَوْقِيَّة، والصَّوابُ بِيضَانُ الزُّرُوبِ، بِالكَسْر والنّون: بلد قال أَبُو سَهْم أَسَامَةُ بنُ الحَارِث الهُذَلِيُّ:

فلَسْتُ بمُقْسِمٍ، أوَدَدْتُ أَنِّي *** غَدَاتَئِذٍ ببِيْضَانِ الزُّرُوبِ.

والبِيضَانُ، بالكسْرِ: جَبَلٌ لبَنِي سُليْم. قال مَعْنُ بنُ أَوْسٍ المُزَنِيُّ، يَمْدَح بَعْضَ بَنِي الشَّرِيد السُّلَمِيِّين:

لآلِ الشَّرِيدِ إِذْ أَصابُوا لِقَاحَنا *** بِبِيضَانَ والمَعْرُوفُ يُحْمَدُ فاعِلُهْ

والْبِيضَانُ من النَّاسِ: ضِدُّ السُّودانِ، جَمْعُ أَبْيَضَ، وأَسْوَدَ.

ومِنَ المَجَاز: البَيْضُ، بالفَتْح: وَرَمٌ في يَدِ الفَرَسِ، مِثْل النُّفَخِ والغُدَدِ، وفَرَسٌ ذُو بَيْضٍ. قال الأَصْمَعِيّ: هو من العيُوبِ الهَيِّنَةِ. وقد بَاضَتْ يَدُه تَبِيضُ بَيْضًا. وقَال أَبُو زيْد: البَيْضَةُ: وَرَمٌ في رُكْبَةِ الدَّابّةِ.

وبَاضَتِ الدَّجَاجَةُ، ونَصّ الصّحاح: الطَّائِرَةُ، فَهِيَ بَائِضٌ: أَلْقَتْ بَيْضَهَا. ودَجَاجَةٌ بَيُوضٌ، كصَبورٍ: كَثِيرَةُ البَيْضِ.

الجمع: بُيُضٌ، بضَمَّتَيْن، وبِيضٌ، بالكَسْرِ، الأُولَي ككُتُبٍ، الأُوْلَى تَمْثِيلُهَا بصُبُرٍ في جمع صَبُور، والثَّانِيَةُ مِثْلُ مِيلٍ، في لُغَة مَنْ يَقُولُ في الرُّسُلِ، وإِنّمَا كُسِرَت الباءُ لِتَسْلَمَ الياءُ، قاله الجوْهَرِيّ وقال غَيْرُه: وقد قالوا: بُوضٌ. وقال الأَزهريّ: يقال دَجَاجَةٌ بَائِضٌ، بغير هاءٍ، لأَنَّ الدِّيكَ لا يَبِيضُ. وقال غَيْرُه: يُقَال دِيكٌ بَائِضٌ، كما يُقَال: وَالِدٌ، وكَذلِكَ الغُرَابُ، قال:

بِحَيْثُ يَعْتَشُّ الغُرَابُ الْبَائِضُ

قال ابنُ سِيدَهْ: وهو عنْدي عَلَى النَّسَبِ.

ومن المَجَاز: بَاضَ الحَرُّ؛ أَي اشْتَدَّ، كما في الصّحاح، والأَساس، ووَهِمَ الصَّاغَانِيّ فَذَكَرَهُ في التَّكْمِلَة، وهو مَوْجُودٌ في نُسَخ الصّحاح كُلِّهَا.

ومن المَجَازِ: بَاضَت البُهْمَى؛ أَي سَقَطَتْ نِصَالُهَا، كما في الصّحاح كأَبَاضَتْ وبَيَّضَتْ. والَّذِي في التَّكْمِلَة والعُبَابِ: أَبَاضَت البُهْمَى، مِثْلُ بَاضَتْ، وكَذلِكَ أَبْيَضَتْ.

وبَاضَ فُلانًا يَبِيضُهُ: غَلَبَهُ في الْبَيَاضِ، ولا يُقَال‌ يَبُوضُهُ، كما في الصّحاح والعَباب، وهو مُطَاوِعُ بَايَضَهُ فَبَاضَهُ، كما قاله الجَوْهَرِيّ.

وقال ابنُ عَبَّادٍ: بَاضَ العُودُ، إِذا ذَهَبَتْ بِلَّتُهُ ويَبِسَ، فهُوَ يَبِيضُ بُيُوضًا، وهو مَجَاز.

وباضَ بالمَكانِ: أَقَامَ به، كما في العُبَاب، وهو مَجَازٌ.

وبَاضَ السَّحَابُ، إذا مَطَرَ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، وهو مَجَاز، وأَنْشَدَ:

بَاضَ النَّعَامُ بِهِ فنَفَّرَ أَهْلَهُ *** إِلاَّ المُقِيمَ عَلَى الدَّوا المُتَأَفِّنِ

قال: أَراد مَطَرًا وَقَعَ بَنوْءِ النَّعائم. يَقُولُ: إِذا وَقَعَ هذا المَطَرُ هَرَبَ العُقَلاءُ وأَقَامَ الأحمَقُ، كما في العَباب.

وقال ابنُ بَرّيّ: وَصَفَ هذَا الشاعرُ وَادِيًا أَصابَهُ المَطَرُ فأَعْشَبَ. والنَّعَامُ هُنَا النَّعَائِمُ من النُّجُوم، وإِنَّمَا تُمْطِرُ النَّعَائمُ في القَيْظِ فَيَنبُتُ في أُصُول الحَلِيَّ نَبْتٌ يقال له النَّشْرُ، وهو سُمٌّ إِذا أَكَلَه المالُ مَوَّتَ. ومعنَى باضَ: أَمْطَرَ. والدَّوَا بمَعْنَى الدّاءِ. وأَرادَ بالمُقِيمِ المُقيمَ به على خَطَرِ أَن يَمُوت. والمُتَأَفَّنُ: المُتَنَقِّص. قال: هكذا فَسَّره المُهَلَّبِيُّ في باب المقْصور لابْنِ وَلاّدٍ، في بابِ الدّال.

وقال الفَرَّاءُ: تَقُولُ العَرَبُ: امْرَأَةٌ مُبْيَضَةٌ، إِذا وَلَدَت البِيضَانَ، قال، ومُسْوَدَةٌ ضدُّها. قال: وأَكْثَرُ ما يَقُولُون: مُوضِحَة، إِذا وَلَدَت البِيضَانَ، كما في العُبَاب.

قال الفَرّاءُ: ولهم لُعْبَةُ، يقولون: أَبِيضي حَبَالًا وأَسِيدِي حَبَالًا، هكذا نَقَلَه الصَّاغَانِيّ في كِتَابَيْه.

وبَيَّضَهُ تَبْيِيضًا: ضِدُّ سَوَّدَهُ. يُقَالُ: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَهُ.

ومن المَجاز: بَيَّضَ السِّقَاءَ: إذا ملاه من المَاءِ والَّلبَنِ، نقله الجَوْهَرِيّ والصَّاغَانِيّ. وبَيَّضَهُ أَيضًا، إِذا فَرَّغَهُ، وهو ضِدٌّ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ وصَاحِبُ اللِّسَان، وهو مَجَاز.

وَالمُبَيِّضَةُ، كمُحَدِّثَةٍ: فِرْقَةٌ من الثَّنَوِيَّة. قال الجَوْهَرِيّ: وهُمْ أَصْحَابُ المُقَفَّعِ، سُمُّوا بِذلِكَ لِتَبْيِيضِهِمْ ثِيَابَهُمْ مُخَالَفَةً للمُسَوِّدَةِ من العَبَّاسِيِّينَ؛ أَي لِأَنَّ شِعَارَهُمْ كانَ السَّوادَ.

يَسْكُنُون قَصْرَ عُمَيْرٍ.

وابْتَاضَ الرَّجُلُ: لبِسَ البَيْضَةَ من الحَدِيد.

ومن المَجَازِ: ابْتَاضَ القَوْمَ؛ أَي اسْتَأْصَلَهُمْ. يُقَال: أَوْقَعُوا بِهم فَابْتَاضُوهُم؛ أَي استَأْصَلُوا بَيْضَتَهُم فابْتِيضُوا: اسْتُؤْصِلُوا، وأُبِيحَتْ بَيْضَتُهُمْ.

وابْيَضَّ الشَّيْ‌ءُ، وابْيَاضَّ: ضِدُّ اسْوَدَّ، واسْوَادّ، وهو مُطَاوِعُ بَيَّضْتُ الشَّيْ‌ءَ تَبْيِيضًا، كما في الصّحاح.

وأَيَّامُ الْبِيضِ، بالإضَافَةِ، لِأَنَّ الْبِيضَ من صِفَةِ اللَّيَالِي، أَيْ أيّامُ الّليَالِي الْبِيضِ، وهي الثالث عَشَرَ إِلى الخامِسَ عَشَرَ، وهو القَوْلُ الصَّحِيحُ، كما قَالَه النَّوَوِيُّ وغَيْرُهُ، وإِنَّمَا سُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِيضًا لِأَنَّ القَمَرَ يَطْلُعُ فيها من أَوَّلِها إِلى آخِرِها. أَو هِيَ من الثَّانِي عَشَرَ إِلى الرابعَ عَشَرَ، وهو قَوْلٌ ضَعِيفٌ شَاذُ. قال شيْخُنَا: ولا يَصِحُّ إِطْلاقُ البَيَاضِ على الثَّانِي عَشَرَ، لأَنَّ القَمَرَ لا يَسْتَوْعِبُ لَيْلَتهُ، ولَا تَقُل: الأَيَّامُ البِيضُ، قاله ابنُ بَرِّيّ، وابنُ الجَوَالِيقِيّ، ولكِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ هكذا: «كانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الأَيّامَ البِيضَ»، وقد أَجابَ شُرَّاح البُخَارِيّ عَمّا أَنْكَرَاهُ، مع أَنَّ المُصَنِّف قد ارْتَكبَه بنَفْسِهِ في «وض ح» فَفَسَّر الأَوَاضِحَ هُنَاكَ بالأَيّامِ الْبِيضِ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عَليْه:

أَبَاضَ الشَّيْ‌ءُ مِثْلُ ابْيَضَّ، وكذلِكَ ابْيَضَضَّ، في ضَرُورَة الشِّعْر، قال الشاعر:

إِن شَكْلِي وإِنَّ شَكْلَكَ شَتَّى *** فالْزَمِي الخُصَّ واخْفِضِي تَبْيَضِضِّي

فإِنَّه أراد: تَبْيَضِّي، فزَادَ ضَادًا أُخْرَى ضَرُورَةً لِإِقَامَةِ الوَزْنِ، أَوْرَدَهُ الجَوْهَرِيّ هكَذا في مادة «خ ف ض».

ويقال: أَعْطِنِي أَبْيَضَّهْ، بتشديد الضادِ، حَكَاهُ سِيبَوَيْه عن بَعْضِهِم، يُرِيدُ أَبْيَضَ، وأَلحَق الهَاءَ كما أَلحَقَهَا في هُنَّه، وهو يُرِيدُ: هُنَّ. ولكَوْنِ الضَّادِ الثّانيَة وهي الزّائدةُ ليْسَت بَحْرفِ الإِعْرَابِ لَحِقَتْه بَيَانَ الحَرَكَة. قال أَبو عَلِيٍّ: وهي ضَعِيفَةٌ في القِيَاس.

وأَبَاضَ الكَلَأُ: ابْيَضَّ ويَبِسَ.

والمُبَايَضَةُ: المُغَالَبَةُ في الْبَيَاضِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ.

وأَبْيَضَتِ المَرْأَةُ وأَبَاضَتْ: وَلَدَت البِيضَ، وكَذلِكَ الرَّجُلُ.

والبَيَّاضُ، ككَتَّانٍ: الَّذِي يُبَيِّضُ الثِّيَابَ، على النَّسَب، لا عَلَى الفِعْل، لِأَنَّ حُكْمَ ذلِكَ إِنَّمَا هو مُبَيِّضٌ.

والثِّيَابَ، على النَّسَبِ، لا عَلَى الفِعْل، لِأَنَّ حُكْمَ ذلِكَ إِنَّمَا هُوَ مُبَيِّضٌ.

والْأَبْيَضُ، عِرْقُ السُّرَّةِ، وقِيلَ: عِرْقٌ في الصُّلْبِ، وقِيل: عِرْقٌ في الحَالِبِ، صِفَةٌ غالِبَةٌ، كُلُّ ذلِكَ لِمَكَانِ الْبَيَاضِ.

وقال الجوْهَرِيُّ: الْأَبْيَضَانِ: عِرْقان في حَالِبِ الْبَعِيرِ، وأَنْشَد للرَّاجِزِ.

كأَنَّما يَيْجعُ عِرْقَيْ أَبْيَضِهْ

قال الصاغَانِيّ: ووقعَ في الصّحاح: عِرْقا أَبْيَضِهِ بالألف، والصَّوابُ عِرْقَيْ بالنَّصْبِ كقَوْلِهم: يَوْجَعُ رَأْسَه.

وقال غيْرُه: هُمَا عِرْقَا الوَرِيد. وقيلَ: عِرْقَانِ في البَطْنِ، لِبَيَاضِهِمَا قال ذو الرُّمَّة:

وأَبْيَضَ قد كَلَّفْتُه بعدَ شُقَّةٍ *** تَعَقَّدَ منها أَبْيَضَاهُ وحَالِبُهْ

وبَيَاضُ الكَبِدِ والقَلْبِ والظُّفرِ: ما أَحَاطَ بهِ. وقِيلَ: بَيَاضُ القَلْبِ من الفَرَسِ: ما أَطَافَ بالْعِرْقِ من أَعْلَى القَلْبِ. وبَيَاضُ البَطْنِ: بَنَاتُ اللَّبَنِ وشَحْمُ الكُلَى ونَحْوُ ذلِكَ، سَمَّوْهَا بالْعَرَضِ كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا: ذَاتَ البَيَاضِ.

وكَتِيبَةٌ بَيْضَاءُ: عَلَيْهَا بَيَاضُ الحَدِيد.

والبَيْضَاءُ: الشَّمْسُ، لِبَيَاضِهَا، قال الشَّاعِر:

وبَيْضَاءَ لم تَطْبَعْ ولَمْ تَدْرِ مَا الخَنَا *** تَرَى أَعْيُنَ الفِتيَانِ من دُونِهَا خُزْرَا

ويقال: كَلَّمْتُه فما رَدَّ عَلَيَّ بَيْضَاءَ ولا سَوْداءَ؛ أَي كَلِمَةً حَسَنَة ولا قبِيحَةً، على المَثَلِ.

وكَلَامٌ أَبْيَضُ: مَشْرُوحٌ، على المَثَلِ أَيْضًا، وكذا صَوْتٌ أَبْيَضُ؛ أَي مُرْتَفِعٌ عَال، على المَثَلِ أَيضًا.

وقال ابنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لِلْأَسْوَدِ: أَبو الْبَيْضَاءِ، ولِلْأَبْيَضِ أَبُو الجَوْنِ.

واليَدُ الْبَيْضَاءُ: الحُجَّة المُبَرْهَنَةُ، وهي أَيْضًا اليَدُ الَّتِي لا تُمَنُّ والَّتِي عن غيْرِ سُؤَالٍ، وذلِكَ لشَرَفِهَا في أَنْوَاعِ الحِجَاجِ والعَطَاءِ.

وأَرْضٌ بَيْضَاءُ: مَلْسَاءُ لا نَباتَ فِيهَا، كَأَنَّ النَّبَات كان يُسَوِّدُهَا، وقِيلَ: هي الَّتِي لم تُوطَأْ.

وبَيَاضُ الجِلْدِ: ما لا شَعْرَ عليه.

ودَجَاجَةٌ بَيَّاضَةٌ، كَبَيُوضٍ، وهُنَّ بُوضٌ.

وغُرَابٌ بَائِضٌ على النَّسَبِ.

والْأَبْيَضُ: مُلْكُ فَارِسَ لِبَيَاضِ أَلْوَانِهِم، أَو لِأَنَّ الغَالِبَ على أَمْوَالِهِم الفِضَّةُ.

والبَيْضَةُ، بالفَتْح: عِنَبٌ بِالطَّائِفِ، أَبْيَضُ عَظِيمُ الحَبِّ.

وبَيْضَةُ السَّنَامِ: شَحْمَتُهُ، على المَثَل.

وبِيضَ الحيُّ: أُصِيبَتْ بَيْضَتُهُمْ وأَخَذَ كُلُّ شَيْ‌ءٍ لهُم، وبِضنَاهُمْ، كَابْتَضْنَاهُم: فَعَلنا بِهِم ذَلِكَ عَنوَةً.

وبَيْضَةُ الصَّيْفِ: مُعْظَمُهُ. وبَيْضَةُ الحَرّ: شِدَّتُهُ. وبَيْضَةُ القَيْظِ: شِدَّةُ حَرِّه، وقال الشَّمّاخ:

طوَى ظِمْأَهَا في بَيْضَةِ القَيْظِ بَعْدَما *** جَرَى في عِنَانِ الشَّعْرَيَيْنِ الأَمَاعِزُ

وقَالَ بَعْضُ العَرَب: يَكونُ على المَاءِ بَيْضَاءُ القَيْظِ، وذلِكَ من طُلُوعِ الدَّبَرَانِ إِلى طُلُوعِ سُهَيْلٍ.

وفي الأَسَاس: أَتيْتُهُ في بَيْضَةِ القَيْظِ، وبَيْضَاءِ الْقَيْظِ؛ أَي صَمِيمِه، من طُلُوعِ سُهيْل والدَّبَرَانِ. وقال الأَزْهَرِيُّ: والَّذِي سَمِعْتُهُ: يَكُونُ على المَاءِ حَمْرَاءُ القَيْظِ [وحَمَّارَةُ القيظِ].

وقال ابنُ شُمَيْلٍ: أَفْرَخَ بَيْضَةُ القَوْمِ: إِذا ظهرَ مَكْتُومُ أَمْرِهِم.

وأَفرَخَتِ البَيْضَةُ: صَارَ فِيهَا فَرْخٌ.

وبَاضَتِ الأَرْضُ: اصْفَرَّتْ خُضْرَتُهَا، ونَفَضَتِ الثَّمَرَةُ وأَيْبَسَتْ، وقِيلَ: بَاضَتْ: أَخْرَجَتْ ما فِيهَا من النَّبَاتِ.

وفي الحَدِيثِ في صِفَة أَهْلِ النَّارِ: «فَخُذِ الكافِرَ في النارِ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ» ‌قِيلَ: هو اسمُ جَبَلٍ. قلتُ: ولَعَلَّه الَّذِي تَقَدَّم في المَتْنِ، أَو غيْرُهُ، فَليُنْظر.

ورَجُلٌ مُبَيِّضٌ، كمُحَدِّثٍ: لَابِسٌ ثِيَابًا بِيضًا.

وحَمْزَةُ بنُ بَيْضِ بنِ عَبْدِ اللهِ بن شَمِرٍ الحَنَفِيّ: شاعِرٌ مَشْهُورٌ فَصِيحٌ، رَوَى عن الشَّعْبِيّ، وعنه وَلَدُه مَخْلَد، قَدِمَ حَلَبَ ومَدَحَ المُهَلَّبَ في الحَبْس، كذَا في تَارِيخ ابْنِ العَديم وهو بكَسْرِ الباءِ لا غيْر، قاله ابن بَرِّيّ، وضَبَطَه الحافِظُ بالفَتْحِ. وذَكَرَ النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ أَنَّه دَخَلَ على المَأْمُون فَقَالَ: أَنْشَدْني أَخْلَبَ بَيْتٍ قَالَتْهُ العَرَبُ، قال: فأَنْشَدْتُه أَبْيَاتَ حَمْزَةَ بنِ بِيضٍ في الحَكَمِ بْنِ أَبي العَاص:

تَقُولُ لِي والعُيُونُ هَاجِعَةُ: *** أَقِمْ عَليْنَا يَوْمًا فلمْ أَقِمِ

أَيّ الوُجُوهِ انْتَجَعْتَ، قُلْتُ لَهَا *** وأيُّ وَجْهٍ إِلاَّ إِلَى الحَكَمِ

مَتَى يَقُلْ صَاحبَا سُرَادِقِهِ *** هذا ابنُ بِيضٍ بالبَابِ يَبْتَسِمِ

وفي شَرْحِ أَسماءِ الشُّعَرَاءِ لِأَبِي عُمَرَ المُطَرِّز: حَمْزَةُ ابنُ بِيض.

قال الفَرَّاءُ: الْبِيضُ: جَمْعُ أَبْيَضَ وبَيْضَاءَ.

والْبَيْضَةُ، بالفَتْح: مَوْضِعٌ عِنْدَ مَاوَانَ، بِهِ بِئَارٌ كَثِيرةٌ، من جِبَالِه أُدَيْمَةُ والشّقذان. وبالكَسْرِ جَبَلٌ لِبَنِي قُشَيْرٍ.

والبُيَيْضَةُ، بالتَّصْغِير: اسمُ ماءٍ.

والْبُوَيْضَاءُ، مُصَغَّرًا: قَرْيَةٌ بالقُرْبِ مِنْ دِمَشْق الشَّام، وأَهْلُهَا مَشْهُورُون بالجُودِ، وبِها مَاتَ المَلِكُ الأَمْجَدُ، الحَسَن بنُ دَاوُودَ بْنِ عيسَى بنِ أَبي بَكْرِ بن أَيُّوبَ.

وذُو بِيضَانَ، بالكَسْر: مَوْضِعٌ. قال مُزَاحم:

كما صَاحَ في أَفْنَانِ ضَالٍ عَشيَّةً *** بأَسْفَلِ ذِي بِيضَانَ جُونُ الأَخاطِبِ

وقال ابنُ الأَعْرَابِيّ: البَيْضَةُ، بالفَتْح: أَرضٌ بالدَّوِّ، وحَفَروا بها حَتَّى أَتَتْهُمُ الرِّيحُ مِنْ تَحْتِهِم فَرَفَعَتْهُمْ، ولَمْ يَصِلُوا إِلى المَاءِ. وقال غَيْرُهُ: البَيْضَةُ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ لا نَبَاتَ فِيهَا. والسَّوْدَةُ: أَرضٌ بها نَخيلٌ.

والْبَيَاضَةُ: مَوْضِعٌ بالْإِطْفِيحِيّة، من أَعْمَال مِصْرَ، وهي أَرضٌ بَيْضَاءُ سَهْلٌ لا نَبَاتَ بِهَا.

والسَّوادةُ تجَاهَ مُنْيَةِ بَنِي خَصِيبٍ، بها نَخيلٌ ومَزَارِعُ.

وبَيَاضٌ أَيْضًا من قُرَى الفَيُّومِ.

وقال الفَرَّاءُ: يُقَال: مَا عَلَّمَكَ أَهْلُكَ إِلاَّ بِيضًا، بالكَسْرِ؛ أَي تَمَطُّقًا، نقله الصّاغانِيّ.

وبَاضَ مِنّي فُلانٌ: هَرَبَ.

وابْتَاضَهُمْ: دَخَلَ في بَيْضَتِهِمْ. وابْتَاضَ: اخْتَارَ.

وبَاضَتِ الأَرْضُ: أَنْبَتَتِ الْكَمْأَةَ.

وبَايَضَنِي فُلانٌ: جَاهَرَني، من بَيَاضِ النَّهَارِ.

ولا يُزَايِل سَوَادِي بَيَاضَك؛ أَي شَخْصِي شَخْصَك، وهو مَجَاز.

والْأَبْيَضُ بنُ مُجَاشِعِ بنِ دَارِمٍ: بَطْنٌ من تَميمٍ، مِنْهُم أَبُو لَيْلَى الْأَبْيَضُ الشَّاعِر.

والْبَيَّاضَةُ، مُشَدَّدَة: مَحَلَّةٌ بِحَلَبَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


175-تاج العروس (بعثط)

[بعثط]: البُعْثُطُ، بالضَّمِّ: سُرَّةُ الوَادِي وخَيْرُ مَوْضِعٍ فيه، كالبُعْثُوطِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ.

وقال أَبُو زَيْدٍ: يُقَال: غَطِّ بُعْثُطَكَ، هو: الآسْتُ، أَو هي مَع المَذَاكِيرِ. ويُقَال: أَلْزَق بُعْثُطَهُ بالصَّلَّةِ، يَعْنِي اسْتَهُ وجِلْدَةَ خُصْيَيْه، وقد تُثَقَّلُ طاؤُها؛ أَي في المَعْنَى الأَخِير.

وأَنَا ابنُ بُعْثُطِهَا، يقُولُه العالِمُ بالشَّيْ‌ءِ، كابْنِ بَجْدَتَهِا، وفي حَدِيثِ مُعاوِيَةَ، وقيل له: أَخْبرْنَا عن نَسَبِكَ في قُرَيْشٍ، فقال: «أَنَا ابْنُ بُعْثُطِهَا». يريدُ: أَنَّهُ وَاسِطَةُ قُرَيْشٍ ومن سُرَّةِ بِطَاحِهَا، وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ:

من أَرْفَغِ الوادِيِ لا مِنْ بُعْثُطِه

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


176-تاج العروس (سفط)

[سفط]: السَّفَطُ، محرَّكَةً: الَّذِي يُعَبَّى فيه الطِّيبُ وما أَشْبَهَه من أَدَوَاتِ النِّسَاءِ. وفي المُحكم: كالجُوَالِقِ، وفي غيره: أَوْ كالقُفَّةِ، وهو عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: أَخْبَرنا أَبو حاتِمٍ عن الأَصْمَعِيِّ أَحْسبُه عن يُونُسَ، وأَخْبَرَنا يَزِيدُ بنُ عَمْرٍو الغَنَوِيُّ عن رِجَاله، قال: مَرَّ أَعرابيٌّ بالنَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وهو يُدْفَنُ فَقَال:

هَلاَّ جَعَلْتُم رَسُولَ الله في سَفَطٍ *** مِنَ الألُوَّةِ أَصْدَا مُلْبَسًا ذَهَبَا

وفي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْه: «فَأَصَابُوَا سَفَطَيْن‌ مَمْلُوءَيْنِ جَوْهَرًا».

وعن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ الله عنه أَنَّه قال: لَمّا قُتِل النُّعْمان بن عَمْرِو بن مُقَرِّنٍ رضِيَ الله عنه، أَرْسَلُوا إِلى أُمَّ وَلَدِه: هل عَهِدَ إِليك النُّعمانُ؟ قالت: سَفَطٌ فيه كِتَابٌ. فجاءَتْ به ففَتَحُوه، فإِذَا فِيه: «فإِنْ قُتِل النُّعْمَان ففُلانٌ».

قلت: وأَنْشَدَ بعضُ الشُّيوخِ لأَبي حامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ المازِنيِّ القَيْسِيِّ الغَرْنَاطِيِّ:

تَكْتُبُ العِلْمَ وتُلْقِي في سَفَطْ *** ثُمّ لا تَحْفَظُ، لا تُفْلِحُ قَطّ

إِنَّمَا يُفْلِحُ مَنْ يَحْفَظُه *** بَعْدَ فَهْمٍ وتَوَقٍّ منْ غَلَطْ

ج: أَسْفَاطٌ.

قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وفي بَعْضِ اللُّغَات يُسَمَّى القِشْرُ الَّذِي عَلَى جِلْدِ السَّمَكِ: سَفَطٌ، بالتَّحْرِيكِ، قال: وهو الجِلْدُ الَّذِي عليه الفُلُوسُ.

وقال أَبو عَمْرٍو: سَفَّطَ فُلانٌ حَوْضَهُ تَسْفِيطًا، إِذا شَرَّفَهُ وأَصْلَحَهُ ولَاطَهُ، وأَنْشَد:

حَتَّى رَأَيْت الحَوْضَ ذُو قَدْ سُفِّطَا *** ذُو فَاضَ مِن طُولِ الجِبَى فَأَفْرَطَا

قَفْرًا من الماءِ هَوَاءً أَمْرَطَا

أَرادَ بالهَوَاءِ: الفَارِغَ من الماءِ.

والسَّفِيطُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ، وقيل: السَّخِيُّ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للرّاجِزِ:

ماذا تُرَجِّينَ من الأَرِيطِ *** حَزَنْبَلٍ يَأْتِيكِ بالبَطِيطِ

لَيْسَ بذِي حَزْمٍ ولا سَفِيطِ

قلتُ: وهو قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرْقَط، وقد سَفُطَ، ككَرُمَ، سَفَاطَةً، ونَفْسُه سَفِيطَةٌ بكذا، ويُقَال: هو سَفِيطُ النَّفْسِ؛ أَي سَخِيُّها طَيِّبُها، لُغَةُ أَهْلِ الحِجَازِ: وقال الأَصْمَعِيُّ: إِنَّه لَسَفِيطُ النَّفْسِ، ومُذِلُّ النَّفْس: إِذا كان هَشًّا إِلى المَعْرُوف جَوَادًا.

والسَّفِيطُ أَيْضًا: النَّذْلُ.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: كُلُّ مَنْ لا قَدْرَ له من رَجُلٍ أَو شَيْ‌ءٍ فهو سَفِيطٌ، ضِدٌّ.

والسَّفِيطُ أَيْضًا: المُتَساقِطُ من البُسْرِ الأَخْضَرِ، كما في اللِّسَانِ.

والسُّفَاطَةُ، كثُمَامَةٍ: مَتَاعُ البَيْتِ، كالأَثَاثِ. نَقَلَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.

وسَفْطُ، بالفَتْح، مُضَافةً إِلى ما سَيَأْتِي: أَسْمَاءُ قُرًى فَمِنْها: سَفْطُ أَبِي جِرْجَى، من البَهْنَساوِيّة، وقد وَرَدْتُهَا، وهي كُورَةٌ مُشْتَمِلَة على قرىً، وتُعْرَفُ الآن بسَاحِلِ أَبي جرْج، وكانَتْ سابِقًا تُضَاف إِلى قَيْس، وقد اضْمَحَلَّ حالُها، ومن قُرَاهَا بَنِي مَزار، وهي قريبةٌ من البَحْر.

وسَفْطُ العُرَفاءِ بالبَهْنَساوِيّة أَيضًا غربِيَّ النِّيلِ.

وسَفْطُ القُدُورِ، بأَسْفَلِ مِصْرَ، وهذِه الثّلاثَةُ ذَكَرَهُنَّ الصّاغَانِيُّ والأَخِيرَةُ وهي المَعْرُوفَةُ الآنَ بسَفْطِ عبدِ الله بالغَرْبِيّة، وبها تُوُفِّي عبدُ الله بن جَزْءٍ الزُّبَيْدِيّ. آخرُ من ماتَ من الصَّحابَةِ بمِصْرَ، وقبرُه ظاهِرٌ يُزَارُ، زُرْتُه مِرَارًا، رضِيَ الله عنه.

وسَفْطُ الزَّيْتِ وسَفْطُ زُرَيْق، بالشَّرْقِيَّةِ، وسَفْطُ الحِنَّاء، بها أَيْضًا، وسَفْطُ اللَّبَن، وقد سَقَطَتْ هذِه من نُسْخَةِ الشَّيخِ عبدِ الباسِطِ البُلْقِينِيّ، وسَفْطُ البَهْو، بالمرْتاحِيَّة، وهي منْشِيّةُ الأَحْمَر وسَفْط أَبِي تُرَاب، بالسَّمَنُّودِيَّة، وسَفْط سُلَيْط، بالمنُوفِيّة، وهي مُنْيَة خَلَف، وقد وَرَدْتُهَا وسَفْط كِرْدَاسَةَ، بالبُحَيْرَةِ وسَفْط قُلَيْشَانَ، بحَوْفِ رَمْسِيس، وسَفْطُ مَيْدُومٍ، بالبَهْنَساوِيّة، وهي سَفْطُ بني وَعْلَةَ، وقد وَرَدْتُها، وسَفْطُ رَشِينَ، بالبَهْنَساويَّة أَيْضًا وسَفْطُ الخَمّارةِ، بالأُشْمُونَيْن، وسَفْطُ نَهْبَا، بالجِيزِيَّةِ، ومنها مُرْهَفُ بن صَارِمِ بن فَلاحٍ الجُذَامِيُّ السَّفْطِيُّ، كتَبَ‌ عنه الزَّكِيُّ المُنْذريّ، وتَرْجَمَه في تَكْمِلَتِه. وعَبْدُ الله بنُ مُوسى السَّفْطِيُّ، رَوَى عنه ابن وَهْب. وسَفْط المُهَلَّبِيّ بالأُشْمُونين سَبْعَةَ عَشَرَ قَرْيَةً بمِصْرَ، هكَذَا في أُصُولِ القَامُوس، والصّوابُ: سَبَعَ عَشَرَةَ قَرْيَة، نبّه على ذلكَ شيخُنَا. وفي تَكْمِلَةِ المُنْذِريِّ: سَفْط: سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، كلّهَا بمِصْر في قِبْلِيّها وبَحْرِيِّها. وبَقِيَ عَلَيْه من السُّفُوط: سَفْط طُوليا بالشرقيّة، وسَفْطُ خالِد بالبُحَيْرة، وهي سَفْطُ العِنَبِ، وقد وَرَدْتُها، وسَفْطُ أَبو زِينَة، وسَفْطُ المُلُوك بالدِّنْجَاوِيَّة، وسَفْطُ البُحَيْريّة بالكُفورِ الشّاسِعَة.

والاسْتِفاطُ: الاشْتِفاف.

وقال ابنُ عَبّادٍ: رجُلٌ مُسَفَّطُ الرَّأْسِ، كمُعَظَّم؛ أَي رأْسُه كالسَّفَطِ.

قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: ويُقَال: ما أَسْفَطَ نَفْسَه عَنْكَ؛ أَي ما أَطْيَبَها. قال: ومنه اشْتِقَاق الإِسْفَنْط للخَمْرِ، كما سَيَأْتِي.

* ومِمَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

سَفَطْتُ السَّمَكَةَ أَسْفِطُهَا سَفْطًا، إِذا قَشَرْتَ ذلِكَ السَّفَطَ عَنْهَا.

والسَّفَاطَةُ، كسَحَابَةٍ: الهشاشةُ.

والسَّفَّاطُ: صانعُ السَّفَطِ.

وسَنْسَفْط: قَرْيَة بِجزيرةِ بني نَصْرٍ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

السَّفْسَطَة: كَلِمِةٌ يُونَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا: الغَلَطُ، والحِكْمَةُ المُمَوَّهَةُ، قاله القَصّارُ والسَّعْدُ في أَوائِلِ شَرْحِ العَقَائِدِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


177-تاج العروس (ختلع)

[ختلع]: خَتلَعَ الرَّجُلُ: أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ. وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَيْ ظَهَرَ وخَرَجَ إِلَى البَدْو. قالَ: أَخْبَرَنا أَبُو حاتِمٍ قالَ: قُلتُ لأمِّ الهَيْثَمِ ـ وكانَتْ أَعْرَابِيَّةً فَصِيحَةً ـ: ما فَعَلَتْ فُلانَةُ؟ لأَعْرَابِيَّةٍ كُنْتُ أَرَاهَا مَعَهَا، فقالَتْ: خَتْلَعَتْ والله طَالِعَةً، فقُلْتُ: ما خَتْلَعَتْ؟ فقالَتْ: ظَهَرَتْ. تُرِيدُ أَنَّهَا خَرَجَتْ إِلَى البَدْوِ، كَذا في الجَمْهَرَةِ، ونَقَلَه الصّاغَانِيُّ وصاحِبُ اللِّسَانِ، ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ كَلامِهم أَنَّ التاءَ في الخَتْلَعَةِ أَصْلِيَّةٌ، ونَقَل شَيْخُنا عَنْ أَبِي حَيّانَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، وأَصْلُ خَتْلَعَ خَلَعَ، فَتَأَمَّلْ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


178-تاج العروس (قرع)

[قرع]: قَرَعَ البابَ، كمَنَعَ قَرْعًا: دَقَّهُ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «إِنّ المُصَلِّي ليَقْرَعُ بابَ المَلِكِ، وإِنَّ مَنْ يُدِمْ قَرْعَ البابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ» وفي المَثَلِ: «مَنْ قَرَعَ بابًا ولَجَّ، ولَجَ»؛ أَي دَخَلَ، وهو مَعْنَى الحَدِيثِ المذكور، وفي «وَلَجَ» و «لَجَّ» جِنَاسٌ، ومنه قَوْلُ الشّاعِرِ:

أَخْلِقْ بِذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بحَاجَتِهِ *** وِمُدْمِنِ القَرْعِ للأَبْوَابِ أَن يَلِجَا

وِقَرَعَ رَأْسَهُ بالعَصَا: ضَرَبَه كفَرَعَه، بالفَاءِ.

وِقَرَعَ الشّارِبُ جَبْهَتَهُ بالإِناءِ: إِذا اشْتَفَّ ما فِيهِ يعنِي أَنَّهُ شَرِبَ جَمِيعَ ما فِيهِ، وهو مَجَازٌ، وفي حَدِيثِ عُمَرَ ـ رضِيَ الله عَنْه ـ أَنَّهُ «أَخَذَ قَدَحَ سَوِيقٍ، فشَرِبَهُ حَتَّى قَرَعَ القَدَحُ جَبِينَهُ» أَي: ضَرَبَه، يَعْنِي شَرِبَ جَمِيعَ ما فِيهِ، وقَالَ الشّاعِرُ:

كَأَنَّ الشُّهْبَ في الآذَانِ مِنْهَا *** إِذا قَرَعُوا بحَافَتِهَا الجَبِينَا

وِقَرَعَ الفَحْلُ النَّاقَةَ يَقْرَعُها قَرْعًا وقِرَاعًا، بالكَسْر، وكذلِكَ قَرَعَ الثَّوْرُ البَقَرَةَ يَقْرَعُهَا قَرْعًا وقِرَاعًا، بالكَسْرِ؛ أَي ضَرَبَا. والقِرَاعُ: ضِرَابُ الفَحْلِ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِمن المَجَازِ: قَرَعَ فُلانٌ سِنَّهُ، إِذا حَرَقَه نَدَمًا، وأَنْشَدَ أَبُو نَصْرٍ:

وِلَوْ أَنِّي أَطَعْتُكَ في أُمُورٍ *** قَرَعْتُ نَدَامَةً من ذاكَ سِنِّي

قُلْتُ: الشِّعْرُ للنَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ، ويُرْوَى: «أُطِيعُك» ويُنْشَدُ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ـ رضِيَ الله عَنْه ـ:

مَتَى أَلْقَ زِنبَاعَ بنَ رَوْحٍ ببَلْدَةٍ *** لِيَ النِّصْفُ مِنْهَا يَقْرَعِ السِّنَّ مِنْ نَدَمْ

لأَنَّه عَشَرَ ذَهَبَةً كان أَلْقَمَهَا شَارِفًا له، وكان زِنْباعٌ يَنْزِلُ بمَشَارِفِ الشّامِ في الجَاهِلِيَّةِ، ويَعْشُرُ من مَرَّ به، ويُقال: إِنَّهُ دَخَلَ عَليْهِ في خِلافَتِه، وقد كبِرَ وضَعُفَ، ومَعَهُ ابنُه رَوْحٌ، فَمَارَهُمَا.

وقال تَأَبَّط شَرًّا:

لَتَقْرَعَنَّ عَلَيَّ السِّنَّ من نَدَمٍ *** إِذا تَذَكَّرْتَ يَوْمًا بَعْضَ أَخْلاقِي

وِالمُقَارَعَةُ: المُسَاهَمَةُ، ويُقَالُ: قارَعُوه فَ قَرَعَهُمْ، كنَصَرَ: غَلبَهُمْ بالقُرْعَةِ أَي أَصابَتْهُ القُرْعَةُ دُونَهُم.

وِقالَ الحارِثُ بنُ وَعْلَةَ الذُّهْلِيُّ:

وِزَعَمْتُمُوا أَنْ لا حُلَومَ لَنَا *** إِنَّ العَصَاقُرِعَتْ لِذِي الحِلْمِ

أَيْ إِنَّ الحَلِيمَ إِذا نُبِّهَ انْتَبَه، كما في الصّحاح. قلتُ: وهو قولُ الأَصْمَعِيِّ، وقال ثَعْلَبٌ: المَعْنَى إِنَّكُمْ زَعَمْتُم أَنَّا قد أَخْطَأْنَا، فقد أَخْطَأَ العُلَمَاءُ قَبْلَنَا.

وِاخْتَلَفُوا في أَوَّل مَن قُرِعَتْ له العَصَا فقَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هو عامِرُ بنُ الظَّرِبِ بنِ عَمْرِو بنِ عِيَاذِ ابن يَشْكُرَ بنِ عَدْوَانَ بنِ عَمْرِو بنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، أَو قيْسُ بنُ خالدِ بن ذِي الجَدَّيْنِ، هكَذَا تقولُ رَبِيعَةُ، أَو عَمْرُو بنُ حُمَمَةَ الدَّوْسِيُّ، هكَذَا تَقُولُ تَمِيم، أَو عَمْرُو بنُ مَالِكٍ.

وفي الصّحاحِ: وأَصْلُه أَنَّ حَكَمًا من حُكّامِ العَرَبِ عاشَ حَتَّى أُهْتِرَ، فقَالَ لابْنَتِه: إِذا أَنْكَرْتِ من فَهْمِي شَيْئًا عندَ الحُكْمِ فاقْرَعِيِ ليَ المِجَنَّ بالعَصَا لأَرْتَدِعَ، قالَ صاحِبُ اللِّسَانِ: هذَا الحَكَمُ هو عَمْرُو بنُ حُمَمَةَ الدَّوْسِيُّ، قَضَى بين العَرَب ثلاثَمائةِ سَنَة، فلَمَّا كبِرَ أَلْزمُوه السابِعَ مِنَ وَلَدِه يَقْرَعُ العَصَا إِذا غَلِطَ في حُكُومَتِه.

وقالَ الصّاغَانِيُّ: كان حُكّامُ العَرَبِ من تَمِيم في الجَاهِلِيَّةِ: أَكْثَمَ بنَ صَيْفِيّ، وحاجِبَ بنَ زُرَارَةَ، والأَقْرَعَ بنَ حابِسٍ ـ رضِيَ الله عنه ـ ورَبِيعَةَ بنَ مُخَاشِنٍ، وضَمْرَةَ بنَ ضَمْرَةَ. وحُكَّامُ قَيْس: عَامرَ بنَ الظَّرِبِ، وغيْلَانَ بن سَلَمَة الثَّقَفِيَّ؛ وحُكَّامُ قُرَيْشٍ: عَبْدَ المُطَّلِبِ وأَبَا طالِبٍ والعَاصَ بنَ وَائِلٍ، وكانَتْ لا تَعْدِلُ بفَهْمِ عامِرِ ابنِ الظَّرِب فَهْمًا، ولا بحُكْمِه حُكْمًا، يُقَال: لَمَّا طَعَنَ عامرٌ في السِّنِّ، أَوْ بَلَغَ ثَلاثَمائةِ سَنَةٍ، أَنْكَرَ من عَقْلِهِ شيْئًا، فقالَ لِبَنِيه: إِنَّه كبِرَتْ سِنِّي، وعَرَضَ لي سَهْوٌ، ف إِذا رَأَيْتُمونِي خَرَجْتُ مِنْ كلامِي، وأَخَذْتُ في غَيْرِه، فاقْرَعُوا ليَ المِجَنَّ بالعَصَا، وقِيلَ: كانَتْ له ابنَةٌ يُقَالُ لها: خُصَيْلَةُ، فَقَالَ لهَا: إِذَا أَنا خُولِطْتُ فاقْرَعِي ليَ العَصَا، فأُتِيَ عامرٌ بخُنْثَى ليَحْكُمَ فيهِ، فلم يَدْرِ ما الحُكْمُ، فجَعَلَ يَنْحَرُ لهم، ويُطْعِمُهم، ويُدَافِعُهم بالقَضَاءِ، فقالَت خُصَيْلَةُ: ما شَأْنُك؟ قد أَتْلَفْتَ مَالَكَ، فخَبَّرَها أَنَّه لا يَدْرِي ما حُكْمُ الخُنْثَى؟ فقَالَتْ: أَتْبِعْهُ مَبَالَه، فلمّا نَبَّهَتْهُ على الحُكْم، قالَ:

مَسِّى خُصَيْلَ بَعْدَها أَو رُوحِي

وكانُوا أَقامُوا عِنْدَه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للمُتَلَمِّسِ:

لذِيِ الحِلْمِ قبْلَ اليَوْمِ ما تُقْرَعُ العَصَا *** وِما عُلِّم الإِنْسانُ إِلَّا لِيَعْلَمَا

وِالمَقْرُوعُ: المُخْتَارُ للفِحْلَةِ، سُمِّيَ بهِ لأَنَّهُ قد اقْتُرِعَ للضِّرابِ؛ أَي اخْتِيرَ، قافَل ابنُ سِيدَه: ولا أَعْرِفُ للمَقْرُوعِ فِعْلًا ثَانِيًا بغيْرِ زِيَادَة، أَعْنِي لا أَعْرِفُ قَرَعَهُ، إِذا اخْتَارَهُ.

قلتُ: وهذَا الَّذِي أَنْكَرَه ابنُ سِيدَه، فقَدْ ذَكَرَه أَبُو عَمْرٍو في نَوَادِرِه، قالُوا: قَرَعْنَاكَ، واقْتَرَعْنَاك؛ أَي اخْتَرْنَاكَ، وسَيَأَتِي في آخِرِ المادَّةِ، وأَنْشَدَ يَعْقُوبُ:

وِلَمَّا يَزَلْ يَسْتَسْمِعُ العامَ حَوْلَه *** نَدَى صَوْتِ مَقْرُوعٍ عن العَدْوِ عازِبِ

وِالمَقْرُوعُ: السيِّدُ، لكَوْنِه اقْتُرِعَ؛ أَي اخْتَيرَ.

وِمَقْرُوعٌ: لَقَبُ عَبْدِ شَمْسِ بنِ سَعْد بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيمٍ، وفيه يَقُولُ مازِنُ بنُ مالِكِ بنِ عَمْرِو ابنِ تَمِيمٍ، وفي الهَيْجُمَانَةِ بنتِ العَنْبَرِ بنِ عَمْرٍو بن تَمِيمٍ:

حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ *** وِأَنَّي لَكِ مَقْرُوعُ

وِبَعِيرٌ مقْرُوعٌ وُسِمَ بالقَرْعَة بالفَتْحِ اسْم لِسِمَةٍ لهم على أَيْبَسِ السّاقِ وهي رَكْزَةٌ على طَرَفِ المَنْسِمِ، وربَّمَا قُرِعَ قَرْعَةً أَو قَرْعَتَيْنِ، قالَه النَّضْرُ ويُقَالُ أَيضًا: بَعِيرٌ مَقْرُوعٌ: إِذا وُسِمَ بالقُرْعَةِ، بالضَّمِّ، اسم لِسِمَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى وَسَطِ أَنْفِه، ومن الأَوَّلِ قَوْلُ الشّاعِرِ:

كَأَنَّ على كَبِدِي قَرْعَةً *** حِذَارًا من البَيْنِ ما تَبْرُدُ

قالَ الجَوْهَرِيُّ: والعَامَّةُ تُرِيدُ بهِ الَّذِي يُؤْكَلُ، وليسَ كذلِكَ، أَي: وإِنَّمَا هو بالتَّحْرِيكِ.

وِالقَرْعُ: حَمْلُ اليَقْطِينِ، وَاحِدَتُه بهاءٍ، وكان النَّبِيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم يُحِبُّهُ، وأَكْثَرُ ما تُسَمِّيه العَرَبُ: الدُّبّاءَ، وقَلَّ مَن يَسْتَعْمِلُ القَرْع، وقال المَعَرِّيُّ: والقَرْعُ ـ الَّذِي يُؤْكَلُ ـ فيه لُغَتَانِ: الإِسْكَانُ والتَّحْرِيك، والأَصْلُ التَّحْرِيكُ، وأَنْشَدَ:

بِئْسَ إِدَامُ العَزَبِ المُعْتَلِّ *** ثَرِيدَةٌ بقَرَعٍ وخَلِّ

واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ والصّاغَانِيُّ على الإِسْكَانِ، وقلَّدَهُمَا المُصَنِّفُ، كما اقْتَصَرَ أَبو حَنِيفَةَ على التَّحْرِيكِ، ولم يَذْكُرِ الإِسْكانَ على ما نَقَلَه ابنُ بَرِّيّ، وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَحْسَبُه مُشَبَّهًا بالرَّأْسِ الأَقْرَع.

وِأَبو بَكْرٍ الشاهُ بنُ قَرْعٍ، رَوَى عن الفُضَيْلِ بنِ عَياضٍ، نَقَلَه الصّاغَانِيّ والحافِظ.

وِالقُرْعُ، بالضّمِّ: أَوْدِيَةٌ بالشّامِ لا نباتَ بِهَا.

وِقُرَعُ، كزُفَرَ: قَلْعَةٌ باليَمَنِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وِقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: القَرَعُ، بالتَّحْرِيكِ: السَّبَقُ والنَّدَبُ؛ أَي الخَطَرُ الَّذِي يُسْتَبَقُ عليه.

وِفي الصّحاحِ: القُرْعَةُ، بالضَّمِّ: م؛ أَي مَعْرُوفَةٌ، وفي اللِّسَانِ: وهي السُّهْمَةُ، يُقَالُ: كانَتْ له القُرْعَةُ، إِذا قَرَعَهم؛ أَي غَلبَهُم بِها.

وِالقُرْعَةُ أَيْضًا: خِيَارُ المالِ، يُقَال: أَقْرَعُوه، إِذا أَعْطَوْه خَيْرَ النَّهْبِ، كما في الصّحاحِ، وهو مَجَازٌ.

وِالقُرْعَةُ: الجِرَابُ، أَو الوَاسِعُ يُلْقَي فيه الطَّعَامُ، وقالَ أَبو عَمْرٍو: هي الجِرَابُ الصَّغِير، ج: قُرَعٌ، بضَمٍّ فَفَتْحٍ.

وِالقَرَعَةُ، بالتَّحْرِيكِ: الحَجَفَةُ وَزْنًا ومَعْنًى، وهي التُّرْسُ، سُمِّيَتْ لصَبْرِهَا على القَرْعِ.

وِالقَرَعَة: الجِرَاب الوَاسِعُ الأَسْفَلِ الضَّيِّقُ الفَمِ، وتَحْرِيكُه أَفْصَحُ من التَّسْكِينِ في مَعْنَى الجِرَابِ.

وِالقَرَعَةُ، بالتَّحْرِيكِ، كذا سِياقُه، وصَوَابه القَرَعُ، بغيرِ هاءٍ: بَثْرٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ بالفِصَالِ وحَشْوِ الإِبلِ يُسْقِطُ وَبَرَهَا، وفي التَّهْذِيبِ: يَخْرُج في أَعْنَاقِ الفُصْلانِ وقَوَائِمِهَا، ومنه المَثَلُ: «أَحرُّ من القَرَعِ» وربما قالُوا بتَسْكِينِ الرّاءِ، يَعْنُونَ به قَرْعَ المِيسَمِ، وهو المِكْوَاةُ، والتَّحْرِيكُ أَفْصَحُ، كما في العُبَابِ ودَوَاؤُه المِلْحُ وحَبَاتُ أَلْبَانِ الإِبِلِ ـ وفي بعضِ النُّسَخِ «ودوارة المسلخ» وهو غَلَطٌ ـ فإِذا لم يَجِدُوا مِلْحًا نَتَفُوا أَوبَارَهُ، ونَضَحُوا جِلْدَه بالمَاءِ، ثم جَرُّوه على السَبَخَة.

وِالقَرَعَة: الجَحَفَةُ، والجِرَابُ الصَّغِيرِ أَو الوَاسِعُ الأَسْفَلِ يُلْقَى فيه الطَعَامُ، هذا كُلُّه تَكْرَارٌ مع [ما] ذَكَرَه أَوَّلًا، فالأَوْلَى حَذْفُ هذِه العِبَارَة بِتَمامِهَا، وفيه تَكْرارُ الجِرَابِ ثلاثَ مَرّاتٍ أَيضًا، ولم يُحَرِّرِ المُصَنِّفُ هُنَا على ما يَنْبَغِي، فتَنَبَّه لذلكَ.

وِالقَرَعَة: المَرَاحُ الخالِي من الإِبِلِ والشّاءِ.

وِالقَرِيعُ، كأَمِيرٍ: الفَصِيلُ، ج، قَرْعَى، كسَكْرَى، كمَرِيضِ ومَرْضَى.

وِالقَرِيعُ: فَحْلُ الإِبِلِ سُمِّيَ به لأَنَّهُ مُقْتَرَعُ من الإِبِلِ للفِحْلَةِ؛ أَي مُخْتَارٌ، فهو كالمَقْرُوعِ، وقد تَقَدَّمَ الكَلامُ عليه. وقالَ الأَزْهَرِيُّ: القَرِيعُ: الفَحْلُ الَّذِي يُصَوَّى للضِّرابِ.

وِالقَرِيعُ من الإِبِلِ: الَّذِي يَأْخُذُ بِذِرَاعِ النّاقَةِ فيُنِيخُهَا، وقِيلَ: سُمِّيَ قَرِيعًا لأَنَّه يَقْرَعُ النّاقَةَ، قال الفَرَزْدَقُ:

وِجَاءَ قَرِيعُ الشَّوْلِ قَبْلَ إِفَالِهَا *** يَزِفُّ وجَاءَتْ خَلْفَهُ وَهْيَ زُفَّفُ

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وِقَدْ لاحَ لِلسَّارِي سُهيْلٌ كَأَنَّه *** قَرِيعُ هِجَانٍ عَارَضَ الشَّوْلَ جَافِرُ

وِالقَرِيعُ: المُقَارعُ، يُقَال: هو قَرِيعُك، للَّذِي يُقَارِعُكَ في الحَرْب.

وِالقَرِيعُ: أَي يضاربُك الغَالِبُ والقَرِيعُ: المَغْلُوب، فَعِيلٌ: بمَعْنَى فاعِلٍ، وبمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وِالقَرِيعُ: سيفُ عُمَيْرَةَ بنِ هَاجِرٍ، نَقَله الصّاغَانِيُّ.

وِالقَرِيعُ: السَّيِّدُ، يُقَالُ: هو قَرِيعُ دَهْرِه، وهو مَجَازٌ، وفي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ: «إِنَّكَ قَرِيعُ القُرّاءِ» أَي رَئِيسُهم، ومُخْتَارُهُم، ومُقَدَّمُهُم، كالقِرِّيعِ، كسِكِّيتٍ، عن الكِسَائِيِّ، يُقَال: هُوَ قَرِيعُ الكتِيبَةِ وقِرِّيعُهَا؛ أَي رئِيسُها.

وِقَرِيعٌ: مُحَدِّث رَوَى عن عِكْرِمَةَ عن ابْنِ عبّاسٍ.

قلتُ: هو قَرِيعُ بنُ عُبَيْدٍ، رَوَى عنه الفَضْلُ بنُ مُوسَى وآخَرُون ووَهِمَ الذَّهَبِيُّ فضَبَطَه بالضَّمِّ. قلتُ: وقد ضَبَطَه الحَافِظُ أَيْضًا بالضَّمِّ كالذَّهَبِي، ولم يَذْكُرْه بالفَتْح إِلّا الصّاغَانِيُّ، وقَلَّدَه المُصَنِّف. ثُمَّ رَأَيْتُ في الإِكْمَال ذَكَرَ في الفَتْح قَرِيعَ بنَ عُبَيْدٍ عن عِكْرَمَة، مع ذِكْرِه أَوَّلًا في المَضْمُومِ أَيْضًا، قال الحافِظُ: وعِنْدِي أَنَّهُمَا وَاحِدٌ، فتَحَصَّلَ من كَلامِ الإِكْمَالِ أَنَّ فيه الفَتْحَ والضَّمَّ، وهَلْ هُمَا اثْنَانِ أَو وَاحدٌ؟ والصّوابُ أَنَّهما وَاحِدٌ، والمُصَنِّفُ وَهَّمَ شَيْخَه، وفيه نَظَرٌ.

وِقُرَيْعٌ، كزُبَيْرٍ: أَبو بَطْنٍ من تَمِيمٍ، رَهْطِ بَنِي أَنْفِ النّاقَةِ، كما في الصّحاحِ، وهو قَرَيْعُ بنُ عَوْفِ بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيمٍ، وهو أَبُو الأَضْبَطِ الشّاعِرِ.

وِقُرَيْعٌ: جَدٌّ لأَبِي الكَنُودِ ثَعْلَبَةَ الحَمْراوِيِّ الصَّحَابِيِّ رضي ‌الله‌ عنه، وإِنّمَا قيل له: الحَمْرَاوِيُّ لأَنَّهُ نَزَلَ مِصْرَ بمَوْضِعٍ يُقَالُ له: الحَمْرَاءُ، فنُسِبَ إِليْهِ، ويُقَالُ في نَسَبِه: إِنّهُ سَعْدُ بنُ مالِكِ بنِ الأُقَيْصِرِ بنِ مَالِكِ بنِ قُرَيْع بن ذُهْلِ بنِ الدِّيلِ بنِ مالِكِ بنِ سَلَامَانَ بنِ مَيْدَعَان بنِ كَعْبِ بن مالِكِ بنِ نَصْرِ بنِ الأَزْدِ، الأَزْدِيُّ المِصْرِيُّ، قَال ابنُ يُونُسَ: له وِفَادَةٌ، وشَهِدَ فَتْحَ مِصْر؛ ومن وَلَدِه اليومَ بَقِيَّةٌ بمِصْرَ، رَوَى عنه ابْنُه الأَشْيَمُ، قالَ سَعِيدُ بن عُفَيْرٍ: أَخبَرَنا عُمر بنُ زُهَيْرِ بنِ أَشْيَمَ بن أَبي الكَنُودِ، أَنَّ أَبا الكَنُودِ وَفَدَ عَلَى النبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، وأَنَّه عليه الصّلاةُ والسّلامُ عَقَدَ له رَايَةً سَوْدَاءَ، فيها هِلالُ أَبْيَضُ كذا في العُبَابِ. ومُعْجَمِ ابنِ فَهْدٍ.

وِقُرَيْعٌ: اسمُ أَبِي زِيادٍ الصّحابِيِّ. قلتُ: وهذَا غَلَطٌ شَنِيعٌ يَنبَغِي التَّنبُّهُ لِمِثْلِه، وقد تبِعَ فيه شيْخُه الذَّهَبِيِّ، ونَصُّه: زِيَادُ بنُ قُرَيْعٍ عن أَبيهِ عن جُنَادَة بن جَرَادٍ، وقُرَيْعٌ وَالِدُ زِيَادٍ، له صُحْبَةٌ، انْتَهَى، وليسَ في الصَّحابَةِ مَنِ اسْمُه قُرَيْعٌ، قال الحافِظُ: والَّذِي في الإِكْمَالِ: يَرْوِي عن جُنَادَةَ بن جَرَادٍ صَحابيٍّ، وهو بالجَرِّ صفةٌ لِجُنَادَةَ، لا بالرَّفْعِ صفةٌ لقُرَيْعٍ.

قلتُ: ومِثْلُه في مُعْجَمِ ابنِ فَهْدٍ ـ في تَرْجَمَةِ جُنَادَةَ بنِ جَرَادٍ الغيْلانِيِّ الأَسَدِيِّ، رضي ‌الله‌ عنه ـ نَزَلَ البَصْرَةَ يَرْوِي عن زِيَادِ بنِ قُرَيْعٍ، عنه. انتهى. وفِيهِ وَهَمٌ أَيضًا، فإِنّ زِيَادًا لم يَرْوِ عن جُنَادَةَ، وإِنَّمَا الرّاوِي عَنْه وَالِدُه قُرَيْعٌ، فتأَمَّل.

وِقَرِعَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ: قُمِرَ في النِّضَالِ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ؛ أَي غُلِبَ عن المُنَاضَلَةِ.

وِقَرِعَ الرَّجُلُ قَرَعًا: ذَهَبَ شَعَرُ رَأْسِه، كصَلِعَ صَلَعًا، وقِيلَ: ذَهَبَ مِن دَاءٍ وهو أَقْرَعُ، وهي قَرْعاءُ ج: قُرْعٌ وقُرْعانٌ، بضمِّهِمَا، وذلِكَ المَوْضِعُ: قَرَعَةٌ، مُحَرَّكَةً، كالصَّلَعَةِ والجَلَحَةِ، على القِيَاسِ، ويقال: ضَرَبَه عَلَى قَرَعَةِ رَأْسِهِ.

وِقَرِعَ فُلانٌ. قَرَعًا: قبِلَ المَشُورَةَ وارْتَدَعَ واتَّعَظَ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ فهو قَرِعٌ، ككَتِفٍ وهو المُرْتَدِعُ إِذا رُدِعَ.

وِقَرعَ الفِنَاءُ، إِذا خَلَا من الغَاشِيَةِ يَغْشَوْنَه، قَرْعًا، بالتَّسْكِين على غيْرِ قِيَاسٍ، عن ثَعْلَبٍ في قَوْلِه: «نَعُوذُ بالله منِ قَرْعِ الفِنَاءِ» كما نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ ويُحَرَّكُ، هو القِيَاسُ، ومنه يُقَالُ: نَعُوذُ بالله من قَرَعِ الفِنَاءِ، وصَفَرِ الإِناءِ.

ومُرَاحٌ قَرِعٌ، إِذا لَم يَكُنْ فيهِ إِبِلٌ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ. وفي اللِّسَانِ: قَرِعَ مَأْوَى المالِ ومُرَاحُه من المالِ، قَرَعًا، فهو قَرعٌ: هَلَكَت مَاشِيَتُه، قال ابنُ أُذيْنَةَ:

إِذا آدَاكَ مالُكَ فامْتَهِنْهُ *** لجَادِيهِ وإِنْ قَرِعَ المُرَاحُ

آداك: أَعانَك، ويُرْوَى: «صَفِر المُرَاحُ» وقال الهُذَلِيُّ:

وِخَزّالٍ لِمَوْلاهُ إِذا ما *** أَتاهُ عائِلًا قَرِعَ المُرَاحُ

وِقَرِعَ الحَجُّ ونَصُّ الحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ رضيَ الله عنه: «قَرِعَ حَجُّكُم» أَي خَلَتْ أَيّامُه من النّاسِ كما في الصّحاحِ، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «قَرِعَ أَهلُ المَسْجِدِ حِينَ أُصِيبَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ» أَي قَلَّ أَهْلُه، كما يَقْرَعُ الرَّأْسُ إِذا قَلَّ شَعرُه.

وِالقَرِعُ، ككَتِفٍ: مَنْ لا يَنَام.

وِالقَرِعُ: الفاسِدُ مِن الأَظْفَارِ، يُقَالُ: رَجُلٌ قَرِعٌ، وظُفُرٌ قَرِعٌ.

وِالأَقْرَعانِ: الأَقْرَعُ بنُ حابِس بن عِقَالٍ المُجَاشِعِيُّ الدّارِمِيُّ التَّمِيمِيُّ الصّحابِيُّ، رضِيَ الله عنه، وأَخُوهُ مَرْثَدٌ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للفَرَزْدَقِ:

فإِنَّكَ وَاجِدٌ دُونِي صَعُودًا *** جَرَاثِيمَ الأَقَارِعِ والحُتَاتِ

يُرِيدُ: الحُتَاتَ بنَ يَزِيدَ المُجَاشِعِيَّ، واسمُه بِشْرٌ.

وِأَلْفٌ أَقْرَعُ؛ أَي تامٌّ يُقَالُ: سُقْتُ إِليْكَ أَلْفًا أَقْرَعَ من الخيْلِ وغيْرِهَا؛ أَي تامًّا، وهو نَعْتٌ لكُلِّ أَلْفٍ، كما أَنَّ هُنيْدَةَ اسمٌ لكُلِّ مائةٍ، كما في الصِّحاحِ، قال الشّاعِرُ:

قَتَلْنَا ـ لَوَ أَنَّ القَتْلَ يَشْفِي صُدُورَنَا ـ *** بتَدْمُرَ أَلْفًا من قُضَاعَةَ أَقْرَعَا

وقالَ آخَرُ:

وِلَوْ طَلبُونِي بالعَقُوقِ أَتَيْتُهم *** بأَلْفٍ أُؤَدِّيهِ إِلَى القَوْمِ أَقْرَعَا

وسيأْتي في «أَ ل ف».

وِمَكانٌ أَقْرَعُ، وتُرْسٌ أَقْرَعُ؛ أَي صُلْبٌ، ج: قُرْعٌ، بالضَّمِّ، ظاهرُه أَنَّه جمعٌ لهُمَا، وليسَ كذلِكَ، بل الصَّوَابُ أَنَّ جَمْعَ الأَقْرَع للمكان: الأَقَارِعُ، وشاهِدُه قولُ ذي الرُّمَّة:

كَسَا الأُكْمَ بُهْمَى غَضَّةً حَبَشِيَّةً *** قُوامًا ونُقْعانَ الظُّهُورِ الأَقْارِعِ

وشاهِدُ القُرْعِ ـ جمعِ الأَقْرَعِ للتُّرْسِ ـ قولُ الشّاعِرِ:

فَلَمَّا فَنَى ما في الكَنَائِن ضَارَبُوا *** إِلى القُرْعِ من جِلْدِ الهِجَانِ المُجَوَّبِ

أَي ضَربُوا بأَيْدِيهِم إِلى التِّرَسَةِ لَمَّا فَنِيَتْ سِهَامُهُم، وفَنَى بمعنَى فَنِيَ في لغةِ طيِّي‌ء، ثمّ رَأَيْتُ فِي قَوْلِ الرّاعِي ما يَشْهَدُ أَنَّ الأَقْرَعَ للمَكَانِ يُجْمَع أَيضًا على القُرْعِ، وهو:

رَعَيْنٌ الحَمْضَ حَمْضَ خُنَاصِرَاتٍ *** بما فِي القُرْعِ مِنْ سَبَلِ الغَوَادِي

وِعُودٌ أَقْرَعُ، إِذا قُرِعَ من لِحَائِه. وقِدْحٌ أَقْرَعُ: حُكَّ بالحَصَى حتّى بَدَتْ سَفاسِقُه؛ أَي طرائقُه، وهو في كُلّ منهما مَجَاز.

وِالأَقْرَعُ: السَّيْفُ الجَيِّدُ الحَدِيدِ، نَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ، وهو مَجَازٌ.

وِالأَقْرَعُ: من الحَيَّاتِ: المُتَمَعِّطُ شَعَرُ رَأْسِهِ، وهو مَجَازٌ، يُقَالُ: شُجاعٌ أَقْرَعُ، وإِنَّمَا سُمِّيَ به لِكَثْرَةِ سُمِّهَ، كما في العبَابِ، زادَ غيْرُه: وطُولِ عُمرِه. وفي الصّحاحِ: والحَيَّةُ الأَقْرَعُ إِنَّمَا يَتَمَعَّطُ شَعرُ رَأْسِهِ ـ زَعَمُوا ـ لِجَمْعِه السُّمَّ فيه.

وِمن المَجَازِ: رِيَاضٌ قُرْعٌ، بالضَّمِّ؛ أَي بِلا كَلإِ، ويُقَالُ: أَصْبَحَتِ الريَاضُ قُرْعًا، إِذا جَرَّدَتْهَا المَوَاشِي، فلَمْ تَتْرُك فِيها شَيْئًا من الكَلإِ.

وِالقَرْعَاءُ: مَوْضِعٌ، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: مَنْهَلٌ بطَرِيقِ مَكَّةَ، شَرَّفَهَا الله تَعالَى، بينَ القَادِسِيَّةِ والعَقبَة والعُذيْب.

وِالقَرْعَاءُ: رَوْضَةٌ رَعَتْهَا الماشِيَةُ، والجَمْعُ: القُرْعُ، بالضَّمِّ، وهو مَجَازٌ. والقَرْعَاءُ: الشَّدِيدَةُ من شَدَائِدِ الدَّهْرِ، وهي الدَّاهِيَةُ كالقَارِعَةِ، والجَمْعُ: القَوَارِعُ، يُقَالُ: أَنْزَلَ الله به قَرْعَاءَ، وقَارِعَةً ومُقْرِعَةً، وأَنْزَلَ الله بهِ بَيْضَاءَ، ومُبَيِّضَةً، هي المُصِيبَةُ التي لا تَدَعُ مالًا ولا غَيْرَه.

وِالقَرْعَاءُ: ساحَةُ الدّار، وأَعْلَى الطَّرِيقِ.

والَّذِي في الصّحاحِ: القَارِعَةُ: الشَّدِيدَةُ، وهي الدَّاهِيَةُ، وقَارِعَةُ الدّارِ: سَاحَتُهَا، وقَارِعَةُ الطَّرِيق: أَعْلاه، انْتَهَى.

أَمّا الشَّدِيدَةُ: فإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى القَارِعَةِ وعَلَى القَرْعَاءِ، كما في العبَابِ، وكذلِكَ الدّاهِيَةُ، وساحةُ الدّارِ، وأَمّا أَعْلَى الطَّرِيق فإِنَّه يُطْلَقُ عَلَى القَارِعَةِ فقط، وفي الحَدِيثِ: «نَهَى عَنِ الصَّلاةِ على قَارِعَةِ الطَّرِيقِ» هي وَسَطُه، وقيلَ: أَعْلاهُ، والمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الطَّرِيقِ ووَجْهُه.

وِالقَرْعَاءُ: الفَاسِدَةُ من الأَصَابِعِ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وِالقَارِعَةُ: النازِلَةُ الشَّدِيدَةُ تَنْزِل بأَمْرٍ عَظِيمٍ، ولذلِكَ قِيلَ لِيَوْمِ القِيَامَة: القارِعَةُ، ومنه قَوْلُه تَعَالَى: {الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ. وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ} وقالَ رُؤْبَةُ:

وِخَافَ صَدْعَ القَارِعَاتِ الكُدَّهِ

قالَ يَعْقُوبٌ: القَارِعَةُ هنا: كُلُّ هَنَةٍ شَدِيدَةِ القَرْعِ.

وهي القِيَامَةُ أَيْضًا.

وِالقَارِعَةُ: سَرِيَّةُ للنَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، قِيلَ: ومِنْهُ قولُه عزّ وجَلَّ: {وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا} تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَو معناها: دَاهِيَةٌ تَفْجَؤُهم، يُقَالُ: قَرَعَتْهُمْ قَوَارِعُ الدَّهْرِ؛ أَي أَصابَتْهُم وفَجَأَتْهُم.

وِقَرَعَهُم أَمْرٌ، إِذا أَتَاهُمْ فَجْأَةً، وفي الحَدِيثِ: «مَنْ لَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُجَهِّزْ غَازِيًا، أَصَابَهُ الله بقارِعَةٍ» أَي بداهِيَةٍ تُهْلِكُه.

وِمن المَجَازِ: قَوَارِعُ القُرْآنِ هي الآيَاتُ الَّتِي مَنْ قَرَأَهَا أَمِنَ مِنَ الشَّيَاطِينِ والإِنْسِ والجِنِّ، كأَنَّهَا سُمِّيَتْ لأَنَّهَا تَقْرَعُ الشيَاطِينَ*، مثْلُ: آية الكُرْسِيِّ، وآخِر سُورَةِ البَقَرَةِ، ويس، لأَنَّهَا تَصْرِفُ الفَزَعَ عَمَّنْ قَرَأَها.

وِمن المَجَازِ: نَعُوذُ بالله من قَوَارِعِ فُلانٍ؛ أَي من قَوَارِصِ لِسَانِه ولَوَاذِعِه.

وِالقَرُوعُ، كصَبُورٍ: الرَّكِيَّةُ القَلِيلَةُ الماءِ، قالَهُ الفَرّاءُ؛ أَي الَّتِي يَقْرَعُ قَعْرَها الدَّلْوُ، لفَنَاءِ مائِها، وقِيلَ: هي الّتِي تُحْفَرُ في الجَبَلِ من أَعْلاها إِلى أَسْفَلِهَا.

وِالقَرِيعَةُ، كسَفِينَةٍ: خِيَارُ المالِ، كالقُرْعَة، وهو مَجاز.

وِنَاقَةٌ قَرِيعَةٌ: يُكَثِرُ الفَحْلُ ضِرَابَها، ويُبْطِئُ لِقَاحُها، ويُقَالُ: إِنَّ ناقَتَكَ لقَرِيعَةٌ، أَي: مُؤَخَّرَةُ الضَّبْعَةِ.

وِالقَرِيعَةُ: سَقْفُ البَيْتِ، يُقَالُ: ما دَخَلْتُ لفُلانٍ قَرِيعَةَ بَيْتٍ قَطُّ؛ أَي سَقْفَ بَيْتٍ. ويُقَالُ: قَرِيعَةُ البَيْتِ: خيْرُ مَوْضِعٍ فيهِ؛ إِن كان بَرْدٌ فخِيَارُ كِنَّهِ، وإِنْ كَانَ حَرٌّ فخِيارُ ظِلِّه، كما في الصّحاحِ.

وِالقَرّاعُ كشَدَّادٍ: طائِرٌّ يَقْرَعُ العُودَ الصُّلْبَ بمِنْقَارِهِ، قالَ أَبُو إِسْحَاقَ: له مِنْقَارٌ غَلِيظٌ أَعْقَفُ، يَأْتِي إِلى العُودِ اليابِسِ فلا يَزَالُ يَقْرَعُة حَتَّى يَدْخُلَ فِيه، وقالَ أَبُو حَاتِم: القَرَّاعُ كأَنَّهُ قَارِيَةٌ، له مِنْقارٌ غَلِيظٌ أَعْقَفُ، أَصْفَرُ الرِّجْليْنِ، فيَأْتِي العُودَ اليابِسَ فلا يَزَالُ يَقْرَعُه قَرْعًا يُسْمَع صَوْتُه، ونُسَمِيه النَّقّار، كَأَنَّه يَقْطَعُ ما يَبِسَ مِنْ عِيدَانِ العُرُوقِ بمِنْقَارِهِ فيَدْخُلُ فيه.

ج: قَرّاعاتٌ، ولم يُكَسَّرْ.

وِالقَرّاع أَيْضًا: فَرَسُ غَزَالَةَ السَّكُونِيِّ، كما في العبَابِ، وفي التَّكْمِلَة «ابن غَزَالَة» وهو القائلُ فيه:

أَرَى المَقَانِبَ بالقَرَّاعِ مُعْتَرِضًا *** مُعَاوِدَ الكَرِّ مِقْدَامًا إِذا نَزِقَا

وِالقَرَّاعُ: الصُّلْبُ الشَّدِيدُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ، وقِيلَ: هو الصُّلْبُ الأَسْفَلُ، الضَّيِّقُ الفَمِ.

وِالقَرَّاعَةُ، بهَاءٍ: الاسْتُ.

وِالقَرّاعَةُ: اليَسِيرُ من الكَلإِ، يُقَال، أَرضٌ ليْسَت بها قَرّاعَةٌ؛ أَي يَسِيرٌ من الكَلإِ. وقَرْعُونُ، كحَمْدُون: قرية، بين بَعْلَبَكَّ ودِمَشْقَ، نَقَلَه الصّاغَانِيُّ.

وِالمِقْرَعُ كمِنْبَرٍ: وِعَاءٌ يُجْنَى؛ أَي يُجْمَعُ فيه التَّمْرُ، وقِيلَ: هو السِّقَاءُ يُجْمَعُ فيه السَّمْنُ، يُقَالُ: قَرَعَ فُلانٌ في مِقْرَعهِ، وقَلَدَ في مِقْلَدِه، وكَرَصَ في مِكْرَصِه، وصَرَبَ في مِصْرَبِه، كُلُّه السِّقَاءُ والزِّقُّ، نَقَلَه ابن الأَعْرَابِي.

وِالمِقْرَعَةُ، بهاءٍ: السَّوْطُ، وقِيلَ: كُلُّ ما قَرَعتَ بهِ فهو مِقْرَعَةٌ، عن ابن دُرَيْدٍ.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: المِقْرَعَةُ: التي تُضْرَبُ بهَا الدّابَّةُ، وقالَ غيرُه: المِقْرَعَةُ: خَشَبَةٌ تُضْرَبُ بها البِغَالُ والحَمْيرُ، والجَمْعُ: المَقَارِعُ، وأَنْشَدَ ابنُ دُرَيْدٍ:

يُقِيمْونَ حَوْلِيّاتِهَا بالمَقَارِعِ

وِالمِقْرَاعُ، بالكَسْرِ: الناقَةُ تَلْقَحُ في أَوَّلِ قَرْعَةٍ يَقْرَعُهَا الفَحْلُ، ومنه حَدِيثُ هِشَامِ بنِ عَبْدِ المَلِك: «مِقْرَاعٌ مِسْيَاعٌ» وقد تَقَدَّم في «ر ب ع» قَالَ الأَصْمَعِيُّ: إِذا أَسْرَعَت النّاقَةُ اللَّقَحَ فهي مِقْرَاعٌ، وأَنْشَدَ:

تَرَى كُلَّ مِقْرَاعٍ سَرِيعٍ لَقَاحُهَا *** تُسِرُّ لَقَاحَ الفَحْلِ سَاعَةَ تُقْرَعُ

وِالمِقْرَاعُ: فَأْسٌ أَو شِبْهُه تُكْسَرُ* بها الحِجَارَةُ، قالَ الشّاعِرُ يَصِفُ ذِئبًا:

يَسْتَمْخِرُ الرِّيحَ إِذا لَمْ يَسْمَعِ *** بمِثْلِ مِقْرَاعِ الصَّفَا المُوَقَّعِ

وِأَقْرَعَه: أَعْطَاهُ خَيْرَ المالِ والنَّهْبِ وفي الصّحاحِ: أَعْطَاهُ خيْرَ مالِه، يُقَال: أَقْرَعُوه خَيْرَ نَهْبِهِم. زادَ الصّاغَانِيُّ: من القُرْعَة، وهي خِيَارُ المالِ.

أَو أَقْرَعَهُ: أَعْطَاهُ فَحْلًا يَقْرَعُ إِبِلَهُ، وهو المُخْتَارُ للفُحُولَةِ.

وِأَقْرَعَ إِلى الحَقِّ؛ أَي رَجَعَ وذَلَّ، يُقَالُ: أَقْرَعَ لي فُلانٌ، قال رُؤْبَةُ:

دَعْنِي فقَدْ يُقْرَعُ للأَضَزِّ *** صَكِّي حِجَاجَيْ رَأْسِهِ وبَهْزِي

أَي يُصْرَف صَكِّي إِليْه، ويُرَاضُ له، ويَذِلُّ.

وِأَقْرَعَ أَيْضًا، إِذا امْتَنَع، فهو ضِدُّ.

وِأَقْرَعَ الرَّجُلُ على صاحِبِه: كَفَّ، كانْقَرَعَ فِيهِمَا؛ أَي في الكَفِّ والإمْتِنَاعِ، وهما وَاحِدٌ.

وِأَقْرَعَ: أَطَاقَ. قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: وقد يَكُونُ الإِقْرَاعُ كَفًّا، ويَكُون إِطَاقَةً، وقالَ أَبُو سَعِيدٍ: فُلانٌ مُقْرِعٌ، ومُقْرِنٌ له؛ أَي مُطِيقٌ، وأَنْشَدَ بيتَ رُؤْبَةَ السّابِقَ.

وِيُقَال: فُلانٌ لا يُقْرَعُ إِقْرَاعًا، إِذا لم يَقْبَلِ المَشُورَةَ والنَّصِيحَةَ. كذا في الصّحاحِ والعُبَابِ، وفي كلامِ المُصَنِّفِ نَظَرٌ ظاهِرٌ، تَأَمَّلْه.

وِأَقْرَع فُلانًا: كَفَّهُ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: وأَقْرَعْتُه وأَقْرَعْتُ له، وأَقْدَعْتُه وقَدَعْتُه، وأَوْزَعْتُه، ووَزَعْتُه، وزُعْتُه، إِذا كَفَفْتَه.

وِأَقْرَعَ بَيْنَهُم في شَيْ‌ءٍ يَقْتَسِمُونَه؛ أَي ضَرَبَ القُرْعَةَ.

ومِنْهُ الحَدِيثُ: «فأَقْرَعَ بَيْنَهُم، وعَتَقَ اثْنَيْن، وأَرَقَّ أَرْبَعَةً».

وِأَقْرَعَ المُسَافِرُ: دَنَا مِنْ مَنْزِلهِ.

وِأَقْرَعَ الدَّابَّةَ: كبَحَهَا بلِجَامِهَا. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجازٌ، وهو من الإِقْرَاعِ بمَعْنَى الكَفِّ، قال رُؤْبَةُ:

أَقْرَعَهُ عَنِّي لِجَامٌ يُلْجِمُهْ

وقال سُحَيْمٌ [بنُ وَثيلٍ الرياحي]:

إِذا البَغْلُ لَمْ يُقْرَعْ لَهُ بِلجَامِه *** عَدَا طَوْرَهُ في كُلِّ ما يَتَعَوَّدُ

وِأَقْرَعَ دَارَهُ آجُرًّا: فَرَشَهَا بِهِ.

وِأَقْرَعَ الشَّرُّ: دامَ.

وِأَقْرَعَ الغَائِصُ، وكذلِكَ المائِحُ، إِذا انْتَهَيَا إِلى الأَرْضِ.

وِأَقْرَعَ الحَمِيرُ: صَكَّ بَعْضُها بَعْضًا بحَوَافِرهَا قالَ رُؤْبَةُ:

أَو مُقْرَعٌ من رَكْضِهَا دَامِي الزَّنَقْ *** أَو مُشْتَكٍ فائِقَهُ من الفَأَقْ

وِقِيلَ: المُقْرَعُ، كمُحْكَمٍ ـ في قَوْلِ رُؤْبَةَ ـ: الَّذِي قد أُقْرِعَ، فَرَفَع رَأْسَه والفَائِقُ: اشْتِكاءُ ذلِكَ المَوْضِعِ منه.

وِالمُقَرِّعَةُ، كمُحَدِّثَةٍ: الشَّدِيدَةُ من شَدَائِدِ الدَّهْرِ، وهو مَجَازٌ، ويُقَالُ: أَنْزَلَ الله به مُقَرِّعَةً؛ أَي مُصِيبةً لم تَدَعْ مَالًا ولا غَيْرَه.

وِالتَّقْرِيعُ: التَّعْنِيفُ والتَّثْرِيبُ، يُقَالُ: «النُّصْحُ بين المَلَإِ تَقْرِيعٌ»: هو الإِيجاعُ باللَّوْمِ.

وِقَرَّعَهُ تَقْرِيعًا: وَبَّخَه وعَذَلَهُ.

ويُقَال: قَرَّعَنِي فُلانٌ بلَوْمِهِ فلم أَتَقَرَّعْ به؛ أَي لم أَكْتَرِثْ به.

وِالتَّقْرِيعُ: مُعَالَجَةُ الفَصِيلِ من القَرَعَ، مُحَرَّكَةً، وهو البَثْرُ الَّذِي تَقَدَّم، وتقدَّم مُعَالَجَتُه أَيضًا، قالَ الجَوْهَرِيُّ: كأَنَّهُ يَنْزِعُ ذلِكَ مِنْه، كما يُقَالُ: قَذَّيْتُ العَيْنَ، وقَرَّدْتُ البَعِيرِ، وقَلَّحْتُ العُودَ. انْتَهَى. ويَعْنِي به أَنَّه عَلَى السَّلْبِ والإِزالَةِ، فمَعْنَى قَرَّعَهُ: أَزالَ عنه القَرَعَ، كإِزالَةِ القَذَى عن العَيْنِ، والقُرَادِ عن البَعِيرِ، واللِّحَاءِ عن العُودِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لأَوْسِ بن حَجَرٍ [يذكر الخيل]:

لَدَى كُلِّ أُخْدُودٍ يُغَادِرْنَ دَارِعًا *** يُجَرُّ كما جُرَّ الفَصِيلُ المُقَرَّعُ

وِالتَّقْرِيعُ: إِنْزَاءُ الفَحْلِ، ومنه حَدِيثُ عَلْقَمَةَ: أَنَّه «كان يُقَرِّعُ غَنَمَه، ويَحْلُبُ ويَعْلِفُ» أَي: يُنْزَي عَليْهَا الفُحُولَ، هكَذَا ذَكَرَه الزَّمَخْشَرِيُّ في الفَائِقِ، والهَرَوِيُّ في الغَرِيبَيْنِ، وقالَ أَبُو مُوسَى: هو بالفَاءِ، وقالَ: هُوَ من هَفَوَاتِ الهَرَوِيِّ.

وِقَرَّع لِلْقَوْمِ* تَقْرِيعًا: أَقْلَقَهُم، قَالَهُ الفَرّاءُ، وأَنْشَدَ لأَوْسِ بنِ حَجَرٍ:

يُقَرِّعُ للرِّجالِ إِذَا أَتَوْه *** وِلِلنِّسْوانِ إِنْ جِئْنَ السَّلامُ

أَراد: يُقَرِّعُ الرِّجَالَ، فزادَ الَّلام كقوله تَعَالَى: {قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} وقد يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَتَقَرَّع.

وِقَرَّعَت الحَلُوبَةُ رَأَسَ فَصِيلِهَا، وذلِكَ إِذا كانَتْ كَثِيرَةَ اللَّبَنِ، فإِذا رَضَعَ الفَصِيلُ خِلْفًا قَطَرَ اللَّبَنُ مِنَ الخِلْفِ الآخَرِ، فقَرَعَ رَأْسَه قَرْعًا، قال لبِيدٌ ـ رضي ‌الله‌ عنه ـ:

لَها حَجَلٌ قَدْ قَرَّعَتْ من رُؤُوسِهِ *** لَهَا فَوْقَه مِمَّا تَحَلَّبَ وَاشِلُ

سَمَّى الإِفالَ حَجَلًا تَشبِيهًا بها، لصِغَرِهَا، وقَالَ النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ:

لَهَا حَجَلٌ قُرْعُ الرُّؤُوسِ تَحَلَّبَتْ *** على هَامِهَا بالصَّيْفِ حتى تَمَوَّرا

وِاسْتَقْرَعَه: طَلَبَ مِنْه فَحْلًا فَأَقْرَعَهُ إِيّاهُ: أَعْطَاهُ إِيّاه؛ لِيَضْرِبَ أَيْنُقَه.

وِاسْتَقْرَعَت النّاقَةُ: أَرادَت الفَحْلَ. وفي اللِّسَانِ: اشْتَهَت الضِّرابَ، وفي الصّحاح: اسْتَقْرَعَت البَقَرَةُ: أَرادَت الفَحْلَ، وقال الأُمَوِيُّ: يُقَال للضَّأْنِ: اسْتَوْبَلَتْ، وللمِعْزَى: اسْتَدَرَّتْ، وللبَقَرةِ: اسْتَقْرَعَتْ، وللكَلبَة: اسْتَحْرَمَتْ.

وِاسْتَقْرَعَ الحافِرُ؛ أَي حافِرُ الدّابَّةِ: اشْتَدَّ وصَلُبَ.

وِاسْتَقْرَعَت الكَرِشُ: ذَهَبَ خَمَلُهَا وهو زِئْبِرُهَا، ورَقَّتْ من شِدَّةِ الحَرِّ، وكذلِكَ اسْتَوْكَعَت.

وِالاقْتِراعُ: الاخْتِيَارُ، قال أَبو عَمْرٍو: ويُقَال: قَرَعْنَاكَ، واقْتَرَعْنَاكَ، وقَرَحْنَاكَ، واقْتَرَحْنَاكَ، وَمَخَزْنَاكَ، وامْتَخَرْناك، وانْتَضَلْناكَ؛ أَي اخْتَرْناكَ.

وِالاقْتِرَاعُ: إِيقادُ النّارِ وثَقْبُها مِن الزَّنْدَةِ.

وِالاقْتِراعُ: ضَرْبُ القُرْعَةِ، كالتَّقارُعِ، يُقَال: اقْتَرَع القَوْمُ، وتَقَارَعُوا.

وِالمُقَارَعَةُ: المُسَاهَمَةُ يُقَالُ: قَارَعْتُه فقَرَعْتُهُ، إِذا أَصابَتْكَ القُرْعَةُ دُونَه، كما في الصِّحَاحِ.

وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: المُقَارَعَةُ أَن تَأْخُذَ النّاقَةَ الصَّعْبَةَ فتُرْبِضَهَا للفَحْلِ فيَبْسُرَها، يُقَال: قَرِّعْ لجَمَلِكَ، نقله الصّاغَانِيُّ هكَذَا.

وِالمُقَارَعَةَ: أَنْ يَقْرَعَ الأَبْطَالُ بَعْضُهم بَعْضًا؛ أَي يُضَارِبُون بالسُّيُوفِ في الحَرْبِ.

وِيُقَالُ: بِتُّ أَتَقَرَّعُ وأَنْقَرِعُ؛ أَي أَتَقَلَّبُ لا أَنَامُ، فهو مُتَقَرِّعٌ ومُنْقَرِعٌ، عن الفَرّاءِ، مثل القَرِعِ.

وِعُمَر بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُرْعَةَ البَغْدَادِيُّ، بالضَّمِّ، يُعْرَفُ بابن الدَّلْوِ: مُحَدِّثٌ مُؤَدِّبٌ، عن أَبِي عُمَرَ بن حَيُّويَةَ، وعنه ابنُ الحاجبة كذا في التبْصِيرِ.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

قَرِعَت النَّعَامةُ، كفَرِحَ: سَقَطَ رِيشُها من الكِبَرِ، فهي قَرْعَاءُ.

وِالتَّقْرِيعُ: قَصُّ الشَّعَرِ، عن كُراع.

قلتُ: وهو بالزَّايِ أَعْرَفُ.

وفي المَثَلِ: «اسْتَنَّتِ الفِصَالُ حَتَّى القرْعَى» نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، ولم يُفَسِّره، والقَرْعَى: جَمْعُ قَرِيعٍ، أَو قَرِعٍ، واسْتَنَّتْ؛ أَي سَمِنَتْ، يُضْرَبُ لِمَنْ تَعَدَّى طَوْرَه، وادَّعَى ما ليْسَ فيه.

وِالقَرَعُ مُحَرَّكَةً: الجَرَبُ، عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ، قال ابنُ سِيدَه: وأَراه يَعْنِي جَرَبَ الإِبِلِ.

وِالقُرْعُ، بالضَّمِّ: الأَكْرَاشُ إِذا ذَهَبَ زِئْبِرُهَا.

وِقَرَعَ رَاحِلَتَه: ضَرَبَهَا بسَوْطِهِ، وقولُ الشّاعِرِ:

قَرَعْتُ ظَنَابِيبَ الهَوَى يَوْمَ عاقِلٍ *** وِيَوْمَ اللِّوَى حَتَّى قَشَرْتُ الهَوَى قَشْرًا

قَال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: أَي أَذْلَلْتُه، كما تَقْرَعُ ظُنْبُوبَ بَعِيرِك، لِيَتَنوَّخَ لك فتَرْكبَهُ.

وفي الأَساسِ: قَرَعَ ساقَهُ للأَمْرِ: تَجَرَّدَ له، وهو مَجَازٌ.

وفي المَثَل: «هو الفَحْلُ لا يُقْرَعُ أَنْفُه»، أَي: كُفْ‌ءٌ كَرِيمٌ.

وِالمُقْرَع، كمُكْرَمٍ: الفَحْلُ يُعْقَلُ فلا يُتْرَكُ أَنْ يَضْرِبَ الإِبِلَ رَغبَةً عنه.

وِقَارَعَ الإِنَاءَ مُقَارَعَةً: اشْتَفَّ ما فِيه، ومنْهُ قولُ ابْنِ مُقْبِلٍ ـ يَصِفُ الخَمْرَ ـ:

تَمَزَّزْتُهَا صِرْفًا وقَارَعْتُ دَنَّهَا *** بعُودِ أَرَاكٍ هَدَّهُ فتَرَنَّمَا

قَارَعْتُ دَنَّها، أَي: نَزَفْتُ ما فِيها حَتَّى قَرِعَ، فإِذا ضُرِبَ الدَّنُّ بَعْدَ فَرَاغِه بعُودٍ تَرَنَّمَ، وفي الأَسَاسِ: غاقَرَ [الخمرة] حَتَّى قارَعَ دَنَّهَا، أَي: أَنْزَفَهَا؛ لأَنَّهُ يَقْرَعُ الدَّنَّ، فإِذَا طَنَّ عَلِم أَنَّه فَرَغَ، وهو مَجَازٌ.

وِالقِرَاعُ: بالكَسْرِ: المُجَالَدَةُ بالسيُوفِ، قال:

بِهِنَّ فلُولٌ من قِرَاعِ الكَتَائبِ

وِالأَقَارِعُ: الشِّدَادُ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ عن أَبِي نَصْرٍ: والقَارِعَةُ: الحُجَّةُ، على المَثَلِ، قال الشّاعِرُ:

وِلا رَمَيْتُ على خَصْمٍ بقَارِعَةٍ *** إِلّا مُنِيتُ بخَصْمٍ فُرَّ لي جَذَعَا

وِقَرِعَ ماءُ البِئْرِ، كفَرِحَ: نَفِدَ، فَقَرَع قَعْرَها الدَّلْوُ.

وِالقَرّاعُ، كشَدّادٍ: التُّرْسُ، قال الفَارِسِيُّ: سُمِّيَ به لصَبْرِه على القَرْعِ، قال أَبُو قَيْسِ بنُ الأَسْلَتِ:

صَدْقٍ حُسَامٍ وَادِقٍ حَدُّه *** وِمُجْنَإِ أَسْمَرَ قَرّاعِ

وِالقَرَّاعَانِ: السيْفُ والحَجَفَةُ، هذه في أَمالِي ابنِ بَرِّيّ.

وِقَرَعَ التَّيْسُ العَنْزَ، إِذا قَفَطَهَا.

وباتَ يُقَرِّعُ تَقْرِيعًا: يَتَقَلَّبُ.

وِقَارَعَ بَيْنَهُم، كأَقْرَعَ، وأَقْرَعَ أَعْلَى.

وِالقَرُوعُ، كصَبُورٍ: الشاةُ يَتَقَارَعُونَ عَليْهَا، نَقَلَه ابنُ سِيدَه.

وِالقَرِيع، كأَمِيرٍ: الخِيَارُ عن كُرَاع.

وحِمَارٌ قَرِيعٌ: فارِهٌ مُخْتَارٌ، ويُقَال: هو تَصْحِيفُ فَرِيغٍ، بالفَاءِ والغيْنِ المُعْجَمَةِ.

وِقَرَعَةُ قَرْعًا: اخْتَارَهُ، ومنه: القَرِيعُ والمَقْرُوعُ للسيِّدِ، نَقَلَه أَبُو عَمْرٍو، ولم يَعْرِفْه ابنُ سِيدَه.

وقال الفارِسِيُّ: قَرَعَ الشَّيْ‌ءَ قَرْعًا: سَكَّنَهُ.

وِقَرَعَهُ: صَرَفَهُ، قِيلَ: ومنه قَوَارِعُ القُرْآنِ، لأَنَّهَا تَصْرِفُ الفَزَع عَمَّن قَرَأَهَا، وفي الأَسَاسِ: وفي الحَدِيثِ: «شَيَّبَتْنِي قَوَارِعُ القُرْآنِ» وهو مَجَازٌ.

وِقَرَعَه بالحَقِّ: اسْتبْدَلَه، وفي الأَسَاسِ: رَمَاهُ، وهو مجازٌ.

وقال ابنُ السِّكِّيتِ: قَرَّعَ الرَّجُلُ مكانَ يَدِه تَقْرِيعًا، إِذا تَرَكَ مَكَانَ يَدِه من المائِدَةِ فارِغًا. وفي الأَساسِ: مكانَ يَدِه أَقْرَعَ، وهو مَجَازٌ.

وإِبِلٌ مُقَرَّعَةٌ، كمُعَظَّمَةٍ، وُسِمَتْ بالقَرَعَةِ، مُحَرَّكَةً.

وأَرْضٌ قَرِعَةٌ، كفَرِحَةٍ: لا تُنْبِتُ شيئًا.

وِالقَرَعُ، بالتَّحْرِيكِ: مَوَاضِعُ من الأَرْضِ ذاتِ الكَلَإِ لا نبَاتَ فِيها، كالقَرَعِ في الرَّأْسِ، ومنه‌الحَدِيثُ: «لا تُحْدِثُوا في القَرَع، فإِنَّهُ مُصَلَّى الخَافِينَ» أَي الجِنِّ.

وِالقُرَيْعَاءُ، مُصَغَّرًا: أَرْضٌ لا يَنبُتُ فِي مَتْنِهَا شَيْ‌ءٌ، وإِنَّمَا يَنْبُتُ في حَافَتَيْهَا.

وِالقُرْعُ، بالضَّمِّ: غُدْرانٌ في صَلابَةٍ من الأَرْضِ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ الرّاعِي الَّذِي تَقَدَّم.

وِالقَرِيعَةُ: عَمُودُ البَيْتِ الذِي يُعْمَدُ بالزِّرِّ، والزِّرُّ: أَسْفَلُ الرُّمّانَةِ، وقد قَرَعَه به.

وِأَقْرَعَ فِي سِقَائِه: جَمَعَ. عن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ.

وقالَ أَبو عَمْرٍو: وتَمِيمُ تَقُولُ: خُفَّانِ مُقْرَعَان؛ أَي مُنْقَلان. وأَقْرَعْتُ نَعْلِي وخُفِّي: إِذا جَعَلْتَ عليهِمَا رُقْعَةً كَثِيفَةً.

وِالقَرّاعةُ: القَدّاحَةُ تُقْدَح بها النَّارُ.

وِالمَقْرَعَةُ: مَنْبِتُ القَرْعِ، كالمَبْطَخَة والمَقْثَأَة.

ويُقَالُ: جاءَ فُلان بالسَّوّءَة القَرْعَاءِ، والسَّوْءَةِ الصَّلْعَاءِ؛ أَي المُتَكَشِّفَةِ، وهو مَجَازٌ.

وِالأَقارِعَةُ، والأَقَارِعِ: آلٌ الأَقْرَعِينَ، كالمَهَالِبَة والمَهَالِب.

وِالأَقْرَعُ. لَقَبُ الأَشْيَمِ بْنِ مُعَاذِ بنِ سِنَانٍ، سُمِّيَ بذَلِكَ لِبَيْتِ قالَهُ يَهْجُو مُعَاوِيَةَ بنَ قُشَيْرٍ:

مُعَاوِيَ مَنْ يَرْقِيكُمُ إِنْ أَصَابَكُمْ *** شَبَاحَيَّةٍ ـ مِمّا عَدَا القَفْرَ ـ أَقْرَع

وِمُقَارِعٌ، بالضَّمِّ: اسمٌ.

ويُقَالُ: «فُلانٌ لا يُقْرَعُ له العصَا، ولا يُقَعْقَعُ له بالشِّنَانِّ» أَي: نَبِيهٌ لا يَحْتَاجُ إِلى التَّنْبِيه.

وِالقُرَيْعَاءُ، مُصَغَّرًا: البَشَرَةُ.

والقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ الرَّحْمنِ بنِ قُرَيْعَةَ ـ كجُهَيْنَةَ ـ القُرَيْعِيُّ صاحِبُ النَّوَادِرِ، مَشْهُورٌ ببَغْدَادَ.

وِقُرَيْعٌ، كزُبَيْرٍ: بَطْنٌ من بَنِي نُمَيْرٍ، منهُم المُخَبَّلُ القُرَيْعِيُّ الشاعِرُ.

واخْتُلِفَ في عَبْدِ الله بنِ عِمْرَانَ التَّمِيمِيِّ القُرَيْعِيِّ، فقِيلَ: بالقَاف وهو الَّذِي ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ، وقِيلَ: بالفَاءِ، وقَدْ تَقَدَّمَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


179-تاج العروس (لع لعع لعلع)

[لعع]: اللُّعَاعُ، كغُرَابٍ: نَبْتٌ ناعِمٌ فِي أَوَّلِ ما يبْدُو، كَما في الصِّحاحِ، زادَ غَيْرُه: رَقِيقٌ، ثُمَّ يَغْلُظُ، واحِدَتُه لُعَاعَة، وقالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَكْثَرُ ما يُقَالُ ذلِكَ في البُهْمَى، وقالَ سُوَيْدُ بنُ كُرَاع، يصِفُ ثَوْرًا وكِلابًا:

رَعَى غَيْرَ مَذْعُورٍ بهِنَّ ورَاقَهُ *** لُعَاعٌ تِهادَاهُ الدِّكادِكُ واعِدُ

وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لابنِ مُقْبِلٍ ـ ويُرْوَى لجِرانِ العَوْدِ، ويُرْوَى للحَكَمِ الخُضْرِيِّ أَيْضًا ـ:

كادَ اللُّعَاعُ مِنع الحَوْذانِ يَسْحَطُهَا *** وِرِجْرِجٌ بَيْنَ لَحْيَيْهَا خَنَاطِيلُ

وقَدْ مَرَّ شَرْحُ هذا البَيْتِ في «ر الجمع: ج» فراجِعْهُ.

وِاللُّعَاعَةُ بهاءٍ: الهِنْدِباءُ عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: اللُّعاعَةُ: الخِصْبُ، وفي الصِّحاحِ: قالَ الأَصْمَعِيُّ: ومِنْهُ، أَي: من اللُّعَاعِ بمَعْنَى النَّبْتِ النّاعِم، قِيلَ: الدّنْيَا لُعاعَة، وفي الحَدِيثِ: «إِنَّمَا الدُّنْيَا لُعَاعَة» يعنِي كالنَّباتِ الأَخْضَرِ قَلِيلِ البَقَاءِ.

وِقالَ المُؤَرِّخُ: اللُّعاعَةُ: الجَرْعَةُ مِنَ الشَّرابِ، يُقال: فِي الإِناءِ لُعاعَة، وقالَ غَيْرُه: هو ما بَقِيَ في السِّقاءِ، وقِيلَ: لُعَاعَةُ الإِناءِ: صَفْوَتُه، وقالَ اللِّحْيَانِيُّ: في الإِناءِ لُعاعَةٌ، أَي: قَلِيلٌ.

وِقالَ أَبُو عَمْرٍو: اللُّعَاعَةُ الكَلأُ لخَفِيفُ، رُعِيَ أَو لَمْ يُرْعَ وقالَ غَيْرُه: يُقَالُ: فِي الأَرْضِ لُعاعَةٌ: لِلشَّيْ‌ءِ الرَّقِيقِ.

وِأَلَعَّتِ الأَرْضُ إِلْعاعًا: أَنْبَتَتْهَا.

وِتَلَعَّى: تَنَاوَلَها،: كَما في الصِّحاحِ، قالَ: وأَصْلُه: تَلَعَّعَ، فكَرِهُوا ثَلاثَ عَيْنَاتٍ، فأَبْدَلُوا مِنَ الأَخِيرَةِ ياءٌ، وهُوَ مِنْ مُحَوَّلِ التِّضْعِيفِ، وقالَ أَبُو مُحَمَّدِ بنُ السِّيدِ: حُكِيَ عَنِ العَرَبِ: خَرَجْنَا لنَتَلَعَّى، أَيْ: نَرْعَى اللُّعَاعَ، وقالَ ابنُ جِنِّي: أَخْبَرَنا أَبُو عَلِيٍّ بإِسْنَادِهِ لِيَعْقُوبَ قالَ: قالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: تَلَعَّيْتُ من اللُّعَاعَةِ، وهِيَ بَقْلَةٌ، والأَصْلُ: تَلَعَّعْتُ، ثم أُبْدِلَ، كتَظَنَّيْتُ ونَحْوِه.

وِاللَّعْلَعُ: السَّرَابُ نَقَلَه اللَّيْثُ.

وِلَعْلَعٌ، بلا لامٍ: جَبَلٌ كانَتْ بهِ وَقْعَةٌ، كما في الصِّحاحِ والأَساسِ، يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، ومنه‌الحَدِيثُ: «ما أَقامَتْ لَعْلَعُ» قالَ ابنُ الأَثِيرِ: هو جَبَلٌ، وأَنَّثَهُ لأَنَّه جَعَلَهُ اسْمًا لِلْبُقْعَةِ الَّتِي حَوْلَ الجَبَلِ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ لِشّاعِرٍ ـ وهُوَ عَمْرُو بن عَبْدِ الجِنِّ التَّنُوخِيُّ، ونَسَبَهُ فِي اللِّسَانِ لِحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ ـ:

لَقَدْ ذاقَ مِنّا عامِرٌ يَوْمَ لَعْلَعٍ *** حُسامًا إِذا ما هُزَّ بالكَفِّ صَمَّمَا

وِقِيلَ: لَعْلَعٌ: موضع بَيْنَ البَصْرَةِ والكُوفَةِ.

وِقالَ الأَزْهَرِيُّ: لَعْلَعٌ: ماءٌ بالبادِيَةِ وقَدْ وَرَدْتُه، قالَ الأَخْطَلُ:

سَقَى لَعْلَعًا والقَرْيَتَيْنِ فَلَمْ يَكَدْ *** بأَثْقَالِه عَنْ لَعْلَعٍ يَتَحَمَّلُ

وقال رُؤْبَةُ:

أَقْفَرَ مِنْ أُمِّ اليَمَانِي لَعْلَعُ *** فبَطْنُ ذِي قارٍ فقارٌ بَلْقَعُ

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: اللَّعْلَعُ: الذِّئْبُ وهو قَوْلُ ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وأَنْشَدَ:

وِاللَّعْلَعُ المُهْتَبِلُ العَسُوسُ

قِيلَ: سُمِّيَ بهِ لضَجَرِهِ منْ كُلِّ شَيْ‌ءٍ.

وِاللَّعْلَعُ: شَجَرٌ حِجَازِيٌّ، عن ابنِ عَبّادٍ.

وِاللَّعْلاعُ: الجَبَانُ، عن المُؤَرِّجِ.

وِاللَّعَّةُ: المَرْأَةُ العَفِيفَةُ المَلِيحَةُ، قالَهُ اللّيْثُ، ومِثْلُه في الرَّوْضِ للسُّهَيْلِيِّ، وقِيلَ: هيَ الخَفِيفَةُ تُغَازِلُكَ ولَمْ تُمَكِّنْكَ، وقالَ اللِّحْيَانِيِّ: هِيَ المَلِيحَةُ الّتِي تُدِيمُ نَظَرَكَ إِلَيْهَا مِنْ جَمالِهَا.

قالَ اللَّيْثُ: واللَّعّاعَةُ، مُشَدَّدَةً: مَنْ يَتَكَلَّفُ الأَلْحَانَ مِنْ غَيْرِ صَوابٍ، كذا نَصُّ العَيْنِ والعُبَابِ، وفِي المُحْكَمِ: بلا صَوْتٍ.

ولَعْ، ولَعْلَعْ كِلاهُمَا: بمَعْنَى لَعًا يُقالُ للعاثِرِ، كما فِي المُحِيطِ.

وِتَلَعْلَعْتُ بهِ: قُلْتُ لَهُ ذلِكَ ونصُّ المُحِيطِ: لَعْلَعْتُ بهِ.

وِتَلعَّى: تَنَاوَلَ اللُّعَاعَ مِنَ الكَلإِ، هكذا في سائِرِ النُّسَخِ، وهُوَ مُكَرَّرٌ. مع ما سَبَقَ لَهُ.

وِتَلَعْلَع عَظْمُه: تَكَسَّرَ مُطَاوِعُ لَعْلَعَهُ، كما في الصِّحاحِ، وقالَ رُؤْبَةُ:

وِمَنْ هَمَزْنا رَأْسَه تَلَعْلَعَا

وِتَلَعْلَعَ مِنَ الجُوعِ: تَضَوَّرَ وتَحَزَّنَ.

وِقِيلَ: تَلَعْلَعَ: اضْطَرَبَ.

وِتَلَعْلَعَ الكَلْبُ: أَدْلَعَ لِسانَه عَطَشًا قالَ اللَّيْثُ: وإِدْلاعُه: تَلأْلُؤُهُ.

وِتَلَعْلَعَ السَّرَابُ: تَلأْلأَ.

وِتَلَعْلَعَ الرَّجُلُ: ضَعُفَ مِنْ مَرَضٍ أَو تَعَبٍ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ.

وِيُقَالُ: عَسَلٌ مُتَلَعْلِعٌ، ومُتَلَعٍّ والأَصْلُ: مُتَلَعِّعٌ، وهُوَ: الّذِي يَمْتَدُّ إِذا رُفِعَ فلَمْ يَنْقَطِعْ لِلُزُوجَتِه.

وِاللَّعِيعَةُ: خُبْزُ الجَاوَرْسِ نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِاللَّعْلَعَةُ: كَسْرُ العَظْمِ ونَحْوِه يُقَالُ: لَعْلَعَهُ فَتَلَعْلَعَ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وِاللَّعْلَعَةُ مِنَ السَّرَابِ: بَصِيصُهُ.

وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: التَّحَزُّنُ مِنَ الجُوعِ، والضَّجَرُ مِنْ كُلِّ شي‌ءٍ، وبه سُمِّيَ الذِّئْبُ لَعْلَعًا.

* وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه: اللُّعاعَةُ بالضَّمِّ: البَقِيَّةُ اليَسِيرَةُ مِنْ كُلِّ شي‌ءٍ، ومنه قَوْلُهُم: ما بَقِيَ فِي الدُّنْيَا إِلّا لُعَاعَةٌ.

وِاللُّعَاعَةُ: كُلُّ نَباتٍ لَيِّنٍ من أَحْرَارِ البُقُولِ فِيهِ ماءٌ كَثِيرٌ لَزِجٌ، ويُقَالُ لَهُ: النُّعَاعَةُ أَيْضًا.

وِلُعَاعُ الشَّمْسِ: السَّرَابُ، والأَكْثَرُ لُعابُ الشَّمْسِ.

وِالتَّلَعْلُعُ: التَّلأْلُؤُ.

ولَعْ لَعْ: زَجْرٌ، حَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي المُبْدَلِ، وقد ذَكَرَ المُصَنِّفُ مَقْلُوبَه «علع» في العَيْنِ.

وقالَ ابنُ عَبّادٍ: تَلَعْلَعَتِ الإِبِلُ فِي كَلَإٍ ضَعِيفٍ، أَي: تَتَبَّعَتْ.

وِتَلَعْلَعَ مِنَ العَطَشِ: تَضَوَّرَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


180-تاج العروس (بخدق)

[بخدق]: البُخْدُقُ، كعُصْفُرٍ أَهمله الجَوْهَرِيُّ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: أَخْبَرَنا أَبو حاتِمٍ قال: سَأَلْتُ أُمَّ الهَيْثَمِ عن الحَبِّ الذي يُسَمّى أَسْفَيُوشَ ما اسْمُه بالعَرَبِيَّةِ؟ فقالَتْ: أَرِنِي مِنْهُ حَبّاتٍ، فأَرَيْتُها، ففَكَّرَتْ ساعةً، ثم قالَتْ: هذا البُخْدُقُ، قالَ: ولم أَسْمَعْ ذلِكَ من غيْرِها، قال الصّاغانِيُّ: هذا الحَبُّ هو بِزْرُ قُطُونَا وقال ابنُ بَرِّيّ: قال ابنُ خالَوَيْهِ: البُخْدُقُ: نَبْتٌ، ولم يُعْرَفْ إِلّا من أَمِّ الهيْثَمِ.

قلتُ: وابنُ خالَوَيْهِ مِمِّنْ أَخَذَ عن ابنِ دُرَيْدٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


181-تاج العروس (صدق)

[صدق]: الصِّدقُ بالكَسْر والفَتح: ضِدُّ الكَذِب والكسر أَفصح كالمَصْدُوقَة، وهي من المَصادر التي جاءَت على مَفعُولة، وقد صَدقَ يَصدُق صَدْقًا وصِدْقًا ومَصْدُوقَةً.

أَو بالفَتْح مَصْدرٌ، وبالكَسْر اسمٌ.

قال الرّاغِب: الصِّدْق والكَذِب أَصلُهُما في القَوْل، ماضِيًا كان أَو مُسْتَقْبلًا، وَعْدًا كان أَو غيره، ولا يَكونَان بالقَصْدِ الأَول إِلّا في القَوْل، ولا يَكونَان من القَوْل إِلّا في الخَبَرِ دُون غَيْره من أَنواع الكلام، ولذلك قال تَعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا} {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ}.

وقد يَكُونان بالعَرْض في غَيْره من أَنْواع الكلام، كالاستِفْهام، والأَمْر، والدُّعاءِ، وذلِك نَحوُ قولِ القَائِل: أَزَيْدٌ في الدّارِ؟ فإِنَّه في ضِمْنه إِخْبار بكَوْنِه جَاهِلًا بِحالِ زيْدٍ، وكذا إِذا قال: وَاسِني، في ضِمْنِه أَنَّه مُحْتاج إِلى المُواساةِ، وإِذا قال: لا تُؤْذنِي، فَفِي ضِمْنِه أَنه يُؤذِيه، قال: والصِّدقُ: مطابَقَةُ القَولِ الضَّمِيرَ، والمُخْبَرَ عنه مَعًا، ومَتَى انْخَرَم شَرْطٌ من ذلك لم يَكُن صِدْقًا تَامًّا، بل إَّما أَلّا يوصف بالصّدق وإِما أَن يُوصَف تارةً بالصّدق وتَارةً بالكَذِب على نَظَرين مُخْتَلِفين، كقَوْلِ كافرٍ ـ إِذا قالَ من غَيْر اعتِقاد ـ: مُحمَّدٌ رَسولُ الله، فإِنَّ هذا يَصِحُّ أَن يُقال: صِدْقٌ، لكَوْنِ المخبَر عنه كَذلك. ويَصِحُّ أَن يُقال: كِذْبٌ؛ لمُخالَفَةِ قَولِه ضَمِيرَهُ، وللوجْهِ الثَّانِيِ أَكْذَبَ اللهُ المُنَافِقينَ حَيْثُ قالوا: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} فقال: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ} انتَهِى.

يُقال: صَدَق في الحَدِيثِ يَصدُق صِدْقًا.

وقد يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولين، تَقول: صدَقَ فُلانًا الحدِيثَ أَي: أَنْبَأَه بالصِّدْقِ. قالَ الأَعْشَى:

فصدَقْتُها وكَذَبْتُها *** والمَرْءُ ينفَعُه كِذابُهْ

ومنه قولُه تَعالَى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ} وقولُه تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ}.

ومن المجاز: صَدَقُوهم القِتالَ وصَدَقوا في القِتال: إِذا أَقدَمُوا عليهم، عادَلوا بها ضِدَّها حين قالوا: كَذَبوا عنه: إِذا أَحْجَموا.

وقال الراغب: إِذا وَفَّوْا حَقَّه، وفَعَلوا على ما يَجِبُ.

وقد استعمِل الصِّدقُ هنا في الجَوَارح، ومنه قَولُه تعالى: {رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} أَي حَقَّقُوا العَهْدَ لِمَا أَظهَرُوه من أَفْعالِهم. وقال زُهيْر:

لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجالَ إِذا *** ما اللَّيثُ كَذَّبَ عن أَقْرانِه صَدَقَا

ومن أَمثالهم: صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِه، وذلك أَنَّه لمَّا نَفَر قال له: هِدَعْ، وهي كلمةٌ تُسَكَّنُ بها صِغارُ الإِبل إِذا نَفَرت، كما في الصِّحاح، وقد مَرَّ في: ه بلد موضع هكذا في سائِر النُّسَخ المَوْجُودة، ولم يَذْكُر فيها ذلك، وإِنما تَعرَّض له في «ب ك ر» فكأَنَّه سَهَا، وقَلَّد ما في العُبابِ، فإِنّه أَحالَه على «هدع» ولكنّ إِحالة العُباب صَحِيحة، وإِحالة المُصَنِّفِ غَيْرُ صَحِيحةٍ.

ومن المجاز: الصِّدقُ، بالكَسْرِ: الشِّدَّة.

وفي العُباب: كُلُّ ما نُسِب إِلى الصَّلاح والخَيْر أُضِيف إِلى الصِّدْق، فقيل: هو رَجُلُ صِدْقٍ، وصَدِيقُ صِدْقٍ، مُضافَيْنِ، ومَعْناه: نِعْمَ الرَّجُلُ هو، وكذا امرأَةُ صِدْقٍ فإِن جعلته نَعْتًا قلت: الرجل الصَّدْق بفَتْح الصَّاد وهي صَدْقة كما سيأْتي، وكذلك ثوبٌ صَدْقٌ. وخِمارُ صِدْقٍ حكاه سِيبَوَيْه.

وقَولهُ عزَّ وجَلَّ: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ أَي: أَنزلْناهُم مَنْزِلًا صَالِحًا. وقال الرّاغِبُ: ويُعبَّر عن كُلِّ فِعْل فاعِل ظاهِرًا وباطِنًا بالصِّدق، فيُضاف إِليه ذلك الفِعْلُ الذي يُوصَف به نَحْو قوله عزّ وجلّ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} وعلى هذا {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وقوله تعالى: {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} فإِن ذلِك سؤالٌ أَن يجعَلَه الله عَزَّ وجَلَّ صالِحًا بحَيْث إِذا أَثْنَى عليه مَنْ بعدَه لم يكن ذلِك الثَّنَاءُ كَاذِبًا، بَل يَكُون كما قَالَ الشَّاعِر:

إِذا نَحْن أَثنَيْنا عليكَ بصَالِحٍ *** فأَنتَ كما نُثْنِي وفَوقَ الّذي نُثْنِي

ويقال: هذا الرَّجُل الصَّدْقُ، بالفتح على أَنه نَعْتٌ للرّجل، فاذا أَضَفْت إِليه كَسَرْت الصَّادَ كما تَقَدَّم قريبًا، قال رُؤبةُ يَصِفُ فَرسًا:

والمَرْءُ ذو الصِّدقِ يُبَلِّي الصِّدْقا

والصُّدْق، بالضَّمّ، وبضَمَّتَيْن: جمع صَدْقٍ بالفتح كرَهْنٍ ورُهُن، وأَيضًا جَمْع صَدُوقٍ كَصَبُور، وصَدَاقَ كسَحاب، وسيأْتي بيان كلٍّ منهما.

والصَّدِيق كأَمِير: الحَبِيبُ المُصادِقُ لكَ، يُقالُ ذلك لِلْواحِدِ، والجَمْعِ، والمُؤَنَّثِ، ومنه قولُ الشاعِر:

نَصَبْنَ الهَوَى ثُمّ ارتَمَيْنَ قُلوبَنا *** بأَعْيُنِ أَعداءٍ وهُنَّ صَدِيقُ

كما في الصِّحاح، وفي التَّنْزِيل: {فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} فاستَعْمَله جَمْعًا، أَلا تَراه عَطَفه على الجَمْعِ، وأَنْشَد اللَّيث:

إِذِ النَّاسُ ناسٌ والزَّمانُ بعِزَّةٍ *** وإِذْ أُمُّ عَمَّارٍ صَدِيقٌ مُساعِفُ

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أَخبرنا أَبو عُثْمَانَ عن التَّوَّزِي: كان رُؤْبَة يَقعُد بعد صلاة الجُمُعة في أَخْبِية بني تَمِيم فيُنْشِد وتَجْتَمع الناسُ إِليه فازْدَحَمُوا يومًا فضَيَّقُوا الطريقَ فأَقبلَت عَجوزٌ معها شي‌ءٌ تَحمِله فقال رُؤْبَةُ:

تَنحَّ للعَجُوز عن طَرِيقِها *** قد أَقبَلَت رائحةٌ من سُوقِها

دَعْهَا فَما النّحوِيُّ من صَدِيقِها

أَي: من أَصدِقائها.

وقال آخرُ ـ في جَمْع المُذَكَّر ـ:

لعَمْرِي لَئن كُنْتُم على الَّلأْيِ والنَّوَى *** بِكُم مِثلُ ما بي إِنَّكم لصَدِيقُ

وأَنشد أَبو زَيْد والأَصمَعِي لقَعْنَبِ ابنِ أُمِّ صَاحِبٍ:

ما بالُ قَوْمٍ صَدِيقٍ ثمَّ ليسَ لهم *** دِينٌ وليس لهم عَقْلٌ إِذا ائْتُمِنُوا

وقيل: هي أَي: الأُنْثَى بهاءٍ أَيْضًا نَقلَه الجوهَرِيُّ أَيضًا.

قال شَيْخُنا: وكَونُها بالهاءِ هو القِياسُ، وامْرأَةٌ صَدِيقٌ شَاذٌّ، كما في الهَمْع، وشَرْحِ الكافِية، والتَّسْهِيل، لأَنه فَعِيلٌ بمعنى فَاعِل، وقد حَكَى الرَّضِي ـ في شَرْح الشَّافية ـ أَنَّه جاءَ شَيْ‌ءٌ من فَعِيلٍ كَفاعِلٍ، مُسْتَوِيًا فيه الذَّكَر والأُنْثى؛ حَمْلًا على فَعِيلٍ بمعنى مَفْعُولٍ، كجَدِيرٍ، وسَدِيس، وريح خَرِيق، ورَحمةُ الله قَرِيبٌ، قال: ويَلزَم ذلِك في خَرِيقٍ وسَدِيسٍ، ومِثلُه للشَّيْخِ ابِن مَالِك في مُصَنَّفَاتِه.

ثُمّ هل يُفَرَّقُ بين تَابعِ المَوْصُوفِ أَو. لا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وظَاهِرُ كلامِهم الإِطلاقُ، إِلَّا أَنَّ الإِحَالَة على الذي بِمَعْنى مَفْعولٍ رُبَّما تَقَيَّد، فَتدَبَّر.

ج: أَصدِقاءُ، وصُدَقَاءُ كأَنْصِباءَ، وكُرَماءَ وصُدْقانٌ بالضم، وهذه عن الفَرَّاءِ جج: أَصادِقُ وهو جَمْع الجَمْع وقال ابنُ دُرَيْدٍ: وقد جَمَعُوا صَدِيقًا: أَصادِق، على غَيْرِ قِياس، إِلَّا أَن يَكُونَ جَمْعَ الجمعِ، فأَمَّا جَمْعُ الوَاحِد فَلَا.

وأَنشدَ ابنُ فَارِس في المقَاييِس:

فلا زِلْن حَسْرى ظُلَّعًا إِنْ حَمَلْنيها *** إِلى بَلَدٍ ناءٍ قَلِيلِ الأَصَادِق

وقال عُمَارَةُ بنُ طَارِق:

فاعْجَلْ بغَرْبٍ مثل غَرْبِ طارِقِ *** يُبْذَل للجِيرَانِ والأَصادِقِ

وقال [جرير:]:

وأَنكَرْتُ الأَصادِقَ والبِلادَا

ويُقالُ: هو صُدَيّقِي، مُصَغَّرًا مُشدَّدًا، أَي: أَخَصُّ أَصْدِقَائِي وإِنّما يُصَغَّرُ على جِهَة المَدْح، كَقوْل حُبابِ بنِ المُنْذِر: «أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المُرَجَّب».

والصَّدَاقَة: إِمْحاضُ المَحَبَّة.

وقالَ الرَّاغِبُ: الصَّدَاقَةُ: صِدْق الاعْتِقاد في المَوَدَّة، وذلكَ مُخْتَصٌّ بالإِنْسانِ دُونَ غَيْرِه.

وقالَ شَمِر: الصَّيْدَقُ، كصَيْقَلٍ: الأَمِينُ، وأَنْشَدَ قولَ [أُمَيّة] بنِ أَبِي الصَّلْتِ:

فيها النُّجومُ طَلَعْنَ غَيرَ مُراحَةٍ *** ما قال صَيْدَقُها الأَمِينُ الأَرْشَدُ

وقال أَبو عَمْرو: الصَّيْدَقُ: القُطْبُ.

وقال كُراع: هو النَّجْم الصَّغِير الَّلاصِقُ بالوُسْطى من بَناتِ نَعْش الكُبْرى.

وقال غيْرُه: هو المُسَمَّى بالسُّها.

وقد شُرِحَ في تركيب ق ود فراجِعْه. وقال أَبو عَمْرو: قِيلَ الصَّيْدَق المَلِك.

والصَّدْقُ بالفتح: الصُّلْبُ المُسْتَوِي من الرِّماحِ والسُّيْوفِ. يُقالُ: رُمْحٌ صَدْقٌ، وسيفٌ صَدْق، أَي: مُسْتَوٍ.

قالَ أَبو قَيْسِ بنُ الأَسْلَتِ:

صَدْقٍ حُسامٍ وادقٍ حَدُّه *** ومُجْنَإِ أَسْمَرَ قَرَّاعِ

قال ابنُ سِيدَه: وظَنّ أَبو عُبَيْدٍ الصَّدْقَ في هذا البَيْتِ الرُّمْحَ، فَغلِط. والصَّدْقُ أَيضًا: الصُّلْب من الرِّجال.

وَرَوَى الأَزهَرِيُّ عن أَبي الهَيْثَمِ أَنّه أَنشَدَه لكَعْبٍ:

وفي الحِلم إِدْهانٌ وفي العَفْوِ دُرْسَةٌ *** وفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ من الشَّرِّ فاصْدُقِ

قال: الصِّدقُ هنا: الشَّجاعَةُ والصَّلَابة. يَقول: إِذا صَلُبْتَ وصَدَقْتَ انْهَزَم عَنكَ من تَصْدُقُه، وإِن ضَعُفْتَ قَوِيَ عليك، واستَمْكَن منك.

رَوَى ابنُ بَرِّيّ، عن ابنِ دُرُسْتَوَيهِ، قال: لَيْس الصِّدْقُ من الصَّلابةِ في شَيْ‌ءٍ، ولكنّ أَهلَ اللُّغة أَخَذُوه من قَوْل النّابِغَة:

في حَالِك اللَّونِ صَدْقٍ غَيرِ ذِي أَوَدِ

وقالَ: وإِنَّما الصَّدْقُ الجامِعُ للأَوْصافِ المَحْمُودَة، والرُّمحُ يُوصَف بالطُّولِ واللِّينِ والصَّلَابَةِ، ونَحْو ذلك.

وقالَ الخليلُ: الصَّدْقُ: الكَامِل من كُلِّ شَيْ‌ءٍ يُقالُ: رجل صَدْقٌ وهِيَ صَدْقَةٌ. قال ابن دُرُسْتَوَيْهِ: وإِنَّما هذا بمَنْزِلة قَولِكَ: رجلٌ صَدْقٌ، وامرأَة صَدْقٌ، فالصَّدْق من الصِّدْقِ بعَيْنِه، والمعنى أَنه يَصْدُق في وَصْفِه من صَلابَة وقُوَّةٍ وجَوْدةٍ، قال: ولو كانَ الصَّدقُ الصُّلْبَ لقِيلَ: حَجَرٌ صَدْقٌ، وحَدِيدٌ صَدْق، قال: وذلِك لا يُقال.

وقَوْمٌ صَدْقُون، ونِساءٌ صَدْقاتٌ قال رُؤْبةُ يَصِف الحُمُرَ:

مَقْذُوذَةُ الآذانِ صَدْقاتُ الحَدَقْ

أَي: نَوافِذُ الحَدَق، وهو مَجَاز.

ومن المَجازِ: رَجُلٌ صَدْقُ اللِّقاءِ أَي: الثَّبْتُ فيه. وصَدْقُ النَّظَرِ وقد صَدَقَ اللِّقاءَ صَدْقًا، قالَ حَسَّانُ بنُ ثابِت رضي ‌الله‌ عنه:

صَلَّى الإِلهُ على ابنِ عَمْرٍو إِنَّه *** صَدَقُ اللِّقاءِ وصَدْقُ ذلِك أَوفَقُ

وقَومٌ صُدْقٌ، بالضمِّ مثل: فَرسٌ وَرْد، وأَفراسٌ وُرْدٌ، وجَوْنٌ وجُونٌ، وهذا قد سَبَقَ في قولِه: «وبالضَّمِّ وبضَمَّتَيْن: جمعُ صَدْقٍ» فهو تَكْرار.

ومِصْداقُ الشَّيْ‌ءِ: ما يُصَدِّقُه. ومنه الحَدِيثُ: «إِن لكُلِّ قَوْلٍ مِصْداقًا ولكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَة».

وشُجاعٌ ذُو مِصْدَقٍ، كمِنْبَر هكذا في العُبابِ والصِّحاح، أَي: صادِقُ الحَمْلة وفَرَسٌ ذُو مِصْدَقٍ: صادِقُ الجَرْيِ كأَنّه ذُو صِدْقٍ فيما يَعِدُك من ذلك، نقله الجَوْهَرِيُّ، وهو مَجازٌ، وأَنشدَ لخُفافِ بنِ نُدْبَةَ:

إِذا ما اسْتَحَمَّت أَرْضُه من سَمائِه *** جَرَى وَهْوَ مَوْدوعٌ وواعِدُ مَصْدَقِ

يَقولُ: إِذا ابتلَّتْ حوافِرُه من عَرَق أَعالِيه جَرَى وهو مَتْروكٌ لا يُضرَبُ ولا يُزْجَرُ، ويَصْدُقك فيما يَعِدُك البلُوغَ إِلى الغَايَة.

والصَّدَقَة، مُحَرَّكَة: ما أَعْطَيْتَه في ذَاتِ اللهِ تَعالَى للفُقَراءِ: وفي الصّحاح: ما تَصدَّقْتَ به على الفُقَراءِ. وفي المُفْردات: الصَّدَقة: ما يُخرِجُه الإِنْسانُ من مالِه على وَجْهِ القُرْبةِ، كالزَّكاة، لكن الصَّدَقَة في الأَصل تُقالُ للمُتطَوَّع به، والزَّكاة تُقال للوَاجِب، وقيل: يُسَمَّى الواجِبُ صَدَقة إِذا تَحرَّى صاحِبُه الصِّدقَ في فِعْله. قال اللهُ عَزَّ وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} وكذا قَولُه تَعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ}.

والصَّدُقَة، بضَمِّ الدَّالِ. والصُّدْقَة كغُرْفَةٍ، وصَدْمَةٍ، وبضَمَّتَيْن، وبفَتْحَتَيْن، وككِتاب، وسَحَاب سَبْع لُغَاتٍ، اقْتَصَر الجوهَرِيُّ منها على الأُولَى، والثَّانِيَة، والأَخِيرَتَيْنِ: مَهْرُ المَرْأَة وجَمْعُ الصَّدُقَةِ، كنَدُسَةٍ: صَدُقَاتٌ. قال اللهُ تَعالَى: {وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً} وجَمْعُ الصُّدْقةِ، بالضَّمِّ: صُدْقَاتٌ، وبه قَرأَ قَتادَةُ وطَلحَةُ بنُ سُلَيمان، وأَبو السَّمّالِ والمَدنِيُّون.

ويقال: صُدَقَات بضم ففَتْح وصُدُقَات بضَمَّتَيْن وهي قِراءَة المدَنِيِّين وهي أَقْبَحُها وقرأَ إِبراهيمُ ويَحْيَى بنُ عُبَيْد بن عُمَيْرٍ: صُدْقَتهن «بضَمٍّ فسُكُون بغير أَلف» وعن قَتَادَة صَدْقاتِهِن «بفَتحْ فسُكُون». وقال الزَّجّاجُ: ولا يُقرأُ من هذِه اللُّغاتِ بشَيْ‌ءٍ؛ لأَنَّ القِراءَةَ سُنَّةٌ. وفي حَديث عُمَر رضي ‌الله‌ عنه: «لا تُغالُوا في الصَّدُقاتِ» وفي رِوَايةٍ: «لا تُغالُوا في صُدُقِ النِّساءِ» هو جَمْعُ صَداقٍ. وفي اللِّسانِ: جمعُ صِدَاق في أَدْنَى العَدَدِ أَصْدِقَةٌ، والكَثِير صُدُقٌ. وهذان البِنَاءَانِ إِنّما هما على الغالِب، وقد ذَكَرَهُما المُصَنِّفُ في أَول المادّة.

وصُدَيْق كزُبَيْر: جَبَل.

وصُدَيْق بنُ مُوسَى بنِ عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْر بنِ العَوَّام، رَوَى عن ابن جُرَيج.

قُلتُ: وقد ذكره ابنُ حِبّان في ثِقاتِ التّابِعين، وقال: يَرْوِي عن رَجُلٍ من أَصحابِ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، وعنه عُثْمانُ بنُ أَبي سُلَيمان، وحَفِيدُه عَتِيقُ بنُ يَعْقُوب بنِ صُدَيْق محدِّث مشهور.

وإِسماعِيل بنُ صُدَيْق الذَّارع شيخٌ لإِبراهيم بن عَرْعَرة مُحدِّثان.

وفاتَه: حمدُ بنُ أَحمد بنِ محمد بن صُدَيْق الحَرَّاني، عن عبدِ الحَق بنِ يُوسُف، وأَخوه حَمَّاد بن أَحمد، حَدّث.

والصِّدّيق كسِكِّيت ومثَّلَه الجَوهَرِيُّ بالفِسِّيق. قال صاحبُ اللّسانِ ولقد أَساءَ التَّمْثِيلَ به في هذا المَكَان: الكَثِيرُ الصِّدْق إِشارةً إِلى أَنّه للمُبالَغة، وهو أَبلَغُ من الصَّدُوقِ، كما أَنَّ الصَّدُوقَ أَبلغُ من الصَّدِيقِ، وفي الحَدِيثِ: «لا يَنْبَغي لصِدِّيقٍ أَنْ يكونَ لعَّانًا».

وفي الصِّحاح: الدَّائِم التَّصْدِيق. ويكونُ الذي يُصَدِّقُ قولَه بالعَمَل.

وفي المُفْردات: الصِّدِّيق: مَنْ كَثُر منه الصِّدقُ وقيل: بل مَنْ لم يَكذِب قطُّ. وقيلَ: بل مَنْ لا يتَأَتَّى منه الكذبُ؛ لتَعَوُّده الصِّدقَ وقيلَ: بل مَنْ صَدَق بقَوْله واعتِقاده، وحَقَّق صِدقَه بفِعْلِه. قالَ الله تَعالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} وقال اللهُ تَعالَى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ} أَي: مُبالغة في الصِّدقِ والتَّصْدِيقِ، على النَّسَب، أَي: ذاتُ تَصْدِيقٍ.

والصِّدِّيق أَيضًا: لَقَب أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبي قُحافَةَ عُثْمان رضي ‌الله‌ عنهما: شَيْخُ الخُلَفاءِ الرّاشِدينَ. وقَولُه تَعالَى: {وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}

رُوِي عن عَلِي رضي ‌الله‌ عنه قالَ: {الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ} مُحَمَّدٌ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم والَّذِي {صَدَّقَ بِهِ} أَبُو بَكْرٍ رضي ‌الله‌ عنه.

والصِّدِّيق: اسمُ أَبي هِنْد التَّابِعيِّ وهو أَحَدُ المَجاهِيلِ، رَوَى عن نَافِعٍ مَوْلَى ابنِ عُمَر، وعنه أَبُو خَالدٍ الدّالانِيُّ. وقالَ ابنُ مَاكُولا: اسمُه إِبراهِيمُ بنُ مَيمُون الصّائِغ، فقولُ المُصنِّفِ فيه: «التّابِعِيّ»، مَحلُّ نَظَر.

وأَبو الصِّدِّيق: كُنيَةُ بَكْرِ بن عَمْرٍو النَّاجِي البَصُرِيّ، كذا في العُباب، ومِثلُه في الكُنَى لابن المُهَنْدِس. وفي كتابِ الثِّقاتِ: هو بَكْرُ بنُ قَيْسٍ الناجِي، وهو تَابِعِيٌّ يَروِي عن أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وعنه ثابِتٌ البُنانيُّ، مات سنة ثَمانِين ومائَة، زادَ المِزِّيّ: من الرّواة عنه قَتادَة، فقَولُ المُصنِّف ـ فيما تَقدَّم ـ «التَّابِعيُّ» ينبَغي أَن يُذْكَر هنا.

وخُشْنَامُ بنُ صَدِيقٍ، كأَمِيرٍ، أَو سِكِّيِتٍ ذكر الإِمامُ ابنُ مَاكُولا فيه الوَجْهَينِ: التَّخْفِيفَ، والتَّشْدِيدَ: مُحَدِّث.

وقال أَبو الهَيْثَم: من كَلام العَرَب: صدَقْتُ الله حَدِيثًا إِنْ لم أَفعَلْ كَذَا: يَمِينٌ لَهُم، أَي: لا صَدَقْتُ الله حَدِيثًا إِنْ لَم أَفْعَل كذا.

ويُقال: فَعَلَه في غِبّ صادِقَةٍ، أَي: بَعْدَ ما تَبَيَّنَ له الأَمْرُ، نقله ابنُ دُرَيْدٍ.

وأَصْدَقَها حتى تَزَوَّجَهَا: جَعَلَ لها صَداقًا، وقيل: سَمَّى لها صَداقَها وفي الحَدِيث: «ليسَ عندَ أَبوَيْنا ما يُصْدِقانِ عنا «أَي: يُؤَدِّيان إِلى أَزواجنا الصَّداق.

ولَيْلَةُ الوَقُودِ تُسمَّى السَّدْقُ، بالسّينِ المُهملة وبالصَّادِ لَحْن. قلتُ: وقد مَرَّ له أَنه بالسِّينِ، والذّالُ مُعْجَمةٌ محركة، مُعرَّب سَذَهْ، ونقله الجَوْهَرِيُّ أَيضًا، فانظُر ذلِك.

وصَدَّقه تَصْدِيقًا: قَبِل قولَه، وهو ضِدّ كَذَّبه، وهو قوله تعالى: {وَصَدَّقَ بِهِ} قال الراغب: أَي حَقَّق ما أَوْرَدَه قَولًا بما تَحرَّاه فعلًا.

وصَدَّق الَوحْشِيُّ: إِذا عَدَا ولم يَلْتَفِت لما حُمِل عليه نَقلَه ابن دُرَيد وهو مجاز.

والمُصَدِّق، كمُحَدّث: آخِذ الصَّدَقات أَي: الحُقُوق من الإِبِل والغَنَم، يقبِضها ويَجْمَعُها لأَهل السُّهْمان.

والمُتَصَدِّق: مُعْطِيها، وهكذا هو في القُرآن، وهو قولُه تعالى: {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}.

وفي الحَدِيث: «تصَدَّقُوا ولو بِشِقِّ تَمْرةٍ». هذا قول القُتَيْبِيّ وغيرِه.

وقال الخَلِيلُ: المُعْطِي مُتَصَدِّقٌ، والسائِلُ مُتَصدِّق، وهما سواء.

وقال ابنُ السِّيد ـ في «شرح أَدب الكاتب» لابن قُتَيْبة ـ يقال: تَصدَّقَ: إِذا سأَل الصَّدَقَة، نقله عن أَبي زَيْد وابنِ جِنِّي. وحكى ابنُ الأَنبارِيّ في «كتابِ الأَضْدادِ» مثلَ قولِ الخَلِيل. قال الأَزهريُّ: وحُذّاق النَّحْوِيِّين [وأئمة اللغة] يُنكِرُونَ أَن يُقال للسَّائِل مُتصدِّق، ولا يُجِيزُونه قال ذلك الفَرَّاءُ والأَصمَعِيُّ وغَيرُهُما. والمُصادَقَة والصِّداقُ كَكِتاب: المُخالَّة، كالتَّصَادُقِ والصَّداقَة، وقد صَدَقه النَّصِيحَةَ والإِخاءَ: أَمْحَضَه له.

وصادَقَه مُصادَقةً وصِداقًا: خَالَلَهُ، والاسْمُ الصَّداقَةُ.

وتَصادَقَا في الحَدِيثِ، وفي المَودَّةِ: ضدُّ تَكاذَبَا. وقال الأَعْشَى:

ولقد أَقطَعُ الخَلِيلَ إِذا لَمْ *** أَرْجُ وَصْلًا إِنَّ الإِخاءَ الصِّداقُ

وفي التَّنْزِيل: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وأَصله المُتَصَدِّقين والمُتَصَدِّقات فقُلِبَت التَّاءُ صادًا، وأُدْغِمَت في مِثْلِها وهي قِراءَة غَيْرِ ابن كَثِيرٍ وأَبي بَكْر، فإِنَّهما قرآ بتَخْفِيفِ الصَّاد، وهم الذين يُعطُون الصَّدقاتِ.

* ومما يُستَدْرَك عليه:

التَّصْداقُ، بالفَتْح: الصِّدْق.

والمُصدِّق، كمُحدِّث: الذي يُصدِّقُك في حَدِيثك.

ورجلٌ صِدْقٌ، وامرأَة صِدْقٌ: وُصِفا بالمَصْدر.

وصِدْقٌ صادِقٌ، كقولهم: شِعْرٌ شاعِر، يُرِيدُون المبالغةَ.

وقال الرّاغب: وقد يُستَعْملُ الصِّدْق والكَذِبُ في كُلِّ ما يَحِقُّ ويَحصُلُ عن الاعْتِقادِ، نحو صَدَقَ ظَنِّي وكَذَبَ.

قلتُ: ومنه قولُه تَعالَى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} بتخفيف الدّال ونَصْب الظَّنِّ، أَي: صَدَق عليهم في ظَنِّه.

قالَ الفَرَّاءُ: ومن قَرأَ بالتَّشْدِيدِ فمَعْناه أَنه حَقَّقَ ظَنَّه حِينَ قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} لأَنه قال ذلك ظَانًّا، فحَقَّقَهُ في الضّالِّينَ.

وقال أَبو الهَيْثم: صَدَقَنِي فُلانٌ، أَي: قالَ لِيَ الصِّدْقَ.

وقالَ غيرُه: صَدَقَه النَّصِيحَةَ والإِخاءَ، أَي: أَمْحَضَه له.

وحَمْلةٌ صَادِقةٌ، كما قالوا: لَيْسَت لها مَكْذُوبةٌ، وهو مَجاز.

وقَولُ أَبي ذُؤَيبٍ:

نَماهُ من الحَيَّيْنِ قِرْدٌ ومازِنٌ *** لُيوثٌ غَداةَ البَأْسِ بِيضٌ مَصادِقُ

يَجوز أَن يكونَ جمعَ صَدْقٍ على غَيْر قِياس، كمَلامِحَ ومَشابِهَ، ويجوزُ أَن يَكُونَ على حَذْفِ المُضاف، أَي: ذُوو مَصادِقَ، فحَذَف.

والمَصْدَق، بالفتح: الجِدُّ، وبه فَسِّر بعَضُهم قولَ دُرَيْدِ بنِ الصِّمَّةِ:

وتُخرِجُ منه ضَرَّةُ القَوْم مَصْدَقًا *** وطُولُ السُّرَى دُرِّيَّ عَضْبٍ مُهَنَّدِ

والمَصْدَق: الصَّلابة، عن ثَعْلب.

وصَدَّق عليه، كتَصَدَّق، أَراه فَعَّل في معنى تَفعَّل، ومنه قولُه تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلّى}، قال ابنُ بَرِّي: وذَكَر ابنُ الأَنْباري أَنه قد جاءَ تَصدَّق بمعنى سَأَل، وأَنْشَد:

ولو انّهم رُزِقوا على أَقْدارِهم *** لَلَقِيت أَكثرَ من تَرَى يَتَصدَّق

وفي حَديثِ الزَّكاة: «لا تُؤخَذُ في الصَّدَقة هَرِمَةٌ ولا تَيْس، إِلّا أَن يَشاءَ المُصَدّقُ» رواه أَبو عُبيدٍ بفَتْح الدَّال والتَّشْدِيدِ، يُرِيدُ صاحبَ الماشِيَةِ الذي أُخِذَتْ صدقَةُ مالِه، وخالَفَه عامَّةُ الرُّواة، فقالوا: بكَسْرِ الدَّالِ، وهو عامِل الزَّكاة الذي يَسْتَوفْيها من أَربابها، صَدَّقَهم يُصدِّقُهم فهو مُصدِّقٌ.

وقال أَبو مُوسَى: الرِّوايةُ بتَشْدِيد الصَّادِ والدَّال معًا والاستثناءُ من التيس خاصة فإِنَّ الهَرِمةَ وذاتَ العُوَار لا يجوز أَخْذُهما في الصَّدَقة إِلّا أَن يكونَ المَالُ كُلُّه كذلك عند بعضِهم، وهذا إِنَّما يَتَّجِه إذا كان الغَرضُ من الحَدِيثِ النَّهْيَ عن أَخْذِ التَّيْس؛ لأَنَّه فَحْلُ المَعِز، وقد نُهِي عن أَخْذِ الفَحْل في الصَّدَقة، لأَنه مُضِرٌّ برَبِّ المالِ؛ لأَنه يَعِزُّ عليه إِلّا أَنْ يَسْمَحَ به، فيُؤْخَذ. والذي شَرحَه الخَطّابِيُّ في المَعالِم أَنّ المُصَدِّق بتَخْفِيف الصَّاد: العاملُ، وأَنَّه وَكِيلُ الفُقراءِ في القَبْضِ، فلَه أَنْ يَتَصرَّفَ لهم بما يَرَاه مِمّا يُؤَدِّي إِليه اجتِهادُه.

وسِكَّةُ صَدَقَة: من سِكَك مَرْوَ، نقله الصّاغانِيُّ.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: تَمْرٌ صادِقُ الحَلاوَةِ: إِذا اشتَدَّتْ حَلاوتُهُ.

وكأَمِير: عَبدُ اللهِ بنُ أَحمَدَ بن الصَّدِيق، عن مُحمَّدِ بنِ إِبراهيم البُوشَنْجِيّ، وعنه البُرْقانيّ.

وجَعْفرُ بنُ محمدِ بنِ محمدِ بنِ صَدِيقِ النَّسَفِيّ أَبو الفَضْل، عن البَغَوي.

وصَدِيقُ بنُ عبدِ الله النَّيْسابُورِي، رَحَل وسَمِعَ من جَبْر بنِ عَرَفة.

وأَبو نَصْر أَحمد بن محتاج بن رَوْح بن صَديق النَّسَفيّ عن محمد بن المُنْذِر، شَكَّر، وعنه أَبو علي البَردَعِيّ، وقالَ فيه: لَيّن، كذا في التَّبْصِير.

وصَدَقةُ بنُ يَسار الجَزَرِيُّ سَكَن مَكَّةَ، رَوَى عن ابنِ عُمَر، وعنه مَالِك والثَّوْرِي.

وصَدَقَة أَبو تَوْبَة، يَرْوِي عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وعنه مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِح كذا قاله ابن حِبّان. وقالَ المِزِّيّ: هو أَبو صَدَقَةَ مولَى مالِكِ بنِ أَنَس، اسمه تَوْبة، روى عنه شُعْبةُ.

قال: وأَبو صَدَقَةَ العِجْلِيُّ اسمُه سُلَيمان بن كِندِير رَوَى عن ابنِ عُمَرَ، وعنه قُرَيْشُ بنُ حيّان.

ونَجْمٌ صَادِقٌ، ومِصْداقٌ: لم يُخْلِفْ.

والفَجْر الصَّادِق مَعرُوف، وهو مَجَاز.

والصَّادِق: لَقَبُ جَعْفَر بن مُحمَّد بنِ عَلِي بن الحُسَيْنِ.

وأَيضًا: لَقَب أَبِي مُحَمَّدٍ منصور بنِ مُظَفَّرِ بنِ مُحمّدِ بن طاهِرٍ العُمَرِيِّ، وإِليه نُسِبت الطَّرِيقةُ الصّادِقِيَّة، وقد ذَكَرْناها في عِقْد الجَوْهر الثَّمِين.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


182-تاج العروس (ثرثل)

[ثرثل]: ثَرْثالٌ بثاءَيْن كخَزْعالٍ أَهْمَلَهُ الجماعَةُ. وهو جَدُّ والِدِ أَحْمدَ بنِ عَبْدِ العزيزِ بنِ أَحمدَ البَغْدَادِيِّ له جُزْءُ مَشْهورٌ رَوَاه الحبال، نَقَلَه الحافِظُ في التَّبْصِير.

قلْتُ: هو أَبُو الحَسَنِ أَحْمدُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ بنِ أَحْمدَ بنَ حامِدَ بن مَحْمُود بن ثرثال بن مشرقة بن غيَّاث بن منيحٍ بن صَخْر البَغْدَادِيّ، فَثَرْثَال ليسَ جَدّ والِدِه بل هو جَدُّ جَدِّ أَبيهِ كما تَرَاه. والذي رَوَى جِزْأَه المَذْكُور هو إبْرَاهيمُ بنُ سَعِيد الحبال المِصْريُّ، وقد تَرْجَمه الخَطِيبُ في تارِيخِ بَغْدادَ وقالَ: أَخْبَرنا القاضِي أَبُو عَبْدِ الله محمَّدُ بنُ سلامة القُضَاعِيُّ المِصْريُّ بمكَّةَ قالَ: ذَكَرَ لنا ابنُ ثَرْثَالٍ أنَّ مَوْلدَهُ لستَّ بقِيْنَ في شوَّالَ سَنَة 317، قال لي الصوريّ: كان ثِقَةً وجَمِيْع ما حدَّثَ به بمِصْرَ جِزْءٌ واحِدٌ فيه أَرْبَعة مَجَالِس عن المحامِليِّ وابنِ مخلدٍ وابنِ بطحاء وشيْخٍ آخَرَ. وكانَتْ وفاتَه بمِصْرَ في سَنَةِ سَبْع أو ثَمَانٍ وأَرْبَعمائة، شَكَّ الصوريُّ في ذلِكَ. وذَكَرَ الحبال أنَّ ابنَ ثَرْثَال مَاتَ في ذِي القعْدَةِ سَنَة ثَمَانٍ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


183-تاج العروس (أمم)

[أَمم]: أَمَّهُ يَؤُمُّه أَمًّا: قَصَدَهُ وتَوَجَّه إليه، كائْتَمَّهُ وأَمَّمَهُ وتَأَمَّمَهُ ويَمَّمَه وتَيَمَّمَهُ، الأَخيرَةُ على البَدَلِ.

وفي حَدِيْث ابنِ عُمَرَ: «مَن كانت فَتْرَتُهُ إلى سُنَّةٍ فَلِأَمٍّ مَا هو أَي قَصْدِ الطَّريقِ المُسْتقيمِ، أَو أُقِيم الأمُّ مُقامَ المَأْمُومِ أَي هو على طَريقِ يَنْبَغي أَن يُقْصَد.

وفي حَدِيْث كَعْب: «فانْطَلَقْتُ أَتَأَمَّمُ رَسُول الله، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم».

وفي حَدِيْثه أَيْضًا: فتَيَمَّمْتُ بها التَّنُّور» أَي قَصَدت. وتَيَمَّمْت الصَّعِيد للصَّلاةِ، وأَصْلُه التَّعَمُّد والتَّوَخِّي.

وقالَ ابنُ السِّكِّيت: قَوْلُه تعالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أَي اقْصِدُوا لصَعِيدٍ طَيِّب، ثم كَثُر اسْتِعمالُهم لهذه الكَلِمَة حتى صَارَ التَّيَمُّم اسْمًا عَلَمًا لِمَسْح الوَجْهِ واليَدَيْن بالتُّرابِ.

وفي المُحْكَمِ: التَّيَمُّمُ: التَّوَضُّؤُ بالتُّرابِ، وهو إبْدالٌ وأَصْلُه التَّأَمُّمُ، لأنَّه يَقْصِدُ الترابَ فيَتَمَسّح به.

والمِئَمُّ، بكسْرِ الميمِ وفَتْح الهَمْزَة وشَدِّ المِيْم: الدَّليلُ الهادِي العارِفُ بالهِدَايَةِ، وهو مِن القَصْد.

وأَيْضًا: الجَملُ يَقْدُمُ الجِمَالَ، وهو مِن ذلِكَ، وهي مِئَمَّةٌ بهاءٍ، تَقْدِمُ النُّوقَ ويَتْبَعْنَها.

والإمَّةُ، بالكسْرِ: الحالَةُ.

وأَيْضًا: الشِّرْعةُ والدِّينُ، ويُضَمُّ. وفي التَّنْزِيلِ: {إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ}.

قالَ اللّحْيانيُّ، ورُوِي عن مُجاهِدٍ وعُمَرَ بنِ عبْدِ العَزيزِ: على إِمَّةٍ، بالكسْرِ.

والإِمَّةُ أَيْضًا: النِّعْمةُ، قالَ الأعْشَى:

ولقد جَرَرْتُ إلى الغِنَى ذا فاقَةٍ

وأَصاب غَزْوُك إِمَّةً فأَزَالَها أَي نِعْمَة.

والإمَّةُ: الهَيْئَةُ والشّأْنُ، يقالُ: ما أَحْسَن إِمَّتَهُ.

والإمَّةُ: غَضارةُ العَيْشِ، عن ابنِ الأعْرَابيِّ.

والإمَّةُ: السُّنَّةُ، ويُضَمُّ.

وأَيْضًا: الطَّرِيقةُ، قالَ الفرَّاءُ: قُرِئَ: {عَلى أُمَّةٍ}، وهي مِثْل السُّنَّة، وقُرِئَ: على إمَّة، وهي الطَّريقةُ.

وقالَ الزَّجَّاجُ في قَوْلِهِ تعالَى: {كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} أَي كانوا على ديِنٍ واحِدٍ.

ويقالُ: فلانٌ لا أُمَّةَ له أَي لا دِينَ له ولا نِحْلة، قالَ الشاعِرُ:

وهَلْ يَسْتَوِي ذو أُمَّةٍ وكَفُورُ؟

وقالَ الأَخْفَشُ في قوْلِهِ تعالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ} أُمَّةٍ؛ أَي خَيْر أَهْلِ دينٍ.

والإمَّةُ: الإِمامَةُ.

وقالَ الأزْهَرِيُّ: الإمَّةُ الهَيْئْةُ في الإمامَةِ والحالَةُ، يقالُ: فلانٌ أَحقُّ بِأمَّةِ هذا المسْجِدِ من فلانٍ أَي بإمامَتِه.

والإمَّةُ: الائْتِمَامُ بالإمام.

والأُمَّةُ، بالضَّمِ: الرَّجُلُ الجامِعُ للخَيْر عن ابنِ القَطَّاع، وبه فُسِّرَ قَوْلُه تعالَى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ} {كانَ أُمَّةً}.

والأُمَّةُ: الإمامُ، عن أَبي عُبَيْدَةَ وبه فَسَّرَ الآيةَ.

والأُمَّةُ: جماعةٌ أُرْسِلَ إليهم رسولٌ سَواء آمَنُوا أَو كَفَرُوا.

وقالَ اللَّيْثُ: كلُّ قَوْمٍ نُسِبُوا إلى نبيٍّ فأُضِيْفوا إليه فَهُمْ أُمَّتُه، قالَ: وكلُّ جِيلٍ مِن الناسِ هم أُمَّةٌ على حِدَةٍ.

وقالَ غيرُه: الأُمَّةُ: الجيلُ من كلِّ حَيٍّ، وقيلَ: الجِنْسُ مِن كلِّ حَيَوانٍ غير بنِي آدَمَ أمَّةٌ على حِدَةٍ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ}.

وفي الحَدِيْث: «لو لا أَنَّ الكِلابَ أُمَّةٌ مِن الأُمَمِ لَأمَرْت بقَتْلِها»، وفي رِوايَةٍ: «لو لَا أَنَّها أُمَّةٌ تُسَبِّحُ لَأَمَرْت بقَتْلِها»، كالأُمِ فيهما؛ أَي في معْنَى الجيْلِ والجِنْسِ.

والْأُمَّةُ: مَن هو على دِينِ الحَقِّ مُخالِفٌ لسائِرِ الأَدْيانِ، وبه فسِّرَت الآيةُ {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً}.

والأُمَّةُ: الحينُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ}، وقَوْلُه تعالَى: {وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى} أُمَّةٍ.

والأُمَّةُ: القامَةُ، قالَ الأَعْشَى:

وإنَّ مُعاوِيةَ الأَكْرَمِي *** نَ بيضُ الوُجوهِ طِوالُ الْأُمَمْ

أَي طِوالُ القاماتِ.

ويقالُ: إنَّه لحسَنُ الْأُمَّةِ؛ أَي الشَّطاطِ.

والأُمَّةُ: الوَجْهُ.

والأُمَّةُ: النَّشاطُ.

والأُمَّةُ: الطَّاعَةُ.

والأُمَّةُ: العالِمُ.

والأُمَّةُ من الوَجْهِ والطَّريقِ: مُعْظَمُه ومَعْلم الحُسْن منه.

وقالَ أَبو زَيْدٍ: إنَّه لحَسَن أُمَّة الوَجْه يَعْنُون سُنَّته وصُورَته، وإنَّه لَقَبِيحُ أُمَّةِ الوَجْه.

والأُمَّةُ من الرَّجُلِ: قَوْمُه وجماعَتُه.

قالَ الْأَخْفَش: هو في اللفْظِ واحِدٌ وفي المعْنَى جَمْع.

والأُمَّةُ لله تعالَى: خَلْقُهُ، يقالُ: ما رأَيْت مِن أُمَّةِ اللهِ أَحْسَنَ منه.

والأُمُّ، وقد تُكسَرُ عن سِيْبَوَيْه: الوالِدَةُ، وأَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:

إضْرِب الساقَيْنِ إمّك هابِلُ

هكذا أَنْشَدَه بالكسْرِ وهي لُغَةٌ.

والأُمُّ: امرأَةُ الرَّجُلِ المُسِنَّةُ، نَقَلَه الأزْهَرِيُّ عن ابنِ الأعْرَابيِّ.

والأُمُّ: المَسْكَنُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ}؛ أَي مَسْكَنُه النَّارُ، وقيلَ: أُمُّ رأْسِه هاوِيَةٌ فيها أَي ساقِطَةٌ.

والأُمُّ: خادِمُ القَوْمِ يَلِي طَعامَهم وخِدْمَتَهم، رَوَاه الرَّبيعُ عن الشافِعِيّ وأَنْشَدَ الشَّنْفَرَى:

وأُمِّ عِيالٍ قد شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ *** إذا أَحْتَرَتْهُم أَتْفَهَتْ وأَقَلَّتِ

* قلْتُ: وقَرَأْت هذا البَيْت في المُفَضَّلِيَّات مِن شِعْرِ الشَّنْفَرَى وفيه ما نَصّه ويُرْوَى:

إذا أَطْعَمَتْهُم أَرْتَحَتْ وأَقَلَّتِ

وأَرادَ بأُمِّ عِيالٍ تأَبَّطَ شَرَّا، لأنَّهم حينَ غَزَوْا جَعَلوا زادَهُم إليه، فكانَ يُقتِّرُ عليهم مَخافَةَ أَنْ تَطُولَ الغَزَاةُ بهم فيَمُوتُوا جُوعًا.

ويقالُ للأُمِّ: الأُمَّةُ، وأَنْشَدَ ابنُ كيْسانَ:

تَقَبَّلْتها عن أُمَّةٍ لَكَ طالَمَا *** تُنُوزِعَ في الأَسْواقِ منها خِمارُها

يُريدُ: عن أُمٍّ لَكَ قالَ: ومنهم مَنْ يقولُ الأُمَّهَةُ فأَلْحَقَها هاءَ التَّأْنِيْث، قالَ قصيُّ بنُ كِلابٍ:

عند تَنادِيهمْ بِهالٍ وَهَيِي *** أُمَّهَتي خِنْدِفُ والياسُ أَبي

الجمع: أُمَّاتٌ، ذَكَرَ ابنُ دَرَسْتَوَيْه وغيرُه أَنَّها لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ، وإنَّما الفَصِيحُ: أُمَّهاتٌ.

وقالَ المبرِّدُ: الهاءُ من حُرُوفِ الزِّيادَةِ، وهي مَزِيدَةٌ في الأُمَّهات، والأَصْل الأُمُّ وهو القَصْد.

قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا هو الصَّوابُ لأنَّ الهاءَ مَزِيدَةٌ في الأُمَّهات، أَو هذه لمَنْ يَعْقلُ، وأُمَّاتٌ لمَنْ لا يَعْقلُ، قالَ ابنُ بَرِّي: هذا هو الأَصْلُ، وأَنْشَدَ الأَزْهرِيُّ:

لقد آلَيْتُ أَعْذِرُ في خداعِ *** وإن مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرِّباعِ

قالَ ابنُ بَرِّي: ورُبَّما جَاءَ بعكْسِ ذلِكَ كما قالَ السفَّاحُ اليَرْبوعيُّ في الأُمَّهاتِ لغيرِ الآدَمِيِّين:

قَوَّالُ مَعْروفٍ وفَعَّالُه *** عَقَّار مَثْنى أُمَّهات الرِّباعْ

وقالَ آخَرُ يَصِفُ الإِبِلَ:

وهام تَزِلُّ الشمسُ عن أُمَّهاتِه *** صِلاب وأَلْحٍ في المَثاني تُقَعْقِعُ

وقالَ جَريرُ في الأُمّات للآدَمِيِّين:

لقد وَلَدَ الأُخَيْطِلَ أُمُّ سَوْءٍ *** مُقَلَّدة من الأُمَّاتِ عارا

* قلْتُ: وأَنْشَدَ أَبو حَنِيفَةَ في كتابِ النَّباتِ لبعضِ مُلُوكِ اليَمَنِ:

وأُمَّاتُنا أَكْرِمْ بهِنَّ عَجائِزًا *** وَرثْنَ العُلَا عن كابِرٍ بعدَ كابِرِ

وأُمُّ كلِّ شي‌ءٍ: أَصْلُهُ وعِمادُهُ.

والأُمُّ للقَوْمِ: رَئيسُهم لأنَّه يَنْضَمُّ إليه الناسُ، عن ابنِ دُرَيْد، وأَنْشَدَ للشَّنْفَرَى:

وأُمِّ عِيالٍ قد شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ

والأُمُّ من القرآنِ: الفاتِحَةُ لأنَّه يُبْدَأُ بها في كُلِّ صلاةٍ، ويقالُ لها: أُمُّ الكِتابِ أَيْضًا أَو أُمُّ القرآنِ: كُلُّ آيةٍ مُحْكَمَةٍ من آياتِ الشَّرائِعِ والأَحْكامِ والفَرائِضِ، كذا في التَّهْذِيبِ. والأُمُّ للنُّجومِ: المَجَرَّةُ لأَنَّها مُجْتَمَعُ النُّجومِ، يقالُ: ما أَشْبَه مَجْلِسَك بأُمِّ النُّجومِ لِكثْرَةِ كَوَاكِبها، وهو مجازٌ، قالَ تأَبَّطَ شَرَّا:

يرى الوَحْشَة الأُنْسَ الأنيسَ ويهتدي *** بحيثُ اهْتَدَتْ أَمّ النجومِ الشوابكِ

والأُمُّ للرأْسِ: الدِّماغُ، أَو هي الجِلدَةُ الرَّقيقَةُ التي عليها، عن ابنِ دُرَيْدٍ.

وقالَ غيرُه: أُمُّ الرأْسِ: الخَريطَةُ التي فيها الدِّماغُ، وأُمُّ الدِّماغِ الجِلْدَةُ التي تَجْمَعُ الدِّماغَ.

والأُمُّ للرُّمْحِ: اللِّواءُ وما لُفَّ عليه من خِرْقَةٍ، قالَ الشاعِرُ:

وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمُّه *** من يَدِ العاصِي وما طَالَ الطِّوَلْ

والأُمُّ للتَّنائِفِ: المفازَةُ البَعيدَةُ.

والأُمُّ للبَيْضِ: النَّعامَةُ، قالَ أَبو دُوَادِ:

وأَتَانَا يَسْعَى تَفَرُّشَ أُمِّ ال *** بيضِ شَدًّا وقد تَعالى النَّهارُ

وقالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وكُلُّ شي‌ءٍ انضَمَّتْ إليه أَشْياءُ مِن سائِرِ ما يَلِيهِ فإنَّ العَرَبَ تُسَمِّي ذلِكَ الشي‌ءَ أُمًّا.

وأُمُّ القُرَى: مكَّةُ، زِيْدَتْ شَرَفًا، لأنَّها تَوسَّطَتِ الأرْضَ فيمَا زَعَموا، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ. أَو لأنَّها قِبْلَةُ جَمِيع النَّاسِ يَؤُمُّونَها؛ أَي يَقْصدُونَها، أَو لأَنَّها أَعْظَمُ القُرَى شَأْنًا.

وقالَ نَفْطَوَيْهِ: سُمِّيَت بذلِكَ لأنَّها أَصْلُ الأرْضِ منها دُحِيَتْ، وفسِّرَ قَوْلَه تعالَى: {حَتّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا} على وَجْهَيْن.

أَحَدُهما: أَنَّه أَرادَ أَعْظَمها وأَكْثَرها أَهْلًا.

والآخَرُ: أَرادَ مكَّةَ.

وقيلَ: سُمِّيَت لأَنَّها أَقْدَم القُرَى التي في جَزيرَةِ العَرَبِ وأَعْظَمها خَطَرًا، فجُعِلَتْ لها أُمًّا لاجْتِماعِ أَهْل تلكَ القُرَى كُلّ سَنَة وانْكِفائِهم إليها، وتَعْوِيلِهم على الاعْتِصام بها لمَا يَرْجُونَه مِن رحْمَةِ اللهِ تعالَى، وقالَ الحَيْقُطان:

غَزَاكُم أَبو يَكْسوم في أُمِّ دارِكُم *** وأَنْتم كفَيْضِ الرَّمْلِ أَو هو أَكْثَرُ

يعْنِي: صاحِبَ الفِيْل.

وقيلَ: لأَنَّها وَسَط الدُّنيا فكأنَّ القُرَى مُجْتَمِعَةٌ عليها، وقَوْلَه، عزّ وجلّ {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا}.

قالَ قَتَادَةُ أُمُّ الكِتابِ أَصْلُهُ، نَقَلَه الزَّجَاجُ. أَو اللَّوْحُ المَحْفوظُ، أَو سُورَةُ الفاتِحَةِ، كما جاء في حَدِيْثٍ أَو القرآنُ جميعُهُ مِن أَوَّلِه إلى آخِرِه، وهذا قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ.

ووَيْلُمِّهِ تقدَّمَ ذِكْرُه في «و ي ل».

وقَوْلُهم: لا أُمَّ لَكَ: ذَمٌّ، ورُبَّما وُضِعَ مَوْضِعَ المَدْحِ، قالَهُ الجوْهرِيُّ، وهو قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ، وأَنْشَدَ لكَعْبِ بنِ سعْدٍ يَرْثي أَخَاه:

هَوَتْ أُمُّهُ ما يَبْعَث الصُّبْح غادِيًا *** وما ذا يُؤَدِّي الليلُ حينَ يَؤوبُ؟

قالَ أَبو الهَيْثم: وليسَ هذا ممَّا ذَهَبَ إليه أَبو عُبَيْدٍ، وإنَّما معْنَى هذا كقَوْلِهِم: وَيْحَ أُمِّه ووَيْلَ أُمِّه وهَوَتْ والوَيْلُ لها، وليسَ للرجُلِ في هذا مِن المَدْحِ ما ذَهَبَ إليه، وليسَ يُشْبِه هذا قَوْلهم لا أُمَّ لَكَ لأنَّ قَوْلَه: لا أُمَّ لَكَ في مَذْهَب ليسَ لَكَ أُمُّ حُرَّة، وهذا السَّبُّ الصَّريح، وذلِكَ أَنَّ بَني الإمَاء عنْدَ العَرَبِ مَذْمُومُون لا يلحَقُونَ ببَنِي الحَرائِر، ولا يقولُ الرَّجُلُ لصاحِبِه: لا أُمَّ لَكَ إلَّا في غَضَبِه عليه مُقَصِّرًا به شاتِمًا له، وقيلَ: معْنَى قَوْلِهم: لا أُمَّ لَكَ، يقولُ إنَّك لَقِيطٌ لا يُعْرَف لَكَ أُمٌّ.

وقالَ ابنُ بَرِّي في تفْسِيرِ بيتِ كَعْبِ بنِ سعْدٍ: إنَّ قَوْلَه: هَوَتْ أُمُّه، يُسْتَعْملُ على جهَةِ التَّعَجُّب كقَوْلِهم: قاتَلَهُ اللهُ ما أَسْمَعه، معْناه: أَيُّ شي‌ءٍ يَبْعَثُ الصُّبْح مِن هذا الرجُلِ؟ أَي إذا أَيْقَظه الصُّبْح تصرَّفَ في فِعَل ما يُريدُ. وغادِيًا: مَنْصوبٌ على الحالِ، ويُؤُوبُ: يَرْجِعُ، يُريدُ أَنَّ إقْبالَ الليلِ سَبَبُ رجُوعِهِ إلى بَيْتِه كما أَنَّ إقْبالَ النَّهارِ سَبَبٌ لتصرُّفِهِ.

وأَمَّتْ أُمومَةً: صارَتْ أُمًّا.

وتَأَمَّمَها واسْتَأمَّها: أَي اتَّخَذَها أُمًّا لنفْسِهِ، قالَ الكُمَيْت:

ومِن عَجَبِ بَجِيلَ لَعَمْرُو أُمٍّ *** غَذَتْكِ وغيرَها نَتَأَمَّمِينا

أَي: مِن عَجَبٍ انْتِفاؤُكم عن أُمِّكم التي أَرْضَعَتْكُم واتِّخَاذِكُم أُمًّا غيرَها.

وما كُنْتِ أُمًّا فأَمِمْتِ، بالكسْرِ، أُمومَةً، نَقَلَه الجوْهرِيُّ وأَمَّهُ أَمًّا فهو أَمِيمٌ ومأمومٌ. أَصابَ أُمَّ رأْسِه، وقد يُسْتعارُ ذلِكَ لغيرِ الرَّأْسِ، قالَ الشَّاعِرُ:

قَلْبِي منَ الزَّفَرَاتِ صَدَّعَهُ الهَوَى *** وَحَشايَ من حَرِّ الغِرَاقِ أَمِيمُ

وشَجَّةٌ آمَّةٌ ومأْمومةٌ: بَلَغَتْ أُمَّ الرَّأْسِ، وهي الجِلْدَةُ التي تَجْمَعُ الدِّماغَ.

وفي الصِّحاحِ: الآمَّةُ هي التي تَبْلُغُ أُمَّ الدِّماغِ حتى يَبْقَى بَيْنها وبينَ الدِّماغِ جِلْدٌ رقيقٌ، ومنه الحَدِيثُ في الآمَّةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ.

وقالَ ابنُ بَرِّي في قَوْلِه في الشَّجَّة مَأْمُومَة: كذا قالَ أَبو العَبَّاسِ المبرِّدِ: بعضُ العَرَبِ يقولُ في الآمَّةِ مَأْمُومَة، قالَ: قالَ عليُّ بنُ حَمْزة، وهذا غَلَطٌ إنَّما الآمَّةُ الشَّجَّةُ، والمَأْمُومَةُ: أُمُّ الدِّماغِ المَشْجُوجَةُ، وأَنْشَدَ:

يَدَعْنَ أُمَّ رَأْسِه مَأْمُومَهْ *** وأُذْنَهُ مَجْدُوعَةً مَصْلُومَهْ

والأُمَيْمَةُ، كجُهَيْنَةَ: الحجارَةُ تُشْدَخُ بها الرُّؤُوسُ، كذا في المُحْكَمِ.

وفي الصِّحاحِ: الأَمِيمُ حَجَرٌ يُشْدَخُ به الرأْسُ، وقالَ الشاعِرُ:

ويَوْمَ جلَّيْنا عن الأَهاتِم *** بالمُنْجَنِيقاتِ وبالأَمائِمِ

ومِثْلُه قَوْلُ الآخِرِ:

مُفَلَّقَة هامَاتُها بالأَمَائِم

وقد ضَبَطَه كأميرٍ، ومِثْلُه في والعُبَابِ.

والأُمَيْمَةُ تَصْغيرُ الأمِّ، كذا في الصِّحاحِ.

وقالَ اللَّيْثُ: تفْسِيرُ الأُمِّ في كلِّ مَعانِيها أُمَّة لأنَّ تَأْسِيسَه مِن حَرْفين صَحِيْحَيْنِ والهاء فيها أَصْلِيَّة، ولكنَّ العَرَبَ حَذَفَتْ تلكَ الهاءَ إذ أَمِنُوا اللّبْس.

ويقولُ بعضُهم في تَصْغيرِ أُمٍّ أُمَيْمة، والصَّوابُ أُمَيْهة، تُردُّ إلى أَصْلِ تأْسِيسِها، ومَن قالَ: أُمَيْمَة صَغَّرها على لَفْظِها.

والْأُمَيْمَةُ: مِطْرَقَةُ الحَدَّادِ، ضَبَطَه الصَّاغانيُّ كسَفِينَةٍ.

واثْنَتَا عَشرَةَ صَحابِيَّةً وهنَّ: أُمَيْمةُ أُخْت النُّعمان بنِ بَشِير، وبنْتُ الحَارِثِ، وبنْتُ أَبي حثمَةَ، وبنْتُ خَلَفٍ الخزَاعِيَّةُ، وبنْتُ أَبي الخيارِ، وبنْتُ ربيعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عبدِ المطَّلِب، وبنْتُ عبدِ بن بجادٍ التّيْمِيَّة أُمُّها رقيقَةُ أُخْتُ خَدِيْجَة، وبنْتُ سُفْيان بنِ وهبٍ الكِتانيَّةُ، وبنْتُ شَرَاحِيل، وبنْتُ عَمْرو بنِ سَهْلٍ الأنْصارِيَّة، وبنْتُ قيسِ بنِ عبدِ اللهِ الأسَدِيَّةُ، وبنْتُ النُّعْمان بنِ الحارِثِ، رَضِيَ اللهُ عنهنَّ.

وفاتَهُ ذِكْر أُمَيْمَة بنْت أَبي الهَيْثمِ بنِ التَّيَّهانِ مِن المُبايِعَات، وأُمَيْمَةُ بنْتُ النَّجَّارِ الأَنْصارِيَّةُ، وأُمّ أَبي هُرَيْرَة اسْمُها أُمَيْمَةُ، وقيلَ: مَيْمونَةُ.

وأَبو أُمَيْمَةَ الجُشَمِيُّ أَو الجَعْدِيُّ صَحابيُّ، رَوَى عنه عبيدُ اللهِ بنُ زِيادٍ، وقيلَ: اسْمُه أَبو أُمَيَّةَ، وقيلَ غيرُ ذلِكَ.

والمَأْمومُ: جَمَلٌ ذَهَبَ من ظَهْرِه وَبَرُه من ضَرْبٍ أَو دَبَرٍ، قالَ الراجزُ:

وليسَ بذِي عَرْكٍ ولا ذي ضَبِّ

ولا بِخَوَّارٍ ولا أَزَبِّ *** ولا بمأْمُومٍ ولا أَجَبِّ

ويقالُ: المَأْمُومُ هو البَعيرُ العَمِدُ المُتَأَكِّلُ السَّنامِ.

ومَأْمُومٌ: رجُلٌ من طَيِّئٍ.

والأُمِّيُّ والأُمَّانُ، بضمهما، من لا يَكتُبُ أَو مَن على خِلْقَةِ الأُمَّةِ لم يَتَعَلَّمِ الكِتابَ وهو باقٍ على جِبِلَّتِه.

وفي الحَدِيْث: إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُب، أَرادَ أَنَّه على أَصْل ولادَةِ أُمِّهم لم يَتَعَلَّموا الكِتابَةَ والحِسَابَ، فهُمْ على جِبِلَّتِهم الأُوْلَى.

وقيلَ لسَيِّدِنا مُحَمدٍ، صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: الأُمِّيُّ لأنَّ أُمَّةَ العَرَبِ لم تكنْ تَكْتُب ولا تَقْرَأْ المَكْتُوبَ، وبَعَثَه اللهُ رَسُولًا وهو لا يَكْتُبُ ولا يَقْرَأُ مِن كِتابٍ، وكانت هذه الخَلَّة إحْدَى آياتِهِ المُعْجِزة لأنَّه، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، تَلَا عليهم كِتابَ اللهِ مَنْظومًا، تارَةً بعْدَ أُخْرى بالنَّظْمِ الذي أُنْزِلَ عليه فلم يُغَيِّره ولم يُبَدِّل أَلفاظَه، ففي ذلِكَ أَنْزل اللهُ تعالَى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ}.

وقالَ الحافِظُ ابن حجر في تخْرِيجِ أَحادِيْث الرَّافِعيّ: إنَّ ممَّا حُرِّم عَلَيه، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، الخَطّ والشِّعْر، وإنَّما يَتَّجه التّحْرِيم إن قُلْنا إنَّه كانَ يُحْسنِهما، والأصحُّ أنه كانَ لا يُحْسِنهما، ولكن يميِّزُ بين جَيِّد الشِّعْرِ ورَدِيئِه. وادَّعَى بعضُهم أَنَّه صَارَ يَعْلَم الكِتابَةَ بعْدَ أَنْ كان لا يَعْلَمُها لقَوْلِه تعالَى: {مِنْ قَبْلِهِ}، وفي الآيَةِ، فإنَّ عَدَمَ مَعْرفَتهِ بسببِ الإِعْجازِ، فلمَّا اشْتَهَرَ الإِسْلامُ وأَمن الارْتياب عَرَفَ حينَئذٍ الكِتابَةُ.

وقد رَوَى ابنُ أَبي شِيْبَةَ وغيرُه: ما مَاتَ رَسُولُ اللهِ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم حتى كَتَبَ وقَرَأَ.

وذَكَره مُجالِدُ للشَّعْبى فقالَ: ليسَ في الآيةِ ما ينَافِيهِ.

قالَ ابنُ دحية: وإليه ذَهَبَ أَبو ذَرٍّ وأَبو الفَتْح النَّيْسابُورِي والبَاجي وصَنَّفَ فيه كِتابًا، ووَافَقَه عليه بعضُ عُلماءِ إفْريقية وصِقِلْيَة وقالوا: إنَّ مَعْرفَةَ الكِتابَةِ بعد أُمِّيّتِه لأنَّنا فِي المُعْجِزَةَ بلْ هي مُعْجِزَةٌ أُخْرَى بعْدَ مَعْرِفةِ أُمِّيّتِه وتحقّقِ مُعْجزتِهِ وعليه تَتَنزّل الآيَةُ السابِقَةُ والحَدِيْث، فإنَّ مَعْرفَتَه من غيرِ تقدّم تَعْلِيم مُعْجزَةٌ.

وصَنَّفَ أَبو محمدٍ بنُ مفرز كِتابًا رَدَّ فيه على البَاجِي وبيَّنَ فيه خَطَأَه.

وقالَ بعضُهم: يُحْتَملُ أَنْ يُرادَ أَنَّه كَتَبَ مع عَدَمِ عِلْمِهِ بالكِتابَةِ وتمْييز الحُرُوف كما يكتُبُ بعضُ المُلُوكِ عَلامَتهم وهم أُمِّيُّون وإلى هذا ذَهَبَ القاضِي أَبو جَعْفرٍ السّمْناني، واللهُ أَعْلَم.

والأُمِّيُّ أَيْضًا: الغَبِيُّ، كذا في النسخِ، وصَوابُه: العَيِيُّ الحِلْفُ الجافي القليلُ الكَلامِ، قالَ الرَّاجزُ:

ولا أَعُودُ بعدَها كَرِيّا *** أُمارسُ الكَهْلَةَ والصَّبيَّا

والعَزَبَ المُنَفَّه الأُمِّيَّا قيلَ له أُمِّيٌّ لأنَّه على ما وَلَدَته أُمُّه عليه مِن قِلَّة الكَلامِ وعُجْمَة اللّسانِ.

والأَمامُ نَقِيضُ الوَراءِ كقُدَّامَ في المعْنَى يكونُ اسْمًا وظَرْفًا. تقولُ أَنْتَ أَمامَه أَي قُدَّامه.

قالَ اللَّحْيانيُّ: قالَ الكِسائيُّ أَمَام مُؤَنَّثَة وقد يُذَكَّرُ وهو جائِزٌ.

قالَ سِيْبَوَيْه: وقالوا أَمامَكَ وهي كلمَةُ تَحْذِيرٍ وتَبْصير.

وأُمامَةُ، كثُمامَةٍ: ثَلَثُمائَةٍ من الإبِلِ، قالَ الشَّاعِرُ.

أَأَبْثُرهُ مالي ويَحْثِرُ رِفْدَه؟ *** تَبَيَّنْ رُوَيْدًا ما أُمامةُ من هِنْدِ

أَرادَ بأُمامَةَ ما تقدَّمَ، وأَرادَ بِهنْدٍ هُنَيْدَةَ وهي المائَةُ مِن الإِبِلِ.

قالَ ابنُ سِيْدَه: هكذا فسَّرَه أَبو العَلاء، ورِوايَةُ الحَماسَةِ:

أَيُوعِدُني والرَّمْلُ بيني وبينه؟ *** تَبَيَّنْ رُوَيْدًا ما أُمامةُ من هِنْدِ

وأُمامَةُ بنْتُ قُشَيرٍ، هكذا في النُّسخِ، والصَّوابُ: بنْتُ بِشْرٍ، وهي أُخْتُ عبادٍ وزَوْج مَحْمود بن سَلَمَةَ، وأُمامَةُ بنْتُ الحَارِثِ الهِلالِيَّةُ أُخْت مَيْمونَة، إنَّما هي لبابَةُ صحَّفَها بعضُهم؟ وأُمامَةُ بنْتُ العاصِ، هكذا في النسخِ، وصوابُه بنْتُ أَبي العاصِ، وهي التي كان رَسُولُ الله، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، يحبُّها ويَحْملُها في الصَّلاةِ ثم تَزَوَّجَها عليٌّ، وأُمامَةُ بنْتُ قُرَيْبَةَ البَياضِيَّةُ، صَحابيَّاتٌ، رضي الله عنهنَّ.

* وفاتَهُ ذِكْرُ أُمامَة بنْتُ حَمْزَة بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وأُمامَة بنْت أَبي الحَكَم الغَفارِيَّة، وأُمامَة بنْت عُثْمان الزّرْقِيَّة، وأُمامَة بنْت عِصامٍ البَياضِيَّة، وأُمامَة بنْت سماكٍ الأَشهلِيَّة، وأُمامَة أُمّ فرْقَدٍ، وأُمامَة المَزِيديَّة، وأُمامَة بنْت خديجٍ، وأُمامَة بنْت الصَّامِت، وأُمامَة بنْت عبدِ المطَّلِبِ، وأُمامَة بنْت محرث بن زيْدٍ، فانَّهُنَّ صَحابيَّاتٌ.

وأَبو أُمامَة الأنْصارِيُّ، قيلَ: اسْمُه إياسُ بنُ ثَعْلَبَةَ، ويقالُ عبدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ، ويقالُ: ثَعْلَبَةُ بنُ عبدِ اللهِ، رَوَى عنه عبدُ اللهِ بنُ كعْبِ بنِ مالِكٍ.

وأَبو أُمامَةَ أَسْعدُ بنُ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ الأَنْصارِيُّ رَوَى عن أَبيهِ وعنه الزّهْرِيُّ، وفي حَدِيْثه ارْسالٌ، وأَبو أُمامَةَ بنُ سَعْدٍ، هكذا في النُّسخِ وهو غَلَطٌ وتَحْريفٌ، وكأَنَّ العِبارَةَ: وأَبو أُمامَةَ أَسْعدُ وهو ابنُ زَرَارَة أَوَّلُ مَن قَدِمَ المَدِينَةَ بدِيْن الإسْلامِ، وأَبو أُمامَةَ بنُ ثَعْلَبَةَ الأَنْصارِيُّ، اسْمُه إياسُ، وقيلَ: هو ثَعْلَبَةُ بنُ إياس، والأَوَّل أَصَح، وأَبو أُمامَةَ عَدِيُّ بنُ عَجْلانَ الباهِلِيُّ سَكَنَ مِصْرَ ثم حِمْصَ، رَوَى عنه محمدُ بنُ زِيادٍ الأَلْهانيُّ، صَحابيُّونَ، رضي ‌الله‌ عنهم، وإلى ثانِيهم نُسِبَ عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ العَزيزِ الأَنْصارِيّ الأوْسِيّ الضَّريرُ الأُمامِيُّ، بالضمِ، لَأنَّه من وَلَدِهِ، سَمِعَ الزّهرِيّ وعبد اللهِ بن بكْرٍ، وعنه القَعْنَبيُّ وسَعيدُ بنُ أَبي مَرْيم، تُوفي سَنَة 606.

وأَمَّا: تُبْدَلُ مِيمُها الأُوْلَى ياءً باسْتِثْقالِها للتَّضْعيفِ كقَوْلِ عُمَرَ بنِ أَبي رَبيعَةَ القُرَشِيّ المَخْزوميّ:

رأَتْ رَجُلًا أَيْما إذا الشَّمْسُ عارَضَتْ *** فَيَضْحَى وأَيْما بالعَشِيِّ فَيَخْصَرُ

وهي حَرْفٌ للشَّرْطِ يُفْتَتَحُ به الكَلامُ ولا بُدَّ مِن الفاءِ في جَوابِه لأَنَّ فيه تأْوِيلُ الجَزَاءِ كقَوْلِهِ تعالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ {، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلًا}.

ويكونُ للتَّفْصيلِ وهو غالِبُ أَحْوالِها، ومنه قَوْلُه تعالَى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ {يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}،... وَأَمَّا الْغُلامُ {فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ}،... وَأَمَّا الْجِدارُ {فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما}، الآيات إلى آخِرِها.

ويأْتي للتأْكيدِ، كقَوْلِكَ: أَمَّا زيدٌ فذَاهِبٌ إذا أَرَدْتَ أَنَّه ذاهِبٌ لا مَحَالَةَ وأَنَّه منه عَزِيمَةٌ، وإمَّا بالكسْرِ، في الجَزاءِ مُرَكَّبَةٌ من إنْ وما، وقَد تُفْتَحُ، وقد تُبْدَلُ مِيْمُها الأُوْلَى ياءً كقَوْلِهِ؛ أَي الأحْوَص:

يا لَيْتَما أُمُّنَا شالَتْ نَعامَتُها *** إيْما إلى جَنَّةٍ إيْما إلى نارٍ

أَرادَ: إمَّا إلى جَنَّةٍ وإمَّا إلى نارٍ، هكذا أَنْشَدَه الكِسائيُّ.

وأَنْشَدَ الجوْهَرِيُّ عَجْز هذا البَيْت وقالَ: وقد يُكْسَرُ.

قالَ ابنُ بَرِّي: وصَوابُه: إيْما بالكَسْرِ لأنَّ الأَصْلَ إمَّا، فأَمَّا أَيْما فالأصْل فيه أَمَّا، وذلك في مِثْل قَوْلِك: أَمَّا زَيْدٌ فَمنْطَلِقٌ بخِلافِ إمَّا التي في العَطْفِ فإنّها مكْسُورَة لا غَيْر.

وقد تُحْذَفُ ما كقَوْلِه:

سَقَتْهُ الرَّواعِدُ من صَيِّفٍ *** وإن من خَرِيفٍ فَلَنْ يَعْدَما

أَي إمَّا من صَيِّفٍ وإمَّا من خَريفٍ وَتَرِدُ لِمَعانٍ منها: للشَّكِّ: كجاءَني إمَّا زيدٌ وإمَّا عَمْرُو، إذا لم يُعْلَمِ الجائي منهما.

وبمعْنَى الإبهامِ: ك إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.

وبمعْنَى التَّخييرِ كقَوْلِهِ تعالَى: إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا.

وبمعْنَى الإبَاحَةِ كقَوْلِهِ: تَعَلَّمْ إمَّا فِقْهًا وإمَّا نَحْوًا، ونازَعَ في هذا جَماعَةٌ مِن النَحَوِيِّين.

وبمعْنَى التَّفْصيلِ ك إِمّا شاكِرًا وَإِمّا كَفُورًا.

وَنَقَلَ الفرَّاءُ عن الكِسائيّ في بابِ إمَّا وأَمَّا قالَ: إذا كُنْت آمِرًا أَو ناهِيًا أَو مُخْبرًا فهي أَمَّا مَفْتوحَة، وإذا كُنْت مُشْترطًا أَو شاكًا أَو مُخيَّرًا أَو مُخْتارًا فهي إمَّا بالكَسْر، قالَ: وتقولُ مِن ذلِكَ في الأُوْلَى: أَمَّا اللهُ فاعْبِده وأَمَّا الخَمْر فلا تَشْرَبْها، وأَمَّا زَيْد فَخَرَجَ، وتقولُ مِن النَّوعِ الثاني إذا كُنْت مُشْترطًا: إمَّا تَشْتُمَنَّ فإنَّه يَحْلُم عنك، وفي الشكِّ: لا أَدْرِي مَنْ قامَ إمَّا زَيْد وإمَّا عَمْرو، وفي التَّخْيير: تَعَلّم إمَّا الفِقْه وإمَّا النَّحْو، وفي المُخْتار: لي دَارٌ بالكُوفَة فأَنَا خارِجٌ إليها فإمَّا أَنْ أَسْكُنها وإمَّا أَنْ أَبِيْعها.

وأَمَّا قَوْلُه، والتَّفْصيل الخ فقالَ الفرَّاءُ في قوْلِهِ تعالَى: إنَّ إمَّا هنا جَزَاءٌ أَي إن شَكَرَ وإن كَفَرَ، قالَ ويكونُ على ذلِكَ إمَّا التي في قوْلِه تعالَى: {إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}، فكأَنَّه قالَ: خَلَقْناه شَقِيًّا أَو سَعِيدًا.

وأَحْكامُ أَمَّا وإمَّا بالفتحِ والكسْرِ أَوْرَدَها الشيخُ ابنُ هِشامٍ في المغْنِي وبَسطَ الكَلامَ في مَعانِيهما، وحَقَّق ذلِكَ شرَّاحُه البَدْرُ الدماميني وغيرُه، وما ذَكَرَ المصنِّفُ إلَّا أُنْموذجًا ممَّا في المغْنِي لِئَلَّا يَخْلو منه بَحْره المحيط، فمَنْ أَرادَ التَّفْصيل في ذلِكَ فعَلَيْه بالكتابِ المَذْكُور وشُرُوحِه.

والأمَمُ، محرَّكةً: القُرْبُ، يقالُ: أَخَذْته مِن أَمَمٍ، كما يقالُ: مِن كثبٍ، قالَ زُهَيْرُ:

كأَنَّ عَيْني وقد سالَ السَّلِيلُ بهم *** وَجِيرة ما هُمُ لَوْ أَنَّهم أَمَمُ

أَي لو أَنَّهم بالقُرْب مِنِّي.

ويقالُ: دَارُكُم أَمَمٌ، وهو أَمَمٌ، وهو أَمَمٌ منك، للاثْنَيْن والجَمِيع.

والأَمَمُ اليَسِيرُ القَرِيبُ المُتَناوَل، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ:

تَسْأَلُني برامَتَيْنِ سَلْجَما *** لو أَنَّها تَطْلُب شيئًا أَمَما

والأَمَمُ: البَيِّنُ من الأَمْرِ كالمُؤَامِّ كمُضارٍّ.

ويقالُ للشي‌ءِ إذا كان مُقارِبًا: هو مُؤامُّ.

وأَمْرُ بنِي فلانٍ أَمَمٌ ومُؤَامٌّ أَي بيِّنٌ لم يُجاوِزِ القدرَ.

وفي حَدِيْث ابنِ عَبَّاسٍ: «لا يَزالُ أَمْرُ الناسِ مُؤَامًّا ما لم يَنْظرُوا في القَدَرِ والوِلْدَان» أَي لا يَزالُ جارِيًا على القَصْد والاسْتِقامَةِ، وأَصْلُه: مُؤَامَمُ فأُدْغِمَ.

والأَمَمُ: القَصْدُ الذي هو الوَسَطُ. والمُؤَامُّ: المُوافِقُ والمُقاربُ مِن الأَمَمِ.

وأَمَّهُمْ، وأَمَّ بهم: تَقَدَّمَهُمْ، وهي الإِمامَةُ.

والإِمامُ، بالكسْرِ، كلُّ ما ائْتُمَّ به قَوْمٌ من رئيسٍ أَو غيرِه كانوا على الصّراطِ المُسْتقيمِ أَو كانوا ضالِّيْن.

وقالَ الجوْهَرِيُّ: الإِمامُ الذي يُقْتَدى به، الجمع: إمامٌ بلفْظِ الواحِدِ قالَ أَبو عُبَيْدَةَ في قَوْلِهِ تعالَى: {وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِمامًا}، هو واحِدٌ يَدُلُّ على الجَمْعِ.

وقالَ غيرُه: هو جَمْعُ آمٍّ، وليسَ على حَدِّ عَدْلٍ ورِضًا لأنَّهم قد قالوا إمامانِ، بلْ هو جَمْعٌ مُكَسَّرٌ، قالَ ابنُ سِيْدَه: أَنْبَأَني بذلِكَ أَبو العَلاءِ عن أَبي عليٍّ الفارِسِيّ قالَ: وقد اسْتَعْمل سِيْبَوَيْه هذا القِياسَ كَثِيرًا. وأَيِمَّةٌ: قُلِبَت الهَمْزة ياءً لثِقَلِها لأنَّها حَرْفٌ سَفُل في الحَلْق وبَعُد عن الحُرُوفِ وحَصَل طَرَفًا فكانَ النُّطْق به تكَلُّفًا، فإذا كُرِهَت الهَمْزَةُ الواحِدَةُ فَهُمْ باسْتِكْراه الثِّنْتَيْن ورَفْضِهما لا سِيَّما إذا كانَتا مُصْطَحِبَتَيْن غَيْر مُفْتَرِقَتَيْن فاءً وعَيْنًا، أَو عَيْنًا ولامًا أَحْرى، فلهذا لم يَأْتِ في الكَلامِ لفْظةٌ تَوالَتْ فيها هَمْزَتَان أَصْلًا البتَّة، فأَمَّا ما حَكَاه أَبو زَيْدٍ مِن قَوْلِهِم دَرِيئَة ودَرَائيُّ وخَطِيْئة وخَطَائِيُّ فشاذُّ لا يُقاسُ عليه، ولَيْسَتْ الهَمْزتَان أَصْليين بل الأُوْلَى منهما زائِدَةٌ، وكَذلِكَ قِراءَة أَهْلِ الكُوفَة: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ بهَمْزَتَيْن شاذُّ لا يُقاسُ عليه.

وقالَ الجَوْهرِيُّ: جَمْعُ الإِمامِ أَأْمِمَةٌ، على أَفْعِلةٍ، مِثْلُ إنَاءٍ، وآنِيَةٍ وإلَهٍ وآلِهَةٍ، فأُدْغِمَتِ المِيمُ فنُقِلَتْ حَرَكَتُها إلى ما قَبْلَها، قلمَّا حَرَّكوها بالكَسْرِ جَعَلُوها ياءً.

وقالَ الأَخْفَشُ: جُعِلَتِ الهَمْزَةُ ياءً لأنَّها في مَوْضِعِ كَسْر وما قَبْلَها مَفْتوح فلم تُهْمَز لاجْتِماعِ الهَمْزَتَيْنِ، قالَ: ومَنْ كان مِن رأْيِه جَمْع الهَمْزَتَيْن هَمَزَة، انَتَهَى.

وقالَ الزَّجَّاجُ: الأصْلُ في أَيِمَّةٍ أَأْمِمَة لأنَّه جَمْعُ إِمامٍ كمِثالٍ وأَمْثِلَةٍ، ولكنَّ المِيْمَيْن لمَّا اجْتَمَعَتا أُدْغِمَتِ الأُوْلَى في الثانيةِ وأُلْقِيَت حَرَكَتُها على الهَمْزةِ، فقيلَ: أَئِمَّة، فأَبْدَلَتِ العَرَبُ مِن الهَمْزةِ المَكْسُورةِ الياءَ.

والإمامُ: الخَيْطُ الذي يُمَدُّ على البِناءِ فَيُبْنَى عليه ويُسَوَّى عليه سافُ البِناءِ، قالَ يَصِفُ سَهْمًا:

وخَلَّقْتُه حتى إذا تَمَّ واسْتَوَى *** كَمُخَّةِ ساقٍ أَو كَمَتْنِ إمامِ

أَي كهذا الخَيْطِ المَمْدودِ على البِناءِ في الأمِّلاسِ والاسْتِواءِ.

والإمامُ: الطَّريقُ الواسِعُ، وبه فسِّرَ قوْلُه تعالَى: {وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ}؛ أَي بطَريقٍ يُؤَمُّ أَي يُقْصَدُ فَيُتَمَيَّزُ، يعْنِي قوْمَ لوطٍ وأَصْحابَ الأَيْكَةِ.

وقالَ الفرَّاءُ: أَي في طريقٍ لهم يَمُرُّونَ عليها في أَسْفارِهِم فَجَعَلَ الطَّريقَ إِمامًا لأنَّه يُؤَمُّ ويُتَّبَعُ.

والإمامُ: قَيِّمُ الأَمْرِ المُصْلِحُ له.

والإمامُ: القرآنُ لأَنَّه يُؤْتَمُّ به.

والنبيُّ، صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم، إمامُ الأَئِمَّةِ.

والخَليفَةُ: إمامُ الرَّعِيَّةِ، وقد بَقِي هذا اللَّقَبُ على مُلُوكِ اليَمَنِ إلى الآنَ.

وقالَ أَبو بكْرٍ: يقالُ: فلانٌ إمامُ القَوْمِ، معْناهُ: هو المُتَقَدِّمُ عليهم، ويكونُ الإمامُ رَئيسًا كقَوْلِكَ إمامُ المُسْلِمِيْن، ومِن ذلِكَ الإمامُ بمعْنَى قائِد الجُنْدِ لتَقَدُّمِه ورِياسَتِه.

والإمامُ: ما يَتَعلَّمُهُ الغُلامُ كلَّ يَوْمٍ في المكْتَبِ ويُعْرَفُ أَيْضًا بالسَّبَقِ، محرَّكةً.

والإمامُ: ما امْتُثِلَ عليه المِثالُ، قالَ النابِغَةُ:

أَبوه قَبْلَه وأَبو أَبِيه *** بَنَوْا مَجْدَ الحَياةِ على إِمامِ

والدَّليلُ: إمامُ السَّفَرِ.

والحادِي: إِمامُ الإِبِلِ، وإن كانَ وَرَاءها لأَنَّه الهادِي لها.

وتِلْقاءُ القِبْلَةِ: إمامُها.

والإمامُ: الوَتَرُ، نَقَلَه الصَّاغانيُّ.

والإمامُ: خَشَبَةٌ للبنَّاءِ يُسَوَّى عليها البِنَاءُ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

والإمامُ: جَمْعُ آمٍّ كصاحِبٍ وصِحابٍ.

والآمُّ: هو القاصِدُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ}.

وأَبو حامِدٍ محمدُ، كذا في النُّسخِ، وصَوابُه على ما في التَّبْصير للحافِظِ: أَحمدُ بن عبد الجبار بن علي الاسفرايني، رَوَى عن أَبي نَصْر محمّد بنُ المفَضَّل الفسوى، وعَنْهُ الحُسَيْن بن أَبي القَاسِم السَّيبِي ومحمّد بنُ إسمَاعِيلَ بن الحُسَيْنِ البِسْطاميُّ شيخٌ لزاهرِ بنِ طاهِرٍ الشحاميّ الإماميَّانِ مُحدِّثانِ.

* قلْتُ: ووَقَعَ لنا في جزءِ الشحاميّ ما نَصَّه: أَبو عليٍّ زَاهِر بن أَحْمدَ الفَقِيْه، أَخْبَرَنا أَبو بكْرٍ أَحْمدُ بنُ محمدِ بنِ عُمَرَ البِسْطاميّ، أَخْبَرَنا أَحْمدُ بنُ سيَّار، وهو محمدُ الذي ذَكَرَه المصنِّفُ فاعْرِفْ ذلِكَ.

ويقالُ: هذا أَيَمُّ منه وأَوَمُّ أَي أَحْسَن إمامَةً.

قالَ الزَّجَّاجُ: إذا فَضَّلْنا رَجُلًا في الإِمامَة قُلْنا: هذا أَوَمُّ من هذا، وبعضُهم يقولُ: هذا أَيَمُّ مِن هذا. قالَ: ومَن قالَ أَيَمُّ جَعَلَ الهَمْزَة كلَّما تَحَرَّكَت أَبْدَلَ منها ياءً، والذي قالَ أَوَمُّ كان عنْدَه أَصْلها أَأَمُّ، فلم يمْكنْه أَنْ يُبْدِلَ منها أَلِفًا لاجْتِماعِ السَّاكِنَيْن فَجَعَلَها واوًا مَفْتوحَة كما قالَ في جَمْعِ آدَمَ وأَوَادِم.

وائْتَمَّ بالشَّي‌ءِ، وائْتَمَى به على البَدَلِ كَراهِيَّة التَّضْعِيف، أَنْشَدَ يَعْقوب:

نَزُورُ امْرَأً أَمَّا الإِلَه فَيَتَّقِي *** وأَمَّا بفعلِ الصَّالحين فَيَأْتَمِي

وهما أُمَّاكَ: أَي أَبَواكَ على التَّغْلِيب، أَو أُمُّكَ وخَالَتُكَ، أُقِيْمت الخالَةُ بمنْزِلَةِ الأُمِّ.

والأَمِيمُ، كأَميرٍ: الحَسَنُ الأُمَّةِ أَي القامَةِ مِن الرِّجالِ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

اليَمامَةُ: القَصْدُ، وقد تَيَمَّمَ يَمامَةُ، قالَ المَرَّارُ:

إذا خَفَّ ماءُ المُزْن منها تَيَمَّمَتْ *** يَمامَتَها أَيَّ العِدادِ تَرُومُ

وسَيَأْتي في «ي معروف م».

والإمَّةُ، بالكسرِ، إمامَةُ المُلْكِ ونَعِيمُه.

والأَمُّ، بالفتحِ، العَلَمُ الذي يَتْبَعُه الجَيْشُ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وقوْلُه تعالَى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ}، قيلَ: بكِتابِهِم، زادَ بعضُهم: الذي أَحْصَى فيه عَمَلَه، وقيلَ: بنَبيِّهِم وشَرْعِهم.

وتَصْغيرُ الأَئِمَّةِ أُوَيْمة، لما تحرَّكَتِ الهَمْزَةُ بالفَتْحَةِ قَلَبَها واوًا.

وقالَ المازِنيُّ: أُيَيْمَة ولم يقلِبْ، كما في الصِّحاحِ.

والإمامُ: الصُّقْعُ مِن الطَّريقِ والأَرْضِ.

والأُمَّةُ، بالضمِ: القَرْنُ مِن النَّاسِ، يقالُ: قد مَضَتْ أُمَمٌ أَي قُرُونٌ.

والأُمَّةُ: الإمامُ، وبه فسَّرَ أَبو عُبَيْدَةَ الآيَةَ: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً} وأَيْضًا: الرجُلُ الذي لا نَظِير له.

وقالَ الفرَّاءُ: {كانَ أُمَّةً} أَي مُعلِّمًا للخَيْرِ، وبه فسَّرَ ابنُ مَسْعود أَيْضًا.

وأَيْضًا: الرجُلُ الجامِعُ للخَيْرِ.

وقالَ أَبو عَمْرو: إِنَّ العَرَبَ تَقولُ للشيْخِ إِذا كان باقِيَ القُوَّةِ: فلانٌ بِإِمّة، معْناهُ: رَاجِعٌ إلى الخَيْرِ والنِّعْمة، لأنَّ بقاءَ قُوَّتِه مِن أَعْظَم النِّعْمة.

والأُمَّة: المُلْكُ، عن ابنِ القَطَّاعِ، قالَ: والأُمَّةُ: الأُمَمُ والمُؤَمُّ على صِيْغَةِ المَفْعولِ: المُقارَبُ كالمُؤَمُّ.

والأُمُّ تكونُ للحَيَوانِ الناطِقِ وللمَوات النامِي كأُمِّ النَّخْلَةِ والشَّجَرَةِ والمَوْزَةِ وما أَشْبه ذلِكَ، ومنه قوْلُ ابنِ الأصْمَعِيّ له: أَنا كالمَوْزَةِ التي إنَّما صَلاحُها بمَوْتِ أُمِّها.

وأُمُّ الطَّريقِ: مُعْظَمُها إذا كان طَرِيقًا عَظيمًا وحَوْلَه طُرُقٌ صِغارٌ فالأعْظَم أُمُّ الطَّريقِ.

وأُمُّ الطَّريقِ أَيْضًا: الضَّبُعُ، وبهما فسِّرَ قَوْلُ كثيِّرٍ:

يُغادِرْنَ عَسْبَ الوالِقِيّ وناصِحٍ *** تَخصُّ به أُمُّ الطريقِ عِيالَها

أَي يُلْقِيْن أَوْلادَهنَّ لغيرِ تَمامٍ مِن شِدَّةِ التَّعَبِ.

وأُمُّ مَثْوَى الرجُل: صاحِبَةُ مَنْزِلِه الذي يَنْزله، قالَ:

وأُمُّ مَثْوايَ تُدَرِّي لِمَّتِي

وأُمُّ مَنْزِل الرجُلِ: امْرأَتُه ومَن يُدَبِّر أَمْر بَيْته.

وأُمُّ الحَرْبِ: الرَّايَةُ.

وأُمُّ كَلْبَة: الحُمَّى.

وأُمُّ الصِّبْيان: الرِّيحُ التي تَعْرِض لهم.

وأُمُّ اللُّهَيْم: المَنِيَّة.

وأُمُّ خَنُّورٍ الخِصْب وبه سُمِّيَت مِصْر، وقيلَ: البَصْرَة أَيْضًا.

وأُمُّ جابرٍ: الخُبْزُ والسُّنْبُلةُ.

وأُمُّ صَبَّار: الحرَّةُ.

وأُمُّ عُبيدٍ: الصَّحْراءُ.

وأُمُّ عَطِيّة: الرَّحَى.

وأُمُّ شَمْلة: الشَّمسُ.

وأُمُّ الخُلْفُف: الدَّاهِيَةُ.

وأُمُّ رُبَيقٍ: الحَرْبُ.

وأُمُّ لَيْلى: الخَمْر.

وأُمُّ دَرْزٍ: الدُّنْيا، وكَذلِكَ أُمُّ حُبابٍ وأُمُّ وَافِرَةَ.

وأُمُّ تحفة: النَّخْلَةُ.

وأُمُّ رَجِية: النَّخْلَةُ.

وأم سرياح: الجَرادَةُ.

وأُمُّ عامِرٍ: الضّبُعُ والمَقْبرةُ.

وأُمُّ طِلْبة وأُمُّ شَغْوة: العُقابُ.

وأُمُّ سَمْحة: العَنْز.

وأُمُّ غياث: القِدْرُ، وكَذلِكَ أُمُّ عُقْبَة، وأُمُّ بَيْضاءَ، وأُمُّ رَسْمة، وأم العِيَالِ.

أُمُّ جُرذَان: النَّخْلَةُ وإذا سَمَّيْت رَجُلًا بأُمِّ جِرْذَان لم تَصْرِفه، ويقالُ للنَّخْلَةِ أَيْضًا: أُمُّ خَبِيص وأُمُّ سُوَيْد، وأُمُّ عِزْم، وأُمُّ عقاق، وأُمُّ طِبِّيخة، وهي أُمُّ تسعين.

وأُمُّ حِلْس: الأَتَان.

وأُمُّ سُوَيْد: الاسْتُ.

وأُمُّ عَمْرو: الضَّبُعُ.

وأُمُّ الخَبائِثِ: الخَمْر.

وأُمُّ العَرَبِ: قَرْيَةٌ كانَتْ أَمامَ الفرما مِن أَرْضِ مِصْرَ.

وأُمُّ اذن: قارة بالسَّمَاوَة.

وأُمُّ أَمْهارٍ: هَضْبَة في قوْلِ الرَّاعِي.

وأُمُّ جرمان: مَوْضِعٌ.

وأُمُّ دُنَيْن: قَرْيَةٌ كانتْ بِمصْرَ.

وأُمُّ رحم: مِن أَسْماءِ مكَّةَ.

وأُمُّ سَخْلَ: جَبَلٌ لبَنِي غاضِرَةَ.

وأُمُّ السَّلِيط: مِن قُرَى عَثّر باليَمَنِ.

وأُمُّ العِيَالِ: قَرْيَةٌ بينَ الحَرَمَيْن.

وأُمُّ العَيْن: ماءٌ دُوْنَ سميراء.

وأُمُّ غِرْسٍ: ركية لعبدِ اللهِ بنِ قرَّةَ.

وأُمُّ جَعْفَرٍ: قَرْيَةٌ بالأَنْدَلُسَ.

وأُمُّ حَبَوْكَرى: الداهِيَةُ وأَيْضًا: مَوْضِعٌ ببِلادِ بَنِي قُشَيْر.

وأُمُّ غَزَالَة: حِصْنٌ مِن أَعْمالِ ماردَةَ.

وأُمُّ موسل: هَضْبَةٌ.

وأُمُّ دينار: قَرْيَةٌ بجِيْزَة مِصْرَ.

وأُمُّ حكيم: بالبُجَيْرة. وأُمُّ الزَّرَازِير: بحَوْف رمْسِيْس.

والمآيِمُ: الشِّجَاجُ جَمْعُ آمَّة، وقيلَ: ليسَ له واحِدٌ مِن لفْظِهِ، وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

فلو لا سِلاحِي عندَ ذاكَ وغِلْمَتِي *** لَرُحْت وفي رَأْسِي مآيِمُ تُسْبَرُ

والأَئِمَّةُ: كِنانَة، عن ابن الأَعْرَابِيّ، نَقَلَه ابنُ سِيْدَه.

ورجُلٌ أَمِيمٌ ومَأْمُومٌ: يَهْدِي من أُمِّ دِماغِهِ، نَقَلَه الجوْهَرِيُّ.

وتَقولُ: هذه امرأة أمام النِّساءِ، ولا تَقُل إمامة النِّساءِ، لأَنَّه اسمٌ لا وَصْفٌ.

وفداهُ بأميّه، قيلَ: أُمّهُ وجَدَّته.

وأَبو أُمامَةَ التِّيْمِيّ الكُوفيّ تابِعِيٌّ عن ابنِ عُمَرَ، وعنه العَلاءُ بنُ المُسَيّب، ويقالُ: هو أَبو أُمَيْمة.

والإِمامِيَّة: فِرْقَةٌ مِن غلاةِ الشِّيْعَة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


184-تاج العروس (قضم)

[قضم]: قَضِمَ، كسَمِعَ، قَضْمًا: أَكَلَ بأَطْرافِ أَسْنانِهِ، كما في الصِّحاحِ.

وفي المُحْكَمِ: القَضْمُ: أَكْلٌ بأَطْرافِ الأَضْراسِ.

أَو قَضَمَ: أَكَلَ يابِسًا؛ زادَ الزَّمَخْشرِيُّ: بمُقدَّمِ الفَمِ؛ وخَضَمَ: أَكَلَ رَطْبًا؛ ومنه قوْلُ أَبي ذرِّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه: «اخْضُمُوا فإنَّا نقضُم».

وفي التَّهْذِيبِ عن الكِسائيّ: القَضْمُ للفَرَسِ كالخَضْمِ للإنْسانِ.

وقالَ غيرُهُ: القَضْمُ بأَطْرافِ الأَسْنانِ، والخَضْمُ بأَقْصَى الأَضْرَاسِ.

وِما ذُقْتُ قَضامًا، كسَحابٍ وأَميرٍ ومَقْعَدٍ ولُقْمَةٍ: أَي ما يُقْضَمُ عليه، وفي الصِّحاحِ: قَضامًا أَي شَيئًا.

وِقالَ الأَصْمَعِيُّ: أَخْبَرنا ابنُ أَبي طرفَةَ قالَ: قَدِمَ أَعْرابيٌّ على ابن عَمِّ له بمكةَ فقال له: إِنَّ هذه بِلادُ مَقْضَمٍ وليستْ ببِلادِ مَخْضَمٍ.

والخَضْمُ: أَكْلٌ بجَمِيعِ الفَمِ، وِالقَضْمُ دُوْنَ ذلِكَ، كما في الصِّحاحِ؛ وأَنْشَدَ الأَزْهَرِيُّ:

رَجَوْا بالشِّقاقِ الأَكْلَ خَضْمًا فَقد رَضُوا *** أَخيرًا مِنْ أَكْلِ الخَضْمِ أَنْ يأْكلوا القَضْما

وِالقَضَمُ، محرَّكةً: السَّيفُ.

وِأَيْضًا: جَمْعُ قَضِيمٍ، كأَميرٍ، للجِلْدِ الأَبْيضِ يُكْتَبُ فيه؛ قالَ الأَصْمَعِيُّ: ومنه قوْلُ النابِغَةِ:

كأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِساتِ ذُيولَها *** عليه قَضِيمٌ نمَّقَتْه الصَّوانِعُ

كما في الصِّحاحِ.

وِالقَضَمُ: انْصِداعٌ في السِّنِّ، أَو تَكَسُّرُ أَطْرافِهِ وتَفَلُّلُه واسْوِدادُه؛ وقد قَضِمَ، كفَرِحَ، قَضَمًا، فهو أَقْضَمُ وِقَضِمٌ وهي قَضْماءُ.

وِالقَضِيمُ، كأَميرٍ: السَّيفُ العَتيقُ المُتَكَسِّرُ الحَدِّ كالقَضِمِ، ككَتِفٍ؛ وعلى الأَخيرِ اقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ قالَ: وهو الذي طالَ عليه الدَّهْرُ فتَكَسَّرَ حَدّه.

وِالقَضِيمُ: العَيْبَةُ.

وِأَيْضًا: الصَّحيفةُ البَيْضاءُ أَو أَيُّ أَديمٍ كانَ.

وفي المُحْكَمِ: وقيلَ: هو الأَدِيمُ ما كانَ.

وِأَيْضًا: النِّطْعُ كالقَضِيمةِ.

وِأَيضًا: حصيرٌ مَنْسوجٌ خُيوطُه سُيورٌ، بلغَةِ أَهْلِ الحِجازِ، وبه فُسِّرَ قوْلُ النابِغَةِ أَيْضًا. وجَمْعُ الكُلِّ أَقْضِمةٌ وِقُضُمٌ، فأَمَّا القَضَمُ فاسْمٌ للجَمْعِ عندَ سِيْبَوَيْه.

وجَمْعُ القَضِيمةِ قُضُمٌ، كصَحِيفةٍ وصُحُفٍ، وِقَضَمٌ أَيْضًا.

قالَ ابنُ سِيْدَه: وعنْدِي أَنَّ قَضَمًا اسْمٌ لجَمْعِ قَضِيمَةٍ كما كانَ اسْمًا لجَمْعِ قَضِيمٍ.

وِالقَضِيمُ: شعيرُ الدَّابَّةِ، وقد أَقْضَمْتُها؛ أَي عَلَفْتُها القَضِيمَ، كما في الصِّحاحِ.

وِقَضَمَتْه هي قَضْمًا: أَكَلَتْه؛ واسْتعَارَهُ عُديِّ بنُ زيدٍ للنارِ فقالَ:

رُبَّ نارٍ بِتُّ أَرْمُقها *** تَقْضَمُ الهِنْدِيَّ والغارا

وِالقَضِيمُ: الفِضَّةُ؛ عن اللَّيْثِ، وأَنْشَدَ:

وِثُدِيٌّ ناهِداتٌ *** وِبَياضٌ كالقَضِيمِ

قالَ الأَزْهرِيُّ: القَضِيمُ هنا الرّقّ الأَبْيض الذي يكتبُ فيه ولا أَعْرِفُهُ بمعْنَى الفِضَّةِ ولا أَدْرِي ما قَوْلُ اللَّيْثِ هذا.

وِالقُضَّامُ، كزُنَّارٍ: نَبْتٌ من الحَمْضِ؛ قالَهُ أَبو حنيفَةَ.

وقالَ أَبو خيرَةَ: شَجَرُ الحَمْضِ.

وقيلَ: هو مِن نَجيلِ السّباخِ.

أَو هي الطَّحْماءُ تُشْبَه الخِذْراف إذا جفَّ ابيضَّ، وله وُرَيقةٌ صَغيرةٌ؛ قالَهُ أَبو حنيفَةَ أَيْضًا.

وِالقُضامُ: النَّخْلَةُ تَطولُ حتى يخِفَّ ثَمَرُها؛ وفي بعضِ النُّسخِ: حتى يَجِفَّ بالجيمِ؛ الجمع: قَضاضيمُ.

وِأَقْضَمَ البعيرُ: قَفْقَفَ لَحْيَيْهِ.

وِأَقْضَمَ القومُ: امْتارُوا شَيئًا قَليلًا في القَحْط كاسْتَقْضَموا، وهو مجازٌ.

وِالمُقاضَمَةُ: أَنْ تأْخُذَ الشَّي‌ءَ اليسيرَ بعدَ الشَّي‌ءِ وهي في البَيْعِ والشِّراءِ أَن يُشْتَرَى رِزَمًا رِزَمًا دونَ الأَحْمالِ.

وِفي المَثَلِ: يُبْلَغُ الخَضْمُ بالقَضْم؛ أَي أَنَّ الشَّبْعةَ قد تُبْلَغُ الأَكْل بأَطْرافِ الفَمِ؛ أَي الغَايةُ البعيدةُ قد تُدْرَكُ بالرِّفْقِ، وأَنْشَدَ الجَوْهرِيُّ:

تَبَلَّغْ بأَخْلاقِ الثيابِ جَدِيدَها *** وِبالقَضْمِ حتى تُدْرِكَ الخَضْمَ بالقَضْمِ

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

أَتَتْ بَني فلانٍ قَضِيمةٌ يَسيرَةٌ: أَي مِيرَةٌ قَلِيلةٌ؛ وهو مجازٌ.

وِالقِضْمُ: ما ادَّرَعَتْه الإِبِلُ والغَنَمُ مِن بقيَّةِ الحلْي.

وبالتَّحْريكِ: تكَسُّرٌ في حَدِّ السيْفِ؛ قالَ اليشْكرِيُّ:

فلا تُوعِدَنِّي إِنَّني إنْ تُلاقِني *** مَعِي مَشْرَفِيٌّ في مَضارِبِه قَضَمْ

ورَواهُ ابنُ قُتَيبَةَ بالصادِ المُهْمِلَةِ كما تقَدَّمَ.

وِالقُضامُ، كغُرابٍ: لُغَةٌ في القُضَّامِ للنَّخْلَةِ. ويقالُ: هو يَقْضَمُ الدُّنيا قَضْمًا: إذا زهدَ فيها ورضِيَ منها بالدُّون؛ وهو مجازٌ؛ ومنه قَوْل أَبي ذَرِّ، رضِيَ اللهُ تعالَى عنه: «اخْضَمُوا فسنَقْضَمُ»، وقد تَقَدَّمَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


185-تاج العروس (وشم)

[وشم]: الوَشْمُ، كالوَعْدِ: غَرْزُ الإِبْرَةِ في البَدَنِ.

وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: الوَشْمُ في اليدِ؛ وكذا نَصُّ المُحْكَم والصِّحاحِ وذَرُّ النيلَجِ عليه، كذا وَقَعَ في نسخِ الصِّحاحِ، وقد أُصْلِحَ مِن خطِّ أَبي زَكَريَّا: النيلنج، وهو النَّؤُورُ، وهو دُخانُ الشحْم، وفي نَصّ أَبي عبيدٍ: ثم تَحْشُوه بالكُحْل أَو النِّيل أَو النَّؤُور، ويَزْرَقُّ أَثَرُه أَو يَخْضَرُّ؛ قالَ لَبيدٌ:

كِفَفٌ تَعَرَّضُ فوْقَهُنَّ وِشامُها

الجمع: وُشومٌ وِوِشامٌ؛ وقد وشَمْتُه وَشْمًا وِوَشَّمْتُه تَوْشِيمًا.

وقالَ نافِعٌ: الوَشْمُ في اللِّثةِ، وهي مَغارِزُ الأَسْنانِ؛ وبه فُسِّر الحدِيْثُ: «لعنَ اللهُ الواشِمَةَ».

وقالَ ابنُ الأثيرِ: والمَعْروفُ الآنَ في الوَشْم أَنَّه على الجِلْدِ والشِّفاهِ.

* قُلْت: وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

ذَكَرْتُ من فاطمَة التبَسُّما *** غَداةَ تَجْلو واضِحًا مُوشَّما

عَذْب اللها تُجْرِي عليه البُرْشُما

وِاسْتَوْشَمَ: طَلَبَه أَن يَشِمَه.

وفي الحدِيْثِ: «لعنَ اللهُ الواشِمَةَ وِالمُسْتَوْشِمَة»؛ وبعضُهم يَرْوِيه: المُوتَشِمَة.

وِالوَشْمُ: شي‌ءٌ تَراهُ من النَّباتِ أَوَّلَ ما يَنْبُتُ، والجَمْعُ وُشومٌ، وهو مجازٌ.

وِالوَشْمُ: د، قُرْبَ اليمامةِ ذو نخْلٍ، به قَبائِلُ مِن ربيعَةَ ومُضَرَ، كما في الصِّحاحِ، بَيْنه وبينَ اليَمامةِ لَيْلَتان، عن نَصْر؛ قالَ زيادُ بنُ مُنْقذ:

وِالوشَمُ قد خَرجَتْ منه وقابَلَها *** من الثنايا التي لم ألقَها ثَرَم

وِالوُشومُ، بالضمِّ: موضع باليَمامةِ أَيْضًا.

قالَ ياقوتُ: أَخْبَرَنا بَدَوِيّ مِن أَهْلِ تلْكِ البِلادِ أنّها خَمْسُ قُرًى، عليها سورٌ واحِدٌ مِن لبنٍ، وفيها نخْلٌ وزَرْعٌ لبَني عائِذٍ لآل يَزِيد ومَنْ يَتَفرَّعُ منهم، والقَرْيةُ الجامِعَةُ فيها ثَرْمداءُ وبَعْدها شقراءُ وأُشيقر وأَبو الرِّيْش والمحمدية، وهي بَيْنَ العارِضِ والدَّهْناء.

وفي المُحْكَمِ: وِالوَشْمُ في قَولِ جريرٍ:

عَفَتْ قَرْقَرى والوَشْمُ حتى تنَكَّرَتْ *** أَوارِيُّها والخَيْلُ مِيلُ الدَّعائِمِ

زَعَمَ أَبو عُثْمان عن الحرمازيِّ أَنَّه ثَمانُونَ قَرْيةً.

وِالوُشومُ من المَهاةِ: خُطوطٌ في ذِراعَيْها؛ قالَ النابِغَةُ:

أَو ذُو وُشومٍ بحَوْضَى

وِذو الوُشُومِ: فَرَسُ عبدِ اللهِ بنِ عَدِيٍّ البُرْجُمِيِّ، وله يقولُ:

أُعارِضه في الحزنِ عَدْوًا برأْسِه *** وِفي السَّهْلِ أَعْلو ذَا الوُشُومِ وأَرْكَب

قالَهُ ابنُ الكَلْبيّ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَ الكَرْمُ إذا بدا يُلَوِّنُ؛ عن أَبي حَنيفَةَ.

أَو إذا تَمَّ نُضْجُهُ، عنه أَيْضًا.

أَو أَوْشَمَ العِنَبُ: لانَ وطابَ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَتِ المرأَةُ: إذا بَدَا ثَدْيُها يَنْتَأُ كما يُوشِم البرْقُ.

وِمِن المجازِ أَيْضًا: أَوْشَمَ الشَّيْبُ فيه: إذا كَثُرَ وانْتَشَرَ؛ عن ابنِ الأَعْرابيِّ.

وِمِن المجازِ أَيْضًا: أَوْشَمَ في عِرْضِه: إذا عابَه وسَبَّهُ، كأَوْشَبَ.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَتِ الإِبِلُ: إذا صادَفَتْ مَرْعًى موشِمًا.

وفي الأساسِ: أَصابَتْ وَشْمًا مِن المَرْعَى.

وِمِن المجازِ: أَوْشَمَ البَرْقُ: إذا لَمَعَ لَمْعًا خَفِيفًا، كذا في نسخِ الصِّحاحِ، ووَقَعَ في بعضِها: خَفِيًّا.

وقالَ أَبو زَيْدٍ: هو أَوَّلُ البَرْقِ حينَ يَبْرقُ؛ قالَ الشاعِرُ:

يا مَنْ يَرَى لِبارِقٍ قد أَوْشَمَا

وِأَوْشَمَ فلانٌ يَفْعَلُ كذا: أَي طَفِقَ وأَخَذَ؛ قالَ الرَّاجزُ:

أَوْشَمَ يَذْرِي وابِلًا رَوِيًّا

وِأَوْشَمَ فيه: إذا نَظَرَ؛ قالَ أَبو محمدٍ الفَقْعسيُّ:

إنَّ لها رِيًّا إذا ما أَوْشَما

وِمِن المجازِ: ما أَصابَتْنا العامَ وَشْمَةٌ؛ أَي قَطْرَةُ مَطَرٍ؛ نَقَلَهُ الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت، وهو في الأساسِ.

وِما عَصَيْتُه وَشْمَةً: أَي كلِمَةً، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ عن ابنِ السِّكِّيت.

وفي الأساسِ: أَدْنَى مَعْصِيةٍ.

وفي المُحْكَم: أَي طَرْفَة عَيْنٍ.

وِالوَشِيمَةُ: الشَّرُّ والعَداوَةُ.

وفي الصِّحاحِ: يقالُ بَيْنَهما وَشِيمةٌ أَي كَلامُ شرٍّ أَو عَداوَةٍ.

وِقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: يقالُ: هو أَعْظَمُ في نفْسِه من المُتَّشِمةِ، وهذا مَثَلٌ؛ قالَ: وهي امرأَةٌ وَشَمَتْ اسْتَها ليكونَ أَحسنَ لها.

وقالَ الباهِلِيُّ في أَمْثالِهم: لَهُو أَخْيَل في نفْسِه مِن الوَاشِمَة.

قالَ الأَزْهرِيُّ: والأَصْلُ في المُتَّشِمة المُوتَشِمَةُ، وهو مِثْلُ المُتَّصل أَصْلُه المُوتَصِل.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

الوُشومُ: العلاماتُ، عن ابنِ شُمَيْل.

وِأَوْشَمَتِ الأرضُ: ظَهَرَ نَباتُها، نَقَلَه الجَوْهرِيُّ.

وِأَوْشَمَتِ السَّماءُ: بدا منها بَرَقٌ.

وقَوْله:

أَقولُ وفي الأَكْفانِ أَبْيَضُ ماجِدٌ *** كغُصْنِ الأَراكِ وجهُه حينَ وَشَّما

أَي بَدا وَرَقه، ويُرْوى بالسِّيْن، ومعْناهُ حسُنَ، وقد تَقَدَّمَ. وما كَتَمَ وَشْمةً: أَي كَلِمةً حَكَاها.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


186-تاج العروس (هدم)

[هدم]: الهَدْمُ: نَقْضُ البِناءِ، هَدَمَهُ يَهْدِمُه هَدْمًا، كالتَّهْدِيمِ.

قالَ الجَوْهرِيُّ: هَدَّمُوا بُيوتَهم شُدِّدَ للكَثْرَةِ.

وفي الحَدِيْثِ: «مَن هَدَمَ بُنْيانَ رَبِّه فهو مَلْعونٌ»؛ أَي مَن قَتَلَ النَّفْسَ المُحَرَّمَة لأَنَّها بُنيانُ اللهِ وتَرْكِيبُه.

وِالهَدْمُ: كَسْرُ الظَّهْرِ مِن الضَّرْبِ؛ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ؛ فِعْلُهُما كضَرَبَ.

وِمِن المجازِ: الهَدْمُ المُهْدَرُ من الدِّماءِ؛ ويُحَرَّكُ فيكونُ كالهَدَرِ زِنَةً ومعْنًى.

وفي الصِّحاحِ: يقالُ: دِماؤُهُم بينهم هَدَمٌ؛ أَي هَدَرٌ؛ وِهَدْمٌ أَيْضًا بالتَّسْكِيْنَ، فقَدَّمَ المُحَرَّك وجَعَلَ التَّسْكِينَ لُغَةً، والمصنِّفُ عَكَسَ ذلِكَ، علَى أنَّ عليَّ بن حَمْزَةَ قد أَنْكَر الكَسْرَ. وِالهِدْمُ، بالكسْرِ: الثَّوْبُ البالي؛ كما في الصِّحاحِ وهو مجازٌ.

أَو هو الخَلَقُ المُرَقَّعُ؛ أَو خاصٌّ بكِساءِ الصُّوفِ البالي الذي ضُوعِفَت رِقاعُه دُونَ الثَّوْبِ؛ هكذا خَصَّه ابنُ الأَعْرَابيِّ؛ قالَ أَوْسُ بنُ حجر:

لِيُبْكِكَ الشَّرْبُ والمُدامةُ وال *** فِتْيانُ طُرًّا وطامِعٌ طَمِعا

وِذات هِدْمٍ عارٍ نَواشِرُها *** تُصْمِتُ بالماءِ تَوْلَبًا جَدِعا

الجمع: أَهْدامٌ؛ وعليه اقْتَصَرَ الجَوْهرِيُّ، وِهِدامٌ، بالكسْرِ، هكذا في النسخِ والصَّوابُ هِدَمٌ، كعِنَبٍ، وهي نادِرَةٌ كما هو نَصُّ أَبي حَنيفَةَ في كتابِ النّباتِ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لأبي دُواد:

هَرَقْتُ في صُفْنِه ماءً لِيَشْرَبَه *** في داثرٍ خَلَق الأَعْضادِ أَهْدامِ

وفي حَدِيْث عُمَرَ: «وقَفَتْ عليه عَجوزٌ عَشَمةٌ بأَهْدامٍ».

وفي حَدِيْث عليٍّ: «لَبِسْنا أَهْدام البِلَى».

وِمِن المجازِ: الهِدْمُ الشَّيخُ الكبيرُ، على التَّشْبيهِ بالثَّوْبِ.

وقالَ أَبو عبيدٍ: هو الشيخُ الذي قد انْحَطَمَ مِثْل الهِمِّ.

وِمِن المجازِ: الهِدْمُ الخُفُّ العَتيقُ، على التَّشْبِيهِ بالخلقِ مِن الثَّوْب.

وِهِدْمٌ: اسْمُ رجُلٍ.

وِمِن المجازِ: الهَدِمُ، ككَتِفٍ، المُخَنَّثُ.

وِالهَدَمُ، بالتَّحريكِ، كذا في النسخِ والصَّوابُ: بكسْرٍ ففتحٍ كما ضَبَطه ياقوتٌ، قالَ: يُشبهُ أَنْ يكونَ جَمْعُ هِدْم، أَرْضٌ بعَيْنِها؛ ذَكَرَها زُهَيْرٌ في شِعْرِه:

بل قد رَآها جَمِيعًا غَيْر مقوية *** سَراه منها فوادي الحَفْر فالهِدَمُ

وِالهَدَمُ: ما تَهَدَّمَ من جَوانِبِ، وفي بعضِ نسخِ الصِّحاحِ: مِن نَواحِي، البئرِ فَسَقَطَ فيها، قالَ يَصِفُ امرأَةً فاجِرَةً:

تَمْضِي إذا زُجِرَتْ عن سَوْأَةٍ قُدُمًا *** كأَنَّها هَدَمٌ في الجَفْرِ مُنْقاضُ

وِالهَدِيمُ، كأَميرٍ: باقي نباتِ عامِ أَوَّلَ، وذلِكَ لِقِدَمِه.

والذي في نسخةِ اللِّسانِ الهَدَمُ بالتَّحريكِ فرَاجِعْه.

وِمِن المجازِ: هَدِمَتِ النَّاقَةُ، كفَرِحَ، هَدَمًا وِهَدَمَةً، محرَّكتين، فهي هَدِمَةٌ، كفَرِحَةٍ، الجمع: هَدامَى وِهِدَمَةً، كقِرَدَةٍ وِتَهَدَّمَتْ وِأَهْدَمَتْ فهي مُهْدِمٌ، كِلاهُما، إذا اشْتَدَّتْ ضَبَعَتُها فياسَرَتِ الفَحْلَ ولم تُعاسِرْه.

وفي الصِّحاحِ: وقالَ الفرَّاءُ: هي التي تَقَعُ من شدَّةِ الضَّبَعةِ؛ وأَنْشَدَ لزيدِ بنِ تُرْكِيِّ الدُّبَيْرِيّ:

يُوشِكُ أَنْ يُوجسَ في الأَوْجاسِ *** فيها هَديمُ ضَبَعٍ هَوَّاسِ

إذا دَعا العُنَّدَ بالأَجْراسِ

قالَ ابنُ جنيِّ: فيه ثلاثُ رِواياتٍ.

أَحَدُها: أَنْ يكونَ الهَدِيمُ فَحْلًا وأَضافَه إلى الضَّبَع لأنَّه يَهْدَمُ إذا ضَبِعَتْ، وهَوَّاسٌ: مِن نَعْتِ هَدِيْم.

الثانِيَةُ: هَوَّاسِ، بالخَفْضِ على الجِوارِ.

الثالِثَةُ: فيها هَدِيمُ ضَبَعٍ هِوَاسِ.

وهو الصَّحِيحُ لأَنَّ الهَوَسَ يكونُ في النُّوقِ، وعليه يصحُّ اسْتِشْهادُ الجَوْهرِيّ لأنَّه جَعَلَ الهَدِيمَ الناقَةَ الضَّبِعَةَ، ويكونُ هِواسِ بَدَلًا مِن ضَبَع، والضَّبَعُ والهِواسُ واحِدٌ.

وِهَدِيمُ في هذه الأَوْجه فاعِلٌ ليُوجِسَ في البيتِ الذي قَبْله أَي يُسْرِع أن يَسْمعَ صوتَ هذا الفَحْلِ ناقةٌ ضَبِعةٌ فتَشْتَدَّ ضَبَعَتُها.

* قُلْت: وقد فَصَّل ذلِكَ أَبو زَكَريَّا في تَهْذِيبِ غريبِ المصنِّفِ، وهذا الوَجْهُ الأَخيرُ الذي ذَكَرَه هو الذي صَحَّحوه واعْتَمدُوا عليه، ومِثْلُه مصلحًا بخطِّ الأَزْهرِيّ في نسخةِ التَّهْذِيبِ، وكذا في غريبِ المصنِّفِ وعلى الحاشِيَةِ قالَ أَبو عمر: أَخْبَرَنا ثَعْلَب عن سَلَمَةَ عن الفرَّاء:

فيها هديمُ ضَبَعٍ هَوَّاسُ

* قُلْت: والمَصْدَرُ في بابِ النكاحِ يأْتي على فِعالٍ نَحْو الضِّرابِ والحرامِ والحناءِ، فمَنْ رَواهُ هكذا فإنَّه جَعَلَهُ بَدَلًا مِن ضبَع، ومَنْ رَواهُ كشَدَّادٍ فهو مِن نَعْتِ الهَدِيمِ ولكنَّه مَجْرورٌ على الجِوارِ، فتأَمَّلْ.

وِالهُدَامُ، كغُرابٍ: الدُّوارُ يُصِيبُ الإِنْسانَ من رُكوبِ البَحْرِ، وقد هُدِمَ، كعُنِيَ، أَصابَهُ ذلِكَ، وهو مجازٌ.

وِالهَدْمَةُ: المَطْرَةُ الخَفِيفَةُ.

وفي الصِّحاحِ: الدُّفْعَةُ مِن المَطَرِ، هكذا في بعضِ نسخِهِ، ومِثْلُه في الأساسِ.

وِأَرْضٌ مَهْدومَةٌ: أَصابَتْها هَدْمَةٌ مِن المَطَرِ.

وِالهَدْمَةُ: الدُّفْعَةُ مِن المالِ، كما في نسخِ الصِّحاحِ، وهكذا وُجِدَ بخطِّ الجَوْهرِيّ.

وِذو مِهْدَمٍ، كمِنْبَرٍ ومَقْعَدٍ: قَيْلٌ لحِمْيَرَ، وهو ابنُ حَضُورِ بنِ عَدِيِّ بنِ مالِكٍ.

قالَ ابنُ الكَلْبيّ: مِن بَني حَضُور شُعَيبُ بنُ ذي مِهْدَمٍ نبيُّ أَصْحابِ الرَّسِّ، وليسَ هو شُعَيْبُ صاحِبُ مدين.

وِذو مِهْدَمٍ أَيْضًا: مَلِكُ الحَبَشِ.

وِذو الأَهْدامِ: المُتَوَكِّلُ بنُ عِياضٍ شاعِرٌ.

وِأَيْضًا: لَقَبُ نافِعٍ مَهْجُوُّ الفَرَزْدَقِ.

وِتَهادَموا وِتَهادَرُوا بمعْنًى واحِدٍ.

وِمِن المجازِ: عَجوزٌ مُتَهَدِّمَةٌ، وِكذا نابٌ مُتَهَدِّمَةٌ: أَي هَرِمَةٌ فانِيَةٌ.

وِمِن المجازِ: تَهَدَّمَ عليه غَضَبًا، إذا تَوَعَّدَه.

وفي الصِّحاحِ: اشْتَدَّ غَضَبُه.

وِفي الصِّحاحِ: يقالُ: هذا شي‌ءٌ مُهَنْدَمٌ؛ أَي مُصْلَحٌ على مِقدارٍ وله هِنْدامٌ، بالكسْرِ، وهو مُعَرَّبٌ أَصْلُه بالفارِسِيَّةِ: أَنْدام بالفَتْحِ، مِثْلُ مُهَنْدِس وأَصْلُه أَنْدازَه، هكذا ذَكَرَه الجَوْهرِيُّ وتَبِعَه المصنِّفُ، ولا يَخْفى أنَّ مِثْلَ هذا لا تكونُ النُّون فيه زائِدَةً بل هي مِن أَصْلِ الكَلِمَةِ، فالأَوْلَى إيرادُها في تَرْكِيبِ «ه ن بلد م».

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

انْهَدَمَ البِناءُ وِتَهَدَّمَ مُطاوِعًا هَدَمَه وِهَدَّمَه، ذَكَرَهُما الجَوْهرِيُّ.

وِالأَهْدَمانِ: أَنْ يَنْهَدِمَ على الرَّجُلِ بِناءٌ أَو يقعَ في بِئْرٍ؛ وبه فُسِّرَ

الحَدِيْثُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ من الأَهْدَمَيْنِ»؛ حَكاهُ الهَرَويُّ في الغَرِيبَيْن.

وقالَ ابنُ سِيْدَه: ولا أَدْرِي ما حَقِيقَتُه.

وشَهِيدُ الهَدَمِ، محرَّكةً: الذي يَقَعُ في بِئْرٍ أَو يَسْقُطُ قُسطُ عليه جِدارٌ.

ويقُولُونَ في النُّصْرةِ والظُّلْم: دَمي دَمُك وِهَدَمي هَدَمُك.

ويقالُ: الهَدَمُ الأصْلُ، وأَيْضًا القَبْرُ لأَنَّه يُحْفَرُ تُرابُه ثم يُرَدُّ فيه، وقد مَرَّ في لَدَمَ وانْقَضَّ هَدَمٌ مِن الحائِطِ: وهو ما انْهَدَمَ منه.

وِالهِدْمَةُ، بالكسْرِ: الثَّوْبُ الخَلَقُ، والجَمْعُ هُدُومٌ بالضمِّ.

وِهَدَمَ الثَّوْبَ وِهَدَّمَهُ: رَقَعَه؛ الأخيرَةُ رَوَاها ابنُ الفَرَجِ عن أَبي سَعِيدٍ.

وِالهَدِمُ، ككَتِفٍ: الأَحْمَقُ.

وِالمَهْدومُ مِن اللَّبَنِ: الرَّثِيئَة؛ وفي التَّهْذيبِ: هي المَهْدومَةُ، وأَنْشَدَ:

شَفَيْتُ أَبا المُخْتارِ مِن داءِ بَطْنِه *** بمَهْدومةٍ تُنْبي ضُلوعَ الشَّراسِف

وهو يَتَهَدَّمُ بالمَعْروفِ: يَتَوَعَّدُ.

وِتَهَدَّمَ عليه الكَلامَ مِثْل تَهَوَّرَ.

وأَبو هَدِمٍ، ككَتِفٍ: أَخُو العَلاءِ بنِ الحَضْرميّ، ذَكَرَه الدَّارقطْنِي في الصَّحابَةِ: وكزُبَيْرٍ: هُدَيْمٌ التَّغْلبيُّ، ويقالُ أديم، له صحْبَةٌ رَوَى عنه الضبيُّ بنُ معبدٍ.

وِالهُدُمُ، وبضَمَّتَيْن: ماءٌ وَراء وادِي القرى في قَوْلِ عَدِيّ بنِ الرقاعِ العامِلِيّ؛ قالَهُ الحازِميُّ.

وضَبَطَه الوَاقِديُّ ككَتِفٍ، كذا في المُعْجم.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


187-تاج العروس (عن عنن عنعن)

[عنن]: عَنَّ الشَّي‌ءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ، مِن حَدَّيْ ضَرَبَ ونَصَرَ، وبهما رُوِي قوْلُ الهُذَليّ:

كأَنَّ مُلاءتَيَّ على هِزَفِّ *** يَعُنُّ مع العَشِيَّةِ للرِّئالِ

عَنَّا وعَنَنًا، بفكِّ التَّضْعيفِ، وعُنونًا: إذا ظَهَرَ أَمامَك، ولَفْظَةُ إذا مُسْتدْركَة، لأنَّ المعْنَى يتمُّ بدُونِها.

وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُنُّ أَيْضًا: اعْتَرَضَ وعَرَضَ، كاعْتَنَّ؛ قالَ امْرُؤُ القَيْس:

فعَنَّ لنا شربٌ كأَنَّ نِعاجَه

أي عَرَضَ.

وقوْلُهم: لا أَفْعَلَه ما عَنَّ في السماءِ نجْمٌ، أي عَرَضَ؛ والاسمُ: العَنَنُ، محرّكةً والعِنانُ: ككِتابٍ؛ قالَ ابنُ جِلزةَ:

عَنَنًا باطِلًا وظُلْمًا كما تُعْ *** تَرُ عن حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ

وأَنْشَدَ ثَعْلَب:

وما بَدَلٌ من أُمِّ عُثْمانَ سَلْفَعٌ *** من السُّود وَرْهاءُ العِنانِ عَرُوبُ

ومعْنَى وَرْهاء العِنانِ أنَّها تَعْتَنُّ في كلِّ كَلامٍ، أي تَعْترضُ.

وفي حدِيثِ طهفَةَ: «بَرِئْنا إليك من الوَثَنِ والعَنَنِ»، الوَثَنُ: الصَّنَم، والعَنَنُ: الاعْتِراضُ، كأَنَّه قالَ بَرِئْنا إليك مِنَ الشرْكِ والظّلْم.

وقيلَ: أَرادَ به الخِلافَ والباطِلَ؛ ومنه حدِيثُ سَطِيح:

أَم فازَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَنَنْ

يُريدُ اعْتِراضَ المَوْت وسَبْقَه.

وفي حدِيثِ عليٍّ: «دَهَمَتْه المنيَّةُ في عَنَنِ جِماحِه»، هو ما ليسَ بقصْدٍ.

والعَنُونُ: الدَّابَّةُ المتقدِّمَةُ في السَّيْرِ، وهي التي تُبارِي في سَيْرِها الدّوابَّ فتَقْدُمُها، وذلِكَ مِن حُمُرِ الوحْش؛ قالَ النابغَةُ:

كأَنَّ الرَّحْلَ شُدَّ به خَنُوفٌ *** من الجَوْناتِ هادِيةٌ عَنُونُ

والمِعَنُّ، كمِسَنٍّ: من يدخُلُ فيما لا يَعْنِيه ويَعْرِضُ في كلِّ شي‌ءٍ.

وقيلَ: هو العَرِيضُ المِتْيح، وهي بهاءٍ؛ قالَ الرَّاجزُ:

إنَّ لنا لَكَنَّه *** مِعَنَّةً مِفَنَّه

كالريحِ حول القُنَّه

والمِعَنُّ: الخَطِيبُ المفوَّهُ.

والمَعْنونُ: المَجْنونُ ومِن أَسْمائِه: المَهْروعُ، والمَخْفوعُ، والمَعْتوهُ والمَمْتوهُ.

وعُناناكَ أنْ تَفْعَلَ ذاكَ، بالضَّمِّ، أي قُصارَاكَ أي جُهدكَ وغَايَتكَ، كأَنَّه مِن العانة، وذلِكَ أن تُريدَ أَمْرًا فيَعْرِضَ دونَه عارِضٌ فيمْنَعك منه ويَحْبسك عنه.

قالَ ابنُ بَرِّي: قالَ الأَخْفَش: هو غُنامَاكَ، وأنْكَرَ على أَبي عبَيْدٍ عُناناكَ.

وقالَ النَّجِيرَمِيُّ: الصَّوابُ قَوْل أَبي عبَيْدٍ.

وقالَ ابنُ حَمْزَةَ: الصَّوابُ قوْل الأخْفَش؛ والشاهِدُ عليه قَوْلُ ربيعَةَ بنِ مقرومٍ الضَّبِّي:

وخَصْمٍ يَرْكَبُ العَوْصاء طاطٍ *** عن المُثْلى غُناماءُ القِذاعُ

والعَنِينُ، كأَميرٍ: مَن لا يَقْدِرُ على حَبْسِ ريحِ بَطْنهِ.

والعِنِّينُ، كسِكِّينٍ: مَنْ لا يأْتي النِّساءَ عَجْزًا أَو لا يُريدُهُنَّ؛ وهي عَنِينَةٌ: لا تُريدُ الرِّجالَ ولا تَشْتَهِيهم؛ وفي وَصْفِ النِّساءِ بالعنةِ خِلافٌ نَقَلَه شرَّاحُ نَظْم الفَصِيح.

وقيلَ: سُمِّي عِنِّينًا لأنَّه يَعِنُّ ذَكَرُه لقُبُل المرأَةِ عن يمِينِه وعن شِمالِه فلا يَقْصده.

وقيلَ: العِنِّينُ: هو الذي يَصِلُ إلى الثَّيِّبِ دونَ البكْرِ؛ والاسمُ: العَنانةُ والتَّعْنينُ والعِنِينَةُ، بالكسْرِ وتُشَدَّدُ، والتَّعْنِينَةُ، والعِنِّينيَّةُ.

وعُنِّنَ عَنِ امْرأَتِه وأُعِنَّ وعُنَّ، بضمهِنَّ: إذا حَكَمَ القاضِي عليه بذلكَ، أَو مُنِعَ عنها بالسِحْرِ؛ والاسمُ منه: العُنَّةُ، بالضَّمِّ، وهو ممَّا تقدَّمَ، كأَنَّه اعْتَرَضَه ما يَحْبسُه عن النِّساءِ. وفي المِصْباحِ والفُقهاءُ يقُولُونَ: به عنَّةٌ.

وفي كَلامِ الجَوْهرِيُّ ما يُشْبهه ولم أَجِدْه لغيرِهِ.

وفي كَلامِ بعضِهم: أَنَّه لا يقالُ ذلِكَ.

ونَقَلَ شيْخُنا عن المغربِ: أنَّ العُنَّة، بالضمِّ، كَلامٌ مَرْدودٌ ساقِطٌ.

والعِنانُ، ككِتابٍ: سَيْرُ اللِّجامِ الذي تُمْسَكُ به الدَّابَّةُ، سُمِّي به لاعْتِراضِ سَيْرَيْه على صَفْحَتيْ عُنُق الدابَّةِ من عن ييمِينِه وشمالِه؛ الجمع: أَعِنَّةٌ وعُنُنٌ، بضمَّتين، نادِرٌ.

فأمَّا سِيْبَوَيْه فقالَ: لم يُكسَّر على غيرِ أَعِنَّه لأنَّهم إن كسَّرُوه على بناءِ الأَكْثَرِ لَزِمَهم التَّضْعيف وكانوا في هذا أَحْرى؛ يريدُ إذ كانوا يَقْتصرُونَ على أَبْنِيةِ أَدْنى العَدَدِ في غيرِ المُعْتلِ، يَعْنِي بالمُعْتل المُدْغَم، ولو كسَّرُوه على فُعُل فلَزِمَهم التَّضْعيف لأَدْغمُوا، كما حكى هو أنَّ مِن العَرَبِ مَنْ يقولُ في جَمْعِ ذُبابٍ ذُبٌّ.

والعِنانُ: المُعارَضَةُ، مَصْدَر عانَهُ، كالمُعانَّةِ.

والعِنانُ: حَبْلُ المَتْنِ؛ قالَ رُؤْبَة:

إلى عِنانَيْ ضامِرٍ لَطيفِ

ومِن المجازِ: العِنانُ في الشَّرِكَةِ: أن تكونَ في شي‌ءٍ خاصٍّ دونَ سائِرِ مالِهِما، كأَنَّه عَنَّ لهما شي‌ءٌ، أي عَرَضَ فاشْتَرَياه واشْتَرَكَا فيه؛ قالَ النابِغَةُ:

وشارَكْنا قُرَيْشًا في تُقاها *** وفي أَحْسابِها شِرْكَ العِنانِ

بما وَلَدَتْ نساءُ بَني هِلالٍ *** وما وَلَدَتْ نِساءُ بَني أَبانِ

وقيلَ: هو إذا اشْتَرَكَا في مالٍ مَخْصوصٍ، وبانَ كلُّ واحِدٍ منهما بسائِرِ مالِهِ دونَ صاحِبِه.

وقالَ الأزْهرِيُّ: الشِّرْكَةُ شِرْكَتانِ: شِرْكَةُ العِنانِ، وشِرْكَةُ المُفاوَضَةِ؛ فأَمَّا شِرْكةُ العِنانِ فهو أن يُخْرجَ كلُّ واحِدٍ مِن الشَّرِيكَيْن دِنانِيرَ أَو دَرَاهِم مِثْل ما يُخْرجِ صاحِبُه ويَخْلِطاها، ويأْذَنَ كلُّ واحِدٍ منهما لصاحِبِه أنْ يتَّجِرَ فيه، ولم يَخْتلِفِ الفُقَهاءُ في جوازِهِ، وأَنَّهما إن رَبِحا في المالَيْنِ فبَيْنهما، وإن وُضِعا فعلى رأْسِ مالِ كلِّ واحِدٍ منهما؛ وأمَّا شِرْكَةُ المُفاوَضةِ: فأَنْ يَشْتَرِكَا في كلِّ شي‌ءٍ في أَيْدِيهما، أَو يَسْتَفِيدانه من بَعْدُ، وهذه الشِّرْكةُ عنْدَ الشافِعِيّ، رضِي اللهُ تعالى عنه، باطِلَةٌ، وعنْدَ أَبي حَنيفَةَ وصاحِبَيْه، رضِيَ اللهُ تعالَى عنهم، جائِزَةٌ.

أَو هو أنْ تُعارِضَ رجلًا في الشِّراءِ فتقولَ له: أَشْرِكْنِي مَعَكَ وذلك قبلَ أنْ يَسْتَوْجِبَ الغَلَقُ، أَو هو أن يكونا سواءً في الشَّرِكَةِ فيما أَخْرَجاه مِن عَيْنٍ أَو وَرَقٍ، مأْخُوذٌ مِن عِنانِ الدابَّةِ، لأنَّ عِنانَ الدابَّةِ طاقَتانِ مُتَساوِيتانِ، وسُمِّيت هذه الشَّركةُ شَرِكَةَ عِنانٍ لمُعارَضَة كلّ واحدٍ منهما صاحِبه بمالٍ مِثْل مالِ صاحِبَه، وعَمَلَه فيه مِثْل عَمَلِه بَيْعًا وشِراءً.

وعِنانٌ: موضع.

وقالَ نَصْر: هو وادٍ في دِيارِ بَني عامِرٍ، أَعْلاه لبَنِي جَعْدَةَ وأَسْفَلَه لقُشَيرٍ.

وعِنانُ: امرأَةٌ شاعِرَةٌ.

ويقالُ: رجلٌ طَرِقُ العِنانِ، أي خَفِيفٌ؛ وهو مجازٌ.

وأَبو عِنانٍ؛ وحَفْصُ بنُ عِنانٍ اليمانيُّ عن أَبي هُريرَةَ، رضِي الله تعالى عنه، وعن ابنِ عُمَرَ؛ وعنه ابْنُه عُمَر الأوزاعي، ثقَةٌ، تابِعيَّانِ.

والعُنَّةُ، بالضَّمِّ: الحظيرةُ من خَشَبٍ، أَو شَجَرٍ تُجْعَلُ للإبِلِ والغَنَمِ تُحْبَس فيها.

وقَيّد في الصِّحاحِ فقالَ: لتَتَدرَّأَ بها من بَرْدِ الشَّمالِ. وقالَ ثَعْلَب: العُنَّةُ: الحَظِيرَةُ تكونُ على بابِ الرَّجُلِ فيكون فيها إبِله وغَنَمه.

ومِن كَلامِهم: لا يَجْتَمِع اثْنان في عُنَّةٍ؛ الجمع: عُنَنٌ، كصُرَدٍ وعِنانٌ: مِثْلُ جِبالٍ، كقُبَّةٍ وقِبابٍ؛ قالَ الأعْشى:

تَرَى اللّحْمَ من ذابِلٍ قد ذَوَى *** ورَطْبٍ يُرَفّعُ فَوْقَ العُنَنْ

والعُنَّةُ: دِقْدانُ القِدْرِ.

قالَ شيْخُنا، رحِمَه الله تعالى: الدِّقْدانُ لا ذِكْرَ له في هذا الكتابِ على جهَةِ الأَصالَةِ ولا على جهَةِ الاسْتِطْرادِ، قيلَ: ولعلَّ المُرادُ به الغَلَيان ا ه.

* قلْتُ: وهذا رجمٌ بالغيبِ وقَوْلٌ في اللّغَةِ بالقِياسِ، وهي مُعَرَّبَة فارِسِيَّتُها ديك دان اسمٌ لمَا يُنْصَبُ عليه القِدْرُ، وَقَعَ تفْسِيرُها هكذا في المُحْكَم وغيرِهِ مِنَ الأُصُولِ؛ ومنه قوْلُ الشاعِرِ:

عَفَتْ غيرَ أنْآءٍ ومَنْصَبِ عُنَّةٍ *** وأَوْرَقَ من تحتِ الخُصاصَةِ هامِدُ

والعُنَّةُ: الحَبْلُ؛ كأنَّه يُشِيرُ بذلِكَ إلى قوْلِ البُشْتِيِّ حيثُ فَسَّرَ العُنَنَ في بيتِ الأعْشَى بحِبالٍ تُشَدُّ ويُلْقَى عليها القَدِيدُ.

وقد رَدَّ عليه الأزْهرِيُّ وقالَ: الصَّوابُ في العُنَّةِ والعُنَنِ ما قالَهُ الخَلِيلُ وهو الحَظِيرَةُ؛ قالَ: ورأَيْتُ حَظِيرَاتِ الإبِلِ في البادِيَةِ يسمُّونَها عُنَتًا لاعْتِنانِها في مَهَبِّ الشَّمالِ لتَقِيها بَرْدَ الشَّمالِ، قالَ ورأَيْتُهم يَشُرُّونَ اللّحْمَ المُقَدَّدَ فوْقَها إذا أَرادُوا تَجْفيفَه.

قالَ ولسْتُ أَدْرِي عمَّن أَخَذَ البُشْتِيُّ ما قالَ في العُنَّةِ إنَّه الحَبْلُ الذي يُمَدُّ، ومَدُّ الحَبْلِ مِن فِعْلِ الحاضِرَةِ، قالَ: وأُرَى قائِلَه رأَى فُقراءَ الحَرَمِ يَمُدُّونَ الحِبالَ بمِنًى فيُلْقُون عليها لحُومَ الأضاحِي والهَدْي التي يُعْطَوْنَها، ففَسَّر قوْلَ الأعْشى بمَا رأَى، ولو شاهَدَ العَرَبَ في بادِيَتِها لَعَلِمَ أنَّ العُنَّةَ هي الحِظارُ مِن الشَّجَرِ.

والعُنَّةُ: مِخْلافٌ باليمنِ؛ واسمُ رجُلٍ نُسِبَ إليه المِخْلافُ المَذْكورُ.

والعَنانُ، كسَحابٍ: السَّحابُ؛ ومنه الحدِيثُ: «لو بَلَغَتْ خَطِيئتُه عَنانَ السَّماءِ»، وقيَّدَه بعضٌ بالمُعْتَرضِ في الأُفُقِ؛ أَو التي تُمْسِكُ الماءَ، واحِدَتُه بهاءٍ.

قالَ شيْخُنا، رحِمَه الله تعالَى: قوْلُه هذا يُنافِي قوْلَه أَوَّلًا أَو التي، فكانَ الأَوْلى واحِدَتها، وإرادة واحِد اللفْظِ عنانة بعيد.

وفي حدِيثِ ابنِ مَسْعودٍ، رضِيَ الله تعالى عنه: كان في أَرضٍ له إذ مَرَّتْ به عَنَانَةٌ تَرَهْيَأْ، أي سَحابَة.

وعَنانُ: وادٍ بدِيارِ بَنِي عامِرٍ، أَعْلاهُ لبَني جَعْدَةَ وأَسْفَلُهُ لبَنِي قُشَيْرٍ.

* قلْتُ: الصَّوابُ فيه ككتاب، وهكذا ضَبَطَه نَصْر في مُعْجَمِهِ وتَبِعَه ياقوتُ، وقد نبَّهنا عليه آنِفًا.

والأَعْنانُ: أَطرافُ الشَّجَرِ ونَواحِيه.

والأَعْنانُ مِن الشَّياطِينِ: أَخْلاقُها.

وفي الحدِيثِ: «لا تُصَلّوا في أَعْطَانِ الإبِلِ لأنَّها خُلِقَتْ مِن أَعْنانِ الشَّياطِينِ.

وفي حدِيثٍ آخر: سُئِلَ عن الإبِلِ فقالَ: أَعْنانُ الشَّياطِينِ؛ أَرادَ أَنَّها على أخْلاقِ الشَّياطِينِ، وحَقِيقةُ الأَعْنانِ النَّواحِي.

قالَ ابنُ الأثيرِ، رحِمَه الله تعالَى: كأنَّه قالَ كأنَّها لكثْرَةِ آفاتِها مِن نواحِي الشَّياطِينِ في أَخلاقِها وطبائِعِها.

والأَعْنانُ من السَّماءِ: نَواحِيها. وقيلَ: صَفائِحُها وما اعْتَرَضَ مِن أَقْطارِها كأَنَّه جَمْعُ عَنَنٍ أَو عنّ؛ وبه رُوِي أَيْضًا الحدِيثُ المَذْكورُ: لو بَلَغَتْ خَطِيئتُه أَعْنانَ السماءِ.

قالَ يونس بنُ حبيبٍ: أَعْنانُ كلِّ شي‌ءٍ نَواحِيَه.

وقالَ أَيْضًا: ليسَ لمنْقُوصِ البيانِ بَهاءٌ ولو حَكَّ بيافُوخِه أَعْنانَ السماءِ؛ والعامَّةُ تقولُ: عَنان السماءِ.

وقالَ غيرُهُ عِنانُها، بالكسْرِ: ما عَنَّ، أي بدَا لَكَ منها إذا نَظَرْتَها.

* قلْتُ: الصَّوابُ فيه عَنان بالفتْحِ كما صرَّحَ به غيرُ واحِدٍ. وكذا في عَنانِ الدَّارِ، وقد نبَّه على الأوّل شيْخُنا رحِمَه الله تعالى.

والعَنانُ مِن الدَّارِ: جانِبُها الذي يَعُنُّ لك أي يَعْرِضُ.

وعُنْوانُ الكِتابِ وعُنْيانُهُ، بضمِّهما، بقَلْبِ الواوِ في الثانِيَةِ ياءً، ويُكْسَرانِ.

قالَ اللّيْثُ: والعُلْوانُ لُغَةٌ غيرُ جَيِّدةٍ.

والذي يُفْهَم مِن سِياقِ ابنِ سِيْدَه أنَّ العِنْوانَ بالضمِّ والكَسْر، وأَمَّا العِنْيان فبالكَسْر فقط؛ قالَ أبو داود:

لمن طَلَلٌ كعُنْوانِ الكِتابِ *** ببَطْنِ أُواقَ أَو قَرَنِ الذُّهابِ؟

وقالَ أَبو الأَسْودِ الدُّؤَليُّ:

نَظَرْتُ إلى عِنْوانِه فنبَذْتُه *** كنَبْذِكَ نَعْلًا أَخْلَقتْ مِن نِعالِكا

سُمِّيَ به لأنَّهُ يَعِنُّ له، أي الكِتابِ، مِن ناحِيَتَيْه، أي يَعْرضُ، وأَصْلُه عُنَّانٌ، كرُمَّانٍ، فلمَّا كَثُرَتِ النُّونات قُلِبَتْ إحْداها واوًا؛ ومَن قالَ عُلْوانُ الكِتابِ جَعَلَ النُّون لامًا لأنَّه أَخَفّ وأَظْهَر مِن النّونِ.

ويقالُ للرَّجُل الذي يُعَرِّضُ ولا يُصَرِّحُ: قد جَعَلَ كذا وكذا عِنْوانًا لحاجَتِه؛ قالَ الشاعِرُ:

وتَعْرِفُ في عِنْوانِها بعضَ لَحْنِها *** وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهِيا

قالَ ابنُ بَرِّي: وكُلَّمَا اسْتَدْلَلْتَ بشي‌ءٍ يُظْهِرُكَ على غيرِهِ فَعُنْوانٌ له؛ كما قالَ حَسَّان يَرْثي عُثْمانَ، رضِيَ الله تعالى عنهما:

ضَحّوا بأَشْمطَ عُنوانُ السُّجودِ به *** يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنا

قالَ ابنُ بَرِّي: ومِن العُنْوان بمعْنَى الأَثَر قَوْل سَوَّارِ بنِ المُضرِّبِ:

وحاجةٍ دُونَ أُخرى قد سنَحْتُ بها *** جعَلْتُها للتي أَخْفَيْت عُنوانا

وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنًّا، وعَنَّنَه تَعْنِينًا وهذه عن اللّحْيانيّ، وعَنْوَنَهُ وعَلْوَنَهُ، وعَنَّاه يُعَنِّيه وهذه عن اللّحْيانيّ أَيْضًا، قالَ: أَبْدلُوا من إحْدى النّوناتِ ياءً؛ كَتَبَ عُنوانَه.

واعْتَنَّ ما عندَ القوْمِ: أي أُعْلِمَ بخَبَرِهِم.

وعَنْعَنَةُ تَمِيمٍ: إبْدَالُهُم العَيْنَ من الهمزةِ يَقُولُونَ عَنْ مَوْضِعَ أن، وأَنْشَدَ يَعْقوب:

فلا تُلْهِكَ الدنيا عَنِ الدِّينِ واعْتَمِلْ *** لآخرةٍ لا بُدَّ عنْ سَتَصِيرُها

يُريدُ: أنْ.

وقالَ ذُو الرُّمَّة:

أَعَنْ تَرَسَّمْتَ من خَرْقاءَ مَنْزِلةً *** ماءُ الصَّبَابةِ من عَيْنيكَ مَسْجومُ

أَرادَ: أنْ.

قالَ الفرَّاءُ: لُغَةُ قُرَيْش ومن جاوَرَهُم أنَّ، وتَمِيمٌ وقَيْس وأَسَدٌ ومن جاوَرَهم يَجْعلونَ أَلِفَ أن إذا كانتْ مَفْتوحَة عَيْنًا، يَقُولُونَ: أَشْهَد عَنَّك رَسُولَ الله، فإذا كَسَرُوا رَجَعُوا إلى الألفِ.

وفي حدِيثِ قَيْلَةَ: «تَحْسَبُ عَنِّي نائِمَةً».

وفي حدِيثِ حُصَيْن بن مُشَمِّت: «أَخْبَرنا فلان عَنَّ فلانًا حدَّثَه»، أي أنَّ فلانًا.

قالَ ابنُ الأثيرِ، رحِمَه الله تعالى: كأنَّهم يَفْعلونَه لبَحَحٍ في أَصْواتِهم، والعَرَبُ تَقولُ: لأَنَّكَ ولَعَنَّك بمعْنَى لَعَلَّكَ.

قالَ ابنُ الأعرابيِّ: لَعَنَّك لبَنِي تَمِيمٍ، وبَنُو تَيْم الله بنِ ثَعْلَبَة يقُولُون: رَعَنَّك، ومِنَ العَرَبِ مَنْ يقول: رَغَنَّك ولَغَنَّك بمعْنَى لَعَلَّكَ وعَنَنْتُ اللِّجامَ وأعْنَنْتُه وعَنَّتْهُ: جَعَلْتُ له عِنانًا؛ وكذلِكَ عَنَّ دابَّتَه: إذا جَعَلَ له عِنانًا.

وعَنَنْتُ الفَرَسَ، بالتَّخْفيفِ وفي المُحْكَم بالتَّشْديدِ: حَبَسْتُه به كأَعْنَنْتُه.

وفي التَّهْذيبِ: أَعَنَّ الفارِسُ: إذا مَدَّ عِنانَ دابَّتِه ليَثْنِيَه عن السَّيْرِ، فهو مُعِنٌّ.

وعَنَنْتُ فلانًا: سَبَبْتُه.

ويقالُ: أَعْطَيْتُه عَيْنَ عُنَّةَ، بالضَّمِّ، غيرَ مُجْرى أَو قد يُجْرَى: أي خاصَّةً من بَيْنِ أَصْحابِهِ.

وهو مِن العنِّ بمعْنَى الاعْتِراضِ.

ورأَيْتُه عَيْنَ عُنَّةَ أي اعْتِراضًا في السَّاعَةِ مِن غيرِ أنْ أَطْلبَه وأَعْنَت بعُنَّةٍ لا أَدْري ما هي: أي تَعَرَّضْتُ لشي‌ءٍ لا أَعْرِفُهُ.

والعانُّ: الحَبْلُ الطَّويلُ الذي يَعْتَنُّ من صَوْبك ويَقْطَع عليك طَرِيقَك. يقالُ مَوْضِعُ كذا وكذا عانٌّ يَسْتَنُّ السَّابِلَةَ.

وعُنُّ، بالضَّمِّ: قَبِيلَةٌ مِن العَرَبِ.

وأَيْضًا: موضع؛ قالَ نَصْر: هو جَبَلٌ بالقُرْبِ مِن مران في طرِيقِ البَصْرَةِ إلى مكَّةَ.

ومِن المجازِ: هو عَنَّانٌ عن الخَيْرِ وكَرَّامٌ وخَنَّاسٌ، كشَدَّادٍ: أي بَطِي‌ءٌ عنه.

ومِنَ المجازِ: جارِيَةٌ مُعَنَّنَةُ الخَلْقِ، كمعَظَّمَةٍ: أي مَطْوِيَّتُه.

وفي الأساسِ: مَجْدولَةٌ جَدْلَ العِنانِ.

وعَنْ، مُخَفَّفَةٌ، على ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ: تكونُ حَرْفًا جارًّا ولها عشرةُ مَعانٍ:

الأوَّلُ: المُجاوَزَةُ، نحْوَ سافَرَ عن البَلَدِ، أي تَجاوَزَ عنه.

وكذا أَطْعَمَه عَنْ جُوعٍ: جَعَلَ الجُوعَ مُنْصرفًا به تارِكًا له، وقد جاوَزَه، وتقَعُ من مَوْقِعها، كقوْلِهِ تعالَى: {أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}.

وقالَ الرَّاغبُ، رحِمَه الله تعالى: عَنْ تَقْتَضِي مُجاوَزَة ما أُضِيفَت إليه نَحْو حدَّثْتُك عن فلانٍ، وأَطْعَمْته عن جُوْعٍ.

وقالَ النّحويُونَ: عَنْ وُضِعَ لمعْنَى ما عَدَاكَ وتَرَاخَى عنك. يقالُ: انْصَرفْ عَنِّي، وتَنحَّ عَنِّي.

الثاني: البَدَلُ نحْو قوْلِهِ تعالَى: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، أي بَدَل نَفْسٍ.

الثالِثُ: الاسْتِعْلاءُ، نحْوَ قوْلِهِ تعالى: فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أي على نَفْسِه.

ونَقَلَ الرَّاغِبُ عن أَبي محمدٍ البَصْرِيّ، رحِمَه الله تعالَى: عنْ يُسْتَعْمل أَعَمّ مِن على، لأنَّه يُسْتَعْمل في الجهاتِ السِتِّ، ولذلِكَ وَقَعَ موْقِعَ على في قوْلِ الشاعِرِ.

إذا رضيت عني كرام عشيرتي

قالَ: ولو قُلْت: أَطْعَمْته على جُوعٍ، وكُسَوْته على عرى لصَحّ.

قالَ: ومنه قَوْلُ ذي الإصْبَع العدوانيّ:

لاه ابنُ عمِّكَ لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ *** عَني ولا أَنْتَ دَيّاني فتَخْزُوني

أي لم تُفْضِلْ في حَسَبٍ على قالَهُ ابنُ السِّكِّيت.

الرّابعُ: التَّعْليلُ، نحْوَ قوْلِه تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّا عَنْ مَوْعِدَةٍ، أي إلَّا لمَوْعِدَةٍ، وقَوْلُ لبيدٍ، رضِيَ الله تعالى عنه:

لوِرْدٍ تَقْلِصُ الغِيطانُ عنه *** يَبُكُّ مَسافَةَ الخِمْسِ الكَمالِ

قالَ ابنُ السِّكِّيت: قوْلُه عنه أي مِن أَجْلِه.

الخامِسُ: مُرَادَفَةُ بَعْدَ نحْوَ قوْلِهِ تعالى: عَمّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ، أي بَعْدَ قَليلٍ؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:

ولقد شُبَّتِ الحُرُوبُ فما غَمَّرْتَ *** فيها إذ قَلَّصَتْ عن حِيالِ

قالَ: أي قلَّصَتْ بَعْدَ حِيالِها.

* قلْتُ: ومنه قوْلُه تعالَى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}، أي حالًا بَعْدَ حالٍ ومَنْزلَةً بعْدَ مَنْزلَةٍ.

وقوْلُهم: وَرِثَه كابِرًا عن كابِرٍ أي بعْدَ كابِرٍ، قالَهُ أَبو عليٍّ، وقد تقدَّمَ في القافِ، وقالَ الحارِثُ بنُ عَبَّاد:

قَرِّبا مَرْبَطَ النّعامَةِ مِنِّي *** لقِحَتْ حَرْبُ وائِلٍ عن حِيالِ

أي بعْدَ حِيالِ، وكذا قَوْلُ الطِّرمَّاح:

سَيَعْلمُ كُلُّهم أَني مُسِنٌّ *** إذا رَفَعُوا عِنانًا عن عِنانِ

أي بعْدَ عِنانٍ وسَيَأْتي قَريبًا إن شاءَ الله تعالى.

السادِسُ: الظَّرْفِيَّةُ، نحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

ولا تَكُ عن حَمْلِ الرِّباعة وانِيا

بدَلِيلِ قوْلِهِ تعالَى: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي، فإنّ في هنا للظَّرْفِيَّة، فحملَ عليه قَوْل الشاعِرِ كأَنَّه قالَ:

ولا تَكُ في حَمْل الرِّباعة وانِيا

السابعُ: مُرادَفَةُ مِنْ، نحْوَ قوْلِهِ تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، أي مِن عبادِهِ؛ عن أبي عُبَيْدَةَ.

قالَ الأزْهرِيُّ: وممَّا يقَعُ الفرْقُ فيه بَيْنَ مِنْ وعَنْ، أنّ مَنْ يُضافُ بها ما قَرُبَ مِنَ الأسْماءِ، وعن يُوصَلُ بها ما تَراخَى، كقوْلِكَ: سَمِعْتُ مِن فلانٍ حدِيثًا، وحدَّثنا عن فلانٍ حدِيثًا.

وقالَ الأصْمعيُّ: حدَّثنِي فلانٌ مِن فلانٍ، يُريدُ عنه؛ ولَهِيتُ مِن فلانٍ وعنه.

وقالَ الكِسائيُّ: لَهِيتُ عنه لا غَيْر؛ وقالَ: عنك جاء هذا، يُريدُ منك؛ وقالَ ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ:

أَفَعنْك لا بَرْقٌ كأَنَّ وَمِيضَهُ *** غابٌ تسَنَّمهُ ضِرامٌ مُوقَدُ؟

قالَ: يُريدُ أَمِنْك بَرْقٌ، ولا صِلَةٌ؛ رَوَى جميعَ ذلِكَ أَبو عبيْدَةَ عنهم.

الثامنُ: مُرادَفَةُ الباءِ، نحْوَ قوْلِه تعالَى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، أي بالهَوَى.

التاسعُ: الاسْتِعانَةُ، نحْوَ قوْلِهم: رَمَيْتُ عن القَوْسِ، أي به، كذا في النُّسخِ، والصَّوابُ: أي بها؛ أي لأنَّه بها قَذَفَ سَهْمَه عنها؛ قالَهُ ابنُ مالِكٍ، وغيرُهُ جَعَلَهُ للمجاوَزَةِ والتَّعْديَةِ.

العاشرُ: الزَّائِدَةُ للتَّعْويضِ عن أُخْرى مَحْذوفَةٍ، كقوْلِ الشَّاعِرِ:

أَتَجْزَعُ أن نَفْسٌ أَتاها حِمامُها *** فَهَلَّا التي عن بَيْنَ جَنْبَيْكَ تَدْفَعُ

أي تَدْفَعُ عن التي بَيْنَ جَنْبَيْك، فَحُذِفَتْ عن من أَوَّلِ المَوْصُولِ وزِيْدَتْ بَعْدَهُ، وقد تكونُ زائِدَةً لغيرِ التَّعْويضِ إذا اتْصَلَتْ بالضَّميرِ.

قالَ أبو زيْدٍ: العَرَبُ تزيدُ عَنْك، يقُولُونَ: خُذْ ذا عَنْك، المَعْنَى: خُذْ ذا، وعَنْك زيادِة؛ قالَ الجعْدِيُّ يخاطِبُ لَيْلَى الأَخْيَلِيَّة:

دَعي عنكِ تَشْتامَ الرجالِ وأَقْبِلي *** على أَزْلَعِيٍّ يَمْلأُ اسْتَكِ فَيْشَلا

وفي حدِيثِ اسْتِلام الرُّكْن الغَرْبي: «انْفُذْ عَنْك.

جاء تفْسِيرُه في الحدِيثِ أي دَعْه.

وتكونُ عَنْ مَصْدَريَّةَ، وذلِكَ في عَنْعَنَةِ تَمِيمٍ كقوْلِهم: أَعْجَبَنِي عن تَفْعَلَ، أي أنْ تَفْعَلَ.

وتكونُ «عن» اسْمًا بمعْنَى جانِبٍ، كقوْلِ الشاعِرِ:

مِنْ عَنْ يَمينِي مَرَّةً وأَمامِي

وكقوْلِهِ:

على عن يَمينِي مَرَّتِ الطَّيْرُ سُنَّحَا

قالَ الأزْهرِيُّ: قالَ المبرَّدُ: مِن وإلى وفي ورُبّ والكافُ الزائِدَةُ والباءُ الزائِدَةُ واللامُ الزائِدَةُ هي حُرُوفُ الإِضافَةِ التي تُضافُ بها الأسْماءُ أَو الأَفْعالُ إلى ما بَعْدها، فأمَّا ما وَضَعَه النّحويُّونَ نحْو: على وعَنْ وقَبْل وبَعْدُ وبَيْن وما كانَ مِثْل ذلِكَ فإنَّما هي أسْماءٌ؛ يقالُ: جِئْتُ مِن عِنْدِهِ، ومِن عليه، ومِن عنْ يَسارِهِ، ومِن عَنْ يمِينِه؛ وأَنْشَدَ للقطاميّ:

فقُلْتُ للرَّكْبِ لما أنْ عَلَا بِهِمُ *** مِنْ عَنْ يمينِ الحُبَيّا نظْرَةٌ قَبَلُ

* تَنْبيه*

يقالُ: جاءَنا الخَبَرُ عنِ النبيِّ، صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، فَتُخْفَض النُّونُ: ويقالُ: جاءَنا مِنَ الخَيْرِ ما أَوْجَبَ الشُّكْر، فتُفْتَح النُّونُ لأنَّ عن كانتْ في الأصْلِ عَنِي، ومن أَصْلُها مِنا فدَلَّتِ الفَتْحة على سُقُوطِ الألفِ، كما دلَّتِ الكَسْرَةُ في عن على سُقوطِ الياء.

وقالَ الزجَّاجُ في إعْرابِ من الوقف إلَّا أَنَّها فُتِحَتْ مع الأَسْماءِ التي يَدْخلُها الألِفُ واللامُ لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْن كقَوْلِك من الناسِ، النُّونُ مِن من ساكِنَة، والنُّونُ مِن الناس ساكِنَة، وكان في الأصْل أن تُكسَرَ لالْتِقاءِ السَّاكِنَيْن، ولكنَّها فُتِحَتْ لثقلِ اجْتِماع كَسْرَتَيْن، لو كانَ مِنَ الناسِ لثَقُلَ ذلك، وأَمَّا إعرابُ عن الناس فلا يَجوزُ فيه إلَّا الكَسْر، لأنَّ أَوَّل عن مَفْتوحَةٌ.

قالَ الأَزْهرِيُّ: والقَوْلُ ما قالَ الزجَّاجُ في الفرْقِ بَيْنهما.

* قلْتُ: وسَيَأْتي بعضُ ما يتعلَّقُ بذلِكَ في من إنْ شاءَ الله تعالى.* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ: الِعُنَّةُ، بالكسْرِ والضمِّ: الاعْتِراضُ بالفُضولِ.

والعُنُنُ، بضمَّتَيْن المُعْترِضُونَ بالفُضولِ، الواحِدُ عانٌّ وعَنُونٌ وأَيْضًا جَمْعُ العَنِين والمَعْنون.

يقالُ: عُنَّ الرَّجُلُ وعُنِّنَ وعُنِنَ وأُعْنِنَ، فهو عَنِينٌ مَعْنونٌ مُعَنٌّ مُعَنَّنٌ.

وفي المَثَلِ: مُعرّضٌ لعَنَنٍ لم يَعْنِه.

وامرأَةٌ مِعَنَّةٌ، بكسْرِ المِيمِ: مَجْدُولَةٌ غَيْر مُسْترْخِيَة البَطْنِ.

والعَنَنُ: الباطِلُ.

ومِن صفَةِ الدُّنْيا: العَنُونُ، لأنَّها تَتَعرَّضُ للناسِ، وفَعُولٌ للمُبالَغَةِ.

وأَعَنَّ عَنَنًا: إذا اعْتَرَضَ لك عن يمِينٍ أَو شمالٍ بمكْرُوهٍ؛ والعَنُّ: المَصْدَرُ؛ والعَنَنُ: الاسمُ، وهو المَوْضِعُ الذي يَعُنُّ فيه العانُّ.

وهو لَكَ بَيْنَ الأَوْبِ والعَنَنِ، أي بَيْنَ الطَّاعة والعِصْيان؛ قالَ ابنُ مُقْبِلٍ:

يُبْدِي صُدودًا ويُخْفي بَيْننا لَطَفًا *** يأْتي مَحارِمَ بينَ الأَوْبِ والعَنَن

والعانُّ مِن السَّحابِ: الذي يَعْترِضُ في الأُفُقِ.

والتَّعْنِينُ: الحَبْس في المُطْبَق الطَّويلِ.

وتَعَنَّنَ الرَّجُل: تَرَكَ النِّساءَ مِن غيرِ أنْ يكونَ عِنِّينًا لثأْرٍ يَطْلبُه؛ ومنه قَوْلُ وَرْقاءَ بن زهيرِ بنِ جَذِيمةَ:

تعَنَّنْتُ للموتِ الذي هو واقِعٌ *** وأَدركتُ ثأْرِي في نُمَيْرٍ وعامِرِ

قالَهُ في خالِدِ بنِ جَعْفرٍ بنِ كِلابٍ.

ويقالُ للشَّريفِ العَظِيم السُّودَد: إنَّه لطويلُ العِنانِ.

ويقالُ: إنَّه يأْخُذُ في كلِّ فَنِّ وعَنِّ وسَنِّ بمعْنًى واحِدٍ.

وفَرَسٌ قصيرُ العِنانِ: إذا ذُمَّ بقِصَرِ عُنُقِه، فإذا قالوا قَصِيرَ العِنانِ فهو مَدْحٌ، لأنَّه وُصِفَ حينَئِذٍ بسعَةِ جَحْفَلتِه.

ومَلأَ عِنانَ دابَّتِه إذا أَعْدَاهُ وحَمَلَهُ على الحُضْرِ الشَّديدِ.

وذَلَّ عِنانُ فلانٍ إذا انْقادَ.

وفلانٌ أَبِيُّ العِنان إذا كانَ مُمْتنعًا.

ويقالُ: أَلْقِ من عِنانِه أي رَفِّه عنه.

وهُما يَجْرِيان في عِنانٍ إذا أسْتَوَيا في فَضْلٍ أَو غيرِهِ.

وجَرَى الفَرَسُ عِنانًا أي شوطًا؛ ومنه قَوْلُ الطِّرمَّاح:

سَيَعْلَمُ كُلُّهم أَني مُسِنُّ *** إذا رَفَعُوا عِنانًا عن عِنانِ

أي شوطًا بعْدَ شَوْطٍ.

ويقالُ: اثْنِ عَليَّ عِنانَهُ، أي رُدَّه عَليَّ.

وثَنَيْتُ على الفرسِ عِنانَه إذا أَلْجَمْتُه؛ قالَ ابنُ مُقْبِلٍ يَذْكر فَرَسًا:

وحاوَطَني حتى ثَنَيْتُ عِنانَهُ *** على مُدْبِرِ العِلْباءِ، رَيَّانَ كاهِلُهْ

أي دَاوَرَني وعالَجَنِي، ومُدْبِرِ عِلْبائِه: عُنُقُه.

وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ: رُبَّ جَوادٍ قد عَثَرَ في اسْتِنانِه وكَبَا في عِنانِه وقَصَّرَ في مِيْدانِه.

وقالَ: الفرسُ يَجْرِي بعِتْقِه وعِرْقِه، فإذا وُضِعَ في المِقْوَسِ جَرَى بجَدِّ صاحبه؛ كبا في عِنانِه، أي عَثَرَ في شَوْطِه. والعِنانُ، بالكسْرِ: الحَبْلُ الطَّويلُ.

وعَنَّنَتِ المرْأَةُ شَعَرَها: شَكَّلَتْ بعضَه ببعضٍ.

وهو قَصِيرُ العِنانِ: أي قَليلُ الخيْرِ.

ويقالُ: هو كالمُهَدِّرِ في العُنَّةِ؛ يُضْرَبُ لمن يَتَهَدَّدُ ولا يُنَفِّذُ.

والعُنَّةُ، بالضمِّ: خيمةٌ يُسْتَظَلُّ بها تكونُ مِن ثمامٍ أَو أَغْصانٍ، عن ابنِ بَرِّي. وأَيْضًا: ما يَجْمَعُه الرَّجُلُ من قَصَبٍ أَو نَبْتٍ ليَعْلِفَه غَنَمَه.

يقالُ: جاءَ بعُنَّةٍ عَظِيمَةٍ.

ويقالُ: كنَّا في عُنَّةٍ من الكَلَأِ وفُنَّةٍ وثُنَّةٍ وعانِكَةٍ أي في كَلأٍ كَثيرٍ وخِصْبٍ.

والعَنَّةُ، بالفتْحِ: العَطْفَةُ؛ قالَ الشاعِرُ:

إذا انْصَرَفَتْ من عَنَّةٍ بعدَ عَنَّةٍ *** وجَرْسٍ على آثارِها كالمُؤَلَّبِ

وهو عَنَّانٌ على آنُفِ القوْمِ، كشَدَّادٍ، إذا كانَ سَبَّاقًا لهم.

ويقالُ للفَرَسِ ذو العِنانِ، ويُريدُونَ به الذَّلُولَ.

وجاءَ ثانِيًا من عِنانِه: إذا قَضَى وَطَرَه.

وامْتَلأَ عِنانُه: إذا بَلَغَ المَجْهودَ.

وعَنٌّ، بالفتْح والضمِ: قلت في دِيارِ خثْعَمَ؛ عن نَصْر، رحِمَه الله تعالَى.

وكزُبَيْرٍ: عُنَيْنُ بنُ سَلامان، بَطْنٌ مِن طيِّئٍ منهم: عَمْرُو بنُ المَسِيح أَرْمَى العَرَبِ.

وسنجرُ بنُ عبْدِ اللهِ العُنَينيُّ من مشايخِ الدِّمْياطيِّ.

وعَنانُ، كسَحابٍ: ابنُ عامِرٍ بنِ حَنْظَلَةَ في الأَوْسِ، كذا ضَبَطَه شباب وغيرُهُ.

وبالكسْرِ: محمدُ بنُ عِنانٍ العمْرِيُّ أَحدُ الأَوْلياءِ بمِصْرَ مِن المُتَأَخِّرينَ أَدْرَكَه الشَّعْرانيّ، وهو جَدُّ السادَةِ العنانية بمِصْرَ، وأَخُوه عبدُ القادِرِ جَدّ العنانية ببرهمتوش برِيفِ مِصْر.

وأبو المحاسِنِ محمدُ بنُ نَصْر الشاعِرُ المَشْهورُ في دَوْلةِ صَلاح الدِّينْ يوسف بن أَيُّوب يُعْرَفُ بابنِ عُنَيْنٍ، كزُبَيْرٍ، وله قصَّةٌ جَرَتْ مع بَني داود الأمير أشراف الصفراء، ذَكَرَه صاحِبُ عمْدَةِ الطالِبِ.

وعَنْعَنَةُ المحدِّثِين مأْخُوذَةٌ مِن عَنْعَنَةِ تَمِيمٍ، قيلَ: إنَّها مولَّدَةٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


188-تاج العروس (عيا)

[عيا]: ي عَيَّ الرَّجُلُ بالأَمْرِ، بالإِدْغامِ؛ وعَيِيَ، كرَضِيَ، بفَكِّه: عَجَزَ به؛ ولا يقالُ: أَعْيا به.

قالَ الجَوْهرِيُّ: والإِدْغامُ أَكْثَر.

وعَيِيَ عن حُجَّتِه وعَيَّ يَعْيَا عَيَّا، وأَعْيا عليه الأمْر. وتَعَايا واسْتَعْيا وتَعَيَّا: إذا لم يَهْتَدِ لِوَجْهِ مُرادِهِ أَو وَجْهِ عَمَلِهِ، أَو عَجَزَ عنه ولم يُطِقْ إحْكامَه؛ وهو عَيَّانُ، وقد عَيُوا بالتَّخْفِيفِ، ويقالُ أَيْضًا: عَيُّوا بالتَّشْديدِ؛ قال الشَّاعرُ:

عَيُّوا بأَمْرِهِم كما *** عَيَّتْ ببَيْضتِها الحَمامَهْ

وعَاياءُ، كذا في النسخِ ولعلَّه عَياياءُ، وعَيٌّ، على فَعْلٍ، وعَيِيٌّ، على فَعِيلٍ، والأوَّلُ أكْثَر، وجَمْعُه؛ نَسِي هنا اصْطِلاحَه وهو أَنْ يُشِيرَ للجَمْع بحرْفِ الجيمِ وسبحان مَنْ لا يَسْهُو؛ أَعْياءٌ وأَعْيِياءٌ، كأَشْرَافٍ وأَنْصِباء.

قال سِيْبَوَيْه: أَخْبَرَنا بهذه اللغَةِ يونس قالَ: وسَمِعْنا مِنَ العَرَبِ مَنْ يقولُ: أَعْيِياءُ وأَعْيِيَةٌ فيُبَيّن؛ كذا في الصِّحاح.

وعَيِيَ في المَنْطِقِ، كرَضِيَ، عِيًّا بالكسْرِ: حَصِرَ.

قالَ الجَوْهرِي: العِيُّ خِلافُ البَيانِ، وقد عَيَّ وعَيِيَ، فهو عيٌّ وعَيِيٌّ.

وقالَ الراغبُ: العيُّ عجزٌ يَلْحَقُ مَنْ تَوَلَّى الأمْرَ والكَلامَ.

وأَعْيا المَاشِي: كَلَّ، فهو مُعْيٍ، مَنْقُوصٌ، ولا تَقُلْ عَيَّانٌ؛ كما في الصّحاح.

وأَعْيا السَّيرُ البَعيرَ: أَكَلَّه، فهو يَتَعَدَّى ولا يتعَدَّى.

وإِبِلَ مَعايا ومَعايٍ، كِلاهُما جَمْع مُعْيٍ: أَي مُعْيِيَةٌ قد كلَّتْ مِن السَّيْرِ.

وفَحْلٌ عَياءٌ، كسَحابٍ، وعَياياءٌ؛ وعليه اقْتَصَر الجَوْهرِي؛ لا يَهْتَدِي للضِّرابِ؛ أَو الذي لم يَضْرِبْ قَطُّ ولم يُلْقِحْ؛ أَوِ الذي لا يُحْسِنُ أَنْ يَضْرِبَ؛ وكذا الرَّجُلُ يقالُ: رجُلٌ عَياياءُ؛ ومنه حديثُ أُمِّ زَرْع: «زَوْجِي عَياياءُ»، أَيْ عَيِيٌّ عاجِزٌ.

وفي الصِّحاح: رجُلٌ عَياياءٌ: إذا عَيَّ بالأمْرِ والمَنْطِقِ، الجمع: أعْياءٌ على حَذْف الزَّائِدِ، هذا إذا كانَ جَمْعًا للعَياياء، وأمَّا إذا كانَ جَمْعًا للعَياءِ كسَحابٍ، فلا يُحتاجُ إلى هذا القَيْد وهو الذي يُفْهَم من عِبارَةِ المُحْكم فإنَّه قالَ: وجَمَلٌ عَياءُ وجمالٌ أَعْياءُ.

وداءٌ عَياءٌ: لا يُبْرَأُ منه.

وفي الصِّحاح: صَعْبٌ لا دَواءَ له كأَنَّه أَعْيا الأطِبَّاء.

وأَعْياهُ الدَّاءُ: أَعْجَزَهُ عن مُداوَاتِهِ.

والمُعاياةُ: أنْ تَأْتِيَ بكَلامٍ لا يُهْتَدَى له كالتَّعْمِيَةِ والألْغازِ أَو بعَمَلٍ لا يُهْتَدَى لوَجْهِه. وتقولُ: إيَّاكَ ومَسائِلَ المُعاياةِ فإنَّها صَعْبةُ المُعاناةِ. وقد عَاياهُ مُعاياةً.

والأُعْيِيَّةُ، كأُثْفِيَّةٍ: ما عايَيْتَ به صاحِبَكَ مِثَال الأحْجِيَةِ.

وبَنُو عَياءٍ، كسَحابٍ: حَيٌّ من جَرْمٍ، والمُسَمَّى بجُرْمٍ عدَّةُ قَبائِلَ، منها: جَرْمُ قُضاعَةَ، وجَرْمُ بَجِيلَةَ، وجَرْمُ طَيِّي‌ءٍ، ولم أَجِدْ لبَنِي عَياءٍ ذِكْرًا في كتابٍ، والصحيحُ ما سَنُورِدُه في المُسْتدرَكاتِ قَرِيبًا.

وعَيْعايَةُ: حَيٌّ من عَدْوانَ قَيْس، والصَّوابُ عَيايَة، كما هو نصُّ التَّكْمِلةِ.

والمُعَيَّا، كمُعَظَّمٍ: موضع. وعَيايَةُ، كسَحابَةٍ: حَيٌّ، هو الذي تقدَّمَ ذِكْرُهُ.

وعَيِيتُه، كرَضِيتُه: جَهِلْتُه. يقالُ: لا يَعْياهُ أَحَدٌ؛ أَي لا يَجْهَلُه أَحدٌ، وأَصْلُه أن تَعْيا عن الإخْبارِ عنه إذا سُئِلْتَ جَهْلًا به.

والعَيُّ بنُ عَدْنانَ: أَخُو مَعَدِّ، كذا ضَبَطَه الصَّاغاني.

وهو في المقدّمَةِ الفاضِلِيَّة لابنِ الجواني النسَّابَة: الغنيُّ بنُ عَدْنان، هكذا هو مَضْبوطٌ بالغَيْن والنونِ على فَعِيلٍ، فانْظُرْ ذلكَ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

أَعْيا عليَّ الأَمْرُ وأَعْياني، وأَعْياني عَيَاؤُهُ؛ قالَ المَرَّارُ:

وأَعْيَتْ أَنْ تُجِيبَ رُقًى لرَاقِ

وأَنْشَدَ الجَوْهرِي لعَمْرو بنِ حسَّان:

فإنَّ الكُثْرَ أَعْياني قَديمًا *** ولم أُقْتِرْ لَدُنْ أَنِّي غُلامُ

وأَعْيا به بَعِيره وأَذَمَّ سَواءٌ، وهو يُعْيي كيُحْيي، ومنهم مَنْ أَدْغَمَ؛ قالَ الحُطَيْئةُ:

فكأنَّها بينَ النِّساء سَبيكَةٌ *** تَمْشِي بسُدَّة بَيْتها فتُعِيُّ

وفي المَثَلِ: أَعْيا مِن باقِلٍ.

والدَّاءُ العَياءُ: الحُمْقُ.

وأَعْيَيْتُه فأَعْيا: أَتْعَبْتُه فتَعِبَ؛ لازِمٌ متعدِّ.

وبَنُو أَعْيا: قَبيلَةٌ مِن أَسَدٍ، وهو فَقْعسُ وهُما ابْنا طَريفِ بنِ عَمْرِو بنِ الحرِثه بنِ ثَعْلبَةَ بنِ دُودانَ بنِ أَسَدٍ؛ والنِّسْبَةُ إليهم أَعْيَويٌّ؛ كذا نَصّ الصِّحاح.

وقالَ ابنُ الكَلْبي: أَعْيا هو الحارِثُ بنُ عَمْروِ بنِ طريفِ بنِ عَمْرِو بنِ قعين بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ دُودانَ، منهم فرْوَةُ بنُ حميضَةَ الشاعِرُ.

وسَمَّوا عُوَيانٌ، كأَنَّه مُصَغَّرُ عَيَّان للذي كَلَّ في المشْيِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


189-المصباح المنير (جمع)

جَمَعْتُ الشَّيْءَ جَمْعًا وَجَمَّعْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ وَالْجَمْعُ الدَّقَلُ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى التَّمْرِ الرَّدِيءِ وَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ لَوْنٍ مِنْ النَّخْلِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ.

وَالْجَمْعُ أَيْضًا الْجَمَاعَةُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَيُجْمَعُ عَلَى جُمُوعٍ مِثْلُ: فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَالْجَمَاعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيُقَالُ لِمُزْدَلِفَةَ جَمْعٌ إمَّا لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ بِهَا وَإِمَّا لِأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ بِحَوَّاءَ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ بِهِ وَضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ

وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عُقَيْلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ مِثْلُ: غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا وَجَمَّعَ النَّاسُ بِالتَّشْدِيدِ إذَا شَهِدُوا الْجُمُعَةَ كَمَا يُقَالَ عَيَّدُوا إذَا شَهِدُوا الْعِيدَ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ بِسُكُونِ الْمِيمِ فَاسْمٌ لِأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَأَوَّلُهَا يَوْمُ السَّبْتِ قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ أَخْبَرَنَا ثَعْلَبٌ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ أَوَّلُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ السَّبْتِ وَأَوَّلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْأَحَدِ هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ.

وَضَرَبَهُ بِجُمْعِ كَفِّهِ بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ مَقْبُوضَةً وَأَخَذَ بِجُمْعِ ثِيَابِهِ أَيْ بِمُجْتَمَعِهَا وَالْفَتْحُ فِيهِمَا لُغَةٌ وَفِي النَّوَادِرِ سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ يَقُولُ ضَرَبَهُ بِجِمْعٍ كَفِّهِ بِالْكَسْرِ.

وَمَاتَتْ الْمَرْأَةُ بِجُمْعٍ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ إذَا مَاتَتْ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلَّتِي مَاتَتْ بِكْرًا.

وَالْمَجْمَعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِثْلُ: الْمَطْلَعِ وَالْمَطْلَعُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى مَوْضِعِ الِاجْتِمَاعِ وَالْجَمْعُ الْمَجَامِعُ وَجُمَّاعُ النَّاسِ بِالضَّمِّ وَالتَّثْقِيلِ أَخْلَاطُهُمْ.

وَجِمَاعُ الْإِثْمِ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ جَمْعُهُ وَأَجْمَعْتُ الْمَسِيرَ وَالْأَمْرَ وَأَجْمَعْتُ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ عَزَمْتُ عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثٍ «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أَيْ مَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ فَيَنْوِيَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى الْأَمْرِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ وَاسْتَجْمَعُوا بِمَعْنَى تَجَمَّعُوا وَاسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ وَاجْتَمَعَتْ بِمَعْنَى حَصَلَتْ فَالْفِعْلَانِ عَلَى اللُّزُومِ وَجَاءَ الْقَوْمُ جَمِيعًا أَيْ مُجْتَمِعِينَ وَجَاءُوا أَجْمَعُونَ وَرَأَيْتُهُمْ أَجْمَعِينَ وَمَرَرْتُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ وَجَاءُوا بِأَجْمَعِهِمْ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقَدْ تُضَمُّ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ وَقَبَضْتُ الْمَالَ أَجْمَعَهُ وَجَمِيعَهُ فَتُؤَكِّدُ بِهِ كُلَّ مَا يَصِحُّ افْتِرَاقُهُ حِسًّا أَوْ حُكْمًا وَتُتْبِعُهُ الْمُؤَكَّدَ فِي إعْرَابِهِ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ التَّوْكِيدِ عَلَى تَقْدِيرِ عَامِلٍ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ فِي أَلْفَاظِ التَّوْكِيدِ أَنْ تُنْسَقَ بِحَرْفِ الْعَطْفِ فَلَا يُقَالُ جَاءَ زَيْدٌ نَفْسُهُ وَعَيْنُهُ لِأَنَّ مَفْهُومَهَا غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى مَفْهُومِ الْمُؤَكَّدِ وَالْعَطْفُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْمُغَايَرَةِ بِخِلَافِ الْأَوْصَافِ حَيْثُ يَجُوزُ جَاءَ زَيْدٌ الْكَاتِبُ وَالْكَرِيمُ فَإِنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ زَائِدٌ عَلَى ذَاتِ الْمَوْصُوفِ فَكَأَنَّهَا غَيْرُهُ.

وَفِي حَدِيثٍ «فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعِينَ» فَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ لِأَنَّ أَلْفَاظَ التَّوْكِيدِ مَعَارِفُ وَالْحَالُ لَا تَكُونُ إلَّا نَكِرَةً وَمَا جَاءَ مِنْهَا مَعْرِفَةً فَمَسْمُوعٌ وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِالنَّكِرَةِ وَالْوَجْهُ فِي الْحَدِيث فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَتَمَسَّكَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالنَّقْلِ.

وَجَامِعَةً فِي قَوْلِ الْمُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً حَالٌ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَى عَلَيْكُمْ الصَّلَاةَ فِي حَالِ كَوْنِهَا جَامِعَةً

النَّاسَ وَهَذَا كَمَا قِيلَ لِلْمَسْجِدِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ الْجَامِعُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ.

وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ أَيْ كَانَ كَلَامُهُ قَلِيلَ الْأَلْفَاظِ كَثِيرَ الْمَعَانِي وَحَمِدْتُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَيْ بِكَلِمَاتٍ جَمَعَتْ أَنْوَاعَ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


190-المصباح المنير (حرر)

الْحِرُّ بِالْكَسْرِ فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَالْأَصْلُ حِرْحٌ فَحُذِفَتْ الْحَاءُ الَّتِي هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ ثُمَّ عُوِّضَ عَنْهَا رَاءٌ وَأُدْغِمَتْ فِي عَيْنِ الْكَلِمَةِ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُصَغَّرُ عَلَى حُرَيْحٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَحْرَاحٍ وَالتَّصْغِيرُ وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ يَرُدَّانِ الْكَلِمَةَ إلَى أُصُولِهَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ يَدٍ وَدَمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْوِيضٍ قَالَ الشَّاعِرُ

كُلُّ امْرِئٍ يَحآمِي حِرَه *** أَسْوَدَهُ وَأَحْمَرَهُ.

وَالْحُرُّ بِالضَّمِّ مِنْ الرَّمْلِ مَا خَلَصَ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ وَالْحُرُّ مِنْ الرِّجَالِ خِلَافُ الْعَبْدِ مَأْخُوذٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَصَ مِنْ الرِّقِّ وَجَمْعُهُ أَحْرَارٌ وَرَجُلٌ حُرٌّ بَيِّنُ الْحُرِّيَّةِ.

وَالْحَرُورِيَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَحَرَّ يَحَرُّ مِنْ بَابِ تَعِبْ حَرَارًا بِالْفَتْحِ صَارَ حُرًّا قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا هَذَا الْبِنَاءُ وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ حَرَّرْتُهُ تَحْرِيرًا إذَا أَعْتَقْتَهُ وَالْأُنْثَى حُرَّةٌ وَجَمْعُهَا حَرَائِرُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ

وَمِثْلُهُ شَجَرَةٌ مُرَّةٌ وَشَجَرٌ مَرَائِرُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا لِأَنَّ بَابَ فَعْلَةٍ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى فُعَلٍ مِثْلُ: غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ وَإِنَّمَا جُمِعَتْ حُرَّةٌ عَلَى حَرَائِرَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى كَرِيمَةٍ وَعَقِيلَةٍ فَجُمِعَتْ كَجَمْعِهِمَا وَجُمِعَتْ مُرَّةٌ عَلَى مَرَائِرَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى خَبِيثَةُ الطَّعْمِ فَجُمِعَتْ كَجَمْعِهَا.

وَالْحَرِيرَةُ وَاحِدَةُ الْحَرِيرِ وَهُوَ الْإِبْرَيْسَمُ وَسَاقُ حُرٍّ ذَكَرُ الْقَمَارِيِّ.

وَالْحَرُّ بِالْفَتْحِ خِلَافُ الْبَرْدِ يُقَالُ حَرَّ الْيَوْمُ وَالطَّعَامُ يَحَرُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَحَرَّ حَرًّا وَحُرُورًا مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَقَعَدَ لُغَةٌ وَالِاسْمُ الْحَرَارَةُ فَهُوَ حَارٌّ وَحَرَّتْ النَّارُ تَحَرُّ مِنْ بَابِ تَعِبَ تَوَقَّدَتْ وَاسْتَعَرَتْ.

وَالْحَرَّةُ بِالْفَتْحِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَالْجَمْعُ حِرَارٌ مِثْلُ: كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ.

وَالْحَرُورُ وِزَانُ رَسُولٍ الرِّيحُ الْحَارَّةُ قَالَ الْفَرَّاءُ تَكُونُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَخْبَرَنَا رُؤْبَةُ أَنَّ الْحَرُورَ بِالنَّهَارِ وَالسَّمُومَ بِاللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْحَرُورُ وَالسَّمُومُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْحَرُورُ مُؤَنَّثَةٌ وَقَوْلُهُمْ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا أَيْ وَلِّ صِعَابَ الْإِمَارَةِ مِنْ تَوَلَّى مَنَافِعَهَا وَالْحَرِيرُ الْإِبْرَيْسَمُ الْمَطْبُوخُ.

وَحَرُورَاءُ بِالْمَدِّ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْكُوفَةِ يُنْسَبُ إلَيْهَا فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ كَانَ أَوَّلُ اجْتِمَاعِهِمْ بِهَا وَتَعَمَّقُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ حَتَّى مَرَقُوا مِنْهُ وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَعْنَاهُ أَخَارِجَةٌ عَنْ الدِّينِ بِسَبَبِ التَّعَمُّقِ فِي السُّؤَالِ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


191-المصباح المنير (ضرس)

الضِّرْسُ مُذَكَّرٌ مَا دَامَ لَهُ هَذَا الِاسْمُ فَإِنْ قِيلَ فِيهِ سِنٌّ فَهُوَ مُؤَنَّثٌ فَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ لَفْظَيْنِ وَتَذْكِيرُ الْأَسْمَاءِ وَتَأْنِيثُهَا سَمَاعِيٌّ قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ الْأَنْيَابُ وَالْأَضْرَاسُ كُلُّهَا ذُكْرَانٌ وَقَالَ الزَّجَّاجُ الضِّرْسُ بِعَيْنِهِ مُذَكَّرٌ لَا يَجُوزُ تَأْنِيثُهُ فَإِنْ رَأَيْتَهُ فِي شِعْرٍ مُؤَنَّثًا فَإِنَّمَا يُعْنَى بِهِ السِّنُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الضِّرْسُ مُذَكَّرٌ وَرُبَّمَا أَنَّثُوهُ عَلَى مَعْنَى السِّنِّ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ التَّأْنِيثَ وَجَمْعُهُ أَضْرَاسٌ وَرُبَّمَا قِيلَ ضُرُوسٌ مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ وَحُمُولٍ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


192-لسان العرب (حبب)

حبب: الحُبُّ: نَقِيضُ البُغْضِ.

والحُبُّ: الودادُ والمَحَبَّةُ، وَكَذَلِكَ الحِبُّ بِالْكَسْرِ.

وحُكِي عَنْ خَالِدِ بْنِ نَضْلَة: مَا هَذَا الحِبُّ الطارِقُ؟ وأَحَبَّهُ فَهُوَ مُحِبٌّ، وَهُوَ مَحْبُوبٌ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ هَذَا الأَكثر، وَقَدْ قِيلَ مُحَبٌّ، عَلَى القِياس.

قَالَ الأَزهري: وَقَدْ جَاءَ المُحَبُّ شَاذًّا فِي الشِّعْرِ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

وَلَقَدْ نَزَلْتِ، فَلَا تَظُنِّي غيرَه، ***مِنِّي بِمَنْزِلةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ

وَحَكَى الأَزهري عَنِ الفرَّاءِ قَالَ: وحَبَبْتُه، لُغَةٌ.

قَالَ غَيْرُهُ: وكَرِهَ بعضُهم حَبَبْتُه، وأَنكر أَن يَكُونَ هَذَا البيتُ لِفَصِيحٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَيْلانَ بْنِ شُجاع النَّهْشَلِي:

أُحِبُّ أَبا مَرْوانَ مِنْ أَجْل تَمْرِه، ***وأَعْلَمُ أَنَّ الجارَ بالجارِ أَرْفَقُ

فَأُقْسِمُ، لَوْلا تَمْرُه مَا حَبَبْتُه، ***وَلَا كانَ أَدْنَى مِنْ عُبَيْدٍ ومُشْرِقِ

وَكَانَ أَبو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ يَرْوِي هَذَا الشِّعْرَ: وَكَانَ عِياضٌ مِنْهُ أَدْنَى ومُشْرِقُ

وَعَلَى هَذِهِ الروايةِ لَا يَكُونُ فِيهِ إِقْوَاءٌ.

وحَبَّه يَحِبُّه، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ مَحْبُوبٌ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا شَاذٌّ لأَنه لَا يأَتي فِي الْمُضَاعَفِ يَفْعِلُ بِالْكَسْرِ، إِلَّا ويَشرَكُه يَفْعُل بِالضَّمِّ، إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، مَا خَلا هَذَا الحرفَ.

وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: حَبَبْتُه وأَحْبَبْتُه بِمَعْنًى.

أَبو زَيْدٍ: أَحَبَّه اللَّهُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ.

قَالَ: وَمِثْلُهُ مَحْزُونٌ، ومَجْنُونٌ، ومَزْكُومٌ، ومَكْزُوزٌ، ومَقْرُورٌ، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ: قَدْ فُعِلَ بِغَيْرِ أَلف فِي هَذَا كُلِّهِ، ثُمَّ يُبْنَى مَفْعُول عَلَى فُعِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لَهُ، فَإِذَا قَالُوا: أَفْعَلَه اللَّهُ، فَهُوَ كلُّه بالأَلف؛ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنْ بَنِي سُلَيْم: مَا أَحَبْتُ ذَلِكَ، أَي مَا أَحْبَبْتُ، كَمَا قَالُوا: ظَنْتُ ذَلِكَ، أَي ظَنَنْتُ، وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ ظَلْتُ.

وَقَالَ:

فِي ساعةٍ يُحَبُّها الطَّعامُ أَي يُحَبُّ فِيهَا.

واسْتَحَبَّه كأَحَبَّه.

والاسْتِحْبابُ كالاسْتِحْسانِ.

وَإِنَّهُ لَمِنْ حُبَّةِ نَفْسِي أَي مِمَّنْ أُحِبُّ.

وحُبَّتُك: مَا أَحْبَبْتَ أَن تُعْطاهُ، أَو يَكُونَ لَكَ.

واخْتَرْ حُبَّتَك ومَحَبَّتَك مِنَ النَّاسِ وغَيْرِهِم أَي الَّذِي تُحِبُّه.

والمَحَبَّةُ أَيضًا: اسْمٌ للحُبِّ.

والحِبابُ، بِالْكَسْرِ: المُحابَّةُ والمُوادَّةُ والحُبُّ.

قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

فَقُلْتُ لقَلْبي: يَا لَكَ الخَيْرُ، إنَّما ***يُدَلِّيكَ، للخَيْرِ الجَدِيدِ، حِبابُها

وَقَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:

إِنِّي بدَهْماءَ عَزَّ مَا أَجِدُ ***عاوَدَنِي، مِنْ حِبابِها، الزُّؤُدُ

وتَحَبَّبَ إِلَيْهِ: تَودَّدَ.

وامرأَةٌ مُحِبَّةٌ لزَوْجِها ومُحِبٌّ أَيضًا، عَنِ الفرَّاءِ.

الأَزهري: يُقَالُ: حُبَّ الشيءُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ، ثُمَّ لَا يَقُولُونَ: حَبَبْتُه، كَمَا قَالُوا: جُنَّ فَهُوَ مَجْنُون، ثُمَّ يَقُولُونَ: أَجَنَّه اللهُ.

والحِبُّ: الحَبِيبُ، مِثْلُ خِدْنٍ وخَدِينٍ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الحَبِيبُ يجيءُ تَارَةً بِمَعْنَى المُحِبِّ، كَقَوْلِ المُخَبَّلِ:

أَتَهْجُرُ لَيْلَى، بالفِراقِ، حَبِيبَها، ***وَمَا كَانَ نَفْسًا، بالفِراقِ، تَطِيبُ

أَي مُحِبَّها، ويجيءُ تَارَةً بِمَعْنَى المحْبُوب كَقَوْلِ ابْنِ الدُّمَيْنةِ:

وَإِنَّ الكَثِيبَ الفَرْدَ، مِن جانِبِ الحِمَى، ***إلَيَّ، وإنْ لَمْ آتهِ، لحَبِيبُ

أَي لمَحْبُوبٌ.

والحِبُّ: المَحْبُوبُ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حارِثةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُدْعَى: حِبَّ رَسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والأَنثى بالهاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أُسامةُ، حِبُّ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، » أَي مَحْبُوبُه، وَكَانَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحِبُّه كَثِيرًا.

وَفِي حَدِيثِ فاطِمَة، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا، قَالَ لَهَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ: «إِنَّها حِبَّةُ أَبِيكِ».

الحِبُّ بِالْكَسْرِ: المَحْبُوبُ، والأُنثى: حِبَّةٌ، وجَمْعُ الحِبِّ أَحْبابٌ، وحِبَّانٌ، وحُبُوبٌ، وحِبَبةٌ، وحُبٌّ؛ هَذِهِ الأَخيرة إِما أَن تَكُونَ مِنَ الجَمْع الْعَزِيزِ، وَإِمَّا أَن تَكُونَ اسْمًا للجَمْعِ.

والحَبِيبُ والحُبابُ بِالضَّمِّ: الحِبُّ، والأُنثى بالهاءِ.

الأَزهري: يُقَالُ للحَبِيب: حُبابٌ، مُخَفَّفٌ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: الحِبَّةُ والحِبُّ بِمَنْزِلَةِ الحَبِيبةِ والحَبِيب.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَنا حَبِيبُكم أَي مُحِبُّكم؛ وأَنشد:

ورُبَّ حَبِيبٍ ناصِحٍ غَيْرِ مَحْبُوبِ والحُبابُ، بِالضَّمِّ: الحُبُّ.

قَالَ أَبو عَطاء السَّنْدِي، مَوْلى بَنِي أَسَد:

فوَاللهِ مَا أَدْرِي، وإنِّي لصَادِقٌ، ***أَداءٌ عَراني مِنْ حُبابِكِ أَمْ سِحْرُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الرُّواة: مِن حِبابِكِ، بِكَسْرِ الحاءِ، وَفِيهِ وَجْهان: أَحدهما أَن يَكُونَ مَصْدَرَ حابَبْتُه مُحابَّةً وحِبابًا، وَالثَّانِي أَن يَكُونَ جَمْعَ حُبٍّ مِثْلَ عُشٍّ وعِشاشٍ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: مِنْ جَنابِكِ، بِالْجِيمِ وَالنُّونِ، أَي ناحِيَتكِ.

وَفِي حَدِيثِ أُحُد: «هُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه».

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ، أَراد أَنه جَبَلٌ يُحِبُّنا

أَهْلُه، ونُحِبُّ أَهْلَه، وَهُمُ الأَنصار؛ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ بَابِ المَجاز الصَّريح، أَي إنَّنا نحِبُّ الجَبلَ بعَيْنِهِ لأَنه فِي أَرْضِ مَن نُحِبُّ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «انْظُروا حُبّ الأَنصار التَّمرَ»، يُروى بِضَمِّ الحاءِ، وَهُوَ الِاسْمُ مِنَ المَحَبَّةِ، وَقَدْ جاءَ فِي بَعْضِ الرِّوايات، بِإِسْقَاطِ انظُروا، وَقَالَ: حُبّ الْأَنْصَارِ التمرُ، فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ بِالضَّمِّ كالأَوّل، وَحُذِفَ الْفِعْلُ وَهُوَ مُرَادٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، أَو عَلَى جَعْلِ التَّمْرِ نَفْسَ الحُبِّ مُبَالَغَةً فِي حُبِّهم إِياه، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الحاءُ مَكْسُورَةً، بِمَعْنَى الْمَحْبُوبِ؛ أي مَحْبُوبُهم التمرُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّمْرُ عَلَى الأَوّل، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ مَنْصُوبًا بالحُب، وَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَرْفُوعًا عَلَى خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ.

وَقَالُوا: حَبَّ بِفُلان، أَي مَا أَحَبَّه إِلَيَّ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَاهُ حَبُبَ بِفُلان، بِضَمِّ الباءِ، ثُمَّ سُكِّن وأُدغم فِي الثَّانِيَةِ.

وحَبُبْتُ إِلَيْهِ: صِرْتُ حَبِيبًا، وَلَا نَظِير لَهُ إِلَّا شَرُرْتُ، مِن الشَّرِّ، وَمَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ عَنْ يُونُسَ قَوْلُهُمْ: لَبُبْتُ مِنَ اللُّبِّ.

وَتَقُولُ: مَا كنتَ حَبيبًا، وَلَقَدْ حَبِبْتَ، بِالْكَسْرِ، أَي صِرْتَ حَبِيبًا.

وحَبَّذَا الأَمْرُ أَي هُوَ حَبِيبٌ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَعَلُوا حَبّ مَعَ ذَا، بِمَنْزِلَةِ الشيءِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ عِنْدَهُ اسْمٌ، وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِهِ، ولَزِمَ ذَا حَبَّ، وجَرَى كَالْمَثَلِ؛ والدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ فِي المؤَنث: حَبَّذا، وَلَا يَقُولُونَ: حَبَّذِه.

ومنهُ قَوْلُهُمْ: حَبَّذا زَيْدٌ، فَحَبَّ فِعْل ماضٍ لَا يَتصرَّف، وأَصله حَبُبَ، عَلَى مَا قَالَهُ الفرّاءُ، وَذَا فَاعِلُهُ، وَهُوَ اسْمٌ مُبْهَم مِن أَسْماءِ الإِشارة، جُعِلا شَيْئًا وَاحِدًا، فَصَارَا بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ يُرْفَع مَا بَعْدَهُ، وَمَوْضِعُهُ رَفْعٌ بالابْتداءِ، وَزَيْدٌ خَبَرُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ بَدَلًا مِن ذَا، لأَنّك تَقُولُ حَبَّذا امرأَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا لَقُلْتَ: حَبَّذِهِ المرأَةُ.

قَالَ جَرِيرٌ:

يَا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيَّانِ مِنْ جَبَلٍ، ***وحَبَّذا ساكِنُ الرَّيّانِ مَنْ كَانَا

وحَبَّذا نَفَحاتٌ مِنْ يَمانِيةٍ، ***تَأْتِيكَ، مِنْ قِبَلِ الرَّيَّانِ، أَحيانا

الأَزهري: وأَما قَوْلُهُمْ: حَبَّذَا كَذَا وَكَذَا، بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ، فَهُوَ حَرْفُ مَعْنىً، أُلِّفَ مِنْ حَبَّ وَذَا.

يُقَالُ: حَبَّذا الإِمارةُ، والأَصل حَبُبَ ذَا، فأُدْغِمَتْ إحْدَى الباءَين فِي الأُخْرى وشُدّدتْ، وَذَا إشارةٌ إِلَى مَا يَقْرُب مِنْكَ.

وأَنشد بَعْضُهُمْ:

حَبَّذا رَجْعُها إلَيها يَدَيْها، ***فِي يَدَيْ دِرْعِها تَحُلُّ الإِزارَا

كأَنه قَالَ: حَبُبَ ذَا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ ذَا، فقالَ هُوَ رَجْعُها يَدَيْهَا إِلَى حَلِّ تِكَّتِها أَي مَا أَحَبَّه، ويَدَا دِرْعِها كُمَّاها.

وَقَالَ أَبو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ: حَبَّذا كَلِمتان جُعِلَتا شَيْئًا وَاحِدًا، وَلَمْ تُغَيَّرا فِي تَثْنِيَةٍ، وَلَا جَمْعٍ، وَلَا تَأْنِيث، ورُفِع بِهَا الِاسْمُ، تَقُولُ: حَبَّذا زَيْدٌ، وحَبَّذا الزَّيْدانِ، وحَبَّذا الزَّيْدُونَ، وحَبَّذا هِنْد، وحَبَّذا أَنْتَ.

وأَنْتُما، وأَنتُم.

وحَبَّذا يُبتدأُ بِهَا، وَإِنْ قُلْتَ: زَيْد حَبَّذا، فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَهِيَ قَبِيحة، لأَن حَبَّذا كَلِمَةُ مَدْح يُبْتَدأُ بِهَا لأَنها جَوابٌ، وَإِنَّمَا لَمْ تُثَنَّ، وَلَمْ تُجمع، ولم تُؤَنَّثْ، لأَنك إِنَّمَا أَجْرَيْتَها عَلَى ذِكر شيءٍ سَمِعْته، فكأَنك قُلْتَ: حَبَّذا الذِّكْرُ، ذُكْرُ زَيْدٍ، فَصَارَ زيدٌ موضعَ ذِكْرِهِ، وصارَ ذَا مُشَارًا إِلَى الذِّكْرِيّةِ، والذِّكرُ مُذَكَّرُ.

وحَبَّذا فِي الحَقِيقةِ: فِعْلٌ واسْم، حَبَّ بِمَنْزِلَةِ نِعْم، وَذَا فَاعِلٌ، بِمَنْزِلَةِ الرَّجل.

الأَزهري قَالَ: وأَمَّا حَبَّذا، فَإِنَّهُ حَبَّ ذَا، فَإِذَا وَصَلْتَ رَفَعْتَ بِهِ فَقُلْتَ: حَبَّذا زَيْدٌ.

وحَبَّبَ إِلَيْهِ الأَمْرَ: جَعَلَهُ يُحِبُّه.

وَهُمْ يَتَحابُّون: أَي يُحِبُّ بعضُهم بَعْضًا.

وحَبَّ إلَيَّ هَذَا الشيءُ يَحَبُّ حُبًّا.

قَالَ سَاعِدَةُ:

هَجَرَتْ غَضُوبُ، وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، ***وعَدَتْ عَوادٍ، دُونَ وَلْيِكَ، تَشْعَبُ

وأَنشد الأَزهري:

دَعانا، فسَمَّانَا الشِّعارَ، مُقَدِّمًا ***وحَبَّ إلَيْنا أَن نَكُونَ المُقدَّما

وقولُ سَاعِدَةَ: وحَبَّ مَنْ يَتَجَنَّب أَي حَبَّ بِهَا إِلَيَّ مُتَجَنِّبةً.

وَفِي الصِّحَاحِ فِي هَذَا الْبَيْتِ: وحُبَّ مَنْ يَتَجَنَّبُ، وَقَالَ: أَراد حَبُبَ، فأَدْغَمَ، ونَقَل الضَّمَّةَ إِلَى الحاءِ، لأَنه مَدْحٌ، ونَسَبَ هَذَا القَوْلَ إِلَى ابْنِ السِّكِّيتِ.

وحَبابُكَ أَن يَكُونَ ذلِكَ، أَو حَبابُكَ أَن تَفْعَلَ ذَلِكَ أَي غايةُ مَحَبَّتِك؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَبْلَغُ جُهْدِكَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الحُبَّ؛ وَمِثْلُهُ: حماداكَ.

أَي جُهْدُك وغايَتُكَ.

الأَصمعي: حَبَّ بِفُلانٍ، أَي مَا أَحَبَّه إِلَيَّ وَقَالَ الفرَّاءُ: مَعْنَاهُ حَبُبَ بِفُلَانٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ، ثُمَّ أُسْكِنَتْ وأُدْغِمَتْ فِي الثَّانِيَةِ.

وأَنشد الفرَّاءُ:

وزَادَه كَلَفًا فِي الحُبِّ أَنْ مَنَعَتْ، ***وحَبَّ شيْئًا إِلَى الإِنْسانِ مَا مُنِعَا

قَالَ: وموضِعُ مَا، رفْع، أَراد حَبُبَ فأَدْغَمَ.

وأَنشد شَمِرٌ: ولَحَبَّ بالطَّيْفِ المُلِمِّ خَيالا

أَي مَا أَحَبَّه إليَّ، أَي أَحْبِبْ بِه والتَّحَبُّبُ: إظْهارُ الحُبِّ.

وحِبَّانُ وحَبَّانُ: اسْمانِ مَوْضُوعانِ مِن الحُبِّ.

والمُحَبَّةُ والمَحْبُوبةُ جَمِيعًا: مِنْ أَسْماءِ مَدِينةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَاهُمَا كُراع، لِحُبّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَصحابِه إيَّاها.

ومَحْبَبٌ: اسْمٌ عَلَمٌ، جاءَ عَلَى الأَصل، لِمَكَانِ الْعَلَمِيَّةِ، كَمَا جاءَ مَكْوَزةٌ ومَزْيَدٌ؛ وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى أَن يَزِنوا مَحْبَبًا بِمَفْعَلٍ، دُونَ فَعْلَلٍ، لأَنهم وَجَدُوا مَا تَرَكَّبَ مِنْ ح ب ب، وَلَمْ يَجِدُوا م ح ب، وَلَوْلَا هَذَا، لَكَانَ حَمْلُهم مَحْبَبًا عَلَى فَعْلَلٍ أَولى، لأَنّ ظُهُورَ التَّضْعِيفِ فِي فَعْلَل، هُوَ القِياسُ والعُرْفُ، كقَرْدَدٍ ومَهْدَدٍ.

وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:

يَشُجُّ بِهِ المَوْماةَ مُسْتَحْكِمُ القُوَى، ***لَهُ، مِنْ أَخِلَّاءِ الصَّفاءِ، حَبِيبُ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: حَبِيبٌ أَي رَفِيقٌ.

والإِحْبابُ: البُروكُ.

وأَحَبَّ البَعِيرُ: بَرَكَ.

وَقِيلَ: الإِحْبابُ فِي الإِبلِ، كالحِرانِ فِي الْخَيْلِ، وَهُوَ أَن يَبْرُك فَلَا يَثُور.

قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الْفَقْعَسِيُّ:

حُلْتُ عَلَيْهِ بالقَفِيلِ ضَرْبا، ***ضَرْبَ بَعِيرِ السَّوْءِ إذْ أَحَبَّا

القَفِيلُ: السَّوْطُ.

وَبَعِيرٌ مُحِبٌّ.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}؛ أَي لَصِقْتُ بالأَرض، لِحُبّ الخَيْلِ، حَتَّى فاتَتني الصلاةُ.

وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الإِنسان، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الإِبل.

وأَحَبَّ البعِيرُ أَيضًا إحْبابًا: أَصابَه كَسْرٌ أَو مَرَضٌ، فَلَمْ يَبْرَحْ مكانَه حَتَّى يَبْرأَ أَو يموتَ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: وَيُقَالُ للبَعِيرِ الحَسِيرِ: مُحِبٌّ.

وأَنشد يَصِفُ امرأَةً، قاسَتْ عَجِيزتها بحَبْلٍ، وأَرْسَلَتْ بِهِ إِلَى أَقْرانِها:

جَبَّتْ نِساءَ العالَمِينَ بالسَّبَبْ، ***فَهُنَّ بَعْدُ، كُلُّهُنَّ كالمُحِبّ

أَبو الْهَيْثَمِ: الإِحْبابُ أَن يُشْرِفَ البعيرُ عَلَى الْمَوْتِ مِن شِدَّةِ المَرض فَيَبْرُكَ، وَلَا يَقدِرَ أَن يَنْبَعِثَ.

قَالَ الرَّاجِزُ:

مَا كَانَ ذَنْبِي فِي مُحِبٍّ بارِك، ***أَتاهُ أَمْرُ اللهِ، وَهْوَ هالِك

والإِحْبابُ: البُرْءُ مِنْ كُلِّ مَرَضٍ ابْنُ الأَعرابي: حُبَّ: إِذَا أُتْعِبَ، وحَبَّ: إِذَا وقَفَ، وحَبَّ: إِذَا تَوَدَّدَ، واسْتحَبَّتْ كَرِشُ المالِ: إِذَا أَمْسَكَتِ الْمَاءَ وَطَالَ ظِمْؤُها؛ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ، إِذَا الْتَقَتِ الطَّرْفُ والجَبْهةُ، وطَلَعَ مَعَهُمَا سُهَيْلٌ.

والحَبُّ: الزرعُ، صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا، وَاحِدَتُهُ حَبَّةٌ؛ والحَبُّ مَعْرُوفٌ مُستعمَل فِي أَشياءَ جَمة: حَبَّةٌ مِن بُرّ، وحَبَّة مِن شَعير، حَتَّى يَقُولُوا: حَبَّةٌ مِنْ عِنَبٍ؛ والحَبَّةُ، مِنَ الشَّعِير والبُرِّ وَنَحْوِهِمَا، وَالْجَمْعُ حَبَّاتٌ وحَبٌّ وحُبُوبٌ وحُبَّانٌ، الأَخيرة نَادِرَةٌ، لأَنَّ فَعلة لَا تُجْمَعُ عَلَى فُعْلانٍ، إِلَّا بَعْدَ طَرْحِ الزَّائِدِ.

وأَحَبَّ الزَّرْعُ وأَلَبَّ: إِذَا دخَل فِيهِ الأُكْلُ، وتَنَشَّأَ فِيهِ الحَبُّ واللُّبُّ.

والحَبَّةُ السَّوْداءُ، والحَبَّة الخَضْراء، والحَبَّةُ مِنَ الشَّيْءِ: القِطْعةُ مِنْهُ.

وَيُقَالُ للبَرَدِ: حَبُّ الغَمامِ، وحَبُّ المُزْنِ، وحَبُّ قُرٍّ.

وَفِي صفتِه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبّ الغَمامِ

، يَعْنِي البَرَدَ، شَبَّه بِهِ ثَغْرَه فِي بَياضِه وصَفائه وبَرْدِه.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَهَذَا جابِرٌ بْنُ حَبَّةَ اسْمٌ للخُبْزِ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ.

وحَبَّةُ: اسْمُ امرأَةٍ؛ قَالَ:

أَعَيْنَيَّ ساءَ اللهُ مَنْ كانَ سَرَّه ***بُكاؤُكما، أَوْ مَنْ يُحِبُّ أَذاكُما

ولوْ أَنَّ مَنْظُورًا وحَبَّةَ أُسْلِما ***لِنَزْعِ القَذَى، لَمْ يُبْرِئَا لِي قَذاكُما

قَالَ ابْنُ جِنِّي: حَبَّةُ امرأَةٌ عَلِقَها رجُل مِنَ الجِنِّ، يُقَالُ لَهُ مَنْظُور، فَكَانَتْ حَبَّةُ تَتَطَبَّبُ بِمَا يُعَلِّمها مَنْظُور.

والحِبَّةُ: بُزورُ البقُولِ والرَّياحِينِ، وَاحِدُهَا حَبٌّ.

الأَزهري عَنِ الْكِسَائِيِّ: الحِبَّةُ: حَبُّ الرَّياحِينِ، وَوَاحِدُهُ حَبَّةٌ؛ وَقِيلَ: إِذَا كَانَتِ الحُبُوبُ مُخْتَلِفَةً مِنْ كلِّ شيءٍ شيءٌ، فَهِيَ حِبَّةٌ؛ وَقِيلَ: الحِبَّةُ، بِالْكَسْرِ: بُزورُ الصَحْراءِ، مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ؛ وَقِيلَ: الحِبَّةُ: نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي الحَشِيشِ صِغارٌ.

وَفِي حَدِيثِ أَهلِ النارِ: «فَيَنْبُتون كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيل السَّيْلِ»؛ قَالُوا: الحِبَّةُ إِذَا كَانَتْ حُبوب مُخْتَلِفَةٌ مِنْ كُلِّ شيءٍ، والحَمِيلُ: مَوْضِعٌ يَحْمِلُ فِيهِ السَّيْلُ، وَالْجَمْعُ حِبَبٌ؛ وَقِيلَ: مَا كان لهحَبٌّ مِنَ النَّباتِ، فاسْمُ ذَلِكَ الحَبِّ الحِبَّة.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحِبَّة، بِالْكَسْرِ: جميعُ بُزورِ النَّباتِ، وَاحِدَتُهَا حَبَّةٌ، بِالْفَتْحِ، عَنِ الْكِسَائِيِّ.

قَالَ: فأَما الحَبُّ فَلَيْسَ إِلَّا الحِنْطةَ والشَّعِيرَ، وَاحِدَتُهَا حَبَّةٌ، بِالْفَتْحِ، وَإِنَّمَا افْتَرَقا فِي الجَمْع.

الْجَوْهَرِيُّ: الحَبَّةُ: وَاحِدَةُ حَبِّ الحِنْطةِ، وَنَحْوِهَا مِنَ الحُبُوبِ؛ والحِبَّةُ: بَزْر كلِّ نَباتٍ يَنْبُتُ وحْدَه مِنْ غَيْرِ أَن يُبْذَرَ، وكلُّ مَا بُذِرَ، فبَزْرُه حَبَّة، بِالْفَتْحِ.

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الحِبَّةُ، بِالْكَسْرِ، مَا كَانَ مِن بَزْرِ العُشْبِ.

قَالَ أَبو زِيَادٍ: إِذَا تَكَسَّرَ اليَبِيسُ وتَراكَمَ، فَذَلِكَ الحِبَّة، رَوَاهُ عَنْهُ أَبو حَنِيفَةَ.

قَالَ: وأَنشد قَوْلَ أَبي النَّجْمِ، وَوَصَفَ إِبِلَه:

تَبَقَّلَتْ، مِن أَوَّلِ التَّبَقُّلِ، ***في حِبَّةٍ جَرْفٍ وحَمْضٍ هَيْكَلِ

قَالَ الأَزهري: وَيُقَالُ لِحَبّ الرَّياحِين: حِبَّةٌ، وَلِلْوَاحِدَةِ مِنْهَا حَبّةٌ؛ والحِبَّةُ: حَبُّ البَقْل الَّذِي ينْتَثِر، والحَبَّة: حَبّةُ الطَّعام، حَبَّةٌ مِنْ بُرٍّ وشَعِيرٍ وعَدَسٍ وأَرُزٍّ، وَكُلُّ مَا يأْكُله الناسُ.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ العربَ تَقُولُ: رَعَيْنا الحِبَّةَ، وَذَلِكَ فِي آخِرِ الصَّيْف، إِذَا هاجتِ الأَرضُ، ويَبِسَ البَقْلُ والعُشْبُ، وتَناثَرتْ بُزُورُها وَوَرَقُها، فَإِذَا رَعَتْها النَّعَم سَمِنَتْ عَلَيْهَا.

قَالَ: ورأَيتهم يُسَمُّونَ الحِبَّةَ، بَعْدَ الانْتثارِ، القَمِيمَ والقَفَّ؛ وتَمامُ سِمَنِ النَّعَمِ بَعْدَ التَّبَقُّلِ، ورَعْيِ العُشْبِ، يَكُونُ بِسَفِّ الحِبَّةِ والقَمِيم.

قَالَ: وَلَا يَقَعُ اسْمُ الحِبَّةِ، إِلَّا عَلَى بُزُورِ العُشْبِ والبُقُولِ البَرِّيَّةِ، وَمَا تَناثر مِنْ ورَقِها، فاخْتَلَطَ بِهَا، مِثْلَ القُلْقُلانِ، والبَسْباسِ، والذُّرَق، والنَّفَل، والمُلَّاحِ، وأَصْناف أَحْرارِ البُقُولِ كلِّها وذُكُورها.

وحَبَّةُ القَلْبِ: ثَمَرتُه وسُوَيْداؤُه، وَهِيَ هَنةٌ سَوْداءُ فِيهِ؛ وَقِيلَ: هِيَ زَنَمةٌ فِي جَوْفِه.

قَالَ الأَعشى:

فأَصَبْتُ حَبَّةَ قَلْبِها وطِحالَها الأَزهري: حَبَّةُ القَلْب: هِيَ العَلَقةُ السَّوْداء، الَّتِي تَكُونُ داخِلَ القَلْبِ، وَهِيَ حَماطةُ الْقَلْبِ أَيضًا.

يُقَالُ: أَصابَتْ فلانةُ حَبَّةَ قَلْبِ فُلان إِذَا شَعَفَ قَلْبَه حُبُّها.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الحَبَّةُ وَسَطُ القَلْبِ.

وحَبَبُ الأَسْنانِ: تَنَضُّدُها.

قَالَ طَرَفَةُ:

وَإِذَا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَبًا ***كَرُضابِ المِسْكُ بالماءِ الخَصِرْ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، وَقَالَ غَيْرُ الْجَوْهَرِيِّ: الحَبَبُ طَرائقُ مِن رِيقِها، لأَنّ قِلَّةَ الرِّيقِ تَكُونُ عِنْدَ تَغَيُّرِ الْفَمِ.

ورُضابُ المِسْكِ: قِطَعُه.

والحِبَبُ: مَا جَرَى عَلَى الأَسْنانِ مِنَ الماءِ، كقِطَعِ القَوارِير، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الخَمْرِ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ وأَنشد قَوْلَ ابْنِ أَحمر:

لَها حِبَبٌ يَرَى الرَّاؤُون مِنْهَا، ***كَمَا أَدْمَيْتَ، فِي القَرْوِ، الغَزالا

أَراد: يَرى الرَّاؤُون مِنْهَا فِي القَرْوِ كَمَا أَدْمَيْتَ الغَزالا.

الأَزهري: حَبَبُ الفَمِ: مَا يَتَحَبَّبُ مِنْ بَياضِ الرِّيقِ عَلَى الأَسْنانِ.

وحِبَبُ الْمَاءِ وحَبَبُه، وحَبابه، بِالْفَتْحِ: طَرائقُه؛ وَقِيلَ: حَبابُه نُفّاخاته وفَقاقِيعُه، الَّتِي تَطْفُو، كأَنَّها القَوارِيرُ، وَهِيَ اليَعالِيلُ؛ وَقِيلَ: حَبابُ الْمَاءِ مُعْظَمُه.

قَالَ"""" طَرفةُ:

يَشُقُّ حَبابَ الْمَاءِ حَيْزُومُها بِها، ***كَمَا قَسَمَ التُّرْبَ المُفايِلُ باليَدِ

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ المُعْظَمُ.

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الحَبَبُ: حَبَبُ الْمَاءِ، وَهُوَ تَكَسُّره، وَهُوَ الحَبابُ.

وأَنشد اللَّيْثُ:

كأَنَّ صلَا جهِيزةَ، حِينَ قامتْ، ***حَبابُ الْمَاءِ يَتَّبِعُ الحَبابا

ويُروى: حِينَ تَمْشِي.

لَمْ يُشَبِّهْ صَلاها ومَآكِمَها بالفَقاقِيع، وَإِنَّمَا شَبَّهَ مَآكِمَها بالحَبابِ، الَّذِي عَلَيْهِ، كأَنَّه دَرَجٌ فِي حَدَبةٍ؛ والصَّلا: العَجِيزةُ، وَقِيلَ: حَبابُ الْمَاءِ مَوْجُه، الَّذِي يَتْبَعُ بعضُه بَعْضًا.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي، وأَنشد شَمِرٌ:

سُمُوّ حَبابِ الْمَاءِ حَالًا عَلَى حالِ

قَالَ، وَقَالَ الأَصمعي: حَبابُ الْمَاءِ الطَّرائقُ الَّتِي فِي الْمَاءِ، كأَنَّها الوَشْيُ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:

كنَسْجِ الرِّيح تَطَّرِدُ الحَبابا وحَبَبُ الأَسْنان: تَنَضُّدها.

وأَنشد:

وَإِذَا تَضْحَكُ تُبْدِي حَبَبًا، ***كأَقاحي الرَّمْلِ عَذْبًا، ذَا أُشُرْ

أَبو عَمْرٍو: الحَبابُ: الطَّلُّ عَلَى الشجَر يُصْبِحُ عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ صِفةِ أَهل الجَنّةِ: «يَصِيرُ طَعامُهم إِلَى رَشْحٍ»، مثْلِ حَباب المِسْكِ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: الحَبابُ، بِالْفَتْحِ: الطَّلُّ الَّذِي يُصْبِحُ عَلَى النَّباتِ، شَبّه بِهِ رَشْحَهم مَجازًا، وأَضافَه إِلَى المِسْكِ ليُثْبِتَ لَهُ طِيبَ الرَّائحةِ.

قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ شبَّهه بحَباب الْمَاءِ، وَهِيَ نُفَّاخاتهُ الَّتِي تَطْفُو عَلَيْهِ؛ وَيُقَالُ لِمُعْظَم الْمَاءِ حَبابٌ أَيضًا، وَمِنْهُ حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: طِرْتَ بعُبابِها، وفُزْتَ بحَبابِها

، أَي مُعْظَمِها.

وحَبابُ الرَّمْلِ وحِبَبهُ: طَرائقُه، وَكَذَلِكَ هُمَا فِي النَّبِيذ.

والحُبُّ: الجَرَّةُ الضَخْمةُ.

والحُبُّ: الخابِيةُ؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هُوَ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الماءُ، فَلَمْ يُنَوِّعْه؛ قَالَ: وَهُوَ فارِسيّ مُعَرّب.

قَالَ، وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: أَصلُه حُنْبٌ، فَعُرِّبَ، والجَمْعُ أَحْبابٌ وحِبَبةٌ وحِبابٌ.

والحُبَّةُ، بِالضَّمِّ: الحُبُّ؛ يُقَالُ: نَعَمْ وحُبَّةً وكَرامةً؛ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ الحُبِّ والكَرامةِ: إنَّ الحُبَّ الخَشَباتُ الأَرْبَعُ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهَا الجَرَّةُ ذاتُ العُرْوَتَيْنِ، وَإِنَّ الكَرامةَ الغِطاءُ الَّذِي يُوضَعُ فوقَ تِلك الجَرّة، مِن خَشَبٍ كَانَ أَو مِنْ خَزَفٍ.

والحُبابُ: الحَيَّةُ؛ وَقِيلَ: هِيَ حَيَّةٌ لَيْسَتْ مِنَ العَوارِمِ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ الحُبابُ اسْمُ شَيْطانٍ، لأَنَّ الحَيَّةَ يُقال لَهَا شَيْطانٌ.

قَالَ:

تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرَمِيٍّ، كأَنَّه ***تَعَمُّجُ شَيْطانٍ بذِيِ خِرْوَعٍ، قَفْرِ

وَبِهِ سُمِّي الرَّجل.

وَفِي حَدِيثِ: «الحُبابُ شيطانٌ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لَهُ، ويَقَع عَلَى الحَيَّة أَيضًا، كَمَا يُقَالُ لَهَا شَيْطان، فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِيهِمَا.

وَقِيلَ: الحُبابُ حيَّة بِعَيْنِهَا، وَلِذَلِكَ غُيِّرَ اسمحُبابٍ، كَرَاهِيَةً لِلشَّيْطَانِ.

والحِبُّ: القُرْطُ مِنْ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْد: أَخبرنا أَبو حَاتِمٍ عَنِ الأَصمعي أَنه سأَل جَنْدَلَ بْنَ عُبَيْدٍ الرَّاعِي عَنْ مَعْنَى قَوْلِ أَبيه الرَّاعِي:

تَبِيتُ الحَيّةُ النَّضْناضُ مِنْهُ ***مَكانَ الحِبِّ، يَسْتَمِعُ السِّرارا

مَا الحِبُّ؟ فَقَالَ: القُرْطُ؛ فَقَالَ: خُذُوا عَنِ الشَّيْخِ، فَإِنَّهُ عالِمٌ.

قَالَ الأَزهريّ: وَفَسَّرَ غَيْرُهُ الحِبَّ فِي هَذَا الْبَيْتِ، الحَبِيبَ؛ قَالَ: وأُراه قَوْلَ ابْنِ الأَعرابي.

والحُبابُ، كالحِبِّ.

والتَّحَبُّبُ: أَوَّلُ الرِّيِّ.

وتَحَبَّبَ الحِمارُ وغَيْرُه: امْتَلأَ مِنَ الماءِ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرَى حَبَّبَ مَقُولةً فِي هَذَا المَعنى، وَلَا أَحُقُّها.

وشَرِبَتِ الإِبلُ حَتَّى حَبَّبَتْ: أَي تَمَلأَتْ رِيًّا.

أَبو عَمْرٍو: حَبَّبْتُه فتَحَبَّبَ، إِذَا مَلأْتَه للسِّقاءِ وغَيْرِه.

وحَبِيبٌ: قبيلةٌ.

قَالَ أَبو خِراش:

عَدَوْنا عَدْوةً لَا شَكَّ فِيها، ***وخِلْناهُمْ ذُؤَيْبةَ، أَو حَبِيبا

وذُؤَيْبة أَيضًا: قَبِيلة.

وحُبَيْبٌ القُشَيْرِيُّ مِنْ شُعَرائهم.

وذَرَّى حَبًّا: اسْمُ رَجُلٍ.

قَالَ:

إنَّ لَهَا مُرَكَّنًا إرْزَبَّا، ***كأَنه جَبْهةُ ذَرَّى حَبَّا

وحَبَّانُ، بِالْفَتْحِ: اسْمُ رَجل، مَوْضُوعٌ مِن الحُبِّ.

وحُبَّى، عَلَى وَزْنِ فُعْلى: اسْمُ امرأَة.

قَالَ هُدْبةُ بْنُ خَشْرمٍ:

فَما وَجَدَتْ وَجْدِي بِهَا أُمُّ واحِدٍ، ***وَلَا وَجْدَ حُبَّى بِابْنِ أُمّ كِلابِ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


193-لسان العرب (بجج)

بجج: بَجَّ الجُرْحَ والقُرْحَة يَبُجُّها بَجًّا: شَقَّها؛ قَالَ جُبَيْهَا الأَشجعيُّ فِي عنزٍ لَهُ مَنَحَهَا لِرَجُلٍ وَلَمْ يَرُدَّهَا:

فجاءَتْ، كأَنَّ القَسْوَرَ الجَوْنَ بَجَّها ***عَسالِيجُه، والثَّامِرُ المُتَناوِحُ

وكلُّ شَقٍّ بَجٌّ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

بَجَّ المَزاد مُوكَرًا مَوْفُورا

وَيُقَالُ: انْبَجَّتْ ماشيتُكَ مِنَ الكَلإِ إِذا فَتَقَهَا السِّمَنُ مِنَ العُشْبِ، فأَوْسَعَ خَوَاصِرَهَا؛ وَقَدْ بَجَّها الكَلأُ؛ وأَنشد بَيْتَ جُبَيْهَا الأَشجعيّ، وَهَذَا الْبَيْتُ أَورده الْجَوْهَرِيُّ: فجاءَت؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ لجاءَت، قَالَ: وَاللَّامُ فِيهِ جوابُ لَوْ فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ وَهُوَ:

فَلَوْ أَنها طافتْ بنَبْتٍ مُشَرْشَرٍ، ***نَفَى الدِّقَّ عَنْهُ جَدْبُه، فَهُوَ كالِحُ

قَالَ: والقَسْوَرُ ضَرْبٌ مِنَ النَّبْتِ، وَكَذَلِكَ الثَّامِرُ.

وَالْكَالِحُ: مَا اسْوَدَّ مِنْهُ.

وَالْمُتَنَاوِحُ: الْمُتَقَابِلُ.

يَقُولُ: لَوْ رَعَتْ هَذِهِ الشَّاةُ نَبْتًا أَيبسه الجدبُ قَدْ ذَهَبَ دِقُّه، وَهُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ الرَّاعِيَةُ، لجاءَت كأَنها قَدْ رَعَتْ قَسْوَرًا شَدِيدَ الخُضْرَةِ، فَسَمِنَتْ عَلَيْهِ حَتَّى شَقَّ الشحمُ جِلْدَها؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: ورأَيت بِخَطِّ الشَّيْخِ الْفَاضِلِ رَضِيُّ الدِّينِ الشَّاطِبِيُّ، صَاحِبُنَا، رَحِمَهُ اللَّهُ، مَا صُورَتُهُ: قَالَ أَبو الْحَسَنِ بْنُ سِيدَهْ أَخبرنا أَبو العلاءِ أَن الرِّقَّ ورَقُ الشَّجَرِ؛ وأَنشد بَيْتَ جُبَيْهَا الأَشجعي:

فَلَو أَنها قامَتْ بطُنْبٍ مُعَجَّمٍ، ***نَفى الجدبُ عَنْهُ رِقَّهُ، فَهُوَ كَالِحُ

قَالَ: هَكَذَا أَنشدنَاه رِقَّه، وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ الوَرَق، إِنما هُوَ فِي مَعْنَاهُ.

والطُّنْبُ: الْعُودُ الْيَابِسُ.

قَالَ: وَفِي الْجَمْهَرَةِ لِابْنِ دُرَيْدٍ: دِقُّ كلِّ شيءٍ دُونَ جِلِّه، وَهُوَ صِغارُه ورَدِيُّه.

ودِقُّ الشَّجَرِ: حشيشُه، وَقَالُوا: دِقُّه صغارُ وَرَقِه، وأَنشدوا بَيْتَ جُبَيْهَا: نَفَى الدِّقَّ عَنْهُ جَدْبُه، فهو كالح

والبَجُّ: الطعنُ يُخَالِطُ الْجَوْفَ وَلَا يَنْفُذُ؛ يُقَالُ: بَجَجْتُه أَبُجُّهُ بَجًّا أَي طَعَنْتُهُ؛ وأَنشد الأَصمعي لرؤْبة:

قَفْخًا، عَلَى الهامِ، وبَجًّا وَخْضا

ابْنُ سِيدَهْ: بَجَّه بَجًّا طَعَنَهُ؛ وَقِيلَ طَعَنَهُ فَخَالَطَتِ الطعنةُ جوفَه.

وبَجَّه بَجًّا: قَطَعَهُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ، وأَنشد:

بَجَّ الطبيبُ نائطَ المَصْفُور وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن اللَّهَ قَدْ أَراحكم مِنَ الشَّجَّة والبَجَّة؛ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: البَجَّةُ الفَصِيد الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تأْكُلُهُ فِي الأَزْمَةِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا، لأَن الفاصدَ يَشُقُّ العِرْقَ؛ وَفَسَّرَهُ ابْنُ الأَثير فَقَالَ: البَجُّ الطَّعْنُ غير النافذ، كانوا يَفْصِدُونَ عِرق الْبَعِيرِ ويأْخذون الدَّمَ، يتبلَّغون بِهِ فِي السَّنَةِ الْمُجْدِبَةِ، وَيُسَمُّونَهُ الْفَصِيدُ، سُمِّيَ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ البَجِّ؛ أَي أَراحكم اللَّهُ مِنَ الْقَحْطِ وَالضِّيقِ بِمَا فَتَحَ عَلَيْكُمْ مِنَ الإِسلام.

وبَجَّه بِالْعَصَا وَغَيْرِهَا بَجًّا: ضَرَبَهُ بِهَا عَنْ عِراضٍ، حَيْثُمَا أَصابت مِنْهُ.

وبَجَّهُ بِمَكْرُوهٍ وَشَرٍّ وَبَلَاءٍ: رَمَاهُ بِهِ.

والبَجَجُ: سَعَةُ الْعَيْنِ وضَخْمُها.

بَجَّ يَبَجُّ بَجَجًا، وَهُوَ بَجِيجٌ، والأُنثى بَجَّاءُ.

وفلانٌ أَبَجُّ الْعَيْنِ إِذا كَانَ واسعَ مَشَقِّ الْعَيْنِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

ومُخْتَلَقٍ لِلْمُلكِ أَبْيَضَ فَدْغَمٍ، ***أَشَمَّ أَبَجَّ العَين، كالقَمَرِ البَدْرِ

وعينٌ بَجَّاءُ: واسعةٌ.

والبُجُّ: فَرخُ الْحَمَامِ كالمُجِّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: زَعَمُوا ذَلِكَ؛ قَالَ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهَا.

والبَجَّةُ: صَنَمٌ كَانَ يُعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إِنَّ اللهَ قَدْ أَراحَكمْ مِنَ الشَّجَّةِ والبَجَّة.

وَرَجُلٌ بَجْباجٌ وبَجْباجَةٌ: بادِنٌ مُمْتَلِئٌ مُنْتَفِخٌ؛ وَقِيلَ: كَثِيرُ اللَّحْمِ غَلِيظُهُ.

وجاريةٌ بَجْباجَةٌ: سَمِينَةٌ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:

دارٌ لبَيْضاءَ حَصانِ السِّترِ، ***بَجْباجَةِ البَدْنِ، هَضِيمِ الخَصْرِ

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إِذا كَانَ الرَّجُلُ سَمِينًا ثُمَّ اضْطَرَبَ لَحْمُهُ، قِيلَ: رجلٌ بَجْباجٌ وبَجْباجَةٌ؛ قَالَ نَقَّادَةُ الأَسدي:

حَتَّى تَرى البَجْباجَةَ الضَّيَّاطا، ***يَمْسَحُ، لمَّا حالَفَ الإِغْباطا،

بالحَرْفِ مِنْ ساعِدِه، المُخاطا

الإِغباط: مُلَازَمَةُ الْغَبِيطِ وَهُوَ الرَّحْل.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: البَجْباجُ الضَّخْمُ؛ وأَنشد الرَّاعِي:

كأَنَّ مِنْطَقَها لِيثَتْ مَعاقِدُهُ ***بِواضِحٍ، مِنْ ذُرى الأَنْقاءِ، بَجْباجِ

مِنْطَقُها: إِزارها؛ يَقُولُ: كأَن إِزارها دِيرَ عَلَى نَقا رَمْلٍ، وَهُوَ الْكَثِيبُ.

وَرَمْلٌ بَجْباجٌ: مجتمعٌ ضَخْمٌ.

وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: بِرْذَوْنٌ بَجْباجٌ ضعيفٌ سريعُ العَرَق؛ وأَنشد:

فَلَيْسَ بِالْكَابِي وَلَا البَجْباجِ ابْنُ الأَعرابي: البُجُجُ الزِّقاق المُشَقَّقَة.

أَبو عَمْرٍو: حَبْلٌ جُباجِبٌ بُجابِجٌ: ضَخْمٌ.

والبَجْبَجَةُ: شيءٌ يَفْعَلُهُ الإِنسان عِنْدَ مُنَاغَاةِ الصَّبِيِّ بِالْفَمِ.

وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَن هَذَا البَجْباجَ النَّفَّاج لَا يَدْرِي أَيْنَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ»؛ مِنَ البَجْبَجَةِ الَّتِي تُفْعَل عِنْدَ مُناغاة الصَّبِيِّ.

وبَجْباجٌ فَجْفاجٌ: كَثِيرُ الْكَلَامِ.

والبَجْباجُ: الأَحمقُ.

والنَّفَّاج: المتكبر.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


194-لسان العرب (طنج)

طنج: الطُّنُوج: الكَراريس، وَلَمْ يُذْكَر لَهَا وَاحِدٌ؛ وَمِنْهُ مَا حَكَى ابْنُ جِنِّي قَالَ: أَخبرنا أَبو صَالِحٍ السَّلِيل بْنُ أَحمد بْنِ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبو عَبْدُ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْيَزِيدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ أَسد النُّوْشَجَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رَبَّانَ، قَالَ: أَخبرني رَجُلٌ عَنْ حمَّاد الرِّوَايَةِ، قَالَ: أَمر النُّعْمَانُ فَنُسِخَتْ لَهُ أَشعار الْعَرَبِ فِي الطُّنُوج، يَعْنِي الكَراريس، فكُتبت لَهُ ثُمَّ دَفَنها فِي قَصْرِهِ الأَبيض، فَلَمَّا كَانَ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبي عُبَيْد قِيلَ لَهُ: إِن تَحْتَ الْقَصْرِ كَنْزًا، فاحتفَرَه فأَخرج تِلْكَ الأَشعار، فَمِنْ ثَمَّ أَهل الْكُوفَةِ أَعلم بالأَشعار مِنْ أَهل الْبَصْرَةِ.

التَّهْذِيبُ فِي نَوَادِرِ الأَعراب: تَنَوَّع فِي الْكَلَامِ وتَطَنَّجَ وتَفَنَّنَ إِذا أَخذ فِي فُنون شَتَّى.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


195-لسان العرب (أمر)

أمر: الأَمْرُ: مَعْرُوفٌ، نَقِيضُ النَّهْيِ.

أَمَرَه بِهِ وأَمَرَهُ؛ الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ؛ وأَمره إِياه، علىحَذْفِ الْحَرْفِ، يَأْمُرُه أَمْرًا وإِمارًا فأْتَمَرَ أَي قَبِلَ أَمْرَه؛ وَقَوْلُهُ:

ورَبْرَبٍ خِماصِ ***يَأْمُرْنَ باقْتِناصِ

إِنما أَراد أَنهنَّ يُشَوِّقْنَ مَنْ رَآهُنَّ إِلى تَصَيُّدِهَا وَاقْتِنَاصِهَا، وإِلا فَلَيْسَ لهنَّ أَمر.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ}؛ الْعَرَبُ تَقُولُ: أَمَرْتُك أَن تفْعَل ولِتَفْعَلَ وبأَن تفْعَل، فَمَنْ قَالَ: أَمرتك بأَن تَفْعَلَ فَالْبَاءُ للإِلصاق وَالْمَعْنَى وَقَعَ الأَمر بِهَذَا الْفِعْلِ، وَمَنْ قَالَ أَمرتُك أَن تَفْعَلَ فَعَلَى حَذْفِ الْبَاءِ، وَمَنْ قَالَ أَمرتك لِتَفْعَلَ فَقَدْ أَخبرنا بِالْعِلَّةِ الَّتِي لَهَا وَقَعَ الأَمرُ، وَالْمَعْنَى أُمِرْنا للإِسلام.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَمْرُ اللهِ مَا وعَدهم بِهِ مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى كُفْرِهِمْ مِنْ أَصناف الْعَذَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ}؛ أَي جَاءَ مَا وَعَدْنَاهُمْ بِهِ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهارًا فَجَعَلْناها حَصِيدًا}؛ وَذَلِكَ أَنهم اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ واستبطؤوا أَمْرَ السَّاعَةِ، فأَعلم اللَّهُ أَن ذَلِكَ فِي قُرْبِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَدْ أَتى كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}؛ وَكَمَا قَالَ تعالى: {وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ.

وأَمرتُه بِكَذَا أَمرًا، وَالْجَمْعُ الأَوامِرُ.

والأَمِيرُ: ذُو الأَمْر.

والأَميرُ: الآمِر؛ قَالَ:

والناسُ يَلْحَوْنَ الأَمِيرَ، إِذا هُمُ ***خَطِئُوا الصوابَ، وَلَا يُلامُ المُرْشِدُ

وإِذا أَمَرْتَ مِنْ أَمَر قُلْتَ: مُرْ، وأَصله أُؤْمُرْ، فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُ الْكَلِمَةِ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ الأَصلية فَزَالَ السَّاكِنُ فَاسْتُغْنِيَ عَنِ الْهَمْزَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَدْ جاءَ عَلَى الأَصل.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ}؛ وَفِيهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ.

والأَمْرُ: واحدُ الأُمُور؛ يُقَالُ: أَمْرُ فلانٍ مستقيمٌ وأُمُورُهُ مستقيمةٌ.

والأَمْرُ: الْحَادِثَةُ، وَالْجَمْعُ أُمورٌ، لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها}؛ قِيلَ: مَا يُصلحها، وَقِيلَ: ملائكتَهَا؛ كُلُّ هَذَا عَنِ الزَّجَّاجِ.

والآمِرَةُ: الأَمرُ، وَهُوَ أَحد الْمَصَادِرِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى فاعِلَة كالعَافِيَةِ والعاقِبَةِ والجازيَةِ وَالْخَاتِمَةِ.

وَقَالُوا فِي الأَمر: أُومُرْ ومُرْ، وَنَظِيرُهُ كُلْ وخُذْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ؛ وَلَيْسَ بِمُطَّرِدٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ.

التَّهْذِيبُ: قَالَ اللَّيْثُ: وَلَا يُقَالُ أُومُرْ، وَلَا أُوخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أُوكُلْ، إِنما يُقَالُ مُرْ وكُلْ وخُذْ فِي الِابْتِدَاءِ بالأَمر اسْتِثْقَالًا لِلضَّمَّتَيْنِ، فإِذا تقدَّم قَبْلَ الْكَلَامِ واوٌ أَو فاءٌ قُلْتَ: وأْمُرْ فأْمُرْ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ}؛ فأَما كُلْ مَنْ أَكَلَ يَأْكُلُ فَلَا يَكَادُ يُدْخِلُون فِيهِ الهمزةَ مَعَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ، وَيَقُولُونَ: وكُلا وخُذَا وارْفَعاه فَكُلاه وَلَا يَقُولُونَ فَأْكُلاهُ؛ قَالَ: وَهَذِهِ أَحْرُفٌ جَاءَتْ عَنِ الْعَرَبِ نوادِرُ، وَذَلِكَ أَن أَكثر كَلَامِهَا فِي كُلِّ فِعْلٍ أَوله هَمْزَةٌ مِثْلَ أَبَلَ يَأْبِلُ وأَسَرَ يَأْسِرُ أَنْ يَكْسِرُوا يَفْعِلُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَبَقَ يَأْبِقُ، فإِذا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي أَوله هَمْزَةٌ ويَفْعِلُ مِنْهُ مَكْسُورًا مَرْدُودًا إِلى الأَمْرِ قِيلَ: إِيسِرْ يَا فلانُ، إِيْبِقْ يَا غلامُ، وكأَنَّ أَصله إِأْسِرْ بِهَمْزَتَيْنِ فَكَرِهُوا جَمْعًا بَيْنَ هَمْزَتَيْنِ فَحَوَّلُوا إِحداهما ياء إِذ كَانَ مَا قَبْلَهَا مَكْسُورًا، قَالَ: وَكَانَ حَقُّ الأَمر مِنْ أَمَرَ يَأْمُرُ أَن يُقَالَ أُؤْمُرْ أُؤْخُذْ أُؤْكُلْ بِهَمْزَتَيْنِ، فَتُرِكَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ وحوِّلت وَاوًا لِلضَّمَّةِ فَاجْتَمَعَ فِي الْحَرْفِ ضَمَّتَانِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ وَالضَّمَّةُمِنْ جِنْسِ الْوَاوِ، فَاسْتَثْقَلَتِ الْعَرَبُ جَمْعًا بَيْنَ ضَمَّتَيْنِ وَوَاوٍ فَطَرَحُوا هَمْزَةَ الْوَاوِ لأَنه بَقِيَ بَعْدَ طَرْحها حَرْفَانِ فَقَالُوا: مُرْ فُلَانًا بِكَذَا وَكَذَا، وخُذْ مِنْ فُلَانٍ وكُلْ، وَلَمْ يَقُولُوا أُكُلْ وَلَا أُمُرْ وَلَا أُخُذْ، إِلا أَنهم قَالُوا فِي أَمَرَ يَأْمُرُ إِذا تَقَدَّمَ قَبْلَ أَلِفِ أَمْرِه وواو أَو فَاءٌ أَو كَلَامٌ يَتَّصِلُ بِهِ الأَمْرُ مِنْ أَمَرَ يَأْمُرُ فَقَالُوا: الْقَ فُلَانًا وأْمُرْهُ، فَرَدُّوهُ إِلى أَصله، وإِنما فَعَلُوا ذَلِكَ لأَن أَلف الأَمر إِذا اتَّصَلَتْ بِكَلَامٍ قَبْلَهَا سَقَطَتِ الأَلفُ فِي اللَّفْظِ، وَلَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ فِي كُلْ وخُذْ إِذا اتَّصَلَ الأَمْرُ بِهِمَا بِكَلَامٍ قَبْلَهُ فَقَالُوا: الْقَ فُلَانًا وخُذْ مِنْهُ كَذَا، وَلَمْ نسْمَعْ وأُوخُذْ كَمَا سَمِعْنَا وأْمُرْ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَكُلا مِنْها رَغَدًا}؛ وَلَمْ يَقُلْ: وأْكُلا؛ قَالَ: فإِن قِيلَ لِمَ رَدُّوا مُرْ إِلى أَصلها وَلَمْ يَرُدُّوا وكُلا وَلَا أُوخُذْ؟ قِيلَ: لِسَعَة كَلَامِ الْعَرَبِ رُبَّمَا ردُّوا الشَّيْءَ إِلَى أَصله، وَرُبَّمَا بَنَوْهُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَرُبَّمَا كَتَبُوا الْحَرْفَ مَهْمُوزًا، وَرُبَّمَا تَرَكُوهُ عَلَى تَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَرُبَّمَا كَتَبُوهُ عَلَى الإِدغام، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاسِعٌ؛ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها}؛ قرأَ أَكثر الْقُرَّاءِ: أَمَرْنا، وَرَوَى خَارِجَةُ عَنْ نَافِعٍ آمَرْنا، بِالْمَدِّ، وَسَائِرُ أَصحاب نَافِعٍ رَوَوْهُ عَنْهُ مَقْصُورًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو: أَمَّرْنا، بِالتَّشْدِيدِ، وَسَائِرُ أَصحابه رَوَوْهُ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَبِالْقَصْرِ، وَرَوَى هُدْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ: أَمَّرْنا، وَسَائِرُ النَّاسِ رَوَوْهُ عَنْهُ مُخَفَّفًا، وَرَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ مَن قَرأَ: أَمَرْنا، خَفِيفَةً، فسَّرها بَعْضُهُمْ أَمَرْنا مُتْرَفِيهَا بالطاعة ففسقوا فيها، إِن المُتْرَفَ إِذا أُمر بِالطَّاعَةِ خالَفَ إِلى الْفِسْقِ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: وقرأَ الْحَسَنُ: آمَرْنا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَمَرْنا، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْهُ أَنه بِمَعْنَى أَكْثَرنا، قَالَ: وَلَا نَرَى أَنها حُفِظَتْ عَنْهُ لأَنا لَا نَعْرِفُ مَعْنَاهَا هَاهُنَا، وَمَعْنَى آمَرْنا، بِالْمَدِّ، أَكْثَرْنا؛ قَالَ: وقرأَ أَبو الْعَالِيَةِ: أَمَّرْنا مُتْرَفِيهَا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَذَلِكَ أَنه قَالَ: سَلَّطْنا رُؤَساءَها ففسقوا.

وقال أَبو إِسحاق نَحْوًا مِمَّا قَالَ الْفَرَّاءُ، قَالَ: مَنْ قرأَ أَمَرْنا، بِالتَّخْفِيفِ، فَالْمَعْنَى أَمرناهم بِالطَّاعَةِ فَفَسَقُوا.

فإِن قَالَ قَائِلٌ: أَلست تَقُولُ أَمَرتُ زَيْدًا فَضَرَبَ عَمْرًا؟ وَالْمَعْنَى أَنك أَمَرْتَه أَن يَضْرِبَ عَمْرًا فَضَرَبَهُ فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ الضَّرْبِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها، أَمَرْتُكَ فعصيتَني، فَقَدْ عُلِمَ أَن المعصيةَ مخالَفَةُ الأَمْرِ، وَذَلِكَ الفسقُ مخالفةُ أَمْرِ اللَّهِ.

وقرأَ الْحَسَنُ: أَمِرْنا مُتْرَفِيهَا عَلَى مِثَالِ عَلِمْنَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعَسَى أَن تَكُونَ هَذِهِ لُغَةً ثَالِثَةً؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَعْنَاهُ أَمَرْناهم بِالطَّاعَةِ فَعَصَوْا؛ قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الإِمارَةِ؛ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ إِن مَعْنَى أَمِرْنا مُتْرَفِيهَا كَثَّرْنا مُتْرَفيها؛ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ أَو مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ؛ أَي مُكَثِّرَةٌ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ أَي كَثُرُوا.

مُهَاجِرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ: مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ أَي نَتُوجٌ وَلُود؛ وقال لَبِيدٌ:

إِنْ يَغْبِطُوا يَهْبِطُوا، وإِنْ أَمِرُوا، ***يَوْمًا، يَصِيرُوا لِلْهُلْكِ والنَّكَدِ

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: مُهْرَةٌ مَأْمورة: إِنها الْكَثِيرَةُ النِّتاج والنَّسْلِ؛ قَالَ: وَفِيهَا لُغَتَانِ: قَالَ أَمَرَها اللهُ فَهِيَ مَأْمُورَةٌ، وآمَرَها اللَّهُ فَهِيَ مُؤْمَرَة؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ مُهرة مَأْمُورة لِلِازْدِوَاجِ لأَنهم أَتْبَعُوها مأْبورة، فَلَمَّا ازْدَوَجَ اللفظان جاؤُوا بمأْمورة عَلَى وَزْنِ مَأْبُورَة كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: إِني آتِيهِ بِالْغَدَايَا وَالْعَشَايَا، وإِنما تُجْمَعُ الغَدَاةُ غَدَوَاتٍ فجاؤُوا بِالْغَدَايَا عَلَى لَفْظِ الْعَشَايَا تَزْوِيجًا لِلَّفْظَيْنِ، وَلَهَا" نَظَائِرُ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والأَصل فِيهَا مُؤْمَرَةٌ عَلَى مُفْعَلَةٍ، كَمَا قَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْنَ مَأْزُورات غَيْرَ مَأْجورات "؛ وإِنما هُوَ مَوْزُورات مِنَ الوِزْرِ فَقِيلَ مأْزورات عَلَى لَفْظِ مأْجورات لِيَزْدَوِجا.

وقال أَبو زَيْدٍ: مُهْرَةٌ مأْمورة هِيَ الَّتِي كَثُرَ نَسْلُهَا؛ يَقُولُونَ: أَمَرَ اللهُ المُهْرَةَ أَي كثَّرَ وَلَدَها.

وأَمِرَ القومُ أَي كَثُرُوا؛ قَالَ الأَعشى:

طَرِفُونَ ولَّادُون كلَّ مُبَارَكٍ، ***أَمِرُونَ لَا يَرِثُونَ سَهْمَ القُعْدُدِ

وَيُقَالُ: أَمَرَهم اللَّهُ فأَمِرُوا أَي كَثُرُوا، وَفِيهِ لُغَتَانِ: أَمَرَها فَهِيَ مأْمُورَة، وآمَرَها فَهِيَ مُؤْمَرَةٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي سُفْيَانَ: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابنِ أَبي كَبْشَةَ وارْتَفَعَ شَأْنُه "؛ يَعْنِي النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: مَا لِي أَرى أَمْرَكَ يأْمَرُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيَأْمَرَنَ»أَي يَزِيدُ عَلَى مَا تَرَى؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَدْ أَمِرَ بَنُو فُلَانٍ "أَي كَثُرُوا.

وأَمِرَ الرجلُ، فَهُوَ أَمِرٌ: كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ.

وآمَره اللَّهُ: كَثَّرَ نَسْلَه وماشيتَه، وَلَا يُقَالُ أَمَرَه؛ فأَما قَوْلُهُ: ومُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ فَعَلَى مَا قَدْ أُنِسَ بِهِ مِنَ الإِتباع، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَقِيلَ: آمَرَه وأَمَرَه لُغَتَانِ.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: آمَرْتُهُ، بِالْمَدِّ، وأَمَرْتُه لُغَتَانِ بِمَعْنَى كَثَّرْتُه.

وأَمِرَ هُوَ أَي كَثُرَ فَخُرِّجَ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِمْ عَلِمَ فُلَانٌ وأَعلمته أَنا ذَلِكَ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَلَمْ يَقُلْهُ أَحد غَيْرُهُ.

قَالَ أَبو الْحَسَنِ: أَمِرَ مالُه، بِالْكَسْرِ، أَي كَثُرَ.

وأَمِرَ بَنُو فُلَانٍ إِيمارًا: كَثُرَتْ أَموالهم.

وَرَجُلٌ أَمُورٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدِ ائتُمِرَ بِخَيْرٍ: كأَنَّ نفسَه أَمَرَتْهُ بِهِ فَقَبِلَه.

وتأَمَّروا عَلَى الأَمْرِ وائْتَمَرُوا: تَمَارَوْا وأَجْمَعُوا آراءَهم.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَي يَتَشَاوَرُونَ عَلَيْكَ لِيَقْتُلُوكَ؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ:

أَحَارُ بنَ عَمْرٍو فؤَادِي خَمِرْ، ***ويَعْدُو عَلَى المَرْءِ مَا يَأْتَمِرْ

قَالَ غَيْرُهُ: وَهَذَا الشِّعْرُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ.

والخَمِرُ: الَّذِي قَدْ خَالَطَهُ داءٌ أَو حُبٌّ.

وَيَعْدُو عَلَى الْمَرْءِ مَا يأْتمر أَي إِذا ائْتَمَرَ أَمْرًا غَيْرَ رَشَدٍ عَدَا عَلَيْهِ فأَهلكه.

قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هَذَا غَلَطٌ، كَيْفَ يَعْدُو عَلَى الْمَرْءِ مَا شَاوَرَ فِيهِ وَالْمُشَاوَرَةُ بَرَكَةٌ، وإِنما أَراد يَعْدُو عَلَى الْمَرْءِ مَا يَهُمُّ بِهِ مِنَ الشَّرِّ.

قَالَ وَقَوْلُهُ: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ "؛ أَي يَهُمون بِكَ؛ وأَنشد:

اعْلمَنْ أَنْ كُلَّ مُؤْتَمِرٍ ***مُخْطِئٌ فِي الرَّأْي، أَحْيَانَا

قَالَ: يَقُولُ مَنْ رَكِبَ أَمْرًا بِغَيْرِ مَشُورة أَخْطأَ أَحيانًا.

قَالَ وَقَوْلُهُ: وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ؛ أَي هُمُّوا بِهِ واعْتَزِمُوا عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ لَقَالَ: يَتَأَمَّرُونَ بِكَ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: يَأْتَمِرُونَ بِكَ؛ يَأْمُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلِكَ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: ائْتَمَرَ القومُ وتآمَرُوا إِذا أَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا يُقَالُ اقْتَتَلَ الْقَوْمُ وَتَقَاتَلُوا وَاخْتَصَمُوا وَتَخَاصَمُوا، وَمَعْنَى يَأْتَمِرُونَ بِكَ أَي يُؤَامِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقَتْلِكَ وَفِي قَتْلِكَ؛ قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يُقَالَ ائْتَمَرَ فُلَانٌ رَأْيَهُ إِذا شَاوَرَ عَقْلَهُ فِي الصَّوَابِ الَّذِي يأْتيه، وَقَدْ يُصِيبُ الَّذِي يَأْتَمِرُ رَأْيَهُ مرَّة ويخطئُ أُخرى.

قَالَ: فَمَعْنَى قَوْلِهِ يَأْتَمِرُونَ بِكَ أَي يُؤَامِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيكَ أَي فِي قَتْلِكَ أَحسن مِنْ قَوْلِ الْقُتَيْبِيِّ إِنه بِمَعْنَى يَهُمُّونَ بِكَ.

قَالَ: وأَما قَوْلُهُ: وأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ؛ فَمَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، لِيَأْمُرْ بعضُكم بَعْضًا بِمَعْرُوفٍ؛ قَالَ وَقَوْلُهُ: " اعْلَمَنْ أَنْ كُلَّ مُؤْتَمِرٍ "مَعْنَاهُ أَن مَنِ ائْتَمَرَ رَأْيَه فِي كُلِّ مَا يَنُوبُهُ يخطئُ أَحيانًا؛ وقال الْعَجَّاجُ: " لَمّا رَأَى تَلْبِيسَ أَمْرٍ مُؤْتَمِرْ تَلْبِيسَ أَمر أَي تَخْلِيطَ أَمر.

مُؤْتَمِرْ أَي اتَّخَذَ أَمرًا.

يُقَالُ: بئسما ائْتَمَرْتَ لنفسك.

وَقَالَ شَمِرٌ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرجالُ ثلاثةٌ: رجلٌ إِذا نَزَلَ بِهِ أَمرٌ ائْتَمَرَ رَأْيَهُ "؛ قَالَ شَمِرٌ: مَعْنَاهُ ارْتَأَى وَشَاوَرَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَن يُوَاقِعَ مَا يُرِيدُ؛ قَالَ وَقَوْلُهُ: " اعْلَمَنْ أَنْ كُلَّ مُؤْتَمِرٍ "أَي كُلَّ مَنْ عَمِلَ برأْيه فَلَا بُدَ أَن يُخْطِئَ الأَحيان.

قَالَ وَقَوْلُهُ: وَلَا يأْتَمِرُ لِمُرْشِدٍ أَي لَا يُشَاوِرُهُ.

وَيُقَالُ ائْتَمَرْتُ فُلَانًا فِي ذَلِكَ الأَمر، وائْتَمَرَ القومُ إِذا تَشَاوَرُوا؛ وَقَالَ الأَعشى:

فَعادَا لَهُنَّ وَزَادَا لَهُنَّ، ***واشْتَرَكَا عَمَلًا وأْتمارا

قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: لَا يَدَّري المَكْذُوبُ كَيْفَ يَأْتَمِرْ "أَي كَيْفَ يَرْتَئِي رَأْيًا وَيُشَاوِرُ نَفْسَهُ ويَعْقِدُ عَلَيْهِ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " ويَعْدُو عَلَى المَرءِ مَا يَأْتَمِرْ "مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ الشَّيْءَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ وَلَا تثبُّت وَلَا نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ فيندَم عَلَيْهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: وائْتَمَرَ الأَمرَ أَي امْتَثَلَهُ؛ قَالَ إمرؤٌ الْقَيْسِ: " وَيَعْدُو عَلَى المرءِ مَا يأْتمر "أَي مَا تأْمره بِهِ نَفْسُهُ فَيَرَى أَنه رَشَدَ فَرُبَّمَا كَانَ هَلَاكُهُ فِي ذَلِكَ.

وَيُقَالُ: ائْتَمَرُوا بِهِ إِذا هَمُّوا بِهِ وَتَشَاوَرُوا فِيهِ.

والائْتِمارُ والاسْتِئْمارُ: المشاوَرَةُ، وَكَذَلِكَ التَّآمُرُ، عَلَى وَزْنِ التَّفاعُل.

والمُؤْتَمِرُ: المُسْتَبِدُّ برأْيه، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَسْبِقُ إِلى الْقَوْلِ؛ قَالَ إمرؤٌ الْقَيْسِ فِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ؛

أَحارُ بْنَ عَمْرٍو كأَنِّي خَمِرْ، ***ويَعْدُو عَلَى المرْءِ مَا يَأْتَمِرْ

وَيُقَالُ: بَلْ أَراد أَن الْمَرْءَ يَأْتَمِرُ لِغَيْرِهِ بِسُوءٍ فَيَرْجِعُ وبالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ.

وآمَرَهُ فِي أَمْرِهِ ووامَرَهُ واسْتَأْمَرَهُ: شاوره.

وقال غَيْرُهُ: آمَرْتُه فِي أَمْري مُؤامَرَةً إِذا شَاوَرْتَهُ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: وَامَرْتُه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَمِيري مِنَ الْمَلَائِكَةِ جبريلُ»أَي صاحبُ أَمْرِي ووَلِيِّي.

وكلُّ مَنْ فَزَعْتَ إِلى مُشَاوَرَتِهِ ومُؤَامَرَته، فَهُوَ أَمِيرُكَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُعُمَرَ؛ الرِّجَالُ ثلاثةٌ: رجلٌ إِذا نَزَلَ بِهِ أَمْرٌ ائْتَمَرَ رَأْيَهأَي شَاوَرَ نَفْسَهُ وارْتأَى فِيهِ قَبْلَ مُواقَعَة الأَمر، وَقِيلَ: المُؤْتَمِرُ الَّذِي يَهُمُّ بأَمْرٍ يَفْعَلُه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " لَا يأْتَمِرُ رَشَدًا "أَي لَا يأْتي بِرَشَدٍ مِنْ ذَاتِ نَفْسِهِ.

وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةٍ: ائْتَمَرَ، كَأَنَّ نَفْسَه أَمرته بشيءِ فأْتَمَرَ أَي أَطاعها؛ وَمِنَ المُؤَامَرَةِ المشاورةُ، فِي الْحَدِيثِ: «آمِرُوا النساءَ فِي أَنْفُسِهِنَ» أَي شَاوِرُوهُنَّ فِي تَزْوِيجِهِنَّ قَالَ: وَيُقَالُ فِيهِ وَامَرْتُه، وَلَيْسَ بِفَصِيحٍ.

قَالَ: وَهَذَا أَمْرُ نَدْبٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ مِثْلَ قَوْلِهِ: البِكر تُسْتَأْذَنُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِهِ الثَّيِّبَ دُونَ الْبِكْرِ، فإِنه لَا بُدَّ مِنْ إِذنهن فِي النِّكَاحِ، فإِن فِي ذَلِكَ بَقَاءً لِصُحْبَةِ الزَّوْجِ إِذا كَانَ بإِذنها.

وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ: آمِرُوا النساءَ فِي بناتهنَ، هُوَ مِنْ جِهَةِ اسْتِطَابَةِ أَنفسهن وَهُوَ أَدعى للأُلفة، وَخَوْفًا مِنْ وُقُوعِ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا، إِذا لَمْ يَكُنْ بِرِضَا الأُم إِذ الْبَنَاتُ إِلى الأُمَّهات أَميل وَفِي سَمَاعِ قولهنَّ أَرغب، ولأَن المرأَة رُبَّمَا عَلِمَتْ مِنْ حَالِ بِنْتِهَا الْخَافِي عَنْ أَبيها أَمرًا لَا يَصْلُحُ مَعَهُ النِّكَاحُ، مِنْ عِلَّةٍ تَكُونُ بِهَا أَو سَبَبٍ يَمْنَعُ مِنْ وَفَاءِ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَعَلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا يتأَول قَوْلُهُ: لَا تُزَوَّجُ الْبِكْرُ إِلا بإِذنها، وإِذْنُها سُكوتُها لأَنها قَدْ تَسْتَحِي أَن تُفْصِح بالإِذن وتُظهر الرَّغْبَةَ فِي النِّكَاحِ، فَيُسْتَدَلُّ بِسُكُوتِهَا عَلَى رِضَاهَا وَسَلَامَتِهَا مِنَ الْآفَةِ.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ وَالثَّيِّبُ تُسْتَأْمَرُ، لأَن الإِذن يُعْرَفُ بِالسُّكُوتِ والأَمر لَا يُعْرَفُ إِلا بِالنُّطْقِ.

وَفِي حَدِيثِ الْمُتْعَةِ: «فآمَرَتْ نَفْسَها»أَي شَاوَرَتْهَا واستأْمرتها.

وَرَجُلٌ إِمَّرٌ وإِمَّرَة.

وأَمَّارة: يَسْتَأْمِرُ كلَّ أَحد فِي أَمره.

والأَميرُ: الملِكُ لنَفاذِ أَمْرِه بَيِّنُ الإِمارة والأَمارة، والجمعُ أُمَراءُ.

وأَمَرَ عَلَيْنَا يَأْمُرُ أَمْرًا وأَمُرَ وأَمِرَ: كوَليَ؛ قَالَ: قَدْ أَمِرَ المُهَلَّبُ، فكَرْنِبوا ودَوْلِبُوا وحيثُ شِئْتُم فاذْهَبوا.

وأَمَرَ الرجلُ يأْمُرُ إِمارةً إِذا صَارَ عَلَيْهِمْ أَميرًا.

وأَمَّرَ أَمارَةً إِذا صَيَّرَ عَلَمًا.

وَيُقَالُ: مَا لَكَ فِي الإِمْرَة والإِمارَة خيرٌ، بِالْكَسْرِ.

وأُمِّرَ فلانٌ إِذا صُيِّرَ أَميرًا.

وَقَدْ أَمِرَ فُلَانٌ وأَمُرَ، بِالضَّمِّ، أَي صارَ أَميرًا، والأُنثى بِالْهَاءِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَمَّامٍ السَّلُولِيِّ:

ولو جاؤُوا برَمْلةَ أَو بهنْدٍ، ***لبايَعْنا أَميرةَ مُؤْمنينا

وَالْمُصْدَرُ الإِمْرَةُ والإِمارة، بِالْكَسْرِ.

وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ الْفَرَّاءِ: كَانَ ذَلِكَ إِذ أَمَرَ عَلَيْنَا الحجاجُ، بِفَتْحِ الْمِيمِ، وَهِيَ الإِمْرَة.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَما إِنَّ لَهُ إمْرَة كلَعْقَةِ الْكَلْبِ لَبَنَهُ»؛ الإِمْرَة، بِالْكَسْرِ: الإِمارة؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" طَلْحَةَ: لَعَلَّكَ ساءَتْكَ إِمْرَةُ ابْنِ عَمِّكَ.

وقالوا: عَلَيْكَ أَمْرَةٌ مُطاعَةٌ، فَفَتَحُوا.

التَّهْذِيبُ: وَيُقَالُ: لَكَ عليَّ أَمْرَةٌ مُطَاعَةٌ، بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ، وَمَعْنَاهُ لَكَ عليَّ أَمْرَةٌ أُطيعك فِيهَا، وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الأُمور، وَلَا تَقُلْ: إِمْرَةٌ، بِالْكَسْرِ، إِنما الإِمرة مِنَ الْوِلَايَةِ.

والتَّأْميرُ: تَوْلية الإِمارة.

وأَميرٌ مُؤَمَّرٌ: مُمَلَّكٌ.

وأَمير الأَعمى: قَائِدُهُ لأَنه يَمْلِكُ أَمْرَه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:

إِذا كَانَ هَادِي الْفَتَى فِي البلادِ ***صدرَ القَناةِ أَطاعَ الأَميرا

وأُولوا الأَمْرِ: الرُّؤَساءُ وأَهل الْعِلْمِ.

وأَمِرَ الشيءُ أَمَرًا وأَمَرَةً، فَهُوَ أَمرٌ: كَثُرَ وتَمَّ؛ قَالَ: " أُمُّ عِيالٍ ضَنؤُها غيرُ أَمِرْ "وَالِاسْمُ: الإِمْرُ.

وزرعٌ أَمِرٌ: كَثِيرٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

وَرَجُلٌ أَمِرٌ: مباركٌ يُقْبِلُ عَلَيْهِ المالُ.

وامرأَة أَمِرَةٌ: مُبَارَكَةٌ عَلَى بَعْلِهَا، وكلُّه من الكَثرة.

وقالوا: فِي وَجْهِ مالِكَ تعرفُ أَمَرَتَه؛ وَهُوَ الَّذِي تَعْرِفُ فِيهِ الْخَيْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.

وأَمَرَتُه: زِيَادَتُهُ وَكَثْرَتُهُ.

وَمَا أَحسن أَمارَتَهم أَي مَا يَكْثُرُونَ وَيَكْثُرُ أَوْلادُهم وَعَدَدُهُمْ.

الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: فِي وَجْهِ الْمَالِ الأَمِر تَعْرِفُ أَمَرَتَه أَي زِيَادَتَهُ وَنَمَاءَهُ وَنَفَقَتَهُ.

تَقُولُ: فِي إِقبال الأَمْرِ تَعْرِفُ صَلاحَه.

والأَمَرَةُ: الزِّيَادَةُ والنماءُ وَالْبَرَكَةُ.

وَيُقَالُ: لَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ أَمَرَةً أَي بَرَكَةً؛ مِنْ قَوْلِكَ: أَمِرَ المالُ إِذا كَثُرَ.

قَالَ: وَوَجْهُ الأَمر أَول مَا تَرَاهُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: تَعْرِفُ أَمْرَتَهُ مِنْ أَمِرَ المالُ إِذا كَثُرَ.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: تَقُولُ الْعَرَبُ: فِي وَجْهِ الْمَالِ تَعْرِفُ أَمَرَتَه أَي نُقْصَانَهُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ فِي الأَمَرِ أَنه الزِّيادة.

قالابْنُ بُزُرْجَ: قَالُوا فِي وَجْهِ مَالِكَ تَعْرِفُ أَمَرَتَه أَي يُمنَه، وأَمارَتَهُ مِثْلُهُ وأَمْرَتَه.

وَرَجُلٌ أَمِرٌ وامرأَة أَمِرَةٌ إِذا كَانَا مَيْمُونَيْنِ.

والإِمَّرُ: الصغيرُ مِنَ الحُمْلان أَوْلادِ الضأْنِ، والأُنثى إِمَّرَةٌ، وَقِيلَ: هُمَا الصَّغِيرَانِ مِنْ أَولادِ الْمَعْزِ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا وَصَفُوهُ بالإِعدامِ: مَا لَهُ إِمَّرٌ وَلَا إِمَّرَةٌ أَي مَا لَهُ خَرُوفٌ وَلَا رِخْلٌ، وَقِيلَ: مَا لَهُ شَيْءٌ.

والإِمَّرُ: الْخَرُوفُ.

والإِمَّرَةُ: الرِّخْلُ، وَالْخَرُوفُ ذَكَرٌ، والرِّخْلُ أُنثى.

قَالَ السَّاجِعُ: إِذا طَلَعَتِ الشِّعْرَى سَفَرًا فَلَا تَغْذُونَّ إِمَّرَةً وَلَا إِمَّرًا.

ورجلٌ إِمَّرٌ وإِمَّرَةٌ: أَحمق ضَعِيفٌ لَا رأْي لَهُ، وَفِي التَّهْذِيبِ: لَا عَقْلَ لَهُ إِلا مَا أَمرتَه بِهِ لحُمْقِهِ، مِثَالُ إِمَّعٍ وإِمَّعَةٍ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:

وَلَيْسَ بِذِي رَيْثَةٍ إِمَّرٍ، ***إِذا قِيدَ مُسْتَكْرَهًا أَصْحَبا

وَيُقَالُ: رَجُلٌ إِمَّرٌ لَا رأْي لَهُ فَهُوَ يأْتَمِرُ لِكُلِّ آمِرٍ وَيُطِيعُهُ.

وأَنشد شَمِرٌ: إِذا طَلَعَتِ الشِّعْرَى سَفَرًا فَلَا تُرْسِلْ فِيهَا إِمَّرَةً وَلَا إِمَّرًا؛ قَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُرْسِلْ فِي الإِبل رَجُلًا لَا عَقْلَ لَهُ يُدَبِّرُها.

وَفِي حَدِيثِ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ يُطِعْ إِمَّرَةً لَا يأْكُلْ ثَمَرَةً».

الإِمَّرَةُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: تأْنيث الإِمَّرِ، وَهُوَ الأَحمق الضَّعِيفُ الرأْي الَّذِي يَقُولُ لِغَيْرِهِ: مُرْني بأَمرك، أَي مَنْ يُطِعِ امرأَة حَمْقَاءَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ.

قَالَ: وَقَدْ تُطْلَقُ الإِمَّرَة عَلَى الرَّجُلِ، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ.

يُقَالُ: رَجُلٌ إِمَّعَةٌ.

والإِمَّرَةُ أَيضًا: النَّعْجَةُ وَكَنَّى بِهَا عَنِ المرأَة كَمَا كُنِّيَ عَنْهَا بِالشَّاةِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ فِي قَوْلِهِ: رَجُلٌ إِمَّرٌ.

قَالَ: يُشَبَّه بالجَدْي.

والأَمَرُ: الْحِجَارَةُ، واحدتُها أَمَرَةٌ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ مِنْ قَصِيدَةٍ يَرْثِي فِيهَا عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

يَا لَهْفَ نَفْسيَ إِن كَانَ الَّذِي زَعَمُوا ***حَقًّا وَمَاذَا يردُّ اليومَ تَلْهِيفي؟

إِن كَانَ عثمانُ أَمْسَى فَوْقَهُ أَمَرٌ، ***كراقِب العُونِ فوقَ القُبَّةِ المُوفي

والعُونُ: جَمَعَ عَانَةٍ، وَهِيَ حُمُرُ الْوَحْشِ، وَنَظِيرُهَا مِنَ الْجَمْعِ قارَةٌ وقورٌ، وَسَاحَةٌ وسُوحٌ.

وَجَوَابُ إِن الشَّرْطِيَّةِ أَغنى عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ وشبَّه الأَمَرَ بِالْفَحْلِ يَرقُبُ عُونَ أُتُنِه.

والأَمَرُ، بِالتَّحْرِيكِ: جَمْعُ أَمَرَةٍ، وَهِيَ العَلَمُ الصَّغِيرُ مِنْ أَعلام الْمَفَاوِزِ من حجارة، وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ.

وقال الْفَرَّاءُ: يُقَالُ مَا بِهَا أَمَرٌ أَي عَلَمٌ.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأَمَرَاتُ الأَعلام، واحدتها أَمَرَةٌ.

وقال غَيْرُهُ: وأَمارةٌ مِثْلُ أَمَرَةٍ؛ وقال حُمَيْدٌ:

بسَواءٍ مَجْمَعَةٍ كأَنَّ أَمارةً ***مِنْها، إِذا بَرَزَتْ فَنِيقٌ يَخْطُرُ

وكلُّ علامَةٍ تُعَدُّ، فَهِيَ أَمارةٌ.

وَتَقُولُ: هِيَ أَمارةُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَي عَلَامَةٌ؛ وأَنشد:

إِذا طلَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ، فإِنها ***أَمارةُ تَسْلِيمِي عليكِ، فسَلِّمي

ابْنُ سِيدَهْ: والأَمَرَةُ الْعَلَامَةُ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ، والأَمارُ: الْوَقْتُ وَالْعَلَامَةُ؛ قَالَ العجاجُ:

إِذ رَدَّها بِكَيْدِهِ فارْتَدَّت ***إِلى أَمارٍ، وأَمارٍ مُدَّتي

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاده وأَمارِ مُدَّتِي بالإِضافة، وَالضَّمِيرُ الْمُرْتَفِعُ فِي ردِّها يَعُودُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْهَاءُ فِي رَدَّهَا أَيضًا ضَمِيرُ نَفْسِ الْعَجَّاجِ؛ يَقُولُ: إِذ ردَّ اللَّهُ نَفْسِي بِكَيْدِهِ وَقُوَّتِهِ إِلى وَقْتِ انْتِهَاءِ مُدَّتِي.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «ابْعَثوا بالهَدْيِ واجْعَلوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ يَوْمَ أَمارٍ»؛ الأَمارُ والأَمارةُ: الْعَلَامَةُ، وَقِيلَ: الأَمارُ جَمْعُ الأَمارَة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ: " فَهَلْ للسَّفَر أَمارة؟ "والأَمَرَةُ: الرَّابِيَةُ، وَالْجَمْعُ أَمَرٌ.

والأَمارة والأَمارُ: المَوْعِدُ وَالْوَقْتُ الْمَحْدُودُ؛ وَهُوَ أَمارٌ لِكَذَا أَي عَلَمٌ.

وعَمَّ ابنُ الأَعرابي بالأَمارَة الوقتَ فَقَالَ: الأَمارةُ الْوَقْتُ، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَمحدود أَم غَيْرُ مَحْدُودٍ؟ ابْنُ شُمَيْلٍ: الأَمَرةُ مِثْلُ الْمَنَارَةِ، فَوْقَ الْجَبَلِ، عَرِيضٌ مِثْلُ الْبَيْتِ وأَعظم، وَطُولُهُ فِي السَّمَاءِ أَربعون قَامَةً، صُنِعَتْ عَلَى عَهْدِ عَادٍ وإِرَمَ، وَرُبَّمَا كَانَ أَصل إِحداهن مِثْلَ الدَّارِ، وإِنما هِيَ حِجَارَةٌ مكوَّمة بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، قَدْ أُلزقَ مَا بَيْنَهَا بِالطِّينِ وأَنت تَرَاهَا كأَنها خِلْقَةٌ.

الأَخفش: يُقَالُ أَمِرَ أَمْرُه يأْمَرُ أَمْرًا أَي اشْتَدَّ، وَالِاسْمُ الإِمْرُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

قَدْ لَقيَ الأَقْرانُ مِنِّي نُكْرا، ***داهِيَةً دَهْياءَ إِدًّا إِمْرا

وَيُقَالُ: عَجَبًا.

وأَمْرٌ إِمْرٌ: عَجَبٌ مُنْكَرٌ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}؛ قَالَ أَبو إِسحاق: أَي جِئْتَ شَيْئًا عَظِيمًا مِنَ الْمُنْكَرِ، وقيل: الإِمْرُ، بالكسر، والأَمْرُ الْعَظِيمُ الشَّنِيعُ، وَقِيلَ: الْعَجِيبُ، قال: ونُكْرًا أَقلُّ مِنْ قَوْلِهِ إِمْرًا، لأَن تَغْرِيقَ مَنْ فِي السَّفِينَةِ أَنكرُ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَذَهَبَ الْكِسَائِيُّ إِلى أَن مَعْنَى إِمْرًا شَيْئًا دَاهِيًا مُنْكَرًا عَجَبًا، وَاشْتَقَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَمِرَ الْقَوْمُ إِذا كثُروا.

وأَمَّرَ القناةَ: جَعَلَ فِيهَا سِنانًا.

والمُؤَمَّرُ: المُحَدَّدُ، وَقِيلَ: الْمَوْسُومُ.

وسِنانٌ مُؤَمَّرٌ أَي محدَّدٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

وَقَدْ كَانَ فِينَا مَنْ يَحُوطُ ذِمارَنا، ***ويَحْذي الكَمِيَّ الزَّاعِبيَّ المُؤَمَّرا

والمُؤَمَّرُ أَيضًا: المُسَلَّطُ.

وتَأَمَّرَ عليهم أَيَّ تَسَلَّطَ.

وقال خَالِدٌ فِي تَفْسِيرِ الزَّاعِبِيَّ المؤَمر، قَالَ: هُوَ الْمُسَلَّطُ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أمِّرْ قَنَاتَكَ أَي اجْعَلْ فِيهَا سِنانًا.

وَالزَّاعِبِيُّ: الرُّمْحُ الَّذِي إِذا هُزَّ تَدَافَعَ كُلُّه كأَنَّ مؤَخّره يَجْرِي فِي مُقدَّمه؛ وَمِنْهُ قِيلَ: مَرَّ يَزْعَبُ بحِملِه إِذا كَانَ يَتَدَافَعُ؛ حَكَاهُ عَنِ الأَصمعي.

وَيُقَالُ: فلانٌ أُمِّرَ وأُمِّرَ عَلَيْهِ إِذا كَانَ وَالِيًا وَقَدْ كَانَ سُوقَةً أَي أَنه مجرَّب.

وَمَا بِهَا أَمَرٌ أَي مَا بِهَا أَحدٌ.

وأَنت أَعلم بِتَامُورِكَ؛ تامورهُ: وعاؤُه، يُرِيدُ أَنت أَعلم بِمَا عِنْدَكَ وَبِنَفْسِكَ.

وَقِيلَ: التَّامورُ النَّفْس وَحَيَاتُهَا، وَقِيلَ الْعَقْلُ.

والتَّامورُ أَيضًا: دمُ الْقَلْبِ وحَبَّتُه وَحَيَاتُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الْقَلْبُ نَفْسُهُ، وَرُبَّمَا جُعِلَ خَمْرًا، وَرُبَّمَا جُعِلَ صِبغًا عَلَى التَّشْبِيهِ.

وَالتَّامُورُ: الولدُ.

وَالتَّامُورُ: وَزِيرُ الْمَلِكِ.

وَالتَّامُورُ: نَامُوسُ الرَّاهِبِ.

والتَّامورَةُ: عِرِّيسَة الأَسَدِ، وَقِيلَ: أَصل هَذِهِ الْكَلِمَةَ سُرْيَانِيَّةٌ، والتَّامورة: الإِبريق؛ قَالَ الأَعشى:

وإِذا لَهَا تامُورَة مرفوعةٌ ***لِشَرَابِهَا ******

والتَّامورة: الحُقَّة.

والتَّاموريُّ والتأْمُرِيُّ والتُّؤْمُريُّ: الإِنسان؛ وَمَا رأَيتُ تامُرِيًّا أَحسن مِنْ هَذِهِ المرأَة.

وَمَا بِالدَّارِ تأْمور أَي مَا بِهَا أَحد.

وَمَا بِالرَّكِيَّةِ تامورٌ، يَعْنِي الماءَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ قِيَاسٌ عَلَى الأَوَّل؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَضَيْنَا عَلَيْهِ أَن التَّاءَ زَائِدَةٌ فِي هَذَا كُلِّهِ لِعَدَمِ فَعْلول فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

والتَّامور: مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ، وَقِيلَ: هِيَ دوَيبةٌ.

والتَّامور: جِنْسٌ مِنَ الأَوعال أَو شَبِيهٌ بِهَا لَهُ قرنٌ واحدٌ مُتَشَعِّبٌ فِي وسَطِ رأْسه.

وآمِرٌ: السَّادِسُمِنْ أَيام الْعَجُوزِ، ومؤُتَمِرٌ: السَّابِعُ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو شِبل الأَعرابي:

كُسِعَ الشتاءُ بسبعةٍ غُبْرِ: ***بالصِّنِّ والصِّنَّبْرِ والوَبْرِ

وبآمِرٍ وأَخيه مؤُتَمِرٍ، ***ومُعَلِّلٍ وبمُطْفِئٍ الجَمْرِ

كأَنَّ الأَول مِنْهُمَا يأْمرُ النَّاسَ بِالْحَذَرِ، وَالْآخَرُ يُشَاوِرُهُمْ فِي الظَّعَن أَو الْمُقَامِ، وأَسماء أَيام الْعَجُوزِ مَجْمُوعَةٌ فِي مَوْضِعِهَا.

قَالَ الأَزهري: قَالَ البُستْي: سُمي أَحد أَيام الْعَجُوزِ آمِرًا لأَنه يأْمر النَّاسَ بِالْحَذَرِ مِنْهُ، وَسُمِّيَ الْآخَرُ مُؤْتَمَرًا.

قَالَ الأَزهري: وَهَذَا خطأٌ وإِنما سُمِّيَ آمِرًا لأَن النَّاسَ يُؤامِر فِيهِ بعضُهم بَعْضًا لِلظَّعْنِ أَو الْمُقَامِ فَجُعِلَ الْمُؤْتَمَرُ نَعْتًا لِلْيَوْمِ؛ وَالْمَعْنَى أَنه يؤْتَمرُ فِيهِ كَمَا يُقَالُ ليلٌ نَائِمٌ يُنام فِيهِ، وَيَوْمٌ عَاصِفٌ تَعْصِف فِيهِ الريحُ، وَنَهَارٌ صَائِمٌ إِذا كَانَ يَصُومُ فِيهِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَقُلْ أَحد وَلَا سُمِعَ مِنْ عَرَبِيٍّ ائْتَمَرْتُه أَي آذنْتهُ فَهُوَ بَاطِلٌ.

ومُؤْتَمِرٌ والمُؤْتَمِرُ: المُحَرَّمُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

نَحْنُ أَجَرْنا كلَّ ذَيَّالٍ قَتِرْ، ***فِي الحَجِّ مِنْ قَبْلِ دَآدي المُؤْتَمِرْ

أَنشده ثعلب وقال: القَتِرُ الْمُتَكَبِّرُ.

وَالْجَمْعُ مَآمِرُ وَمَآمِيرُ.

قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: كَانَتْ عَادٌ تسمِّي المحرَّم مُؤتَمِرًا، وصَفَرَ ناجِرًا، وَرَبِيعًا الأَول خُوَّانًا، وَرَبِيعًا الْآخَرَ بُصانًا، وَجُمَادَى الأُولى رُبَّى، وجمادى الآخرة حَنِينًا، ورَجَبَ الأَصمَّ، وَشَعْبَانَ عاذِلًا، وَرَمَضَانَ ناتِقًا، وَشَوَّالًا وعِلًا، وَذَا القَعْدَةِ وَرْنَةَ، وَذَا الْحِجَّةِ بُرَكَ.

وإِمَّرَةُ: بَلَدٌ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الوَرْد: وأَهْلُكَ بَيْنَ إِمَّرَةٍ وكِيرِ "وَوَادِي الأُمَيِّرِ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:

وافْزَعْنَ فِي وادي الأُمَيِّرِ بَعْدَ ما ***كَسا البيدَ سَافِي القَيْظَةِ المُتَناصِرُ

ويومُ المَأْمور: يَوْمٌ لبني الحرث بْنِ كَعْبٍ عَلَى بَنِي دَارِمٍ؛ وإِياه عَنَى الْفَرَزْدَقُ بِقَوْلِهِ:

هَلْ تَذْكُرُون بَلاءَكُمْ يَوْمَ الصَّفا، ***أَو تَذْكُرونَ فَوارِسَ المَأْمورِ؟

وَفِي الْحَدِيثِ ذكرُ أَمَرَ، وَهُوَ بفتحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ، مَوْضِعٌ مِنْ دِيَارِ غَطَفان خَرَجَ إِليه رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِجَمْعٍ مُحَارِبٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


196-لسان العرب (أجز)

أجز: اسْتَأْجَزَ عَنِ الوِسادَة: تَنَحَّى عَنْهَا وَلَمْ يَتَّكِئْ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَأْجِزُ وَلَا تَتَّكِئ.

وآجَزُ: اسمٌ.

التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ الإِجازَةُ ارْتِفاقُ الْعَرَبِ، كَانَتِ الْعَرَبُ تَحْتَبئ وتَسْتَأْجِزُ عَلَى وِسَادَةٍ وَلَا تَتَّكِئُ عَلَى يَمِينٍ وَلَا شِمَالٍ؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمعه لِغَيْرِ اللَّيْثِ وَلَعَلَّهُ حَفِظَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَحمد بْنِ يَحْيَى قَالَ: دَفَعَ إِليَّ الزُّبَيرُ إِجازَةً وَكَتَبَ بِخَطِّهِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ فَقُلْتُ: ايِشْ أَقول فِيهِمَا فَقَالَا: قُلْ فِيهِ إِن شِئْتَ حَدَّثَنَا، وإِن شِئْتَ أَخبرنا، وإِن شِئْتَ كتب إِليّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


197-لسان العرب (بعثط)

بعثط: البُعْثُطُ والبُعْثُوطُ: سُرّةُ الْوَادِي وَخَيْرُ مَوْضِعٍ فِيهِ.

والبُعْثُطُ: الاسْتُ، وَقَدْ تُثْقَلُ الطَّاءُ فِي هَذِهِ الأَخيرة.

يُقَالُ: أَلْزَقَ بُعْثُطَه وعُضْرُطَه بالصَّلَّةِ الأَرضِ يَعْنِي اسْتَه، قَالَ: وَهِيَ اسْتُه وجِلْدة خُصْيَيْه ومَذاكِيرُه.

وَيُقَالُ: غَطِّ بُعْثُطَك، هُوَ اسْتُه ومَذاكِيرُه.

وَيُقَالُ لِلْعَالَمِ بِالشَّيْءِ: هُوَ ابْنُ بُعْثُطِها كَمَا يُقَالُ: هُوَ ابْنُ بَجْدَتِها.

وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ: «قِيلَ لَهُ أَخبرنا عَنْ نَسبِك فِي قُريش فَقَالَ: أَنا ابْنُ بُعْثُطِها»؛ البُعْثُطُ: سُرَّةُ الْوَادِي، يُرِيدُ أَنه واسِطةُ قُريشٍ ومن سُرَّةِ بِطاحِها.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


198-لسان العرب (دلل)

دلل: أَدَلَّ عَلَيْهِ وتَدَلَّلَ: انْبَسَطَ.

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَدَلَّ عَلَيْهِ وَثِق بِمَحَبَّتِهِ فأَفْرَط عَلَيْهِ.

وَفِي الْمَثَلِ: أَدَلَّ فأَمَلَّ، وَالِاسْمُ الدَّالَّة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ مُدِلًّا»أَي مُنْبَسِطًا لَا خَوْفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الإِدْلالِ والدَّالَّةِ عَلَى مَنْ لَكَ عِنْدَهُ مَنْزِلَةٌ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي: " مُدِلّ لَا تُخَضِّبِي الْبَنَانَا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مُدِلَّة هُنَا صِفَةً، أَراد يَا مُدِلَّة فرَخَّم كَقَوْلِ الْعَجَّاجِ: جارِيَ لَا تَسْتَنْكِري عَذِيري أَراد يَا جَارِيَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُدلَّة اسْمَا فَيَكُونُ هَذَا كَقَوْلِ هُدْبَةَ:

عُوجِي عَلَيْنا وارْبَعِي يَا فاطِما، ***مَا دُونَ أَن يُرى الْبَعِيرُ قَائِمًا

والدَّالَّة: مَا تُدِلُّ بِهِ عَلَى حَمِيمك.

ودَلُّ المرأَةِ ودَلالُها: تَدَلُّلها عَلَى زَوْجِهَا، وَذَلِكَ أَن تُرِيه جَراءةً عَلَيْهِ فِي تَغَنُّج وتَشَكُّل، كأَنها تُخَالِفُهُ وَلَيْسَ بِهَا خِلاف، وَقَدْ تَدَلَّلت عَلَيْهِ.

وامرأَة ذَاتٍ دَلٍّ أَي شَكْل [شِكْل] تَدِلُّ بِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ سَعْدٍ أَنه قَالَ: بَيْنا أَنا أَطوف بِالْبَيْتِ إِذ رأَيت امرأَة أَعجبني دَلُّها، فأَردت أَن أَسأَل عَنْهَا فخِفْت أَن تَكُونَ مَشْغُولةً، وَلَا يَضُرُّك جَمالُ امرأَة لَا تَعْرِفها "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: دَلُّها حُسْنُ هَيْئَتِهَا، وَقِيلَ حُسْنُ حَدِيثِهَا.

قَالَ شِمْرٌ: الدَّلال للمرأَة والدَّلُّ حُسْنُ الْحَدِيثِ وَحُسْنُ المَزْح وَالْهَيْئَةِ؛ وأَنشد:

فإِن كَانَ الدَّلال فَلَا تَدِلِّي، ***وإِن كَانَ الْوَدَاعُ فَبِالسَّلَامِ

قَالَ: وَيُقَالُ هِيَ تَدِلُّ عَلَيْهِ أَي تَجْتَرِئُ عَلَيْهِ، يُقَالُ: مَا دَلَّك عَلَيَّ أَي مَا جَرَّأَك عليَّ، وأَنشد:

فإِن تكُ مَدْلولًا عليَّ، فإِنني ***لِعَهْدك لَا غُمْرٌ، ولستُ بِفَانِي

أَراد: فإِن جَرَّأَك عليَّ حِلمي فإِني لَا أُقِرُّ بِالظُّلْمِ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ:

أَظُنُّ الحِلْم دَلَّ عليَّ قَوْمِي، ***وَقَدْ يُسْتَجْهَل الرجلُ الحَليم

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ: دَلَّ عَلَيَّ قَوْمِي أَي جَرَّأَهم؛ وَفِيهَا يَقُولُ:

وَلَا يُعْيِيك عُرْقُوبٌ للَأْيٍ، ***إِذا لَمْ يُعْطِك النَّصَفَ الخَصِيمُ

وَقَوْلُهُ عُرْقُوب لِلأْيٍ يَقُولُ: إِذا لَمْ يُنْصِفك خَصْمُك فأَدْخِل عله عُرْقوبًا يَفْسَخُ حُجَّته.

والمُدِلُّ بِالشَّجَاعَةِ: الْجَرِيءُ.

ابْنُ الأَعرابي: المُدَلِّل الَّذِي يَتَجَنَّى فِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَجَنٍّ.

ودَلَّ فُلَانٌ إِذا هَدى.

ودَلَّ إِذا افْتَخَرَ.

والدَّلَّة: المِنّة.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: دَلَّ يَدِلُّ إِذا هَدى، ودَلَّ يَدِلُّ إِذا مَنَّ بِعَطَائِهِ.

والأَدَلُّ: المَنَّان بعَمَله.

والدَّالَّة مِمَّنْ يُدِلُّ عَلَى مَنْ لَهُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةٌ شِبْهُ جَراءة مِنْهُ.

أَبو الْهَيْثَمِ: لِفُلَانٍ عَلَيْكَ دالَّة وتَدَلُّلٌ وإِدْلال.

وَفُلَانٌ يُدِلُّ عَلَيْكَ بِصُحْبَتِهِ إِدْلالًا ودَلالًا ودَالَّة أَي يَجْتَرِئُ عَلَيْكَ، كَمَا تُدِلُّ الشابَّةُ عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ بجَمالها؛ وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَن ابْنَ الأَعرابي أَنشد لِجَهْمِ بْنِ شِبْلٍ يَصِفُ نَاقَتَهُ:

تَدَلَّلُ تَحْتَ السَّوْطِ، حَتَّى كأَنما ***تَدَلَّلُ تَحْتَ السَّوْطِ خَودٌ مُغاضِب

قَالَ: هَذَا أَحسن مَا وُصِف بِهِ النَّاقَةُ.

الْجَوْهَرِيُّ: والدَّلُّ الغُنْج والشِّكْل.

وَقَدْ دَلَّتِ المرأَة تَدِلُّ، بِالْكَسْرِ، وتَدَلَّلت وَهِيَ حَسَنة الدَّلِّ والدَّلال.

والدَّلُّ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الهَدْي، وَهُمَا مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فِي الْهَيْئَةِ والمَنْظر وَالشَّمَائِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ: فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ أَخْبِرْنا بِرَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْت والهَدْي والدَّلِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَلْزَمه، فَقَالَ: مَا أَحد أَقرب سَمْتًا وَلَا هَدْيًا وَلَا دَلًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُوَارِيَهُ جِدارُ الأَرض مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ "؛ فسَّره الهَرَوي فِي الْغَرِيبَيْنِ فَقَالَ: الدَّلُّ والهَدْيُ قريبٌ بعضُه مِنْ بَعْضٍ، وَهُمَا مِنَ السِّكِّينَةِ وحُسْن المَنْظَر.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن أَصحاب ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَرْحَلون إِلى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيَنْظُرُونَ إِلى سَمْتِه وهَدْيه ودَلِّه فَيَتَشَبَّهُونَ بِهِ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَما السَّمْت فإِنه يَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحدهما حُسْن الْهَيْئَةِ والمَنْظَر فِي الدِّينِ وَهَيْئَةِ أَهل الْخَيْرِ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَن السَّمْت الطَّرِيقُ؛ يُقَالُ: الْزَمْ هَذَا السَّمْت، وَكِلَاهُمَا لَهُ مَعْنًى، إِمَّا أَرادوا هَيْئَةَ الإِسلام أَو طَرِيقَةَ أَهل الإِسلام؛ وَقَوْلُهُ إِلى هَدْيِه ودَلِّه فإِن أَحدهما قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ، وَهُمَا مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ فِي الْهَيْئَةِ والمَنْظر وَالشَّمَائِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الدَّلِّ فِي الْحَدِيثِ، وهو والهَدْي والسمْت عِبَارَةٌ عَنِ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الإِنسان مِنَ السَّكينة وَالْوَقَارِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ وَالطَّرِيقَةِ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَمْدَحُ امْرَأَةً بِحُسْنِ الدَّلّ:

لَمْ تَطَلَّع من خِدْرها تَبْتَغي خِبْبًا، ***وَلَا سَاءَ دَلُّها فِي العِناقِ

وَفُلَانٌ يُدِلُّ عَلَى أَقرانه كَالْبَازِي يُدِلُّ عَلَى صَيْدِهِ.

وَهُوَ يُدِلُّ بِفُلَانٍ أَي يَثِق بِهِ.

وأَدَلَّ الرجلُ عَلَى أَقرانه: أَخذهم مِنْ فَوْقُ، وأَدَلَّ الْبَازِي عَلَى صَيْدِهِ كَذَلِكَ.

ودَلَّه عَلَى الشَّيْءِ يَدُلُّه دَلًّا ودَلالةً فانْدَلَّ: سدَّده إِليه، ودَلَلْته فانْدَلَّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

مَا لَكَ، يَا أَحمقُ، لَا تَنْدَلُّ؟ ***وَكَيْفَ يَنْدَلُّ امْرُؤٌ عِثْوَلُّ؟

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: سَمِعْتُ أَعرابيًّا يَقُولُ لِآخَرَ أَما تَنْدَلُّ عَلَى الطَّرِيقِ؟ والدَّلِيل: مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ.

والدَّلِيل: الدَّالُّ.

وَقَدْ دَلَّه عَلَى الطَّرِيقِ يَدُلُّه دَلالة ودِلالة ودُلولة، وَالْفَتْحُ أَعلى؛ وأَنشد أَبو عبيد: " إِنِّي امْرُءٌ بالطُّرْق ذُو دَلالات "والدَّلِيل والدِّلِّيلي: الَّذِي يَدُلُّك؛ قَالَ:

شَدُّوا المَطِيَّ عَلَى دَلِيلٍ دائبٍ، ***مِنْ أَهل كاظِمةٍ، بسيفِ الأَبْحُر

قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ بِدَلِيلٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَي شَدُّوا المَطِيَّ عَلَى دَلالة دَليل فَحَذَفَ الْمُضَافَ وقوِي حَذْفُه هُنَا لأَن لَفْظَ الدَّلِيل يَدُلُّ عَلَى الدَّلالة، وَهُوَ كَقَوْلِكَ سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى هَذِهِ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي سِرْ وشَدُّوا وَلَيْسَتْ مَوْصُولَةً لِهَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ لَكِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ كأَنه قَالَ: شَدُّوا المطيَّ مُعْتَمِدِين عَلَى دَليل دَائِبٍ، فَفِي الظَّرْفِ دَليلٌ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ مُعْتَمِدِين، وَالْجَمْعُ أَدِلَّة وأَدِلَّاء، وَالِاسْمُ الدِّلالة والدَّلالة، بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، والدُّلُولة والدِّلِّيلى.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: والدِّلِّيلى عِلْمُه بِالدَّلَالَةِ ورُسوخُه فِيهَا.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صِفَةِ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «وَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ أَدِلَّة»؛ هو جَمْعُ دَلِيل؛ أي بِمَا قَدْ عَلِمُوا فيَدُلُّونَ عَلَيْهِ النَّاسَ، يَعْنِي يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ فُقَهَاء فَجَعَلَهُمْ أَنفسهم أَدلَّة مُبَالَغَةً.

ودَلَلْت بِهَذَا الطَّرِيقِ: عَرَّفْتُهُ، ودَلَلْتُ بِهِ أَدُلُّ دَلالة، وأَدْلَلت بِالطَّرِيقِ إِدْلالًا.

والدَّلِيلَة: المَحَجَّة الْبَيْضَاءُ، وَهِيَ الدَّلَّى.

وَقَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ تَنْقُصه قَلِيلًا قَلِيلًا.

والدَّلَّال: الَّذِي يجمع بين البَيِّعَيْن، وَالِاسْمُ الدَّلالة والدِّلالة، والدِّلالة: مَا جَعَلْتَهُ للدَّليل أَو الدَّلَّال.

وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: الدَّلالة، بِالْفَتْحِ، حِرْفة الدَّلَّال.

ودَليلٌ بَيِّن الدِّلالة، بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ.

والتَّدَلْدُل: كالتَّهَدُّل؛ قَالَ: " كأَنَّ خُصْيَيه مِنَ التَّدَلْدُل "وتَدَلْدَلَ الشيءُ وتَدَرْدَر إِذا تَحَرَّك مُتَدَلِّيًا.

والدَّلْدَلة: تَحْرِيكُ الرَّجُلِ رأْسه وأَعضاءه فِي الْمَشْيِ.

والدَّلْدلة: تَحْرِيكُ الشَّيْءِ المَنُوط.

ودَلْدَلَه دِلْدَالًا: حَرَّكه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَالِاسْمُ الدَّلْدال.

الْكِسَائِيُّ: دَلْدَلَ فِي الأَرض وبَلْبَل وقَلْقَل ذَهَب فِيهَا.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: دَلْدَلَهم وبَلْبَلَهم حَرَّكهم.

وَقَالَ الأَصمعي: تَدَلْدَلَ عَلَيْه فَوْقَ طَاقَتِهِ، والدَّلال مِنْهُ، والدَّلْدَال الِاضْطِرَابُ.

ابْنُ الأَعرابي: مِنْ أَسماء القُنْفذ الدُّلْدُل والشَّيْهَم والأَزْيَب.

الصِّحَاحُ: الدُّلْدُل عَظِيمُ القَنافِذ.

ابْنُ سِيدَهْ: الدُّلْدُل ضَرْبٌ مِنَ الْقَنَافِذِ لَهُ شَوْكٌ طَوِيلٌ، وَقِيلَ: الدُّلْدُل شِبْهُ القُنْفذ وَهِيَ دَابَّةٌ تَنْتَفض فَتَرْمِي بِشَوْكٍ كالسِّهام، وفَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا كَفَرْقِ مَا بَيْنَ الفِئَرة والجِرْذان والبَقَر وَالْجَوَامِيسِ والعِرَاب والبَخَاتِيِّ.

اللَّيْثُ: الدُّلْدُل شَيْءٌ عَظِيمٌ أَعظم مِنَ القُنْفُذ ذُو شَوْكٍ طِوَالِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبي مَرْثَد: «فَقَالَتْ عَنَاق البَغِيُّ: يَا أَهل الخِيَام هَذَا الدُّلْدُل الَّذِي يَحْمِل أَسراركم»؛ الدُّلْدُل: القُنفُذ، وَقِيلَ: ذَكَر القَنافذ.

قَالَ: يَحْتَمِلُ أَنها شَبَّهَتْهُ بالقُنْفُذ لأَنه أَكثر مَا يَظْهَرُ بِاللَّيْلِ ولأَنه يُخْفِي رأْسه فِي جَسَدِهِ مَا اسْتَطَاعَ.

ودَلْدَلَ فِي الأَرض: ذَهَب.

ومَرَّ يُدَلْدِل ويَتَدَلْدَل فِي مَشْيِهِ إِذا اضْطَرَبَ.

اللِّحْيَانِيُّ: وَقَعَ الْقَوْمُ فِي دَلْدَال وبَلْبَال إِذا اضْطَرَب أَمرهم وتَذَبْذَب.

وَقَوْمٌ دَلْدَالٌ إِذا تَدَلْدَلوا بَيْنَ أَمرين فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا؛ وَقَالَ أَوْس:

أَمَنْ لِحَيٍّ أَضاعُوا بعضَ أَمْرهم، ***بينَ القُسُوطِ وبينَ الدِّينِ دَلْدَال

ابْنُ السِّكِّيتِ: جَاءَ الْقَوْمُ دُلْدُلًا إِذا كَانُوا مُذَبْذَبين لَا إِلى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلى هَؤُلَاءِ؛ قَالَ أَبو مَعْدَان الْبَاهِلِيُّ:

جاء الحَزَائِمُ والزَّبايِنُ دُلْدُلًا، ***لَا سابِقِينَ وَلَا مَع القُطَّانِ

فعَجِبْتُ مِنْ عَوْفٍ وَمَاذَا كُلِّفَتْ، ***وَتَجِيءُ عَوْفٌ آخِرَ الرُّكْبانِ

قَالَ: والحَزِيمتانِ والزَّبِينتان مِنْ باهِلَة وَهُمَا حَزِيمة وزَبِينة جَمَعهما الشاعرُ أَي يَتَدَلْدلون مَعَ النَّاسِ لَا إِلى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلى هَؤُلَاءِ.

ودُلْدُل: اسْمُ بَغْلة سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ودَلَّةُ ومُدِلّةُ: بِنْتَا مَنْجِشانَ [مَنْجَشانَ] الحِمْيَرِيّ.

ودِلْ، بِالْفَارِسِيَّةِ: الفُؤاد، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَسَمَّت بِهِ المرأَة فَقَالُوا دَلٌّ، فَفَتَحُوهُ لأَنهم لَمَّا لَمْ يَجِدُوا فِي كَلَامِهِمْ دِلًّا أَخرجوه إِلى مَا فِي كَلَامِهِمْ، وَهُوَ الدَّلُّ الَّذِي هُوَ الدَّلال والشَّكْل والشِّكْل.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


199-لسان العرب (فحم)

فحم: الفَحْم والفَحَم، مَعْرُوفٌ مِثْلُ نَهْر ونَهَر: الْجَمْرُ الطَّافِئُ.

وَفِي الْمَثَلِ: لَوْ كُنْتُ أنْفُخ فِي فَحَم أَيْ لَوْ كُنْتُ أَعْمَلُ فِي عَائِدَةٍ؛ قَالَ الأَغلب الْعِجْلِيُّ:

هَلْ غَيْرُ غارٍ هَدَّ غَارًا فانْهَدَمْ؟ ***قَدْ قاتَلُوا لَوْ يَنْفُخُون فِي فَحَمْ،

وصَبَروا لَوْ صَبَرُوا عَلَى أَمَمْ "يَقُولُ: لَوْ كَانَ قِتَالُهُمْ يُغْنِي شَيْئًا وَلَكِنَّهُ لَا يُغْنِي، فَكَانَ كَالَّذِي يَنْفُخُ نَارًا وَلَا فَحْمَ وَلَا حَطَبَ فَلَا تَتَّقِدُ النَّارُ؛ يُضْرَبُ هَذَا الْمَثَلَ لِلرَّجُلِ يُمَارِسُ أَمْرًا لَا يُجدي عَلَيْهِ، وَاحِدَتُهُ فَحْمة وفَحَمة.

والفَحِيم: كالفَحْم؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وإذْ هِيَ سَوْداءُ مِثْلُ الفَحِيم، ***تُغَشِّي المَطانِبَ والمَنْكِبا

وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الفَحِيم جَمْعَ فَحْم كعبْد وعَبِيد، وَإِنْ قَلَّ ذَلِكَ فِي الأَجناس، وَنَظِيرُ مَعْز ومَعِيز وضَأْن وضَئِين.

وفَحْمة اللَّيْلِ: أَوَّلُهُ، وَقِيلَ: أَشَدُّ سَوَادٍ فِي أَوَّلِهِ، وَقِيلَ: أَشَدُّهُ سَوَادًا، وَقِيلَ: فَحَمَتُهُ مَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى نَوْمِ النَّاسِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِحَرِّهَا لأَن أَوَّلَ اللَّيْلِ أَحرّ مِنْ آخِرِهِ وَلَا تَكُونُ الْفَحْمَةُ فِي الشِّتَاءِ، وَجَمْعُهَا فِحام وفُحوم مِثْلُ مَأْنة ومُؤون؛ قَالَ كثيِّر:

تُنازِعُ أشْرافَ الإِكامِ مَطِيَّتي، ***مِن اللَّيْلِ، شَيحانًا شَدِيدًا فُحومُها

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فُحومها سَوَادَهَا كَأَنَّهُ مَصْدَرُ فَحُم.

والفَحْمة: الشَّرَابُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوقات الْمَذْكُورَةِ.

الأَزهري: وَلَا يُقَالُ لِلشَّرَابِ فَحْمَةٌ كَمَا يُقَالُ لِلجاشِرِيَّةِ والصَّبُوح والغَبُوق والقَيْل.

وأَفْحِمُوا عَنْكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وفَحِّمُوا أَيْ لَا تَسِيرُوا حَتَّى تَذْهَبَ فَحمته، وَالتَّفْحِيمُ مِثْلُهُ.

وَانْطَلَقْنَا فَحْمةَ السَّحَر أَيْ حِينَهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ضُموا فَواشِيَكم حَتَّى تَذْهَبَ فحمة الشتاء »؛ والفَواشي: مَا انْتَشَرَ مِنَ الْمَالِ والإِبل وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا.

وفَحْمة العِشاء: شِدَّةُ سَوَادِ اللَّيْلِ وظلمتِه، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِهِ حَتَّى إِذَا سَكَنَ فَوْرُه قَلَّت ظُلمته.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: حَكَى حَمْزَةُ بْنُ الْحَسَنِ الأَصبهاني أَنَّ أَبَا الْمُفَضَّلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ كُنَّا بِبَابِ بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ فَقَالَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ فِي عَرَضِ كَلَامٍ لَهُ قَحْمة العِشاء، فقلنا: لعله فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، فَقَالَ: هِيَ قَحْمَةٌ، بِالْقَافِ، لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا، فَدَخَلْنَا عَلَى بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ فَحَكَيْنَاهَا لَهُ فَقَالَ: هِيَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ، بِالْفَاءِ لَا غَيْرُ، أَيْ فَورته.

وَفِي الْحَدِيثِ: « اكْفِتوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ »؛ هِيَ إِقْبَالُهُ وَأَوَّلُ سَوَادِهِ، قَالَ: وَيُقَالُ للظُّلمة الَّتِي بَيْنَ صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ الْفَحْمَةُ، وَالَّتِي بَيْنَ الْعَتَمَةِ وَالْغَدَاةِ العَسْعَسَةُ.

وَيُقَالُ: فَحِّموا عَنِ الْعِشَاءِ؛ يَقُولُ: لَا تَسِيروا فِي أَوَّلِهِ حِينَ تَفُور الظُّلمة وَلَكِنِ امْهَلوا حَتَّى تَسْكن وتَعتدل الظُّلْمَةُ ثُمَّ سِيرُوا؛ وَقَالَ لَبيد:

واضْبِطِ الليلَ، إِذَا طالَ السُّرى ***وتَدَجَّى بَعْدَ فَوْرٍ، واعْتَدَلْ

وجاءنا فَحْمةَ ابن جُمَيْرٍ إِذَا جَاءَ نِصْفُ اللَّيْلِ؛ أَنشد ابْنُ الْكَلْبِيِّ:

عِنْدَ دَيْجورِ فَحْمةِ ابْنِ جُمَيْرٍ ***طَرَقَتْنا، والليلُ داجٍ بَهِيمُ

والفاحِمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: الأَسود بَيِّن الفُحومة، ويُبالَغ فِيهِ فَيُقَالُ: أَسود فَاحِمٌ.

وشَعر فَحِيم: أَسود، وَقَدْ فَحُم فُحومًا.

وَشَعَرٌ فاحِم وَقَدْ فَحُم فُحُومة: وَهُوَ الأَسود الْحَسَنُ؛ وأَنشد:

مُبَتَّلة هَيْفاء رُؤْد شَبابُها، ***لَها مُقْلَتا رِيمٍ وأَسْودُ فاحِمُ

وفَحَّم وَجْهَهُ تَفْحِيمًا: سوَّده.

والمُفْحَم: العَييُّ.

والمفْحَم: الَّذِي لَا يَقُولُ الشِّعْرَ.

وأفْحَمه الهمُّ أَوْ غَيْرُهُ: مَنَعَهُ مِنْ قَوْلِ الشِّعْرِ.

وَهَاجَاهُ فأَفْحَمه: صَادَفَهُ مُفْحَمًا.

وكلَّمه فَفَحَم: لَمْ يُطق جَوَابًا.

وَكَلَّمْتُهُ حَتَّى أَفْحَمْته إِذَا أَسكتَّه فِي خُصُومَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.

وأَفْحَمْته أَيْ وَجَدْتُهُ مُفْحَمًا لَا يَقُولُ الشِّعْرَ.

يُقَالُ: هاجَيْناكم فَمَا أَفْحَمْناكم.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يُقَالُ هَاجَيْتُهُ فأَفْحَمْته بِمَعْنَى أَسكتُّه، قَالَ: وَيَجِيءُ أَفحمته بِمَعْنَى صَادَفْتُهُ مُفحَمًا، تَقُولُ: هَجَوته فأَفحمته أَيْ صَادَفْتَهُ مُفْحَمًا، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا هَاجَيْتُهُ لأَن الْمُهَاجَاةَ تَكُونُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَإِذَا صَادَفَهُ مُفْحَمًا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ هِجَاءٌ، فَإِذَا قُلْتَ فَمَا أَفحمناكم بِمَعْنَى مَا أَسكتناكم جَازَ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ: وَهَاجَيْنَاكُمْ فَمَا أَفْحَمْنَاكُمْ أَيْ فَمَا أَسكتناكم عَنِ الْجَوَابِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَعَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: « فَلَمْ أَلبث أَنْ أَفْحَمْتها »أَيْ أَسكتُّها.

وَشَاعِرٌ مُفْحَم: لَا يُجِيبُ مُهاجِيه؛ وَقَوْلُ الأَخطل:

وانزِعْ إلَيْكَ، فإنَّني لَا جاهلٌ ***بَكِمٌ، وَلَا أَنَا، إنْ نَطَقْتُ، فَحُوم

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ فَحُوم مُفْحَم، قَالَ: وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَوَهَّمَ حَذْفَ الزِّيَادَةِ فَجَعَلَهُ كرَكُوب وحَلُوب، أَوْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ فَاعِلًا مِنْ فَحَم إِذَا لَمْ يُطق جَوَابًا، قَالَ: وَيُقَالُ لِلَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ أَصْلًا فاحِم.

وفَحَم الصبيُّ، بِالْفَتْحِ، يَفْحَم، وفَحِمَ فَحْمًا وفُحامًا وفُحومًا وفُحِمَ وأُفْحِمَ كُلُّ ذَلِكَ إِذَا بَكَى حَتَّى يَنْقَطِعَ نفَسُه وَصَوْتُهُ.

اللَّيْثُ: كَلَّمَنِي فُلَانٌ فأَفْحَمته إِذَا لَمْ يُطق جَوَابَكَ؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: كأَنه شُبِّهَ بِالَّذِي يَبْكِي حَتَّى يَنْقَطِعَ نفَسه.

وفَحَم الكبشُ وفَحِمَ، فَهُوَ فاحِم وفَحِمٌ: صَاحَ.

وثَغا الكبْشُ حَتَّى فَحِمَ أَيْ صَارَ فِي صوته بحُوحة.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


200-لسان العرب (عنن)

عنن: عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنَنًا وعُنُونًا: ظَهَرَ أَمامك؛ وعَنَّ يَعِنُّ ويَعُنُّ عَنًّا وعُنونًا واعْتَنَّ: اعتَرَضَ وعَرَض؛ وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: " فعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كأَنَّ نِعاجه ".

وَالِاسْمُ العَنَن والعِنانُ؛ قَالَ ابْنُ حِلزة:

عَنَنًا باطِلًا وظُلْمًا، كَمَا تُعْتَرُ ***عَنْ حَجْرةِ الرَّبيضِ الظِّباءُ

وأَنشد ثَعْلَبٌ:

وَمَا بَدَلٌ مِنْ أُمِّ عُثمانَ سَلْفَعٌ، ***مِنَ السُّود، وَرْهاءُ العِنان عَرُوبُ

مَعْنَى قَوْلِهِ وَرْهاءِ العِنان أَنها تَعْتنُّ فِي كُلِّ كَلَامٍ أَي تعْترض.

وَلَا أَفعله مَا عَنَّ فِي السَّمَاءِ نجمٌ أَي عَرَض مِنْ ذَلِكَ.

والعِنَّة والعُنَّة: الِاعْتِرَاضُ بالفُضول.

والاعْتِنانُ: الِاعْتِرَاضُ.

والعُنُنُ: الْمُعْتَرِضُونَ بالفُضول، الْوَاحِدُ عانٌّ وعَنونٌ، قَالَ: والعُنُن جَمْعُ العَنين وَجَمْعُ المَعْنون.

يُقَالُ: عُنَّ الرجلُ وعُنِّنَ وعُنِنَ وأُعْنِنَ، فَهُوَ عَنِينَ مَعْنونٌ مُعَنٌّ مُعَنَّنٌ، وأَعْنَنْتُ بعُنَّةٍ مَا أَدري مَا هِيَ أَي تعَرَّضتُ لِشَيْءٍ لَا أَعرفه.

وَفِي الْمَثَلِ: مُعْرِضٌ لعَنَنٍ لَمْ يَعْنِه.

والعَنَنُ: اعتراضُ الْمَوْتِ؛ وَفِي حَدِيثِ سَطِيحٍ: « أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ».

وَرَجُلٌ مِعَنٌّ: يعْرِض فِي شَيْءٍ وَيَدْخُلُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، والأُنثى بِالْهَاءِ.

وَيُقَالُ: امرأَة مِعَنَّة إِذا كَانَتْ مَجْدُولَةً جَدْلَ العِنان غَيْرَ مُسْتَرْخِيَةِ الْبَطْنِ.

وَرَجُلٌ مِعَنٌّ إِذا كَانَ عِرِّيضًا مِتْيَحًا.

وامرأَة مِعَنَّة: تَعْتنُّ وتعْترض فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

إِنَّ لَنَا لَكَنَّه ***مِعَنَّةً مِفَنَّه،

كَالرِّيحِ حَوْلَ القُنَّه.

مِفَنَّة: تَفْتَنُّ عَنِ الشَّيْءِ، وَقِيلَ: تَعْتَنُّ وتَفْتنُّ فِي كُلِّ شيءٍ.

والمِعَنُّ: الْخَطِيبُ.

وَفِي حَدِيثِ طَهْفَةَ: « بَرِئنا إِليك مِنَ الوَثَن والعَنن »؛ الوَثَنُ: الصَّنَمُ، والعَنن: الِاعْتِرَاضُ، مِنْ عَنَّ الشَّيْءُ؛ أي اعْتَرَضَ كأَنه قَالَ: بَرِئْنَا إِليك مِنَ الشِّرْكِ وَالظُّلْمِ، وَقِيلَ: أَراد بِهِ الخلافَ وَالْبَاطِلَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ سَطِيحٍ: أَم فازَ فازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ العَننْ.

يُرِيدُ اعْتِرَاضَ الْمَوْتِ وسَبْقَه.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: « دَهَمتْه المنيَّةُ فِي عَنَن جِماحه »؛ هُوَ مَا لَيْسَ بِقَصْدٍ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُهُ أَيضًا يذُمُّ الدُّنْيَا: " أَلا وَهِيَ المُتَصدِّيةُ العَنُونُ "أَي الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِلنَّاسِ، وفَعول لِلْمُبَالَغَةِ.

وَيُقَالُ: عَنَّ الرَّجُلُ يَعِنُّ عَنًّا وعَنَنًا إِذا اعْتَرَضَ لَكَ مِنْ أَحد جَانِبَيْكَ مِنْ عَنْ يَمِينِكَ أَو مِنْ عَنْ شِمَالِكَ بِمَكْرُوهٍ.

والعَنُّ: الْمَصْدَرُ، والعَنَنُ: الِاسْمُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَعُنُّ فِيهِ العانُّ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ العِنانُ مِنَ اللِّجَامِ عِنانًا لأَنه يَعْتَرِضُهُ مِنْ نَاحِيَتَيْهِ لَا يَدْخُلُ فمه منه شيء.

وَلَقِيَهُ عَيْنَ عُنَّة.

أَي اعْتِرَاضًا فِي السَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَن يَطْلُبَهُ.

وأَعطاه ذَلِكَ عَيْنَ عُنَّة أَي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ أَصحابه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

والعِنان: المُعانَّة.

والمُعانَّة: الْمُعَارَضَةُ.

وعُناناك أَن تَفْعَلَ ذَاكَ، عَلَى وَزْنِ قُصاراك أَي جُهْدُكَ وَغَايَتُكَ كأَنه مِنَ المُعانَّة، وَذَلِكَ أَن تُرِيدَ أَمرًا فيَعْرِضَ دُونَهُ عارِضٌ يَمْنَعُكَ مِنْهُ وَيَحْبِسُكَ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَخفش هُوَ غُناماك، وأَنكر عَلَى أَبي عُبَيْدٍ عُناناك.

وَقَالَ النَّجِيرَميُّ: الصَّوَابُ قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: الصَّوَابُ قَوْلُ الأَخفش؛ وَالشَّاهِدُ عَلَيْهِ بَيْتُ رَبِيعَةُ بْنُ مَقْرُومٍ الضَّبَّيُّ:

وخَصْمٍ يَرْكَبُ العَوصاءِ طاطٍ ***عَنِ المُثْلى، غُناماهُ القِذاعُ

وَهُوَ بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ.

والقِذاعُ: المُقاذَعة.

وَيُقَالُ: هُوَ لَكَ بَيْنَ الأَوْبِ والعَنَن إِمّا أَن يَؤُوبَ إِليك، وإِما أَن يعْرِضَ عَلَيْكَ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:

تُبْدي صُدودًا، وتُخْفي بَيْنَنَا لَطَفًا ***يأْتي محارِمَ بينَ الأَوْبِ والعَنَن

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ.

والعانُّ مِنَ السَّحَابِ: الَّذِي يَعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ؛ قَالَ الأَزهري: وأَما قَوْلُهُ: " جَرَى فِي عِنان الشِّعْرَيَيْنِ الأَماعِزُ ".

فَمَعْنَاهُ جَرَى فِي عِراضِهما سَرابُ الأَماعِز حِينَ يشتدُّ الحرُّ بالسَّراب؛ وَقَالَ الْهُذَلِيُّ:

كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِزَفٍّ، ***يعُنُّ مَعَ العَشِيَّةِ لِلرِّئالِ

يَعُنُّ: يَعْرِض، وَهُمَا لُغَتَانِ: يَعِنُّ ويَعُنُّ.

والتَّعْنِين: الحبْس، وَقِيلَ: الْحَبْسُ فِي المُطْبَق الطَّوِيلِ.

وَيُقَالُ لِلْمَجْنُونِ: مَعْنون ومَهْرُوع وَمَخْفُوعٌ ومعتُوه وَمَمْتُوهٌ ومُمْتَهٌ إِذا كَانَ مَجْنُونًا.

وَفُلَانٌ عَنَّانٌ عَنِ الْخَيْرِ وخَنَّاسٌ وكَزَّامٌ أَي بَطِيءٌ عَنْهُ.

والعِنِّينُ: الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ وَلَا يُرِيدُهُنَّ بَيِّنُ العَنَانة والعِنِّينة والعِنِّينيَّة.

وعُنِّنَ عَنِ امرأَته إِذا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَو مُنعَ عَنْهَا بِالسِّحْرِ، وَالِاسْمُ مِنْهُ العُنَّة، وَهُوَ مِمَّا تَقَدَّمَ كأَنه اعْتَرَضَهُ مَا يَحْبِسُه عَنِ النِّسَاءِ، وامرأَة عِنِّينة كَذَلِكَ، لَا تُرِيدُ الرِّجَالَ وَلَا تَشْتَهِيهِمْ، وَهُوَ فِعِّيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ خِرِّيج؛ قَالَ: وسُمِّيَ عِنِّينًا لأَنه يَعِنُّ ذكَرُه لقُبُل المرأَة مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَلَا يَقْصِدُهُ.

وَيُقَالُ: تَعَنَّنَ الرَّجُلُ إِذا تَرَكَ النِّسَاءَ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ عِنِّينًا لثأْر يَطْلُبُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ وَرْقَاءَ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ قَالَهُ فِي خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ:

تعَنَّنْتُ لِلْمَوْتِ الَّذِي هُوَ واقِعٌ، ***وأَدركتُ ثأْري فِي نُمَيْرٍ وعامِرِ

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الشَّرِيفِ الْعَظِيمِ السُّودَد: إِنه لَطَوِيلُ العِنان.

وَيُقَالُ: إِنه ليأْخذ فِي كُلِّ فَنٍّ وعَنٍّ وسَنٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وعِنانُ اللِّجَامِ: السَّيْرُ الَّذِي تُمسَك بِهِ الدَّابَّةُ، وَالْجَمْعُ أَعِنَّة، وعُنُنٌ نَادِرٌ، فأَما سِيبَوَيْهِ فَقَالَ: لَمْ يُكسَّر عَلَى غَيْرِ أَعِنَّة، لأَنهم إِن كسَّرُوه عَلَى بِنَاءِ الأَكثر لَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ وَكَانُوا فِي هَذَا أَحرى؛ يُرِيدُ إِذ كَانُوا قَدْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى أَبنية أَدنى الْعَدَدِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَلِّ، يَعْنِي بِالْمُعْتَلِّ الْمُدْغَمَ، وَلَوْ كَسَرُوهُ عَلَى فُعُل فَلَزِمَهُمُ التَّضْعِيفُ لأَدغموا، كَمَا حَكَى هُوَ أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي جَمْعِ ذُباب ذُبٌّ.

وَفَرَسٌ قَصِيرُ العِنان إِذا ذُمَّ بِقصَر عُنُقِه، فَإِذَا قَالُوا قَصِيرُ العِذار فَهُوَ مَدْحٌ، لأَنه وُصِفَ حِينَئِذٍ بِسِعَةِ جَحْفلته.

وأَعَنَّ اللجامَ: جَعَلَ له عِنانًا، والتَّعْنينُ مِثْلُهُ.

وعَنَّن الفرسَ وأَعَنَّه: حَبَسَهُ بِعِنَانِهِ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: أَعَنَّ الفارسُ إِذا مَدَّ عِنانَ دَابَّتِهِ ليَثْنِيَه عَنِ السَّيْرِ، فَهُوَ مُعِنٌّ.

وعَنَّ دَابَّتَهُ عَنًّا: جَعَلَ لَهُ عِنانًا، وسُمِي عِنانُ اللِّجَامِ عِنانًا لِاعْتِرَاضِ سَيْرَيه عَلَى صَفْحَتيْ عُنق الدَّابَّةِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ.

وَيُقَالُ: مَلأَ فلانٌ عِنانَ دَابَّتِهِ إِذا أَعْداه وحَمَلَهُ عَلَى الحُضْر الشَّدِيدِ؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:

حَرْفٌ بعيدٌ مِنَ الْحَادِي، إِذا مَلأَتْ ***شَمْسُ النهارِ عِنانَ الأَبْرَقِ الصَّخِبِ

قَالَ: أَراد بالأَبْرَقِ الصَّخِبِ الجُنْدُبَ، وعِنانُه جَهْدُه.

يَقُولُ: يَرْمَضُ فَيَسْتَغِيثُ بِالطَّيَرَانِ فَتَقَعُ رِجْلَاهُ فِي جَنَاحَيْهِ فَتَسْمَعُ لَهُمَا صَوْتًا وَلَيْسَ صَوْتَهُ مِنْ فِيهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ صَرَّ الجُنْدُب.

وَلِلْعَرَبِ فِي العِنانِ أَمثال سَائِرَةٌ: يُقَالُ ذَلَّ عِنانُ فُلَانٍ إِذا انْقَادَ؛ وفُلانٌ أَبيُّ العِنانِ إِذا كَانَ مُمتنعًا؛ وَيُقَالُ: أَرْخِ مِنْ عنانِه أَي رَفِّه عَنْهُ؛ وَهُمَا يَجْريان فِي عِنانٍ إِذا اسْتَوَيَا فِي فَضْلٍ أَو غَيْرِهِ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:

سَيَعْلَمُ كُلُّهم أَني مُسِنٌّ، ***إِذا رَفَعُوا عِنانًا عن عِنانِ

الْمَعْنَى: سَيَعْلَمُ الشُّعَرَاءُ أَني قَارِحٌ.

وجَرى الفرسُ عِنانًا إِذا جَرَى شَوْطًا؛ وَقَوْلُ الطِّرِمَّاحِ: " إِذا رَفَعُوا عِنَانًا عَنْ عَنَانِ ".

أَي شَوْطًا بَعْدَ شَوْطٍ.

وَيُقَالُ: اثْنِ عَليَّ عِنانَهُ أَي رُدَّه عليَّ.

وثَنَيْتُ عَلَى الفرسِ عِنانه إِذا أَلجمته؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ فَرَسًا:

وحاوَطَني حَتَّى ثَنَيْتُ عِنانَهُ، ***عَلَى مُدْبِرِ العِلْباءِ رَيّانَ كاهِلُهْ

حاوَطَني أَي داوَرَني وعالَجَني، ومُدْبِرِ عِلْبائه: عُنُقُه أَراد أَنه طَوِيلُ الْعُنُقِ فِي عِلْبائِه إِدبار.

ابْنُ الأَعرابي: رُبَّ جَوادٍ قَدْ عَثَرَ فِي اسْتِنانِه وَكَبَا فِي عِنانه وقَصَّرَ فِي مَيْدانه [مِيْدانه].

وَقَالَ: الْفَرَسُ يَجْري بعِتْقِه وعِرْقِه، فإِذا وُضِعَ فِي المِقْوَس جَرى بجَدِّ صَاحِبِهِ؛ كَبَا أَي عَثَر، وَهِيَ الكَبْوَةُ.

يُقَالُ: لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَة، وَلِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوة، وَلِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَة؛ كَبَا فِي عِنانِه أَي عَثَرَ فِي شَوْطه.

والعِنان: الْحَبْلُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " إِلى عِنانَيْ ضامِرٍ لَطيفِ ".

عَنَى بالعِنانين هُنَا المَتْنَين، وَالضَّامِرُ هُنَا المَتْنُ.

وعِنانا الْمَتْنِ: حَبْلاه.

والعِنانُ والعانُّ: مِنْ صِفَةِ الْحِبَالِ الَّتِي تَعْتَنُّ مِنْ صَوْبك وَتَقْطَعُ عَلَيْكَ طَرِيقَكَ.

يُقَالُ: بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا عانٌّ يَسْتَنُّ السَّابلَة.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: إِنه طَرِفُ العِنان إِذا كَانَ خَفِيفًا.

وعَنَّنَتِ المرأَةُ شعرَها: شَكَّلَتْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ.

وشِرْكَةُ عِنانٍ وشِرْكُ عِنانٍ: شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ خَاصٍّ دُونَ سَائِرِ أَموالهما كأَنه عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ أَي عَرَضَ فَاشْتَرَيَاهُ وَاشْتَرَكَا فِيهِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

وشارَكْنا قُرَيْشًا فِي تُقاها، ***وَفِي أَحْسابها شِرْكَ العِنانِ

بِمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي هِلالٍ، ***وَمَا وَلَدَتْ نساءُ بَنِي أَبانِ

وَقِيلَ: هُوَ إِذا اشْتَرَكَا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ، وبانَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَائِرِ مَالِهِ دُونَ صَاحِبِهِ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الشِّرْكَة شِرْكَتانِ: شِرْكَةُ العِنان، وشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ، فأَما شَرِكَةُ العِنان فَهُوَ أَن يَخْرُجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ دَنَانِيرَ أَو دَرَاهِمَ مِثْلَ مَا يُخْرج صَاحِبُهُ ويَخْلِطاها، ويأْذَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بأَن يَتَّجِرَ فِيهِ، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ وأَنهما إِن "رَبِحا فِي الْمَالَيْنِ فَبَيْنَهُمَا، وإِنْ وُضِعا فَعَلَى رأْس مَالِ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وأَما شِرْكَةُ المُفاوضة فأَن يَشْتَرِكا فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي أَيديهما أَو يَسْتَفيداه مِنْ بَعْدُ، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ، وَعِنْدَ النُّعْمَانِ وَصَاحِبَيْهِ جَائِزَةٌ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يُعَارِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عِنْدَ الشِّرَاءِ فَيَقُولَ لَهُ: أَشْرِكني مَعَكَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَن يَستوجب العَلَقَ، وَقِيلَ: شَرِكة العِنانِ أَن يَكُونَا سَوَاءً فِي الغَلَق وأَن يَتَسَاوَى الشَّرِيكَانِ فِيمَا أَخرجاه مِنْ عَيْنٍ أَو وَرِقٍ، مأْخوذ مِنْ عِنانِ الدَّابَّةِ لأَن عِنانَ الدَّابَّةِ طَاقَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ يَمْدَحُ قَوْمَهُ وَيَفْتَخِرُ:

وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي تُقاها ***

أَي سَاوَيْنَاهُمْ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ لَكَانَ هِجَاءً، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الشركةُ شَرِكَةَ عِنانٍ لِمُعَارَضَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِمَالٍ مِثْلِ مَالِهِ، وَعَمَلُهُ فِيهِ مِثْلُ عَمَلِهِ بَيْعًا وَشِرَاءً.

يُقَالُ: عانَّهُ عِنانًا ومُعانَّةً، كَمَا يُقَالُ: عارَضَه يُعارضه مُعارَضةً وعِراضًا.

وَفُلَانٌ قَصِيرُ العِنانِ: قَلِيلُ الْخَيْرِ، عَلَى الْمَثَلِ.

والعُنَّة: الحَظِيرة مِنَ الخَشَبِ أَو الشَّجَرِ تُجْعَلُ للإِبل وَالْغَنَمِ تُحْبَسُ فِيهَا، وَقَيَّدَ فِي الصِّحَاحِ فَقَالَ: لتَتَدَرَّأَ بِهَا مِنْ بَرْدِ الشَّمال.

قَالَ ثَعْلَبٌ: العُنَّة الحَظِيرَةُ تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ فَيَكُونُ فِيهَا إِبله وَغَنَمُهُ.

وَمِنْ كَلَامِهِمْ: لَا يَجْتَمِعُ اثْنَانِ فِي عُنَّةٍ، وَجَمْعُهَا عُنَنٌ؛ قَالَ الأَعشى:

تَرَى اللَّحْمَ مِنْ ذابِلٍ قَدْ ذَوَى، ***ورَطْبٍ يُرَفَّعُ فَوْقَ العُنَنْ

وعِنانٌ أَيضًا: مِثْلُ قُبَّةٍ وقِبابٍ.

وَقَالَ البُشْتِيُّ: العُنَنُ فِي بَيْتِ الأَعشى حِبال تُشَدُّ ويُلْقَى عَلَيْهَا القَدِيدُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الصَّوَابُ فِي العُنَّة والعُنَنِ مَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ الْحَظِيرَةُ، وَقَالَ: ورأَيت حُظُراتِ الإِبل فِي الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَهَا عُنَنًا لاعْتِنانِها فِي مَهَبِّ الشَّمالِ مُعْتَرِضة لِتَقِيهَا بَرْدَ الشَّمالِ، قَالَ: ورأَيتهم يَشُرُّون اللَّحْمَ المُقَدَّدَ فَوْقَهَا إِذا أَرادوا تَجْفِيفَهُ؛ قَالَ: وَلَسْتُ أَدري عَمَّنْ أَخذ البُشْتِيُّ مَا قَالَ فِي العُنَّة إِنه الْحَبْلُ الَّذِي يُمَدُّ، ومَدُّ الْحَبْلِ مِنْ فِعْلِ الْحَاضِرَةِ، قَالَ: وأُرى قائلَه رأَى فقراءَ الْحَرَمِ يَمُدُّون الْحِبَالَ بمِنًى فيُلْقُون عَلَيْهَا لُحومَ الأَضاحي والهَدْي الَّتِي يُعْطَوْنَها، فَفَسَّرَ قَوْلَ الأَعشى بِمَا رأَى، وَلَوْ شَاهَدَ الْعَرَبَ فِي بَادِيَتِهَا لَعَلِمَ أَن العُنَّة هِيَ الحِظَارُ مِنَ الشَّجَرِ.

وَفِي الْمَثَلِ: كالمُهَدِّرِ فِي العُنَّةِ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَنْ يَتَهَدَّدُ وَلَا يُنَفِّذُ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنَّةُ، بِالضَّمِّ أَيضًا، خَيْمة تُجْعَلُ مِنْ ثُمامٍ أَو أَغصان شَجَرٍ يُسْتَظَلُّ بِهَا.

والعُنَّة: مَا يَجْمَعُهُ الرَّجُلُ مِنْ قَصَبٍ وَنَبْتٍ ليَعْلِفَه غَنَمه.

يُقَالُ: جَاءَ بعُنَّةٍ عَظِيمَةٍ.

والعَنَّةُ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ: العَطْفَة؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِذا انصَرَفَتْ مِنْ عَنَّةٍ بَعْدَ عَنَّةٍ، ***وجَرْسٍ عَلَى آثارِها كالمُؤَلَّبِ

والعُنَّةُ: مَا تُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ.

وعُنَّةُ القِدْر: الدِّقْدانُ؛ قَالَ:

عَفَتْ غيرَ أَنْآءٍ ومَنْصَبِ عُنَّةٍ، ***وأَوْرَقَ مِنْ تحتِ الخُصاصَةِ هامِدُ

والعَنُونُ مِنَ الدَّوَابِّ: الَّتِي تُباري فِي سَيْرِهَا الدوابَّ فتَقْدُمُها، وَذَلِكَ مِنْ حُمُر الْوَحْشِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

كأَنَّ الرَّحْلَ شُدَّ بِهِ خَنُوفٌ، ***مِنَ الجَوْناتِ، هادِيةٌ عَنُونُ

وَيُرْوَى: خَذُوفٌ، وَهِيَ السَّمِينَةُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ عَنَّانٌ عَلَى آنُفِ الْقَوْمِ إِذا كَانَ سَبَّاقًا لهم.

وَفِي حَدِيثِ طَهْفة: « وَذُو العِنانِ الرَّكُوبُ »؛ يُرِيدُ الْفَرَسَ الذَّلُولَ، نَسَبَهُ إِلى العِنانِ والرَّكوب لأَنه يُلْجَم ويُرْكَب.

والعِنانُ: سَيْرُ اللِّجام.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: « كَانَ رجلٌ فِي أَرض لَهُ إِذ مَرَّتْ بِهِ عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ »؛ العانَّة والعَنَانةُ: السَّحابة، وَجَمْعُهَا عَنَانٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لَوْ بَلَغتْ خَطيئتُه عَنانَ السَّمَاءِ »؛ العَنَان، بِالْفَتْحِ: السَّحَابُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَعْنان، بالأَلف، فإِن كَانَ الْمَحْفُوظُ أَعْنان فَهِيَ النَّوَاحِي؛ قَالَهُ أَبو عُبَيْدٍ؛ قَالَ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ: أَعْنانُ كُلِّ شَيْءٍ نَوَاحِيهِ، فأَما الَّذِي نَحْكِيهِ نَحْنُ فأَعْناءُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا؛ قَالَهُ أَبو عَمْرٍو وَغَيْرُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: « مَرَّتْ بِهِ سحابةٌ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟ قَالُوا: هَذِهِ السحابُ، قَالَ: والمُزْنُ، قَالُوا: وَالْمُزْنُ، قال: والعَنان، قالوا: والعَنانُ »؛ وَقِيلَ: العَنان الَّتِي تُمْسِكُ الماءَ، وأَعْنانُ السَّمَاءِ نَوَاحِيهَا، وَاحِدُهَا عَنَنٌ وعَنٌّ.

وأَعْنان السَّمَاءِ: صَفائحُها وَمَا اعترَضَ مِنْ أَقطارها كأَنه جَمْعُ عَنَنٍ.

قَالَ يُونُسُ: لَيْسَ لمَنْقُوصِ الْبَيَانِ بَهاءٌ وَلَوْ حَكَّ بِيافُوخِه أَعْنان السَّمَاءِ، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: عَنان السَّمَاءِ، وَقِيلَ: عَنانُ السَّمَاءِ مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا إِذا نَظَرْتَ إِليها أَي مَا بَدَا لَكَ مِنْهَا.

وأَعْنانُ الشَّجَرِ: أَطرافُه وَنَوَاحِيهِ.

وعَنانُ الدَّارِ: جَانِبُهَا الَّذِي يَعُنُّ لَكَ أَي يَعْرِضُ.

وأَما مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ" أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الإِبل فَقَالَ: أَعْنانُ الشَّياطين لَا تُقْبِلُ إِلَّا مُوَلِّية وَلَا تُدْبِرُ إِلَّا مُوَلِّية "، فإِنه أَراد أَنها عَلَى أَخلاق الشَّيَاطِينِ، وحقيقةُ الأَعْنانِ النَّوَاحِي؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنه قَالَ كأَنها لِكَثْرَةِ آفَاتِهَا مِنْ نَوَاحِي الشَّيَاطِينِ فِي أَخلاقها وَطَبَائِعِهَا.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " لَا تصلوا في أَعْطانِ الإِبل لأَنها خُلِقَتْ مِنْ أَعْنانِ الشَّيَاطِينِ.

وعَنَنْتُ الكتابَ وأَعْنَنْتُه لِكَذَا أَي عَرَّضْتُه لَهُ وصرَفْته إِليه.

وعَنَّ الكِتابَ يَعُنُّه عَنًّا وعَنَّنه: كَعَنْوَنَه، وعَنْوَنْتُه وعَلْوَنْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مُشْتَقٌّ مِنَ المَعْنى.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَنَّنْتُ الكتابَ تَعْنينًا وعَنَّيْتُه تَعْنِيَةً إِذا عَنْوَنْتَه، أَبدلوا مِنْ إِحدى النُّونَاتِ يَاءً، وسمي عُنْوانًا [عِنْوانًا] لأَنه يَعُنُّ الكِتابَ مِنْ ناحِيتيه، وأَصله عُنَّانٌ، فَلَمَّا كَثُرَتِ النُّونَاتُ قُلِبَتْ إِحداها وَاوًا، وَمَنْ قَالَ عُلْوانُ الْكِتَابِ جَعَلَ النُّونَ لَامًا لأَنه أَخف وأَظهر مِنَ النُّونِ.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُعَرِّض وَلَا يُصرِّحُ: قَدْ جَعَلَ كَذَا وَكَذَا عُنْوانًا [عِنْوانًا] لِحَاجَتِهِ؛ وأَنشد:

وتَعْرِفُ فِي عُنْوانِها بعضَ لَحْنِها، ***وَفِي جَوْفِها صَمْعاءُ تَحْكي الدَّواهِيا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: والعُنْوانُ الأَثر؛ قَالَ سَوَّارُ بْنُ المُضرِّب:

وحاجةٍ دُونَ أُخرى قَدْ سنَحْتُ بِهَا، ***جعلتُها لِلَّتِي أَخْفَيْتُ عُنْوانًا

قَالَ: وَكُلَّمَا اسْتَدْلَلْتَ بشيءٍ تُظهره عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ عُنوانٌ لَهُ كَمَا قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:

ضَحّوا بأَشْمطَ عُنوانُ السُّجودِ بِهِ، ***يُقَطِّعُ الليلَ تَسْبِيحًا وقُرْآنًا

قَالَ اللَّيْثُ: العُلْوانُ لُغَةٌ فِي العُنْوان غَيْرُ جَيِّدَةٍ، والعُنوان، بِالضَّمِّ، هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ؛ وَقَالَ أَبو دُوَادَ الرُّوَاسِيّ:

لِمَنْ طَلَلٌ كعُنْوانِ الكِتابِ، ***ببَطْنِ أُواقَ، أَو قَرَنِ الذُّهابِ؟

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لأَبي الأَسود الدُّؤَليّ:

نظَرْتُ إِلى عُنْوانِه [عِنْوانِه] فنبَذتُه، ***كنَبْذِكَ نَعلًا أَخلقَتْ مِنْ نِعالكا

وَقَدْ يُكْسَرُ فَيُقَالُ عِنوانٌ وعِنيانٌ.

واعْتَنَّ مَا عِنْدَ الْقَوْمِ أَي أُعْلِمَ خَبَرَهم.

وعَنْعَنةُ تَمِيمٍ: إِبدالُهم الْعَيْنَ مِنَ الْهَمْزَةِ كَقَوْلِهِمْ عَنْ يُرِيدُونَ أَنْ؛ وأَنشد يَعْقُوبُ:

فَلَا تُلْهِكَ الدُّنْيَا عَنِ الدِّينِ، واعْتَمِلْ ***لآخرةٍ لَا بُدّ عنْ سَتَصِيرُها

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

أَعَنْ تَرَسَّمْتَ مِنْ خَرْقَاءَ منْزِلةً، ***ماءُ الصَّبَابةِ مِنْ عَينيكَ مَسْجُومُ

أَراد أَأَن ترَسَّمْتَ؛ وَقَالَ جِرانُ العَوْدِ:

فَمَا أُبْنَ حَتَّى قُلْنَ يَا ليْتَ عَنَّنا ***تُرابٌ، وعَنَّ الأَرضَ بالناسِ تُخْسَفُ

قَالَ الْفَرَّاءُ: لُغَةُ قُرَيْشٍ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ أَنَّ، وتميمٌ وقَيْس وأَسَدٌ وَمَنْ جَاوَرَهُمْ يَجْعَلُونَ أَلف أَن إِذا كَانَتْ مَفْتُوحَةً عَيْنًا، يَقُولُونَ: أَشهد عَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، فإِذا كَسَرُوا رَجَعُوا إِلى الأَلف؛ وَفِي حَدِيثِ قَيْلةَ: « تَحْسَبُ عَنِّي نَائِمَةٌ »أَي تَحْسَبُ أَني نَائِمَةٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" حُصَين بْنِ مُشَمِّت: أَخبرنا فُلَانٌ عَنَّ فُلَانًا حَدَّثه "أَي أَن فُلَانًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كأَنَّهم يفعلون لبَحَحٍ فِي أَصواتهم، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لأَنَّكَ ولعَنَّك، تَقُولُ ذَاكَ بِمَعْنَى لَعَلَّك.

ابْنُ الأَعرابي: لعنَّكَ لِبَنِي تَمِيمٍ، وَبَنُو تَيْم اللَّهِ بْنُ ثَعْلبة يَقُولُونَ: رَعَنَّك، يُرِيدُونَ لَعَلَّكَ.

وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: رَعَنَّكَ ولغَنَّك، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، بِمَعْنَى لعَلَّكَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: كُنَّا فِي عُنَّةٍ مِنَ الكَلإِ وفُنَّةٍ وثُنَّةٍ وعانِكَةٍ مِنَ الكلإِ واحدٌ أَي كُنَّا فِي كَلاءٍ كَثِيرٍ وخِصْبٍ.

وَعَنْ: مَعْنَاهَا مَا عَدَا الشيءَ، تَقُولُ: رَمَيْتُ عَنِ القوسْ لأَنه بِهَا قَذَفَ سَهْمَهُ عَنْهَا وعدَّاها، وأَطعمته عَنْ جُوعٍ، جَعَلَ الْجُوعَ مُنْصَرِفًا بِهِ تَارِكًا لَهُ وَقَدْ جَاوَزَهُ، وَتَقَعُ مِنْ مَوْقِعَهَا، وَهِيَ تَكُونُ حَرْفًا وَاسْمًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ مِنْ عَنْه؛ قَالَ القُطَامِيّ:

فقُلْتُ للرَّكْبِ، لِمَا أَنْ عَلا بهمُ، ***مِنْ عَنْ يمينِ الحُبَيّا، نظرةٌ قَبَلُ

قَالَ: وإِنما بُنِيَتْ لِمُضَارَعَتِهَا لِلْحَرْفِ؛ وَقَدْ تُوضَعُ عَنْ مَوْضِعَ بَعْدُ كَمَا قال الحرث بْنُ عُبَاد:

قَرِّبا مَرْبَطَ النَّعامةِ مِنِّي، ***لقِحَتْ حَرْبُ وائلٍ عَنْ حيالِ

أَي بَعْدَ حِيَالِ؛ وَقَالَ إِمرؤ الْقَيْسِ:

وتُضْحي فَتيتُ المِسكِ فوقَ فِراشِها، ***نَؤُوم الضُّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ

وَرُبَّمَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ عَلَى كَمَا قَالَ ذُو الإِصبع الْعَدْوَانِيُّ:

لَاهِ ابنُ عمِّكَ لَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ ***عَني، وَلَا أَنتَ دَيّاني فتَخْزُوني

قَالَ النَّحْوِيُّونَ: عَنْ سَاكِنَةَ النُّونِ حَرْفٌ وُضِعَ لمَعْنى مَا عَدَاكَ وَتَرَاخَى عَنْكَ.

يُقَالُ: انصَرِفْ عنِّي وتنحَّ عَنِّي.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الْعَرَبُ تزيدُ عَنْكَ، يُقَالُ: خُذْ ذَا عَنْكَ، وَالْمَعْنَى: خُذْ ذَا، وَعَنْكَ زِيَادَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ يُخَاطِبُ لَيْلَى الأَخيلية:

دَعي عنكِ تَشْتامَ الرجالِ، وأَقبِلي ***عَلَى أَذْلَعِيٍّ يَملأُ اسْتَكِ فَيْشَلا

أَراد يملأُ اسْتَكِ فَيْشلُه فَخَرَجَ نَصْبًا عَلَى التَّفْسِيرِ، وَيَجُوزُ حَذْفُ النُّونِ مِنْ عَنْ لِلشَّاعِرِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ حَذْفُ نُونِ مِنْ، وكأَنَّ حذْفَه إِنَّمَا هُوَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، إِلا أَن حَذْفَ نُونِ مِنْ فِي الشِّعْرِ أَكثر مِنْ حَذْفِ نُونِ عَنْ، لأَن دُخُولَ مِنْ فِي الْكَلَامِ أَكثر مِنْ دُخُولِ عَنْ.

وعَنِّي: بِمَعْنَى عَلِّي أَي لَعَلِّي؛ قَالَ القُلاخُ:

يَا صاحِبَيَّ، عَرِّجا قَلِيلا، ***عَنَّا نُحَيِّي الطَّلَلَ المُحِيلا

وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَنَّا، قَالَ: قَالَ الْمُبَرِّدُ مِنْ وَإِلَى وَرُبَّ وَفِي وَالْكَافُ الزَّائِدَةُ وَالْبَاءُ الزَّائِدَةُ وَاللَّامُ الزَّائِدَةُ هِيَ حُرُوفُ الإِضافة الَّتِي يُضَافُ بِهَا الأَسماء والأَفعال إِلَى مَا بَعْدَهَا، قَالَ: فأَما مَا وَضَعَهُ النَّحْوِيُّونَ نَحْوُ عَلَى وَعَنْ وَقَبْلُ وبَعْدُ وبَيْن وَمَا كَانَ مثلَ ذَلِكَ فإِنما هِيَ أَسماء؛ يُقَالُ: جِئْتُ مِنْ عِنْدِه، وَمِنْ عَلَيْهِ، وَمِنْ عَنْ يَسَارِهِ، وَمِنْ عَنْ يَمِينِهِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْقَطَامِيُّ: " مِنْ عَنْ يَمِينِ الحُبَيّا نظْرَةٌ قَبَلُ.

قَالَ: وَمِمَّا يَقَعُ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ مِنْ وَعَنْ أَن مِنْ يُضَافُ بِهَا مَا قَرُبَ مِنَ الأَسماء، وَعَنْ يُوصَل بِهَا مَا تَراخى، كَقَوْلِكَ: سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثًا، وَحَدَّثَنَا عَنْ فُلَانٍ حَدِيثًا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ}؛ أَي مِنْ عِبَادِهِ.

الأَصمعي: حدَّثني فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ، يُرِيدُ عَنْهُ.

ولَهِيتُ مِنْ فُلَانٍ وَعَنْهُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَهِيتُ عَنْهُ لَا غَيْرُ، وَقَالَ: الْهَ مِنْه وَعَنْهُ، وَقَالَ: عَنْكَ جَاءَ هَذَا، يُرِيدُ مِنْكَ؛ وَقَالَ ساعدةُ بْنُ جُؤَيّةَ:

أَفَعنْك لَا بَرْقٌ، كأَنَّ ومِيضَهُ ***غابٌ تَسَنَّمهُ ضِرامٌ مُوقَدُ؟

قَالَ: يُرِيدُ أَمِنْكَ بَرْقٌ، وَلَا صِلَةٌ؛ رَوَى جميعَ ذَلِكَ أَبو عُبَيْدٍ عَنْهُمْ، قَالَ: وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ تَكُونُ عَنْ بِمَعْنَى عَلَى؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الإِصبع الْعَدْوَانِيِّ: " لَا أَفضلْتَ فِي حَسَبٍ عَنِّي.

قَالَ: عَنِّي فِي مَعْنَى عَليَّ أَي لَمْ تُفْضِلْ فِي حَسَبٍ عَلَيَّ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ عَنْ بِمَعْنَى بَعْدُ؛ وأَنشد:

وَلَقَدْ شُبَّتِ الحُرُوبُ، فَمَا غَمَّرْتَ ***فِيهَا، إِذْ قَلَّصَتْ عَنْ حِيالِ

أَيْ قلَّصَتْ بَعْدَ حِيالها؛ وَقَالَ فِي قَوْلِ لَبِيَدٍ:

لِورْدٍ تَقْلِصُ الغِيطانُ عَنْهُ، ***يَبُكُّ مسافَةَ الخِمْسِ الكَمالِ

قَالَ: قَوْلُهُ عَنْهُ أَي مِنْ أَجله.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: سِرْ عَنْكَ وانْفُذْ عَنْكَ أَي امضِ وجُزْ، لَا مَعْنَى لعَنْك.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: « أَنه طَافَ بِالْبَيْتِ مَعَ يَعْلَى بْنِ أُميَّة، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ الغرْبيِّ الَّذِي يَلِي الأَسْودَ قَالَ لَهُ: أَلا تسْتَلِمُ؟ فَقَالَ لَهُ: انْفُذْ عَنْكَ فإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يسْتَلِمْه »؛ وَفِي الْحَدِيثِ: « تَفْسِيرُهُ»؛ أي دَعْه.

وَيُقَالُ: جَاءَنَا الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَخْفِضُ النُّونَ.

وَيُقَالُ: جَاءَنَا مِنَ الْخَيْرِ مَا أَوجب الشُّكْرَ فَتَفْتَحُ النُّونَ، لأَن عَنْ كَانَتْ فِي الأَصل عَنِي وَمِنْ أَصلها مِنَا، فَدَلَّتِ الْفُتْحَةُ عَلَى سُقُوطِ الأَلف كَمَا دَلَّتِ الْكَسْرَةُ فِي عَنْ عَلَى سُقُوطِ الْيَاءِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:

مِنَا أَنْ ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ، حَتَّى ***أَغاثَ شَرِيدَهمْ مَلَثُ الظَّلامِ

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فِي إِعراب مِنَ الوقفُ إِلا أَنها فُتِحَتْ مَعَ الأَسماء الَّتِي تَدْخُلُهَا الأَلف وَاللَّامُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَقَوْلِكَ مِنَ النَّاسِ، النُّونُ مِنْ مِنْ سَاكِنَةٌ وَالنُّونُ مِنَ النَّاسِ سَاكِنَةٌ، وَكَانَ فِي الأَصل أَن تُكْسَرَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَلَكِنَّهَا فُتِحَتْ لِثِقَلِ اجْتِمَاعِ كَسْرَتَيْنِ لَوْ كَانَ مِنِ النَّاسِ لثَقُلَ ذَلِكَ، وأَما إِعراب عَنِ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِلا الْكَسْرُ لأَن أَول عَنْ مَفْتُوحٌ، قَالَ: وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الزَّجَّاجُ فِي الفرق بينهما.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


201-لسان العرب (مكن)

مكن: المَكْنُ والمَكِنُ: بيضُ الضَّبَّةِ والجَرَادة وَنَحْوِهِمَا؛ قَالَ أَبو الهِنْديّ، وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ عَبْدِ القُدُّوسِ:

ومَكْنُ الضِّبابِ طَعامُ العُرَيب، ***وَلَا تشْتَهِيه نفُوسُ العَجَمْ

وَاحِدَتُهُ مَكْنةٌ ومَكِنة، بِكَسْرِ الْكَافِ.

وَقَدْ مَكِنَتِ الضَّبَّةُ وَهِيَ مَكُونٌ وأَمْكَنتْ وَهِيَ مُمْكِنٌ إِذَا جَمَعَتِ الْبَيْضَ فِي جَوْفِهَا، والجَرادةُ مِثْلُهَا.

الْكِسَائِيُّ: أَمْكَنَتِ الضَّبَّةُ جَمَعَتْ بَيْضَهَا فِي بَطْنِهَا، فَهِيَ مَكُونٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عُقيل:

أَراد رَفِيقي أَنْ أَصيدَهُ ضَبَّةً ***مَكُونًا، وَمِنْ خَيْرِ الضِّباب مَكُونُها

وَفِي حَدِيثِ أَبي سَعِيدٍ: « لَقَدْ كُنَّا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهْدَى لأَحدنا الضَّبَّةُ المَكُونُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَن يُهْدَى إِلَيْهِ دجاجةٌ سَمِينَةٌ »؛ المَكُونُ: الَّتِي جَمَعَتِ المَكْنَ، وَهُوَ بَيْضُهَا.

يُقَالُ: ضَبَّةٌ مَكُونٌ وضَبٌّ مَكُونٌ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي رجاءٍ: أَيُّما أَحبُّ إِلَيْكَ ضَبٌّ مَكُون أَو كَذَا وَكَذَا؟ "وَقِيلَ: الضبَّةُ المَكُونُ الَّتِي عَلَى بَيْضِهَا.

وَيُقَالُ ضِبابٌ مِكانٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

وَقَالَ: تعَلَّمْ أَنها صَفَريَّةٌ، ***مِكانٌ بِمَا فِيهَا الدَّبَى وجَنادِبُهْ

الْجَوْهَرِيُّ: المَكِنَةُ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَاحِدَةُ المَكِنِ والمَكِناتِ.

وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها ومَكُناتها "، بِالضَّمِّ، قِيلَ: يَعْنِي بَيْضَهَا عَلَى أَنه مُسْتَعَارٌ لَهَا مِنَ الضَّبَّةِ، لأَن المَكِنَ لَيْسَ لِلطَّيْرِ، وَقِيلَ: عَنى مَوَاضع الطَّيْرِ.

وَالْمُكِنَّاتُ فِي الأَصل: بَيْضُ الضِّباب.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سأَلت عِدَّةً مِنَ الأَعراب عَنْ مَكِناتِها فَقَالُوا: لَا نَعْرِفُ لِلطَّيْرِ مَكِناتٍ، وإِنما هِيَ وُكُنات، وَإِنَّمَا المَكِناتُ بَيْضُ الضِّبابِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَجَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَن يُسْتَعَارَ مَكْنُ الضِّبابِ فَيُجْعَلُ لِلطَّيْرِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ، كَمَا قَالُوا مَشافر الحَبَشِ، وَإِنَّمَا المَشافر للإِبل؛ وَكَقَوْلِ زُهَيْرٍ يَصِفُ الأَسد:

لدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاح مُقَذَّفٍ، ***لَهُ لِبَدٌ أَظفارُه لَمْ تُقَلَّمِ

وَإِنَّمَا لَهُ المَخالِبُ؛ قَالَ: وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ" قَوْلِهِ أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى مَكِناتها "، يُرِيدُ عَلَى أَمْكِنتها، وَمَعْنَاهُ الطَّيْرُ الَّتِي يَزْجُرُ بِهَا، يَقُولُ: لَا تَزْجُرُوا الطَّيْرَ وَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا، أَقِرُّوها عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا أَي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تَعْدُوا ذَلِكَ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: الصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَكِناتِها أَنها جَمْعُ المَكِنَة، والمَكِنةُ التَّمَكُّنُ.

تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ لَذَوُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ أَيْ تَمكُّنٍ، فَيَقُولُ: أَقِرُّوا الطَّيْرَ عَلَى كُلِّ مَكِنةٍ ترَوْنَها عَلَيْهَا ودَعُوا التَّطَيُّرَ مِنْهَا، وَهِيَ مِثْلُ التَّبِعةِ مِنَ التَّتبُّعِ، والطَّلِبةِ مِنَ التَّطلُّب.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ النَّاسُ عَلَى مَكِناتِهم أَي عَلَى اسْتِقَامَتِهِمْ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ عِنْدَ قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ: « وَيَجُوزُ أَن يُرَادَ بِهِ عَلَى أَمْكِنتها» أَي عَلَى مَوَاضِعِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا، قَالَ: لَا يَصِحُّ أَن يُقَالَ فِي المَكِنة إِنَّهُ الْمَكَانُ إِلَّا عَلَى التَّوَسُّعِ، لأَن المَكِنة إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى التَّمكُّنِ مِثْلَ الطَّلِبَة بِمَعْنَى التَّطَلُّبِ والتَّبِعَةِ بِمَعْنَى التَّتبُّع.

يُقَالُ: إنَّ فُلَانًا لَذُو مَكِنةٍ مِنَ السُّلْطَانِ، فَسُمِّيَ مَوْضِعُ الطَّيْرِ مَكِنةً لتمَكُّنه فِيهِ؛ يَقُولُ: دَعُوا الطَّيْرَ عَلَى أَمْكِنتها وَلَا تَطَيَّرُوا بِهَا؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيُرْوَى مُكُناتها جَمْعُ مُكُنٍ، ومُكُنٌ جَمْعُ مَكانٍ كصُعُداتٍ فِي صُعُدٍ وحُمُراتٍ فِي حُمُرٍ.

وَرَوَى" الأَزهري عَنْ يُونُسَ قَالَ: قَالَ لَنَا الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَراد الْحَاجَةَ أَتى الطَّيْرَ سَاقِطًا أَو في وَكْرِه فنَفَّرَهُ، فَإِنْ أَخذ ذَاتَ الْيَمِينِ مضى لحاجته، وَإِنْ أَخذ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعَ، فنَهى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ "؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ ابْنُ عُيَيْنةَ.

قَالَ ابْنُ الأَعرابي: النَّاسُ عَلَى سَكِناتِهم ونَزِلاتِهم ومَكِناتِهم، وكلُّ ذِي ريشٍ وكلُّ أَجْرَدَ يَبِيضُ، وَمَا سِوَاهُمَا يَلِدُ، وَذُو الرِّيشِ كُلُّ طَائِرٍ، والأَجْرَدُ مِثْلُ الْحَيَّاتِ والأَوْزاغ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا شَعَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَشَرَاتِ.

والمَكانةُ: التُّؤَدَةُ، وَقَدْ تَمَكَّنَ.

ومَرَّ عَلَى مَكِينته أَي عَلَى تُؤَدَتِه.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ امْشِ عَلَى مَكِينتِكَ ومَكانتك وهِينَتِكَ.

قَالَ قُطْرُبٌ: يُقَالُ فُلَانٌ يَعْمَلُ عَلَى مَكِينتِه أَي عَلَى اتِّئاده.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ}؛ أَي عَلَى حيالِكم وَنَاحِيَتِكُمْ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي عَلَى مَا أَنتم عَلَيْهِ مُسْتَمْكِنُونَ.

الْفَرَّاءُ: لِي فِي قَلْبِهِ مَكانَةٌ ومَوْقِعة ومَحِلَّةٌ.

أَبو زَيْدٍ: فُلَانٌ مَكين عِنْدَ فُلَانٍ بَيِّنُ المَكانَةِ، يَعْنِي الْمَنْزِلَةَ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَوْلُهُمْ مَا أَمكنه عِنْدَ الأَمير شَاذٌّ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ جَاءَ مَكُنَ يَمْكُنُ؛ قَالَ القُلاخُ: " حَيْثُ تَثَنَّى الماءُ فِيهِ فمَكُنْ "قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا أَمْكَنَه عَلَى الْقِيَاسِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والمَكانةُ المَنْزلة عِنْدَ الْمَلِكِ.

وَالْجَمْعُ مَكاناتٌ، وَلَا يُجْمَعُ جَمْعَ التَّكْسِيرِ، وَقَدْ مَكُنَ مَكانَةً فَهُوَ مَكِينٌ، وَالْجَمْعُ مُكَناء.

وتَمَكَّنَ كَمَكُنَ.

والمُتَمَكِّنُ مِنَ الأَسماء: مَا قَبِلَ الرَّفْعَ وَالنَّصْبَ وَالْجَرَّ لَفْظًا، كَقَوْلِكَ زيدٌ وَزَيْدًا وزيدٍ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُنْصَرِفِ كأَحمدَ وأَسْلَمَ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمَعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّينَ فِي الِاسْمِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَي أَنه مُعْرَبٌ كَعُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ، فَإِذَا انْصَرَفَ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ المُتَمَكِّنُ الأَمْكَنُ كَزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَغَيْرُ الْمُتَمَكِّنِ هُوَ الْمَبْنِيُّ ككَيْفَ وأَيْنَ، قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الظَّرْفِ إِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ أَنه يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً ظَرْفًا وَمَرَّةً اسْمًا، كَقَوْلِكَ: جَلَسْتُ خلْفَكَ، فَتَنْصِبُ، وَمَجْلِسِي خَلْفُكَ، فَتَرْفَعُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفًا، وَغَيْرُ المُتَمَكِّن هُوَ الَّذِي لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ أَن يَكُونَ ظَرْفًا إِلَّا ظَرْفًا، كَقَوْلِكَ: لَقِيتُهُ صَبَاحًا وَمَوْعِدُكَ صَبَاحًا، فَتَنْصِبُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ الرَّفْعُ إِذَا أَردت صَبَاحَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ تُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَكثر مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ لَهَا كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا يؤْخذ سَمَاعًا عَنْهُمْ، وَهِيَ صباحٌ وَذُو صباحٍ، ومَساء وَذُو مَساء، وعَشِيّة وعِشاءٌ، وضُحىً وضَحْوَة، وسَحَرٌ وبُكَرٌ وبُكْرَةٌ وعَتَمَةٌ، وذاتُ مَرَّةٍ، وذاتُ يَوْمٍ، وليلٌ ونهارٌ وبُعَيْداتُ بَيْنٍ؛ هَذَا إِذَا عَنَيْتَ بهذه الأَوقات يَوْمًا بِعَيْنِهِ، فأَما إِذَا كَانَتْ نَكِرَةً أَو أَدخلت عَلَيْهَا الأَلف وَاللَّامَ تَكَلَّمْتَ بِهَا رَفْعًا وَنَصْبًا وَجَرًّا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَخبرنا بِذَلِكَ يُونُسُ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: كُلُّ مَا عُرِّفَ مِنَ الظُّرُوفِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الظَّرْفِيَّةَ لأَنه ضُمِّنَ مَا لَيْسَ لَهُ فِي أَصل وَضْعِهِ، فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ: سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، لأَنه مَعْرِفَةٌمِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنْ نَكَّرْتَهُ فَقُلْتَ سِيرَ عَلَيْهِ سَحَرٌ، جَازَ، وَكَذَلِكَ إِنْ عرَّفْتَه مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ فَقُلْتَ: سِيرَ عَلَيْهِ السَّحَرُ، جَازَ.

وأَما غُدْوَةٌ وبُكْرَة فَتَعْرِيفُهُمَا تَعْرِيفُ العَلميَّة، فَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا كَقَوْلِكَ: سِيرَ عَلَيْهِ غُدْوَةٌ وبُكْرَةٌ، فأَما ذُو صَباحٍ وذاتُ مرَّةٍ وقبلُ وبعدُ فَلَيْسَتْ فِي الأَصل مِنْ أَسماء الزَّمَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلَتِ اسْمًا لَهُ عَلَى تَوَسُّعٍ وَتَقْدِيرِ حَذْفٍ.

أَبو مَنْصُورٍ: المَكانُ والمَكانةُ وَاحِدٌ.

التَّهْذِيبُ: اللَّيْثُ: مكانٌ فِي أَصل تَقْدِيرِ الْفِعْلِ مَفْعَلٌ، لأَنه مَوْضِعٌ لكَيْنونةِ الشَّيْءِ فِيهِ، غَيْرَ أَنه لَمَّا كَثُرَ أَجْرَوْهُ فِي التَّصْرِيفِ مُجْرَى فَعال، فَقَالُوا: مَكْنًا لَهُ وَقَدْ تَمَكَّنَ، وَلَيْسَ هَذَا بأَعْجَب مَنْ تَمَسْكَن مِنَ المَسْكَن، قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَن المَكانَ مَفْعَل أَن الْعَرَبَ لَا تَقُولُ فِي مَعْنَى هُوَ منِّي مَكانَ كَذَا وَكَذَا إِلَّا مَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، بِالنَّصْبِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والمكانُ الْمَوْضِعُ، وَالْجَمْعُ أَمْكِنة كقَذَال وأَقْذِلَةٍ، وأَماكِنُ جَمْعُ الْجَمْعِ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: يَبْطُل أَن يَكُونَ مَكانٌ فَعالًا لأَن الْعَرَبَ تَقُولُ: كُنْ مَكانَكَ، وقُم مكانَكَ، وَاقْعُدْ مَقْعَدَك؛ فَقَدْ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنه مَصْدَرٌ مِنْ كَانَ أَو مَوْضِعٌ مِنْهُ؛ قَالَ: وَإِنَّمَا جُمِعَ أَمْكِنَةً فَعَامَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ مُعَامَلَةَ الأَصلية لأَن الْعَرَبَ تشَبِّه الْحَرْفَ بِالْحَرْفِ، كَمَا قَالُوا مَنارة ومنائِر فَشَبَّهُوهَا بفَعالةٍ وَهِيَ مَفْعَلة مِنَ النُّورِ، وَكَانَ حُكْمُهُ مَنَاوِر، وَكَمَا قِيلَ مَسِيل وأَمْسِلة ومُسُل ومُسْلان وَإِنَّمَا مَسيلٌ مَفْعِلٌ مِنَ السَّيْلِ، فَكَانَ يَنبغي أَن لَا يُتَجاوز فِيهِ مَسَايِلُ، لَكِنَّهُمْ جَعَلُوا الْمِيمَ الزَّائِدَةَ فِي حُكْمِ الأَصلية، فصار معفْعِل فِي حُكْمِ فَعِيل، فكُسِّر تكسيرَه.

وتَمَكَّنَ بِالْمَكَانِ وتَمَكَّنَه: عَلَى حَذْفِ الوَسِيط؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ:

لَمَّا تَمَكَّنَ دُنْياهُمْ أَطاعَهُمُ، ***فِي أَيّ نحْوٍ يُميلوا دِينَهُ يَمِلِ

قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ تَمَكُّنُ دُنْيَاهُمْ عَلَى أَن الْفِعْلَ لِلدُّنْيَا، فَحَذَفَ التَّاءَ لأَنه تأْنيث غَيْرُ حَقِيقِيٍّ.

وَقَالُوا: مَكانَك تُحَذِّره شَيْئًا مِنْ خَلْفه.

الْجَوْهَرِيُّ: مَكَّنَه اللهُ مِنَ الشيءِ وأَمْكَنَه مِنْهُ بِمَعْنًى.

وَفُلَانٌ لَا يُمْكِنُه النُّهُوضُ أَي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

ابْنُ سِيدَهْ: وتَمَكَّنَ مِنَ الشيءِ واسْتَمْكَنَ ظَفِر، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المكانَةُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ أَمْكَنني الأَمرُ، يمْكِنُني، فَهُوَ مُمْكِنٌ، وَلَا يُقَالُ أَنا أُمْكِنُه بِمَعْنَى أَستطيعه؛ وَيُقَالُ: لَا يُمْكِنُكَ الصُّعُودُ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ، وَلَا يُقَالُ أَنت تُمْكِنُ الصُّعُودَ إِلَيْهِ.

وأَبو مَكِينٍ: رجلٌ.

والمَكْنانُ، بِالْفَتْحِ وَالتَّسْكِينِ: نَبْتٌ يَنْبُتُ عَلَى هَيْئَةِ وَرَقِ الهِنْدِباء بَعْضُ وَرَقِهِ فَوْقَ بَعْضٍ، وَهُوَ كَثِيفٌ وَزَهْرَتُهُ صَفْرَاءُ ومَنْبتُه القِنانُ وَلَا صَيُّورَ لَهُ، وَهُوَ أَبطأُ عُشْب الرَّبِيعِ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ لِينِهِ، وَهُوَ عُشْبٌ لَيْسَ مِنَ الْبَقْلِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: المَكْنانُ مِنَ الْعُشْبِ وَرَقَتُهُ صَفْرَاءُ وَهُوَ لَيِّنٌ كُلُّهُ، وَهُوَ مِنْ خَيْرِ العُشْبِ إِذَا أَكلته الْمَاشِيَةُ غَزُرَتْ عَلَيْهِ فَكَثُرَتْ أَلبانها وخَثُرتْ، وَاحِدَتُهُ مَكْنانةٌ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: المَكْنان مِنْ بُقُول الرَّبِيعِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وبالرَّوْضِ مَكْنانٌ كأَنَّ حَدِيقَهُ ***زَرَابيُّ وَشَّتْها أَكُفُّ الصَّوانِعِ

وأَمْكَنَ المكانُ: أَنبت المَكْنانَ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ رَوَاهُ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْهُ:

ومَجَرّ مُنْتَحَرِ الطَّليّ تَناوَحَتْ ***فِيهِ الظِّباء ببطن وادٍ مْمْكِنِ

قَالَ: مُمْكِن يُنْبِت المَكْنانَ، وَهُوَ نَبْتٌ مِنْ أَحرار الْبُقُولِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ثَوْرًا أَنشده ابْنُ بَرِّيٍّ:

حَتَّى غَدا خَرِمًا طَأَّى فَرائصَه، ***يَرْعى شَقائقَ مِنْ مَرْعىً ومَكْنان

وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لأَبي وَجْزَةَ يَصِفُ حِمَارًا:

تَحَسَّرَ الماءُ عَنْهُ واسْتَجَنَّ بِهِ ***إلْفانِ جُنَّا مِنَ المَكْنانِ والقُطَبِ

جُمادَيَيْنِ حُسُومًا لَا يُعايِنُه ***رَعْيٌ مِنَ النَّاسِ فِي أَهْلٍ وَلَا غَرَبِ

وَقَالَ الرَّاجِزُ:

وأَنت إِنْ سَرَّحْتَها فِي مَكْنانْ ***وَجَدْتَها نِعْمَ غَبُوقُ الكَسْلانْ

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


202-لسان العرب (دهده)

دهده: دَهْدَهْتُ الْحِجَارَةَ ودَهْدَيْتُها إِذَا دَحْرَجْتَها فتَدَهْدَه الْحَجَرُ وتَدَهْدَى؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " دَهْدَهْنَ جَوْلانَ الحَصَى المُدَهْدَهِ وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا: « فيَتَدَهْدَى الحجرُ فيَتْبَعُه فيأْخُذُه »أَي يَتَدَحْرَجُ.

والدَّهْدَهَةُ: قَذْفُك الحجارةَ مِنْ أَعلى إِلَى أَسفل دَحْرجةً؛ وأَنشد:

يُدَهْدِهْنَ الرُّؤوسَ، كَمَا تُدَهْدِي ***حَزاوِرَةٌ، بأَبْطَحِها، الكُرينَا

حَوَّلَ الْهَاءَ الأَخيرة يَاءً لِقُرْبِ شَبَهِهَا بِالْهَاءِ، أَلا تَرَى أَن الْيَاءَ مَدَّةٌ وَالْهَاءَ نَفَسٌ؟ وَمِنْ هُنَاكَ صَارَ مَجْرَى الْيَاءِ وَالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَالْهَاءِ فِي رَوِيِّ الشِّعْرِ شَيْئًا وَاحِدًا نَحْوَ قَوْلِهِ: لِمَنْ طَلَلٌ كالوَحْيِ عافٍ مَنازلُهْ "فَاللَّامُ هُوَ الرَّوِيُّ، وَالْهَاءُ وَصْلُ الرَّوِيِّ، كَمَا أَنها لَوْ لَمْ تَكُنْ لَمَدَّتِ اللَّامَ حَتَّى تَخْرُجَ مَنْ مَدَّتها وَاوٌ أَو يَاءٌ أَو أَلف لِلْوَصْلِ نَحْوَ مَنَازِلِي وَمَنَازِلَا وَمَنَازِلُو، وَاللَّهُ أَعلم.

ابْنُ سِيدَهْ: دَهْدَه الشيءَ فتَدَهْدَه حَدَرَه مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ تَدَحْرُجًا.

ودَهْدَهَهُ: قَلَب بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ دَهْداهُ دِهْداءً ودَهْداةً، الْيَاءُ بَدَلٌ مِنَ الْهَاءِ لأَنها مَثَلُهَا فِي الْخَفَاءِ، كَمَا أُبدلت هِيَ مِنْهَا فِي قَوْلِهِمْ: ذِهِ أَمَةُ اللَّهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: دَهْدَهْتُ الْحَجَرَ فَتَدَهْدَه دَحْرَجْتُهُ فَتَدَحْرَجَ؛ وَقَدْ تُبَدَّلُ مِنَ الْهَاءِ يَاءً فَيُقَالُ تَدَهْدَى الْحَجَرُ وَغَيْرُهُ تَدَهْدِيًا إِذَا تَدَحْرجَ، ودَهْدَيْتُه أَنا أُدَهْديه دَهْدَاةً ودَهْدَأَةً إِذَا دَحْرَجْتَهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

أَدْنَى تَقَاذُفِهِ التقريبُ أَو خَبَبٌ، ***كَمَا تَدَهْدَى مِنَ العَرْضِ الجَلاميدُ

والدُّهْديَةُ: الخُرْءُ الْمُسْتَدِيرُ الَّذِي يُدَهْدِيه الجُعَل.

ودُهْدُوَةُ الجعَل.

ودُهْدُوَّتُه ودُهْدِيَّتُه، عَلَى الْبَدَلِ، ودُهْدِيَتُه، بِالتَّخْفِيفِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: مَا يُدَهْدِيه.

ابْنُ بَرِّيٍّ: الدُّهْدُوهَةُ كالدُّحْرُوجَةِ، وَهُوَ مَا يَجْمَعُهُ الْجُعَلُ مِنَ الخُرْء.

وَفِي الْحَدِيثِ: « لَمَا يُدَهْدِهُ الجُعَلُ خَيْرٌ مِنَ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ »؛ هُوَ مَا يُدَحْرِجُه مِنَ السِّرْجين.

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " كَمَا يُدَهْدِهُ الجُعَلُ النَّتْنَ بأَنفه.

الْجَوْهَرِيُّ: الدَّهْدَهانُ الْكَبِيرُ مِنَ الإِبل؛ قَالَ: وأَنشد أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ حِيلَةٍ ومَحالة للأَغَرِّ:

لَنِعْمَ سَاقِي الدَّهْدَهانِ ذِي العَدَدْ، ***الجِلَّة الكُومِ الشِّرَابِ فِي العَضُدْ

الجِلَّةُ: المَسَانُّ مِنَ الإِبل، والكُومُ، جَمْعُ أَكْوَمَ وكَوْماءَ: الْعِظَامُ الأَسْنِمةِ؛ والشِّرَاب: جَمْعُ شَارِبٍ، وعَضُدُ الْحَوْضِ: مِنْ إِزَائِهِ إِلَى مؤَخره.

ابْنُ سِيدَهْ: والدَّهْداهُ صِغَارُ الإِبل؛ قَالَ:

قَدْ رَوِيَتْ، غيرَ الدُّهَيْدِهينا، ***قُلَيِّصاتٍ وأُبَيْكِرينا

جمَع الدَّهْداهَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ وَحَذَفَ الْيَاءَ مِنَ الدُّهَيْدِيهينا لِلضَّرُورَةِ كَمَا قَالَ: والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسَا "فَحَذَفَ الْيَاءَ مِنَ الْعَطَامِيسِ، وَهُوَ جَمْعُ عَيْطَمُوسٍ، لِلضَّرُورَةِ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كأَنه جَمَعَ الدَّهْداهَ عَلَى دَهادِهَ، ثُمَّ صَغَّرَ دَهاده فَقَالَ دُهَيْدِه، ثُمَّ جَمَعَ دَهِيدَهَا بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، وَكَذَلِكَ أَبْكُر جَمْعُ بَكْرٍ ثُمَّ صَغَّرَ فَقَالَ أُبَيْكِر، ثُمَّ جَمَعَهُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ.

ابْنُ سِيدَهْ: الدَّهْداه والدَّهْدَهانُ والدُّهَيدِهان الْكَثِيرُ مِنَ الإِبل.

أَبو الطُّفَيْل: الدَّهْداه الْكَثِيرُ مِنَ الإِبل حَواشيَ كُنَّ أَو جِلَّةً؛ وأَنشد:

إِذَا الأُمُورُ اصْطَكَّتِ الدَّواهي، ***مارَسْنَ ذَا عَقْبٍ وَذَا بُدَاهِ،

يَذُودُ يومَ النَّهَلِ الدَّهْداهِ "أَي النَّهل الْكَثِيرِ.

وَيُقَالُ: مَا أَدْري أَيُّ الدَّهْدا هُوَ أَي أَيُّ النَّاسِ، وَيُقَالُ: أَيُّ الدَّهْداءِ هُوَ، بِالْمَدِّ.

وَقَوْلُهُمْ: إلَّا دَهٍ، مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الأَمر الْآنَ فَلَا يَكُونُ بَعْدَ الْآنِ، وَلَا يُدْرَى مَا أَصْلُه؛ قَالَ الجوهري: وإني لأَظنها فارسية، يَقُولُ: إِنْ لَمْ تَضْرِبْه الْآنَ فَلَا تَضْرِبْهُ أَبدًا، وأَنشد قَوْلَ رُؤْبَةَ:

فاليومَ قَدْ نَهْنَهَني تَنَهْنُهي ***وقُوَّلٌ: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهِ

يُقَالُ: إِنَّهَا فَارِسِيَّةٌ حَكَى قولَ ظِئْرِه.

والقُوَّلُ: جَمْعُ قَائِلٍ مِثْلُ رَاكِعٍ ورُكَّعٍ.

وَفِي حَدِيثِ الْكَاهِنِ: « إلَّا دَهْ فَلَا دَهْ »؛ هَذَا مَثَلٌ مِنْ أَمثال الْعَرَبِ قَدِيمٌ، مَعْنَاهُ: إِنْ لَمْ تَنَلْه الْآنَ لَمْ تَنَلْهُ أَبدًا، وَقِيلَ: أَصله فَارِسِيٌّ معرَّب؛ أي إِنْ لَمْ تُعْطَ الْآنَ لَمْ تُعْطَ أَبدًا.

الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ دَهْ كَلِمَةٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِهَا، يَرَى الرجلُ ثأْره فَتَقُولُ لَهُ يَا فُلَانُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي أَنك إِنْ لَمْ تَثْأَرْ بِفُلَانٍ الْآنَ لَمْ تَثْأَرْ بِهِ أَبدًا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ طَلَبِ الْحَاجَةِ يَسْأَلُها فيُمْنَعُها فَيَطْلُبُ غَيْرَهَا: مِنْ أَمثالهم فِي هَذَا: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ؛ يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يَقُولُ أُريد كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يُمْكِنُ ذَاكَ، قَالَ: فَكَذَا وَكَذَا.

وَكَانَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ يُخْبِرُ عَنْ بَعْضِ الكُهّان: أَنه تَنَافَرَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَا أَخْبِرْنا فِي أَيِّ شيءٍ جِئْناك؟ فَقَالَ: فِي كَذَا وَكَذَا، فَقَالَا: إلَّا دَهٍ أَي انْظُرْ غَيْرَ هَذَا النَّظَرِ، فَقَالَ: إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، ثُمَّ أَخبرهما بِهَا.

وَقَالَ الأَصمعي فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ: أَيْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا فَلَا يَكُونُ ذَاكَ.

وَيُقَالُ: لَا دَهٍ فَلَا دَهٍ، يَقُولُ: لَا أَقبل وَاحِدَةً مِنَ الخَصْلَتين اللَّتَيْنِ تَعْرِضُ.

أَبو زَيْدٍ: تَقُولُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ يَا هَذَا، وَذَلِكَ أَن يُوتَر الرجلُ فيلقَى واتِرَه فَيَقُولُ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: إِنْ لَمْ تضربه الآن فإنك لا تَضْرِبُهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَن دِه فَارِسِيَّةٌ مَعْنَاهَا الضَّرْبُ، تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَمرتهبِالضَّرْبِ: دِهْ، قَالَ: رأَيته فِي كِتَابِ أَبي زَيْدٍ بِكَسْرِ الدَّالِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، يقال لِلرَّجُلِ إِذَا أَشْرف عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ مِنْ غَرِيمٍ لَهُ أَو مِنْ ثأْره أَو مِنْ إِكْرَامِ صَدِيقٍ لَهُ إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ أَي إِنْ لَمْ تَغْتَنِمِ الفُرْصةَ الساعةَ فَلَسْتَ تُصَادِفُهَا أَبدًا، وَمِثْلُهُ: بادِرِ الفُرْصة قَبْلَ أَن تَكُونَ الغُصَّة.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الدُّهْدُرُّ والدُّهْدُنُّ الباطلُ، وكأَنهما كَلِمَتَانِ جُعِلَتَا وَاحِدَةً.

أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الأَصمعي فِي بَابِ الْبَاطِلِ: دُهْ دُرَّيْن سَعْدَ القَيْن، قَالَ: وَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الْبَاطِلُ، وَلَا أَدري مَا أَصله.

قَالَ: وأَما أَبو زِيَادٍ فَإِنَّهُ قَالَ لِي يُقَالُ دُهْ دُرَّيْه، بِالْهَاءِ، وَقَالَ، وَقَالَ أَبو الْفَضْلِ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبي الْهَيْثَمِ دُهْ دُرَّيْن سَعْدَ القَيْن؛ دُهْ مَضْمُومَةُ الدَّالِ، سَعْدَ منصوبُ الدَّالِ، والقَيْن غَيْرُ مُعَرَّبٍ كأَنه مَوْقُوفٌ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: قَوْلُهُمْ دُهْ دُرّ معرَّب وأَصله دُهْ أَي عَشَرة دُرَّيْن أَوْ دُرّ أَي عَشَرَةُ أَلوان فِي وَاحِدٍ أَو اثْنَيْنِ.

قَالَ الأَزهري: قَدْ حَكَيْتُ فِي هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ مَا سَمِعْتُهُ وَحَفِظْتُهُ لأَهل اللُّغَةِ، وَلَمْ أَجد لَهُمَا فِي عَرَبِيَّةٍ وَلَا عَجَمِيَّةٍ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَصلًا صَحِيحًا، أَعني إِلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ، ودُهْ دُرَّيْن.

ابْنُ الأَعرابي: دُهْ زَجْرٌ للإِبل، يُقَالُ فِي زَجْرِهَا دُهْ دُهْ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


203-لسان العرب (عيا)

عيا: عَيَّ بالأَمرِ عِيًّا وعَيِيَ وتَعايا واسْتَعْيا؛ هَذِهِ عَنِ الزجَّاجي، وَهُوَ عَيٌّ وعَيِيٌّ وعَيَّانُ: عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يُطِقْ إحْكامه.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: جَمْعُ العَيِيِّ أَعْيِياءُ وأَعِيَّاءُ، وَالتَّصْحِيحُ مِنْ جِهَةِ أَنه لَيْسَ عَلَى وَزْنِ الفِعْلِ، والإِعْلال لاسْتِثقالِ اجْتِمَاعِ الياءَينِ، وَقَدْ أَعْيَاه الأَمرُ؛ فأَمَّا قَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

وَمَا ضَرَبٌ بَيْضاءُ، يأْوِي مَلِيكُها ***إِلَى طُنُفٍ أَعْيَا بِراقٍ ونازِلِ

فَإِنَّمَا عَدّى أَعْيَا بِالْبَاءِ لأَنه فِي مَعْنَى برَّح، فكأَنه قَالَ برَّح بِراقٍ ونازِلٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا عَدَّاه بِالْبَاءِ.

وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْمٌ أَعْيَاء وأَعْيِيَاء، قَالَ: وَقَالَ سِيبَوَيْهِ أَخبرنا بِهَذِهِ اللُّغَةِ يُونُسُ، قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَقَوْمٌ أَعِيّاء وأَعْيِيَاء كَمَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَالَ، يَعْنِي الْجَوْهَرِيَّ، وسَمِعْنا مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ أَعْيِيَاء وأَحْيِيَةٌ فيُبَيِّن؛ قَالَ فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ: أَحْيِيَةٌ جَمْعُ حَياء لفَرْج النَّاقَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُدْغِمُه فَيَقُولُ أَحِيَّة.

الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ العِيُّ تأْسِيسٌ أَصله مِنْ عَين وياءَيْن وَهُوَ مَصْدَرُ العَيِيِّ، قَالَ: وَفِيهِ لُغَتَانِ رَجُلٌ عَيِيٌّ، بِوَزْنِ فَعِيلٍ؛ وَقَالَ الْعَجَّاجُ: " لَا طائِشٌ قاقٌ وَلَا عَيِيُ "وَرَجُلٌ عَيٌّ: بوَزْنِ فَعْلٍ، وَهُوَ أَكثر مِنْ عَييٍّ، قَالَ: وَيُقَالُ عَيِيَ يَعْيا عَنْ حُجَّته عَيًّا، وعَيَّ يَعْيَا، وكلُّ ذَلِكَ يُقَالُ مِثْلُ حَيِيَ يَحْيَا وحَيَّ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}، قَالَ: والرَّجلُ يَتَكَلَّف عَمَلًا فيَعْيَا بِهِ وعَنه إِذَا لم يَهْتَدِلوجِه عَمَله.

وَحُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: يُقَالُ فِي فِعْلِ الْجَمِيعِ مِنْ عَيَّ عَيُّوا؛ وأَنشد لِبَعْضِهِمْ:

يَحِدْنَ بِنَا عَنْ كلِّ حَيٍّ، كأَنَّنا ***أَخاريسُ عَيُّوا بالسَّلامِ وبالنَّسَبْ

وَقَالَ آخَرُ:

مِنَ الَّذِينَ إِذَا قُلْنا حديثَكُمُ ***عَيُّوا، وإنْ نَحْن حَدَّثْناهُمُ شَغِبُوا

قَالَ: وَإِذَا سُكِّن مَا قَبْلَ الْيَاءِ الأُولى لَمْ تُدْغَمْ كَقَوْلِكَ هُوَ يُعْيي ويُحْيي.

قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ أَدغَمَ فِي مثلِ هَذَا؛ وأَنشد لِبَعْضِهِمْ:

فكَأَنَّها بينَ النِّسَاءِ سَبيكةٌ ***تَمْشي بسُدَّة بَيتها، فتُعِيُ

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ: هَذَا غيرُ جائزٍ عِنْدَ حُذَّاق النَّحْوِيِّينَ.

وَذَكَرَ أَنَّ البيتَ الَّذِي اسْتَشْهد بِهِ الْفَرَّاءُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبو إِسْحَاقَ وكلامُ الْعَرَبِ عَلَيْهِ وأَجمع القُرّاء عَلَى الإِظْهار فِي قَوْلِهِ يُحْيِي وَيُمِيتُ.

وَحُكِيَ عَنْ شِمْرٍ: عَيِيتُ بالأَمر وعَيَيْتُه وأَعْيَا عليَّ ذَلِكَ وأَعْيَانِي.

وَقَالَ اللَّيْثُ: أَعْيَانِي هَذَا الأَمرُ أَن أَضْبِطَه وعَيِيت عَنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: عَيِيتُ فُلَانًا أَعْيَاهُ أَي جَهِلْته.

وَفُلَانٌ لَا يَعْيَاه أَحدٌ أَيْ لَا يَجْهَله أحدٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنْ لا تَعْيا عَنِ الإِخبارِ عَنْهُ إِذَا سُئِلْتَ جَهْلًا بِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي: " يسأَلْنَ عَنْكَ ولا يَعْياك مسؤولُ أَي لَا يَجْهَلُك.

وعَيِيَ فِي المَنْطِق عِيًّا: حَصِرَ.

وأَعْيَا الْمَاشِي: كلَّ.

وأَعْيَا السيرُ البَعيرَ ونحوَه: أَكَلَّه وطَلَّحه.

وإبلٌ مَعَايَا: مُعْيِيَة.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: سَأَلْتُ الخليلَ عَنْ مَعايا فَقَالَ: الوَجْه مَعَايٍ، وَهُوَ المُطَّرد، وَكَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ، وَإِنَّمَا قَالُوا مَعايا كَمَا قَالُوا مَدارى وصَحارى وَكَانَتْ مَعَ الْيَاءِ أَثقلَ إِذَا كَانَتْ تُستَثقَل وحدَها.

ورجلٌ عَياياءُ: عَيِيٌّ بالأُمور.

وَفِي الدُّعَاءِ: عَيٌّ لَهُ وشَيٌ، والنَّصْبُ جائِزٌ.

والمُعَايَاةُ: أَن تأْتيَ بكلامٍ لَا يٌهتَدى لَهُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَن تأْتي بشيءٍ لَا يُهْتَدَى لَهُ، وَقَدْ عَايَاهُ وعَيَّاه تَعْيِيَةً.

والأُعْيِيَّةُ: مَا عايَيْتَ بِهِ.

وفَحْلٌ عَيَاءٌ: لَا يَهْتَدي لِلضِّرَابِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَمْ يَضْرِبْ نَاقَةً قطُّ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا يَضْرِبُ، وَالْجَمْعُ أَعْياءٌ، جمَعُوه عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ حَتَّى كأَنهم كسَّروا فَعَلًا كَمَا قَالُوا حياءُ الناقةِ، وَالْجَمْعُ أَحْياءٌ.

وفَحْلٌ عَيَايَاءُ: كعَياءٍ، وَكَذَلِكَ الرجُلُ.

وَفِي حَدِيثِ أُمّ زَرْعٍ: « أَنَّ المرأَة السَّادِسَةَ قَالَتْ زَوْجِي عَيَايَاءُ طَبافاءُ كلُّ داءٍ لَهُ داءٌ »؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: العَيَايَاءُ مِنَ الإِبلِ الَّذِي لَا يَضْرِبُ وَلَا يُلْقِحُ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الرِّجَالِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِهِ: العَيَايَاءُ العِنِّينُ الَّذِي تُعْييهِ مُباضَعَة النِّسَاءِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ورَجلٌ عَيَايَاءُ إِذَا عَيَّ بالأَمْر والمَنْطِقِ؛ وَذَكَرَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَبَا: " كَجَبْهَةِ الشَّيخِ العَباء الثَّطِّ وَفَسَّرَهُ بالعَبام، وَهُوَ الْجَافِي العَيِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ أَسْمَع العَباءَ بِمَعْنَى العَبام لِغَيْرِ الليث، قال: وأَما الرَّجَز فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ: كَجَبْهَة الشَّيْخِ العَيَاء بِالْيَاءِ.

يُقَالُ: شَيْخٌ عَيَاءٌ وعَيَايَاءُ، وَهُوَ العَبامُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى النِّسَاءِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهُ بِالْبَاءِ فَقَدْ صَحَّف.

وداءٌ عَيَاءٌ: لَا يُبْرَأُ مِنْهُ، وَقَدْ أَعْيَاه "الداءُ؛ وَقَوْلُهُ: " وداءٌ قَدْ اعْيَا بالأَطبَّاء ناجِسُ "أَرَادَ أَعْيا الأَطِبَّاءَ فعَدَّاه بالحَرْفِ، إِذْ كَانَتْ أَعْيا فِي مَعْنَى بَرَّحَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

الأَزهري: وداءٌ عَيٌّ مثلُ عَياءٍ، وعَيِيٌّ أَجود؛ قال الحرث بْنُ طُفَيل:

وتَنْطِقُ مَنْطِقًا حُلْوًا لَذِيذًا، ***شِفاءَ البَثِّ والسُّقْمِ العَيِيِ

كأَن فَضِيضَ شارِبه بكأْس ***شَمُول، لَوْنُها كالرَّازِقِيِ

جَمِيعًا يُقْطَبانِ بِزَنْجَبيلٍ ***عَلَى فَمِها، مَعَ المِسْكِ الذَّكِيِ

وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ: الداءُ العَيَاءُ الَّذِي لَا دَواءَ لَهُ، قَالَ: وَيُقَالُ الداءُ العَيَاءُ الحُمْقُ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: داءٌ عَيَاءٌ أَي صعبٌ لَا دواءَ لَهُ كأَنه أَعْيا عَلَى الأَطِباء.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: « فِعْلُهم الداءُ العَيَاءُ »؛ هُوَ الَّذِي أَعْيا الأَطِباء وَلَمْ يَنْجَعْ فِيهِ الدواءُ.

وَحَدِيثُ" الزُّهْري: أَنَّ بَرِيدًا مِنْ بَعْضِ المُلوك جاءَه يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ مَعَهُ مَا مَعَ الْمَرْأَةِ كَيْفَ يُوَرَّث؟ قَالَ: مِنْ حيثُ يخرجُ الماءُ الدافِقُ "؛ فَقَالَ فِي ذَلِكَ قَائِلُهُمْ:

ومُهِمَّةٍ أَعْيا القُضاةَ عَياؤُها ***تَذَرُ الفقيهَ يَشُكُّ شَكَّ الجاهِلِ

عَجَّلْتَ قبلَ حَنِيذها بِشِوَائِها، ***وقَطَعْتَ مَحْرِدَها بحُكْمٍ فاصِلِ

قَالَ ابْنُ الأَثير: أَرادَ أَنك عجلتَ الفَتْوى فِيهَا وَلَمْ تَسْتَأْنِ فِي الْجَوَابِ، فشَبَّهه برجُلٍ نَزلَ بِهِ ضيفٌ فعَجَّل قِراهُ بِمَا قَطعَ لَهُ مِنْ كَبِدِ الذَّبيحة ولَحْمِها وَلَمْ يَحْبِسُه عَلَى الحَنيذِ وَالشِّوَاءِ، وتَعْجيلُ القِرى عِنْدَهُمْ محمودٌ وصاحبُه مَمْدُوحٌ.

وتَعَيَّا بالأَمر: كَتَعَنَّى؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:

حَتَّى أَزُورَكُم وأَعْلَمَ عِلْمَكُمْ، ***إنَّ التَّعَيِّيَ لِي بأَمرِك مُمْرِضُ

وَبَنُو عَيَاءٍ: حَيٌّ مِنْ جَرْمٍ.

وعَيْعَايَةُ: حَيٌّ مِنْ عَدْوان فِيهِمْ خَساسة.

الأَزهري: بَنُو أَعْيَا يُنْسَبُ إِلَيْهِمْ أَعْيَوِيٌّ، قَالَ: وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ.

وعَاعَى بالضأْنِ عَاعَاةً وعِيعَاءً: قَالَ لَهَا عَا، وَرُبَّمَا قَالُوا عَوْ وعَايْ وعاءِ، وعَيْعَى عَيْعَاةً وعِيعَاءً كَذَلِكَ؛ قَالَ الأَزهري: وَهُوَ مِثَالُ حاحَى بالغَنَم حِيحاءً، وَهُوَ زَجْرُها.

وَفِي الْحَدِيثِ شِفاءُ العِيِّ السؤالُ "؛ العِيُّ: الجهلُ، عَيِيَ بِهِ يَعْيا عِيًّا وعَيَّ، بالإِدغام وَالتَّشْدِيدِ، مثلُ عَييَ.

وَمِنْهُ حَدِيثِ الهَدْي: " فأَزْحَفَتْ عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ فعَيَّ بشأْنِها أَي عَجَزَ عَنْهَا وأَشكل عَلَيْهِ أَمرُها.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العِيُّ خلافُ البيانِ، وَقَدْ عَيَّ فِي مَنْطِقِه.

وَفِي الْمَثَلِ: أَعْيَا مِنْ باقِلٍ.

وَيُقَالُ أَيضًا: عَيَّ بِأَمرِه وعَيِيَ إِذَا لَمْ يَهْتَدِ لوجهِه، والإِدْغامُ أَكثر، وَتَقُولُ فِي الْجَمْعِ: عَيُوا، مخَفَّفًا، كَمَا قُلْنَاهُ فِي حَيُوا، وَيُقَالُ أَيضًا: عَيُّوا، بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبرص:

عَيُّوا بأَمرِهِمُ، كَمَا ***عَيَّتْ ببَيْضتِها الحَمامَهْ

وأَعْيَانِي هُوَ؛ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ حَسَّانٍ مِنْ بَنِي الحَرِث بنِ همَّام:

فإنَّ الكُثْرَ أَعْيَانِي قَديمًا، ***وَلَمْ أُقْتِرْ لَدُنْ أَنّي غُلامُ

يَقُولُ: كُنْتُ مُتَوَسِّطًا لَمْ أَفْتَقر فَقْرًا شَدِيدًا وَلَا "أَمكَنني جمعُ الْمَالِ الْكَثِيرِ، ويُرْوى: أَعْنَانِي أَي أَذَلَّني وأَخْضَعني.

وَحَكَى الأَزهري عَنِ الأَصمعي: عَيِيَ فُلَانٌ، بياءَين، بالأَمر إِذَا عَجَز عَنْهُ، وَلَا يُقَالُ أَعْيا بِهِ.

قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ عَيَّ بِهِ، فيُدْغِمُ.

وَيُقَالُ فِي المَشْي: أَعْيَيْت وأَنا عَيِيّ؛ قَالَ النَّابِغَةِ: " عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أَحد "قَالَ: وَلَا يُنْشَدُ أَعْيَتْ جَوَابًا؛ وأَنشد لِشَاعِرٍ آخَرَ فِي لُغَةِ مَنْ يَقُولُ عَيِيَ:

وَحَتَّى حسِبْناهمْ فوارِسَ كَهْمَسٍ، ***حَيُوا بعد ما ماتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا

وَيُقَالُ: أَعْيَا عليَّ هَذَا الأَمرُ وأَعْياني، وَيُقَالُ: أَعْيَانِي عَيَاؤه؛ قَالَ المرَّارُ: " وأَعْيَتْ أَن تُجِيبَ رُقىً لِرَاقِ "قَالَ: وَيُقَالُ أَعْيَا بِهِ بَعِيرُهُ وأَذَمَّ سواءٌ.

والإِعْيَاءُ: الكَلال؛ يُقَالُ: مَشَيْت فأَعْيَيْت، وأَعْيَا الرجلُ فِي المَشْيِ، فَهُوَ مُعْيٍ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ:

إِنَّ البَراذِينَ إِذَا جَرَيْنَهْ، ***مَعَ العِتاقِ ساعَةً، أَعْيَينَهْ

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ عَيَّانٌ.

وأَعْيَا الرجلُ وأَعْيَاهُ اللَّهُ، كِلَاهُمَا بالأَلف.

وأَعْيَا عَلَيْهِ الأَمْرُ وتَعَيَّا وتَعايا بِمَعْنًى.

وأَعْيَا: أَبو بَطْنٍ مِنْ أَسَدٍ، وَهُوَ أَعْيَا أَخو فَقْعسٍ ابْنَا طَريفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الحَرِثِ بْنِ ثَعْلبة بْنِ دُوادانَ بْنِ أَسدٍ؛ قَالَ حُرَيث بنُ عتَّابٍ النَّبْهاني:

تَعالَوْا أُفاخِرْكُمْ أَأَعْيَا، وفَقْعَسٌ ***إِلَى المَجْدِ أَدْنَى أَمْ عَشِيرَةُ حاتِمِ

والنسبَة إِلَيْهِمْ أَعْيَوِيّ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


204-مجمل اللغة (أتم)

أتم: الأتوم: المفضاة.

والأتم: إن تتفتق خرزتان من السقاء فتصيرًا واحدة.

ويقال: إن الأتم لغة في العتم، وهو شجر الزيتون.

والمأتم: النساءُ يجتمعن في الخير والشر.

كذا أخبرنا به أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمه القطان عن (يحيى)، المفسر عن القتيبي.

وأنشد:

نؤوم الضحى في مأتم أي مأتم

ويقال: أتم بالمكان: ثوى، وقال بعضهم: إنما هو أتن.

[ويقال: ما في سيره أتم، أي: إبطاء]

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


205-مجمل اللغة (بشر)

بشر: البشرةُ: ظاهر جلد الإنسان.

وباشر الرجل المرأة من ذلك؛ لأنه يفضي ببشرته إلى بشرتها.

وسمي البشر لظهورهم.

والبشير: الحسنُ الوجهِ.

والبشارة: الجمال.

قال [الأعشى]:

ورأت بأن الشيب جا

نبهُ [البشاشه] والبشارهْ

وبشرت فلانًا أبشرهُ تبشيرًا، وذلك يكون بالخير والشر، فإذا أوطلقت فالبشارة بالخير والنذارة بغيره.

وبشرت بشرًا بمعنى بشرت.

وفلان حسن البشير.

ويقال: أبشرت الأرض، إذا أخرجت نباتها.

وما أحسن بشرة الأرض، وبشرت الأديم، إذا قشرت وجهه.

وفلان مؤدم مبشر، إذا كان كاملًا من الرجالي كأنه جمع لين الأدمة وخشونة البشرة.

وحدذنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو إسحق الحربي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا سلام أبو المنذر عن عبد الله بن مختار أن بحنة بن ربيعة زوج أبنته، فقال لامرأته: جهزيها فإن

ابنتك المؤدمة المبشرة.

وتباشير الصبح: أوائلهُ.

وكذلك أوائل كل شيء، ولا يكون منه فعل.

والمبشراتُ: الرياح التي تبشرُ بالغيث.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


206-مقاييس اللغة (أم)

(أَمَّ) وَأَمَّا الْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ فَأَصْلٌ وَاحِدٌ، يَتَفَرَّعُ مِنْهُ أَرْبَعُ أَبْوَابٍ، وَهِيَ الْأَصْلُ وَالْمَرْجِعُ وَالْجَمَاعَةُ وَالدِّينُ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُتَقَارِبَةٌ، وَبَعْدَ ذَلِكَ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ الْقَامَةُ وَالْحِينُ وَالْقَصْدُ، قَالَ الْخَلِيلُ: الْأُمُّ: الْوَاحِدُ، وَالْجَمْعُ أُمَّهَاتٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا: أُمٌّ وَأُمَّاتٌ.

قَالَ شَاعِرٌ، وَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ:

إِذَا الْأُمَّهَاتُ قَبَحْنَ الْوُجُوهَ *** فَرَجْتَ الظَّلَامَ بِأُمَّاتِكَا

وَقَالَ الرَّاعِي:

أَمَّاتُهُنَّ وَطَرْقُهُنَّ فَحِيلَا.

وَتَقُولُ الْعَرَبُ: لَا أُمَّ لَهُ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ جَمِيعًا.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كُنْتِ أُمًّا وَلَقَدْ أَمَمْتِ أُمُومَةً.

وَفُلَانَةٌ تَؤُمُّ فُلَانًا، أَيْ: تَغْذُوهُ، أَيْ: تَكُونُ لَهُ أُمًّا تَغْذُوهُ وَتُرَبِّيهِ.

قَالَ:

نَؤُمُّهُمُ وَنَأْبُوهُمْ جَمِيعًا *** كَمَا قُدَّ السُّيُورُ مِنَ الْأَدِيمِ

أَيْ: نَكُونُ لَهُمْ أُمَّهَاتٍ وَآبَاءً.

وَأَنْشَدَ:

اطْلُبْ أَبَا نَخْلَةَ مِنْ يَأْبُوكَا *** فَكُلُّهُمْ يَنْفِيكَ عَنْ أَبِيكَا

وَتَقُولُ: أُمٌّ وَأُمَّةٌ، بِالْهَاءِ.

قَالَ:

تَقَبَّلْتَهَا مِنْ أُمَّةٍ لَكَ طَالَمَا *** تُنُوزِعَ فِي الْأَسْوَاقِ عَنْهَا خِمَارُهَا

قَالَ الْخَلِيلُ: كُلُّ شَيْءٍ يُضَمُّ إِلَيْهِ مَا سِوَاهُ مِمَّا يَلِيهِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي ذَلِكَ الشَّيْءَ أُمًّا.

وَمِنْ ذَلِكَ أُمُّ الرَّأْسِ وَهُوَ الدِّمَاغُ.

تَقُولُ: أَمَمْتُ فُلَانًا بِالسَّيْفِ وَالْعَصَا أَمًّا: إِذَا ضَرَبْتَهُ ضَرْبَةً تَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ.

"وَالْأَمِيمُ: الْمَأْمُومُ، وَهِيَ أَيْضًا الْحِجَارَةُ الَّتِي تُشْدَخُ بِهَا الرُّؤُوسُ; قَالَ: "

بِالْمَنْجَنِيقَاتِ وَبِالْأَمَائِمِ.

وَالشَّجَّةُ الْآمَّةُ: الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الدِّمَاغِ، وَهِيَ الْمَأْمُومَةُ أَيْضًا.

قَالَ:

يَحُجُّ مَأْمُومَةً فِي قَعْرِهَا لَجَفٌ *** فَاسْتُ الطَّبِيبِ قَذَاهَا كَالْمَغَارِيدِ

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: بَعِيرٌ مَأْمُومٌ: إِذَا أُخْرِجَتْ مِنْ ظَهْرِهِ عِظَامٌ فَذَهَبَتْ قَمْعَتُهُ.

قَالَ:

لَيْسَ بِمَأْمُومٍ وَلَا أَجَبِّ.

قَالَ الْخَلِيلُ: أُمُّ التَّنَائِفِ: أَشَدُّهَا وَأَبْعَدُهَا.

"وَأُمُّ الْقُرَى: مَكَّةُ; وَكُلُّ مَدِينَةٍ هِيَ أُمُّ مَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى، وَكَذَلِكَ أُمُّ رُحْمٍ."

وَأُمُّ الْقُرْآنِ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ.

وَأُمُّ الْكِتَابِ: مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ.

وَأُمُّ الرُّمْحِ: لِوَاؤُهُ وَمَا لُفَّ عَلَيْهِ.

قَالَ:

وَسَلَبْنَ الرُّمْحَ فِيهِ أُمُّهُ *** مِنْ يَدِ الْعَاصِي وَمَا طَالَ الطِّوَلْ

وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي يُنْزَلُ عَلَيْهَا: أُمُّ مَثْوًى، وَلِلرَّجُلِ أَبُو مَثْوًى.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: أُمُّ مِرْزَمٍ: الشَّمَالُ، قَالَ:

إِذَا هُوَ أَمْسَى بِالْحَلَاءَةِ شَاتِيًا *** تُقَشِّرُ أَعْلَى أَنْفِهِ أُمُّ مِرْزَمِ

وَأُمُّ كَلْبَةٍ: الْحُمَّى.

فَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدِ الْخَيلِ: أَبْرَحَ فَتًى إِنْ نَجَا مِنْ أُمِّ كَلْبَةٍ.

وَكَذَلِكَ أُمُّ مِلْدَمٍ.

وَأُمُّ النُّجُومِ: السَّمَاءُ.

قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:

يَرَى الْوَحْشَةَ الْأُنْسَ الْأَنِيسَ وَيَهْتَدِي *** بِحَيْثُ اهْتَدَتْ أُمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ السُّنِّىِّ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُسَبِّحٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: أُمُّ النُّجُومِ: الْمَجَرَّةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ السَّمَاءِ بُقْعَةٌ أَكْثَرَ عَدَدَ كَوَاكِبَ مِنْهَا، قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبَيْتَ.

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

بِشُعْثٍ يَشُجُّونَ الْفَلَا فِي رُؤُوسِهِ *** إِذَا حَوَّلَتْ أُمُّ النُّجُومِ الشَّوَابِكِ

حَوَّلَتْ يُرِيدُ أَنَّهَا تَنْحَرِفُ.

وَأُمُّ كِفَاتٍ: الْأَرْضُ.

وَأُمُّ الْقُرَادِ، فِي مُؤَخَّرِ الرُّسْغِ فَوْقَ الْخُفِّ، وَهِيَ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا الْقِرْدَانُ كاَلسُّكُرُّجَّةِ.

قَالَ أَبُو النَّجْمِ:

لِلْأَرْضِ مِنْ أُمِّ الْقُرَادِ الْأَطْحَلِ.

وَأُمُّ الصَّدَى هِيَ أُمُّ الدِّمَاغِ.

وَأُمُّ عُوَيْفٍ: دُوَيْبَّةٌ مُنَقَّطَةٌ، إِذَا رَأَتِ الْإِنْسَانَ قَامَتْ عَلَى ذَنَبِهَا وَنَشَرَتْ أَجْنِحَتَهَا، يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْجُبْنِ.

قَالَ:

يَا أُمَّ عَوْفٍ نَشِّرِي بُردَيْكْ *** إِنَّ الْأَمِيرَ وَاقِفٌ عَلَيْكْ

وَيُقَالُ: هِيَ الْجَرَادَةُ.

وَأُمُّ حُمارِسٍ دُوَيْبَّةٌ سَوْدَاءُ كَثِيرَةُ الْقَوَائِمِ.

وَأُمُّ صَبُّورٍ: الْأَمْرُ الْمُلْتَبِسُ، وَيُقَالُ: هِيَ الْهَضَبَةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مَنْفَذٌ.

وَأُمُّ غَيْلَانَ: شَجَرَةٌ كَثِيرَةُ الشَّوْكِ.

وَأُمُّ اللُّهَيْمِ: الْمَنِيَّةُ.

وَأُمُّ حُبَيْنٍ: دَابَّةٌ.

وَأُمُّ الطَّرِيقِ: مُعْظَمُهُ.

وَأُمُّ وَحْشٍ: الْمَفَازَةُ، وَكَذَلِكَ أُمُّ الظِّبَاءِ.

قَالَ:

وَهَانَتْ عَلَى أُمِّ الظِّبَاءِ بِحَاجَتِي *** إِذَا أَرْسَلَتْ تُرْبًا عَلَيْهِ سَحُوقُ

وَأُمُّ صَبَّارٍ: الْحَرَّةُ.

قَالَ النَّابِغَةُ:

تُدَافِعُ النَّاسَ عَنَّا حِينَ نَرْكَبُهَا *** مِنَ الْمَظَالِمِ تُدْعَى أُمَّ صَبَّارِ

وَأُمُّ عَامِرٍ، وَأُمُّ الطَّرِيقِ: الضَّبُعُ.

قَالَ يَعْقُوبُ: أُمُّ أَوْعَالٍ: هَضْبَةٌ بِعَيْنِهَا.

قَالَ:

وَأُمُّ أَوْعَالٍ كَهَا أَوْ أَقْرَبَا.

وَأُمُّ الْكَفِّ: الْيَدُ.

قَالَ:

لَيْسَ لَهُ فِي أُمِّ كَفٍّ إِصْبَعُ.

وَأُمُّ الْبَيْضِ: النَّعَامَةُ.

قَالَ أَبُو دُؤَادٍ:

وَأَتَانَا يَسْعَى تَفَرُّشَ أُمِّ الْ *** بَيْضِ

وَأُمُّ عَامِرٍ: الْمَفَازَةُ.

وَأُمُّ كُلَيْبٍ: شُجَيْرَةٌ لَهَا نَوْرٌ أَصْفَرُ.

وَأُمُّ عِرْيَطٍ: الْعَقْرَبُ.

وَأُمُّ النَّدَامَةِ: الْعَجَلَةُ.

وَأُمُّ قَشْعَمٍ، وَأُمُّ خَشَّافٍ، وَأُمُّ الرَّقُوبِ، وَأُمُّ الرَّقِمِ، وَأُمُّ أَرَيْقَ، وَأُمُّ رُبَيْقٍ، وَأُمُّ جُنْدَبٍ، وَأُمُّ الْبَلِيلِ، وَأُمُّ الرُّبَيْسِ، وَأُمُّ حَبَوْكَرَى، وَأُمُّ أَدْرَصٍ، وَأُمُّ نَآدٍ، كُلُّهَا كُنَى الدَّاهِيَةِ.

وَأُمُّ فَرْوَةٍ: النَّعْجَةُ.

وَأُمُّ سُوَيدٍ وَأُمُّ عِزْمٍ: سَافِلَةُ الْإِنْسَانِ.

وَأُمُّ جَابِرٍ: إِيَادٌ.

وَأُمُّ شَمْلَةٍ: الشَّمَالُ الْبَارِدَةُ.

وَأُمُّ غِرْسٍ: الرَّكِيَّةُ.

وَأُمُّ خُرْمَانَ: طَرِيقٌ.

وَأُمُّ الْهَشِيمَةِ: شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ يَابِسِ الشَّجَرِ.

قَالَ الْفَرَزْدَقُ يَصِفُ قِدْرًا:

إِذَا أُطْعِمَتْ أُمَّ الْهَشِيمَةِ أَرْزَمَتْ *** كَمَا أَرْزَمَتْ أُمُّ الْحِوَارِ الْمُجَلَّدِ

وَأُمُّ الطَّعَامِ: الْبَطْنُ.

قَالَ:

رَبَّيْتُهُ وَهْوَ مِثْلُ الْفَرْخِ أَعْظَمُهُ *** أُمُّ الطَّعَامِ تَرَى فِي جِلْدِهِ زَغَبَا

قَالَ الْخَلِيلُ: الْأُمَّةُ: الدِّينُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22].

وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ: لَا أُمَّةَ لَهُ، أَيْ: لَا دِينَ لَهُ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى دِينٍ حَقٍّ مُخَالِفٍ لِسَائِرِ الْأَدْيَانِ فَهُوَ أُمَّةٌ.

وَكُلُّ قَوْمٍ نُسِبُوا إِلَى شَيْءٍ وَأُضِيفُوا إِلَيْهِ فَهُمْ أُمَّةٌ، وَكُلُّ جِيلٍ مِنَ النَّاسِ أُمَّةٌ عَلَى حِدَةٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: لَوْلَا أَنَّ هَذِهِ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا، وَلَكِنِ اقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ.

فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} [البقرة: 213]، فَقِيلَ: كَانُوا كُفَّارًا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَ جَمِيعُ مَنْ مَعَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي السَّفِينَةِ مُؤْمِنًا ثُمَّ تَفَرَّقُوا.

وَقِيلَ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]، أَيْ: إِمَامًا يُهْتَدَى بِهِ، وَهُوَ سَبَبُ الِاجْتِمَاعِ.

وَقَدْ تَكُونُ الْأُمَّةُ جَمَاعَةَ الْعُلَمَاءِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران: 104]، وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْأُمَّةُ: الْقَامَةُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: إِنَّ فُلَانًا لَطَوِيلُ الْأُمَّةِ، وَهُمْ طِوَالُ الْأُمَمِ، قَالَ الْأَعْشَى:

وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ الْأَكْرَمِينَ *** حِسَانُ الْوُجُوهِ طِوَالُ الْأُمَمْ

قَالَ الْكِسَائِيُّ: أُمَّةُ الرَّجُلِ بَدَنُهُ وَوَجْهُهُ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْأُمَّةُ: الطَّاعَةُ وَالرَّجُلُ الْعَالِمُ.

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: إِنَّهُ لَحَسَنُ أُمَّةِ الْوَجْهِ، يَغْزُونَ السُّنَّةَ.

وَلَا أُمَّةَ لِبَنِي فُلَانٍ، أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ وَجْهٌ يَقْصِدُونَ إِلَيْهِ لَكِنَّهُمْ يَخْبِطُونَ خَبْطَ عَشْوَاءَ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا أَحْسَنَ أُمَّتَهُ، أَيْ: خَلْقَهُ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأُمِّيُّ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْسُوبُ إِلَى مَا عَلَيْهِ جِبِلَّةُ النَّاسِ لَا يَكْتُبُ، فَهُوَ [فِي] أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ عَلَى مَا وُلِدَ عَلَيْهِ.

قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ النَّابِغَةِ:

وَهَلْ يَأْثَمَنْ ذُو أُمَّةٍ وَهْوَ طَائِعُ.

فَمَنْ رَفَعَهُ أَرَادَ سُنَّةَ مَلِكَةٍ، وَمَنْ جَعَلَهُ مَكْسُورًا جَعَلَهُ دِينًا مِنَ الِائْتِمَامِ، كَقَوْلِكَ: ائْتَمَّ بِفُلَانٍ إِمَّةً.

وَالْأُمَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45]، أَيْ بَعْدَ حِينٍ.

وَالْإِمَامُ: كُلُّ مَنِ اقْتُدِيَ بِهِ وَقُدِّمَ فِي الْأُمُورِ.

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَامُ الْأَئِمَّةِ، وَالْخَلِيفَةُ إِمَامُ الرَّعِيَّةِ، وَالْقُرْآنُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ الْخَلِيلُ: الْإِمَّةُ: النِّعْمَةُ.

قَالَ الْأَعْشَى:

وَأَصَابَ غَزْوُكَ إَمَّةً فَأَزَالَهَا.

قَالَ: وَيُقَالُ لِلْخَيْطِ الَّذِي يُقَوَّمُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ: إِمَامٌ.

قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَمَامُ: الْقُدَّامُ، يَقُولُ: صَدْرُكَ أَمَامُكَ، رَفَعَ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ اسْمًا، وَيَقُولُ: أَخُوكَ أَمَامَكَ، نُصِبَ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الصِّفَةِ يَعْنِي بِهِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ لَبِيدٍ:

فَغَدَتْ كِلَا الْفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنَّهُ *** مَوْلَى الْمَخَافَةِ خَلْفُهَا وَأَمَامُهَا

فَإِنَّهُ رَدَّ الْخَلْفَ وَالْأَمَامَ عَلَى الْفَرْجَيْنِ، كَقَوْلِكَ: كِلَا جَانِبَيْكَ مَوْلَى الْمَخَافَةِ يَمِينُكَ وَشِمَالُكَ، أَيْ: صَاحِبُهَا وَوَلِيُّهَا، قَالَ أَبُو زَيْدٍ: امْضِ يَمَامِي، فِي مَعْنَى: امْضِ أَمَامِي.

وَيُقَالُ: يَمَامِي وَيَمَامَتِي.

قَالَ:

فَقُلْ جَابَتِي لَبَّيْكَ وَاسْمَعْ يَمَامَتِي.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ:.

أَمَامَهَا لَقِيَتْ أَمَةٌ عَمَلَهَا.

أَيْ: حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ وَجَدَتْ عَمَلًا.

وَيَقُولُونَ: أَمَامَكَ تَرَى أَثَرَكَ، أَيْ: تَرَى مَا قَدَّمْتَ.

قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ:

رُوَيْدَ تَبَيَّنْ مَا أَمَامَةُ مِنْ هِنْدِ.

يَقُولُ: تَثَبَّتْ فِي الْأَمْرِ وَلَا تَعْجَلْ يَتَبَيَّنْ لَكَ.

قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَمَمُ: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الْحَقِيرُ، تَقُولُ: فَعَلْتُ شَيْئًا مَا هُوَ بِأَمَمٍ وَلَا دُونٍ.

وَالْأَمَمُ: الشَّيْءُ الْقَرِيبُ الْمُتَنَاوَلُ.

قَالَ:

كُوفِيَّةٌ نَازِحٌ مَحَلَّتُهَا *** لَا أَمَمٌ دَارُهَا وَلَا صَقَبُ

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو زَيْدٍ: يُقَالُ: أَمَمٌ، أَيْ: [صَغِيرٌ، وَ] عَظِيمٌ، مِنَ الْأَضْدَادِ.

وَقَالَ ابْنُ قَمِيئَةَ فِي الصَّغِيرِ:

يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى الشَّبَابِ وَلَمْ *** أَفْقِدْ بِهِ إِذْ فَقَدْتُهُ أَمَمَا

قَالَ الْخَلِيلُ: الْأَمَمُ: الْقَصْدُ.

قَالَ يُونُسُ: هَذَا أَمْرٌ مَأْمُومٌ: يَأْخُذُ بِهِ النَّاسُ.

قَالَ أَبُو عَمْرٍو: رَجُلٌ مِئَمٌّ، أَيْ: يَؤُمُّ الْبِلَادَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.

قَالَ:

احْذَرْنَ جَوَّابَ الْفَلَا مِئَمَّا.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2]، جَمْعُ آمٍّ يَؤُمُّونَ بَيْتَ اللَّهِ، أَيْ: يَقْصِدُونَهُ.

قَالَ الْخَلِيلُ: التَّيَمُّمُ يَجْرِي مَجْرَى التَّوَخِّي، يُقَالُ لَهُ: تَيَمَّمْ أَمْرًا حَسَنًا وَتَيَمَّمُوا أَطْيَبَ مَا عِنْدَكُمْ تَصَدَّقُوا بِهِ.

وَالتَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى، أَيْ: تَوَخَّوْا أَطْيَبَهُ وَأَنْظَفَهُ وَتَعَمَّدُوهُ.

فَصَارَ التَّيَمُّمُ فِي أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ فِعْلًا لِلتَّمَسُّحِ بِالصَّعِيدِ، حَتَّى يَقُولُوا قَدْ تَيَمَّمَ فُلَانٌ بِالتُّرَابِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، أَيْ: تَعَمَّدُوا.

قَالَ:

إِنْ تَكُ خَيْلِي قَدْ أُصِيبَ صَمِيمُهَا *** فَعَمْدًا عَلَى عَيْنٍ تَيَمَّمْتُ مَالِكَا

وَتَقُولُ: يَمَّمْتُ فُلَانًا بِسَهْمِي وَرُمْحِي، أَيْ: تَوَخَّيْتُهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، قَالَ:

يَمَّمْتُهُ الرُّمْحَ شَزْرًا ثُمَّ قُلْتُ لَهُ *** هَذِهِ الْمُرُوَّةُ لَا لِعْبُ الزَّحَالِيقِ

وَمَنْ قَالَ فِي هَذَا الْمَعْنَى: أَمَّمْتُهُ، فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ قَالَ شَزْرًا وَلَا يَكُونُ الشَّزْرُ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ أَمَامَهُ.

قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْأُمَامَةُ الثَّمَانُونَ مِنَ الْإِبِلِ.

قَالَ:

فَمَنَّ وَأَعْطَانِي الْجَزِيلَ وَزَادَنِي *** أُمَامَةَ يَحْدُوهَا إِلَيَّ حُدَاتُهَا

وَالْأُمُّ: الرَّئِيسُ، يُقَالُ: هُوَ أُمُّهُمْ.

قَالَ الشَّنْفَرَى:

وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْتُ تَقُوتُهُمْ *** إِذَا أَطْعَمَتْهُمْ أَحْتَرَتْ وَأَقَلَّتِ

أَرَادَ بِأُمِّ الْعِيَالِ رَئِيسَهُمُ الَّذِي كَانَ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ تَأَبَّطَ شَرًّا.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


207-مقاييس اللغة (برق)

(بَرَقَ) الْبَاءُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلَانِ تَتَفَرَّعُ الْفُرُوعُ مِنْهُمَا: أَحَدُهُمَا لَمَعَانُ الشَّيْءِ; وَالْآخَرُ اجْتِمَاعُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي الشَّيْءِ."

وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مَجَازٌ وَمَحْمُولٌ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ الْخَلِيلُ: الْبَرْقُ وَمِيضُ السَّحَابِ، يُقَالُ: بَرَقَ السَّحَابُ بَرْقًا وَبَرِيقًا.

قَالَ: وَأَبْرَقَ أَيْضًا لُغَةٌ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: يُقَالُ: بَرْقَةٌ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ: إِذَا بَرَقَ، وَبُرْقَةٌ بِالضَّمِّ: إِذَا أَرَدْتَ الْمِقْدَارَ مِنَ الْبَرْقِ.

وَيُقَالُ: لَا أَفْعَلُهُ مَا بَرَقَ فِي السَّمَاءِ نَجْمٌ أَيْ: مَا طَلَعَ.

وَأَتَانَا عِنْدَ مَبْرَقِ الصُّبْحِ، أَيْ: حِينَ بَرَقَ.

اللِّحْيَانِيُّ:

وَأَبْرَقَ الرَّجُلُ: إِذَا أَمَّ الْبَرْقَ حِينَ يَرَاهُ.

قَالَ الْخَلِيلُ: الْبَارِقَةُ السَّحَابَةُ ذَاتُ الْبَرْقِ.

وَكُلُّ شَيْءٍ يَتَلَأْلَأُ لَوْنُهُ فَهُوَ بَارِقٌ يَبْرُقُ بَرِيقًا.

وَيُقَالُ لِلسُّيُوفِ بَوَارِقُ.

الْأَصْمَعِيُّ: يُقَالُ: أَبْرَقَ فُلَانٌ بِسَيْفِهِ إِبْرَاقًا: إِذَا لَمَعَ بِهِ.

وَيُقَالُ: رَأَيْتُ الْبَارِقَةَ، ضَوْءَ بَرْقِ السُّيُوفِ.

وَيُقَالُ: مَرَّتْ بِنَا اللَّيْلَةَ بَارِقَةٌ، أَيْ: سَحَابَةٌ فِيهَا بَرْقٌ، فَمَا أَدْرِي أَيْنَ أَصَابَتْ.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هُوَ أَعْذَبُ مِنْ مَاءِ الْبَارِقَةِ.

وَيُقَالُ لِلسَّيْفِ وَلِكُلِّ مَا لَهُ بَرِيقٌ إِبْرِيقٌ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ الْبَرَّاقَةِ إِبْرِيقٌ.

قَالَ:

دِيَارُ إِبْرِيقِ الْعَشِيِّ خَوْزَلِ.

الْخَوْزَلُ الْمَرْأَةُ الْمُتَثَنِّيَةُ فِي مِشْيَتِهَا.

وَأَنْشَدَ:

أَشْلَى عَلَيْهِ قَانِصٌ لَمَّا غَفَلْ *** مُقلَّدَاتِ الْقِدِّ يَقْرُونَ الدَّغَلْ

فَزَلَّ كَالْإِبْرِيقِ عَنْ مَتْنِ الْقَبَلْ.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَصْفَهَانِيُّ: يُقَالُ: أَبْرَقَتِ السَّمَاءُ عَلَى بِلَادِ كَذَا.

وَتَقُولُ أَبْرَقْتُ: إِذَا أَصَابَتْكَ السَّمَاءُ.

وَأَبْرَقْتُ بِبَلَدِ كَذَا، أَيْ: أُمْطِرْتُ.

قَالَ الْخَلِيلُ: [إِذَا] شَدَّدَ مُوعِدٌ بِالْوَعِيدِ، قِيلَ أَبْرَقَ وَأَرْعَدَ.

قَالَ:

أَبْرِقْ وَأَرْعِدْ يَا يَزِي *** دُ فَمَا وَعِيدُكَ لِي بِضَائِرْ

يُقَالُ: بَرَقَ وَرَعَدَ أَيْضًا.

قَالَ:

فَإِذَا جَعَلْتُ.

فَارِسَ دُونَكُمْ *** فارْعَُدْ هُنَالِكَ مَا بَدَا لَكَ وَابْرُقِ

أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ: بَرَقَتِ السَّمَاءُ: إِذَا جَاءَتْ بِبَرْقٍ.

وَكَذَلِكَ رَعَدَتْ، وَبَرَقَ الرَّجُلُ وَرَعَدَ.

وَلَمْ يَعْرِفِ الْأَصْمَعِيُّ أَبْرَقَ وَأَرْعَدَ.

وَأَنْشَدَ:

يَا جَلَّ مَا بَعُدَتْ عَلَيْكَ بِلَادُنَا *** فَابْرُقْ بِأَرْضِكَ مَا بَدَا لَكَ وارْعَُدِ

وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِ الْكُمَيْتِ:

أَبْرِقْ وَأَرْعِدْ يَا يَزِي *** دُ

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا بِهَا أَبُو زَيْدٍ عَنِ الْعَرَبِ.

ثُمَّ إِنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَانَا مِنْ بَنِي كِلَابٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: دَعُونِي أَتَوَلَّى مَسْأَلَتَهُ فَأَنَا أَرْفَقُ بِهِ.

فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ إِنَّكَ لَتُبْرِقُ وَتُرْعِدُ؟ فَقَالَ: فِي الْخَجِيفِ؟ يَعْنِي التَّهَدُّدَ.

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: أَقُولُ إِنَّكَ لَتُبْرِقُ وَتُرْعِدُ.

فَأَخْبَرْتُ بِهِ الْأَصْمَعِيَّ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ إِلَّا بَرَقَ وَرَعَدَ.

وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ قَالَ الْخَلِيلُ: أَبْرَقَتِ النَّاقَةُ: إِذَا ضَرَبَتْ ذَنَبَهَا مَرَّةً عَلَى فَرْجِهَا، وَمَرَّةً عَلَى عَجُزِهَا، فَهِيَ بَرُوقٌ وَمُبْرِقٌ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا شَالَتْ ذَنَبَهَا كَاذِبَةً وَتَلَقَّحَتْ وَلَيْسَتْ بِلَاقِحٍ: أَبْرَقَتِ النَّاقَةُ فَهِيَ مُبْرِقٌ وَبُرُوقٌ.

وَضِدُّهَا الْمِكْتَامُ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: بَرَقَتْ فَهِيَ بَارِقٌ: إِذَا تَشَذَّرَتْ بِذَنَبِهَا مِنْ غَيْرِ لَقْحٍ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: بَرَّقَ الرَّجُلُ: إِذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا مِصْدَاقَ لَهُ.

وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ، أَنَّ رَجُلًا عَمِلَ عَمَلًا فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: بَرَّقْتَ وَعَرَّقْتَ، أَيْ: لَوَّحْتَ بِشَيْءٍ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ.

وَعَرَّقَتْ أَقْلَلْتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ:

لَا تَمْلَأِ الدَّلْوَ وَعَرِّقْ فِيهَا *** ألَا تَرَى حَبَارَ مَنْ يَسْقِيهَا

قَالَ الْخَلِيلُ: الْإِنْسَانُ الْبَرُوقُ هُوَ الْفَرِقُ لَا يَزَالُ.

قَالَ:

يُرَوِّعُ كُلَّ خَوَّارٍ بَرُوقِ.

وَالْإِنْسَانُ إِذَا بَقِيَ كَالْمُتَحَيِّرِ قِيلَ بَرِقَ بَصَرُهُ بَرَقًا، فَهُوَ بَرِقٌ فَزِعٌ مَبْهُوتٌ.

وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ مَنْ قَرَأَهَا: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7]، فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ: {بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة: 7] فَإِنَّهُ يَقُولُ: تَرَاهُ يَلْمَعُ مِنْ شِدَّةِ شُخُوصِهِ تَرَاهُ لَا يُطِيقُ.

قَالَ:

لَمَّا أَتَانِي ابْنُ عُمْيرٍ رَاغِبًا *** أَعْطَيْتُهُ عَيْسَاءَ مِنْهَا فَبَرَقْ

أَيْ: لِعَجَبِهِ بِذَلِكَ.

وَبَرَّقَ بِعَيْنِهِ: إِذَا لَأْلَأَ مِنْ شِدَّةِ النَّظَرِ.

قَالَ:

فَعَلِقَتْ بِكَفِّهَا تَصْفِيقَا *** وَطَفِقَتْ بِعَيْنِهَا تَبْرِيقَا

نَحْوَ الْأَمِيرِ تَبْتَغِي التّطْلِيقَا.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: بَرِقَ الرَّجُلُ ذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، ذَهَبَ عَقْلُهُ.

قَالَ الْيَزِيدِيُّ: بَرَقَ وَجْهَهُ بِالدُّهْنِ يَبْرُقُ بَرْقًا، وَلَهُ بَرِيقٌ، وَكَذَلِكَ بَرَقْتُ الْأَدِيمَ أبْرُقُهُ بَرْقًا، وَبَرَّقْتُهُ تَبْرِيقًا.

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: بَرَقَ طَعَامَهُ بِالزَّيْتِ أَوِ السَّمْنِ أَوْ ذَوْبَ الْإِهَالَةِ: إِذَا جَعَلَهُ فِي الطَّعَامِ وَقَلَّلَ مِنْهُ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بَرِقَ السِّقَاءُ يَبْرَقُ بَرَقًا وَبُرُوقًا: إِذَا أَصَابَهُ حَرٌّ فَذَابَ زُبْدُهُ.

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: يُقَالُ: زُبْدَةٌ بَرِقَةٌ وَسِقَاءٌ بَرِقٌ: إِذَا انْقَطَعَا مِنَ الْحَرِّ.

وَرُبَّمَا قَالُوا زُبْدٌ مُبْرِقٌ.

وَالْإِبْرِيقُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ مِنَ الْبَابِ.

قَالَ أَبُو زَيْدٍ: الْبَرْوَقُ شَجَرَةٌ ضَعِيفَةٌ.

وَتَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ أَشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا غَابَتِ السَّمَاءُ اخْضَرَّتْ وَيُقَالُ: إِنَّهُ إِذَا أَصَابَهَا الْمَطَرُ الْغَزِيرُ هَلَكَتْ.

قَالَ الشَّاعِرُ يَذْكُرُ حَرْبًا:

تَطِيحُ أَكُفُّ الْقَوْمِ فِيهَا كَأَنَّمَا *** يَطِيحُ بِهَا فِي الرَّوْعِ عِيدَانُ بَرْوَقِ

وَقَالَ الْأَسْوَدُ يَذْكُرُ امْرَأَةً:

وَنَالَتْ عَشَاءً مِنْ هَبِيدٍ وَبَرْوَقٍ *** وَنَالَتْ طَعَامًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَلْحُمِ

وَإِنَّمَا قَالَ ثَلَاثَةَ أَلْحُمٍ، لِأَنَّ الَّذِي أَطْعَمَهَا قَانِصٌ.

قَالَ يَعْقُوبُ: بَرِقَتِ الْإِبِلُ تَبْرَقُ بَرَقًا: إِذَا اشْتَكَتْ بُطُونُهَا مِنْهُ.

وَأَمَّا الْأَصْلُ الْآخَرُ فَقَالَ الْخَلِيلُ وَغَيْرُهُ: تُسَمَّى الْعَيْنُ بَرْقَاءَ لِسَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا.

وَأَنْشَدَ:

وَمُنْحَدَرٍ مِنْ رَأْسِ بَرْقَاءَ حَطَّهُ *** مَخَافَةُ بَيْنٍ مِنْ حَبِيبٍ مُزَايِلِ

الْمُنْحَدَرُ: الدَّمْعُ.

قَالُوا: وَالْبَرَقُ مَصْدَرُ الْأَبْرَقِ مِنَ الْحِبَالِ وَالْجِبَالِ، وَهُوَ الْحَبْلُ أُبْرِمَ بِقُوَّةٍ سَوْدَاءَ وَقُوَّةٍ بَيْضَاءَ.

وَمِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ مِنْهُ جُدَدٌ بِيضٌ وَجُدَدٌ سُودٌ.

وَالْبَرْقَاءُ مِنَ الْأَرْضِ طَرَائِقُ، بُقْعَةٌ فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ تُخَالِطُهَا رَمْلَةٌ بَيْضَاءُ.

وَكُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِيَالِهَا بُرْقَةٌ.

وَإِذَا اتَّسَعَ فَهُوَ الْأَبْرَقُ وَالْأَبَارِقُ وَالْبَرَّاقُ.

قَالَ:

لَنَا الْمَصَانِعُ مِنْ بُصْرَى إِلَى هَجَرٍ *** إِلَى الْيَمَامَةِ فَالْأَجْرَاعِ فَالْبُرَقِ

وَالْبُرْقَةُ مَا ابْيَضَّ مِنْ فَتْلِ الْحَبْلِ الْأَسْوَدِ.

قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: الْبُرَقُ مَا دَفَعَ فِي السَّيْلِ مِنْ قِبَلِ الْجَبَلِ.

قَالَ:

كَأَنَّهَا بِالْبُرَقِ الدَّوَافِعِ.

قَالَ قُطْرُبٌ: الْأَبْرَقُ الْجَبَلُ يُعَارِضُكَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَمْلَسَ لَا يُرْتَقَى.

قَالَ أَبُو زِيَادٍ الْكِلَابِيُّ: الْأَبْرَقُ فِي الْأَرْضِ أَعَالٍ فِيهَا حِجَارَةٌ، وَأَسَافِلُهَا رَمْلٌ يَحِلُّ بِهَا النَّاسُ.

وَهِيَ تُنْسَبُ إِلَى الْجِبَالِ.

وَلَمَّا كَانَتْ صِفَةً غَالِبَةً جُمِعَتْ جَمْعَ الْأَسْمَاءِ، فَقَالُوا الْأَبَارِقُ، كَمَا قَالُوا: الْأَبَاطِحُ وَالْأَدَاهِمُ فِي جَمْعِ الْأَدْهَمِ الَّذِي هُوَ الْقَيْدُ، وَالْأَسَاوِدُ فِي جَمْعِ الْأَسْوَدِ الَّذِي هُوَ الْحَيَّةُ.

قَالَ الرَّاعِي:

وَأَفَضْنَ بَعْدَ كُظُومِهِنَّ بِحَرَّةٍ *** مِنْ ذِي الْأَبَارِقِ إِذْ رَعَيْنَ حَقِيلَا

قَالَ قُطْرُبٌ: بَنُو بَارِقٍ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ مِنَ الْأَشْعَرِينَ.

وَاسْمُ بَارِقٍ سَعْدُ بْنُ عَدِيٍّ، نَزَلَ جَبَلًا كَانَ يُقَالُ لَهُ بَارِقٌ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ.

وَيُقَالُ لِوَلَدِهِ بَنُو بَارِقٍ، يُعْرَفُونَ بِهِ.

قَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ: الْأَبْرَقُ وَالْأَبَارِقُ مِنْ مَكَارِمِ النَّبَاتِ، وَهِيَ أَرْضٌ نِصْفٌ حِجَارَةٌ وَنِصْفٌ تُرَابٌ أَبْيَضُ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ، وَبِهَا رَفَضُ حِجَارَةٍ حُمْرٍ.

وَإِذَا كَانَ رَمْلٌ وَحِجَارَةٌ فَهُوَ أَيْضًا أَبْرَقُ.

وَإِذَا عَنَيْتَ الْأَرْضَ قُلْتَ بَرْقَاءُ.

وَالْأَبْرَقُ يَكُونُ عَلَمًا سَامِقًا مِنْ حِجَارَةٍ عَلَى لَوْنَيْنِ، أَوْ مِنْ طِينٍ وَحِجَارَةٍ.

وَالْأَبْرَقُ وَالْبُرْقَةُ، وَالْجَمِيعُ الْبُرَقُ وَالْبِرَاقُ وَالْبَرْقَاوَاتُ.

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْبُرْقَانُ مَا اصْفَرَّ مِنَ الْجَرَادِ وَتَلَوَّنَتْ فِيهِ [خُطُوطٌ وَاسْوَدَّ].

وَيُقَالُ: رَأَيْتُ دَبًا بُرْقَانًا كَثِيرًا فِي الْأَرْضِ، الْوَاحِدَةُ بُرْقانَةُ، كَمَا يُقَالُ: ظَبْيَةٌ أُدْمَانَةٌ وَظِبَاءٌ أُدْمَانٌ.

قَالَ أَبُو زِيَادٍ: الْبُرْقَانُ فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ كَمَثَلِ بُرْقَةِ الشَّاةِ.

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَبَرْقَاءُ أَيْضًا.

قَالَ أَبُو زِيَادٍ: يَمْكُثُ أَوَّلَ مَا يَخْرُجُ أَبْيَضَ سَبْعًا، ثُمَّ يَسْوَدُّ سَبْعًا، ثُمَّ يَصِيرُ بُرْقَانًا.

وَالْبَرْقَاءُ مِنَ الْغَنَمِ كَالْبَلْقَاءِ مِنَ الْخَيْلِ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


208-صحاح العربية (نذر)

[نذر] الانذار: الابلاغ، ولايكون إلا في التخويف.

والاسم النُذَرُ، ومنه قوله تعالى:

(فكيفَ كان عذابي ونذر) ***، أي إنذاري.

والنذير: المُنْذِرُ.

والنَذيرُ: الإنْذارُ والنَذْرُ: واحد النُذورِ.

وأمَّا قول ابن أحمر: كم دون ليلى من تنو فية *** لَمَّاعَةٍ تُنْذَرُ فيها النُذُرْ - فيقال: إنَّه جمع نَذْرٍ مثل رَهْنٍ ورُهُنٍ، ويقال إنه جمع نَذيرٍ بمعنى مَنْذورٍ، مثل قتيلٍ وجديدٍ.

وقد نَذَرْتُ للهِ كذا، أنْذُرُ وأَنْذِرُ.

قال الأخفش: تقول العرب: نَذَرَ على نفسه نَذْرًا، ونَذَرْتُ مالى فأنا أنذره نذرا.

أخبرنا بذلك يونس عن العرب.

وابن مناذر: شاعر، فمن فتح الميم منه لم يصرفه، ويقول: إنه جمع منذر، لانه محمد بن منذر بن منذر.

ومن ضمها صرفه.

وهم المناذرة، يريد آل المنذر أو جماعة الحى، مثل المهالبة والمسامعة.

وقولهم: " النذير العريان "، قال ابن السكيت: هو رجل من خثعم حمل عليه يوم ذى الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته.

وتناذر القومُ كذا، أي خوَّف بعضُهم بعضًا.

وقال النابغة يصف حيَّة: تَناذَرَها الراقونَ من سُوءِ سَمِّها *** تطلقه حينا وحينا تراجع -

ونذر القوم بالعدو، بكسر الذال، إذا علموا.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


209-صحاح العربية (قضم)

[قضم] القَضْمُ: الأكل بأطراف الأسنان.

يقال: قَضِمَتِ الدابة شعيرها بالكسر تَقْضَمُهُ قَضْمًا.

وما ذقت قَضامًا، أي شيئًا.

الأصمعي: أخبرنا ابن أبي طرفة قال: قَدِمَ أعرابيٌّ على ابن عمٍّ له بمكة فقال له: إنّ هذه بلاد مَقْضَمٍ، وليست ببلاد مَخْضَمٍ.

والخَضْمُ: أكلٌ بجميع الفم.

والقَضْمُ دون ذلك.

وقولهم: " يُبْلَغُ الخَضْمُ بالقَضْمِ "، أي أن الشَبْعة قد تبلغ بالأكل بأطراف الفم.

ومعناه أنَّ الغاية البعيدة قد تُدرك بالرِفق.

قال الشاعر: تَبَلَّغْ بأخلاقِ الثيابِ جديدها وبالقصم حتى تدرك الخضم بالقَضْمِ والقَضَمُ بالتحريك: جمع قَضيمٍ، وهو الجلد الأبيض يكتب فيه.

قال الاصمعي: ومنه قول النابغة

كأن مَجَرَّ الرامِساتِ ذيولها عليه قَضيمٌ نمقته الصَوانِعُ والقَضيمُ: شعير الدابة.

وقد أقْضَمْتُها، أي عَلَفتها القَضيمَ.

والقَضِمُ، بكسر الضاد: السيف الذي طال عليه الدهر فتكسَّر حدُّه.

وفي مضاربه قَضَمٌ بالتحريك، أي تكسُّرٌ.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


210-صحاح العربية (مكن)

[مكن] مكنه الله من الشئ وأمْكَنَهُ منه، بمعنًى.

واسْتَمْكَنَ الرجل من الشئ وتمكن منه، بمعنى.

وفلان لا يُمْكِنُهُ النُهوض، أي لا يقدر عليه.

وقولهم: ما أمْكَنَهُ عند الأمير، شاذٌّ.

والمَكْنُ: بيض الضب.

قال: ومكن الضباب طعام العري‍ *** ب لا تشتهيه نفوس العجم

والمكنة بكسر الكاف: واحدة المكِنِ والمَكِناتِ.

وفي الحديث: " أقِرُّوا الطير على مَكِناتِها " ومَكُناتِها بالضم.

قال أبو زياد الكلابيّ وغيره من الأعراب: إنا لا نعرف للطَير مَكِناتٍ وإنما هي وُكُناتٌ.

فأمَّا المَكِناتُ فإنَّما هي للضباب.

قال أبو عبيد: ويجوز في الكلام، وإن كان المكن للضباب، أن يجعل للطير تشبيها بذلك، كقولهم: مشافر الحبشى، وإنما المشافر للابل.

وكقول زهير يصف الاسد:

له لبد أظفاره لم تقلم *** وإنما له مخالب.

قال: ويجوز أن يراد به على أمكنتها، أي على مواضعها التى جعلها الله لها، فلا تزجروها ولا تلتفتوا إليها، لانها لا تضر ولا تنفع، ولا تعدو ذلك إلى غيره.

ويقال: الناس على مكناتهم، أي على استقامتهم.

الكسائي: أمكنت الضبة: جمعَتْ بيضَها في بطنها، فهي مكون.

وقال أبو زيد: أمكنت الضبة فهى ممكن، وكذلك الجرادة.

والمكنان بالفتوا لتسكين: نبتٌ.

ومعنى قول النحويين في الاسم: إنَّهُ مُتَمَكِّنٌ، أي إنه معربٌ، كعُمَرَ وإبراهيم.

فإذا انصرف مع ذلك فهو المُتَمَكِّنُ الأمْكَنُ، كزيدٍ وعمرٍو.

وغير المُتَمَكِّنِ هو المبنى، كقولك: كيف وأين.

ومعنى قولهم في الظرف: إنه متمكن، أي إنه يستعمل مرة ظرفا ومرة اسما، كقولك جلست خلفك فتنصب، ومجلسي خلفك فترفع في موضع يصلح أن يكون ظرفا.

وغير المتمكن هو الذى لا يستعمل في موضع يصلح أن يكون ظرفا إلا ظرفا، كقولك لقيته صباحا وموعدك صباحا، فتنصب فيهما ولا يجوز الرفع إذا أردت صباح يوم بعينه.

وليس ذلك لعلة توجب الفرق بينهما أكثر من استعمال العرب لها كذلك، وإنما يؤخذ سماعا عنهم، وهى صباح، وذو صباح، ومساء، وعشية وعشاء، وضحى وضحوة، وسحر، وبكر وبكرة، وعتمة، وذات مرة وذات يوم، وليل ونهار، وبعيدات بين.

هذا إذا عنيت بهذه الاوقات يوما بعينه.

أما إذا كانت نكرة وأدخلت عليها الالف واللام تكلمت بها رفعا ونصبا وجرا.

قال سيبويه: أخبرنا بذلك يونس النحوي.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


211-صحاح العربية (عيى)

[عيى] العِيُّ: خِلاف البيان.

وقد عَيَّ في منطقه وعَيِيَ أيضًا، فهو عيى على فعيل، وعى أيضا على فعل.

وفى المثل: " أعْيا من باقِلٍ ".

ويقال أيضًا: عَيَّ بأمره وعَيِيَ، إذا لم يهتدِ لوجهه.

والإدغام أكثر.

وتقول في الجمع: عَيوا مخفّفًا، كما قلناه في حيوا.

ويقال أيضًا عَيُّوا بالتشديد.

وقال: عَيُّوا بأمرهم كما *** عَيَّتْ ببيضتها الحمامه وقوم أعياء وأعيياء أيضا.

قال سيبويه: أخبرنا بهذه اللغة يونس.

قال: وسمعنا من العرب من يقول أعيياء وأحيية ; فيبين.

وعييت بأمرى، إذا لم تهتد لوجهه.

وأعيانى هو.

وقال: فإنَّ الكُثْرَ أعياني قديمًا *** ولم أُقْتِرْ لَدُنْ أني غُلامُ يقول: كنت متوسّطًا لم أفتقر فقرًا شديدًا ولا أمكنني جمعُ المال الكثير.

ويروى: " أعنانى " أي أذلني وأخضعني.

وأعيا الرجل في المشى فهو مُعْيٍ ; ولا يقال عَيَّانُ.

وأعياه الله، كلاهما بالالف.

وأعيا عليه الامر وتعيا وتعايا، بمعنى.

وأعيا: أبو بطن من أسد، وهو أعيا أخو فقعس، ابنا طريف بن عمرو بن الحارث بن ثعلبة ابن دودان بن أسد.

قال حريث بن عناب النبهاني: تعالوا نفاخركم أأعيا وفقعس *** إلى المجد أدنى أم عشيرة حاتم والنسبة إليهم أعيوى.

وداء عياء، أي صعبٌ لا دواء له، كأنه أعيا الاطباء.

والمعاياة: أن تأتى بشئ لا يهتدى له.

وجمل عياياء، إذا لم يهتد للضراب.

ورجل عياياء، إذا عى بالامر والمنطق.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


212-منتخب الصحاح (قضم)

القَضْمُ: الأكل بأطراف الأسنان.

يقال: قَضِمَتِ الدابة شعيرها بالكسر تَقْضَمُهُ قَضْمًا.

وما ذقت قَضامًا، أي شيئًا.

الأصمعي: أخبرنا ابن أبي طرفة قال: قَدِمَ أعرابيٌّ على ابن عمٍّ له بمكة فقال له: إنّ هذه بلاد مَقْضَمٍ، وليست ببلاد مَخْضَمٍ.

والخَضْمُ: أكلٌ بجميع الفم.

والقَضْمُ دون ذلك.

وقولهم: يُبْلَغُ الخَضْمُ بالقَضْمِ، أي أن الشَبْعة قد تبلغ بالأكل بأطراف الفم.

ومعناه أنَّ الغاية البعيدة قد تُدرك بالرِفق.

قال الشاعر:

تَبَلَّغْ بأخلاقِ الثيابِ جَديدَها *** وبالقَضْمِ حتَّى تُدْرِكَ الخَضْمَ بالقَضْمِ

والقَضَمُ بالتحريك: جمع قَضيمٍ، وهو الجلد الأبيض يكتب فيه.

ومنه قول النابغة:

كأنَّ مَجَرَّ الرامِساتِ ذُيولها *** عليه قَضيمٌ نَمقَتهُ الصَوانِعُ

والقَضيمُ: شعير الدابة.

وقد أقْضَمْتُها، أي عَلَفتها القَضيمَ.

والقَضِمُ، بكسر الضاد: السيف الذي طال عليه الدهر فتكسَّر حدُّه.

وفي مضاربه قَضَمٌ بالتحريك، أي تكسُّرٌ.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


213-تهذيب اللغة (عش)

عش: أخبرنا المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَشُ: المهزول.

وقال بعضُ رجاز العرب:

تضحك مني أن رأتني عَشَّا *** لبست عَصْريْ عُصُرٍ فامتشَّا

بشاشَتي وعمَلًا ففشّا

وامرأةٌ عَشَّةٌ: ضئيلة الخَلْقِ.

وقال شمر: قال ابن الأعرابيّ: عشَ بدنُ الإنسان، إذا ضَمر ونَحَل، وأعشّهُ الله قال: والعَشُ: الجمع والكسب.

وقال الليث: عش الرجل معروفه يَعُشُّه، إذا أقلَّه وقال رؤبة:

حَجَّاج ما سَجْلُكَ بالمعشوشِ

قال: وسقاه سجلًا عشًا، أي قليلًا.

وأنشد: يُسقَينَ لا عَشًّا ولا مصرَّدا

قال: وقال أبو خَيرة العدويّ: العشّةُ: الأرض الغليظة.

قال: وأعششنا، أي وقعنا في أرضٍ عشَّة.

وعشَّش الخُبزُ، إذا يبس وتكرَّج، فهو معشِّش.

أبو عبيد عن أبي زيد: أعششتُ القوم، إذا نزلتَ بهم على كَره حتى يتحولوا من أجلك.

وأنشد للفرزدق يصف القطا:

فلو تُركتْ نامت ولكن أعشَّها *** أذى من قِلاصٍ كالحنيّ المعطَّفِ

وقال أبو مالك: قال أبو الصقر: أعششتُ القوم إعشاشًا، إذا أعجلتهم عن أمرهم.

وأعشاش: موضعٌ معروف في ديار بني تميم، ذكره الفرزدق فقال:

عزَفت بأعشاشٍ وما كدت تعزِف *** وأنكرتَ من حَدراء ما كنت تعرف

وشجرةٌ عَشَّةٌ: دقيقة الأغصان لئِيمة المنبت.

وقال جرير:

فما شجراتُ عِيصكَ في قُريشٍ *** بعشّات الفروعِ ولا ضواحي

وعشّشت النخلة، إذا قلَّ سَعَفُها ودقَّ أسفلُها.

قال: وعشَشتُ القميصَ إذا رقعته، فانعشَ.

وقال شمر: قال أبو زيد: يقال جاء بالمال من عَشِّهِ وبَشِّه، وعَسِّه وبسِّه.

أي من حيث شاء.

وقال أبو عبيدة: فرسٌ عَشُ القوائم: دقيق القوائم.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العَشعَش: العُشُ إذا تراكبَ بعضُه على بعض.

وقال الليث: العُشّ للغراب وغيره على الشَّجر إذا كثُف وضَخُم، ويجمع عِشَشة.

وقال ابن الفرج: قال الخليل: المعَشُ المطلب.

قال: وقال غيره: المعَسُّ: المطلب.

وقال ابن شميل: قال أبو خيرة: أرضٌ عشة: قليلة الشجر في جَلَد عَزَاز، وليس بجبلٍ ولا رمل.

وهي لينة في ذاك.

قال: وعشَّه بالقضيب عشًا: ضربه ضربات.

أبو عبيد: من أمثالهم: «ليس هذا بعشِّك فادرجي».

يضرب مثلًا لمن يرفع نفسه فوق قدره.

ونحوٌ منه: «تلمَّسْ أعشاشك»، أي تلمَّس التجنِّي والعلل في ذويك.

وقال أبو عبيدة لرجلٍ أتاه: «ليس هذا بعشك فاردجي» فقيل له: لمن يُضرَب هذا؟ فقال: لمن يُرفع له بخيال.

فقيل: ما معناه؟ فقال: لمن يطرد.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


214-تهذيب اللغة (عقل)

عقل: في الحديث أن امرأتين من هُذيلٍ اقتتلتا، فرمت إحداهما الأخرى بحَجرٍ فأصابَ بطنها فقتلتها، فقضى رسول الله عليه بدِيتها على عاقلة الأخرى.

أخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنّه قال: العاقلة هم العَصَبة.

قال: وقضى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم بديةِ شِبهِ العمد والخطأ المحضِ على العاقلة، يؤدُّونها في ثلاث سنين إلى ورثة المقتول.

قال: والعاقلة هم القَرابة من قِبَل الأب.

قال: ومعرفة العاقلة أن يُنظرَ إلى إخوة الجاني من قبل الأب فيحمَّلون ما تحمل العاقلة، فإن احتملوها أدَّوها في ثلاث سنين، وإن لم يحتملوها رُفعت إلى بني جدِّه، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جدّ أبيه، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جدّ أبي جدّه، ثم هكذا لا ترفع عن بني أبٍ حتى يعجزوا قال ومَن في الديوان ومَن لا ديوانَ له في العقل سواء.

وقال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد بن حنبل: مَن العاقلة؟ فقال: القبيلة، إلَّا أنَّهم يُحمَّلون بقدر ما لا يطيقون، فإن لم تكن عاقلة لم يُجعَل في مال الجاني ولكن يُهدر عنه.

وقال إسحاق: إذا لم تكن العاقلة أصلًا فإنه يكون في بيت المال ولا تُهدر الديةَ.

قلت: والعَقْل في كلام العرب: الدِّية، سميت عَقلًا لأن الديَة كانت عند العرب في الجاهلية إبِلًا، وكانت أموالَ القوم التي يرقئون بها الدماء، فسمِّيت الدية عَقْلًا لأنّ القاتل كان يكلَّف أن يسوق إبل الدية إلى فِنَاء ورثة المقتول، ثم يعقلها بالعُقُل ويسلمها إلى أوليائه.

وأصل العقل مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلًا، والعِقال: حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشدُّ به.

وقضى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في دية الخطأ المحض وبشِبه العمد أن يغرمَها عَصَبةُ القاتل ويُخرج منها ولده وأبوه فأمّا دية الخطأ المحض فإنها تقسم أخماسًا: عشرين بنتَ مخاض، وعشرين بنت لبون، وعشرين ابن لبون، وعشرين حِقّة، وعشرين جذعة.

وأما دية شبه العمد فإنَّها تغَلّظ، وهي مائة بعير أيضًا، منها ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ما بين ثنية إلى بازلِ عامِها، كلُّها خَلِفة فعصبة القاتل إن كان القتل خطأ محضًا غرِموا الدية لأولياء القتيل أخماسًا كما وصفت، وإن كان القتْل شبه العمد غَرِموها مغلَّظة كما وصفت في ثلاث سنين، وهو العَقْل، وهم العاقلة.

ويقال عقلتُ فلانًا، إذا أعطيت ديتَه ورثتَه.

وعقلتُ عن فلان، إذا لزمتْه جنايةٌ فغرِمتَ ديتَها عنه.

وهذا كلام العرب.

وروي عن الشعبي أنه قال: «لا تعقل العاقلة عمدًا ولا عبدًا ولا صُلحًا ولا اعترافًا».

المعنى أنّ القتل إذا كان عمدًا محضًا لم تلزم الديةُ عاقلة القاتل؛ وكذلك إنْ صُولح الجاني من الدية على مالٍ بإقرار منه لم يلزم عاقلتَه ما صُولح عليه.

وإذا جنى عبد لرجلٍ حرّ على إنسان جناية خطأً لم تغرم عاقلةُ مولاه جناية العبد، ولكنه يقال لسيّده: إمّا أن تسلّمه برمّته إلى وليّ المقتول أو تفديه بمالٍ يؤدّيه من عنده.

وقيل معنى قوله: «لا تعقل العاقلة عبدًا» أن يجني حرٌّ على عبدٍ جناية خطأ فلا يغرم عاقلةُ الجاني ثمنَ العبد.

وهذا أشبه بالمعنى.

ورواه بعضهم: «لا تعقل العاقلة العَمْد ولا العبد».

وقال سعيد بن المسيب في تابعِيه من أهل المدينة: المرأة تُعاقل الرجل إلى ثلث ديتها، فإذا جازت الثلث رُدّت إلى نصف دية الرجل.

ومعناه أنّ دية المرأة في أصل شريعة الإسلام على النصف من دية الرجل، كما أنها ترث نصفَ ما يرث الذكر، فجعلها سعيد بن المسيب جراحَها مساويةً جراحَ الذَّكر فيما دون ثلث الدية، تأخذ كما يأخذ الرجل إذا جُنِي عليه، فلها في إصبع من أصابعها عشر من الإبل كإصبع الرَّجل، وفي إصبعين من أصابعها عشرون من الإبل، وفي ثلاث أصابع

ثلاثون كالرَّجل.

فإذا أصيب أربعٌ من أصابعها رُدّت إلى عشرين لأنَّها جاوزت ثلث الدية فردّت إلى عشرين لأنّها جاوزت ثلث الدية فردّت إلى النصف مما للرجل.

وأمّا الشافعي وأهل الكوفة فإنهم جعلوا في إصبع المرأة خمسًا من الإبل، وفي إصبعين لها عشرًا.

ولم يعتبرِ الثلث الذي اعتبره ابن المسيب.

وفي حديث أبي بكر الصديق أنه قال حين امتنعت العرب من أداء الزكاة إليه بعد موت النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «لو منعوني عِقَالًا ممّا أدَّوا إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم لقاتلتهم عليه».

قال أبو عبيد: قال الكسائي: العِقال صَدَقة عام، يقال أخذَ منهم عقال هذا العام، إذا أُخِذَتْ منهم صدقتُه.

وأنشد غيره لعمرو بن العَدّاء الكلبي:

سَعَى عِقالًا فلم يَتركْ لنا سَبَدًا *** فكيف لو قد سعى عمرو عِقالينِ

لأصبحَ الحيُّ أوبادًا ولم يجدوا *** عند التفرُّق في الهيجا جِمالينِ

وقال بعضهم: أراد أبو بكر رَضي الله عنهُ بالعِقال الحبل الذي كان يُعقَل به الفريضة التي كانت تؤخذ في الصدقة، إذا قبضها المصدِّق أخذَ معها عِقالًا يعقلها به.

وذلك أنه كان على صاحب الإبل أن يؤدّي على كلّ فريضةٍ عِقالًا تُعقَل به، ورِواءً، أي حبلًا.

ويقال: فلانٌ قَيدُ مائة، وعِقالُ مائة، إذا كان فداؤُه إذا أسر مائة من الإبل.

وقال يزيد بن الصَّعِق:

أساور بَيض الدار عين وأبتغي *** عقال المئينَ في الصَّباح وفي الدهرِ

وقال أبو عبيد: قال الأصمعيّ: يقال عَقَلَ الرجلُ يَعقِل عَقلًا، إذا كان عاقلًا.

وقال غيره؛ سمِّي عقلُ الإنسان ـ وهو تمييزه الذي به فارق جميعَ الحيوان ـ عقلًا لأنّه يعقله، أي يمنعه من التورُّط في الهَلَكة، كما يعقل العقالُ البعيرَ عن ركوب رأسه.

وقيل إن الديّة سمِّيت عقلًا لأنها إذا وصلت إلى وليّ المقتول عقلَتْه عن قتل الجاني الذي أدَّاها، أي منَعتْه.

وقال الأصمعيّ: عقّل الظبيُ يَعقِل عُقولًا، أي امتنع؛ وبه سمِّي الوَعِل عاقلًا.

ومنه المَعقِل، وهو الملجأ.

وعقل الدواء بطنَه يعقله عقلًا، إذا أمسكه بعد استطلاقه ويقال: أعطني عَقلًا، فيعطيه دواء يُمسِك بطنه.

وقال ابن شميل: إذا استَطْلَق بطنُ الإنسان ثم استمسك فقد عَقَل بطنُه، وقد عقل الدواءُ بطنَه، سواء.

ويقال القومُ على مَعاقلهم الأولى من الدِّية، أي يؤدُّونها كما كانوا يؤدّونها في الجاهليّة، واحدتها معقُلة.

وعقل المصدِّقُ الصدقَة، إذا قبضَها.

ويقال لا تشتر الصَّدقة حتّى يعقلها المصدّق، أي يقبضها.

ويقال ناقة عَقْلاء وبعير أعقل بيِّن العَقَل، وهو أن يكون في رجله التواء.

والعُقّال: أن يكون بالفرس ظَلْعٌ ساعةً ثم ينبسط.

وقد اعتقل فلانٌ رمحَه، إذا وضعَه بين ركابه وساقِه.

واعتقل الشاةَ، إذا وضعَ رجليها بين فخذه وساقه فحلبَها.

ويقال لفلان عُقلةٌ يَعقِل بها

الناسَ، يعني أنّه إذا صارعَهم عقلَ أرجلَهم، ويه الشَّغزَبيَّة والاعتقال.

قال: وقال غير واحد: العَقْل: ضربٌ من الوشي.

والعقيلة: الكريمة من النساء والإبل وغيرها، والجميع العقائل.

وعَقَل الظلُّ، إذا قام قائم الظهيرة.

ويقال اعتقل فلانٌ الرحْلَ، إذا ثنَى رجله فوضَعها على المورك.

وقال ذو الرمة:

أطَلْتُ اعتقالَ الرَّحلِ في مدلهمَّةٍ *** إذا شرَك الموماة أودَى نظامُها

أي: خفيت آثار طرقها.

ويقال تعقَّل فلانٌ قادمة رحلِهِ، بمعنى اعتقله.

وقال النابغة:

متعقّلين قوادمَ الأكوارِ

وسمعت أعرابيًّا يقول لآخر: تعقَّلْ لي بكفَّيك حتَّى أركبَ بعيري.

وذلك أنّ بعيره كان قائمًا مثقلًا، ولو أناخه لم ينهض به وبِحِمله، فجمع له يديه وشبَّك بين أصابعه حتَّى وضع فيهما رِجلَه وركب.

ويقال اعتقِل لسانه، إذا لم يقدر على الكلام.

وقال ذو الرمّة:

ومعتقل اللسان بغير خَبْلٍ *** يَميد كأنّه رجلٌ أميمُ

قال أبو سعيد: يقال عقلَ فلانًا وعَكَله، إذا أقامَه على إحدى رجليه، وهو معقولٌ منذ اليوم.

وكلُ عقلٍ رَفْع.

وصار دم فلانٍ مَعقُلةً على قومه، إذا غَرِموه.

ويقال اعتقل فلانٌ من دم صاحِبِه ومن طائلته، إذا أخذ العَقْل.

والمعاقل: حيث تُعقل الإبل.

وعقَلت المرأة شَعْرها، إذا مَشَطته.

والماشطة: العاقلة.

والدُّرة الكبيرة الصافية عَقِيلة البحر والمعقول: العقل، يقال ما له معقول، أي ما له عقل.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ قال: العقل: التثبُّت في الأمور.

والعقل القلب، والقلب: العقل.

الليث: العَقْل: المعقِل، وهو الحِصن، وجمعه عقول، وأنشد:

وقد أعددت للحدثَانِ حِصنًا *** لوَ انّ المرء ينفعه العُقولُ

قلت: أُراه أراد بالعقول التحصُّن في الجبل؛ يقال وَعِلٌ عاقل، إذا تحصّنَ بوَزَرِه عن الصيَّاد.

ولم أسمع العَقْل بمعنى المَعقِل لغير الليث.

وعاقلٌ: اسم جبلٍ بعينه.

وبالدَّهْنَاء خَبْرَاءُ يقال لها مَعقُلة.

قلت: وقد رأيتها وفيها حوايا كثيرةٌ تمسِك ماءَ السماء دهرًا طويلًا.

وإنما سمِّيت مَعْقُلة لإمساكها الماء.

وعواقيل الأدوية: دراقيعها في معاطفها، واحدها عاقول.

والقعنقل من الرمل: ما ارتكم وتعقّلَ بعضه ببعض، ويجمع عَقنقَلاتٍ وعَقاقِل.

وقال ابن الأعرابي: عقنقل الضَّبّ: كُشْيتُه في بطنه.

ويقال لفلانٍ قلبٌ عقول ولسانٌ سَئول.

وفي حديث الدجال وصفته: «ثم يأتي الخِصْبُ فيعقِّل الكَرْمُ».

روى سلمة عن الفراء أنه قال في قوله «يعقِّل الكرم» قال: معناه أنه يخرج

العُقيَّلَى ـ وهو الحِصرِم ـ ثم يمجَّج، أي يَطِيب طعمُه.

ويقال أعقلتُ فلانًا، أي ألفيتُه عاقلًا.

وعقّلت فلانًا أي صيّرته عاقلًا.

ومَعقِل: اسم رجل، وكذلك عَقيلٌ، وعُقيل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


215-تهذيب اللغة (عشا)

عشا: أخبرنا أبو الفضل بن أبي جعفر عن أبي الحسن الطوسيّ عن الخزاز قال: سمعت ابن الأعرابيّ يقول: العُشْو من الشعراء سبعة: أعشى بني قيس أبو بصير، وَأعشى باهلة أبو قحافة، وَأعشى بني نَهْشل الأسود بن يَعْفر، وَفي الإسلام أعشى بني ربيعة من بني شيبان، وَأعشى هَمْدان، وَأعشى تغلب بن جاوَان، وَأعشى طِرْوَد من سُلَيم.

وَقال غيره: وَأعشى بني مازن من تميم.

قلت: وَالعُشْو جمع الأعشى، وقد عَشِي الرجل يعشى عشًا فهو أَعشى وَامرأة عشواء، وَرجلان أعشيان وَامرأتان عشواوَان وَرجال عُشْو وَأَعشون.

وقال الليث: العشا يكون سوء البصر من غير عمى، ويكون الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار.

وقال أبو زيد: الأعشى هو السيّء البصر بالنهار وبالليل، وقد عشا يعشو عَشْوًا، وهو أدنى بصره، وإنما يعشو بعد ما يَعْشَى.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: عشا يعشو إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو إذا ضعف بصره.

وقال أبو زيد: عشَي الرجل عن حقّ أصحابه يَعْشَى عَشًا شديدًا إذا ظلمهم، وهو كقولك: عمى عن حقه، وأصله من العشا، وأنشد:

ألا رُبَ أعشى ظالمٍ متخمّط *** جعلتُ لعينيه ضياءً فأبصرا

أبو عبيد عن أبي زيد: عَشِيَ عليَّ فلان يَعْشَى عشًا منقوص: ظلمني.

وقال الليث: يقال للرجال: يعشَوْن، وهما يعشيان، وفي النساء هن يعشَيْن، قال: ولمَّا صارت الواو في عشي ياء لكسرة الشين تركت في يعشَيَانِ ياء على حالها، وكان قياسه يعشَوَانِ، فتركوا القياس، قال: وتعاشى الرجُل في أمري إذا تجاهل.

الحراني عن ابن السكيت: عَشِي فلان يعشى إذا تعشّى فهو عاشٍ.

ويقال في مثل: العاشقةِ تَهِيج الآبية، أي إذا رأت

التي تأبى الرَعْي التي تتعشّى هاجتها للرعي فرعت.

والعِشْيُ: ما يُتعشّى به، وجمعه أَعْشاء.

قال الحطيئة:

وقد نظرتكم أعشاء صادرةٍ *** للخِمْس طال بها حَوْزِي وَتَنْسَاسي

قال شمر أراد انتظرتكم طويلًا قدر ما تَعَشَى إبل صدرت عن الماء لخمس وطال عشاؤُها.

يقول انتظرتكم انتظار إبل خوامِسَ؛ لأنها إذا صدرت تعشَّت طويلًا وفي بطونها ماء كثير فهي تحتاج إلى ثَقَل كثير.

قال: وواحد الأعشاء عِشْي.

وقال الليث: العَشْواء من النوق: التي لا تبصر ما أمامها، وذلك لأنها ترفع رأسها فلا تتعاهد موضع أخفافها.

وقال زهير

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب *** تُمِته ومن تخطىء يُعمَّر فيهرَم

ومن أمثالهم السائرة: هو يخبِط خَبْط عشواء، يُضرب مثلًا للسادر الذي يركب رأسه ولا يهتم لعاقبته، كالناقة العشواء التي لا تبصر، فهي تخبط بيديها كل ما مرَّت به، وشَبَّه زهير المنايا بخبط عشواء لأنها تعمّ الكلّ ولا تخصّ.

وقال ابن الأعرابي: العُقَاب العشواء: التي لا تبالي كيف خَبَطت وأين ضربت بمخالبها كالناقة العشواء لا تدري كيف تضع يدها.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ: عشا يعشو: إذا أتى نارًا للضيافة، وعشا يعشو: إذا ضعف بصره.

وقال الليث: العَشْو: إتيانك نارًا ترجو عندها هدى أو خيرًا.

تقول: عشوتها أعشوها عَشْوًا وعُشُوًّا.

قال: والعاشية: كل شيء يعشو بالليل إلى ضوء نار من أصناف الْخَلْق؛ كالفَرَاش وغيره، وكذلك الإبل العواشي تعشو إلى ضوء نار.

وأنشد:

وعاشية حُوشٍ يِطانٍ ذعرتُها *** بضربِ قتيلٍ وسطَها يتسيَّفُ

قلت: غلط في تفسير الإبل العواشي أنها التي تعشو إلى ضوء النار.

والإبل العواشي جمع العاشية وهي التي ترعى ليلًا وتتعشّى، ومنه قولهم: العاشية تهيج الآبية.

وقول الله جل وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزّخرُف: 36].

قال الفراء في كتابه في المعاني ولم أسمع هذا الفصل من المنذري لأن بعض هذه السورة كان فات أبا الفضل معناه: من يعرض عن ذكر الرحمن، قال ومن قرأ {ومن يَعْشَ عن ذكر الرحمن} فمعناه من يَعْمَ عنه.

وقال القتيبي معنى قوله: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} أي يُظلم بصرُه، قال: وهذا قول أبي عبيدة ثم ذهب يردّ قول الفراء ويقول: لم أر أحدًا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه، إنما يقال: تعاشيت عن الشيء: تغافلت عنه، كأني لم أره وكذلك تعاميت.

قال: وعشوت إلى النار إذا استدللت عليها ببصر ضعيف.

قلت: أغفل القتيبي موضع الصواب، واعترض مع غفلته على الفراء يردّ عليه فذكرت قوله لأبين عواره فلا يغتر به الناظر في كتابه، والعرب تقول: عَشَوت إلى النار أعشو عَشْوًا أي قصدتها مهتديًا بها، وعشوت عنها أي أعرضت عنها، فيفرقون بين إلى وعن موصولين بالفعل.

وقال أبو زيد: يقال: عشا فلان إلى النار يعشو عَشْوًا إذا رأى نارًا في أوَّل الليل فيعشو إليها يستضيء بضوئها، وعشا الرجل إلى أهله يعشو، وذلك من أول الليل إذا علم مكان أهله فقصد إليهم.

وأخبرن المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال: عَشِي الرجل يَعْشَى إذا صار أعشى لا يبصر ليلًا، عَشَا عن كذا وكذا يعشو عنه إذا مضى عنه، وعَشَا إلى كذا وكذا يعشوا إليه عَشْوًا وعُشوًّا إذا قصد إليه مهتديًا بضوء ناره، وأنشد قول الحطيئة:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره *** تجد خير نار عندها خيرُ موقد

قال: ويقال: استعشى فلان نارًا إذا اهتدى بها، وأنشد:

يتبعن جِرْوَيًا إذا هِبْن قَدَمْ *** كأنه بالليل مُسْتَعْشِى ضَرَم

يقول: هو نشيط صادق الطَرْف جريء على الليل، كأنه مستعشٍ ضَرَمَةً وهي النار.

وهو الرجل الذي قد ساق الخارب إبله فطردها فعَمَد إلى ثوب فشقّه وفتله فتْلًا شديدًا ثم غمسه في زيت أو دهن فروّاه ثم أَشْعَل في طَرَفه النار فاهتدى بها، واقتصّ أثر الخارب ليستنقذ إبله.

قلت: وهذا كله صحيح وإنما أَتَى القتيبي في وهمه الخطأُ من جهة أنه لم يفرق بين عشا إلى النار وعشا عنها، ولم يعلم أن كل واحد منهما ضدّ الآخر في باب الميل إلى الشيء والميل عنه، كقولك: عدلت إلى بني فلان إذا قصدتهم، وعدلت عنهم إذا مضيتَ عنهم، وكذلك ملت إليهم وملت عنهم، ومضيت إليهم ومضيت عنهم وهكذا.

قال أبو إسحاق الزّجاج في قوله جلّ وعزّ: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ} [الزّخرُف: 36] أي يُعرض عنه كما قال الفراء.

قال أبو إسحاق: ومعنى الآية أن من أعرض عن القرآن وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلّين فعقابُه بشيطان نقيّضه له حتى يضلّه ويلازمه قرينًا له فلا يهتدي؛ مجازاة له حين آثر الباطل على الحقّ البيّن.

قلت: وأبو عُبيدة صاحب معرفة بالغريب وأيّام العرب، وهو بليد النظر في باب النحو ومقاييسه.

وفي حديث ابن عمر أن رجلًا أتاه فقال له: كما لا ينفع مع الشرك عمل هل يضرّ مع الإيمان ذنب؟ فقال ابن عمر: عَشِ ولا تَغْتَرَّ.

قال أبو عبيد: هذا مثل، وأصله فيما يقال أن رجلًا أراد أن يقطع مفازة بإبله فاتّكل على ما فيها من الكلأ، فقيل له عشِ إبلك قبل أن تفوِّز، وخذ

بالاحتياط، فإن كان فيها كلأ لم يضرك ما صنعت، وإن لم يكن فيها شيء كنت قد أخَذت بالثقة، فأَراد ابن عمر بقوله هذا اجتنب الذنوب ولا تركبها اتّكالًا على الإسلام، وخذ في ذلك بالثقة والاحتياط.

يقال عشّيت الإبل إذا رعيتها بعد غروب الشمس إلى ثلث الليل، وعشيتها أيضًا إذا رعيتها بعد الزوال إلى غروب الشمس، وعشّيت الرجل إذا أطعمته العشاء، وهو الطعام الذي يؤكل بعد العِشاء، ومنه قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إذا قُرِّب العَشَاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعَشَاء، فالعَشَاء: الطعام وقت العِشاء».

وقال ابن السكيت: إذا قيل لك تَعشَ قلت: ما بي تَعشِ يا هذا.

ولا تقل: ما بي عَشاء، قال: ورجل عَشْيان وهو من ذوات الواو لأنه يقال عَشَيْتُه وعَشَوْتُه فأنا أعشوه أي عشَّيته، وقد عَشِي يَعْشَى إذا تَعَشَّى، فهو عاش.

وقال أبو حاتم: يقال من الغَدَاء والعشاء: رجل غَدْيان وعَشْيان، قال: والأصل غدوان وعشوان؛ لأن أصلهما الواو، ولكن الواو تقلب إلى الياء كثيرًا؛ لأن الياء أخفّ من الواو.

أبو عبيد عن أبي زيد: ضَحَيْتُ عن الشيء وعَشَيْتُ عنه معناهما: رَفَقْت به.

وصلاة العِشَاء، هي التي بعد صلاة المغرب، ووقتها حين يغيب الشفق، وهو قول الله جلّ وعزّ: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ} [النُّور: 58].

وأمّا العَشِيُ فإن المنذري أخبرني عن أبي الهيثم أنه قال: إذا زالت الشمس دُعي ذلك الوقت العشيّ، فتحول الظل شرقيًا وتحولت الشمس غريبة.

قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظهر والعصر، وحدَّثنا السعديّ عن عمر بن شَبَّة عن عبد الوهاب عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال: صلّى بنا رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم إحدى صلاتي العشيّ، وأكبر ظني أنها الظهر، ثم ذكر الحديث.

قلت: ويقع العِشِيّ على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، كل ذلك عِشيّ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء.

وقال الليث: العَشِيّ بغير هاء: آخرُ النهار.

فإذا قلت: عشيّة فهو ليوم واحد، يقال لقيته عشية يوم كذا وكذا، ولقيته عشيَّة من العشيَّات.

قال أبو عبيد: يقال لصلاتي المغرب والعشاء العشاءان، والأصل العِشاء فغُلّب على المغرب، كما قالوا: الأبوان وهما الأب والأم.

ومثله كثير.

قال النضر: العِشاء: حين يصلي الناس لعتمة وأنشد:

ومجوّل مَلَث العشاء دعَوتُه *** والليل منتشر السقيط بهيم

قال: وإذا صغّروا العشيّ قالوا: عُشَيْشيَان، وذلك عند شفًى وهو آخر ساعة من النهار.

قال: ويجوز في تصغير عشِيَّة عُشَيَّة وعُشَيشية.

قلت: كلام العرب في تصغير عشية: عُشَيشية، جاء نادرًا على غير قياس.

ولم أسمع عُشَيَّة في تصغير عشِيّة، وذلك أن عُشية تصغير العَشْوة وهي أوَّل ظلمة الليل، فأرادوا أن يفرقوا بين تصغير

العَشِيَّة وتصغير العَشْوة.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} [النَّازعَات: 46] يقول القائل: وهل للعشية ضحى؟

قال: وهذا جيّد من كلام العرب.

يقال: آتيك العشِيّة أو غداتَها، وآتيك الغداة عشِيّتها، فالمعنى لم يلبثوا إلّا عشية أو ضحى العشية، فأضاف الضحى إلى العشية.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أن ابن الأعرابي أنشده:

ألَا ليت حظّي من زيارة أُمِّيَهْ *** غِديَّاتُ قيظ أو عَشِياتُ أشتيه

وقال: الغَدَوات في القيظ أطول وأطيب، والعشِيَّات في الشتاء أطول وأطيب، وقال: غَدِية وغدِيات؛ مثل عَشِية وعَشِيَّات.

الحراني عن ابن السكيت: يقال: لقيته عُشَيشية وعشيشِيات وعشيشيانات وعُشَيَّانَات، ولقيته مغيربان الشمس ومغيربانات الشمس.

وذكر ابن السكيت عن أبي عبيدة وابن الأعرابي أنهما قالا: يقال: أوطأته عَشْوَةً وعِشْوَةً وعُشوة.

والمعنى فيه: أنه حمله على أن يركب أمرًا غير مستبين الرشد، فربما كان فيه عطَبُه، وأصله من عَشْواء الليل وعُشوته مثل ظلماء الليل وظلمته، فأمّا العِشاء فهو أول ظلام الليل.

ورَوَى شمر حديثًا بإسناد له عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: يا معشر العرب احمدوا الله الذي رفع عنكم العُشوة.

وقال شمر: أراد بالعُشْوة ظلمة الكفر، كلَّما ركب الإنسان أمرًا بجهل لا يبصر وجهه فهو عُشوة، مأخوذ من عُشوة.

وقال شمر: قال أبو عمرو: العُشْوة أيضًا في غير هذا: الشعلة من النار.

وأنشد:

حتى إذا اشتال سُهَيل بسحر *** كعُشوة القابس تَرْمِي بالشرر

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


216-تهذيب اللغة (على)

على: عَلَى لها مَعَان، والقُراء كلهم يفخّمونها؛ لأنها حرف أداة.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قول الله تعالى: {ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ} [الأعرَاف: 63] جاء في التفسير: مع رجل منكم؛ كما تقول: جاءني الخير على وجهك ومع وجهك.

وقال ابن السكيت: يقال رميت عن القوس ورميت عليها، ولا تقل: رميت بها.

وأنشد:

* أرمي عليها وهي فَرْع أجمعُ*

وقال ابن شميل: يقولون إذا كان له مال: عليه مال ولا يقولون له مال ويقولون: عليه دين، ورأيته على أوفاز كأنه يريد النهوض.

ويجيء على بمعنى {عَن} قال الله جلّ وعزّ: {إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطفّفِين: 2] معناه: إذا اكتالوا عنهم.

وتجيء على بمعنى عنه.

قال مُزاحم العُقَيليّ:

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمِؤها *** تَصِلّ وعن قيض بزبزا مَجْهَل

قال الأصمعي: معناه: غدت من عِنده.

قال ابن كيسان: عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أخبارًا رَفعن الأسماء، كقولك عليك ثوب، وعندك مال، ودونك خير.

ويُجعلن إغراء فيُجرين مجرى الفعل فينصبن الأسماء.

يقول: عليك زيدًا، ودونك عمرًا، وعندك بكرًا أي الزمه وخذه، وأما الصفات سواهن فيَرفعن إذا جُعلن أخبارًا ولا يُغرى بهن.

قال الزجاج في قولهم: عليهم وإليهم: الأصل علاهم وإلاهم؛ كما تقول: إلى زيد وعلى زيد، إلَّا أن الألف غُيِّرت مع المضمر، فأبدلت ياء ليُفصل بين الألف التي في آخر المتمكنة، وبين الألف في غير المتمكنة التي الإضافة لازمة لها؛ ألا ترى أن إلى وعلى ولدى لا تنفرد عن الإضافة.

وقالت العرب: في كِلَا في حال النصب والجرّ: رأيت كليهما وكليكما، ومررت بكليهما، ففصلت بين الإضافة إلى المظهر والمضمر، لما كانت كِلَا تنفرد ولا تكون كلامًا إلّا بالإضافة.

الحراني عن ابن السكيت: يقال: أتيته من عَلُ بضم اللام، وأتيته من عَلُو بضم اللام وسكون الواو، وأتيته من عَلِي بياء ساكنة، وأتيته من عَلْو بسكون اللام وضمّ الواو، وَمن عَلْوَ وَمَن عَلْوِ وَأنشد: من عَلْوَ لا عَجَب منها ولا سَخَر وَيروى من عَلْوُ وَمن عَلْوِ.

قال وَيقال: أتيته من عالٍ وَمن مُعَالٍ.

وَأنشد:

* ظمأى النَسَا من تحتُ، ريّا من عالْ *

وَأنشد في معال: وَنَغَضان الرحل من مُعالِ

وَقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} [الإنسَان: 21] قرىء {عالِيَهُمْ} بفتح الياء و {عاليهم} بسكونها.

قال الفراء: من فتح (عالِيَهُمْ) جعلها كالصفة: فوقهم.

قال: وَالعرب تقول: قوتك داخل الدار فينصبون داخل لأنه محلّ، فعاليهم من ذلك.

وقال الزجاج: لا يُعرف {عالَى} في الظروف.

قال: ولعلّ الفراء سمع بعالي في الظروف.

قال: ولو كان ظرفًا لم يجز إسكان الياء، ولكن نصبه على الحال من شيئين: أحدهما من الهاء والميم في قوله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} [الإنسان: 19] ثم قال {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ} أي في حال علوّ الثياب إياهم.

قال: ويجوز أن يكون حالًا من الولدان.

قال: فالنصب في هذا بيّن.

قال ومن قرأ {عاليهم} فرفْعه بالابتداء والخبر {ثِيابُ سُندُسٍ}.

قال وقد قرىء (عاليتَهم) بالنصب، و (عاليتُهم) بالرفع، والقراءة بهما لا تجوز، لخلافهما المصحف.

وقرىء (عليهم ثياب سندس) وتفسير نصب (عاليتهم) ورفعِها كتفسير (عالِيَهُمْ) و (عاليهم).

وقال ابن السكيت: سِفْل الدار وعِلْوها وسُفْلها وعُلْوها.

ويقال: علا فلان الجبل إذا رَقِيه، يعلوه عُلُوًْا، وعلا فلان فلانًا إذا قهره، وعلا فلان في الأرض إذا تكبّر وطغى.

ويقال: فلان تعلو عنه العين بمعنى تنبو عنه، وإذا نبا الشيءُ عن الشيء ولم يلصَق به فقد علا عنه.

وقال الليث: عالى كل شيء أعلاه.

وكذلك عاليه كل شيء أعلاه ويقال نزل فلان بعالية الوادي وَسافلته.

فعاليته: حيث ينحدر الماء منه، وَسافلته، حيث ينصبّ إليه، وَعالية تميم هم بنو عمرو بن تميم، وهم بنو الهُجَيم والعنبر ومازِن.

وعُليا مضرهم قريش وقيس.

قال و (على) صفة من الصفات وَللعرب فيها لغتان: كنت على السطح، وكنت أعلى السطح.

وقال الليث: الله تبارك وتَعالى هو العلي المتعالي العالي الأعلى ذو العلاء والعُلَا وَالمَعَالي، تعالى عما يقول الظالمون عُلُوًّا كبيرًا.

وهو الأعلى سبحانه بمعنى العالي قال: وتفسير تعالى: جلّ عن كل ثناء، فهو أعظم وأجلّ وأعلى مما يُثنَى عليه، لا إله إلَّا الله وَحده لا شريك له.

قلت: وتفسير هذه الصفات لله يقرب بعضها من بعض، فالعليّ الشريف فعلى من علا يعلو، وهو بمعنى العالي، وهو الذي ليس فوقه شيء.

ويقال: هو الذي علا

الخلق فقهرهم بقدرته.

وأمّا المتعالي فهو الذي جَلّ عن إفك المفترين، وتنزّه عن وساوس المتحيّرين.

وقد يكون المتعالي بمعنى العالي.

والأعلى هو الله الذي هو أعلى من كل عالٍ.

واسمه الأعلى أي صفته أعلى الصفات.

والعلاء الشرف.

وذو العلاء صاحب الصفات العُلَا والعُلَا جمع العُلْيا أي جمع الصفة العليا والكلمة العليا.

ويكون العُلَا جمع الاسم الأعلى.

وصفة الله العليا: شهادة أن لا إله إلّا الله فهذه أعلى الصفات ولا يوصف بها غير الله وحده لا شريك له.

ولم يزل الله عليًّا عاليًا متعاليًا، تعالى الله عن إلحاد الملحدين وهو العلي العظيم.

ويقال رجل عليّ أي شريف، وجمعه عِلْية يقال: فلان من عِلْية الناس أي من أشرافهم ومثله صَبِيّ وصِبْية.

وفلان عالي الكعب إذا كان ثابت الشرف، وعالي الذكر.

وقال الليث: العَلْياء، رأس كل جبل مشرِف.

قال: والعالية: القَنَاة المستقيمة، وجمعها العوالي.

قال ويسمّى أعلى القناة العالية وأسفلها السافلة.

قلت: وقال غير الليث: عوالي الرماح: أسِنّتها، واحدتها عالية.

ومنه قول الخنساء حين خطبها دُرَيد بن الصِّمَّة: أتَرونني تاركة بني عمّي كأنهم عوالي الرماح، وَمُرْتَثَّةً شيخ بني جُشَم.

شبَّههتم بعوالي الرماح لطراءة شبابهم، وبريق سَحَناتهم، وحسن وجوههم.

وعالية الحجاز: أعلاها بلدًا وأشرفها موضعًا.

وهي بلاد واسعة.

وإذا نسبوا إليها قيل: عُلْوِيّ، والأنثى عُلْوِية.

ويقال: عالي الرجلُ وغيره إذا أتى عالية الحجاز.

وقال بشر بن أبي خازم:

مُعَالِيةً لا هَمّ إلّا محجَّر *** وحَرَّة ليلى السهلُ منها فلُوبها

وحَرَّة ليلى وحرَّة شَوران وحَرَّة بني سُلَيم في عالية الحجاز.

وقال الليث: المَعْلاة: مكسب الشرف وجمعها المعالي.

قال والعُلِّيّة: الغرفة على بناءَ حُرِّية.

قال: وهي في التعريف فُعُّولة.

وقال شمر: قال الأصمعي: العِلِّيّ: الغرف، واحدتها عِلِّيّة.

وقال العجّاج:

* وبِيعة لسورها عِلّيّ *

وقال أبو حاتم: العَلَاليّ من البيوت، واحدتها عِلّيّة قال ووزن عِلّيّة فِعيلة، العين شديدة.

قلت: وعِلِّيّة أكثر في كلامهم من عُلِّيَّة.

وقال الليث: عِلِّيّين: جماعة عِلّيّ في السماء السابعة، إليه يُصعَد بأرواح المؤمنين.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} [المطفّفِين: 18، 19].

يقول القائل كيف جمعت علّيّون بالنون وهذا من جمع الرجال؟ قال: والعرب إذا جمعت جمعًا لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين قالوا في المذكر والمؤنث بالنون من ذلك عِلّيّون.

وهو شيء فوق شيء غير معروف واحدُه ولا اثناه.

قال: وسمعت العرب تقول: أطعمنا مَرَقة مَرَقِينَ، تريد اللُحمان إذا طُبخت بماء

واحد، وأنشد:

قد رَوِيت إلّا دُهَيدِ هينا *** قليِّصات وأُبيكرينا

فجمع بالنون؛ لأنه أراد العدد الذي لا يُحَد آخره.

وكذلك قول الشاعر:

فأصبحت المذاهِب قد أذاعت *** بها الإعصارُ بعد الوابلينا

أراد المطر بعد المطر غير محدود وكذلك علّيّون: ارتفاع بعد ارتفاع.

وقال أبو إسحاق في قوله جلّ وعزّ: {لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين: 18]: أي في أعلى الأمكنة.

{وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ} [المطفّفِين: 19] فإعراب هذا الاسم كإعراب الجمع، لأنه على لفظ الجمع؛ كما تقول: هذه قِنَّسْرون ورأيت قِنَّسرين.

وقال مجاهد في قوله (لَفِي عِلِّيِّينَ) قال: عليون السماء السابعة.

وقال شمر: قال أبو مُعَاذ: عِلِّيِّينَ السماء السابعة.

قلت: ومنه حديث النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل عليّين، كما ترون الكوكب الدُرّيّ في السماء».

ويقال للمرأة إذا طَهُرت من نفاسها: تعلّت فلانة من نفاسها.

وفي حديث سُبَيعة أنها لما تعلّت من نفاسها تشرَّفت لخُطَّابها.

ومنه قول الشاعر:

* ولا ذات بعل من نفاس تعلّت *

والسموات العُلَا جمع السماء العُلْيَا، والثنايا العليا، والثنايا السفلى، يقال للجماعة: عُلْيا وسُفْلى لتأنيث الجماعة.

ومثله قول الله جلّ وعزّ: {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} [طه: 23] ولم يقل: الكُبَر.

وهو بمنزلة الأسماء الحسنى، وبمنزلة قوله جلّ وعزّ: {وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى} [طه: 18] وتقول العرب في النداء للرجل: تعالَهْ، وللاثنين: تعاليا، وللرجال: تعالَوْا، وللمرأة: تعالَيْ، وللنساء: تعالين.

ولا يبالون إن كان المدعوّ في مكان أعلى من مكان الداعي، أو في مكانٍ دونه.

وعَلْوى اسم فرس كانت من سوابق خيل العرب.

ويقال: ضربت عِلَاوته أي رأسه وعُنُقه.

والعِلاوة: ما يحمل على البعير وغيره بين العِدْلين.

ويقال: أعطاه ألفًا ودينارًا عِلاوة، وأعطاه ألفين وخمسمائة عِلَاوة.

وجمع العِلَاوة عَلَاوَى، مثل هِراوة وهَرَاوَى.

ويقال: عَلِ عَلَاواك على الأحمال وعالها.

وإذا نسب الرجل إلى عليّ بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قالوا عَلَوِيّ، وإذا نسبوا إلى بني علي ـ وهم قبيلة من كنانة ـ قالوا: هؤلاء العِليُّون.

أخبرنا المنذري عن الطوسي عن الخراز عن ابن الأعرابي أنه قال في تفسير قوله:

* بنو علي كلّهم سواء*

قال: بنو علي من بني العَبَلات من بني أميَّة الأصغر، كان وَلِي من بعد طلحةِ الطلحات؛ لأن أمهم عَبْلة بنت جازل من البراجم، وهي أم ولد أميّة الأصغر.

والمعلِّي: أحد قداح المَيْسِر، وهو القِدْح السابع.

وله فوز سبعة أسهم إن فاز.

وغُرْم سبعة أسهم إن لم يفز.

وكلّ من قهر

رجلًا أو عَدُوًّا فإنه يقال فيه: علاه واعتلاه واستعلاه واستعلى عليه.

ويقال: عُلْوان الكتاب لعُنوانه.

والعرب تبدل اللام من النون في حروف كثيرة؛ مثل لعلَّك ولعنَّك وعَتَله إلى السجن، وعَتَنه.

وكأن علوان الكتاب اللام فيه مبدلة من النون.

وقد مرّ تفسيره في مضاعف العين.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: رجل عِلْيانا وعِلَّيَان إذا كان طويلًا جسيمًا وكذلك ناقة عِلْيان وأنشد:

أنشدُ من خَوَّارة عِلْيانِ *** مضبورة الكاهل كالبنيانِ

وقال الليث: العِلْيان: الذكر من الضباع قال ويقال للجمل الضخم: عِلْيان.

قلت هذا تصحيف، إنما يقال لذكر الضباع: عِثْيان بالثاء، فصحَّفه الليث، وجعل بدل الثاء لامًا.

وقد مر ذكر العِثْيان في بابه.

وقال الليث: العَلَاة السَنْدان؛ ويشبّه بها الناقة الصُلْبة.

قلت: وهكذا قال غيره من أئمتنا في الناقة الصُلْبة وهذه الحديدة.

وقيل في تفسير قوله: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحَديد: 25] قال: أنزل العَلَاة والمَرّ.

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال للرجل الذي يردّ حبل المستَقِي بالبكرة إلى موضعه منها إذا مَرِسَ المعلِّي، والرِّشاء المعلَّى.

وقال أبو عمرو: التعلية أن ينتأ بعضُ الطيّ أسفل البئر، فينزلَ رجل في البئر يعلِّي الدلو عن الحجر الناتىء وأَنشد لعدي:

* كهُويّ الدلو نزّاها المُعَلْ*

أراد المعلِّي.

قال والعلاة: صخرة يُجعل لها إطار من الأخْثاء ومن اللبن والرماد، ثم يطبخ فيها الأقط.

ويجعع عَلًا.

وأنشد أبو عبيدة:

وقالوا عليكم عاصِمًا نستغِثْ به *** رُوَيدكَ حتى يصفِق البَهْمَ عاصم

وحتى ترى أن العلاة تمدّها *** جُخَاديّةٌ والرائحات الروائم

يريد أن تلك العلاة يزيد فيها جُحاديّة، وهي قِربة مَلأى لبنًا، أو غِرارَة ملأى تمرًا أو خنطة يصبّ منها في العلاة للتأقيط، فذلك مدّها فيها.

ويقال: ناقة حَلِيّة عَلِيّة حَلِيَّة: حُلْوة المنظر والسير عَلِيَّة: فائقة.

ويقال: عاليته على الحمار، وعلّيته عليه.

وأنشد ابن السكّيت:

عاليت أَنساعي وجِلْبَ الكُور *** على سَرَارة رائح ممطور

وقال:

فإلَّا تجلَّلها يعالوك فوقها *** وكيف تُوقي ظهرَ ما أنت راكبه

أي: يُعلوك فوقها.

أبو سعيد: علوت على فلان الريح أي كنت في عُلاوتها.

ويقال: لا تَعلُ الريح على الصيد فيرَاح ريحِك وينفِر.

ويقال: أتيت الناقةَ من قِبَل مستعلاها أي من قبل إنسيّها.

قال والمُسْتَعْلي هو الذي يقوم على يسار الحَلُوبة.

والبائن: الذي يقوم على يمينها.

والمستعلي يأخذ العُلْبة بيده اليسرى ويحلب باليمنى.

وقال الكميت في المستعلي والبائن:

يبشر مستعليًا بائن *** من الحالبَينِ بأن لا غرارا

ويُقال: اعلُ الوسادة أي اقعد عليها، وأَعْلِ عنها أي انزل عنها.

وأنشدني أبو بكر الإيادي لامرأة من العرب عُنِّن عنها زوجُها:

فقدنك من بعل علام تدكُّني *** بصدرك لا تغني فتيلا ولا تُعلِي

أي: لا تَنزِل وأنت عاجز عن الإيلاج.

ويقال: فلان غير مؤتل في الأمر، وغير مُعْتلٍ أي غير مقصِّر.

وأنشد أبو العباس بيت طُفيل:

ونحن منعنا يوم حَرْس نساءكم *** غداة دعانا عامر غير مُعتل

وقال الفراء: هو عُلْوان الكتاب وعُنوانه.

وقال اللحياني: عَلْونت الكتاب عَلْونة وعلوانا، وعنونته عنونة وعنوانًا.

وقال أبو زيد: عُلْوان كل شيء: ما علا منه، وهو العُنْوان.

وأنشد:

وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها *** جعلتها للذي أخفيت عنوانًا

أي: أظهرت حاجة وأخفيت أخرى.

وهي التي أُريغ، فصارت هذه عنوانًا لما أردت.

وقال أبو سعيد: هذه كلمة معروفة عند العرب: أن يقولوا لأهل الشرف في الدنيا وَالثروَة والغنى: أهل عليين.

فإذا كانوا متّضعين قالوا: سِفليُّون.

والعِلِّيُّون في كلام العرب: الذين ينزلون أعالي البلاد.

وإن كانوا ينزلون أسافلها فهم سِفْليُّون.

ويقال هذه الكلمة تستعلي لساني إذا كانت تعتزّه وتجري عليه كثيرًا.

وتقول العرب: ذهب الرجل عَلَاء وعَلْوًا، ولم يذهب سُفْلًا إذا ارتفع.

وفلان منِ علْية الناس لا من سَفلتهم.

وقال الليث: الفرس إذا بلغ الغاية في الرهان يقال: قد استعلى على الغاية.

ويقال: قد استعلى فلان عَلَى الناس إذا غلبهم وقهرهم وعلاهم قال الله تبارك وتعالى: {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى} [طه: 64] ويقال: تعلَّى المريض من عِلَّته إذا أفاق منها.

ويَعْلى: اسم رجل.

وتَعْلى: اسم امرأة.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


217-تهذيب اللغة (حسب)

حسب: قال الليث: الحَسَبُ: الشَّرَفُ الثابت في الآباء، رجل كريم الحَسَب، وقوم حُسَبَاء، قال: وفي الحديث: «الحَسَبُ المَالُ، والكرَمُ التقوى»وروي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «تُنْكَحُ المرأةُ لِمَالِها وحَسَبِها ومِيسَمِها ودينها فعليك بِذَاتِ الدِّين، تَرِبَت يداك».

قلت: والفقهاء يحتاجون إلى معرفة الحسب، لأنه مما يُعْتَبَرُ به مَهْرُ مثل المرأة إذا عُقِد النكاح على مهر فاسد، فقال شَمِر

في كتابه «المُؤَلَّف في غريب الحديث» الحَسَبُ: الفَعَال الحَسَنُ له ولآبائه مأخوذ من الحِسَاب إذا حَسَبُوا مناقبهم، وقال المُتَلمِّس:

ومَنْ كان ذَا أَصْلٍ كريم ولم يكن *** له حَسَبٌ كان اللئيمَ المُذَمَّما

ففرّق بين الحسَب والنَّسَب، فجعل النسب عدد الآباء والأمهات إلى حيث انتهى، والحَسَبُ: الفَعَالُ مثل الشجاعة والجود وحُسْنِ الخُلُق والوفاء.

قلت: وهذا الذي قاله شَمِر صحيح، وإنَّما سُمِّيت مَسَاعِي الرجل ومآثِرُ آبَائِه حَسَبًا: لأنهم كانوا إذا تفاخَرُوا عَدَّ المُفَاخِرُ منهم مناقِبَه ومآثِرَ آبائِه وحَسَبَها، فالحَسْبُ: العَدُّ والإحصاء، والحَسَبُ: ما عُدَّ، وكذلك العَدُّ مصدر عَدَّ يعُدُّ، والمعدود عددٌ.

وحدّثني محمد بن إسحاق عن علي بن خَشْرَم عن مُجَالد عن عمرو عن مسروق عن عُمَر أنّه قال: «حَسَبُ المرء دينُه، ومروءتُه خُلُقه، وأصله عَقْلُه»، قال: وحَدَّثنا الحُسَيْنُ بن الفَرج عن إبراهيم بن شمَّاسٍ عن مُسْلِم بن خَالِد، عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال:

«كَرَمُ المرء دِينُه، ومُرُوءَتُه عَقْلُه، وحَسَبُهُ خُلُقُهُ».

الحَرّاني عن ابن السكيت قال: الشرفُ والمجد لا يكونان إلا بالآباء.

يقال: رجل شريف، ورَجُلٌ ماجِد: له آباء متقدمون في الشرف.

قال: والحَسَبُ والكرم يكونان في الرَّجُل وإن لم يكن له آباء لهم شرَفٌ.

ويقال: رجل حَسِيب.

ورجل كَرِيمٌ بنفسه.

قلت: أراد أن الحَسَب يحصل للرجل بكرم أخلاقِه وإن لم يكن له نسب، وإذا كان حسيب الآباء فهو أكرم له.

ابن بزُرْج قال: الحَسِيبُ عندنا من الرجال: السخِيُّ الجَوادُ فذلك الحسيبُ، ولا يقال لذي الأصْلِ والصَّليبة البخيل حسيب.

قلت: يقال للسَّخِيِّ الجَوادِ حَسِيب.

وللذي يَكْثُر أهل بيته من البنين والأهل حسيب وإنما سُمّي حَسيبًا لكثرة عدده.

وسُمِّي الجواد حسيبًا لعدد مآثره ومنابته وكريم أخلاقه، وبكل ذلك نطقت السُّنَن وجاءت الأخبار، ويبين ذلك ما حدّثنا السعدي عن الجرجاني عن عبد الرزاق عن مَعْمر عن الزهري عن عروة أَنَّ هَوَازِنَ أتوا النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فقالوا: أنت أبرُّ الناس وأوصلُهم وقد سُبِيَ أبناؤُنا ونِساؤُنا وأُخِذَتْ أَمْوَالُنا، فقال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «اختاروا إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إما المالَ، وإما البَنِينَ»، فقالوا: أما إذ خيَّرتنا بين المال وبين الحسَب فإنا نَخْتَارُ الحسَب، فاختاروا أبناءَهم ونساءَهم، فقال النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إنا خَيَّرنَاهُم بين المالِ والأحْساب فلم يَعْدِلوا بالأَحْساب شيئًا»، فأطلق لهم السَّبيَ.

قلت: وبيّن هذا الحديث أن عدد أهل البيت يُسَمَّى حَسَبًا.

وقال الليث: الحَسَبُ: قدرُ الشيءِ كقولك: على حسَبِ ما أسْدَيْت إليَ

شكْرِي لك تقول: أشكرك على حَسَب بَلَائِك عندي أي على قدر ذلك.

قال: وأَمّا حَسْب مَجْزُومٌ فمعناه كَفَى، تقول: حَسْبك ذَاكَ أي كَفَاكَ ذَاكَ، وأنشد ابن السكيت:

ولم يكن مَلَكٌ للقوم يُنْزِلُهم *** إلا صَلَاصِلُ لا تُلْوَى على حَسَبِ

قال: قوله: لا تُلْوَى على حَسَب أي يُقْسَم بينهم بالسَّوِيَّة لا يُؤْثَرُ به أَحَدٌ، وقيل: لا تُلْوَى على حَسَب أي لا تُلْوَى على الكِفَاية لِعَوَزِ الماء وقِلَّتِه.

ويقال أَحْسَبَني ما أَعْطاني أي كفَاني.

وقال الفرّاء في قول الله عزوجل: {يا أَيُّهَا النَّبِيُ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64] جاء في التفسير: يكفيك الله ويَكْفِي مَنِ اتَّبَعَك، قال: وموضع الكاف في حَسْبُكَ وموضع {مَنِ}: نَصْب على التفسير كما قال الشاعر:

إذا كانت الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا *** فَحَسْبُك والضَّحّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّد

وقال أبو العَبّاس: معنى الآية: يكفيك الله ويكفي مَنِ اتَّبَعك.

وقال أبو إسحاق النحوي في قول الله جلّ وعزّ: {وَكَفى بِاللهِ حَسِيبًا} [النِّساء: 6] يكون بمعنى مُحَاسِبًا، ويكون بمعنى كافيًا أي يعطي كل شيء من العِلْم والحِفظِ والجزاءِ مقدارَ ما يُحْسِبه أي يَكْفِيه تقول: حَسْبُك هذا أي اكتفِ بِهَذَا.

قال: وقوله تعالى: {عَطاءً حِسابًا} [النّبَإِ: 36] أي كافيًا، وإنما سُمِّي الحِساب في المعاملات حِسَابا: لأنه يُعْلَم به ما فيه كِفايةٌ ليس فيه زِيادَةٌ على المقدار ولا نُقْصانٌ.

أبو عُبَيد عن أبي زيد.

حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبَه حِسابًا، وحَسَبْتُ الشيء أحْسَبُه حَسابًا وحُسْبَانًا، وأنشد:

على الله حُسْبَانِي إذا النَّفسُ أَشْرَفتْ *** على طَمَعٍ أو خافَ شيئًا ضميرُها

وقال الفراء: حَسِبْتُ الشيءَ: ظَنَنْتُه أَحْسِبُه وأَحْسَبهُ، والكَسْرُ أَجْوَدُ اللُّغَتَيْن.

وقُرِىء قولُ الله تعالى: (ولا تحسبن)، وليسَ في باب السالم حَرْفٌ على فَعِل يَفْعِل بكسر العين في الماضي والغابر غيرُ حَسِب يَحْسِب، ونَعِمَ يَنْعِم.

وأَمَّا قول الله جلّ وعزّ: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) فمعناه بحساب.

وأخبرني المنذِريُّ عن ثعلب أنه قال: قال الأخفش في قوله جلّ وعزّ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبانًا} [الأنعَام: 96] فمعناه بحساب، فحذف الباء.

وقال أبو العبَّاس: حُسْبَانًا: مصدر، كما تقول: حَسَبْتُه أَحْسبُهُ حُسْبانًا وحِسَابًا، وجعله الأخفش جَمْعَ حِسابٍ.

وقال أبو الهَيْثَم: الحُسْبان جمع حِساب وكذلك أَحْسِبَةٌ مثلُ شِهَاب وأَشْهِبَة وشُهْبَان.

وأما قوله عزَّ ذِكْرُه: {وَيُرْسِلَ {عَلَيْها} حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] فإن الأخفش قال: الحُسْبَانُ: المَرَامي، واحدتها حُسْبَانة.

وقال ابن الأعرابي أيضًا: أراد بالحُسْبَان المَرَامِي، قال: والحُسْبَانَةُ: الصاعِقَةُ، والحُسْبَانَةُ: السَّحابَة، والحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ.

وقال ابن شُمَيل: الحُسْبَان: سِهَامٌ يَرْمي بها الرَّجلُ في جوف قَصَبَةٍ ينْزِع في القَوْسِ ثم يَرْمِي بِعِشْرين منها، فلا تَمرُّ بشيء إلا عَقَرَتْه من صاحِب سِلَاحٍ وغيره، فإذا نَزَعَ في القَصَبة خَرَجَت الحُسْبَانُ كأنها غَيْبَةُ مَطَر فتَفَرَّقَتْ في النّاسواحدها حُسْبَانَةٌ، والمَرَامِي مِثْلُ المَسَالِّ رَقيقَةٌ فيها شيءٌ من طول لا حروف لها.

قال: والقِدْحُ بالحَدِيدَة: مِرْمَاةٌ.

وقال الزَّجَّاجُ في قوله عزوجل: {وَيُرْسِلَ {عَلَيْها} حُسْبانًا مِنَ السَّماءِ} [الكهف: 40].

قال: الحُسْبَانُ في اللُّغة: الحِساب.

قال الله عزوجل: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرَّحمن: 5] أي بحساب، قال: فالمعنى في هذه الآية أي يُرْسِل عليها عذاب حُسْبَان، وذلك الحُسْبَان حِسَابُ ما كَسَبَتْ يداك.

قلت: والذي قاله الزجاج في تفسير هذه الآية بعيد، والقول ما قاله الأخْفَشُ وابن الأعرابي وابن شُمَيْل والمعنى والله أَعْلَم أن الله يُرْسِل على جَنَّة الكافر مَرَامِيَ من عذاب، إما بَرَدٌ وإما حِجارة أو غيرهُما مِما شاء فَيُهْلكها ويُبْطِل غَلَّتَها وأَصْلَها.

وقال الليث: الحِسابُ والحِسابةُ: عَدُّك الشيءَ، تقول: حَسَبْتُ الشيء أَحْسُبُه حِسَابا وحِسابَةً وحِسْبَةً.

وقال النابِغَةُ:

* وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً في ذلك العَددِ*

وقول الله عزوجل: {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ} [البَقَرَة: 212].

قال بعضهم: بغير تَقْدِيرٍ على آخر بالنقصان، وقيل: بغير محاسبة ما يخاف أحدًا أن يُحاسِبَه عليه، وقيل: بغَيْر أن حَسِبَ المُعْطَى أَنّه يُعْطِيه أعطاه من حَيْث لم يَحْتسِب.

قال: والحِسْبَةُ: مصدر احْتِسابك الأجر على الله عزوجل، تقول: فعلتُه حِسْبَةً، واحْتَسَب فيه احْتِسابًا.

أبو عُبَيد عن الأصمعي: إنه لَحَسَنُ الحِسْبَة في الأمر إذا كان حَسَنَ التدبير في الأمر والنظر فيه وليس هو من احْتِسابِ الأجْرِ.

وقال ابن السِّكِّيت: احْتَسَبْتُ فلانًا: اخْتَبَرْتُ ما عِنْدَه، والنساءُ يَحْتسِبن ما عِنْد الرِّجَالِ لهن أي يَختَبِرْن.

قال: ويقال: احْتَسَبَ فلانٌ ابْنًا له وبنْتًا له إذا ماتَا وهما كبيران، وافْتَرَط فَرَطًا إذا مات له وَلَدٌ صغير لم يبلغ الْحُلُم.

قلت: وأما قول الله جَلَّ وَعَزَّ: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطّلَاق: 3] فجائز أن يكون معناه من حيث لا يُقَدِّرُهُ ولا يظنه كائنًا، من حَسِبْتُ أَحْسِب أي ظَنَنْتُ، وجائز أن يكون مأخوذًا من حَسبْتُ أَحْسُبُ، أراد من حيث لم يَحْسُبْه لنفسه رزقا ولا عَدَّه في حِسابه.

وقال الليث: الحَسْبُ والتَّحْسِيبُ: دَفْنُ المَيِّتِ، وأَنْشَد:

* غَدَاةَ ثَوَى في الرَّمْلِ غَيْرَ مُحَسَّبِ *

أي: غَيْرَ مدفون، ويقال: غيرَ مُكَفَّن.

قلتُ: لا أعرف التَّحْسِيب بمعنى الدَّفْن في الحجارة ولا بمعنى التكفين، والمعنى في قوله: غير مُحَسَّب أي غير مُوَسَّد.

قال أبو عُبَيْدة وغيره: الحُسْبانَةُ: الوِسادَةُ الصغيرة، وقَدْ حَسَّبْتُ الرجل إذا أَجْلَستَه عليها.

وروى أبو العَبَّاس عن ابن الأعرابي أنه قال: يقال لِبِسَاط البَيْتِ: والحِلْسُ، لِمخَادِّه المَنَابذُ ولِمساوِرِه الحُسْبَانات، ولحُصْرِه الفُحولُ.

وقال الليث: الأحْسَبُ: الذي ابْيَضَّت جِلْدَتُه من دَاءٍ ففسدت شَعَرَته، فصار أَحْمَرَ وأبْيَض، وكذلك من الإبل والنَّاس، وهو الأبْرَصُ، وأَنْشَدَ قولَ امْرِىء القَيْس:

أَيَا هِنْدُ لا تَنْكِحِي بُوهَةً *** عليه عَقِيقَتُه أَحْسَبَا

وقال أبو عُبَيْد: الأحْسَبُ: الذي في شعره حُمْرَةٌ وبَيَاض.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحُسْبَةُ: سواد يضرب إلى الحُمْرَةِ، والكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضرِبُ إلى الحُمْرَةِ، والقُهْبَةُ: سواد يضرب إلى الخُضْرَة، والشُّهْبَةُ: سوادٌ وبيَاضٌ، والْحُلْبَةُ: سوادٌ صِرْفٌ، والشُّرْبَةُ: بيَاضٌ مُشْرَبٌ بحمرة، واللُّهْبَةُ: بيَاضٌ ناصعٌ نَقِيّ، والنُّوبَةُ: لَوْنُ الخِلاسِيِّ والخِلاسِيُّ: الذي أَخَذ من سوادٍ شيئًا ومن بياض شَيئًا، كأنه وُلِد من عَرَبِيٍّ وحَبَشِيَّة.

أبو عُبَيد عن أبي زيد: أَحْسَبْتُ الرجلَ أي أعطيته ما يَرْضَى، وقال غيره معناه: أَعْطَيْتُه حتى قال: حَسْبِي.

والحِسَابُ: الكثير من قول الله عَزَّ وجَلَّ: {عَطاءً حِسابًا} [النّبَإِ: 36] أي كثيرًا.

ويقال: أَتَاني حِسابٌ من النَّاس أي جماعةٌ كثيرة، وهي لغة هُذَيْل.

وقال ساعِدَةُ بنُ جُؤَيَّةَ الهُذَلِيّ:

فلم يَنْتَبِه حتى أحاط بِظَهْرِه *** حِسَابٌ وسِرْبٌ كالجرادِ يَسُوم

وأمَّا قَوْل الشَّاعِر:

باشَرْتَ بالوَجْعَاءِ طَعْنَة ثَائرٍ *** بِمُثَقِّفٍ وثَوَيْتَ غيْرَ مُحَسَّب

فإنه يُفَسّر على وجهين، قيل: غير مُوسَّد، وقيل: غير مكرّم، ومعناه أنه لم يرفَعْك حَسَبُك فَيُنْجِيَكَ من الموت ولم يُعَظَّمْ حَسَبُك.

وقال الفَرّاء في قوله جَلّ وعَزّ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ} [الرَّحمن: 5] قال: بِحسَاب ومنازل لا يَعْدُوانها.

وقال الزَّجَّاج: بحُسْبَان يدل على عدد الشهور والسنين وجميع الأوقات.

أبو عُبَيد: ذَهَبَ فلان يَتَحَسَّبُ الأخبارَ أي يَتَحَسّسها ويطلبها تَحَسُّبًا.

وقال أحمد بن يحيى: سألتُ ابنَ الأعرابي عن قول عُرْوَةَ بنِ الوَرْد:

ومُحْسِبَةٍ ما أَخْطَأَ الحقُّ غيرها *** تَنَفَّسَ عنها حَيْنُها فَهْي كالشَّوِي

قال: المُحْسِبَةُ بمعنيين من الحَسَب وهو الشَّرَف، ومن الإحساب وهي الكِفَاية أي

أنها تُحْسِبُ بلبنها أهلَها والضَّيْفَ، وما صلة، المعنى أنها نُحِرَت هِيَ وسَلِمَ غيرها.

أبو عُبَيد عن أبي زياد الكلابي: الأحْسَبُ من الإبل: الذي فيه سَواد وحُمْرَة وبيَاض، والأَكْلَفُ نحوه.

وقال شمر: هو الذي لا لون له الذي يقال: أَحْسِبُ كذا وأَحْسِبُ كذا.

وقوله تعالى: {وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ} [البَقَرَة: 202] أي حِسَابُه واقع لا محالة، وكلُّ واقع فهو سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِساب الله أنه لا يَشْغَلُه حِسَابُ واحد عن مُحاسَبَة الآخر، لأنه لا يشغله سَمْعٌ عن سَمْع، ولا شأْنٌ عن شأْن.

وقوله: {يا أَيُّهَا النَّبِيُ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64].

أي كافيك الله.

أَحْسَبَني الشيءُ أي كَفَاني، وأعْطَيْتُه فأحسَبْتُه أي أعطيتُه الكِفَايَة حتى قال حَسْبي، وفي قوله: {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفَال: 64] كِفَايَةٌ إذا نصرهم الله، والثاني حَسْبك من اتَّبَعَك من المؤمنين أي يَكْفِيكُم الله جميعًا.

وقوله: {اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسرَاء: 14] أي كفى بك لنفسك مُحَاسِبًا.

وقوله: {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} [البَقَرَة: 212] أي بِغَيرِ تَقْتِيرٍ وتضييق، كقولك: فلان ينفق بغير حساب أي يُوَسِّع النّفَقَةَ ولا يَحْسُبُها.

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ} [الكهف: 9] الخِطَابُ للنبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، والمرادُ الأُمَّةُ.

أخبرني المُنْذِرِيّ عن أبي بكر الخطَّابي عن نوح بن حبيب عن عبد الملك بن هشام الذماري قال أخبرنا سُفْيان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قَرَأَ: {يَحْسِب أن ماله أخلده} [الهُمَزة: 3] معنى أَخْلَدَه يُخْلِدُه، ومثله: {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ} [الأعرَاف: 50] أي ينادي، وقال الحُطَيْئَة:

شَهِدَ الْحُطَيْئَةُ حِين يَلْقَى رَبَّه *** أَنَّ الوليدَ أَحَقُّ بالعُذْرِ

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


218-تهذيب اللغة (حوك حيك)

حوك ـ حيك: قال الليث الحُوك بقلة ورَوَى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: الحَوْكُ الباذروج.

قال اليزيدي ما حكّ في صدري منه شيء وما حاكَ وكلٌّ يقال: فمن قال حكَّ قال يحُكُّ ومن قال حاك قال يحِيكُ حَيْكًا، ويقال ما أحاك فيه السيف وما حاك كلٌّ يقال: فمن قال أحَاكَ قال يُحِيكُ إحاكَةً، ومن قال حاكَ قال يَحيكُ حَيْكًا وحاك الحائك يحُوك حياكَةً وحَوْكًا وحَاك في مَشْيهِ يَحِيكُ حَيَكانًا أي تبختر.

وحدثنا السعدي قال حدثنا الزعفراني عن زيد بن الحُبَاب:

قال أخبرنا معاوية بن صالح قال أخبرني عبد الرحمن بن نُغَيْر عن أبيه عن النَوَّاس بن سَمْعان الأنصاري: أنه سأل النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم عن البِرّ والإثْم فقال:

«البِرُّ حُسْنُ الخُلُق والإثم ما حَاكَ في نفْسِك وكَرِهْتَ أن يطّلِعَ عليه الناس».

وقال الليث الشاعر يحوك الشِّعْرَ حَوْكًا والحائك يَحِيك الثوب حَيْكًا والحِياكةُ حرْفَتُه.

قلت هذا غلط الحائك يحوك الثوب وجميع الحائك حَوَكَةٌ وكذلك الشاعر يَحُوكُ الكلام حَوْكًا.

وأمّا حاك يَحِيكُ فمعناه التَّبَخْتُر.

وقال الليث الحَيْك النسج والحَيْكُ أَخْذُ القول في القلب، يقال:

ما يَحِيكُ كلامُكَ في فلان ولا يَحيكُ الفأْسُ ولا القَدُومُ في هذه الشجرة.

قال والحَيَكَانُ مَشْيَةٌ يُحَرِّكُ فيها الماشي أَلْيَتَهُ، تقولُ رجل حَيّاكٌ وامرأة حَيّاكَةٌ تَتَحَيّكُ في مِشْيَتها.

أبو عبيد عن أبي زيد: الحيكان أن يُحَرَّكَ منكبيه وجسدَه حين يمشي مع كثرة لحم.

ابن بُزُرْج قالوا حَوْكٌ وحَوَكٌ وحُوُوكةٌ، والمعنى النِّسَاجات وهي الثياب بأعيانها.

أبو نصر عن الأصمعي: ما حاك سيْفُه أي ما قَطَع، وما حَكَّ في صدري منه شيء، أَي ما تخالَجَ في صدري منه شيء.

قال وحَاكَ يحيكُ حيكًا إذا فَحَّجَ في مِشْيَتِهِ وحرّكَ منكبيه وقال المُبَرِّد: حَاكَ الثوبَ والشعرَ يحوكُهُ، كِلَاهُما بالواو، وهو يَحِيكُ في مِشْيته، ومِشْيةٌ حَيَكَى إذا كان فيها تبختر.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


219-تهذيب اللغة (حمأ)

حمأ: الأصمعي: يقال حَمِئَتِ الركيَّةُ فهي تَحْمأُ حَمَأً إذا صارت ذات حَمَأٍ وأحْمَأُتُها أَنَا إحْمَاءً إذا نقيتها من حَمَأَتِها.

قال: وحَمَأْتُها إذا ألقيت فيها الحمْأةَ.

قلت: ذكر هذَا الأصمعيُّ في كتاب «الأجنَاس» كما رواه الليث.

وليس بمحفوظٍ، والصواب ما أخبرنا المنذريُّ عن الحرَّاني عن ابن السكّيت.

قال: أحْمَأْتُ الركيَّة بالألف إذا ألقيت فيها الحَمْأَة وحَمَأْتُها إذا نزعت حَمْأَتَها، وكذلك رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عن اليزيديّ: حَمَأْت البِئْر إذا أخرجْتَ حَمْأَتَها.

قال: وأَحْمَأْتُها جعلتُ فيها حَمَأَةً، وافق قولُ ابن السكيتِ قولَ أبي عبيد عن اليزيديّ.

وقرأتُ لأبي زيد: حمأت الركيَّة جعلتُها حَمِئَةً.

وقرأ ابن عباس: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] بالهمز.

ورواه الفرَّاء عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس نحوَه.

قال الفراء: قرأَ ابن مسعود وابن الزبير (حَامِيَةٍ).

وقال الزجّاج: (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي في عين ذات حَمْأة.

يقال: حَمِئَتْ فهي حَمِئَة إِذا صارت فيها الحَمْأَةُ.

ومن قرأ «حَامِيَةٍ»، بغير همزٍ أراد حارَّةً، وقد تكون حارَّةً ذاتَ حمأةٍ.

أبو عبيد عن الفراء: حَمِئْتُ عليه حَمَأً، مهموزٌ وغيرُ مَهْمُوزٍ، أي غَضِبْتُ.

وقال اللحيانيُّ: حَمِيتُ في الغضب أَحْمَى حُمِيًّا، وبعضهم حَمِئْتُ في الغضب بالهمْز.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


220-تهذيب اللغة (ده)

ده: قال الليث: دَهْ: كلمة كانت العرب تتكلم بها، يرى الرجل تأمرَه فيقول له: يا فلان: إلّا دَهْ فلا دَهْ؛ أي: إنك إن لم تثأر بفلان الآن لم تثأر به أبدًا، قال: وأما قول رؤبة:

وقُوَّلٌ: إلا دَهٍ فلا دَهِ

يقال إنها فارسية حكى قَوْلَ ظِئْرِه.

وقال أبو عبيد في باب طالب الحاجة يَسألُها فَيُمْنَعُها فيطلبُ غيرهَا.

ومن أمثالهم في هذا: «إلَّا دَهٍ فَلَا دَهٍ»، قال: يُضرب للرجل، يقول: أريد كذا وكذا، فإن قيل له: ليس يمكن ذاك، قال: فكذا وكذا.

قال أبو عبيدة بعض هذا الكلام وليس كلُّه عنه.

قال: وكان ابنُ الكلْبيّ يخبر عن بعض الكهَّان: أنه تنافر إليه رجلان، فقالوا، أخْبِرْنَا في أيِّ شيء جئناك؟ فقال: في كذا وكذا، فقالوا: إلّا دَهٍ؛ انظر غير هذا النظر، فقال: إلّا دَهٍ فَلا دَهٍ، ثم أخبرهم بها.

وقال أبو عبيد، وقال الأصمعي في بيتِ رؤبة:

وقُوَّلٌ إلّا دَهٍ فَلَا دَهِ

إن لم يكن هذا فلا يكون ذاك، ولا أدري ما أصله؟ وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم فيما أكتب ابنَه قال: ويقال إلّا دَهٍ فلا دهٍ، يقول: لا أَقْبَلُ واحدة من الخَصْلتين اللتين تَعرِضُ.

قال: وفي كتاب «الأمثال» للأصمعي: «إلّا دَهٍ فلا دَهٍ»، يُرادُ به إن لم يكن هذا الآن فلا يكون.

وقال أبو زيد: تقول إلَّا دَهٍ فلا دَهٍ يا هذا، وذلك أن يُوتَر الرجلُ فيلقى واتِرَه فيقول له بعضُ القوم: إن لم تضربْه الآن فإنّك لا تضربُه.

قلت: وقول أبي زيد هذا يدلّ على أن «دَهٍ» فارسية معناها الضرب، تقول للرجل إذا أمرته بالضرب: «دِه»، رأيته في كتابه، بكسر الدال.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ نحوًا من قول

أبي زيد، قال: والعرب تقول إلا دَهٍ فلا دَهٍ، يقال للرجل الذي قد أشرف على قضاء حاجته من غريم له أو من ثأره أو من إكرام صديق له: إلّا دَهٍ فلا دَهٍ، أي: إن لم تغتنم الفُرصةَ الساعةَ فلست تصادفها أبدًا، ومثله: «بادِرِ الفُرْصة قبل أن تكون غُصّة».

أبو عبيد عن الأصمعيّ في باب الباطل وأسمائِه: دُهْ دِرّينْ سعدَ القيْن.

قال: ومعناه عندهم الباطل، ولا أدري ما أصله قال: قال أبو عبيد: وأمَّا أبو زياد فإنه قال لي يقال: دُهْ دُرَّيْه، بالهاء، وقال المنذري: وجدت بخط أبي الهيثم دُهْ دُرَّيْن سعدَ القين، دُه مضمومة الدال، سعد منصوب الدال، والقين غير معربٍ، كأنه موقوف.

ورُوي عن ابن السّكِّيت أنه قال: الدُّهدُر والدهْدُن: الباطل، وكأنهما كلمتان جُعلَتا واحدةً.

وروي عنه أنه قال: قولهم: دُهْ دُرْ، معرّب، وأصله دُه؛ أي: عشرة دُرّين أو دُرّ؛ أي: عشرة ألوان في واحد أو اثنين.

قلت: وقد حكيت في هذين المثلين أعني «إلّا دَهْ فلا دَهْ».

وقولهم: «دَهْ دُرّين» ما سمعته وحفظته لأهل اللغة، ولم أجدْ لهما في العربية أو العجمية إلى هذه الغاية أصلًا معتَمدًا إلا ما ذكرتُ لأبي زيدِ وابن الأعرابيّ، ولست على يقين ممَّا قالا.

أبو عبيد عن الأحمر قال: الدَّهْداه: صغار الإبل؛ وأنشدنا:

قد رَوِيَتْ إلا دُهيدهينا *** قُلَيِّصَاتٍ وأُبَيْكِرِينا

قال شمر: وسمعت ابن الأعرابي يقول: رَأيت أخي في المنام، فقلت له كيف رأيت الآخرة؟ فقال كالدَّهْدَاهِ في الزحام.

وقال وقال ابن الأعرابي: الدَّهداه، لا واحد له، قال: والدُّهَيْدِهين: صغار الإبل.

أبو عبيد عن أبي زيد: إذا كثُر الإبل فهي الدَّهْدَهَانُ؛ وأنشد:

لَنِعْمَ ساقي الدَّهْدَهَانِ ذي العَدَدْ

وقال أبو الطفيل: الدهداه: الكثير من الإبل، جِلَّةً كانت أو حواشي؛ وقال الرّاجز:

إذا الأُمورُ اصْطَكَّتِ الدّوَاهي *** مَارَسْنَ ذا عَقْبٍ وذا بُدَاهِ

يَذودُ يومَ النَّهَلِ الدَّهْدَاهِ

أي: النهل الكثير.

شمر: دهْدَهْتُ الحجارة، ودهديتها: إذا دحرجتَها فَتَدَهْدَهَ وَتَدَهْدَى؛ وقال رؤبة:

دَهْدَهْنَ جَوْلَانَ الحَصَى المُدَهْدَهِ

وقال ابن الأعرابيّ: دُه: زجر للابل، يقال لها في زجرها دُه دُه.

وقال الليث: الدَّهْدَهَةُ: قذفُك الحجارة من أعلى إلى أسفل دحرجةً؛ وأنشد:

يُدَهْدِهْنَ الرُّؤُوسَ كما تُدَهْدِي *** حَزَاوِرَةٌ بِأَبْطُحِها الكُرِينَا

قال: حوّل الهاء الآخرة ياء لقرب شبهها بالهاء، ألا ترى أن الياء مَدَّة، والهاء نَفَس.

ومن هنالك صار مجرى الياء والواو والألف والهاء في روي الشعر شيئًا واحدًا، نحو قوله:

لِمَنْ طَلَلٌ كالوَحْي عَافٍ مَنَازِلُهُ

فاللام، هو الروي، والهاء وصل للروي، كما أنها لو لم تكن لمُدّت اللّام حتى

تخرج من مَدَّتها واو أو ياءٌ أو ألفٌ للوصل، نحو: منازِلي منازِلا منازِلُو.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


221-تهذيب اللغة (صهر)

صهر: قال الليث: الصِّهْر: حُرمة الخُتونة.

قال: وخَتَنُ الرَّجُلِ: صِهْرُه، والمتزوَّج فيهم: أصْهارُ الخَتَن ولا يقال لأهل بيت الخَتَن إلَّا أَخْتان، وأهلُ بيتِ المرأة أصْهار.

قال: ومن العرب من يجعلُهم كلَّهم أصهارًا وصهرًا، والفعل: المُصَاهرةُ.

وقال أبو الدُّقَيْش: أصْهَر بهم الخَتَن، أي صار فيهم صِهْرًا.

وروى أبو العباس عن أبي نصر عن الأصمعيِّ، قال: الأَحْماءُ من قِبَلِ الزَّوْج، والأخْتَانُ من قبل المرأة، والصِّهْر يجمعهما، قال: لا يقال غيرُه، ونحو ذلك قال ابن الأعرابي.

أبو عبيد، يقال: فلان مُصهِر بنا وهو من القرابة، قال زهير:

قَوْدُ الجِيادِ وإصْهارُ الملوكِ وصَبْ *** رٌ في مواطنَ لو كانوا بها سَئِمُوا

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفُرقان: 54]، قال الفراء: أما النسب فهو النسب الذي لا يَحِلُّ نكاحه، وأما الصِّهْر فهو النَّسبُ الذي يحلُّ نكاحُه كبنات العم والخال وأشباههِنَّ من القرابة التي يَحِلُّ تزويجها.

وقال الزجاج: الأصهار من النسب لا يجوز لهم التزويج، والنسب الذي ليس بصهر، من قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} [النِّساء: 23] إلى قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النِّساء: 23].

قلت: وقد روينا عن ابن عباس في تفسير النسب والصِّهر خلافَ ما قال الفراء جملة، وخلافَ بعض ما قاله الزجاج، فحدثنا محمد بن إسحاقَ قال: حدثنا الزعفرانيّ قال: حدثنا يزيدُ بن هارون، قال: أخبرنا الثَوْرِيُّ عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيدِ بن جبيرٍ، عن ابن عباس قال: حرم الله من النَّسب سبعًا ومن الصِّهر سبعًا: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) من النسب، ومن الصِّهر: «وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ، وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ، وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ، وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.

قلت: وقال الشافعي في النسب والصهر نحوًا مما روينا عن ابن عباس، قال الشافعي: حرم الله سبعًا نسبًا وسبعًا سببًا، فجعل السبب القرابة الحادثة بسبب المصاهرة والرَّضاع، وهذا هو الصحيح الذي لا ارتياب فيه.

وقال الليث: الصَّهْرُ إذابة الشحم، والصُّهارة ما ذاب منه، وكذلك الإصهار في إذابته أو أكْلِ صُهارتِه، وقال العجاج:

*شَكَّ السفافيدِ الشِّوَاء المُصْطَهَرْ*

والصَّهِير: المشويُّ، ويقال للحِرباء إذا تلألأ ظهره من شدة الحر قد صَهَرَهُ الحرُّ، واضطهر الحرباء.

وقال الله: {يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ} [الحَجّ: 20] أي يذاب.

وقال المفسرون في قوله (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ) أي يغلي به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم.

الحرّاني عن ابن السِّكِّيت: صَهرتْهُ الشمس وصَهَرَتْهُ: إذا اشتد وقعها عليه.

وقال ابن اليزيديّ، عن أبي زيد في قوله: (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ)، قال: هو الإحراقُ، صَهَرْتُه بالنار: أَنضجتُه أصْهَرُه.

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال لما أُذيب من الشحم: الصُّهَارة والجميل، وما أُذيب من الألية فهو حَمٌّ، إذا لم يبق فيه وَدَكٌ.

وقال أبو زيد: صَهَر خبزَه إذا أَدَمَه بالصُّهارة، فهو خبز مصهور وصَهِير.

وفي الحديث: أن الأسود كان يَصْهَرُ رجليه بالشحم وهو مُحْرِم، أراد أنه كان يَدْهُنُهما.

وقال أبو عبيد: يقال صَهَرْتُ فلانًا بيمين كاذبة أي استحلفته بيمين كاذبة توجب له النار.

وقال النضر: الصِّهْري: الصِّهريج، وذلك أنهم يأتون أسفلَ الشُّعْبة من الوادي الذي له «مَأْزِمَانِ» فيبنُون بينهما بالطين والحجارة فيترادُّ الماءُ، فيشربون به زمانًا، قال: ويقال: تَصَهْرَجوا صِهْرِيًا.

وقال غيره: صَهَر فلانٌ رأسَه صَهْرًا، إذا دَهَنه بالصُّهارة، وهو ما أُذيب من الشحم، وقال الليث: الصَّيْهُور ما يُوضَع عليه متاعٌ البيت من صُفْر أو شَبَهٍ أو نحوِه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


222-تهذيب اللغة (هبل)

هبل: ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: الهُبْلة: الثُّكْلَة، والهُبْلة: القَتْلة، واللُّهُبة: إشراق اللّون من الجَسَد.

وقال الليث: الهَبَل كالثُّكْل، وهَبِلَتْه أُمُّه وثَكِلَتْه.

وقال أبو الهيثم: فَعِل يَفْعَل: إذا كان متعدّيًا فمصدَرُه فَعْل إلّا ثلاثة أحرف: هَبِلَتْه أمّه هبَلًا، وعَمِلْت الشيءَ عمَلا، وزكِنْتُ الخَبَر زَكَنًا، أي عَلِمته.

وقال الليث: الهِبِلُ: الشيخ الكبير والمُسِنّ من الإبل، وأنشد:

أنا أبو نَعامةَ الشيخُ الهِبِلُ *

أبو عبيد، عن الأصمعي: الهِبَلُ: الثقيل.

وقال الليث: المَهْبِل: موضعُ الوَلد من الرَّحِم وقيل: المَهْبِل: أقصَى الرَّحم.

وقال شمر: المَهْبِل: البَهْوُ بين الوَرِكَين حيث يَجثم الولدُ، شُبِّه بمَهْبِل الجبَل، وهو الهُوَّة الذاهبةُ في الأرض.

وقال الهذليّ:

لا تَقِه المَوْتَ وقِيَّاتُه *** خُطَّ له ذلك في المَهبِلِ

وقال أوس بن حَجَر في مهبِل ما بين الجَبَلَيْن:

فأَبصَرَ أَلْهابًا من الطَّوْدِ دُونه *** يرَى بين رأسَيْ كل نِيقَيْنِ مَهبَلَا

وقال ابن الأعرابي: قال أبو زياد: المَهبِل: حيث يَنظُفُ فيه أبو عُمَير بأَرُونِه، وأنشد بيت الهذليّ.

وقال بعضهم: المَهبِل: ما بين الغَلَقين، أحدُهما فمُ الرَّحم، والآخر موضع العُذْرة.

وقال الليث: الهَبّال: المحتال، والصيَّاد يَهتَبِل الصيدَ: أي يغتَنِمه، وسمعتُ كلمةً فاهتبلتُها: أي اغتَنمْتُها.

ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: الهَبالةُ: الغنيمة، وأنشد:

فلأَحْشأَنّكَ مِشْقَصًا *** أَوْسًا أُوَيْسُ مِنَ الهَبالهْ

وهُبَل: اسمُ صَنَم عبدَتْه قُرَيش.

وفي حديث أهلِ الإفك: والنساءُ يومَئذٍ لم يُهَبِّلْهُنَ اللحمُ، معناه: لم يكثر عليهنَّ الشَّحمُ واللَّحم.

ويقال: أصبَح فلانٌ مُهَبَّلًا: وهو المُهَبِّجُ الذي كأنه تورَّم من انتفاخِه، ومنه قولُ أبي كبير: فشَبّ غير مهبّل.

أخبرنا المنذريّ، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: يقال: ما له هابل ولا آبل: فالهابلُ: المحتال، والآبل: الحَسَنُ الرِّعْية للإبل، والهَبُّلِيُ والأبُّلِيُّ: الراهب.

وفي حديث أبي ذَرّ وذكرِه ليلة القدر.

قال: فاهتبلتُ غَفْلَتَه، وقلت: أيُّ ليلة هي؟ أي تَحيّنْتُ غفْلَتَه وافترصْتُها، واحتلْتُ لها حتى وجدتُها، كالرجل يطلب الفرصة في الشيء.

وقال الكميت:

وقالتْ لي النفسُ: اشعَبِ الصّدْعَ واهتَبِلْ *** لإحدى الهَنَاتِ المُضْلِعاتِ اهتبالَها

أي: استعدَّ لها واحْتَلْ، قاله أبو عبيد.

ورجلٌ مُهتَبِلٌ وهبّال.

أبو العباس، عن ابن الأعرابي قال: الهابل: الكثير اللَّحم والشَّحم، ومنه قولُ عائشة: والنساء لم يُهَبِّلْهُنَ اللَّحْمُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


223-تهذيب اللغة (بهل)

بهل: قال الليث: الأبهل شجرةٌ يقال لها: أيُّ الأبرُس قال: وليس الأبهل بعربيّة مَحْضة.

قال: والباهل: المتردِّد بلا عمل، والراعي بلا عَصًا.

ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: الباهل: الذي لا سِلَاح معه، وناقة باهِلٌ: مُسَيَّبَةٌ، وتكون التي لا صِرَار عليها، ونحو ذلك قال أبو عبيد.

وحدثني بعضُ أهل العلم أن دُرَيدَ بن الصِّمَّة أراد أن يُطلِّق امرأته، فقالت: أتُطلِّقني وقد أطعَمْتُكَ مَأْدُومِي، وأبثَثْتُك مَكْتومِي، وأتيتك باهِلًا غير ذات صِرار؟.

قال: جعلتْ هذا مثلًا لمالِهَا، وأنها أباحتْ له مالَها.

وقال الليث: أَبهَلَ الراعي إبلَه: إذا تركها، وأَبهَلها من الحَلَب.

قال: ورجل بُهلُول: حَيِيٌّ كريم، قال: ويقال: امرأةٌ بُهلول.

أبو عبيد، عن الأصمعي قال: البُهلول: الضَّحَّاك من الرجال.

شمر، عن أبي عمرو الشيباني قال: البَهْل: الشيء اليسير الحقير، وأنشد:

وذو اللُّبّ للبَهْل الحقير عَيُوفُ*

أبو عبيد، عن الأموي: البَهْل: المال القليل.

اللِّحياني: هو الضَّلال بن بهلَلِ،

مأخوذ من الإبهال: وهو الإهمال، وبَهْلَل الوالي رعيّتَه، واستبْهلها: إذا أَهمَلها.

وقال النابعة:

وشَيْبان حيثُ استَبهَلتْها السواحِلُ*

أي: أهمَلها ملوك الحيرة، وكانوا على ساحل الفُرات قال الشاعر في إبل أُبْهِلَتْ:

إذا استُبهِلتْ أو فَضَّها العبدُ حَلَّقَتْ *** بسرْبِكَ يوْمَ الوِرْد عَنْقاءُ مُغرِبُ

يقول: إذا أُبهِلَتْ هذه الإبل، ولم تُصَرَّ أنفَدَت الجيرانُ ألْبانَها، فإذا أرادت الشرْبَة لم تكنْ في أخلافِها من اللبن ما يُشترَى به ماءٌ لِشُربها واسْتَبهلَ فلانٌ الحرْبَ: إذا احتلبها بلا صِرار.

وقال ابن مُقبل في الحرب:

فاستَبهل الحرْبَ من حَرّانَ مُطَّرِدٍ *** حتى يَظَلَّ على الكَفّين مَوْهونًا

أراد بالحرَّان الرُّمْح.

والعرب تقول: مَهْلًا وبَهلًا.

قال الشاعر:

فقلت له: مَهلًا وبَهلًا فلم يَتُبْ *** بقوْلٍ وأضْحَى النفسُ محتمِلا ضِغْنا

ثعلب، عن ابن الأعرابي، وعن سلمة عن الفراء قال: اهتبل الرجلُ: إذا كَذَب، واهتَبَلَ: إذا غَنِمَ، واهتَبل: إذا ثَكِل.

أبو عُبيد، عن الأصمعيّ: المبَاهِيل: الإبلُ التي لا صِرَارَ عليها، وهي المُبْهَلَة.

وقال أبو عمرو في البُهَّل مثله، واحدُها باهل.

وقال الكسائيّ: الباهل: التي لا سِمَة عليها.

ويقال: باهَلْتُ فلانًا: أي لاعَنْتُه، وعليه بَهْلةُ الله وبُهْلةُ الله: أي لعْنة الله.

وابتَهل فلانٌ في الدّعاء: إذا اجتهدَ.

ومنه قولُ الله جلّ وعزّ:

{ثُمَ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ} [آل عِمرَان: 61]: أي يجتهِد كلٌّ منا في الدُّعاء، ولَعْن الكاذِب مِنَّا.

قال أبو بكر: قال قومٌ: المُبْتهِل معناه في كلام العَرب: المُسَبِّح الذاكرُ لله، واحتَجُّوا بقول نابغة بني شَيْبَان:

أَقْطَعُ اللّيلَ آهةً وانْتِحابَا *** وابتهالًا لله أيَ ابتهالِ

قال: وقال قومٌ: المُبتهِل: الدّاعي.

وقيل في قوله: (ثُمَ نَبْتَهِلْ): ثم نَلتعِنْ.

قال: وأنشدَنا ثعلب عن ابن الأعرابيّ:

لا يتَأَدّوْنَ في المَضِيق وإنْ *** نادَى مُنادٍ كيْ يَنزلوا نَزَلوا

لابدّ في كَرَّةِ الفوارسِ أَنْ *** يُترَكَ في مَعْرَكٍ لهم بَطَلُ

مُنعفِرُ الوجهِ فيه جائفةٌ *** كما أَكَبَّ الصَّلاةَ مُبْتَهِلُ

أراد كما أَكَبَّ في الصلاةِ مُسَبِّح أخبرنا المُنذريِّ قال: أخبرني الحرّانيّ أنه سمع ابن السّكيت قال: يقال: تباهَل القوم: إذا تلاعنوا، ويقال: عليه بَهْلةُ الله: أي لعنةُ الله.

ومُبتهِلًا: أي مجتهدًا في الدُّعاء: ويقال: هو الضَّلَال بنَ بَهْلَل بالباء كأنّه المُبهَل المُهْمَل بنُ ثَهْلَل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


224-تهذيب اللغة (خلط)

خلط: قال الليث: خَلطْتُ الشّيءَ بالشّيْء خلْطًا فاخْتلَطَ، والخِلْط كل نوع من الأَخْلَاط كأخلَاط الدَّواء ونحوِه.

قال: والْخَلِيطُ ـ من السِّمَنِ ـ: الذي فيه شَحْمٌ ولَحْمٌ.

والْخَلِيطُ: تبْنٌ وقَتٌ مُخْتلِطَان.

وخَليطُ الرَّجُل: مُخَالِطُه.

والخليطُ: القومُ الذين أَمْرُهم واحِدٌ ـ وأنشد:

بَانَ الْخَلِيطُ بِسُحْرَةٍ فتبدَّدُوا

والْخُلَّيْطَى: تخليطُ الأمر ـ إنه لفي خُلَّيْطَى مِن أَمْره.

قلتُ: وقد تُخَفَّفُ اللام فيقال: خُلَيْطَى.

ويقال للقوم ـ إذا خَلَطُوا مالَهُم بعضَه ببعضٍ ـ: خُلَيْطَى.

وأنشدني بعضُهم:

وَكُنَّا خُلَيْطَى في الْجِمَال فَأَصْبَحتْ *** جِمَالي تُوَالي وُلَّهًا مِنْ جِمَالِكَ

ورُوِيَ عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أَنَّه قال: «لَا خِلَاطَ وَلَا شِنَاقَ في الصَّدَقَةِ».

وفي حديث آخر: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْن فإنَّهُمَا يَتَرَاجعانِ بَيْنهُمَا بِالسَّوِيَّةِ».

وكان أبو عُبَيْدٍ فَسَّرَ هذا الحديثَ في كتابِ «غَرِيب الحديث» فثَبجَّه ولم يحصِّل تفسيرًا يُبْنَى عليه، ثم ألَّفَ كتابَ «الأمْوَال» وقرأهُ عَلَيَّ أبو الحُسَيْن الْمُزَنِيُّ رِوَايَةً عن عَليِّ بنِ عبد العزيز ـ عن أبي عبيد وفَسَّرَه فيه عَلَى نحو ما فَسَّرَه الشَّافِعِيُّ.

أخبرنا عبدُ الملك ـ عن الرَّبيعِ.

.

عن الشَّافعِي ـ أنه قال: الذي لا أَشُكُّ فيه أن «الْخَلِيطَيْن»: الشَّرِيكَانِ لَمْ يقتَسِمَا المَاشِيةَ، وتراجُعُهُما ـ بالسَّوِيَّةِ: ـ أن يكونا خَلِيطَيْن في الإبل يَجِبُ فيها الْغَنَمُ، فَتُوجَدُ الإبل في يد أحدهما فَتُؤْخَذُ منه صدقتُهُمَا فيرجعُ على شريكه بالسَّوِيَّة.

قال الشافعيُّ: وقد يكونُ الْخَلِيطانِ: الرجلَيْنِ يَتَخَالطَانِ بِمَا شِيَتهِما، وإن عَرَفَ كلُّ واحد منهما ماشِيَتَهُ.

قال: ولا يكونان «خَلِيطَيْنِ» حتى يُرِيحَا ويَسْرَحَا ويَسْقِيَا معًا.

وتَكُونَ فحولُهُما «مُخْتَلِطةً»، فإذا كانا هكذا صَدَّقَا صَدَقَةَ الواحد، بكلِّ حال.

قال: وإن تفرَّقَا في مُرَاحٍ أو سَقْي أو فَحُولٍ، فليسا «خَلِيطَينِ»، ويُصَدَّقَانِ صَدَقَةَ الاثنين.

قال ولا يكونان: «خَلِيطَيْنِ» حتَّى يَحُولَ عليهما الْحَوْلُ، من يومِ «اخْتَلَطَا» فإذا حال عليهما حَوْلٌ من يومِ «اخْتَلَطَا» زُكِّيَا زكاةَ الواحِدِ.

قُلْتُ ـ وشَرْحُ ذلك أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: أوجب على مَنْ مَلَكَ أربعينَ شاةً فحال عليها الْحَوْلُ ـ من يومِ ملَكهَا ـ شاةً.

وكذلك: إذا مَلَكَ أَكْثَرَ منها إلى تمام مائة وعشرينَ ـ ففيها شاةٌ واحدةٌ، فإذا زادتْ شاةٌ واحدةٌ على مائة وعشرين ففيها شَاتَانِ.

ولو أنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مَلَكُوا مائةً وعشرين شاةً.

.

لكُلِّ واحدٍ منهم أربعُونَ شاةً، ولم يكونوا «خُلَطَاءَ» سنةً كاملةً فعلى كلِّ واحدٍ منهم شاةٌ ـ فإن صاروا «خُلَطَاءَ» وجَمَعُوها على راعٍ واحدٍ سنةً كاملةً وجَبَتْ عليهم جميعًا شاةٌ واحدةٌ لأنهم يُصَدِّقُون صَدَقَة الواحد إذا اخْتَلطُوا.

وكذلك إذا كانوا ثلاثة بينهم أربعُون شاةً ـ وهم «خُلَطَاءُ» ـ فإنَّ عليهم شاةً، كأنهُ مَلَكَهَا رجلٌ واحد.

فهذ تفسير «الْخُلَطَاءِ» في المواشي من الإبل والغَنَم، والبقر.

وأما تفسيرُ «الْخَلِيطَيْنِ» الذي جاء في باب «الأشْرِبَةِ» وما جاء فيهما من النَّهي عن شُرْبِهِمَا، فهو شَرَابٌ يُتَّخَذُ من التمْرِ والبُسْرِ، أو مِنَ العنبِ والزبيب، أو من التمْر والعنبِ.

وقَوْلُ الله جلّ وعزّ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} [ص: 24].

فالْخُلَطَاءُ ـ ههنا ـ: الشُّرَكاءُ، الذين لا يتميَّز مِلْكُ كلِّ واحدٍ مِنْ مِلْكِ أَصْحابه إلا بالقسمة.

وقد يكون «الْخُلَطَاءُ» ـ أيضًا ـ أن يَخْلِطوا العَيْنَ الُتمَيِّزِ بالعَيْنِ المُتَمَيِّزِ ـ كما فسَّر الشَّافِعِيُّ ـ ويكونُونَ مجتمعين كالْحِلَّةِ تشْتَمِل على عَشْرة أَبيات.

.

لِصَاحبِ كلِّ بيتٍ ماشيةٌ على حِدَةٍ فَيجْمعونَ مواشِيَهُم كلَّها على راعٍ واحدٍ، يرعاها معًا، ويُورِدُها الماءَ معًا وكلُّ واحدٍ منهم يعرفُ مَالَه بسمتِهِ ونِجَارهِ.

ورَوَى أبو العباس ـ عن ابن الأعرابي ـ قال: الْخِلَاطُ أن يأتيَ الرجلُ إلى مُرَاحِ آخَرَ فيأخذَ منه جَمَلًا فَيُنْزِيَهُ على ناقَتِهِ سرًّا من صاحبهِ.

قال: والْخِلَاطُ ـ أَيضًا: أَنْ لَا يُحسنَ الجملُ الْقُعُوَّ على طَرُوقتهِ فَيأخذَ الراعي قضيبَه ويهْدِيهُ لِلْمَأْتَى حتى يُولِجَهُ.

والْخَلِيطُ: الصاحب.

.

والْخَلِيط: الجارُ.

ويكون واحدًا وجمْعًا، ومنه قول جَرِيرٍ:

بانَ الخليطُ ولو طُووِعْتُ ما بَانَا

فهذا واحدٌ.

وقال زُهَيْرٌ في الْجَمْعِ:

بانَ الخَليطُ وَلَمْ يَأْوُوا لِمَنْ تَرَكُوا

فهؤلاء جمْعٌ.

ويقال: «خُولِط» الرجل.

.

فهو «مخَالَطٌ»، و «اخْتَلَطَ» عقله.

.

فهو «مُخْتَلِطٌ» ـ إذا تغيَّر عقلُهُ.

وقال الليث: الْخِلَاطُ: مُخَالَطَةُ الذئْبِ الغنمَ، وأنشد:

يَضْمَنُ أَهْلُ الشَّاءِ في الْخِلَاطِ

قال: والخِلَاطُ: مُخَالَطَةُ الداء الجوْفَ.

قلت: والْخِلَاطُ: مخالطة الرجلِ أَهْلَه ـ إذا جامعها، وكذلك مُخَالَطَةُ الجملِ الناقَةَ ـ إذا خَالَطَ ثَيْلُه حَيَاءَها.

أبو عبيد ـ عن أبي زيد ـ قال: إذا قَعَا الفَحْلُ عَلَى الناقة فلم يسترشد لحيائها حتى يُدْخِلَهُ الراعي، أو غيرهُ.

قيل: قد أَخْلَطَهُ إِخْلَاطًا، وأَلْطَفَه إلطافًا، فهو يُخْلِطُه ويُلْطِفُهُ، فإن فعَلَ الجملُ ذلك من تلقاء نفسه قيل: قد اسْتَخْلطَ واستلْطَفَ.

وقال الليث: رجلٌ خَلِطٌ: مُخْتَلِطٌ بالناس متحبِّبٌ، وامرأةٌ خَلِطةٌ كذلك.

وقال الأصمعي: الْخِلْطُ من السهام: الذي يَنْبتُ عُودُه على عِوَجٍ؛ فلا يزالُ يَعْوَجُّ ـ وإن قُوِّم.

وقال ابن شُميل: جَملٌ مُخْتَلِطٌ، وناقة مُخْتَلِطَةٌ ـ إذا سَمنا، حتى اخْتَلَطَ الشَّحْمُ باللَّحْم.

أبو العباس ـ عن ابن الأعرابي قال ـ: الْخُلُطُ: الْمَوَالِي، والْخُلُطُ: الشركاء، والْخُلط: جِيرَان الصَّفاء.

وقال أبو زيد: يقال: «اختَلَطَ اللَّيْلُ بالتُّرَابِ» ـ إذا اخْتَلَط عَلَى القوم أمْرُهم «واخْتَلَطَ الْمَرْعِيُّ بالْهَمَلِ».

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


225-تهذيب اللغة (خبر)

خبر: قال الليث: الْخَبَرُ ما أَتَاك من نَبَإ عَمَّنْ تَسْتَخْبِر.

تقولُ: أَخْبَرْتُهُ وَخَبَّرْتُهُ.

وجَمْعُ الْخَبَرِ: أَخْبَارٌ.

والْخَبِيرُ: الْعَالِمُ بالأمر، والْخُبْرُ: مَخْبَرَة الإنْسَانِ ـ إذا خُبِرَ ـ أَي: جُرِّبَ فَبَدَتْ أَخْلَاقُهُ.

والخِبْرَةُ: الاختِبَارُ.

.

تقول: أَنتَ أَبْطَنُ به خِبْرَةً، وَأَطْولُ له عِشْرَةً.

والْخابِرُ: الْمُخْتَبِرُ الْمُجَرِّبُ.

وَالخُبْرُ: عِلْمُكَ بالشيء ـ تقولُ: لَيْسَ لي بهِ خُبْرٌ ـ أَيْ: لا عِلْمَ لي بهِ.

والْخَبَارُ: أَرْضٌ رِخْوَةٌ يَتَتَعْتَعُ فيها الدَّوابُّ وأنشد:

يُتَعْتِعُ في الْخَبَارِ إذَا عَلَاهُ *** وَيَعْثُرُ في الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ

وقال ابن الأعرابي: الْخَبَارُ: ما اسْتَرْخَى من الأرض وَتَحَفَّرَ.

وقال غيرهُ: ما تَهَوَّرَ وَسَاخَتْ فيهِ الْقَوَائِم.

شَمِرُ: قال أبو عمرو: الْخَبَارُ أَرضٌ لَيِّنَةٌ فيها جِحَرَةٌ.

أَبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: الْخَبِرَةُ وَالْخَبْرَاءُ: الْقاعُ.

.

يُنْبِتُ السِّدْر.

والْخَبَارُ ما لَانَ من الأرض واسْتَرْخَى.

وقال الليث: الْخَبْراءُ: شَجْرَاءُ في بَطْنِ رَوْضَةٍ يَبْقَى الماءُ فيها إلى الْقَيْظِ.

وَفِيها يَنْبُتُ الْخَبْرُ، وهو شَجَرُ السِّدْرِ وَالأَرَاكِ.

.

وَحَوَالَيْها عُشْبٌ كثِيرٌ.

وتُسَمَّى: الْخَبِرَةَ ـ أَيضًا ـ والجميعُ: الْخَبِرُ.

قال: وَخَبْرُ الْخَبِرَةِ: شَجَرُهَا، وأَنشد:

فَجَادَتْكَ أَنْوَاءُ الرَّبيعِ وَهَلَّلتْ *** عَلَيْكَ رِياضٌ مِنْ سَلَامٍ ومِنْ خَبْرِ

قال: والْخَبْرُ ـ من مَنَاقع الماءِ ـ: مَا خَبَّرَ الْمَسِيلَ في الرُّؤُوس، فَيَخُوضُ الناسُ فيهِ.

وأخبرني المنذري ـ عن الصَّيْداويِّ عن الرِّياشِيِّ ـ قال: الْخُبْرةُ: لَحْمٌ يَشْتريهِ الإنسانُ لأهْلِهِ.

يقال للرجلِ: مَا اختْبَرْتَ لأَهْلِكَ؟ أبو عبيد ـ عن الأصمعي ـ: الْخُبْرَةُ: النَّصِيبُ.

.

تَأْخُذُهُ من لَحْمٍ أَو سَمَكٍ.

وقال الرياشيُّ: الخبِيرُ: الزَّبَدُ.

وقال أبو عبيد: قال الأصمعيُّ: هو زَبَدُ أَفْوَاهِ الإبِلِ.

وقال الرياشيُّ: الْخبِيرُ: الْوَبَرُ.

قال: وَالْخبِيرُ: الأكَّارُ.

وأنشد في الخُبْرَةِ:

بَاتَ الرَّبِيعِيُّ وَالْخَامِيزُ خُبْرَتُهُ *** وَطَاحَ ظَبْيُ بَني عَمرو بن يَرْبوعِ

وأنشد للهُذَلِيِّ في الخَبِير الزَّبَدِ:

تَغَذَّمْنَ في جَانِبَيْهِ الْخَبِي *** رَ لَمَّا وَهَى مُزْنُهُ واسْتُبِيحَا

«تَغَذَّمْنَ»: يعني الفُحولَ ـ أي: مَضَغْنَ الزَّبَد وعَمَيْنَهُ ـ أي: رَمَيْنَهُ.

وأنشد:

تجُذُّ رِقابَ الأَوْسِ في غَيْرِ كُنْهِهِ *** كَجَذِّ عَقَاقِيلِ الْكُرُومِ.

.

خَبِيرُها

رُفِعَ قولُه: «خَبِيرُها» على تكرير الفعل.

أرَادَ: جَذَّهُ خبِيرُها ـ أي: أَكَّارُها.

أبو عبيد ـ عن أبي عبيدة: الْخَبِيرُ: الأَكَّارُ.

ومُخَابرَةُ الأرض ـ أي: مُزَارَعَتها على الثُّلثِ والرُّبعِ: مِنْ هذا.

وقال جابرُ عن عبد الله: كُنّا نُخَابِرُ ولا نَرَى بذلك بأسًا.

.

حتى أَخْبَرَنا رافِعُ بنُ خَدِيجٍ أنّ رسول الله صَلَى الله عليه وسلم قدْ نَهَى عَنْهُ.

قال: وقال الأصمعيُّ: الْخَبِرُ: المَزَادة.

ويقال: الْخَبْرُ.

.

إلا أنه بالْكَسْرِ أكثر.

.

وجَمْعُه: خُبُورٌ.

وقال أبو الهيثم: الْخَبْرُ ـ بالفتح ـ: المَزَادَةُ.

.

وأنكر فيه الكَسْرَ.

قال: ومنه قيل: ناقةٌ خَبْرٌ ـ إذا كانت غَزِيرَةً.

والْخَبْرُ والْخِبْرُ: الناقة الغزيرةُ اللّبن شُبِّهَتْ بالمزَادة في خُبْرِها.

وفي الحديث: «كنَّا نَسْتَخْلِبُ الْخَبِيرَ» أراد ب «الْخَبير»: النَّباتَ والعُشْبَ واستخْلَابُهُ: احْتِشَاشُه.

كأَنّ العُشْبَ شُبِّه بخَبِير الإبل، وهو وبَرُها.

فالنَّبَاتُ ينْبُتُ ـ كما يَنبتُ الوَبَرُ.

وخَيْبَرُ: موضِعٌ بعينه.

.

معروفٌ.

ويقال: تَخبَّرْتُ الخَبَر واستَخبَرْتُه ـ بمعنى واحِدٍ.

ومِثْله: تَضَعَّفْتُ الرجلَ واستضْعفتُه وتنَجّزْتُ الجَوَابَ، واسْتَنْجَزْتُه.

ثعلب عن ابن الأعرابي: المَخْبُور: الطَّيِّبُ الإِدَامِ، والمَخْبُورُ: المَخْمُورُ والْخَبيرُ: مِن أسماء الله تعالى: معناه العالِمُ «بما كان، وما يَكُونُ، وهذه الصِّفَةُ لا تكونُ إلا لله تَبَارَكَ وتَعالَى.

وخَبُرْتُ بالأمر ـ أي: عَلِمْتُهُ.

وقول الله جلّ وعزّ: {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفُرقان: 59] أي: سَلْ عنه خَبِيرًا عَالِمًا تُخْبَرْ.

والْخَابُورُ: بلدٌ معروفٌ ومنه قوله:

أَيَا شَجَرَ الْخَابُورِ ما لَكَ مُورِقًا

ورجلٌ مُخْبَرٌ ـ أي: إذا خُبِرَ وجِدَ كامِلًا.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


226-تهذيب اللغة (مخر)

مخر: قال الله جلّ وعزّ: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ} [فَاطِر: 12].

أخبرنا المُنْذِريُّ ـ عن أحمدَ بنِ يحيى ـ أنه قال: الْماخِرَةُ: السَّفِينَةُ التي تَمْخَرُ الماءَ ـ أي: تَدْفَعهُ بصَدْرها.

قال: وأنشدني الحرَّانيُّ ـ عن ابن السكِّيت ـ أنه أنشده:

يَا فِيَّ مَالِي عَلِقَتْ ضَرَائري *** مُقَدِّماتٍ أَيْدِيَ الْموَاخِرِ

قال: وقال ابنُ السكِّيت: والْمَاخِرُ: الذي يَشُقُّ الماءَ إذا سَبَحَ.

يصفُ نِساءً يتصاخَبْنَ ويستَعِنَّ بأيديهنّ.

.

كأنّهُنَّ يَسْبَحْن في الماءِ.

قال: وقال أبو الهيثم: مَخْرَ السفينة: شَقُّها الماءَ بصدْرها.

ونحوَ ذلك قال أبو عُبَيد.

سَلَمَةُ ـ عن الفرّاء ـ: في قول الله جلّ وعزّ: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [فَاطِر: 12].

«مَوَاخِرَ: وَاحِدَتُهَا مَاخِرَةٌ.

و «المَخْرُ»: هو صَوْتُ جَرْي الفُلْك بالرِّياح.

يقال: مَخَرَتْ تَمْخُرُ، وتَمخَرُ.

قال: وقال الكسائيُّ: «مَوَاخِرَ»: جَوَارِيَ.

قلتُ: والمَخْرُ: أصْلُه الشَّقُّ.

وسمِعتُ أعرابيًا يقول: مَخَرَ الذئبُ بطْنَ الشاة ـ أي: شَقَّه.

ورُوِيَ عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنَّهُ قال: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكم البَوْلَ فَلْيَتَمَخَّرِ الرِّيحَ».

قال أبو عُبيدٍ: يَعني أنه ينظرُ.

.

مِن أين مَجْرَاها، فلا يستقبِلُها، ولكنْ يستدْبِرُها ـ كيْ لَا تَرُدَّ عليه البوْل.

وقال الليث: مَخَرْتُ السفينةَ مَخْرًا ـ إذا استقبلْتَ بها الرِّيحَ.

ومَخَرَتْ هي مُخُورًا، فهي ماخِرةٌ.

قال: وفي بَعْضِ وُجوهِ التَّفسير: مَواخِرَ أيْ: مُقْبِلَةً وَمُدْبرةً بريحٍ واحدةٍ.

قال: والفرسُ يَسْتَمْخِرُ الريحَ ويتمخَّرُها ـ ليكُونَ أَرْوَحَ لنفْسِه.

وامْتِخارُها: استقْبالُها.

قال: ويقال: مَخَرْتُ الأرضَ مَخْرًا ـ إذا أَرسلْتَ فيها الماءَ في الصيف لِتَطِيبَ؛ فهي مَمْخُورةٌ.

ومَخِرَتِ الأرضُ ـ إذا طابت من ذلك الماءِ.

ويقال: امْتَخَرْتُ القومَ ـ أي: انتقَيْتُ خيارَهم ونُخْبَتَهُمْ.

قال العجَّاج:

مِنْ نُخْبَةِ القومِ الَّذِي كان امْتَخَرْ

أبو عُبيدٍ ـ عن الأصمعيِّ ـ: يقال لسَحَائبَ يأْتِينَ قُبُلَ الصيف مُنْتَصبَاتٍ: بَناتُ مَخْرٍ، وبناتُ بَخْرٍ.

قال: وكلُّ قطعةٍ منها ـ على حِيالِها ـ بنتُ مَخْرٍ.

قال الليث: والماخُورُ: مجلِسُ الرِّيبَةِ ومُجْتَمَعَهُ، وربَّما قيل لذلك الرجل الذي يَجلس فيه: مَاخُورٌ.

وقال زِيَادٌ ـ حين قَدِم البَصْرةَ وَاليًا عليها ـ: «ما هذه المَواخِيرُ؟! الشراب عليه حرامٌ حتى تسوَّى بالأرض هَدْمًا وإحْراقًا.

وجَملٌ يَمْخُورُ العُنُقِ ـ إذا كان طويلَ العُنُق.

وقال العجَّاج:

في شَعْشَعانِ عُنُقٍ يَمْخُورِ

وقال ابن شُمَيل ـ في قوله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «إذا أَتَيْتُمُ الغائِطَ فاسْتمخروا الريحَ».

يقول: اجعلوا الريحَ وَراءَ ظهوركم.

وفي «النوادر»: تمخَّرَتِ الإبلُ الريحَ ـ إذا اسْتقبلَتْها واسْتَنْشَتْهَا.

وكذلك تمخَّرتِ الكلأ ـ إذا اسْتقبلَتْه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


227-تهذيب اللغة (قوض)

قوض: قال الله جلَّ وعزَّ: {جِدارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ} [الكهف: 77]، وقرئ: {ينقاضَ} و {ينقاصَ} بالضاد والصاد.

فأما ينقضّ فيَسقُط بسرعةٍ، من انقضاض الطير، وهذا مِن المضاعَفِ.

وأمَّا ينقاضُ فإِنَّ المنذريَّ أخبرني عن الحراني عن ابن السكِّيت أنه قال: قال عمرو: انقاضَ وانقاضَّ واحد، أي: انشقَّ طُولًا.

قال: وقال الأصمعيَّ: المُنْقَاضُ: المُنْقَعِر من أصلِه.

والْمُنْقاضُّ: المنشقُّ طولًا.

يقال: انقاضَت الرَّكِيَّةُ وانقاضَت السِنُّ.

أبو عبيد عن أبي زيد: انقضَّ الجدار انقضاضًا وانْقاضَ انقياضًا، كلاهما إذا تَصدَّع من غير أن يَسقُط، فإِن سَقَط قيل: تقيَّضَ تقيُّضًا وتقوَّضَ تقوُّضًا، وأنا قَوَّضْتُه.

حدثنا السعدي قال: حدثنا العطاردي قال: حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبيه قال: كنَّا مع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في سفر فنزلنا منزلًا فيه قرية نمل، فأحرقناها فقال لنا: «لا تعذِّبوا بالنار فإنه لا يُعذِّب بالنار إلّا ربُّها».

قال: ومررنا بشجرة فيها فرخَا حُمَّرةٍ فأخذناهما فجاءت الحمرةُ إلى رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وهي تقَوِّضُ، فقال: «مَن فَجَعَ هذه بفرخيها؟» قال: فقلنا: نحن.

فقال: «ردّوهما».

قال: فرددناهما إلى موضعهما.

قال الأزهري: قوله: «تقوَّضُ»، أي: تجيء وتذهب ولا تقَرَّ.

قال: وتقيّضَت البيضة تقيُّضًا: إذا تكسَّرتْ فِلَقًا، فإِذا تَصَدَّعتْ ولم تُفَلَّق قيل: انقاضتْ فهي مُنْقَاضَة.

قال: والقارُورة مِثْلُه.

والقَيْض: ما تَفلَّق من قُشور البَيْض.

الليث: قوَّضْتُ البناءَ: إذا نَقَضْتَه من هَدْم.

وقَوَّضَ القومُ صُفُوفَهم، وتقوَّضَت الصُّفوف وانقاضَ الحائط: إذا انهَدَم مكانَه من غير هَدْم، فأمَّا إذا دُهْوِرَ فسَقَط فلا يقال إلّا انقضَّ انقضاضًا.

قال: والقيْض: البَيْض الذي قد خرج فَرْخُه وماؤه كلُّه.

وقد قاضَها الفَرْخُ وقاضَها الطائر، أي: شقَّها عن الفرخ فانقاضَتْ، أي: انشقّت.

وأنشد:

إذا شئتَ أن تَلقىَ مَقِيضًا بقَفْرَةٍ *** مفلَّقةٍ خِرشاؤها عن جَنِينِها

وبئر مَقِيضة: كثيرة الماء.

وقد قِيضَتْ عن الجَبْلة.

أبو عبيد عن الأمويّ: انقاضَت البئر: انهارتْ.

وقال غيره: انقاضت: تكسَّرت.

أبو تراب عن مصعبٍ الضِّبابي: تقوَّزَ البيضُ وتَقَوَّضَ: إذا انهدَم، سواءٌ كانَ بيتَ مَدَرٍ أو شَعَر.

حدثنا السعدي قال: حدثنا ابن قهزاذ قال: أخبرنا ابن شميل عن عوف عن أبي المنْهال عن شهر بن حَوْشَب عن ابن عبّاس قال: إذا كان يوم القيامة مُدَّت الأرض مَدَّ الأَدِيم وزِيدَ في سَعَتِها، وجُمع الخَلْقُ إنْسُهم وجِنُّهم في صعيدٍ واحد، فإذا كان ذلك قِيضَتْ هذه السَّماءُ الدنيا عن أهلها فنُثِرُوا على وجه الأرض، ثم

تُقاضُ السمواتُ سماءً فسَماءً، كلَّما قِيضَتْ سَماءٌ كان أهلها على ضِعف مَنْ تحتها حتى تقَاضَ السابعةُ.

في حديث طويل.

قال شمر: قِيضَتِ السماءُ، أي: نُقِضَتْ، يقال: قُضْتُ البِناءَ فانقاضَ.

وقال رؤبة:

أَفرَخَ قَيضُ بَيْضها المُنقاضِ

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


228-تهذيب اللغة (قرأ)

قرأ: قال أبو إسحاق الزجاج: يسمَّى كلامُ الله الذي أنزله على نبيه صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم كِتابًا، وقرآنًا، وفُرقانًا، وذِكْرًا.

قال: ومعنى قرآن معنَى الجمع.

يقال: ما قرأتْ هذه الناقةُ سَلًى قطُّ، إذا لم يضطمّ رَحِمُها على الولَدِ.

وأنشد:

هِجانِ اللَّوْنِ لم تقرأ جَنِينَا

قال: وَقال أكثر الناس: لم تجمع جنينًا، أي: لم تضْطَمّ رَحِمها على الجَنين.

قال: وقال قطرب في القرآن قولين: أحدهما: هذا وهو المعروف، وَالذي عليه أكثر الناس.

والقول الآخر: ليس بخارج من الصحة وهو حسن.

قال: لم تقرأ جَنينًا لم تُلْقِه.

قال: ويجوز أن يكون معنى قرأتُ القرآن لفظْتُ به مجموعًا، أي: ألقيتُه.

وأخبرني محمد بن يعقوب الأصمّ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي أخبرَه أنه قرأ القرآن على إسماعيل بن قُسْطَنْطين.

وكان يقول: القرآنُ اسمٌ وليس بمهموز، ولم يؤخذ مِن قرأتُ، ولكنه اسمٌ لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل.

قال: ويُهمز قرأت ولا يهمز القرآن، كما تقول إذا قرأت القرآن.

وقال إسماعيل: قرأت على شِبل، وقرأ شِبلٌ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أُبَيّ، وقرأ أبَيٌّ على النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ: كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن، وكان يقرؤه كما رُوي عن ابن كثير.

أبو عبيد: الأقراء: الحَيْض، والأقراء: الأطهار، وقد أقرأتِ المرأة في الأمرين جميعًا، وأصلُه من دُنُوِّ وقت الشيء.

قلت: ونحو ذلك أخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعي، أنّ القرءَ اسمٌ للوقت، فلمّا كان الحَيض يجيء لوقت والطُّهر يجيء لوَقْت، جاز أن يكون الأقراء حَيْضًا وأطهارًا.

قال: ودَلَّت سنةُ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم على أنَّ الله أَراد بقوله: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] الأطهارَ، وذلك أنَّ ابن عمر لمَّا طلَّق امرأَته وهي حائض فاستفتى عمر النبيَّ عليه‌السلام فيما فَعَل.

قال: «مُره فليراجعْها، فإذا طَهُرتْ فليطلّقها، فتلك العِدّة التي أَمَر اللهُ أَن يطلَّق لها النساء».

ذكر أبو حاتم عن الأصمعي أَنه قال في قول الله جل وعز: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ): جاء هذا على غير قياس.

والقياس ثلاثة أَقْرؤ.

قال: ولا يجوز أَن تقول: ثلاثةُ فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلُس، فإذا كثرَتْ فهي الفُلوس.

قال: ولا يقال: ثلاثة رجال إنما هي ثلاثة رَجْلَة، ولا يقال: ثلاثة كِلاب إنما هي ثلاثة أكلُب.

قال أَبو حاتم: والنحويون قالوا في قول الله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) جاء هذا على غير قياس.

والقياس ثلاثة أَقْرؤ.

قال: ولا يجوز أَن تقول: ثلاثةُ فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلُس، فإذا كثرَتْ فهي الفُلوس.

قال: ولا يقال: ثلاثة رجال إنما هي ثلاثة رَجْلَة، ولا يقال: ثلاثة كِلاب إنما هي ثلاثة أكلُب.

قال أَبو حاتم: والنحويون قالوا في قول الله جلَّ وعزَّ: (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) أَراد ثلاثةً من القروء.

وقال أَبو إسحاق الزجاج: أخبرني مَن أثق به يَرفَعه إلى يُونس أن الأقراء عنده تصلحُ للحيض والأطهار.

قال: وذكر أبو عمرو بن العَلاء أن القرء: الوقت، وهو يَصلح للحَيض ويصلح للطُّهر.

ويقال: هذا قارئ الرِّياح لوقت هُبوبها.

وَأنشد:

شَنِئتُ العَقر عَقر بني شُلَيلٍ *** إِذا هَبّتْ لقارئها الرياحُ

أي: لوقت هُبوبها وشدة بردها.

قال أَبو إسحاق: والذي عندي في حقيقة هذا أَن القُرءَ في اللغة الجمع؛ وأَنَّ قولهم: قريتُ الماءِ في الحوض وإِن كان قد أُلزِم الياء فهو جَمَعْتُ، وقرأْتُ القرآنَ: لفظتُ به مجموعًا، والقِرْدُ يقرِي، أي: يجمع ما يأكل في فيه، فإِنما القَرْء اجتماع الدَّم في الرَّحم، وذلك إنما يكون في الطُّهر.

قلت: وقد روينا عن الشافعي بالإسناد المتقدّم في هذا الباب نحوًا مما قاله أبو إسحاق.

وصح عن عائشة وَابن عمر أنَّهما قالا: الأقراء والقُروء: الأطهار.

وحقق ما قالاه مِن كلام العرب.

قول الأعشى:

مُوَرِّثةٍ عِزًّا وفي الحيّ رِفْعَةً *** لما ضاعَ فيها مِنْ قُرُوءِ نسائكا

لأنّ القُروء في هذا البيت الأطهار لا غير، لأنَّ النِّساء إنما يؤْتَيْن في أطارهنَّ لا في حيضهن فإِنما ضاع بِغَيبته عنهنّ أطهارُهنّ.

وقال أبو عبيد: القُرْء يَصلح للحيض والطُّهْر.

قال: وأظنُّه من أقرأتِ النجومُ:

إذا غابت.

وأخبرني الإياديُّ عن أبي الهيثم أنّه قال: يقال: ما قرأتِ الناقةُ سَلًى قطّ.

وما قرأتْ مَلْقُوحًا قَطّ.

فقال بعضهم: أي: لم تَحمِل في رَحِمِها وَلدًا قطّ.

وقال بعضهم: ما أسقطَتْ ولدًا قطّ، أي: لم تَحمل.

قال: ويقال: قرأَتِ المرأةُ: إذا طَهُرَتْ، وقرأتْ: إذا حاضت.

وقال حميد:

أراها غُلاماها الخَلَا فتَشذَّرتْ *** مِراحًا ولم تَقْرَأْ جنِينًا ولا دَما

يقال: معناه: لم تَحْمل عَلَقَةً، أي: دَمًا ولا جنينًا.

قلت: وأهل العراق يقولون: القُرء: الحَيْض.

وحجّتهم حديثٌ رُوِي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، أنَّه قال لامرأة: «دَعِي الصلاةَ أيام أقرائك»، أي: أيام حَيْضك.

وقال الكسائيّ والفراء معًا: اقْرَأَت المرأة: إذا حاضت، فهي مقرئ.

وقال الفراء: أقرأتِ الحاجةُ: إذا تأخّرتْ.

وقال الأخفش أيضًا: أقرأت المرأة: إذا حاضت.

وما قرأَتْ حيضةً، أي: ما ضَمَّت رَحِمَها على حَيْضة.

وقال ابن شميل: يقال: ضَرَب الفحلُ الناقة على غير قُرْء.

وقرء الناقة: ضَبَعتُها.

وقال أبو عبيدة: ما دامت الوَديقُ في وِداقها فهي في قَرْئِها وإقْرَائها.

أبو عبيد عن الأصمعي: إذا قَدِمْتَ بلادًا فمكثتْ بها خمسَ عشرةَ ليلةً فقد ذهبتْ عنك قِرأة البلاد.

وأهل الحجاز يقولون: قِرَة البلاد بغير همز.

ومعناه: إنّك إنْ مَرِضْت بعد ذلك فليس من وَباء البلاد.

قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: دَفَع فلانٌ جاريتَه إلى فلانة تُقَرِّئها، أي: تُمسِكها عندها حتى تحيض للاستبراء.

أبو الحسن اللحياني يقال: قرأتُ القرآن وأنا أقرؤه قَرْءًا وقراءة وقُرآنًا، وهو الاسم، وأنا قارئٌ من قومٍ قُرّاء وقَرَأة وقارئين، وأقرأتُ غيري أقرئه إقراء، ومنه قيل: فلان المقرئ.

ويقال: أقرأتُ مِنْ سَفَري، أي: انصرفْت؛ وَأقرأتُ من أهْلي، أي: دَنَوْتُ، وأقرأَتْ حاجتُك وأقرأَ أمرُك، قال بعضهم: دَنَا، وقال بعضهم: استأخر.

ويقال: أعْتَم فلان قِراهُ وأقرأه، أي: حبسه.

ويقال: قرأت، أي: صرت قارئًا ناسكًا، وتقرأت تقرؤًا بهذا المعنى.

وقال بعضهم: تقرَّأَتُ: تَفقَّهْتُ.

ويقال: أقرأتُ في الشِّعْر.

وهذا الشعر على قَرء هذا الشِّعر، أي: على طريقته ومثاله.

وقال ابنُ بُزرج: هذا الشعر على قَرِيِ هذا الشعر وغِرارِه.

وقال اللَّحياني: يقال: قارأتُ فلانًا مُقارأةً، أي: دارسْتُه، واستقرأتُ فلانًا.

ويقال للناقة: ما قرأتْ سَلًى قَطّ، أي: ما

طَرَحَتْ، تأويلُه ما حَمَلتْ.

وهذه ناقةٌ قارئ، وهذه نُوقٌ قوارئُ يا هذا.

وهو من إقراء المرأة، إلّا أنه يقال في المرأة بالألف، وفي الناقة بغير ألف.

ويقال للناسك: إنّه لقُرَّاءٌ مِثلُ حُسَّان وجُمّال.

وقال ابن السكيت: قال الفراء: رجلٌ قُرَّاء وامرأة قُرَّاءةٌ.

قال: ويقال: أقريْتُ الجُلَّ الفَرَسَ، أي: ألزَمْتُه قَرَاهُ.

أبو حكم عن الأصمعي: يقال: اقرأ عليه‌السلامَ ولا يقال أقرئْه السلام، لأنَّه خطأ.

وسمعتُ أعرابيًّا أَملَى عليّ كتابًا، وقال في آخره: اقترئ منِّي السلام.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


229-تهذيب اللغة (كفر)

كفر: قال الليث: الكفر: نقِيض الإيمان آمَنّا بالله وكفرْنا بالطاغُوتِ ويقال لأهل دَارِ الحرب: قد كفَرُوا أَي عَصوْا وامتنعوا.

قال: والكفر: كُفرُ النعمة، وهو نقيضُ الشكر.

قال: وإذا ألجأت مُطيعَك إلى أن يَعْصيكَ فقد أكفَرْتَه.

وروي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «قتالُ المسلم كُفرٌ، وسِبابُه فِسْقٌ».

قال شمر: قال بعضُ أهلِ العلم: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكارٍ، وكفرُ جُحودٍ، وكفر مُعاندةٍ.

وكفر نفاقٍ.

ومن لَقِيَ رَبَّهُ بشيء من ذلك لم يغفر له (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)، فأَما كُفرُ الإنكارِ فهو أن يَكفُرَ بقلْبه ولسانِه ولا يَعْرفُ ما يُذكَر له من التوحيد.

وكذلك رُوي في تفسير قوله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، أي الذين كفروا بتوحيد الله.

وأما كُفرُ الجُحُودِ فأَنْ يعرِفَ بقلبه ولا يُقِرَّ بلسانه، فهذا كافرٌ جاحِدٌ ككُفر إبليسَ، وكفر أُمَيَّةَ ابن أَبي الصَّلْت.

ومنه قوله سبحانه: {فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] يعني كُفر الجُحود.

وأما كُفْرُ المعاندة فهو أَنْ يَعرف بقلبه ويَقِرَّ بلسانه، ويأْبَى أَنْ يَقبَل ككفْر أَبي طالب حيثُ يقول:

ولقد عَلِمْتُ بأَنَّ دِينَ محمدٍ *** مِن خيرِ أَدْيان البَرِيَّة دينَا

لوْ لا المَلامةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ *** لوَجَدْتَنِي سمْحًا بذاكَ مُبينَا

وأما كُفر النِّفاق فأَن يَكفر بقلبه ويقِرَّ بلسانه.

وقال شمر: ويكون الكفر أيضًا بمعنى البراءَة كقول الله جلّ وعزّ حكايةً عن الشيطان في خَطيئته إذا دخل النار {إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] أي تبرَّأْتُ.

ورُوي عن عبد الملك أنَّهُ كَتب إلى سعيد بن جُبَيْرٍ يسأَلُه عن الكُفْرِ، فقال: الكفر عَلَى وُجوه، فكفْرٌ هو شِرْكٌ يَتَّخِذُ (مَعَ اللهِ إِلهًا آخَرَ)، وكفرٌ بكتاب الله ورسوله، وكفر بادِّعاء وَلَدٍ لله، وكفرُ مُدَّعِي الإسلام، وهو أَنْ يعملَ أعمالًا بغير ما أنزل الله: يَسْعَى (فِي الْأَرْضِ فَسادًا) ويقتُل نفسًا محرَّمةً بغير حق، ثم نحو ذلك من الأعمال.

وكفران أحدهما يَكفر بنعمةِ الله، والآخر التكذيب بالله.

وقال الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137].

قال أبو إسحاق الزَّجَّاج: قيل فيه غيرُ قَوْلٍ، قال بعضهم: يعني به اليهودَ لأنهم (آمَنُوا) بموسى عليه‌السلام (ثُمَ كَفَرُوا) بعيسى عليه‌السلام بمحمدٍ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

قال أبو إسحاق: وجائزٌ أن يَكونَ مُحاربٌ آمن ثمّ كَفَرَ ثمّ آمنَ ثمّ كَفَرَ.

وقيل جائزٌ أنْ يَكون منافقٌ أَظْهَر الإيمانَ وأَبطَنَ الكفرَ ثمّ آمن بَعْدُ ثمّ كفر وازداد كفرًا بإقامتِه عَلَى الكُفْرِ.

قال فإن قال قائلٌ: إن الله جلّ وعزّ: لا يَغْفِرُ كفرَ مرّةٍ واحدةٍ، فلِمَ قيل هاهنا فيمن آمنَ ثم كفر ثمّ آمن ثم كفر: (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وما الفائدةُ في هذا؟

فالجواب في هذا ـ والله أعلم ـ أن اللهَ يغفر للكافر إذا آمَنَ بَعْدَ كفرِه، فإِن كَفَرَ بعد إيمانه لمْ يَغفر الله له الكفر الأوَّل، لأنّ الله جلّ وعزّ يَقبل التَّوبة، فإذا كفر بَعْد إيمانٍ قبلَه كفر فهو مُطالَبٌ بجميع كفرِه، ولا يجوزُ أنْ يكونَ إذا آمنَ بعد ذلك لا يُغفَر له، لأنّ الله يَغفرُ لكلِّ مؤمن بعد كفره.

والدليل على ذلك قولُه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ} [الشورى: 25] وهذا سيئةٌ بالإجماع.

وقوله جل وعز: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} [المائدة: 44] معناه أَنْ مَن زَعَم أَنّ حُكْمًا من أحكام اللهِ الذي أَتَتْ به الأنبياءُ باطلٌ فهو كافرٌ.

وقد أَجَمع الفقهاءُ أَنّ من قالَ: إنّ المُحصَنَيْنِ لا يجبُ أَن يُرْجَما إذا زَنَيَا وكانَا حُرَّيْنِ كافرٌ، وإنما كُفِّرَ مَنْ رَدَّ حُكمًا من أحكام النبيِّ عليه‌السلام لأنه مُكذِّبٌ له.

ومن كذّبَ النبيَّ عليه‌السلام فهو كافرٌ.

وقال الليث: يقال: إنّه سُمِّيَ الكافرُ كافرًا لأنَ الكُفْر غطّى قَلْبَه كلَّه.

قال: والكافرُ من الأرض: ما بَعُدَ عن الناس لا يكادُ يَنْزِلُه أَحدٌ ولا يَمرُّ به أَحدٌ.

وأنشد:

تَبَيَّنَتْ لَمْحَةً من فَزِّ عِكرِشَةٍ *** في كافرٍ ما به أَمْتٌ ولا عِوَجُ

شمر عن ابن شميل: الكافر: الحائط الواطىء.

وأنشد هذا البيت.

(قلت): ومعنى قول الليث: قيل له كافرٌ لأنّ الكفر غطَّى قلبَه، يحتاج إلى بيانٍ يَدلُّ عليه، وإيضاحه أنّ الكفر في اللغة معناه التَّغْطيةُ، والكفرُ ذو كفرٍ أي ذُو تغطيةٍ لقلبه بكفرِه كما يقال للابِس السِّلاح: كافرٌ وهو الذي غطّاه السلاحُ.

ومثله: رجلٌ كاسٍ: ذُو كسوةٍ، وماءٌ دافقٌ: ذو دَفْقٍ.

وفيه قولٌ آخرُ: وهو أَحسنُ مما ذهب إليه الليث.

وذلك أَنّ الكافرَ لمّا دعاه الله جلّ وعزّ إلى توحيدِه فقد دعاه إلى نعمةٍ يُنعِم بها عليه إذا قَبِلها، فلمَّا رَدَّ ما دعاه إليه من توحيده كان كافرًا نعمةَ الله أي مُغَطِّيًا لها بِإبائِه حاجبًا لها عنه.

وأخبرني المنذريُّ عن الحرانيّ عن ابن السكيت أنه قال: إذا لبس الرجل فوق دِرْعِه ثوبًا فهو كافرٌ، وقد كَفَرَ فوق دِرْعِه.

قال: وكل ما غَطّى شيئًا فقد كَفَره.

ومنه قيل لليل: كافرٌ لأنه ستَر بظلمته كل شيء وغطَّاه.

وأنشد لثَعْلَبَة بن صُعَيْرٍ المازني يصف الظليم والنعامة ورواحهما إلى بيضهما عند إياب الشمس فقال:

فتَذَكَّرَا ثَقَلًا رَثِيدًا بَعْدَ مَا *** ألْقَتْ ذُكَاءُ يمينها في كافرِ

وذُكاءُ: اسمٌ للشمس وهي معرفةٌ لا تُصْرَفُ، ألقت يمينها في كافر أي بَدَأتْ في المغيب.

قال: ومنه سُمِّي الكافرُ كافرًا لأنه ستَر نعمَ الله.

(قلت): ونعمُ اللهِ جل وعز: آياتُهُ الدَّالةُ على تَوْحيده.

حدثنا السَّعْدِي، قال: حدثنا الرَّمادِيّ قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ عن أيوب عن ابن سِيرِينَ عن

عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم في حَجَّةِ الوَدَاع: «ألَا لا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض».

قال أبو منصور: في قوله كُفَّارًا قولانِ أحدهما: لابسينَ السِّلاحَ متهيئينَ للقتالِ.

والقول الثاني: أنه يُكَفِّرُ الناسَ فيكفُرُ كما تفعل الخوارجُ إذا استعرضوا الناسَ فيكفِّروهم وهوكقوله عليه‌السلام: «مَنْ قالَ لأخِيه يا كافرُ.

فقد بَاءَ به أَحَدُهما».

ويقال: رَمَادٌ مَكْفُورٌ أَي سَفَتْ عليه الرِّياحْ التُّراب حتى وارَتْه.

قال الراجز:

قدْ دَرَسَتْ غَيْرَ رمادٍ مَكْفُورْ *** مُكتئبِ اللونِ مَرُوحٍ مَمْطور

وقال الآخر:

فَوَرَدتْ قبلَ انبلاجِ الفَجْرِ *** وابنُ ذُكاءٍ كامنٌ في كَفْرِ

ويروى في كِفْرٍ، وهما لغتان، وابنُ ذكاءَ يعني الصبحَ.

ويروى في كَفْرٍ أَي فيما يواريه من سواد الليل، وقد كَفَرَ الرَّجلُ متاعهُ أَي أوعاهُ في وعاءٍ.

(قلت): ومَا قاله ابن السكيت، فهو بَيِّنٌ صحيح، والنِّعَمُ التي سترها الكافرُ هي الآياتُ التي أبانت لذوي التمييز أنَّ خالقها وَاحد لا شريكَ له، وكذلك إرسالُه الرسلَ بالآيات المعجزة، والكتب المنزلة، والبَراهِينِ الواضحة: نِعَمٌ منه جلّ اسمُه بينةٌ، ومن لم يصدِّقْ بها وردّها فقد كَفَرَ نعمة الله أي سَتَرها وحَجَبَها عن نفسه.

والعرب تقول للزارع: كافرٌ لأنه يَكْفُرُ البَذْرَ المبذورَ في الأرض بتراب الأرض التي أثارها ثم أمَرَّ عليها مالَقَه.

ومنه قول الله جل وعز: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ} [الحديد: 20]، أي أعجب الزُّرَّاعَ نباتُه مع علمهم به فهو غايةُ ما يُسْتَحْسَنُ، والغيثُ هَاهُنَا: المطرُ: والله أعلم.

وقد قيل: الكفَّارُ في هذه الآية: الكفارُ باللهِ، وهم أشد إعجابًا بزينة الدنيا وحَرْثِها من المؤمنين.

وروي عن أبي هريرة أنه قال: «لَيُخْرِجَنَّكُمُ الرُّومُ منها كَفْرًا كَفْرًا إلى سُنْبُكٍ مِنَ الأرْض» قيل وما ذلك السُنْبُكُ؟ قال: حِسْمَي جُذَامٍ.

قال أبو عبيد: قوله كَفْرًا كَفْرًا يَعْنِي قَرْيةً قريةً، وأَكْثرُ من يتكلم بهذه الكلمة أهلُ الشام، يُسَمُّونَ القريةَ: الكَفْرَ.

ولهذا قالوا كَفْرُ تُوثا، وكَفْرُ يعْقابَ وكَفْرُ بيا.

وإنما هي قرى نسبت إلى رجالٍ.

وقد روي عن معاوية أنه قال: «أهْلُ الكُفُور هم أهلُ القُبور».

(قلت): أراد بالكفور القرى النائية عن الأمصار ومجتمع أهل العلم والمسلمين، فالجهل عليهم أغلب، وهم إلى البِدع والأهواء المضِلة أسرع.

ويقال: كافَرَني فلانٌ حَقي إذا جحده حقَّه والكفَّارَاتُ سمِّيت كفاراتٍ لأنها تُكفِّرُ الذنوبَ أي تستُرها مِثل كفارة الأيمان، وكفارة الظِّهَارِ، والقَتل الخطأ، قد بينها الله جل وعز في كتابه وأمر بها عباده.

وأما الحُدودُ فقد روي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «ما أدْري: الحدودُ كفاراتٌ لأهلها أمْ لا».

وروي غير ذلك، وكافُورُ الطَّلعةِ: وِعاؤها الذي يَنشَقُّ عنها، سمي كافورًا لأنه قد كفرها أي غَطَّاها.

وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه قال: الكافُور: وِعاء طَلْعِ النّخْل.

قال ويقال له: قَفُورٌ.

قال: وهو الكفُرَّى، والجُفُرَّى.

(أبو عبيد عن الفراء) قال: الكفِرُ: العظيمُ من الجِبال، وأنشد:

تَطلّعَ رَيَّاهُ من الكفِرَاتِ

وقال أبو عبيد: التكفيرُ: أنْ يضعَ الرجلُ يَديهِ على صَدْره وأنشد قول جرير:

وإذا سمعتَ بحرْبِ قَيسٍ بعْدَها *** فَضَعُوا السِّلاحَ وكَفِّروا تكْفيرا

واخْضُعوا وانقَادُوا.

حدّثنا الحسين بن إدريس قال: حدثنا محمد بن موسى الحَرشيُّ البصري قال: أخبرنا حماد بن زيد قال: حدثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخُدْري، رفَعه قال: «إذا أصبح ابنُ آدمَ فإن الأعضاء تكَفِّرُ كلها للسانِ، تقول: اتقِ الله فينا، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوجَجْت اعوجَجْنا»، وقوله تكفِّر كلهَا للسان أي تذلُّ وتقرّ بالطاعة له، وتخضع لأمره، والتكفير أيضًا: أن يتكفر المحاربُ في سلاحه، ومنه قول الفرزدق:

حَرْبٌ تردّدُ بينها بتشاجُرٍ *** قد كفّرَتْ آباؤها أبناؤها

رفع أبناؤها بقوله: تَرَدّدُ، ورفع قوله: آباؤها.

بقوله قد كَفّرَتْ أي كفرت آباؤها في السلاح.

وقال الليث: التكفيرُ: إيماء الذمِّي برأْسِه، لا يقال: سَجدَ فلانٌ لفلانٍ وإنما كَفّرَ له تكفيرًا.

قال: والتكفيرُ: تَتويج الملك بتاج إذا رؤى كُفِّرَ له وأنشد:

ملكٌ يُلاثُ برأسِهِ تكفيرُ

قال: جعل التاج نفسه هاهنا تكفيرًا.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): اكْتَفَرَ فلانٌ إذا لزمَ الكُفورَ.

وقال العجاج: كالكرْمِ إذْ نادَى من الكافورِ وكافور الكرمِ: الورقَ المغطِّي لما في جَوْفهِ من العُنقودِ، شبّهَه بكافورِ الطّلع لأنه ينفرجُ عما فيه أيضًا.

وقال الله جل وعز {إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُورًا} [الإنسان: 5] قال الفراء يقال: إنها عَينٌ تُسَمَّى الكافورَ، وقد يكون: كان مِزَاجُهَا كالكافورِ لطيب ريحه.

وقال أبو إسحاق: يجوز في اللغةِ أن يكون طعمُ الطيب فيها والكافور، وجائزٌ أن تمْزَجَ بالكافورِ، ولا يكون في ذلك ضَرَرٌ، لأنّ أهلَ الجنة لا يَمسهمْ فيها ضَرَرٌ ولا نَصَبٌ ولَا وَصَبٌ.

وقال الليث: الكافور: نَبَاتٌ له نَوْرٌ أبيض كنورِ الأقحوان، والكافور: عَيْن ماء في الجنةِ طيبِ الريح، والكافور: من أخلاط الطيب، والكافور: وعاء الطلع.

ومنهم من يقول: هذه كفرّاة واحدة، وهذا كفرّي واحد.

قال: والكَفْرُ: اسمٌ للعصا القصيرة، وهي التي تقطع من سَعفِ النخل.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الكَفْرُ: الخشَبَةُ الغليظة القصيرة، والكَفْرُ: تَعْظيم الفَارسيِّ لمِلكِهِ.

وقال الليث: رجل كفرِّين عفرِّين أي عفريت خبيث، ورجل مُكَفَّرٌ وهو المحسان الذي لا يُشْكر على إحْسانِه.

وكلمةٌ يلهجون بها لمن يُؤمر بأمرٍ فيعمل على غير ما أُمر به فيقولون له: مكْفُورٌ بكَ يا فلان عَنَّيْت وآذَيْتَ.

ويقال: كَفَرَ نعمةَ الله وبنعمة الله كُفْرًا وكُفْرَانًا وكُفُورًا.

والكافر: البَحر، ويجمع الكافِرُ: كِفَارًا.

وأنشد اللحياني: وغُرِّقَتِ الفَرَاعنةُ الكِفَارُ وفي «نوادر الأعراب»: الكافرتانِ والكافِلَتانِ: الألْيَتانِ.

وقال ابن شميل: القِيرُ: ثلاثة أَضْرُبٍ الكُفْرُ، والقِير، والزِّفت، فالكُفر يُطلى به السُّفنُ، والزِّفت يجعل في الزِّقاق والكُفْرُ يُذاب ثم يُطلى به السُّفن، ويقال: كافرٌ وكُفَّارٌ، وكَفَرَةٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


230-تهذيب اللغة (فقلت)

فقلت: ما أكْبرَتْ؟

فقال: حاضَتْ.

(قلت): أنا: فَلُغَة الطَّائِيِّ تصحح أنَ إِكْبَارَ المرْأَة أوَّلُ حيضها إلَّا أنَّ هَاءَ الكِنَاية في قولِ الله (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) ينفي هذا المعنى، فالصَّحيح أنَّهُنَّ لما رأين يوسفَ رَاعَهُنَّ جماله فأعظمنه.

وحدثني المنذري عن عثمان بن سعيد عن أبي هشام الرِّفاعيِّ، قال: حدثنا جميع عن أبي رَوْقٍ عن الضَّحَّاكِ عن ابن عباس في قوله: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف: 31] قال: حِضْنَ.

(قلت): فإِنْ صحَّتْ هذه الرواية عن ابن عباس سلمنَا له، وجعلنا الهاءَ في قوله أَكْبَرْنَهُ هاءَ وقفةٍ لا هاءَ كنايةٍ، والله أعلم بما أراد.

ويقال: رجلٌ كَبِير وكُبَارٌ وكُبَّار.

قال الله جل وعز: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22].

والكبِرِياء: عظمة الله جاءتْ على فعلياء.

قال ابن الأنباري: الكبرياء: المْلك في قوله تعالى: {وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ} [يونس: 78].

والاستكْبارُ: الامتناع عن قبولِ الحقِّ معاندةً وتكَبُّرًا.

والأكابر: أحياءٌ من بكرِ بن وائلٍ، وهم: شيبان، وعامِر، وجليحةُ من بني تيم بن ثعلبة بن عُكَابةَ، أصابتهمْ سَنَةٌ فانتجعوا بلاد تيم، وضبةَ، ونزلوا عَلَى بدرِ بن حمراء الضَّبِّي فأَجارهم وَوَفَى لهم.

فقال بدر في ذلك:

وفيتُ وفاءً لم يَرَ النَّاسُ مِثله *** بتِعْشارَ إذ تحبو إليّ الأكابرُ

قال: والكُبْر في الرِّفعة والشرف.

قال المرّارُ:

وَلِيَ الأعظم من سُلَّافها *** ولي الهامةُ فيها والكُبرْ

وروى عمرو عن أبيه: الكابرُ: السَّيِّد، والكابر: الجَدُّ الأكُبر.

وفي حديث عبد الله بن زيد الذي أُري الأذان: «أنهُ أخَذَ عُودًا في منامه ليتخذ منه كَبَرًا» رواه شمر في كتابه.

قال شمر: والكَبَر: الطَّبْل فيما بلغنا.

وقال الليث: الكَبَر: الطَّبْل الذي له وجهٌ واحدٌ بلغة أهلِ الكوفة.

(ثعلب عن الأعرابي): الكَبَر: الطَّبْل، وجمعه: كِبار مِثل جملٍ وجمالٍ.

وقال الليث: الكِبْر: الإثم، جعل من أسماء الكبيرةِ كالخِطْءِ من الخطيئة.

والكِبَر: مصدرُ الكبير في السِّنِّ من الناس والدّوَابِّ، وقد كبِرَ كِبَرًا، وإذا أَردْتَ عظمَ الشِّيءِ والأمْرِ قلتَ: كَبُرَ يكبُر كِبَرًا أيضًا، كما تقول: عظَمَ يعظُم عِظَمًا.

وتقول: كبُر الأمْرُ يكبُر كَبَارَةً.

ويقال: ورثوا المجدَ كابرًا عن كابرٍ أي عظيمًا وكبيرًا عنْ كبيرٍ في الشّرَف والعز.

(عمرو عن أبيه): قال: الكابر: السّيِّد والكابر: الجَدُّ الأكبر.

وقال الليث: الملوك الأكابرُ: جماعةُ أكبرَ، ولا تَجوزُ النَّكرةُ فلا تقول: ملوكٌ أَكابرُ، ولا رِجالٌ أكابر، لأنه ليس بنعْتٍ إنما ـ هو تعجُّبٌ، وقول المصلِّي: الله أكبرُ، وكذلك قول المؤَذِّن، فيه قولان: أحدهما: أنَّ معناه: الله كبيرٌ، كقول الله جلّ وعزّ: (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) أي هو هَيِّنٌ عليه.

ومِثلُه قول مَعْنِ بن أَوْسٍ: لَعَمْرُكَ ما أَدْرِي وإِني لأَوْجَلُ معناه: وإنِّي لوَجِلٌ، والقولُ الآخر أنَّ فيه ضميرًا، المعنى: الله أكبرُ كبير وكذلك: الله الأعزُّ أي أَعَزُّ عزيزٍ.

قال الفرزدق:

إنَّ الذي سَمَكَ السماءَ بَنَى لنا *** بَيتًا دعائمُه أَعَزُّ وأطوَلُ

معناه: أعَزُّ عزيزٍ، وأطول طويل.

أخبرنا ابن مَنِيعٍ، قال: أخبرنا عليُّ بن الجَعْد عن شُعبةَ عن عمرو بن مُرَّة، قال: سمعتُ عاصمًا العَنَزِي يحدِّثُ عن ابن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ عن أبيه أَنَّهُ رأى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم يصلي قال: فكبَّرَ، وقال: الله أكبر كَبيرًا ثلاثَ مراتٍ، ثم ذَكر الحديث بطوله.

قال أبو منصور: نصب كبيرًا لأنه أَقامه مُقَام المصْدر لأن معنى قوله: الله أكبرُ: أُكبِّرُ الله كبيرًا بمعنى تكبيرًا، يدلُّ على ذلك ما رَوَى سعيد عن قَتادةَ عن الحسن أنُّ نبيَّ الله عليه‌السلامُ كان إذا قام إلى صلاته من الليل قال: لا إِلهَ إِلَّا الله، الله أكبرُ كبيرًا ثلاث مرّاتٍ، فقولُه: كبيرًا بمعنى: تكبيرًا فأقام الاسمَ مُقَام المصدر الحقيقي.

وقوله: الحمد لله كثيرًا، أي أحمدُ اللهَ حَمْدًا كثيرًا.

ويقال للشَّيخ: قد عَلَتْهُ كَبْرَةٌ، وعلاه المَكْبَرُ إِذا أَسَنَّ.

ويقال للسيف والنَّصْل العَتِيق الذي قَدُمَ: عَلَتْهُ كَبْرَةٌ.

ومنه قوله:

سَلَاجِمُ يَثْرِبَ الَّلاتي عَلَتهَا *** بِيَثْرِبَ كَبْرَةٌ بعد المرُونِ

(شمرٌ): يقال: أَتَانِي فلانٌ أَكبرَ النهار وشَبَابَ النهار أي حين ارْتَفَعَ النهارُ.

وقال الأعشى:

ساعةً أكبرَ النَّهَارُ كما *** شَدَّ مُحِيلٌ لَبُونَه إعْتَامًا

يقول: قتَلناهم أوَّلَ النهار في ساعةٍ قَدْرَ ما يشدُّ المحيلُ أَخْلافَ إِبِلهِ لئلا يَرضَعها الفُصْلَانُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


231-تهذيب اللغة (جلف)

جلف: قال اللَّيث: الجَلفُ أَخْفَى من الجَرْف وأَشَدُّ استِئصالًا، تقول: جَلَفْتُ ظُفْرَه عن إصْبعه.

ورجُل مُجَلَّف، قد جَلَّفه الدَّهر أي أَتَى على ماله، وهو أيضًا مُجَرَّف، والجَلائِف السّنون، واحدها جَليفة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: أَجْلَفَ الرّجل إذا نَحَّى الْجُلافَ عن رأْس الْجُنْبُخة، والجُلاف: الطّين.

الحرَّانِيّ عن ابن السكّيت قال: الْجَلْفُ مصْدر جَلَفْت أي قَشَرْت، يقال: جَلفْتُ الطِّينَ عن رَأْس الدَّنّ.

قال: والجِلْف: الأعْرابيُّ الْجافي، والجِلْفُ: بَدَنُ الشَّاة بلا رَأْسٍ ولا قَوَائِم.

أخبرني المنذريّ عن أَبي الهيثمْ، يقال للسَّنَةِ الشَّدِيدة التي تَضُرُّ بالأموال سَنَةٌ جالِفَة، وقد جَلَفَتُهُم وزمان جالف وجارف.

قال: والْجِلْفُ في كلام العرب: الدَّنُّ وجمعه: جُلُوف.

وأنشد:

بَيْتُ جُلُوفٍ طيِّبٌ ظِلُّهُ *** فيه ظِباءٌ ودَواخِيلُ خُوصْ

الظّباء: جمع الظَّبْية، وهي الْجُرَيِّبُ الصَّغير يكون وعاء للمسك والطِّيب.

قال: ويقال للرَّجُل إذا جَفَا: فلانٌ جِلْفٌ جَافٍ.

قال: وإذا كان المالُ لا سِمَنَ له ولا ظَهْر ولا بَطْن يَحْمل، قيل: هو كالجِلْف.

وقال غيره: الجِلْفُ أَسْفَلُ الدَّنِّ إذا انكَسر.

وقال اللَّيث: الجِلْفُ: فُحَّالُ النَّخْلِ الذي يُلَقَّحُ بطَلَعة.

الأصمعيّ: طَعنَةُ جالفة إذا قشرت الجِلْدَ ولم تَدخُل الْجوف، وخُبْزٌ مَجْلوف، وهو الذي أَحْرَقه التَّنُّور فلَزِقَ به قُشُوره.

وأمَّا قول قَيْس بن الْخطيم يَصف امرأة:

كأنَّ لَبَّاتِها تَبَدَّدَها *** هَزْلَى جَرادٍ أَجْوافُه جُلُف

فإن شبَّه الحُلِيَّ الذي على لبَّيتها، بجرادٍ لا رُؤوس لها، ولا قَوائم.

وقال: الجُلُفُ جمع جَليف، وهو الذي قُشِر.

وذهب ابنُ السّكّيت إلى المعنى الأوَّل، قال: ويقال أصابَتْهُم جَليفَةٌ عظيمة: إذا اجْتَلَفَت أموالَهم، وهم قوم مُجْتَلِفون.

أبو عُبيد: الْمُجَلَّفُ: الذي قد ذَهب ماله، والْجَالِفَةُ: السنة التي تَذهَبُ بالمال، وقال الفَرزدق:

* مِن الْمال إلا مُسْحَتٌ أو مُجَلَّف *

والجِلْف: الخُبز اليابس بلا أُدْم.

أخبرني محمد بن إسحاق السَّعْدِيّ قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: حدثنا أبو داود الطيالسيّ قال: أخبرنا حُرَيث بن السَّائب قال: حدثنا الحسَن قال: حدثنا حُمران بنُ أبان، عن عثمان بن عَفّان قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «كلُّ شَيْءٍ سوى جِلْفِ الطّعام، وظِلّ بيت، وثَوب يَسْتُره فَضْل»: قال شمر، قال ابنُ الأعرابيّ: الجِلْفَةُ والْقِرْفَةُ والجِلْفُ من الخُبْز: الغليظُ اليابس الذي ليس بمأْدوم ولا يابسِ لَيِّن كالْخَشب ونحوه.

وأنشد:

القَفْرُ خَيْرٌ من مَبِيتٍ بِتُّه *** بجُنوب زَخَّةَ عند آلِ مُعارِكِ

جاءوا بِجِلْفٍ من شعير يابس *** بَيْني وبين غُلامهم ذي الْحارِكِ

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


232-تهذيب اللغة (جوز جيزجاز)

جوز ـ جيز ـ جاز: الأصمعيّ: الجَأَز الْغَصَصُ، يقال: جَئِز يَجأَزُ جَأَزًا، إذَا غَصَّ.

وفي حديث النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «أَنَّ امرأَةً أَتَته، فقالت: إني رَأَيْتُ في المنام كأَنَ جائِزَ بَيتي انْكسر، فقال: خير، يَرُدُّ اللهُ غَائِبَك، فرجع زَوْجُها، ثم غابَ، فرأَتْ مِثْلَ ذلك، فلم تَجِد النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، ووجدَت أبا بكر، فسألته، فقال: يموت زَوْجُك».

قال أبو عبيد: الجائِزُ في كلامهم الْخَشبَةُ التي توضَعُ عليها أطراف الْخُشُب، وهي التي تُسمَّى بالفارِسيَّة التِّير.

قال: وقال أبو زيد: جَمع الجائِز أَجْوِزَةُ وجُوزَان.

وقال أبو عمرو نحوَه.

وقال ابن شُميل: الجائِزُ الذي يُمرُّ على القوم، وهو عَطْشان سُقِيَ أو لم يُسْق، فهو جائز، وأنشد:

مَنْ يَغْمس الجائِزَ غَمْسَ الوَذَمَهْ *** خَيْر مَعَدٍّ حَسَبًا وأكْرَمَه

وقال الليث: جَزْتُ الطَّريقَ جَوَازًا، ومَجَازًا وجُؤُوزا، والمجاز: الموضع، وكذلك الْمجَازَه.

أبو عُبَيد، عن الأصمعيّ: جُزْتُ الموضِع، سِرْتُ فيه، وأَجَزْتُه: خَلَّفتُه وقَطَعْتُه، وأَجَزْتُه: أَنَقَذتُه.

هكذا رواه شَمِر لأبي عُبَيد بالقاف، ومنه قال امرؤ القيس:

فلمَّا أَجَزْنَا ساحةَ الحيِّ وانتَحَى *** بنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ

وقال أوس بن مَغراء:

* حَتَّى يُقال أَجِيزوا آلَ صَفْوَانَا*

أي: أَنفِذُوهم، يمْدحُهُم بأَنَّهُم يُجيزون الحاج.

وقال الليث: جَاوزتُ الموضعَ جَوازًا، بمعنى جُزْتُه؛ وتجاوَزْتُ عن ذنبه، أي لم آخذْه به.

الحرانيّ، عن ابن السّكّيت، قال: الجواز السَّقْيُ؛ يقال: أَجِيزونا أي اسْقونا، والمسْتَجِير: المسْتَقِي.

قال الراجز:

يا صاحبَ الماءِ فَدتكَ نَفْسي *** عَجِّل جوازِي وأَقِلَّ حَبْسِي

أي: عجل سَقْي.

وقال القطامي:

وقَالوا: فُقَيْمٌ فَيِّمُ الماءِ فاسْتَجزْ *** عُبادَةَ إنَ الْمسْتَجيزَ على قُتْرٍ

وقال: وحكى ابنُ الأعْرابيَّ، عن بعض الأعراب: لِكُلِّ جابَةٍ جَوْزَة ثم يُؤَذِّن، أي لِكُلِّ من وَرَدَ عَلَيْنَا سَقْيَةٌ، ثم يُمْنَعُ من الماء.

يقال: أَذَّنْتُه تَأْذِينًا، أي رَدَدْتُه.

أبو بكر: أجاز السلطانُ فلانًا بجائزة، وأصل الجائزة أن يُعطىَ الرجلُ الرجلَ ماءً يُجيزه ليذهبَ لوجهه، فيقول الرجلُ: إذا وردَ ماءً لِقَيِّم الماء أجزْني أي أعطني ماءً حتى أذهب لوجهي، وأجوز عنك، ثم كثر هذا حتى سَمُّوْا العطيّة جائزة.

وقال الليث: التّجوُّز في الدَّراهم أَنْ تُجَوِّزَها، قال: والْمُجَوَّزةُ من الغَنَم الَّتي بِصَدْرِها تَجويز، وهو لَونٌ مخالف لِلَوْنها.

أبو عبيد، عن أبي زيد في شِيات الضّأن، قال: إذا ابْيَض وَسَطُها، فهي جَوْزاء.

وقال غيره: جَوْزُ كُلِّ شَيء وَسَطُه، وجَوْزُ الْفَلاة: وسَطُها، وجَوْزُ الْجراد: وَسَطُها.

وقال ابن الْمُظَفَّر: الإجاز: ارْتفاق العرب.

كانت العرب تَحْتَبِي وتَسْتَأجِزُ على وسادَة، ولا تَتَّكِىءُ على يَمين ولا على شمال أي تَتَحَنَّى عَلَى وِسادة.

قلت: لم أسمع الإجازَ لغير اللّيث، ولعله قد حَفِظه.

ورُوِيَ عن شُرَيْحٍ أنه قال: إذا باع الْمُجِيزان فالبيع للأوّل، وإذا أنْكَح الْمُجيزان فالنكاح للأَول، والمجيز: الوَليّ.

ويقال: هذه امرأةٌ ليس لها مُجيز، والمجيز: الوصِيّ، والمجيز: القَيِّم بأَمْر اليتيم؛ والمجيزُ: العبد المأْذون له في التِّجارة.

وفي الحديث أَنَّ رجلًا خاصم إلى شُرَيح غُلامًا لزيادٍ في بِرْذَونةٍ باعها وكَفل له الغُلام، فقال له شُريح: إنْ كان مُجِيزًا، وكفل لك غَرِمَ، أراد، إنْ كان مَأذونًا له في التِّجارة.

قلت: والْجِيزةُ من الماء مِقْدَارُ ما يَجُوز به المسافرِ من مَنْهلٍ إلى مَنهل.

يقال: اسْقِني جِيزةً وجائِزةً وجَوْزَةً.

وفي الحديث: الضِّيافَةُ ثلاثَةُ أَيَّام، وجائِزَتهُ يومٌ وليلة، أي يُعْطَى ما يجوزُ به مسافة يوم وليلة.

والتّجاويز: بُرودُ مَوْشِيَّةٌ من بُرودِ اليمن،

واحدها تِجْواز.

وقال الكميت:

حتى كأَنَّ عِراصَ الدارِ أرْدِيةٌ *** من التجاوِيزُ أو كُرّاسُ أَسْفارِ

والْمجازَة: موسمٌ من المواسم.

وذُو المجازة: مَنْزل من مَنازِل طريق مَكَّة بين ماوِيّة وينْسُوعَةَ على طريق البَصْرَة.

والْجِيزة: النّاحية، وجمعها جِيزٌ، وَعِبْرُ النّهر: جِيزَتُه، وجِيزُ: قَرْيةٌ من قرى مصر، وإليها نسب الربيع بن سليمان الجِيزيّ.

وأَخْبرني المنذريّ، عن أبي العباس أحمد ابن يحيى، قال: دَفَع إليّ الزبيرُ الإجازةَ، وكتَب بخطِّه.

وكذلك عبد الله بن شَبيب أجاز إلَيَّ، فقلت لهما: أَيْش أقولُ فيه؟

فقالا: قل فيه إن شِئت: حَدَّثنا، وإن شِئْت أَخبرنا، وإن شئت كَتَبَ إلَيَّ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


233-تهذيب اللغة (زجا)

زجا: قال الليث: التَّزْجيَةُ دَفْعُ الشَّيْء كما تُزَجِّي البَصَرَةُ وَلَدَها، أي تَسوقُه، وأَنْشَدَ:

وصَاحِبٍ ذِي غِمْرَةٍ داجيْتُه *** زَجَّيْتُهُ بالْقَوْلِ وازْدجيْتُهُ

والرّيحُ تُزْجي السَّحاب: أي تَسُوقُه سَوْقًا رفيقًا، والْمُزَجيِ الْقَليلُ.

وقال الله: {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ} [يوسف: 88] أخبرنا المنذري، عن الغسّانيّ، عن سلمَة، عن أبي عبيدة، قال في قوله: {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ} [يوسف: 88] أي يَسيرَة قَليلة، وأنشد:

* وحاجةٍ غَيْرِ مُزْجاةٍ من الْحَاجِ*

ويقال: أَزْجَيْتُ الشَّيءَ إِزْجاءً، أي دَافَعْتُ بقَليله، وهذا أَمْرٌ قد زَجوْنا عليه نَزجُو.

ويقال: أَزْجَيتُ أَيامى وزَجَّيتها، أي دافعتها بقوتٍ قليل.

قلت: وسَمعتُ أَعْرابيًا من بَني فَزارة يقول: «أَنْتم مَعاشِرَ الحاضِرَةِ قبلتمْ دُنياكم بِقُبْلانٍ ونحن نُزَجِّيها زجاةً» أي نَتبلّغُ بقليلِ القوت ونَجْتزِىءُ به.

ورُوِي عَن أَبي صالح، أنه قال في قوله: (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) قال: كانت حَبَّةَ الخضْراء والصّنوْبَر.

وقال إبراهيم النّخَعي في قوله: «مُزْجاةٍ» ما أَراها إلا القَليلة.

وقليل كانت متاع الأعراب: الصُّوف، والسَّمن.

وقال سعيد بن جُبيْر: «بِضَاعَةٌ مُزْجاةٌ» دَراهمُ سَوْء.

وقال عِكْرِمة: هي النَّاقَصة.

وقال الليث: زَجا الخَراجُ يَزْجُو: إذا تَيسرتْ جِبَايَته.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


234-تهذيب اللغة (جيل)

جيل: أخبرنا ابنُ رزين، عن محمد بن عمرو، عن الشاه، عن المؤرج في قول الله جل وعز: {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ} [الأعراف: 27] أي جِيلُه ومعناه جِنسه.

وقال عمرو بن بجر: جَيْلانُ فَعَلَةُ الملوك.

وكانوا من أهل الجيل: وأنشد:

أتيح لهُ جَيلانُ عند جِدَاره *** وردّد فيه الطرفَ حتى تحيّرا

وأنشد الأصمعيّ:

أرسل جَيلانَ ينحِتون له *** ساتيدَ ما بالحديد فانصدَعا

وقال الليث: الجيلُ كلُّ صنف من الناس، التُّرك جيل؛ والصِّين جيل، والجميع أجيال، وجَيْلانُ: جيلٌ من المشركين خلف الدّيلم، يقال لهم: جيلُ جيلان.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


235-تهذيب اللغة (وشى)

وشى: قال الله عزوجل: {لا شِيَةَ فِيها} [البقرة: 71].

قال أبو إسحاق: أي ليس فيها لون يخالف سائر لونها.

حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا عبيد الله بن جرير، قال: أخبرنا حجاج عن حماد، عن يحيى بن سعيد، عن قاسم بن محمد أن أبا سيّارة وَلِعَ بامرأة أبي جُندب، فأبت عليه، ثم أعلمت زوجها، وكَمَنَ له، وجاء فدخل عليها، فأَخذه أبو جندب فدق عنقه إلى عَجْبِ ذنبه، فائْتَشَى مُحْدَوْدِبًا.

قال: والوشى في اللون خَلْطُ لونٍ بلون، وكذلك في الكلام، يقال وشيت الثوب أشيه وَشْيَةً.

وقال الليث: الشِّيَة سَوَاد في بياض، أو بياض في سواد، وثور مُوَشَّى القوائم: فيه سُفعة وبياض، والحائك واشٍ يشي الثوب وَشْيًا؛ أي نسجًا وتأليفًا، والنَّمَام يشي الكذب، يُؤلِّفه.

وقد وشى فلان بفلان وشايَةً، أي نمّ به.

والْوَشي في الصوت.

أبو عُبَيد عن أبي عمرو والفرّاء: ائتَشى العَظم، إذا برأ من كسْرٍ كان به.

قلتُ: وهو افتعال من الوشي.

ورُوِيَ عن الزُّهْرِيّ أنه كان يستوشي الحديث.

قال أبو عُبيد: معناه أنه كان يستخرجه بالبحث والمسألة، كما يستوشي الرجل جَرْيَ الفرس وهو ضربه جنبه بعقبه وتحريكه ليجري، يقال: أوشى فرسه

واسْتَوْشاهُ.

وقال الشاعر:

يُوشُونَهُنَ إذا ما آنَسُوا فَزَعًا *** تحت السَّنَوّرِ بالأعقابِ والْجِذَمِ

ثعلب، عن ابن الأعرابيّ: أوشى إذا كثر ماله، وهو الْوَشَاء والمشاء.

وأَوْشى؛ إذا اسْتَخرج ركض الفرس بجرْيه، وأَوْشى استخرج معنى كلامٍ أو شعر.

وقال الليث: الوشْوَاش: الخفيف من النعام، وناقة وشواشة.

وناقة شَوْشاء، ممدود.

وقال حُمَيد:

من العيش شَوْشَاءٌ مِزَاقٌ تَرى بها *** نُدُوبًا من الأنشاع فَذًّا وتَوْأَمًا

وقال بعضهم: هي فَعْلاء، وقيل: هي فعلال.

وسماعي من العرب: ناقه شَوشاه بالهاء وقصر الألف.

أبو عُبيد: الشَّوشاة: الناقَة السريعة.

قال: وقال الأُمَوِيّ: الوشوَاش من الرجال الخفيف.

وقال الليث: الوشْوَشة: كلام في اختلاط وكذلك التشويش.

قلت: هذا خطأ، أمّا الوشوشة فهي الخِفَّة، وأما التشويش فإن اللّغويين أجمعوا على أنه لا أصل له في العربية وأنه مِنْ كلام المَولّدين.

وأصله التهويش، وهو التخليط، وقد مرَّ تفسيره في كتاب الهاء.

عَمْرو عن أبيه: في فلان من أبيه وَشْوَاشَة، أي شَبَهٌ.

وقال أبو عُبيدة: رجل وَشْواش الذّراع ونَشْنَشِيُّ الذراع، لم يَتَلَبَّثُ ولم يَهْمُمْ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


236-تهذيب اللغة (سم)

سم: قال الله جلّ وعزّ: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِ الْخِياطِ} [الأعراف: 40]، أخبَرَنا المنذريّ عن ابن فهم، عن محمد بن سلام، عن يونس، قال: أهل العالية يقولون: السُّمّ والشُّهد، يرفعون.

وتميمٌ تفتح السّم والشَّهد قال: وسمعتُ أبا الهيثم يقول هما لغتان: سم وسُمّ، لخرْق الإبرة.

والسَّمّ: سَمُ الحيّة.

وقال الليث: السمُ القاتل جمعه سمام.

قال: والسمانِ: عرقان في خيْشوم الفرس.

قال: والسامّة والجميعُ سوامّ: عُروق في خَيْشومه.

وسامُ أبرصَ، من كبار الوَزَغِ.

قال: وسامًّا أبرص وسوامُ أبرص.

أبو عُبيد عن اليزيديّ: السامّةُ الخاصةُ، وأنشدنا:

وهو الذي أَنعَم نُعمتي عمّتِ *** على العِبادِ رَبُّنا وسَمَّتِ

قال: وقال الأمويّ: أهلُ المسمّة: الخاصةُ والأقارب.

وأهل المنحاة: الذين لَيْسُوا بالأقارب.

ثعلب عن ابن الأعرابي: المسمّة الخاصة والمعمّة العامة.

وقال الليث: السامة: الموت.

قلتُ: المعروف في هذا الحرف تخفيفُ الميم، والتشديد فيه خطأ عند البصريِّين والكوفيين، وأما السامّة بتشديد الميم فهي

ذوات السم من الهوام، ومنه حديث ابن عباس: «اللهم إني أعوذُ بك من كلِّ شيطانٍ وهامة، ومن شر كلِّ عينٍ لامة، ومن شرِّ كل سامة».

قال شمر: ما لا يقتلُ ويسمُ فهو السَّوام بتشديد الميم؛ لأنها تَسم، ولا تَبلُغ أن تقتُل مثل الزُّنبور والعَقْرب وأشباهها.

وقال الليث: السُّموم: الوَدَع وأشباهُه يستخرج من البحر يُنظم للزينة، واحدها سَمٌ وسُمّة، وأنشد:

على مُصلَخمٍّ ما يكاد جَسيمُه *** يَمُدُّ بعطفَيْه الوضينَ المسمَّما

أراد وَضِينًا مزيَّنًا بالسُّموم.

قال: السمامة: والجميع السَّمامُ ضربٌ من الطّير دون القَطَا في الْخِلْقَة.

ثعلب: عن ابن الأعرابي: يقال لتزاويق وَجْه السقْف سَمَّان.

وقال غيره: سمُ الوَضِين: عُرْوتُه، وكل خَرْق سَمٌ.

والتَّسميمُ: أن يتخذ للوَضِين عُرًى، وقال حُميد بن ثَور:

على كل نابي المحْزَمَيْن نَرَى له *** شَراسيفَ تَغتالُ الوَضِين المسمَّما

أي: الذي له ثلاث عُرًى، وهي سُمومه.

قال أبو عبيدة: السَّمُوم بالنهار وقد تكون باللَّيل، والحرور باللّيل.

وقد يكون بالنهار.

والعجّاج جعل الحرور بالنهار فقال:

ونسجت لوافح الحَرور *** يرقْرَقَان آلها المسجور

شبائبًا كسرَقِ الحَرير

وقال اللحياني: السَّمَان: الأَصباغ التي تزَوَّق بها السُّقوف، ولم أسمعْ لها بواحدة.

قال: ويقال للجُمّارة: سِمة القُلْب.

ويقال: أصبتُ سمَ حاجتِك، أي: وجهها.

وسَمَمت الشيءَ أسُمُّه سَمًّا، أي: شدَدْتُه.

أبو عُبَيد عن أبي عُبَيدة: السَّموم بالنهار، وقد تكون باللّيل.

والحرور بالنَّهار وقد تكون باللّيل.

وأخْبَرني المنذريّ عن الحرّاني عن ابن السكّيت: يقال: سمّ اليومُ: إذا هَبَّ فيه السّموم.

وقال الفراء: ويقال: يومٌ مَسْموم وإناء مسموم من سُمّ، ولا يقال: سُمّ.

قال يعقوب: والسَّموم والحَرور أنثيان، وإنما ذكّرت في الشعر.

قال الرّاجز:

اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُه *** مَن جَزِعَ اليَومَ فلا تَلُومُه

وسمعتُ العَرَب تُنشِد:

* اليومُ يومٌ بكَرَتْ سَمُومُهُ *

قال شمر: قال ابن الأعرابيّ: سَموم بيّن السّم، وحَرُور بيّن الحَرّ.

وقد سُمّت لَيلتُنا وأسمّت.

ويقال: كان يومُنا سَمومًا،

وليلةٌ سَموم ذاتُ سَموم.

وقال الليث: نبات مَسمومٌ: أصابتْه السَّموم.

وسَامَة كل شيء وسمامة كل شيء سَماوَته: شخصُه.

أبو عُبَيد عن أبي عمرو: سممتُ الشيءَ أسمّه: أَصلحتُه.

قال: وقال أبو زيد: سممتُه: شدَدْتُه، ومثلُه رَتَوْته.

وسَمَمْتُ بين القومِ: أصلحت.

قال الكُمَيت:

وتنأَى قُعورُهم في الأمور *** عمّنْ يَسُمُ ومَنْ يَسْمُل

الأصمعيّ والفرّاء وأبو عمرو: سَمامُه الرّجل وكلِّ شيء: شخصه، وكذلك سَماوَته، وقيل: سَماوَته أَعْلَاه.

أبو عُبَيد عن الفرّاء: ما لَه سَمٌ ولا حَمّ غيرُك، ولا سمٌ معًا، أي: ما لَه هَمٌّ غيرُك.

وسمُومُ السَّيف: حُزورٌ فيه يعلَّم بها، وقال الشاعر يمدَحَ الخوارج:

لِطافٌ برَاهَا الصَّوْمُ حتّى كأنّها *** سُيُوفُ يَمانٍ أخْلَصَتْهَا سُمومُها

يَقول: بَيَّنَت هذه السُّموم عن هذه السّيوف أنها عُتُق.

قال: وسُموم العُتُق غيرُ سُموم الحُدْث.

وقال أبو عُبَيْدة: في وجهِ الفَرَس سُموم واحدُها سَمّ، وهو ما دَقّ من صَلَابَة العَظَم من جانِبيْ قصَبَة أنْفِه إلى نواهِقه.

قال: وتستَحبُّ عُرْيُ سمُّونِ، ويُستَدَلّ به على العِتْق، وقال حميد:

طِرْفٌ أسِيل معقد البِرَيمِ *** عارٍ لطيفِ موضعِ السُّموم

قال: ومن دوائر الفَرَس: دائرة السّمامة، وهي التي تكون وسَطَ العُنُق في عرضها، وهي تُستحَبّ.

قال: وسُموم الفَرَس أيضًا: كلُّ عظْم فيه مُخّ.

قال: والسُّموم أيضًا: فُروجُ الفَرَس واحدها سمّ.

قال: وفُروجه: عيناه وأُذُناه ومَنخراه.

وأَنشَد:

* فنَفَّستُ عن سمَّيه حتّى تَنَفسا*

أراد عن مَنخَريه.

أبو عُبَيد عن الأصمعي: السَّمسامُ: والسُّمْسُماني: الخفيفُ السريعُ.

قال: والسمسامة: المرأة الخفيفة اللطيفة.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: السمسَم: الثعلب.

وأنشد:

* فارَقَني ذَأْلَانَهُ وسَمْسَمُهْ *

وسَمْسَم: اسمُ موضع.

وقال ابن السكّيت: وهي رمْلةٌ معروفة؛ وأَنشد قولَ البَعيث:

مُدامِنُ جَوْعاتٍ كأنَّ عُرُوقَه *** مَسارِبُ حَيّاتٍ تَسَرَّبْنَ سَمْسَمَا

قال: ورواه عُمارةُ: «تَشَرّبْن سَمْسَمَا» يعني: شرِبْن السم.

ومن رواه: «تَشَرّبن» جَعَل سَمسَمًا رملة.

ومسَارِبُ الحياة:

آثارها في السَّهل إذا مرّت تَسرَّبُ تَجيءُ وتَذهب، شَبَّه عُروقَه بمَجارِي حَيَّاتٍ، لأنها ملتوية.

وقال الليث: يقال لدُوَيْبّةٍ على خِلْقَة الأَكلَة حمراءَ هي السِّمْسِمة.

قلت: وقد رأيتُها في البادية، وهي تَلسَع فتؤلِمُ إذا لَسَعَتْ.

وقال أبو خَيْرة: هي السَّماسم، وهي هَناتٌ تكون بالبَصْرة يَعْضُضْن عَضًّا شديدًا، لهنّ رُؤوسٌ فيها طول إلى الحُمرة ألوانُها.

وقال اللحياني: يقال في مَثَلٍ ـ إذا سُئل الرجل ما لا يَجِد وما لا يكون ـ: كَلَّفْتَنِي سَلَا جَمَلٍ، وكلَّفْتَني بَعْضَ الأنُوق، وكلَّفْتَني بَيْض السِّمَاسم.

قال: وهي طَيرٌ مِثلُ الخَطاطِيف ولا يُقدَر لها على بَيْض.

قال: والسُّمّةُ: شِبْه سُفْرة عظيمة تُسَفُّ من الخُوص وتُبْسَط تحتَ النخلة إذا صُرِمت ليسقُط ما تَناثَر من الرُّطَب والتَّمْر عليها، وجمعُها سُمَم.

قال: وسُمّة المرأة: صدغُها وما اتصل به مِنْ رَكَبِها وشَفْرَيْها.

قال الأصمعي: سُمّة المرأةِ: ثَقْبة فَرجِها.

ثعلب عن ابن الأعرابي: سَمسَم الرجلُ: إذا مَشَى مَشْيًا رقيقًا.

ومسْمَس: إذا تخبط.

عمرو عن أبيه: يقال لِجُمّار النخلة: سُمّة، وجمعها سُمَم، وهي اليَفَقَةُ: ومَسامُ الإنسان: تخلخُل بشَرَته وجلده التي يَبرُز عرقُه وبُخارُ باطِنه منها، سُمّيتْ مَسامَ لأنّ فيها خُروقًا خفيّةً وهي السُّموم.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


237-تهذيب اللغة (سلب)

سلب: قال الليث: السَّلَب: ما يُسْلَب به والجميعُ الأَسْلاب، وكلُّ شيء على

الإنسان من اللباس فهو سَلَب، والفعل سَلَبْتُه أسلُبه سلَبًا: إذا أخذتَ سَلَبه.

قال: والسَّلوب من النوق الَّتي ترمِي بوَلدِها.

وقد أسلبتْ ناقتكُم، وهي سَلوب: إذا ألقتْ ولدَها قبل أن يتمّ، والجميعُ السلَّائب.

اللّحياني: امرأةٌ سَلُوب وسَليبٌ: وهي الّتي يموت زوجُها أو حميمُها فتسَلَّب عليه.

وقال أبو زَيْد: يقال للرّجل ما لي أراكَ مُسْلَبًا: وذلك إذا لم يَألَفْ أحدًا ولا يَسكُن إليه، وإنما شُبّه بالوحش، يقال: إنّه لوحشيّ مُسْلَب، أي: لا يألَف ولا تنكسر نفسُه.

وفي حديث ابنِ عمَر: أن سعيدَ بنَ جُبير دخل عليه وهو متوسِّد مرْفَقَة أَدَمٍ حَشْوها لِيفٌ أو سَلَب.

قال أبو عُبيد: سألتُ عن السَّلَب فقيل: ليْس بلِيف المُقْل، ولكنّه شجرٌ معروف باليَمَن يُعمل منه الحبال وهو أجْفَى من ليفِ المُقْل وأصلَبُ.

وأَنشَد شمِر في السَّلَب:

فَظلَّ يَنزِع منها الجِلْد ضَاحِية *** كما يُنَشْنِشُ كَفُّ الفاتِل السَّلَبا

قال: يُنشنِش أي يُحرِّك.

قال شمر: والسَّلَبُ: قِشْرٌ من قُشور الشجر يُعمَل منه السِّلال، يقال لِسوقه سوقُ السَّلّايين، وهي بمكةَ معروفة.

وقال الليث: السَّلَب: لِيف المُقْل، وهو أبيَض.

قلتُ: غَلِط اللّيث فيه، وشجرةٌ سُلُبٌ: إذا تَناثَر ورَقُها؛ قال ذو الرمّة:

* أو هَيْشَرٌ سُلُب *

قال شمِر: هَيْشَرٌ سُلُبٌ: لا قِشْرَ عليه.

ويقال: اسْلبْ هذه القَصَبة، أي: قَشِّرها، وسَلَبُ القصبَةِ والشَّجَرة قِشْرها.

وسَلَبُ الذبيحة: إهابُها ورأسُها وأكارِعُها وبطنُها.

وسَلبُ الرجل: ثيابُه.

وقال رؤبة:

* يَراعُ سَيْر كاليَراعِ الأَسْلَب *

اليَراعُ: القَصَب، والأَسْلابُ: الّتي قد قُشِرت، وواحد الأسلاب سَلَب وسَلِيب.

أبو عبيد: السُّلُب: الثِّياب السُّود التي تَلبَسها النّساء في المآتم، واحدُها سِلَاب، وقال لَبيد:

يَخْمشْ حُرَّ أوجُهٍ صِحاح *** في السُّلُب السُّود وفي الأَمْساح

وامرأةٌ مسلِّبٌ: إذا كانت مُحِدًّا تَلبَس الثّياب السُّودَ للحِداد.

أبو عُبيد عن الأصمعيّ: السَّلِبُ: الطويل.

وقال الليث: فرسٌ سَلِبُ القوائِم: خفيفُ نَقْلِها.

ورجُل سَلِب اليَدَين بالطَّعن والضَّرب: خفيفُهما.

وثورٌ سَلبُ الطَّعْنِ بالقَرْنِ.

وقال غيره: فرسٌ سَلِبُ القوائم، أي: طويلُها، وهذا صحيحٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابي: السُّلْبة: الجُرْدَة، يقال: ما أَحسَن سُلْبتَها وجُرْدَتها.

ويقال للسَّطر من النَّخل: أُسْلوب، وكلُّ طريقٍ ممتدٍّ فهو أُسْلوب.

قال: والأسلوبُ: الوجهُ والطّريق والمذهب، يقال: أنتُم في أُسْلوبِ شَرّ، ويجمع أَساليب.

وأَنشَد شمِر:

* أُنوفُهمْ مِلْفَخْرِ في أُسْلُوبِ *

أراد من الفَخْر، فحَذَف النون.

أخبرنا ابن منيع قال: حدثنا محمد بن بكار بن الريان، قال: حدثنا محمد بن طلحة عن الحكم بن عيينة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس أنها قالت: لما أصيب جعفر أمرني رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فقال: «تسَلبي ثلاثًا ثم اصنعي ما شئت» تسلّبي، أي: البسي ثياب الحداد السود.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


238-تهذيب اللغة (لت)

لت: قال الليث: اللّتُ الفِعل من اللُّتات، وكل شيء يُلَتُ به سَويقٌ أو غيره نحو السمن وما إليه.

وقال الفراء: حدثني القاسم بن معن عن منصور بن المعتمر عن مجاهد قال: كان رجل يَلُتُ السويق لهم، وقرأها: أفرأيتم اللاتّ والعزّى * [النجم: 19] بالتشديد.

قال الفراء: القراءة (اللَّاتَ)، بتخفيف التاء الأصل اللاتّ بالتشديد لأن الصنم إنما سمِّي باسم اللّات الّذي كان يَلُتَ عند هذه الأصنام لها السويقَ، فخفف وجُعل اسما للصنم.

وكان الكسائي يقف على اللات بالهاء ويقول: اللاه، قال أبو إسحاق: وهذا قياس، والأجود اتِّباعُ المصحفِ، والوقوف عليها بالتاء، قلت: وقول الكسائي يوقف عليها بالهاءِ، يَدُل على أنه لم يجعَلْهما من اللَّتِ؛ وكأنَّ المشركين الذين عبدوها عارضوا باسمها اسمَ الله،

تعالى الله علوا كبيرا عن إفكهم ومعارضتهم وإلحادهم، لعنهم الله في اسم الله العظيم، وقال ابن السكيت: اللَّت بَلُّ السوِيق والْبَسُّ أشدُّ من اللَّت.

أبو العباس، عن ابن الأعرابيّ: اللّتّ الفَتُّ.

قلت: وهذا حرف صحيح أخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنه قال في باب التيمم: ولا يجوز التيمم بِلُتَاتِ الشجر وهو ما فُتّ من قِشْره اليابس الأعلى.

قال الأزهري: لا أدري لُتات أم لِتات، وفي بعض الحديث: فما أبقى المرض مني إلا لُتاتا.

قال: اللُّتات ما فُتَّ من قِشر الشجر كأنه يقول: ما أبقى مني إلا جِلدا يابسا.

قال امرؤ القيس في اللَّت بمعنى الفتّ:

تَلُتُ الحصى لَتّا بسُمْرٍ رزينة *** موارِد لا كُزْمٍ ولا مَعِراتِ

يصف الخمر وكسرها الحصى.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


239-تهذيب اللغة (بتل)

بتل: قال الليث: البَتْل تمييزُ الشيء من الشيء، والبَتُول كل امرأة تَنْقَبض عن الرجال لا شهوةَ لها ولا حاجة فيهم، ومنه التَّبَتل وهو تَرْكُ النِّكاح والزهدُ فيه، قال ربيعةُ بنُ مَقْرُوم الضبي:

لو أَنَّها عَرَضتْ لأشمطَ راهبٍ *** عبد الاله صرورةٍ مُتبتِّلِ

وقال الزهري: أخبرنا سعيد بن المسيب: أنه سمع سعد بن أبي وقَّاص يقول: لقد رَدَّ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم على عثمانَ بن مظعون التّبتُّل، ولو أَحَلَّه له، أذن له لاخْتَصَينا، وفسَّر أبو عبيد التبتل بنحو ممّا ذكرناه، وأصل البتْل القَطْع.

أبو عبيدة عن الأصمعيّ: المبتل النخلة تكون لها فسيلة قد انفردت واستغنت عن أمها فيقال لتلك الفسيلة البتول وأنشد:

ذلك ما دينك إذْ جُنِّبتْ *** أجمالها كالبُكر المبتلِ

وسئل أحمد بن يحيى عن فاطمة بنت رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: لم قيل لها البتول؟ فقال: لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضْلا ودينا وحُسْنا.

قال أبو عبيدة: سميت مريم البتول لتركها التزوُّج.

وقال ابن السكيت: قال الهذلي: البَتِيلةُ من النخل الوَدِيَّة، قال وقال الأصمعيّ: هي الفسيلة التي بانَتْ عن أمّها، ويقال: للأم: مُبْتِلٌ، وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] يقول: أَخْلِصْ له إخلاصا، يقال للعابد إذا تَرك كلَّ شيء وأقبل على العبادة: قد تَبَتَّل أي قَطَع كلَّ شيء إلَّا أمرَ الله وطاعتَه، وقال أبو إسحاق في قوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ} أي: انْقَطِعْ إليه في العبادة، وكذلك صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ أي مُنْقَطِعَةٌ مِن مال المتَصَدِّقِ بها خارجةٌ إلى سبيل الله، والأصل في تَبَتَّلَ أن تَقُولَ: تَبَتَّلْتُ تَبَتُّلا، وبَتَّلْتُ تَبْتِيلا، فَتَبْتِيلا محمول على معنى بَتَّلَ إليه تَبْتِيلا.

أبو عبيد عن الأصمعيّ قال: المُبَتَّلَةُ من النساء التي لم يَرْكَبْ

لحمُها بعضُه بَعْضا.

وقال أبو سعيد: امرأة مُبَتَّلةُ الخَلْقِ عَنِ النساء لها عليهن فضل، ذلك قول الأعشى:

مُبَتَّلَةُ الخَلْق مثلُ المها *** ة لم تَرَ شَمْسا ولا زَمْهَرِيرا

وقال غيره: المُبَتَّلَةُ التّامةُ الخَلْق وأنشد لأبي النجم:

* طَالَتْ إلى تَبْتِيلِها في مَكَرْ*

أي: طالت في تَمَامِ خَلْقها، وقال بعضهم: تبْتِيلُ خلْقها انفرادُ كل شيء منها بحسنه لا يَتّكِلُ بعضه على بعض.

وقال شمر: قال ابن الأعرابيّ: المبَتَّلة من النساء الحسنة الخلق لا يقصر شيء عن شيء.

أَلَّا تكون حسنة العين سمجة الأنف، ولا حسنة الأنف سمجة الفم ولكن تكون تامة.

وقال غيره: هي التي تفرَّد كل شيء منها بالحسن على حِدته، ورجل أَبْتَلُ إذا كان بَعيدَ ما بين المَنكِبَيْن وقد بَتِلَ يَبْتِل بَتْلا.

وقال الليث: البَتِيلَةُ كل عضو بلحمه مُكْتَنِزٌ من أعضاء اللحم على حِياله وأنشد:

* إذا المتون مَدَّتْ البَتائِلا*

وفي الحديث قَبِلَ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، العُمْرى، أي الأحب، والعُمْرى نبات، قال شمر: البتل القطع، ومنه صَدَقة بَتْلة، أي قطعها من ماله، ويقال للمرأة إذا تزينت وتحسنت: إنَّها تتبتل، وإذا تركت النكاح فقد تبتلت، وهذا ضد الأول، والأول مأخوذ من المُبَتَّلةِ التي تمَّ حُسنُ كل عضو منها.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


240-تهذيب اللغة (ذرب)

ذرب: روي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «أبوالُ الإبل فيها شِفاء من الذَّرَبِ»، أبو عبيد عن أبي زيد: ذَرِبَتْ مَعِدَتُه تَذْرَبُ ذَرَبا فهي ذَرِبَةٌ إذا فَسِدَتْ، وفي حديث آخر: إنَّ أعشى بني مازن قدم على النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فأنشده أبياتا يشكو فيها امرأتَه:

يا سيدَ الناسِ وَدَيَّان العَرَبْ *** إليك أشكو ذِرْبَة من الذِّرَبْ

خَرَجْتُ أَبْغِيها الطعامَ في رَجَبْ *** فَخَلَفَتْنِي بِنزَاعٍ وحَرَبْ

أَخْلَفَتْ العَهْدَ وبَطَّتْ بِالذَّنَبْ *** وتركتني وَسْطَ عيصٍ ذِي أشَبْ

قال عمر: الذِّرْبَةُ: الداهية أراد بالذِّرْبَةِ امرأتَه، كَنَى بِهَا عن فَسادها وخِيانتها في فرجها وجمعُها ذربٌ وأصله من ذَرَبِ المعدة وهو فَسادُها.

وقال شمر: امرأةٌ ذَرِبةٌ طويلةُ اللسان فاحشةٌ.

وقال أبو زيد: يقال لِلغُدَّةِ ذِرْبٌ وتجمع ذِرَبٌ، ويقال للمرأة السليطة اللسان: ذَرِبةٌ وذِرْبَةٌ، وذَرَبُ اللسان حِدَّتُه.

وقال أبو عُبَيد: ذَرَبْتُ الحَديدةَ أذرُبُها ذَرْبا فهي مَذْرُوبَة إذا أحْدَدْتَها.

وقال الليث: الذَّرِبُ الحادُّ من كل شيء، لِسانٌ ذرِبٌ ومَذْروبٌ، وسنان ذرِبٌ، ومَذْروبٌ، وفِعْلُه ذرِبَ يَذْرَبُ ذَرَبا وذَرَابَة.

وقوم ذُرْبٌ قال: وتَذْرِيبُ السيف

أن يُنْقَع في السُّم فإذا أُنْعِمَ سَقْيُه، أُخْرِجَ فشُحِذَ.

ويجوز ذَرَبْتُه فهو مَذْرُوبٌ قال عبيدة:

وخرْقٍ مِنَ الفتْيانِ أكرمَ مَصْدَقا *** مِن السَّيْف قَد آخَيْتُ لَيْسَ بمذْرُوبِ

قال شمر: ليس بفاحش.

وفي حديث حذيفة قال: حدثنا ابن هاجك، قال: حدثنا حمزة عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن عبيد بن مغيرة قال: سمعت حذيفة يقول: كنت ذَرِب اللسان على أَهْلي فقلت: يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني النارَ فقال رسول الله: «فأين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة».

قال: فذكرته لأبي بردة فقال: وأتوب إليه، قال أبو بكر في قولهم: ذَرب اللسان: سمعت أبا العباس أنه قال: يا رسول الله إني رجل ذرب اللسان.

سمعت أبا العباس يقول: معناه فاسد اللسان قال: وهو عيب وذم.

يقال: قد ذَرِبَ لِسان الرجُل يذْرَبُ إذا فَسَدَ، ومن هذا ذَرِبَتْ مَعِدَتُه فسدتْ وأنشد:

أَلَمْ أَكُ باذلا وِدِّي ونَصْرِي *** وأَصْرِفُ عَنْكم ذَرَبِي ولغْبِي

قال: واللَّغْبُ الرَّدِيء من الكلام وأنشد:

* وعرفت ما فيكم مِنْ الأذْرَابِ *

معناه من الفساد، قال: وهو قول الأصمعيّ.

قال غيرهما: الذَّرِبُ اللسانُ الحادُ اللسان، وهو يرجع إلى معنى الفساد.

إنِّي رجلٌ ذَرِبُ اللِّسان وعامَّة ذلك على أهلي، قال: فاستغفر الله.

قال شمر: قال أسيد بن موسى بن حَيْدة: الذَّرِبُ اللسانُ الشتَّامُ الفاحشُ.

وقال ابن شميل: الذَّرِبُ اللسان الفَاحِشُ الشتَّامُ البَذِيءُ الّذي لا يُبالي ما قال.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال: التَّذْرِيبُ حَمْلُ المرأة ولدَها الصغيرَ حتى يَقْضِيَ حاجتَه، ويقال: ألقَى بينهم الذَّرَبُ وهو الاخْتِلافُ والشرُّ ورماهم بالذربين مثله.

وقال أبو عبيد: الذَّرَبَيَّا على مِثال فَعَلَيَّا الداهية.

وقال الكميت:

رَمَانِيَ بالآفات مِن كلِّ جَانِبٍ *** وبالذَّرَبَيَّا مُرْدُ فِهْرٍ وشِيبُها

وقال غيره: الذَّرَبَيّا هو الشرّ والاختلاف.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


241-تهذيب اللغة (مور مير)

مور ـ مير: عمرو، عن أبيه: المَوْر:

الدَّوَران.

والمَوْر، مَصْدر: مُرْت الصُّوف مَوْرًا، إذا نَتَفْتَه.

وهي: المُوَارة: والمُرَاطة.

والمَوْرُ: الطَّرِيق؛ ومنه قولُه:

* وظيفًا وظيفًا فوق مَوْرٍ مُعَبَّدِ*

والمَوْر: التُّراب.

والمُور، جمع: ناقة مائرة، ومائر، إذا كانت نَشيطةً في سَيرها فَتْلاءَ في عَضُدها.

وقال الأصمعي: وَقَع عن الحمار مُوارتُه، وهو ما وَقع من نُسَاله.

ومار يَمور مَوْرًا، إذا جَعل يَذهب ويَجيء ويَتردَّد.

قال: ومنه قول الله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْرًا} [الطور: 9، 10].

قال مجاهد: تَدور دَوْرًا.

وقال غيره: أي تَجيء وتَذْهب.

ويقال: مار الدمُ يَمُور، إذا جَرى على وجه الأرض.

وسُمي الطَّريق: مَوْرًا، لأنه يُذْهَب فيه ويُجاء.

وفي حديث عِكْرمة: لمّا نفخ في آدم عليه‌السلامُ الروحُ مارَ في رأْسه فَعَطس، أي دار وتردّد.

حدثنا الحُسين، قال: حدثنا عيسى بن حماد المهدي، قال: أخبرنا اللَّيث بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن أبي الزّناد، عن ابن هُرْمز، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنه قال: «مثل المُنْفق والبخيل كمثل رَجُلَين عليهما جُبّتان من لدن تَراقيهما إلى أَيديهما، فأما المُنْفق فإذا أَنفق مارت عليه وسَبغت حتَّى تبلغ قدَميه وتَعْفو أثَره، وأما البخيل فإذا أراد أن يُنْفق أخذت كُلُّ حَلْقة موضعها ولزمَتْه، فهو يُريد أَن يوسّعها ولا تَتّسع».

قلت: مارت، أي سالت وتردّدت عليه، وذَهبت وجاءَت.

يعني نَفَقته.

ابن هرمز هو: عبد الرحمن بن هُرمز الأَعْرج.

قال اللّيث: المَور، المَوْجُ.

والبَعير يَمور عَضُداه، إذا تردّد في عَرْض جَنْبه.

والطَّعنةُ تمور، إذا مالت يمينًا وشِمالًا.

والدِّماء تَمور على وجه الأَرض، إذا انصَبَّت فتردَّدت.

والمَور: التراب تُثيره الرِّيح.

وفي حديث عديّ بن حاتم أنّ النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال له: «أَمِرِ الدَّم بما شِئْت».

قال شَمر: من رواه، أَمِرْه فمعناه: سَيِّله وأَجْره.

يقال: مار الدمُ يَمُور مَوْرًا، إذا جَرى وسال.

وأَمَرْته أنا، وأنشد:

سوف تُدْنيك من لَمِيسَ سَبَنْدا *** ةُ أَمارت بالبَذْل ماءَ الكِرَاشِ

قال: وقال ابن الأعرابي: المَوْر: السُّرْعة؛ وأَنشد:

* وَمَشْيُهنّ بالحَبِيب مَوْر*

وروى أبو عبيد: «أمْرِ الدمّ بما شئت»، أي سيّله واستَخْرجه.

من مريت الناقة، إذا مَسحت ضَرْعها لِتَدِرّ.

وروى ثعلب، عن ابن الأعرابي: مَرى الدمَ، وأمراه، إذا اسْتَخرجه.

وقال الأصمعي: سايَرْته مُسايرة، وماريته مُمايرة، وهو أن تفعل مثل ما يَفعل؛ وأَنْشد:

* يُمايرها في جَرْيه وتُمايرُه *

وقال اللَّيْث: اليَامُور: من دَوابّ البرّ، يَجْري على مَن قَتله في الحَرم أو الإحْرام الحُكْمُ.

وذَكر عَمرو بن بَحر «اليَامُور» في باب الأَوعال الجبليّة والأَياييل والأَرْوَى.

وهو اسمٌ لجنس منها، بوزن اليَعْمور.

واليَعمور: الجَدْي.

وجمعه: اليَعَامِير.

قال الليث: والمِيرة: جَلْب الطَّعام للبَيْع.

وهم يَمْتارون لأنْفُسهم.

ويَميرُون غيرهم مَيْرًا.

وقال الأصمعيّ: يُقال: مارَه يَميره مَيْرًا، إذا أتاه بمِيرة، أي طَعام.

ومنه يُقال: ما عِنْده خَيْر ومَيْر.

ويقال للرُّفْقة التي تَنهض من البادية إلى القُرى لِتَمتار: مَيّارة.

وقال الليث: المِئْرة: العداوةُ.

وجَمعها: المِئَر.

وماءَرْتُ بين القوم مُماءرةً، أي عادَيْت بينهم.

قاله أبو زيد.

أبو عُبيد، عن الكسائي: المِئْرة: الذَّحْل.

وجمعها: مِئَر.

قال: وقال أبو زَيد: ماءرْتُه مُماءرةً، على فاعَلْته.

وقال الليث: امتأر فلانٌ على فلان، أي احْتَقد عليه.

وقال غيره: المُماءرة: المُعارضة؛ وأَنشد:

* يُمائرها في مَشيه وتُمَائره *

أي: يُباريها.

وروى الخرّاز، عن ابن الأعرابي، أنه أَنْشده:

تماءَرْتمُ في العِزّ حتى هَلكتُمُ *** كما أَهْلك الغارُ النِّساء الضَّرائِرَا

قال: تماءرتم: تَشابَهْتم.

وقال غيره: تباريتم.

أبو زيد: جاءهم أَمْرٌ مَئِر، بوزن مَعِر، وهو الشَّديد.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


242-تهذيب اللغة (آل)

آل: ثعلب، عن ابن الأعرابي: الأَوْلُ الرُّجوع.

وقد آل يَؤُول أَوْلًا.

والأَوْلُ: بُلوغ طِيب الدُّهْن بالعِلاج.

الأصمعيّ: آل القَطران يَؤُول أَوْلًا، إذا خَثُر.

قال: وآل مالَه يَؤُوله إيَالةً، إذا أَصْلحه وسَاسَه؛ قال لَبِيد:

بِصَبُوح صافِيةٍ وضَرْب كرِينةٍ *** بمُؤَتّرٍ تأتالُه إبْهامُها

إنما هو تفتعله من أُلْته، أي: أَصْلحته.

قلت: ومنه قولهم: أُلْنا وإيل وعلينا، أي سُسْنا وساسُونا.

ويقال لأَبْوال الإبل التي جَزأت بالرُّطْب في آخر جَزْئها: قد آلت تَؤُول أَوْلًا، أي: خَثُرت.

فهي آيلة؛ وقال ذو الرّمة:

ومِن آيلٍ كالوَرْس نَضْح سُكُوبه *** مُتُونَ الحَصَى من مُضْمَحِلٍّ ويابِس

ويُقال: طبخت النَّبيذ حتى آل إلى الثُّلث، أو الرُّبع، أي رَجع.

عمرو، عن أبيه: الآل: الشخص.

والآل: الأحوال؛ جمع: آلَة.

قال: والآل: السَّراب.

والآل: الخشب المجرَّد؛ ومنه قوله:

* آلٌ على آلٍ تَحمّل آلَا*

فالآل، الأول: الرجل؛ والثاني: السراب؛ والثالث: الخَشَب.

وقال أحمد بن يحيى: اختلف الناس في الآل:

فقالت طائفة: آل النبي: من اتّبعه، قرابةً كان أو غَير قَرابة.

وآلُه: ذو قَرابته مُتَّبعًا كان أو غير مُتَّبع.

وقالت طائفة: الآل والأهل، واحد.

واحتجّوا بأن الآل إذا صُغِّر قالوا: أُهَيل، فكان الهمزة هاء، كقولهم: هَنَرْت الثَّوب وأَنَرْتُه، إذا جعلت له عَلمًا.

ورَوى الفَرّاء، عن الكسائي في تَصْغير آل: أُوَيْل.

قال أبو العبّاس: فقد زالت تلك العلّة وصار الآل والأهل أصلَيْن لمَعنَييْن، فيدخل في الصَّلاة كلّ من اتبع النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، قرابةً كان أو غيرَ قرابة.

ورَوينا عن الشافعيّ أنه سُئل عن قول النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد»، مَن آلُ محمد؟

فقال: مِن قائلٍ: آله: أهله وأزواجه، كأنه ذهب إلى أن الرجل يُقال له: أَلَكَ أَهْلٌ؟

فيقول: لا، وإنما يعني أنه ليس له زَوْجة.

قال الشافعي: وهذا مَعْنًى يحتمله اللِّسان، ولكنه معنى كلام لا يُعرف إلا أن يكون له سَبب من كلام يدلُّ عليه، وذلك أن يُقال للرجل: تزوّجت؟ فيقول: ما تأهّلت، فيُعرف بأوّل الكلام أنه أراد: ما تزوجت.

أو يقول الرجل: أَجْنبت من أهلي، فيُعرف أن الجنابة إنما تكون من الزَّوْجة.

فأمّا أن يبدأ الرَّجُلُ فيقول: أَهلي ببلد كذا فأنا أزُور أهلي، وأنا كريم الأهْل، فإنّما يَذْهَب الناس في هذا إلى: أهل البَيت له.

قال: وقال قائلٌ: آل محمد: أهلُ دِين محمّد.

قال: ومن ذَهب إلى هذا أَشْبه أن يقول: قال الله لنُوح عليه‌السلام: {احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [هود: 40]، وقال نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] أي: ليس من أَهل دِينك.

قال الشافعي: والذي نَذهب إليه في مَعنى الآية أنّ مَعْناه: إنه ليس من أَهلك الذين أَمرناك بحَمْلهم معك.

فإِن قال قائلٌ: وما دَلّ على ذلك؟

قيل: قولُه: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40] فأَعلمه أنه أَمره بأن يحمل من أهله مَن لم يَسْبق عليه القولُ من أهل المَعاصي، ثم بين ذلك فقال: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} [هود: 46].

قال الشافعي: وذَهب ناسٌ إلى أن آل محمد: قرابته التي يَنْفرد بها دُون غيرها مِن قَرابته.

قال: وإذا عُدّ آل الرجل وَلده الذين إليه نَسبهم، ومن يُؤْويه بيتُه مِن زَوْجة أو مَملوك أو مولًى أو أحد ضَمّه عيالُه، وكان هذا في بعض قَرابته من قبل أبيه دُون قرابته من قبل أمه، لم يجز أن يُسْتدل على ما أراد الله من هذا ثم رسوله إلا بسُنة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

فلما قال: إنّ الصَّدقة لا تَحِلّ لمحمّد وآل محمّد، دلّ على أن آل مُحمد هم الذين حُرِّمت عليهم الصَّدقة وعُوِّضوا منها الخُمس، وهم صَليبة بني هاشم، وبني المطّلب، وهم الذين اصطفاهم الله من خَلقه بعد نبيّه صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم.

قلت: قد أخبرنا بجميع ذلك الأوزاعيّ عن حَرملة، عن الشافعي.

وأخبرني المنذري، عن أبي الهيثم، عن الأصمعي: السَّراب، والآل، واحد.

وخالفه غيره، فقال: الآل، من الضُّحى إلى زَوال الشَّمس؛ والسَّراب: بعد الزّوال إلى صلاة العَصر.

واحتجّوا بأن الآل يَرفع كُلّ شيء حتى يصير له آلٌ، أي شخص، وآل كل شيء شَخْصُه.

وأن السّارب يَخْفض كلَّ شيء فيه حتى يصير لاصقًا بالأرض لا شَخْص له.

وأخبرني المُنذري، عن الأعلم أبي بكر، عن ابن سَلام، عن يونس، قال: قالت العرب: الآلُ: مُذْ غُدْوة إلى ارتفاع الضُّحَى الأعْلى، ثم هو سَراب سائرَ اليوم.

وأخبرني، عن الحرّاني، عن ابن السِّكيت: الآل: الذي يَرفع الشُّخوص، وهو يكون بالضُّحى؛ والسراب: الذي يَجْري على وَجه الأرض كأنه الماء، وهو يكون نِصْف النهار.

قلت: وعلى هذا رأيت العرب في البادية.

وهو صحيح؛ سُمِّي: سرابًا، لأنه كالماء الجارِي.

وقال هِشام، أخو ذي الرُّمة:

حتّى إذا أَمْعَرُوا صَفْقَيْ مَبَاءَتهم *** وجَرَّد الخَطْبُ أَثْباجَ الجَراثِيمِ

آلُو الجِمَالَ هَرامِيلَ العِفاء بها *** على المَنَاكِب رَيْعٌ غيرُ مَجْلُوم

آلوا الجِمال: أي رَدُّوها لِيَرْتحلُوا عليها.

الليث: الإيَال على فِعَال: وِعَاء يُؤَال فيه شَرابٌ أو عَصير، أو نحو ذلك.

يقال: أُلْت الشَّراب أؤُوله أَوْلًا؛ وأَنْشد:

ففَتّ الخِتَامَ وقد أَزْمَنَت *** وأَحْدَثَ بعد إِيَالٍ إِيَالا

قلت: والذي نَعرفه: آل الشَّرابُ، إذا خَثُر وانتهى بُلوغُه ومُنتهاه من الإسكار.

ولا يقال: أُلْتُ الشَّرابَ.

والإيَال، مصدر: آل يَؤُول أَوْلًا وإِيَالًا.

وقال الأصمعي: الآلة: سرير المَيت؛ وأَنْشد بَيت كَعب بن زُهَير:

كُل ابن أُنْثى وإن طالت سَلامَتُه *** يومًا على آلَةٍ حَدْباء مَحْمُولُ

غيره: آل فلانٌ من فلانٍ، أي وَأَلَ منه ونجَا، وهي لغة الأنصار؛ يقولون: رَجُلٌ آيل، مكان وائل؛ وأَنشد بعضُهم:

يَلُوذ بشُؤْبُوبٍ من الشَّمس فَوْقها *** كما آلَ مِن حَرِّ النَّهارِ طَرِيدُ

وآل لَحْمُ الناقة، إذا ذَهب؛ وقال الأعْشى:

أَكْلَلتها بعد المِرَا *** ح فآل مِن أَصْلابِها

أي: ذَهب لحمُ صُلْيها.

الليث: الأيِّل: الذَّكر من الأوْعال.

والجميع: الأيَايل.

قال: وإنما سُمِّي: أَيّلًا، لأنّه يَؤُول إلى الجبال يَتحصَّن فيها؛ وأَنشد:

كأنّ في أَذْنابهنّ الشُّوَّلِ *** من عَبَس الصَّيْف قُرونَ الأَيِّلِ

وقال غيرُه: فيه ثلاث لُغات: إيَّل، وأَيِّل، وأُيَّل.

ابن شُميل: الأيّل، الذَّكر.

والأُنثى: أيّلة.

وهو الأرْوَى.

أبو عبيد: هو الأُيّل، وأَنْشد شَمِرٌ للجَعْدِيّ:

وبِرْذَوْنة بَلّ البَراذِينُ ثَغْرها *** وقد شَرِبت من آخِر اللّيْل أُيّلَا

قال شَمر: الأُيّل، بوزن فُعَّل، وقال: شَرِبتْ ألبان الأيَايل.

وقال أبو نصر: هو البَوْل الخائِر.

وقال أبو الهيثم: هذا محال، ومن أين تُوجد ألبان الأيايل؛ والرواية:

* وقد شَرِبت من آخر اللّيل أُيّلا*

وهو: اللّبن الخاثر، من آل، إذا خَثُر.

قال أبو عمرو: أُيّل: ألبان الأيَايل.

وقال أبو نصر: هو البول الخائر، بالفتح،

من أبوال الأُرْويّة، إذا شربْته المرأةُ اغْتلمت؛ وقال الفرزدق:

وكأنّ خاثِره إذا ارْتَثَؤُوا به *** عَسَلٌ لهم حُلِبت عليه الأيِّلُ

ابن شُميل: الأيّل: هو ذو القَرن الأشْعث الضخم، مثل الثور الأهليّ.

وجمعه: الأيايل.

قال: ويقال له: أُيّل، مثال فُعَّل.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com