نتائج البحث عن (لِلْأَطْهَارِ)

1-المعجم الاشتقاقي المؤصل (قرأ)

(قرأ): {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 9]

قال المرقش يصف ناقة بالصلابة وشدة التماسك: (لم تقرأ القَيْظَ جَنينًا) (1) (أي في القيظ) أي لم تحمل في القيظ به فجسمها متماسك قوي. وكذا جاء في بيت لعمرو بن كلثوم [شرح السبع ص 380]: (لم تَقْرأ جنينًا) (2): أي لم تَضُمَّ في رحمها ولدًا قط. وكذا يفسَّر قول حميد بن ثور (لم تقرأ جنينًا ولا دمًا) (3) [ل قرأ] ولا الْتِفات لزعم قطرب واللحياني أن المعنى لم تُسْقطه أي فهي لم تحمل فهذه دَورة أبعد. وابن الأنْباري أعلم وأزكى. وكذا "الحية تُقْرئ سمها شهرا ثم تمجّه " (4) ويؤيد ما اخترنا قولُهم "للحُمَّى قَرْءٌ وللغائب قَرْءٌ وللبعيد قَرْءٌ "- بالفتح فيهن - أي مدة استمرار ثم تنتهي وقولهم: "إذا قَدِمْتَ بلادًا فمكثت بها خَمْسَ عشرة ليلة فقد ذَهَبَت عنك قِرْأة البلاد وقِرْء البلاد - بالكسر " (أي وَباؤُها وثِقَلُها الذي يَحُطّ بنازليها).

° المعنى المحوري

تَجَمُّع الشيء (السائل أو المتحرك) في الباطن أو الحيز إلى أجل يُطرح أو يُخرَج بعده - كالدم والحمل والسُمّ في الجوف إلى أجل والغائب والبعيد كأنهما في باطن مَغِيبِهما ولهما أجل يعودان بعدُ عادة، والحُمى تشمل البدن فكأنها تحوزه ثم تنتهي، والوباء للفترة الأولى من الاستقرار في الحيز.

ومما نظر فيه إلى ذلك قولهم: "أقرأت النجومُ: حان مغيبها (في جوف الأفق والصيغة للحينونة) وأقرأ أمرُك وحاجتُك: دَنَت (بقيت في جوف الغيب وحان أن تخرج) ويؤيد ما رأينا كذلك ما في معنى (قَرَر) من تجمع في الجوف، وقولهم "قَرَيْتُ الماء في الحوض: جمعت "، و "القِرْدُ يَقْرِي - أي يجمع - ما يأكل في فيه ".

ومن هذا القراءة وأصلها: حِفْظ المقروء أو استيعابه في القَلْب. فقد ورد في البخاري [6/ 193 باب تعليم الصبيان القرآن] قال ابن عباس توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابن عشر سنين وقد قَرَأْت المحكم (يعني المفصّل أي قصار السور) والمقطوع به هنا أن المراد أنه حَفِظَها، وقد جاء في رواية أخرى "جَمَعْت المحكم "فهذا يدل على أن المراد بالقراءة الحفظ وأنها بهذا المعنى تُعَدُّ جمعًا في الذهن أو القلب، وهذا يؤيد الأصل الذي رأيناه. قال تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} والمعنى والله أعلم سَنُحفظك أو سنجمعه في صدرك [وانظر قر 20/ 18] وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17] يمكن أن تعني جَمْعه أي - حفظه من الضياع، وقرآنه أي إيعاءه صدرك إذ الجمع في الفؤاد ليس من معاني جمع بل من معاني قرأ. وقد فُسِّر بـ "جمعه في صدرك ثم تقرؤه " {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي فاستمع له وأنصت [قر 19/ 106] وهو سائغ أيضًا.

ومن هذا المعنى نفسه يمكن أن تستعمل فى قراءة الكتاب أي بالنظر بالعين إذ معناه أن رموز الكلام التي فيه قد انتقلت هي ومعانيها إلى صدرك حين اطّلعت عليها. وقد تقول قرأت ما في الكتاب إذا نظرته بعينيك واستوعبت ما فيه {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94]. ثم استعمل في التلفظ بما هو محفوظ في القلب وإلقائه كلامًا صوتيًّا. والقرآن سمي كذلك لمعنى التلفظ بالمجموع في القلب. وقد عُلِّلت التسمية أيضًا بأنه جامع لخير تشريعات الدين والحياة {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وبأنه مجموع {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22]، وشأنه أن يجمع في الصدور على ما في الحديث الشريف "أناجيلهم في صدورهم "ثم هو يُتْلَى وشأنه أن يُتْلَى أيضًا. ولملحظ التلفظ به صوتيًّا لم يستنكف كفار العرب أن يسموه قرآنًا، كما في قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس: 15 وكذلك في الفرقان: 32، وسبأ: 31، وفصلت: 26، والزخرف: 31] وكذا سماه الجن {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1]. وقد مال [طب 1/ 96] وكذلك [قر 1/ 12] إلى أنه تسمية بالمصدر من القراءة. وهذا يتسق مع الملحظ الأخير الذي ذكرناه. وعلل ابن قتيبة في [الغريب 33 عن أبي عبيدة] وغيرهما التسمية يجمع السور. وأخيرا فإن ما ينسب إلى الإمام الشافعي أنه كان لا يهمز كلمة (قُرْآن) ويقول هي (قُرَان) من (قرن) لا من (قرأ) هذه النسبة خطأ. والشافعي أعرف باللغة من أن يقع في هذا الخطأ، وإنما هذا قول إسماعيل بن قسطنطين الذي قرأ عليه الشافعي [تنظر غاية النهاية ترجمة إسماعيل هذا] والذي جاء في القرآن الكريم من التركيب كلُّه من قراءة الكتاب أو القرآن عدا ما في آية [البقرة: 228] وسنقف

عندها. وقد بينا في (تلو) الفرق بين التلاوة والقراءة. والفعل (قرأ + على) يعني القراءة العلنية للإسماع {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ويتفق حينئذ مع معنى التلاوة، ودون (عَلَى) لا يستوجب ذلك القيد.

وللمعنى الذي ذكرناه للقراءة (من أن أصلها الجمع في الباطن) ما يؤيده في قولهم: "تَقَرَّأَ الرجل: تَفَقَّه. وقرأتُ تَفَقَّهْتُ " (الفقه استيعاب المعنى في القلب) وكذلك "تَقَرَّأَ: تنسك وهو قارئ: ناسك ". أي من حيث إن القراءة هي سبيل التفقه وموضوعه، والقرآن هو الموجِّه إلى التنسك.

ومن ذلك القروء في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وهي تصدق لغويًّا على الدم المجتمع في الجوف في حال اجتماعه أي حين الطهر، وعلى نفس ذلك الدم وهو نازل أي في أيام الحيض لأنه يجتمع في الرحم قبل ذلك إلى أجل وهذا هو سر الخلاف الواسع في هذه المسألة. وتحدد القرائنُ المقصودَ. ففي مثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دعي الصلاة أيام أقرائك "هي أيام الحيض. ويترجح لدينا أن المراد بها في الآية الأطهار فقد استنتج ذلك الشافعي وغيره في ضوء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنَ عمر - لما طلق امرأته في حيضها - "أن يراجعها فإذا طهرت فليطلقها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء "وضع هذا مع قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1] ثم مع آية البحث حيث يُعَدّ طهر التطليقة من العِدَّة. وثانيًا لأن القرء بهذا المعنى أقرب إلى الأصل في ضوء ما ذكرنا في الأصل، وشواهده من كلام العرب قائمة في ما سبق. ويضاف إليها قول الأعشى يمدح باشتغال الممدوح عن النساء بالغَزْو كسبًا للعز والرفعة: (لما ضاع فيها من قروء نسائكا). والاتصال بهن إنما

يكون في الطهر. وأخيرًا فهنا قرينة دقيقة وهي أن القروء في الآية وفي هذا البيت للأطهار - في حين عُبِّر عن الحيضات بالأقراء كما في الحديث. والقروء تصلح لجمع القَرْء بالفتح والضم، ولكن الأقراء للمضمومة فقط (1) والفتح أقرب إلى معنى الجمع لأنه أقرب إلى المصدر فيناسب الأطهار في الآية. في حين أن المضمومة أقرب إلى المفعولية فهي أصدق في الدلالة على الدم المجموع. [وانظر قر 3/ 113 - 118، ول 125 - 127].

وقد انتهى الطبري بعد بحث طويل [4/ 499 - 513] إلى أن المراد به في الآية الطهر على ما انتهينا إليه.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


2-موسوعة الفقه الكويتية (متحيرة 2)

مُتَحَيِّرَةٌ -2

ب- الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ

11- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَصُومُ رَمَضَانَ كَامِلًا وُجُوبًا، لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ.

وَقَدْ أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا صِيَامَ التَّطَوُّعِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ مَنَعُوهَا مِنْهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَصُومُ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرًا آخَرَ كَامِلًا ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً، فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا، فَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى لَهَا يَوْمَانِ سَوَاءٌ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَذَلِكَ إِنْ لَمْ تَعْتَدْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا كَأَنِ اعْتَادَتْهُ نَهَارًا، أَوْ شَكَّتْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِيهِمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَيَطْرَأُ الدَّمُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ آخَرَ، فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ كُلٍّ مِنَ الشَّهْرَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا اعْتَادَتْ الِانْقِطَاعَ لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا شَيْءٌ.

وَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ فَأَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَلَهَا فِي قَضَائِهِ طَرِيقَانِ: إِحْدَاهُمَا: طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: وَتُجْرَى فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا، وَذَلِكَ أَنْ تُضَعِّفَ مَا عَلَيْهَا وَتَزِيدَ عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ، وَتَقْسِمَ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَتَصُومَ نِصْفَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَنِصْفَهُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ، وَالْمَقْصُودُ بِالشَّهْرِ هُنَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتِ ابْتَدَأَتْ، وَعَلَى هَذَا إِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَصُومُ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةً أَوَّلَهَا وَثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهَا فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفْسِدُهُ الْحَيْضُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمَانِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، لِأَنَّ الْحَيْضَ إِنْ طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ صَوْمِهَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ بَعْدَهُ، أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي انْقَطَعَ فِي السَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ أَوْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَحْصُلُ الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ انْقَطَعَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ لَهَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي السَّابِعَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّانِي فَيَحْصُلُ لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ، أَوْ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ انْقَطَعَ فِي الثَّالِثِ فَيَحْصُلُ لَهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ وَاسْتَحْسَنَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ، وَتُجْرَى فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا، أَنْ تَصُومَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقٍ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تُعِيدُ الصَّوْمَ كُلَّ يَوْمٍ غَيْرَ الزِّيَادَةِ يَوْمَ سَابِعَ عَشَرَ، وَلَهَا تَأْخِيرُهُ إِلَى خَامِسَ عَشَرَ ثَانِيَةً، فَيُمْكِنُ قَضَاءُ يَوْمٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ، ثُمَّ الثَّالِثُ مِنَ الْأَوَّلِ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ مِنْهُ، لِأَنَّهَا قَدْ صَامَتْ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا أَوَّلًا بِزِيَادَةِ يَوْمٍ مُتَفَرِّقًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَبِقَدْرِ مَا عَلَيْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ فَيَقَعُ لَهَا فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ فِي الطُّهْرِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الصَّوْمِ الْمُتَتَابِعِ، أَمَّا الْمُتَتَابِعُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ: فَإِنْ كَانَ سَبْعَةً فَمَا دُونَهَا صَامَتْهُ وَلَاءً تَصُومُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، الثَّالِثَةُ مِنْهَا فِي سَابِعَ عَشَرَ شُرُوعُهَا فِي الصَّوْمِ بِشَرْطِ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ كُلِّ مَرَّتَيْنِ مِنَ الثَّلَاثِ بِيَوْمٍ فَأَكْثَرَ حَيْثُ يَتَأَتَّى الْأَكْثَرُ، وَذَلِكَ فِيمَا دُونَ السَّبْعِ فَلِقَضَاءِ يَوْمَيْنِ وَلَاءً تَصُومُ يَوْمًا وَثَانِيَهُ، وَلِسَابِعَ عَشْرَةَ وَثَامِنَ عَشْرَةَ وَيَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا وَلَاءً غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّوْمَيْنِ فَتَبْرَأُ، لِأَنَّ الْحَيْضَ إِنْ فُقِدَ فِي الْأَوَّلَيْنِ صَحَّ صَوْمُهُمَا، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِمَا صَحَّ الْأَخِيرَانِ إِذْ لَمْ يَفْدِ فِيهِمَا، وَإِلاَّ فَالمُتَوَسِّطَانِ، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي صَحَّا- أَيْضًا- أَوْ بِالْعَكْسِ.

فَإِنِ انْقَطَعَ قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ صَحَّ مَعَ مَا بَعْدَهُ، وَإِنِ انْقَطَعَ فِيهِ صَحَّ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ، وَتَخَلُّلُ الْحَيْضِ لَا يَقْطَعُ الْوَلَاءَ، وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ الَّذِي تَخَلَّلَهُ قَدْرًا يَسَعُ وَقْتَ الطُّهْرِ لِضَرُورَةِ تَحَيُّرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنْ كَانَ الْمُتَتَابِعُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا صَامَتْ لَهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَاءً، ثُمَّ تَصُومُ قَدْرَ الْمُتَتَابِعِ أَيْضًا وَلَاءً بَيْنَ أَفْرَادِهِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ السِّتَّةَ عَشَرَ، فَلِقَضَاءِ ثَمَانِيَةٍ مُتَتَابِعَةٍ تَصُومُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَاءً فَتَبْرَأُ إِذِ الْغَايَةُ بُطْلَانُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَيَبْقَى لَهَا ثَمَانِيَةٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِنَ الْآخَرِ أَوْ مِنْهُمَا أَوْ مِنَ الْوَسَطِ، وَلِقَضَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهَا شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَتَبْرَأُ، إِذْ يَحْصُلُ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ، وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ.

وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوَلَاءُ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتِ احْتَمَلَ وُقُوعَ الْفِطْرِ فِي الطُّهْرِ فَيَقْطَعُ الْوَلَاءَ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا تُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ أَصْلًا، لِاحْتِمَالِ طَهَارَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ إِنَّ لَهَا حَالَاتٍ، لِأَنَّهَا إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ لَا تَعْلَمُ، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا، وَعَلَى كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا.

فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ دَوْرَتَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَأَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ، وَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ إِنْ قَضَتْ مَفْصُولًا، لِأَنَّهَا إِذَا عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ يَكُونُ تَمَامُ حَيْضِهَا فِي الْحَادِي عَشَرَ وَإِذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ بِالنَّهَارِ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَحِينَئِذٍ فَأَكْثَرُ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الشَّهْرِ سِتَّةَ عَشَرَ.

إِمَّا أَحَدَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِهِ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ، فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ضِعْفِهَا وَذَلِكَ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ فِي رَمَضَانَ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا عَلَى احْتِمَالِ أَنْ تَحِيضَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَقَعُ لَهَا فِيهِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَبَعْضُ طُهْرٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُعَامَلُ بِالْأَضَرِّ احْتِيَاطًا فَتَقْضِي سِتَّةَ عَشَرَ، لَكِنْ لَا تَتَيَقَّنُ بِصِحَّتِهَا كُلِّهَا إِلاَّ بِقَضَاءِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْصُولِ أَنْ تَبْتَدِئَ مِنْ ثَانِي شَوَّالٍ لِأَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْعِيدِ لَا يَجُوزُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا، فَيَوْمُ الْفِطْرِ هُوَ السَّادِسُ مِنْ حَيْضِهَا الثَّانِي فَلَا تَصُومُهُ، ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا صَوْمُ خَمْسَةٍ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمَيْنِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ فِي الْمَفْصُولِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يُجْزِي فِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمَيْنِ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُهَا لِتَتَيَقَّنَ بِجَوَازِ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْهَا.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي شَرْحِ رِسَالَةِ الْبَرْكَوِيِّ: إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ إِلاَّ إِذَا فَرَضْنَا فَسَادَ سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ مَعَ فَرْضِ مُصَادَفَةِ أَوَّلِ الْقَضَاءِ لِأَوَّلِ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنِ اجْتِمَاعُ الْفَرْضَيْنِ لَا يَلْزَمُ قَضَاءُ ثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ بَلْ أَقَلُّ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا طَرْدَ بَعْضِ الْفَصْلِ بِالتَّسْوِيَةِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي بِإِسْقَاطِ مُؤْنَةِ الْحِسَابِ، فَمَتَى قَاسَتْ مُؤْنَتَهُ فَلَهَا الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ.

وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ السَّابِقَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَإِنَّمَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِجَوَازِ الصَّوْمِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِفَسَادِهِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ لَا يَجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي سَبْعَةٍ مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ لِأَنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا عَلَى تَقْدِيرِ حَيْضِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ.

وَكَانَ قَضَاؤُهَا فِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ لِجَوَازِ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمُهَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِيهَا فِي أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ يُجْزِيهَا فِي يَوْمٍ، وَقَوْلُ ابْنِ عَابِدِينَ السَّابِقُ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ فَتَقْضِي فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنَّمَا كَانَ قَضَاؤُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ، أَمَّا فِي الْوَصْلِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بَقِيَّةُ الْحَيْضِ، ثُمَّ طُهْرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَيْضُهَا عَشْرَةٌ، فَالْفَاسِدُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْهَا مَوْصُولَةً فَيَوْمُ الْعِيدِ أَوَّلُ طُهْرِهَا وَلَا تَصُومُهُ، ثُمَّ يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ لَا يُجْزِي فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي يَوْمٍ وَالْجُمْلَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ حَيْضَهَا عَشَرَةٌ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَخَمْسَةٌ مِنْ آخِرِهِ تَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ شَوَّالٍ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ لَا تُجْزِيهَا لِأَنَّهَا بَقِيَّةُ حَيْضِهَا، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ تُجْزِيهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَحْوَطُ فَيَلْزَمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَأَمَّا فِي الْفَصْلِ فَلِاحْتِمَالِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْقَضَاءِ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا يُجْزِيهَا الصَّوْمُ فِي عَشْرَةٍ ثُمَّ يُجْزِي فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ إِنَّهَا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، لِأَنَّهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَتِسْعَةً مِنْ آخِرِهِ، أَوْ عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَأَرْبَعَةً مِنْ آخِرِهِ، فَالْفَاسِدُ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهِ كَأَنْ حَاضَتْ لَيْلَةَ السَّادِسِ وَطَهُرَتْ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْفَاسِدُ فِيهِ عَشْرَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ أَوَّلُ الْقَضَاءِ وَهُوَ ثَانِي شَوَّالٍ أَوَّلَ طُهْرِهَا فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتُجْزِيهَا، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ ثَانِي شَوَّالٍ سَادِسَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ خَمْسَةً لَا تُجْزِيهَا، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَتُجْزِيَهَا، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ يَكُونُ أَوَّلُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَتَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِي ثُمَّ عَشْرَةً مِنَ الطُّهْرِ فَتُجْزِيهَا عَنِ الْعَشْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَالْجُمْلَةُ عِشْرُونَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِيهَا قَضَاءُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّانِي تِسْعَةَ عَشَرَ، وَعَلَى الثَّالِثِ عِشْرِينَ فَتَلْزَمُهَا احْتِيَاطًا، كَمَا أَنَّهَا تَقْضِي فِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْفَاسِدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَنَّ الْقَضَاءَ وَافَقَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ حَيْضِهَا فَتَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِي ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ تُجْزِي وَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مُطْلَقًا بِالْوَصْلِ وَالْفَصْلِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ بِالنَّهَارِ يَفْسُدُ مِنْ صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ، فَإِذَا قَضَتْ مُطْلَقًا احْتَمَلَ أَنْ يُوَافِقَ أَوَّلُ الْقَضَاءِ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ لَا تُجْزِئُ ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ تُجْزِئُ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ تَخْرُجُ بِهَا عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ صَوْمِهَا عَشْرَةٌ فَتَقْضِي ضِعْفَهَا لِاحْتِمَالِ مُوَافَقَةِ الْقَضَاءِ أَوِ الْحَيْضِ، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ عَدَدَ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ.

أَمَّا إِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَطُهْرَهَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ، وَعَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ، فَإِنَّهَا تَقْضِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُطْلَقًا وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي عِشْرِينَ مُطْلَقًا، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تِسْعَةٌ وَفِي الثَّانِي عَشَرَةٌ، فَتَقْضِي ضِعْفَ ذَلِكَ، لِاحْتِمَالِ اعْتِرَاضِ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الْقَضَاءِ.

وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَسِيَتْ طُهْرَهَا فَإِنَّهُ يُحْمَلُ طُهْرُهَا عَلَى الْأَقَلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ إِنْ كَانَ رَمَضَانُ تَامًّا وَعَلِمَتِ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ فَإِنَّهَا تَقْضِي تِسْعَةً مُطْلَقًا، وَصَلَتْ أَوْ فَصَلَتْ، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ حَاضَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَقَدْ فَسَدَ مِنْ صَوْمِهَا سِتَّةٌ، فَإِذَا وَصَلَتِ الْقَضَاءَ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثَةً فَتَفْسُدُ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ اعْتِرَاضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ يَوْمِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي سِتَّةٍ فَتَصِيرُ تِسْعَةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ لَهَا بَعْدَ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْفِيهَا، وَأَمَّا إِذَا فَصَلَتْ فَتَقْضِي تِسْعَةً كَمَا فِي التَّمَامِ.

وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ ابْتِدَاءَهُ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ فَإِنَّهَا تَقْضِي اثْنَيْ عَشَرَ مُطْلَقًا، لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ فَيَفْسُدُ صَوْمُهَا فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ فَقَدْ فَسَدَ ثَمَانِيَةٌ، فَإِذَا قَضَتْ مَوْصُولًا جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ ثُمَّ يَجُوزُ ثَلَاثَةٌ تَمَامَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ، فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا فَإِذَا وَصَلَتْ جَازَ بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ سِتَّةٌ تَكْمِلَةَ طُهْرِهَا الثَّانِي، ثُمَّ يَفْسُدُ أَرْبَعَةٌ، ثُمَّ يَجُوزُ يَوْمَانِ تَمَامَ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا فَصَلَتِ احْتَمَلَ عُرُوضَ الْحَيْضِ فِي أَوَّلِ الْقَضَاءِ فَيَفْسُدُ فِي أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يَجُوزُ فِي ثَمَانِيَةٍ فَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَوْضُوعِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الِاحْتِيَاطِ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: النَّاسِيَةُ لِوَقْتِهَا وَعَدَدِهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً يَكُونُ ذَلِكَ حَيْضَهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَهِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَطُوفُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تَجْلِسُ أَقَلَّ الْحَيْضِ.

ثُمَّ إِنْ كَانَتْ تَعْرِفُ شَهْرَهَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ جَلَسَتْ ذَلِكَ مِنْ شَهْرِهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ شَهْرَهَا جَلَسَتْ مِنَ الشَّهْرِ الْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ.

ج- الِاحْتِيَاطُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ

12- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يَحْرُمُ عَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ مُطْلَقًا فَاتِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.

وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إِلاَّ الْأَخِيرَةَ أَوِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنَ الْفَرْضِ، فَلَا تَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السُّورَةَ بَلْ تَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَطْ لِوُجُوبِهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَتِهَا لِلْقُنُوتِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ، وَكَذَا تُقْرَأُ سَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالْأَذْكَارِ.

وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ مُطْلَقًا خَوْفَ النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ لِقِصَرِ زَمَنِ الْجَنَابَةِ.

وَقِيلَ: تَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْجُنُبِ الْفَاقِدِ لِلطَّهُورَيْنِ.

كَمَا اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى حُرْمَةِ مَسِّهَا لِلْمُصْحَفِ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ حَمْلَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَقَالَ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا تَمْنَعُ الِاسْتِحَاضَةُ شَيْئًا مِمَّا يَمْنَعُ مِنْهُ الْحَيْضُ.

د- الِاحْتِيَاطُ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالطَّوَافِ

13- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ لَهَا أَنْ تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَتُصَلِّيَ فِيهِ لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَمْكُثَ فِيهِ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ إِنْ كَانَ لِغَرَضِ دُنْيَوِيٍّ أَوْ لَا لِغَرَضٍ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِنْ أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ.

وَأَمَّا الطَّوَافُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَا تَطُوفُ إِلاَّ لِلزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ، أَمَّا الزِّيَارَةُ فَلِأَنَّهُ رُكْنُ الْحَجِّ فَلَا يُتْرَكُ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَأَمَّا الْوَدَاعُ فَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، ثُمَّ إِنَّهَا تُعِيدُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ دُونَ الْوَدَاعِ بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِيَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي طُهْرٍ بِيَقِينٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَكَيْفِيَّةُ طَوَافِهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الْإِمْهَالِ كَمَا فِي الصَّوْمِ، فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَصَلَّتْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ قَدْرًا يَسَعُ مِثْلَ طَوَافِهَا وَغَسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيَةً، ثُمَّ تُمْهِلُ حَتَّى يَمْضِيَ تَمَامُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهَا بِغُسْلِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ، وَتُمْهِلُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْلَ وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً، وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ.

وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فَإِنْ قُلْنَا هُمَا سُنَّةٌ كَفَى لَهَا غُسْلُ الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ لِلصَّلَاةِ وُضُوءٌ لَا تَجْدِيدُ غُسْلٍ،

وَالثَّانِي: لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٌ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي. وَالثَّالِثُ: يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ.

هـ- الِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ وَالْعِدَّةِ

- اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَطْءُ الْمُتَحَيِّرَةِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ وَالتَّحْرِيمُ دَائِمًا مُوقِعٌ فِي الْفَسَادِ.

وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يُبَاحُ وَطْؤُهَا حَتَّى وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَحَيِّرَةً إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الزَّوْجُ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ بِهَا أَذًى فَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ وَطْءَ الْحَائِضِ مُعَلِّلًا بِالْأَذَى بِقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أَمَرَ بِاعْتِزَالِهِنَّ عَقِيبَ الْأَذَى مَذْكُورًا بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ذُكِرَ مَعَ وَصْفٍ يَقْتَضِيهِ وَيَصْلُحُ لَهُ عُلِّلَ بِهِ، وَالْأَذَى يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً فَيُعَلَّلَ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ فِي حَقِّهَا. نَفَقَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ

15- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ: الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ.

وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إِيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ بِالْوَطْءِ أَوْ بِدَوَاعِيهِ وَالثَّانِي مَوْجُودٌ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ، وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ فَإِنَّهُمْ أَوْجَبُوا نَفَقَةَ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ بَذَلَتِ الرَّتْقَاءُ أَوِ الْحَائِضُ أَوِ النُّفَسَاءُ أَوِ النِّضْوَةُ الْخَلْقِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا أَوِ الْمَرِيضَةُ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ حَدَثَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُمْكِنٌ وَلَا تَفْرِيطَ مِنْ جِهَتِهَا.

وَالْمَالِكِيَّةُ تَخْرُجُ الْمُتَحَيِّرَةُ عِنْدَهُمْ مِنْ تَحَيُّرِهَا بِاسْتِيفَاءِ تَمَامِ حَيْضِهَا بِنِصْفِ شَهْرٍ أَوْ بِالِاسْتِظْهَارِ ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّ شُرُوطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ: السَّلَامَةُ مِنَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ، وَبُلُوغُ الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةُ الزَّوْجَةِ لِلْوَطْءِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ صَالِحَةٌ لِلْوَطْءِ.

عِدَّةُ الْمُتَحَيِّرَةِ

16- ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدٍ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِاشْتِمَالِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى طُهْرٍ وَحَيْضٍ غَالِبًا، وَلِعِظَمِ مَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ إِلَى سِنِّ الْيَأْسِ، وَلِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرْتَابَةٌ فَدَخَلَتْ فِي قوله تعالى: {إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ - رضي الله عنها- أَنْ تَجْلِسَ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فَجَعَلَ لَهَا حَيْضَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ تَتْرُكُ فِيهَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَيَثْبُتُ فِيهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ فَيَجِبُ أَنْ تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي طَلُقَتْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عُدَّتِ الْبَقِيَّةُ قُرْءًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى طُهْرٍ لَا مَحَالَةَ، وَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِهِلَالَيْنِ، فَإِنْ بَقِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلُّ لَمْ تُحْتَسَبْ تِلْكَ الْبَقِيَّةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَيْضٌ فَتَبْتَدِئُ الْعِدَّةَ مِنَ الْهِلَالِ؛

لِأَنَّ الْأَشْهُرَ لَيْسَتْ مُتَأَصِّلَةً فِي حَقِّ الْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنَّمَا حُسِبَ كُلُّ شَهْرٍ فِي حَقِّهَا قُرْءًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ غَالِبًا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ تَحِضْ وَالْآيِسَةِ حَيْثُ يُكْمِلَانِ الْمُنْكَسِرَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ هَذَا فِي شَأْنِ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَمْ تَحْفَظْ قَدْرَ دَوْرَتِهَا، أَمَّا إِذَا حَفِظَتْ قَدْرَ الْأَدْوَارِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَمْ أَقَلَّ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَكَذَا لَوْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ أَدْوَارِهَا وَلَكِنَّهَا قَالَتْ: أَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ سَنَةً مَثَلًا: أَخَذَتْ بِالْأَكْثَرِ وَتَجْعَلُ السَّنَةَ دَوْرَهَا، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ.

وَقِيلَ: تَعْتَدُّ الْمُتَحَيِّرَةُ بِمَا ذُكِرَ بَعْدَ الْيَأْسِ لِأَنَّهَا قَبْلَهُ مُتَوَقِّعَةٌ لِلْحَيْضِ الْمُسْتَقِيمِ.

وَأَضَافُوا: إِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْرِيمِ نِكَاحِهَا، أَمَّا الرَّجْعَةُ وَحَقُّ السُّكْنَى، فَإِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ قَطْعًا.

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: اعْلَمْ أَنَّ إِطْلَاقَهُمْ فِي الِانْقِضَاءِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ النَّاسِيَةِ لِعَادَتِهَا لَا يَصِحُّ إِلاَّ فِيمَا إِذَا طَلَّقَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ، أَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا مَضَى مِنَ الشَّهْرِ قَدْرُ مَا يَصِحُّ حَيْضَةً يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ غَيْرَ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ سَنَةً بِمَنْزِلَةِ مَنْ رُفِعَتْ حَيْضَتُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهَا قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا كَانَتْ قَدِ اخْتَلَطَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ إِقْبَالَ الدَّمِ وَإِدْبَارَهُ اعْتَدَّتْ لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَحَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ؟ تَجْلِسُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ بِهَا حَمْلٌ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ سَنَةٌ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَعْتَدُّ بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ اسْتِبْرَاءً لِزَوَالِ الرِّيبَةِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَمْلِ غَالِبًا ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَتَحِلُّ بَعْدَ السَّنَةِ، حُرَّةً كَانَتْ أَمْ أَمَةً، وَقِيلَ: إِنَّ السَّنَةَ كُلَّهَا عِدَّةٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ.

وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَأَمَّا مُمْتَدَّةُ الْحَيْضِ أَيْ مُمْتَدَّةُ الدَّمِ أَوِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُتَحَيِّرَةُ الَّتِي نَسِيَتْ عَادَتَهَا، فَالْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَقْدِيرُ طُهْرِهَا بِشَهْرَيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ لِلْأَطْهَارِ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِشَهْرٍ احْتِيَاطًا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ حَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ.

وَيَرَى الْمَيْدَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ- وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ- أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشَرَةٍ وَطُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إِلاَّ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشَرَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ حَيْضِهَا فَلَا تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ وَذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ إِلاَّ سَاعَةً، ثُمَّ يُحْتَاجُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَثَلَاثِ حِيَضٍ.

وَقَالَ فِي عُمَدِ الْأَدِلَّةِ: الْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِوَقْتِ حَيْضِهَا تَعْتَدُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّنَا مَتَى حَكَمْنَا بِأَنَّ حَيْضَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَمَضَى لَهَا شَهْرَانِ بِالْهِلَالِ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِنْ قُلْنَا الْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ فَطَلَّقَهَا فِي آخِرِ شَهْرٍ ثُمَّ مَرَّ لَهَا شَهْرَانِ وَهَلَّ الثَّالِثُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا.

ثَانِيًا: الْمُتَحَيِّرَةُ فِي النِّفَاسِ

17- يَجِبُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ حِفْظُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عَدَدًا وَمَكَانًا فَإِنْ أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَلَمْ يُجَاوِزِ الدَّمُ أَرْبَعِينَ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّهُ نِفَاسٌ كَيْفَ كَانَتْ عَادَتُهَا وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ، فَلَا تَقْضِي شَيْئًا مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ.

فَإِنْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ تَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ كَانَ عَادَةً لَهَا قَضَتْ صَلَاةَ الْأَرْبَعِينَ لِجَوَازِ أَنَّ نِفَاسَهَا كَانَ سَاعَةً، وَلِأَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْ كَمْ عَادَتُهَا حَتَّى تُرَدَّ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنْ قَضَتْهَا فِي حَالِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ تُعِيدُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْقَضَاءِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْعِبَادَاتِ وَاجِبٌ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ حُكْمَ صَوْمِهَا إِذَا أَضَلَّتْ عَادَتَهَا فِي النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ مَعًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّهَا إِذَا وَلَدَتْ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ الشَّهْرُ كَامِلًا، وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ أَيْضًا تَصُومُ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ نِفَاسَهَا سَاعَةٌ، ثُمَّ إِذَا قَضَتْ مَوْصُولًا تَقْضِي تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ تَصُومُ تِسْعَةً يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَمَامُ نِفَاسِهَا فَلَا تُجْزِيهَا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، ثُمَّ عَشَرَةً تَحْتَمِلُ الْحَيْضَ فَلَا تُجْزِي، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ هِيَ طُهْرٌ فَتُجْزِي، وَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ صَحَّ مِنْهَا ثَلَاثُونَ.

وَلَوْ وَلَدَتْ نَهَارًا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا بِالنَّهَارِ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ تَقْضِي اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ لِأَنَّهَا تُفْطِرُ يَوْمَ الْعِيدِ، ثُمَّ تَصُومُ عَشَرَةً لَا تُجْزِئُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا آخِرُ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يُجْزِيهَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا تُجْزِي أَحَدَ عَشَرَ، ثُمَّ تَصُومُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ لَهَا فِي الطُّهْرَيْنِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، ثُمَّ تَصُومُ يَوْمَيْنِ تَمَامَ الثَّلَاثِينَ، وَالْجُمْلَةُ اثْنَانِ وَسِتُّونَ.

وَعَلَى هَذَا يُسْتَخْرَجُ حُكْمُ مَا إِذَا قَضَتْهُ مَفْصُولًا وَمَا إِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا وَمَا إِذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَقَطْ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ أَكْثَرَ زَمَنِ النِّفَاسِ إِذَا تَمَادَى مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا سِتُّونَ يَوْمًا ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَلَا تُسْتَظْهَرُ عَلَى السِّتِّينَ كَبُلُوغِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ الْخَرَشِيُّ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْقَوْلِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تُعَوِّلُ عَلَى عَادَتِهَا خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ وَفِي الْإِرْشَادِ: تُعَوِّلُ عَلَى عَادَتِهَا.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَادَةَ النَّاسِيَةَ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ، فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ إِلَى لَحْظَةٍ فِي قَوْلٍ، وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ، وَعَلَى الْمَذْهَبِ تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ، وَرَجَّحَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ- هُنَا- الرَّدَّ إِلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّلِ الْهِلَالِ لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَإِذَا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا، لِأَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ، وَالْمُبْتَدَأَةُ إِذَا جَهِلَتِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ- أَيْضًا- عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَبَدًا، وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدِ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لِالْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ زَادَ دَمُ النُّفَسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَصَادَفَ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ الْحَيْضِ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَإِنْ كَانَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الَّذِي تَقْعُدُهُ أَمْسَكَتْ عَنِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِهَا زَوْجُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي إِنْ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ وَلَا تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


3-موسوعة الفقه الكويتية (مضمضة)

مَضْمَضَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَضْمَضَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّحْرِيكُ، وَمِنْهُ: مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ إِذَا تَحَرَّكَتَا بِالنُّعَاسِ، ثُمَّ اشْتُهِرَ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَتَحْرِيكِهِ.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: هِيَ تَحْرِيكُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ، يُقَالُ: مَضْمَضْتُ الْمَاءَ فِي فَمِي: إِذَا حَرَّكْتَهُ بِالْإِدَارَةِ فِيهِ، وَتَمَضْمَضْتُ فِي وُضُوئِي: إِذَا حَرَّكْتَ الْمَاءَ فِي فَمِي.

وَاصْطِلَاحًا قَالَ الدَّرْدِيرُ وَالنَّوَوِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَيُدِيرَهُ فِيهِ ثُمَّ يَمُجَّهُ، أَيْ يَطْرَحُهُ

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: اسْتِيعَابُ الْمَاءِ جَمِيعَ الْفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ.

وَعَرَّفَهَا ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهَا: إِدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ التَّعَارِيفِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُضَمْضِمَةَ إِدْخَالُ الْمَاءِ إِلَى الْفَمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ.وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِمَا، وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ فِعْلُهُمَا.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُهُمَا، وَإِلاَّ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

2- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَضْمَضَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ: إِنَّ الْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَبَهْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فَالْوَجْهُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مَا حَصَلَتْ بِهِ الْمُوَاجَهَةُ، وَدَاخِلُ الْفَمِ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ» وَذَكَرَ مِنْهَا «الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ»، وَالْفِطْرَةَ سُنَّةٌ، وَذِكْرُهُمَا مِنَ الْفِطْرَةِ يَدُلُّ عَلَى مُخَالَفَتِهِمَا لِسَائِرِ الْوُضُوءِ، وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِلْأَعْرَابِيِّ: «تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ».قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ صَلَّى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يُحْسِنْهَا، فَعَلِمَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ الَّتِي تُفْعَلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَتُشَاهَدُ أَعْمَالُهَا، فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا وَوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ»، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سُنَنَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ لِئَلاَّ يُكْثِرَ عَلَيْهِ فَلَا يَضْبِطْهَا، فَلَوْ كَانَتِ الْمَضْمَضَةُ وَاجِبَةً لَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، لَا سِيمَا فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَفِيَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُشَاهَدُ، فَكَيْفَ الْوُضُوءُ الَّذِي يَخْفَى.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْلِ، وَسُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، وَبَهْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَدَاخِلُ الْفَمِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهَا، أَمَّا مَا سِوَى الْوَجْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْوَجْهُ، لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَادَةً، وَالْفَمُ لَا يُوَاجِهُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ.

وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَضْمَضَةِ فِي الْغُسْلِ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَطْهِيرُ الْبَدَنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} أَيْ طَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْجٍ، ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ وُجُوبَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ»، وَقَالُوا: فِي الْأَنْفِ شَعَرٌ وَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَشْهُورِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِسْحَاقُ وَعَطَاءٌ: إِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّهَارَتَيْنِ أَيِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ»، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ.

كَيْفِيَّةُ الْمَضْمَضَةِ

3- قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِيُمْنَاهُ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عُثْمَانَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ..ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَعَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه-: «أَنَّهُ أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ فَمَلأَ فَمَهُ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا».

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْيَمِينِ سُنَّةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ- رضي الله عنهما- أَنَّهُ اسْتَنْثَرَ بِيَمِينِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ- رضي الله عنه-: جَهِلْتُ السُّنَّةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ- رضي الله عنه-: كَيْفَ أَجْهَلُ وَالسُّنَّةُ خَرَجَتْ مِنْ بُيُوتِنَا، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْيُمْنُ لِلْوَجْهِ، وَالْيَسَارُ لِلْمَقْعَدِ».وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَضْمَضَةُ بِالْيَمِينِ وَالِاسْتِنْشَاقُ بِالْيَسَارِ، لِأَنَّ الْفَمَ مَطْهَرَةٌ، وَالْأَنْفَ مَقْذَرَةٌ، وَالْيَمِينُ لِلْأَطْهَارِ، وَالْيَسَارُ لِلْأَقْذَارِ.

4- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَتِمَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، أَيْ أَنْ تَتِمَّ الْمَضْمَضَةُ بِثَلَاثِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِثَلَاثِ، لِأَنَّ الَّذِينَ حَكَوْا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَخَذُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاءً جَدِيدًا، وَلِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُنْفَرِدَانِ فَيُفْرِدُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَاءٍ عَلَى حِدَةٍ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ مُسْتَحَبَّانِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ: أَيُّهُمَا أَعْجَبُ إِلَيْكَ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ بِغَرْفَةِ وَاحِدَةٍ، أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ؟ قَالَ: بِغَرْفَةِ وَاحِدَةٍ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ- رضي الله عنهما-.

قَالَ الْبُوَيْطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ أَفْرَدَ الْمَضْمَضَةَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ، وَالِاسْتِنْشَاقَ بِثَلَاثِ جَازَ، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةِ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَنَّهُ فَصَّلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ»، لِأَنَّ الْفَصْلَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْغَسْلِ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّ فِيهَا طَرِيقَيْنِ، الصَّحِيحُ: أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا: الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَفْضَلُ.وَالثَّانِي: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفَضْلُ.

التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَغَيْرِهَا:

5- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى التَّقْدِيمِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَسْلِ بَقِيَّةِ الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْأَنْفَ وَالْفَمَ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَلَكِنْ مِنَ الْمُسْتَحَبِّ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمَا قَبْلَ الْوَجْهِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- ذَكَرَ أَنَّهُ بَدَأَ بِهِمَا إِلاَّ شَيْئًا نَادِرًا.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ سَوَاءٌ جَمَعَ أَوْ فَصَلَ بِغَرْفَةٍ أَوْ بِغَرَفَاتٍ، وَفِي هَذَا التَّقْدِيمِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمِّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ شَرْطٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا يُحْسَبُ الِاسْتِنْشَاقُ إِلاَّ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ، لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُخْتَلِفَانِ فَاشْتُرِطَ فِيهِمَا التَّرْتِيبُ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ.

6- أَمَّا التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ غَيْرَ الْوَجْهِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ:

إِحْدَاهُمَا: يَجِبُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهَا مِنَ الْوَجْهِ فَوَجَبَ غَسْلُهَا قَبْلَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلْآيَةِ وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجِبُ، بَلْ لَوْ تَرَكَهَا فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى تَمَضْمَضَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدِ الْوُضُوءَ، لِمَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ- رضي الله عنه-: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بِوُضَوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا»، وَلِأَنَّ وُجُوبَهَا بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ التَّرْتِيبِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهَا.

الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ:

7- قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ: أَنْ يَبْلُغَ الْمَاءُ إِلَى أَقْصَى الْحَنَكِ وَوَجْهَيِ الْأَسْنَانِ وَاللِّثَاتِ.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا تَوَضَّأْتَ فَأَبْلِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مَا لَمْ تَكُنْ صَائِمًا».وَلِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِيهِمَا مِنْ بَابِ التَّكْمِيلِ فِي التَّطْهِيرِ فَكَانَتْ مَسْنُونَةً إِلاَّ فِي حَالِ الصَّوْمِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْرِيضِ الصَّوْمِ لِلْفَسَادِ.وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالصَّيْمَرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يُبَالِغُ الصَّائِمُ فِي الْمَضْمَضَةِ دُونَ الِاسْتِنْشَاقِ لِأَنَّ الْمُتَمَضْمِضَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ رَدِّ الْمَاءِ عَنْ وُصُولِهِ إِلَى جَوْفِهِ، بِطَبَقِ حَلْقِهِ، وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالْخَيْشُومِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَأَمَّا الصَّائِمُ فَتُكْرَهُ لَهُ الْمُبَالَغَةُ لِئَلاَّ يَفْسُدَ صَوْمُهُ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنْ وَقَعَ وَوَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

الْمَضْمَضَةُ فِي الصَّوْمِ:

8- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ فَدَخَلَ الْمَاءُ جَوْفَهُ فَسَدَ صَوْمُهُ إِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ وَصَلَ لِحَلْقِهِ أَوْ مَعِدَتِهِ شَيْءٌ يَغْلِبُ سَبْقُهُ إِلَى حَلْقِهِ مِنْ أَثَرِ مَاءِ مَضْمَضَةٍ أَوْ رُطُوبَةِ سِوَاكٍ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الْفَرْضِ خَاصَّةً، وَأَمَّا وُصُولُ أَثَرِ الْمَضْمَضَةِ لِلْحَلْقِ فِي صَوْمِ النَّفَلِ فَلَا يَفْسُدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ أَوِ اسْتَنْشَقَ فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ دِمَاغِهِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: إِنْ بَالَغَ أَفْطَرَ وَإِلاَّ فَلَا، وَالثَّانِي: يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: لَا يُفْطِرُ مُطْلَقًا، وَالْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّوْمِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ أَوِ اسْتَنْشَقَ فِي الطَّهَارَةِ فَسَبَقَ الْمَاءُ إِلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا إِسْرَافٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا قَصْدٍ، فَأَمَّا إِنْ أَسْرَفَ فَزَادَ عَلَى الثَّلَاثِ أَوْ بَالَغَ فَقَدْ فَعَلَ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ يُتَعَرَّضُ بِذَلِكَ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى حَلْقِهِ، فَإِنْ وَصَلَ إِلَى حَلْقِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يُفْطِرُ، وَالثَّانِي: لَا يُفْطِرُ بِهِ لِأَنَّهُ وَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَشْبَهَ غُبَارَ الدَّقِيقِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَضْمَضَةِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْمَضْمَضَةِ لِلطَّهَارَةِ إِنْ كَانَتْ لِحَاجَةِ.

الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ الطَّعَامِ

9- الْمَضْمَضَةُ مُسْتَحَبَّةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ، لَمَا رَوَى سُوَيْدٌ بْنُ النُّعْمَانِ- رضي الله عنهما- إِنَّهُ «خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ- وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ- صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالْأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ- أَيْ بُلَّ بِالْمَاءِ لِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْيُبْسِ- فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ».

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ، فَفَائِدَةُ الْمَضْمَضَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَكْلِ السَّوِيقِ وَإِنْ كَانَ لَا دَسَمَ لَهُ أَنْ تَحْتَبِسَ بَقَايَاهُ بَيْنَ الْأَسْنَانِ وَنَوَاحِي الْفَمِ فَيَشْغَلُهُ تَتَبُّعُهُ عَنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ.

وَكَذَلِكَ تُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ بَعْدَ شُرْبِ اللَّبَنِ لَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: إِنَّ لَهُ دَسَمًا»، فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- الْعِلَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ دَسِمٍ.

وَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: تُسَنُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ، لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- تَمَضْمَضَ بَعْدَهُ بِمَاءِ، وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا»، وَشِيبَ لَهُ بِمَاءِ فَشَرِبَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ذَكَرَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ مِنْ أَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ وَاللِّثَةِ، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ بَعْدَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخَبَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسِّلَامُ تَمَضْمَضَ وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا».

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: تُسْتَحَبُّ مِنْ غَيْرِ اللَّبَنِ مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ، لِئَلاَّ يَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا فِي الصَّلَاةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com