نتائج البحث عن (وَأَخْبَرْنَا)

1-معجم متن اللغة (عناية العرب بلغتهم 1)

عناية العرب بلغتهم:

تقدم القول أن العرب كانوا أهل بادية وحاضرة؛ فالبادية من مشارف الشام إلى حدود اليمن يدخل فيها الحجاز ونجد وتهامة واليمامة وأرض عمان؛ وفيها مدن قليلة كمكة ويثرب والطائف، على أن مكة لم تنتقل من الوبر إلى المدر إلا بعد أن بنى قصي بن كلاب دار الندوة؛ وأما الحاضرة

فهي اليمن وما إليها من أرض حضر موت والشحر وفيها بواد فسيحة؛ وفي جنوبي فلسطين بدوي حضري؛ وفي أرض حوران عمرت بصرى، وكان من مدنهم في الشمال البتراء.

كانوا على عزلتهم في ديارهم هذه وعزة نفوسهم التي لم تستذلها الدول العظمة المكتنفة أرضهم، كانوا يرون أنفسهم في غبطة وسرور من حال ألفوها، وشاعرهم ينشد في باديته القفراء مفتخرًا بنعيم عيشه فيقول:

«إذا ما شربنا كل يوم مذيقة، *** وخمس تميرات صغار حوامز»

«فنحن ملوك الناس شرقًا ومغربًا، *** ونحن أسود الغاب وقت الهزاهز»

«وكم ممتن عيشة لا ينالها، *** ولو نالها أضحى بها جد فائز! »

كانوا وهم في هذه الحال في حرز حريز من أن يتطرق إلى لغتهم الصافية ما يكدرها، ويحرصون عليها حرص الشحيح على ماله، حتى أصبح ذلك خلة راسخة في نفوسهم وملكة ثابتة في طباعهم.

وتعدى ذلك إلى أتباعهم وحواشيهم.

قال الجاحظ: "رأيت عبدًا أسود لبني أسد، قدم علينا من اليمامة فبعثوه ناطورًا في البساتين.

وكان وحشًا لطول تغربه في اليمامة ورعي الإبل، فأصبح بعد أن صار ناطورًا لا يجتمع إلا بالأكراد وفلاحي النبط الفاسدي اللغة، فكان لا يفهم منهم ولا يفهمون منه؛ فلقيته يومًا فأنس بي، وكان مما قال لي: أبا عثمان، لعن الله بلادًا ليس فيها عرب! أبا عثمان، إن هذه العرب في جميع الناس كمقدار القرحة في جلد الفرس، فلولا أن الله رق عليهم، فجعلهم في حاشية الأرض، لطمست هذه العجمان آثارهم..

أنف هذا العبد الأسود الزنجي العرق السكني في بلاد ليس فيها عرب، ولعن البلاد الخالية منهم.

ويقول: إن من نعمة الله عليهم أن عزلهم في ناحية من الأرض لتبقى لغتهم سليمة من التحريف.

ويدلنا كلامه على تغير عظيم في اللغة وتباعد بين لغة عرب اليمامة ومستعربي الأمصار حتى عسر التفاهم بينهم.

رأى العرب، وهم في هذه العزلة بل هذه العزة، أنهم فوق الأمم مجدًا وشرف محتد وطيب عنصر وعزة نفس وإباء ضيم.

وهذه امرأة بدوية، وهي ليلى بنت لكيز، لم ترض أن تكون في نساء كسرى ملك العجم، لما حملت إليه مكرهة، فتقول: "

«يكذب الأعجم ما يقربني، *** وعمي بعض حساسات الحيا»

«غللوني قيدوني ضربوا *** ملمس العفة مني بالعصا! »

تنبز كسرى، ملك الملوك، بالأعجم احتقارًا لسلطانه لأنه غير عربي.

وتفر من النعمة السابغة"

والعيش الهني في حرم كسرى، مفضلة عليها سكنى الوبر وعيشه الخشن وطعامه الجشب في ظل الحرية والانطلاق، وحرصًا على الدم العربي أن يشاب بدم غيره، فلا يقربها الأعجم ما دام معها بعض حساسات الحياة، ولو كان له ملك كسرى! وإذا عرض الشك في صحة هذه القصة فإن النعمان، عامل كسرى، قد امتنع أن يزوج إحدى بناته من كسرى، لا جهلًا بمقام كسرى، ولا اعتقادًا منه بأنه أعلى منه شرفًا ومنزلة، ولكنه امتنع خوفًا من العار الذي يلحقه بين العرب من أنه زوج ابنته من غير عربي، وإن كان ملك الملوك، فيحط بذلك منزلة بناته بزواجهن من غير الأكفاء، ولا كفؤ للعربي إلا العربي.

امتنع النعمان فأثار حفيظة كسرى، فقتله بين أرجل الفيلة؛ ولكن أمته العربية الأبية ثارت له لأنه قتل في سبيل الشرف العربي؛ فكانت وقعة ذي قار.

بهذه الخلة قل امتزاجهم بالأمم، فقل التحريف والتبديل في لغتهم؛ وليس هذا وحده، بل انصرفوا بجهودهم كلهم إلى العناية بتحسين اللغة وصقلها، ما شاءت لهم قرائحهم وعلومهم.

لذلك بلغت لغتهم هذا المبلغ من السلعة في المادة وفي مراعاة مقتضى الحال بإيجاز الكلام أو إطنابه، وفي الرواء والعذوبة.

عناية الأئمة بحفظ لغة القرآن والسنة وتدوينها

جاء القرآن بأفصح لغات العرب.

ودان العرب بالإسلام دين القرآن.

وجرت السنة النبوية هذا المجرى؛ فكانت لغة القرآن والسنة أولى بالتدوين والحفظ، لما آن أوانها وأخذت سنة التطور طريقها في اللغة الفصحى، منذ خرج العرب من عزلتهم واختلطوا بالأعاجم، ودخل الأعاجم في سلطانهم.

وكان لهم ما للمسلمين العرب، وعليهم ما عليهم من حرية وإخاء ومساواة.

وبعد أن كثر تسريبهم بالأعجميات لكثرة السبي في أيديهم، يوم اتسعت فتوحاتهم، وشعر أبو الأسود الدؤلي، أقدم أئمة العربية، ببادرة من التغير بدرت على لسان ابنته إذ قالت لأبيها متعجبة وقد نظرت إلى السماء ونجومها في لسلة صافية: "ما أحسن السماء" فرفعت أحسن، وح

فأدركت خطأها وقالت: أنا متعجبة ولست بمستفهمة.

فهب أبو الأسود إلى إمام المسلمين والعرب في العلم والعمل، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأخذ منه أصول النحو.

فعكف القوم بعد هذا على تقرير قواعد اللغة والنحو واختيار الفصيح من الكلام.

وعمل الأئمة على التقاط فرائد اللغة من البوادي البعيدة عن الأمصار، لبعدها عن مجاورة الأعاجم وفاسدي اللغة.

فكانت رحلة الأئمة إلى بوادي الحجاز وتهامة ونجد واليمامة.

قال الفارابي في أول كتابه المسمى "الألفاظ والحروف": "كانت قريش أجود العرب لأفصح الألفاظ، وأسهلها على اللسان، وأحسنها مسموعًا، وأبينها إبانة عما في النفس.

والذين نقلت عنهم العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين القبائل العربية هم: قيس وتميم وأسد.

فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه.

وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف.

ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين؛ ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل.

وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البوادي ممن كان يسكن أطراف البلاد المجاورة لسائر الأمم حولهم.

فلم يؤخذ عن لخم ولا عن جذام لمجاوراتهم أهل فارس، ولا عن قضاعة وغسان لمجاورتهم أهل الشام، وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية، ولا عن تغلب واليمن فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا عن بكر لمجاورتهم للفرس، ولا عن عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحر

كان الباحث عن اللغة في بوادي العرب يقامر بنفسه، غير مبالٍ بحرها ولا ببردها ولا بخشونة عيشها ورتق مشربها، السنين الطوال ليكتب عن فضائحهم شيئًا من كلامهم.

وروي أن الكسائي أنفذ خمس عشرة قنينة من الحبر في الكتابة عنهم.

وكان الإمام منهم يفضل استفادة كلمة واحدة على حمر النعم.

ويروي عن أبي عمرو ابن العلاء قال: "إني كنت هاربًا من الحجاج بن يوسف، وكان يشتبه علي "فرجة" هل بالفتح أو بالضم، فسمعت قائلًا يقول: "

«ربما تجزع النفوس من الأمر *** له فرجة كحل العقال»

فحرك الفاء بالفتح، ثم قال: ألا إنه مات الحجاج؛ قال أبو عمرو: فما أدري بأيهما كنت اشد فرحًا: أبقوله فرجة، بفتح الفاء، أو بقوله مات الحجاج! "

وكان من مزيد عناية القوم باللغة أن ميزان التفاضل بين الأئمة وحملة اللغة كان سعة معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها.

وكان الأمراء والملوك والخلفاء وأعيان الأمة يتسابقون إلى تأديب أبنائهم، أي تعليمهم الأدب العربي من اللغة والنحو والشعر وأخبار العرب ومفاخراتهم"

ومنافراتهم، ليحفظوا كلامهم ويقووا به ملكاتهم اللغوية.

وكان أكبر عيب في الشريف العربي أن يلحن في كلامه، فلا يأتي بالحركات الإعرابية أو الحركات اللغوية على وجهها؛ كل ذلك كان في سبيل حفظ اللغة ورونقها وجدتها، وتقوية ملكة الفصاحة في النفوس.

بدء انحراف العامية عن الفصحى

قلنا: إن أبا الأسود الدؤلي رأى بادرة التغير في كلام ابنته، فلجأ إلى أمير المؤمنين علي ووضع أصول النحو.

والظاهر أن بدء الانحراف كان قبل ذلك، وعلى كل حال لم يكن قبل عصر الراشدين.

وأول ما سمع ذلك في الحركات الإعرابية زمن خلافة أمير المؤمنين عمر، رضي الله عنه، على ما جاء في طبقات الأدباء لابن الانباري؛ وذلك أنه قدم أعرابي في زمن خلافته فقال: "من يقرئني شيئًا مما أنزل على محمد؟ " فأقرأه رجل سورة براءة وقال: "إن الله برئ من المشركين ورسوله "بالجر، فقال الأعرابي: "أو قد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فبلغ ذلك عمر فدعاه وقال له: أتبرأ من رسول الله يا أعرابي؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت: "من يقرئني؟ " فأقرأني هذا سورة براءة فقال: "إن الله يبرئ من المشركين ورسوله" فقلت: "أوفد برئ الله من رسوله؟ إن يكن الله برئ منه فأنا أبرأ منه! " فقال عمر: "ليس هذا يا أعرابي".

فقال: "كيف يا أمير المؤمنين؟ " قال عمر: "إن الله برئ من المشركين ورسوله" ورفع رسوله، فقال الإعرابي: وأنا أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم.

فأمر عمر أن لا يقرئ القرآن إلا عالم باللغة.

وكان أهل الحاضرة يومئٍذ، كيثرب، فيهم العلماء باللغة وغير العلماء، ولهذا خصص عمر أمره بالعالم باللغة.

وروى عاصم قال: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد، وهو أمير البصرة، فقال: إنني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم، وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال زياد: لا تفعل؛ قال: وجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير! توفي أبانا وترك بنون؛ فقال زياد يرجع كلامه: توفي أبانا وترك بنون؟ ادع لي أبا الأسود؛ فلما جاءه قال: "ضع للناس ما كنت نهيتك عنه.

وسئل أبو الأسود: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفقت حدوده من علي بن أبي طالب.

وأما اللحن في بناء الكلمة فكان بعد ذلك العهد.

ويظهر أنه كان في سكان الحاضرة أيضًا، ولم يأتِ زمن الحجاج حتى فشا اللحن في كلمات اللغة، وحتى صار يستهجن الفصيح في كلمات العامة.

قال في الطبقات: "قال محمد بن سلام: أخبرني أبي أن يزيد بن الملهب كتب إلى الحجاج: إنا لقينا العدو ففعلنا وفعلنا واضطررناه إلى عرعرة الجبل.

فقال الحجاج: ما لابن المهلب وهذا الكلام؟ فقيل له: إن يحيي بن المعمر عنده.

فقال: ذاك إذًا.

ويحيي بن المعمر هذا هو من حملة اللغة وأئمتها."

سارت العامة على خطها المنحرف، وامتد سيرها هذا لما كثر توغل العرب الفاتحين في بلاد الأعاجم، وكلما امتد السير زادت بعيدًا عن الفصحى؛ إلا أن هذا الطريق لم يكن ممهدًا بل كانت تعترضه عقبات من عناية العلماء بالفصحى، لما رأوا ما منيت به من التحريف، فأخذوا في محاربة هذا الداء، وصنفوا في تقويم العامية وردها إلى الفصحى وتطهيرها، أو تطهير أقلام الكتبة على الأقل، من اللحن.

ونجد كثيرًا من هذه الجهود في مثل: "أدب الكاتب" لابن القتيبة، و "درة الغواص" للحريري.

فلم يكن، والحال هذه، سير العامية في خطتها الملتوي، شديد الاندفاع كما هو الحال في غير العربية من اللغات.

وإن اللغات الراقية اليوم، التي دونت فصحاها بعد تدوين فصحى العربية بقرون، ترى فصحاها بعيدة عن عاميتها أكثر من بعد فصحى العربية عن عاميتها.

يقول جبر ضومط، أستاذ اللغة العربي في الجامعة الأميركية في بيروت، بعد أن أثبت أن للإنكليزية والفرنسية والألمانية- وهي في مقدمة اللغات الراقية في هذا العصر- لغة فصحى مكتبية، ولغة عامية دارجة: " فالمكتبية في أعلى درجات الفصاحة، والدارجة في أحط الدرجات في بعض أقسام لوندرة وباريس وبرلين، عواصم هذه اللغات الثلاث. ثم ذكر أنه تعرف بمستشرق اسوجي جاء بيروت لدرس اللغة العربية الدارجة، وكان عارفًا خبيرًا، فأخبره أن عندهم لغتين: فصحى ودارجة، وأن الدارجة الأجنبية أكثر من الدارجة العربية بعدًا عن الفصحى.

وأنا لا أرتاب في أن اللغة التي حملها الفرنسيس، أيام الحملات الصليبية إلى سورية، لم تكن كاللغة التي حملها حُفَداؤهم إليها في هذه الأيام؛ وأن اللغة التي نظم بها شكسبير قصائده لا يفهمها العامي الإنكليزي اليوم أكثر مما يفهم العربي قصائد المتنبي وأبي العلاء المعري.

ولكن لغة موليير الفرنسية، فيما أحسب، بعيدة عن لغة أميل زولا بعد لغة ملتون الإنكليزية عن لغة دوسكن.

بينما لم تتغير لغة المتنبي عن لغة شوقي وبينهما ألف عام.

إلا أن لغة المتنبي وابن الأحنف والطائيين تخالف لغة الزاجل في شعره اليوم، بل إن لغة الزاجل اليوم تخالف لغة الزاجل في عصر ابن خلدون.

الحركات الإعرابية

في اللغة العربية

من البديهي أن مفردات اللغة مؤلفة من الألفاظ، وأن مادة اللفظ لا تتعدى حروف الهجاء، ولكن للحروف هيئات في اللفظ من حركات وسكون يطلق عليها، على سبيل التغليب، اسم الحركات؛ وهذه الحركات إما عارضة لمادة الكلمة ومبناها، أو عارضة لآخرها.

وتسمى الأولى حركات المباني كما ترى في حركات: غَمر، وغِمر، وغُمر، وغَمِر، وغُمَر، وغَمَر؛ فهذه كلمات ست، وهي مع اتفاقها في الحروف وفي ترتيبها مختلفة المعاني باختلاف حركاتها اختلافًا من أصل الوضع.

وتسمى الثانية حركات الإعراب أو علامات الإعراب لأنها تعرب عن مراد المتكلم بموقع الكلمة من الجملة، ولكنها لا تؤثر بمعنى الكلمة الوضعي شيئًا.

فسعيد في قولك "رأى سعيد أحمد" وهو سعيد نفسه إذا رفعته فاعلًا أو نصبته مفعولًا به، ولكن حاله واقعًا منه الفعل، غير حاله واقعًا عليه؛ وإنما يعرف اختلاف حاليه من اختلاف حركات الإعراب.

فائدتها

لهذه الحركات أثرها في المعنى التركيبي، خاصة وهي تعطي الجملة إيجازًا بديعًا لا مثيل له، فيما أحسب، في غير العربية.

والإيجاز في اللفظ مع الوفاء بالدلالة على المراد من أعظم ميزات اللغة.

انظر إلى قولنا: "ما أحسن زيد" فإنك تجد لهذه الجملة ثلاثة معان تختلف باختلاف الحركات في أواخر كلمتها، مع بقاء مبانيها وتركيبها اللفظي كما هي، فنقول:

1 - " ما أحسن زيدًا! " تنصبها، وأنت تريد التعجب فيكون ذلك قائمًا مقام قولك: "أعجب كثيرًا لحسن زيد".

2 - "ما أحسن ويد؟ " ترفع أحسن وتخفض زيدًا، وأنت تريد الاستفهام، وهي قائمة مقام قولك: "استفهم واسأل عن أحسن شيء في زيد".

3 - " ما أحسن زيد؟ " تفتح أحسن وترفع زيدًا، وأنت تريد الاستفهام أيضًا، وهي قائمة

مقام قولك: "أي شيء من الإحسان فعله زيد".

ثم انظر إلى قولنا: "هذا كريم أحسن منه عالم" فإذا رفعت كريمًا وعالمًا كان المراد شخصين اثنين أحدهما عالم والآخر كريم، ولكن العالم أحسن منه الكريم؛ وإذا نصبتهما كانا شخصًا واحدًا عالمًا وكريمًا، ولكنه في كرمه أحسن منه في علمه.

وانظر إلى قولنا: "كم كتاب قرأت" فإذا جررت كتابًا كنت تريد الإخبار بكثرة ما قرأت من الكتب، وإذا نصبت كنت تريد الاستفهام عن عدد الكتب التي قرأتها.

قال ابن قتيبة في "مشكلات القرآن" ما نصه: "وللعرب الإعراب الذي جعله الله وشيًا لكلامها، وحلية لنظامها، وفارقًا في بعض الأحوال بين الكلامين المتكافئين والمعنيين المختلفين: كالفاعل والمفعول، لا يفرق بينهما، إذا تساوت حالاهما في إمكان أن يكون الفعل لكل واحد منهما، إلا بالإعراب, ولو أن قائلًا قال: هذا قاتل أخي، بالتنوين، وقال آخر: هذا قاتل أخي، بالإضافة، لدل بالتنوين على أنه لم يقتله، وبحذف التنوين على أنه قتله.

ولو أن قارئًا قرأ: "فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون" وترك طريق الابتداء بإنّا، واعمل القول فيها بالنصب، على مذهب من ينصب أن بالقول كما ينصبها بالظن، لقلب المعنى على جهته، وأزاله عن طريقته، وجعل النبي محزونًا لقولهم " إن الله يعلم ما يسر

وقال رسول الله، صلوات الله عليه: "لا يقتل قرشي صبرًا بعد اليوم" فمن رواه جزمًا أوجب ظاهر الكلام أن لا يقتل إن أرتد، ولا يقتص منه وإن قتل؛ ومن رواه رفعًا انصرف التأويل إلى الخبر عن قريش أنه لا يرتد أحد منهم عن الإسلام فيستحق القتل.

أفما ترى الإعراب كيف فرق بينهما؟ ثم قال: "وقد تكتنف الشيء معان فيشتق لكل معنى منها اسم من ذلك الشيء كاشتقاقهم من البطن الخميص "مبطان" وللمنهوم "بطن" وللعليل البطن "مبطون".

انتهى كلام ابن قتيبة.

وإنما اختلف المراد فيما ذكر باختلاف الحركات الإعرابية، مع أن الجمل المذكورة لم يتغير شئ من تركيبها وتنسيقها غير علامات الإعراب.

ولكن المعنى التركيبي قد تغير معها تغيرًا لا يستهان به، كما سمعت من كلام ابن قتيبة.

وكذلك إذا قلت: "علم زيد خالد الكتاب" لا تعلم أيهما المعلم وأيهما المتعلم: فإذا رفعت ونصبت علمت أن المرفوع هو المعلم وأن المنصوب هو المتعلم، تقدم أو تأخر لا فرق، وبقي للتقديم والتأخير فائدة خاصة من البيان، كما شرحه علماء الفصاحة والبلاغة، وإذا طرحت الحركات جانبًا وجعلت الدلالة على الفاعل تقدمه، وعلى المفعول تأخره بأن يكون الفاعل واجب التقديم مطلقًا،

كما إذا كان مقصورين لا تظهر عليهما علامات الإعراب، فاتتك النكات البيانية من المعاني التي يفيدها تقديم ما حقه التأخير أو العكس، وهي إفادات تأتيك من ترتيب الجملة دون زيادة في لفظها؛ وهذا من خصائص العربية فيما أحتسب.

وإني قد أسهبت القول في فوائد الإعراب في اللغة، ليعلم أن القول بتفضيل إهمال الحركات على استعمالها، بحجة أن المعنى لا يفسد بإهمالها، ولأن كل أبناء العربية يفهمون من قولنا "زيد مسافر" بالتسكين، كما يفهمون "زيد مسافر" بالتحريك هو قول باطل.

إنه عجيب حقًا، ولاسيما إذا كان من علامة مدقق ذي علم وغيرةٍ على الفصحى، كصاحب المقتطف الدكتور يعقوب صروف.

وقد ظهر لك مما تقدم أن كثيرًا من الجمل إذا أهمل فيها الإعراب اشتبه على السامع فهمها، لاحتمالها معاني لا يميزها إلا الإعراب، أو إطالتها بكلام مفصل يدل على المعنى المراد.

من أين جاءت؟

من الحقائق التي لا أحسب فيها جدالًا، وإذا كان فهو غير معتمد به، أن العرب الذين تبدوا وقل اختلاطهم بغيرهم من الأمم، كانوا أحفظ للغة وأصون لقديمها من غيرهم، لأن الاختلاط بغير أهل اللغة من أكبر الأسباب في تطورها.

وهذا القديم الذي حفظوه وصانوه بانعزالهم وببداوتهم، إن لم يكن هو نفسه اللغة الأم، أي التي تفرعت عنها اللغات السامية، فهو أقرب اللهجات المتفرعة عنها إليها، لأن المفروض أنه مصون ومحفوظ كل الصون والحفظ أو بعضهما، فلم يكن فيه من التطور ما كان في غيره من الف

وهذه الحقيقة ليست بغريبة عن استنتاج العلماء؛ فقد ذكرها كثير من الباحثين كمسألة لا تحتمل الجدال.

ثم أنه جاء في التاريخ القديم أن اللغة التي انتشرت في المملكة البابلية، قبل زمن حمو رابي بعشرين قرنًا أو أكثر، وهي أم اللغات السامية، كانت ذات حركات للإعراب؛ وأنها قضت أكثر من ألفي عامٍ وهي ذات حياة في سجلات الحكومة ودواوينها وعلى ألسنة العلية من القوم.

وإن كلام العلامة مسبيرو، ظاهر في أن لهجة العامة من سكان المدن والقرى أي أهل الحاضرة، كانت الآرامية.

أما لهجة سكان البوادي، وهم بدو الآراميين، فلم تكن اللغة الآرامية.

إن أهل الحاضرة هم الذين اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم التي كانت فصحى بهذا الامتزاج، وكانت منه اللهجة الآرامية "العامية البابلية"، كما امتزج بعد الإسلام أهل الحاضرة من العرب بغيرهم من الأمم، فاستعجمت لغتهم وكانت منها اللهجة العامية.

هذه اللغة التي ثبتت ألفي عام فأكثر في السجلات الرسمية والدواوين العالية، وعلى ألسنة العلية من القوم، هي ولا ريب اللغة الأم.

وقد كان لها حركات إعرابية، ثم استعجمت في ألسنة العامة من"

أهل الحواضر.

وكان أول ما أضاعته هو حركات الإعراب.

فكانت السريانية القديمة، اللغة المستعجمة المتطورة منها، وهي ليست بذات إعراب؛ لأن ما لا يوجد في الأصل لا يوجد في الفرع.

أما سكان البادية وهم بدو الآراميين أو العرب فلم يفقدوها، فبقيت هذه الحركات ثابتة في لهجاتهم.

وقد حدث مثل ذلك لأهل الحواضر العربية، فأضاعوا حركات الإعراب التي كانت في لغة أهل البوادي منهم باستعجام لغتهم.

وكان أول ما أضاعوه منها هذه الحركات، كما سمعت ما سلف من قضية الأعرابي الذي جاء المدينة في خلافة عمر ليتعلم القرآن، فسمع اللحن في حركات الإعراب وأدى ذلك، بحكم الطبع في ذلك الأعرابي، إلى فهمه غير المراد فأنكره؛ وكما سمعت من قصة ابنة أبي الأسود مع أبيها ا

كان نصيب سكان البوادي الأولين كنصيب سكان البوادي الآخرين في حفظ اللغة بحركاتها الإعرابية ما استطاعوا إليه سبيلًا، وبقدر ما بعدوا عن الأمم الأخرى.

وهكذا نقيس بقياس التمثيل بين العصرين، ونعلم حال القديم الذي لم نره ولا تحققنا خبره، بحال الحديث الذي عرفناه وتحققناه.

ونطمئن إلى القول بأن حركات الإعراب التي كانت في اللغة الأم الأولى قد حفظتها لها البداوة حتى ظهرت في عربيتهم الأخيرة؛ وذلك باستصحاب القهقرى كما يسميه علماء الأصول.

وقد خلت منها اللغات الأخرى الأخوات إلا أثارًا في لغة بطراء ولغة تدمر وأهلها من بقايا العمالقة.

ثم نقول: لكن بدو الآراميين الذين سكنوا البادية العربية، والذين سموا عربًا، لم تذهب منهم هذه الحركات أو أشباهها، بدليل وجودها عند أعقابهم وحفدائهم يوم أخذنا اللغة عنهم، وبدليل أن الذين أخذوها وجدوها راسخة فيهم رسوخ الملكة الطبيعية في النفس، تجري على ألسنتهم في مواقعها دون أدنى قصد أو تعمل ولا كلفة، مما يدل على طول عهدهم بها حتى أصحبت جارية مجرى الطبع.

إن هذه الحركات إذًا متصلة بنا من ميراث اللغة الأولى، أم لغتنا العربية، حفظتها لنا البداوة وحفظها بعد حامليها عن فساد اللسان بالعزلة، وعدم امتزاجهم بالأمم الأخرى.

قلنا: إن هذه الحركات كانت في العرب، واتصلت في الأعقاب على مدى الأحقاب حتى وصلت إلينا.

وسواء أكانت هي كما رأيناها أو اعتراها بعض التحرير، فهي إن لم تكن عينها فليست بعيدة عنها؛ ففي واديها ربيت، وعلى غرارها طبعت، وفي حجرها نشأت، وبدرها غذيت.

والقول بأن العرب عرفوا هذا بمعرفتهم النحو وأنهم احتذوا فيه مثال اليونانيين، فلا أراني كثير الحاجة لدفعه، لأن الإلمام بأحوال العرب قبل الإسلام فضلًا عن الاضطلاع به يكفينا أمره.

وأنى لسكان البادية بمعرفة قواعد النحو كعلم من العلوم؟ وقد سئل أعرابي: أتجر فلسطين؟ فقال: إنني إذًا لقوي، فقيل له: أتهمز إسرائيل؟ فقال: إنني إذًا لرجل سوء! ففهم هذا البدوي، وهو ممن يوثق بعربيته ويتخذ أئمة اللغة كلامه حجة في النحو واللغة، فهو الجر والهمز بمعناهما اللغوي، ولم يكن للمعنى الاصطلاحي أقل مساس بفهمه وعلمه.

إن الإعرابي القادم من البادية إلى الحاضرة ليتعلم القرآن، وهو بعد لم يبل بفساد اللسان، قد عرف تغير المعنى بتغير حركة "ورسوله" لا من حيث أنه رفع وخفض، بل من حيث أن إفادتها مرفوعة غيرها إذا كانت مخفوضة؛ هكذا فطر طبعه ونمت غريزته.

كيف وضعت الحركات؟

إن الذي اتفق عليه المحققون أن وضع اللغات لم يكن بالتنصيص على لفظ خاص لمعنى خاص، وإنما كان الوضع بالتوسع في الاستعمال على قدر الحاجة وتنوعها بامتداد الزمن وتطاول المدة، وعلى حسب ما هو معروف من سنن التطور.

ويبعد في مثل هذه الحال أن توضع الحركات الإعرابية بمثل هذا النحو من الوضع، وأن تكون على هذه الطريقة، لأن الحركات الإعرابية على ما هو الظاهر ليست مما تدعو إليه الحاجة الماسة بأن تكون ركنًا من أركان التفاهم، فلا يتم بدونها، حتى يقال: إنها جاءت على قدر الح

فكيف كانت إذا هذه الحركات الإعرابية؟ هل هي بقايا كلماتٍ كانت تدل على ما تدل عليه علامات الإعراب، ثم اختزلت بتطاول المدة وصقلت بالاستعمال فصارت كما نراها؟"

يقول بهذا القول كثير من العلماء؛ وقد جاء في المقتطف ما نصه: "يستدل علماء اللغات على أن أصل هذه الحركات كلمات اختصرت على تمادي الزمن، وبقيت الحركات دلالة عليها" هذا قوله.

ولكن هل كانت هذه الكلمات، والتي هي أصل هذه الحركات، خاصة بأم اللغة العربية المعربة، وفي حيزها اختصرت هذا الاختصار؟ أو أنها في أمها الأولى ثم جاءت إليها بالإرث؟ وعلى تقدير أنها كانت في أصل الفرع الأسيوي الأول الذي منه كانت اللغات السامية والآرية والمغولية، فهل أصابها هذا الاختصار كله أو بعضه قبل انفصال السامية (أم العربية) عنه، أو أنه كان من صيغ اللغة السامية؟

ربما يعرف ذلك، ويكشف هذه الغوامض ويحل هذا الإشكال، الباحثون في مقابلة اللغات وتحليلها، إذا تيسر لهم ذلك، وكان في أخوات اللغة العربية وخالاتها ما ينير لهم الطريق بأن كان لهذه الكلمات الإعرابية ما يدل عليها، أو يشير إليها في هذه اللغات.

أما إذا كان مجرد حدسٍ وتخمين، فللحدس والتخمين أيضًا مجال آخر.

وحينئٍذ يجوز لذاهب أن يذهب إلى أن الحركات الإعرابية ربما كانت وضعت بوضع خاص، وذلك بأن يقال: إن أبناء اللغة الأولى كانوا في تمدنهم وعلومهم بمنزلٍة صالحة تدل عليها آثارهم، وقد دلت الآثار أنه كان للبابليين مدارس منظمة يعلمون فيها الحكمة والطب والفلك، وظهر

وأخبرنا التاريخ عن مزيد عنايتهم بلغتهم الفصحى والتي حفظوها واتخذوها لغة رسمية لهم، وكانت مصقولة مهذبة، كما تقدم القول عن العلامة مسبيرو، فلا يبعد، والحال هذه، عن الذين صقلوا لغتهم وهذبوها، أن يكون في جملة ما عملوه في صقلها وتهذيبها وتحريهم البلاغة فيها

ومن ضروب هذا الاختصار وضع العلامات الإعرابية على شكل حركات لا تطول بها الجملة، ولا يتغير بها وضع الكلمة من موقعها فيها، فدلوا بهذه الحركات على مرادهم بها في جملتها، فاعلة أو مفعولة أو غير ذلك، مقدمة أو مؤخرة، لتدل في التقدم والتأخير على معان مراده، وأن

ويكون ذلك منهم حيث قل انتشار الفساد في اللغة، وسرى ذلك في سكان البوادي فحفظوه وجروا عليه.

ولنفرض لذلك مثلًا فنقول: استعمل أبناء اللغة "ما" الاستفهامية بدلًا من "أي شيء" اختصارًا، فاشتبهت "بما" التعجبية ووقعت أفعل بعدها كأحسن في قولك: "ما أحسن زيد"، واشتبه على السامع أي المعنيين يريد المتكلم: ما الاستفهام أو التعجب؟ ونصب القرينة اللفظية تطويل، والمفروض أننا فررنا منه، فحركوا حينئِذ ما وقع بعد التعجب بالنصبـ، وما بعد ما الاستفهامية بالرفع؛ وليس في هذا مشقة ولا إطالة.

وكذلك يتميز الفاعل بالرفع والمفعول به بالنصب، وفي هذا لا يشتبه الفاعل بالمفعول به سواء تقدم أو تأخر.

وتبقى اعتبارات التقدم والتأخر وفوائدها البيانية صحيحة سليمة؛ ولكن هذا إنما يجري حيث يكون الفاعل صالحًا لأن يكون مفعولًا به، أما إذا لم يكن صالحًا لذلك في مثل: "كسر الزجاج الحجر" و "قال الشاعر قصيدة" فإنه يستغنى عن ذلك؛ لكن القسم الأول أكثر في الكلا

ولعل مثل هذا احتجاج إلى مدة متطاولة، وبعد اختلافات كثيرة بين الأصقاع والقبائل في الاستعمال، حتى استقر وثبت منه الأحسن والأصح في الاستعمال، فعم وشاع وذهب ما عداه.

والقول "بالكلمات المختصرة إلى الحركات" تعترضه صعوبات كبيرة في تعليل هذا الاختصار، وتطبيقه على الحركات الإعرابية التي لا يمكن تذليلها إلا بتكلف كثير.

وإذا رأينا أنه من السهل مثلًا أن نقول: إن علامة الرفع (الضمة) قد اختصرت من الكلمة الدالة عليها إلى الواو، الذي هو علامة للرفع أيضًا، ثم اختزل الواو إلى الضمة، فلسنا نرى من السهل تطبيق ذلك على غير هاتين من علامات الرفع، كالألف في المثنى، وثبوت النون في

ويعترض الحدس المفروض للوضع الخاص أن هذه العلامات نراها أول ما يذهب من اللغة عند امتزاج أهلها بغيرهم، وأن صيرورتها إلى الملكة أمر لا يقبله العقل بسهولةٍ وبدون مشقة.

وكيفما كان أحال فقد اتصل إلينا أن أم اللغة العربية أورثت ابنتها هذه نظام الإعراب بالعلامات، فتقف عند هذا القدر المحقق من البحث، ونترك ما عداه إلى المحققين في اللغات، حتى يظهر البحث ما تطمئن إليه النفوس.

والذي تحقق من ذلك أن العرب، وهم بدو الآراميين، قد اتخذوا هذا الميراث، وجرى فيهم مجرى الملكة، وهم في عزلتهم، فلم يتسرب إليهم الإهمال، وحفظته لهم البادية فلم يتأثروا بما تأثر به إخوانهم، وأصبح ملكة راسخة فيهم.

وليس معنى قولنا إنه أصبح ملكة راسخة، أنهم لا يقدرون على اللحن ولا يمكن أن تجري عليه ألسنتهم، كما كنا نتلقاه من مشايخنا زمن الدراسة، بل معناه أن ألسنتهم تجري بلا تعمل ولا كلفة على هذا النظام، شأن من يتمرن عليه في هذه الأيام، فينطلق به لسانه دون تعمل أيضًا؛ وإذا كان لا يسلم متمرن اليوم من الخطأ والغلط الذي يكثر ويقل بحسب مرانه، فلأن مرانه كان ناقصًا من حيث أنه يتمرن في بيئة ملؤها الخطأ والغلط.

وعلى العكس متمرن ذلك الزمن الذي ببيئته ملؤها صواب وصحة.

إن سكان هذه الجزيرة اتخذوا حفظ اللغة على هذا النحو تقليدًا لهم، في التجاوز عنه كل العيب والعار.

ولا ترسخ عادة في قوم ما لم تتخذ تقليدًا عامًا مستحبًا يعاب تاركه على تركه أو تجاوزه.

فكان التمرن عليها راسخًا يشب عليه الصغير ولا يشذ عنه الكبير، فيكون عامًا شاملًا شائعًا بين صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وتجاهلهم.

ولم يحجم نقله اللغة من الأئمة، الآخذون اللغة عن الإعراب، أن يعتدوا بلغة الصبيان والمجانين لأنهم آمنون على ملكتهم من الخطأ، فكان بعضهم يحتج لمذهبه بكلام أمثال هؤلاء ولا ينكره عليه منكر.

قال ابن دريد في "أماليه" عن الأصمعي: "سمعت صبية بحمى ضرية يتراجزون، فوقفت وصدوني عن حاجتي وأقبلت أكتب ما أسمع، وإذا بشيخ أقبل فقال: أتكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع؟ "

لم يحجم الأصمعي، وهو إمام اللغة، عن أن يكتب عن هؤلاء الأقزاع الأدناع أي صغار الناس وأراذلهم، لأنه يرى في كلامهم حجة لا تنكر عليه.

وأما قول الشيخ: "أتكتب": مستنكرًا، فما هو إلا استصغار لأمرهم واحتقار لأمرهم واحتقار لشأنهم من حيث أنهم أقزاع أدناع، لا من حيث أنه مخطئ أو مصيب بالأخذ عنهم.

فهو نظير أن تختار لأمرك حاذقًا فيه، ولكنه صغير المنزلة دنئ الحسب مستقذر العيش، مع أنك لا تعدم حاذقًا مثله يكون كريم الحسب رفيع المنزلة ظاهر المروءة.

ويصح لمن يغار عليك أن يلومك على هذا الاختيار، وليس معنى لومه أنه يطعن في حذقه بل كان الطعن عليه من حيث نفسه وحاله.

آخر عهد البادية بها

إن هذه الملكة الراسخة في هؤلاء الأعراب قد أهملت أولًا في القبائل المجاورة للأعاجم بالاختلاط بهم، ولم يسمع عن أحد من العرب الجاهليين أن الأئمة تحرزوا عن الاحتجاج بلغته قبل عد بن زيد العبادي، الذي نشأ بين الفرس وفي خدمة الأكاسرة.

ولما فسدت لغة الأمصار كان ذلك يسري منها إلى البادية بقوة الاختلاط وضعفها، وكانت السلامة تتقهقر أمام هذه القوة، وبقى هذا الغزو مستمرًا إلى أخريات القرن الثالث للهجرة وما بعده بقليل، حتى ذهبت هذه الملكة أو كادت.

وعم اللحن أقطار العربية، باديها وحاضرها، وصينت الفصحى المعربة في دفاتر العلماء والأدباء، وفي المجامع العلمية، وعلى ألسنة الخطباء والشعراء والكتاب.

ولم تزل للعامة في أزجالهم وأغانيهم مكانة باختلاف الأقطار العربية.

والعامية في بلاد المغاربة أصبحت كأنها لغة أخرى غير عامية المشارقة؛ وتختلف عامية الشام، وعن عامية نجد والعراق.

الفصيح والعامي من حيث الاستعمال

لم تخرج العامية في تحريفها وعدم ضبط قواعدها عن كونها لغة عربية.

والتحريف كان معروفًا في الفصحى باختلاف لغات العرب، كما سبق الكلام عليه، وإن كان في الفصيح أشد وأقوى وأبعد مرمى، فهو في العامي أظهر وأكثر، وبه ألصق.

فالعامية بالنسبة إلى الفصحى، وهذه بالنسبة إلى المتقدمين والمحدثين على ضروب: "

1 - ألفاظ انفرد بها المتقدمون من العرب وتركها المحدثون، إما لاستعمالهم مرادفها: كمبشور في الناقة الشديدة السريعة، استعملوا كأنها: علنداة؛ أو لأنها من الحواشي البعيد عن الطبع كقولهم: مخر نبق لينباع؛ قال ابن فارس: وكذلك يعلمون معنى ما تستغربه اليوم من

قولنا: "عبسور" في الناقة و "عيسجور" و "امرأة خناثى" و "فرس أشق أمق خبق.

ذهب هذا كله بذهاب أهله ولم يبق عندنا إلا الرسم الذي تراه، أو تركها المحدثون لأنها غير مأنوسة عندهم، وإن كانت غير حوشيه كأجبى في الحديث الشريف: "من أجبى فقد أربى.

2 - ألفاظ استعملها المتقدمون وخواص المحدثين ولم تعرفها العامة كقولهم: "طخية عمياء، ومرة سوداء.

3 - ألفاظ استعملها العرب وعرفتها العامة وقل استعمال الخاصة لها، فلم تشع بينها، وهو ما يسمى بالغريب الفصيح في العامي.

4 - ألفاظ للعرب فيها لغتان أو أكثر، أخذت العامة ببعضها والخاصة ببعض آخر "كفز" عند العامة و "قفز" عند الخاصة، و "ما فيها دومري أو تومري" عند العامة و "ما فيها ديار" عند الخاصة.

5 - ألفاظ استعملها العرب قديمهم وحديثهم، وقل استعمال العامة لها، فكانت من أجل ذلك مصونة لم تتبذل.

والفرق بين هذا الضرب والضرب الثاني أن ذاك لم تعرفه العامة أو لم تكد تعرفه، وهذا عرفته ولكنها لم تألفه كـ "أمررت الحبل وأحصدته" أي فتلته.

و "حبل ممر ومحصد" أي مفتول، وقد عرفت العامة منه قولهم "عقدة مرة" أي محكمة العقد.

6 - ألفاظ مثل ذلك ولكنها ابتذلت مد عركتها العامة بألسنتها وامتهنتها بتحريفها، فاجتنبتها الخاصة وأعرضت عنها مثل قول العام: "اصطفل في الأمر" أي افعل ما تشاء، محرفة عن "افتصل" وهو افتصال من الفصل أي اتخذ الفصل الذي تريده من عملك.

7- ألفاظ مثل ذلك كثيرة الدوران في الكلام لا يستغني عنها، فلم يضرها كثرة الاستعمال لمكان الحاجة، كقولك: "شربت ماء، وأكلت طعامًا، وقرأت كتابًا" وهذا أكثر الكلام العربي.

8 - ألفاظ حرفتها العامة باستعمالها إلى مستنكره، فتركت الخاصة استعمالها الأول لمكان الاستكراه في المعنى الثاني كـ "الصرم" بمعنى القطيعة و "الغائط" للمنخفض من الأرض؛ حرفت العامة الكلمة الأولى لمعنى "السرم" والثانية لمعنى "الخرء".

وإذا أردت مزيد تعمقٍ في هذا البحث وفي الفروق بين الفصيح وتحريفه العامي، فعليك بمراجعة كتابنا "رد العامي إلى الفصيح" ففيه ما يقوم بوفاء حاجتك فيه، إن شاء الله.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


2-جمهرة اللغة (ألل أل)

ألَّ الشيءُ يَئِلُّ ألاًّ وأليلًا، إذا برق ولمع.

وبه سُمّيت الحَرْبَة ألّةً للمعانها.

ويقال: ألَّه يَؤلهُ إلاّ، إذا طعنه بالألة، وهي الحَرْبَة.

وأل الفَرَسُ يَئِل ويَؤلُ ألاًّ، إذا اضطرب في مشيه؛ وألَت فرائصه، إذا لمعت في عدْوه.

وقال الشاعر يصف فرسًا:

«حتى رَمَيتُ بها يَئِل فريصها*** وكأن صَهوَتَها مَداكُ رُخام»

المَداك: الصلاءة، ويقال الصَّلاية، وبالهمز أجود.

وصَهْوَتها: أعلاها؛ وصَهوة كل شيء: أعلاه؛ والصهوة، منخفَض من الأرض يُنبت السدرَ وربما وقعت فيه ضَوال الإبل.

والرّخام: حجر أبيض.

والإل: العهد فيما ذكر أبو عبيدة في قول الله عز وجل: {لا يَرْقُبون في مُؤمن، إلّا ولا ذمَة}.

وألَ الرَّجلْ في مشيه، إذا اهتز.

والأل: الأول في بعض اللغات.

قال امرؤ القيس:

«لِمَن زُحلْوُقَه زُل*** بها العَينان تَنْهَل»

«يُنادي الآخِرَ الأل*** ألا حُلوا ألا حُلوا»

يقال: زُحلوقة وزُحلوفة، والجمع الزحاليق والزحاليف.

وقال ابن الكلبي: كل اسم في العرب آخره إلٌّ أو إيلٌ فهو مضاف إلى الله عزّ وجلّ، نحو شرَحْبِيل وعبدِ يالِيل وشَراحيل وشِهْمِيل وما أشبه هذا، إلّا قولهم زِنْجِيل، يقال: رجل زِنجِيل، إذا كان ضئيل الخَلْق.

قال الشاعر:

«لمّا رأت بُعَيْلَها زِنْـجِـيلا*** طَفَنْشَلًا لا يمنع الفصـيلا»

«مُرَوِّلًا من دونها تـرويلا*** قالت له مقالة تَـرْسِـيلا»

«لَيّتَكَ كنتَ حَيْضَةً تمصيلا»

وقد كانت العرب ربما تجيء بالإل في معنى اسم الله جل وعزّ.

قال أبو بكر الصدَيق رضي الله عنه لمّا تُلي عليه سَجْع مُسيلمةَ: إن هذا شيء ما جاء من إلّ ولا بِرّ فأين ذهب بكم? وقد خفّفت العرب الإلَّ أيضًا، كما قال الأعشى:

«أبيضُ لا يَرْهَبُ الهُزالَ ولا*** يَقْطَع رِحْمًا ولا يَخًون إلا»

والإلُ: الوحي، وكان أهل الجاهلية يزعمون أنه يوحَى إلى كهّانهم.

وقال أحيحة في تثقيل الإلّ وهو الوحي:

«فمَن شا كاهنـًا أو ذا إلـه*** إذا ما حان من إلٍّ نـزولُ»

«يراهنني فيَرْهنُني بَـنـيه*** وأرْهَنُهُ بَنيّ بمـا أقـولُ»

«فما يدري الفقيرُ متى غِناهُ***وما يدري الغنيُ متى يَعِيلُ»

العَيْلة: الفقر؛ يقال: عال يَعيل، إذا افتقر.

يقول: من شاء من الكهّان وعَبَدة الأصنام أن يراهنني أنّ كل شيء لله عزّ وجلّ ليس لغيره، راهنته.

يقال: عال يَعيل، وعال يَعول، إذا جار.

وأعال يُعيل، إذا كثر عيالُه.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: خرجتْ نائحة خلف جِنازة عُمَر بن عُبيد الله ابن مَعْمَر القرشي التيمي وهي تقول:

«ألا هَلَكَ الجُودُ والنـائلُ*** ومن كان يعتمدُ السائلُ»

«ومن كان يطمعُ في ماله*** غنيُّ العشيرةِ والعـائلُ»

فقال الناس: صدَقتِ صَدقتِ.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


3-جمهرة اللغة (أمم أم)

أمَّ يَؤُمُ أمًا، إذا قصد للشيء.

وأمَّ رأسَه بالعصا يَؤُمُّه، إذا أصاب أم رأسِه، وهي أمّ الدِّماغ وهي مجتمَعه، فهو أمِيم ومَأموم، والشّجة آمَة.

يقال: أممْتُ الرجلَ، إذا شججته؛ وأممته، إذا قصدته.

والأمَةُ: الوليدة.

والإمّة: النعمة.

يقال: كان بنو فلان في إمَّة، أي في نعمة.

والأمة: العيب في الإنسان.

قال النابغة:

«فأخِذْنَ أبكارًا وهنّ بأمةٍ»

يريد أنهن سُبين قبل أن يُخْتَنّ فجعل ذلك عيبًا.

والأمّ: معروفة، وقد سمَت العرب في بعض اللغات الأم إما في معنى أمّ، وللنحويين فيه كلام ليس هذا موضعه.

وأمُّ الكتاب: سورة الحمد لأنه يُبتدأ بها في كل صلاة؛ هكذا يقول أبو عبيدة.

وأمُّ القُرَىْ: مكّة، سُمّيت بذلك لأنها توسطت الأرض زعموا، والله أعلم.

وأمُّ النجوم: المَجَرَّة؛ هكذا جاءت في شعر ذي الرُّمَّة، لأنها مجتمع النجوم، قال أبو عثمان الأشْنانْداني: سمعت الأخفش يقول: كل شيء انضمّت إليه أشياءُ فهو أمّ.

وأمُ الرأس: الجِلدة التي تجمع الدماغ، وبذلك سُمَي رئيس القوم أمُّا لهم.

قال الشنفرى يعني تأبط شرًا:

«وأمِّ عيال قد شهدت تَقوتهم*** إذا أحْتَرَتْهمْ أوْتَحَتْ وأقلتِ»

الحَتْر: الإعطاء قليلًا، والحَتْر أيضًا: الضيق، وهو مأخوذ من الحَتار وهو موضع انضمام السرج، وذلك أنه كان يَقوت عليهم الزاد في غزوهم لئلا ينفد، يعني تأبّط شراًّ، وكان رئيسَهم إذا غَزَوا.

يقال: أحْتَرَه، إذا أعطاه عطاءً نزرًا قليلًا شيئًا بعد شيء.

وسمَيت السماءُ: أم النجوم، لأنها تجمع النجوم؛ قال قوم: يريد المجرة.

قال ذو الرمة:

«وشُعْثٍ يَشُجُّونَ الفَلا في رؤوسِهِ*** إذا حَوَّلت، أمُّ النجوم الشوابِـكُ»

والأمَة لها مواضع، فالأمة: القَرْنُ من الناس من قوله: {أمَّةً وَسَطًا}، وقوله: "إن إبراهيمَ كانَ أمّةً "، أي إمامًا.

والأمةُ: الإمام.

والأمَّةُ: قامة الإنسان.

والأمَةُ: الطول.

والأمَّةُ: المِلة، "وإنً هذه أمَتُكُمْ أمَّة واحدةً ".

وأمُّ مَثْوَى الرجل: صاحبةُ منزله الذي ينزله.

وفي الحديث: أن رجلًا قيل له: متى عهدك بالنساء? قال: البارحة، وقيل له: بمن? قال: بأم مثواي.

فقيل له: هلكتَ، أو ما علمت أن الله قد حرمَ الزِّنا.

فقال: والله ما علمت.

وأحسب أن في الحديث أنه جيء به إلى عمرَ، نضّر الله وجهه، فقال: استحلفوه بين القبر والمِنْبَر أو عند القبر أنه ما علم فإن حلفَ فخلُّوا سبيله.

وقال الراجز:

«وأمُّ مثواي تدَرّي لِمّـتـي*** وتغْمِزُ القَنْفاءَ ذاتَ الفَرْوَةِ»

أصل القَنَف لصوق الأذنين بالرأس وارتفاعهما.

ويعني بالقَنْفاء في هذا الموضع: الحَشَفَة من الذَّكَر.

تدرّي، أي تسرّح.

ذات الفروة: الشَعر الذي على العانة، وهو هاهنا الفَيْشَة.

وأنشد في " تُدرّي ":

«وقد أشهد الخيلَ المغيرةَ بالضُّحى*** وأنتَ تُدَرّي في البيوت وتُفْرَقُ»

وسُمّي " مَفروقًا " بهذا.

وتُفْرَق: يُجعل له فَرْق.

وأخبرَنا أبو حاتم عن أبي عبيدة في قوله تعالى: {وإنه في أمّ الكِتابِ لَدَيْنا لَعلي حكيم}؛ قال: اللوح المحفوظ.

وأم أوعال: هضبة معروفة وأنشد:

«خلَى الذناباتِ شِمالًا كَثَبًا*** وأمَ أوعال كَهَا أو أقْرَبا»

وأمُّ خِنَوَر: الضَبُع.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


4-جمهرة اللغة (مزز مز)

ومن معكوسه؛ المزّ: بَيْنَ الحلاوة والحموضة.

وتسمَّى الخمر المزةَ والمزْاءَ.

قال الشاعر:

«بِئسَ الصحاةُ وبئسَ الشربُ شَرْبهمُ*** إذا مَشَت فيهمُ المُزّاء والسكَـرُ»

وكان بعض أهل اللغة يُنكر أن تكون الخمر سمّيت مُزة من هذه الجهة ويقول: إنما سميت بذلك من قولهم هذا أمَز من هذا، أي أفضل منه.

قال الراجز- هو رؤبة:

«ذا ميعَةٍ يهتّزُّ عند الهزِّ*** يقتحم الدقةَ لـلأمـزِّ»

«إذا أقَل الخيرَ كلُّ لَحزِ»

ويقال: هذا أمرَ أمَز ومَزِيز، أي صعب.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي، قال: قال أعرابي لرجل: هب لي درهمًا، قال: لقد سألت مَزيزًا، المرهم عُشر العشرة والعشرة عشر المائة والمائة عشْر الألف والألف عُشر دِيَتِكَ.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


5-جمهرة اللغة (زيي زي)

أهملت في الثناثي، إلا في قولهم: هذا زِي حَسَن وهي الشارَة والهيئة.

وأخبرَنا أبو حاتم عن أبي عبيدة، قال: دخل بعض الرجاز البصرة فلما نظر إلى بِزة أهلها وهيئتهم قال:

«ما أنا بالبصرة بالبَصْري*** ولا شبيه زِيهم بِـزِيي»

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


6-جمهرة اللغة (شرشر)

ومن معكوسه الشِّرْشِر، وهو نبت.

والشُّرْشُور: طائر.

والشَّرْشَرَة: أن يَحُكَّ سكينًا على حجر حتى يَخْشُن حدُّها، وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال أعرابي لابنه: أريد أن أخْتُنَك.

قال: وما الخِتان? قال: سُنَة العرب.

قال: فأخذ شفرةً فشَرْشَرَها على صخرة ثم أنحى على غُلْفتي فقلت: أسْحِت أسْحِت، أي استأصِل.

ويقال: ألقى فلان على فلان شَراشِرَه.

إذا حماه وحفظه؛ وألقى عليه شَراشِرَه، إذا ألقى عليه ثِقَله.

قال الشاعر:

«إذا ما الدَّهرُ جَرَّ على أناسٍ*** شَراشِرَهُ أناخ بآخَـرِينـا»

«فقلْ للشّامتِين بنا أفـيقـوا*** سيَلْقَى الشّامِتون كما لَقِينا»

وقد سمَّت العرب شَرْشَرَة وشراشِرًا وشَرْشارًا.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


7-جمهرة اللغة (مهمه)

المَهْمَه: القفر من الأرض، والجمع مهامِه.

ومن معكوسه؛ الهَمْهَمَة: الكلام الذي لا يُفهم.

وهَمْهَمَ الرعدُ، إذا سمعت له دَوِيًّا.

وهمْهَمَ الأسدُ كذلك.

وهَماهِم الصدر: خواطره، والهَمْهَمَة والهَتْمَلَة والدَّنْدَنَة قريب بعضه من بعض في هذا المعنى.

قال رجل يوم الفتح يخاطب امرأته:

«إنَّكِ لو شهدتِنا بالـخـنْـدمَـهْ*** إذ فر صفوانُ وفرَّ عِكرمَـه»

«وأبو يزيدِ قائم كالمُـؤْتِـمـهْ*** واستقبلتْهم بالسيوف المسْلِمَهْ»

«يَقطعنَ كل ساعدِ وجمْجُـمَـهْ***ضربًا فلا تسمعُ إلّا غَمْغَمَـهْ»

«لهم نَهيت خلفنا وهمـهـمَـهْ*** لم تَنطقي في اللَّوم أدنى كلمَهْ»

واشتقاق أبي هَمْهَمَة عامر بن عبد العُزّي من هذا.

قال أبو بكر: صفوان بن أمية بن خَلَف الجمَحي وعِكْرِمة بن أبي جهل المخزومي وأبو يزيد سهيل بن عمرو المخزومي.

وخندمَة: جبل بمكة.

والرجز لراهش أحد بني صاهلة من هُذيل كان أتى للغنيمة.

وفي لغة بعض العرب- وهم قوم من قيس، هكذا يقول أبو زيد- إذا سئل أحدهم: هل بقي عندك من طعامك شيء فيقول: هَمْهامْ، معناه لم يبق شيء.

وزعم قوم من أهل اللغة أن الهَمْهامة والهُمهُومة القطعة من الأرض، وليست بثبْت.

وأخبرنا أبو حاتم عن عبد الرحمن عن عمه قال: سمعت أعرابية تقول لابنتها: هَمِّمي أصابعكِ في رأسي، أي حَرَكي أصابعك فيه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


8-جمهرة اللغة (بحق بقح حبق حقب قبح قحب)

حَبَقَ يَحبق حَبْقًَا وحُباقًا.

والحَبْقة: الضُّرَيْطة.

وأكثر ما يُستعمل ذلك في الإبل والغنم، وربما استُعمل في الناس أيضًا فقيل: حَبَقَ الغلامُ يَحبِق حَبْقًا وحُباقًا.

وربما قالوا للأمَة: يا حَباقِ، معمول، كما يقولون: يا دفار.

وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة قال: لما قُتل عثمان، رضي اللّه عنه، قال عديّ بن حاتمِ: "لا تَحْبِقُ فيه عَنْز"، فأصيبت عينه يوم صِفِّين وقُتل ابنه طريف فدخل على معاوية بعد قتل علي، رضي الله عنه فقال له: هل حَبَقَتِ العنزُ في قتل عثمان فقال: إي والله، والتيسُ الأعظم.

والحُباق: الضُّراط بعينه.

وفي بعض كلامهم: " فيخرج الشيطان وله حُباق "، وقالوا: خُباج.

والحَبَق: ضرب من النَّبت.

والحِباق: لقب لبطن من بني تميم.

قال أبو العَرَنْدَس العَوْذي:

«يُنادي الحِباقَ وحِمّانَـهـا*** وقد شَيَّطوا رأسَه فالتَهَبْ»

والحَقَب: النِّسْعة أو الحبل يُشَدُّ على حَقْو البعير على حقيبته.

والحقيبة: الرِّفادة في مؤخّر القَتَب.

وكل شيء شددتَه في مؤخرة رحلك أو قَتَبك فقد احتقبتَه.

وكثر ذلك حتى قالوا: احتقبَ فلان خيرًا أو شرًا، إذا ادّخره.

وحَقِبَ البعيرُ يَحْقَبُ حَقَبًا، إذا وقع حَقَبه على ثِيله فامتنع من البول فربما قتله ذلك.

ويقال: حَقِبَ عامنا، إذا قل مطرُه.

والحِقاب: خيط فيه خَرَز يُشَدّ في حَقْو الصَّبي تُدفع به العين، والأعراب تفعله إلى اليوم.

والحقاب: جبل معروف.

قال الراجز:

«قد قلتُ لما جَدتِ العُقابُ*** وضمها والبدنَ الحِقـابُ»

«جِدِّي، لكل عاملٍ ثـوابُ*** الرأسُ والأكْرع والإهابُ»

البَدَن: الوَعِل المُسِنّ.

فقال لكلبته، واسمها عقاب: جِدِّي حتى أطعمَكِ الأكْرُعَ والرأسَ والإهابَ.

وأتان حقْباء وحمار أحْقَبُ، وهو الذي في حَقْوه بَياض.

قال رؤبة:

«كأنها حَقْباءُ بَلْقـاءُ الـزلَـقْ*** أو جادرُ اللِّيتَيْن مطْويُّ الحَنَقْ»

والأحْقَب، زعموا: اسم بعض الجن الذين جاءوا يستمعون القرآنَ من النبي، صلَى الله عليه وسلَّم.

وللأحْقَب حديث في المنازي في غزوة تبوك، وهو أحد النفر الذين جاءوا إلى النبي، صلَّى اللّه عليه وسلَّم.

وقالوا: خمسة من نصِيبِين واثنان من الأردنّ لم يعرف أسماءهما ابن الكلبي.

وأسماؤهم حَسا وبَسا وشاصِر وباصِر والأحْقَب.

والحِقْبة: السَّنة، والجمع حِقَّب.

يقال: حَقبَتِ السَّنةُ، وهي التي لا مطرَ فيها.

ومرت حِقبة من الدهر، والجمع أحقاب وحُقوب والحُقْبة: سكون الريح، لغة يمانية.

يقال: أصابتنا حُقبة في يومنا.

والقُّبح: ضد الحُسن.

والرجل قبيح والمصدر القُبح والقُباح.

ويقال: رجل قبيح وقُباح من قوم قِباح وقباحَى.

والقَباحة مصدر القُبح.

وقبحَّ الله الرجلَ تقبيحًا وقَبَحَه قَبْحًا فهو مَقبوح، في معنى الدعاء عليه.

والقَباح والقبيح: مَغْرِز طرف عظم الساعد في المرافق.

قال الراجز:

«حيث تواصي الإبرة القَبيحا»

تواصي: تواصل.

والإبرة: عظم المِرْفَق.

والقَحب والقُحاب: سعال الخيل؛ فرس به قُحاب.

وربما استُعمل للإبل أيضًا.

وأصل القُحاب فساد الجوف.

وأحسب أن القَحْبة من ذلك.

ويقال بالدابّة قحْبة أيضًا، أي سُعال.

فأما أهل اليمن فجعلوا القحاب للناس وغيرهم.

والأحْقَب: حمار الوحش

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


9-جمهرة اللغة (برع بعر ربع رعب عبر عرب)

بَرَعَ الرجل براعةً إذا تمَّ في جمال أو علم، فهو بارع، والمرأة بارعة، والاسم البَراعة.

ويقال: هذا أبرعُ من هذا، أي أتمّ وأحسن، وكل شيء تناهى في جمال ونضارة وغيرها من محاسن الأمور فقد بَرَعَ.

وبَرْوع: اسم من أسماء النساء، الواو زائدة، وهو من البراعة.

ويقول قوم: بِرْوَع، وهو خطأ؛ ليس في كلامهم فِعْوَل إلاّ حرفان: خِرْوَع، وهو كل نبت، وعِتْوَد، وهو وادٍ أو موضع.

والبَعْر والبَعَر: لغتان معروفتان للظِّلف والخُسفّ، والجمع أبعار.

وربما قيل للبعير ثلَطَ وللبقر أيضًا.

ومَبْعَر الشاة وغيرها: ما اجتمع فيه البَعَر من أمعائها.

والبعير: اسم يجمع الذكر والأنثى.

ورووا عن الأصمعي أنه سمع أعرابيًا يقول: صرعَتْني بعير لي، فقلت: ما هي? فقال: ناقة.

وجمع البعير في أدنى العدد أبعِرَة، وأباعِر في الكثير.

قال الشاعر:

«ترى إبِلًا ما لم تحرِّك رؤوسَها*** وهنَّ إذا حُرِّكْنَ غيرُ الأباعرِ»

كأنها إذا فزعتْ اشتدَ سَيرها فكأنها غير الأباعر، أي هن أسرعُ منها.

ويقال بُعران أيضًا.

قال الشاعر:

«وأن أسألَ العبدَ اللَئيمَ بَعـيرَه*** وبُعْرانُ ربّي في البلاد كثيرُ»

وبنو بُعْران: حيّ من العرب.

والبَعّار: لقب رجل معروف.

والبَيْعَر: موضع، زعموا.

ورَبَعَ الرجلُ بالمكان يَرْبَعُ رَبْعًا، إذا أقام به.

ورَبَعْنا في موضع كذا، إذا أقمنا به.

والمَرْبَع: المنزل في الربيع.

ورَبَع فلان الحجرَ وغيره، إذا ازْدَمَلَه بيده.

ورَبَعَ فلان يَرْبَع، إذا أخذ المِرْباع، وهو ربع الغنيمة.

ويقال: ربَع فلان بالجاهلية وخَمَس في الإسلام.

ورَبَعَ وَتَرَه، إذا جعله على أربع قُوىً.

وربَع القومَ، إذا صار رابعَهم.

والربيع: جزء من أجزاء السنة، شتاء وربيع وصيف وخريف.

وللربيع مواضع؛ وربما سُمَي الغيث ربيعًا وربما سُمِّي الكلأ ربيعًا، وربما سمِّي الوقت ربيعًا.

وربما سُمِّي الحظّ من الماء للأرض رُبع يوم أو ربع ليلة: ربيعًا، يقال: لفلان في هذا الماء ربيع.

وربما سُمِّي النهر ربيعًا في بعض اللغات.

ويقال: تربَّعْنا العامَ، بموضع كذا، إذا كنّا به في الربيع.

ورُبِعْنا، إذا أصابنا الربيع، وهو المطر.

وأربعْنا إبلَنا، إذا رعيناها في الربيع.

وأربعَ فلان فهو مُرْبِع، إذا وُلد له في شبابه، وولده ربْعيّونْ.

وأنشد:

«إن بَنيِّ صبْيَة صَيْفـيّونْ*** أفلحَ من كان له رِبْعيّونْ»

وناقة مُرْبِع: تنْتَج في أول الربيع وولدها رُبَع، وجمع الناقة المُرْبِع: مَرابع.

فإذا كان ذلك من عادتها فهي مِرْباع.

ويقولون: ما له هُبَع ولا رُبَع، فالربَع الذي تقدمّ ذِكره، والهُبَع الذي يُنْتَج في الصيفية.

فإذا مشى الهُبَع مع الربَع أبطره الرُّبعُ ذَرْعًا، أي غلبه بقوّته فهبَع بعنُقه كأنه يستعين في مشيه.

ورجل مَربرع ومرتَبع ورَبْع ورَبْعة، إذا كان مُعتدل الخلق وَسَطًا من الرجال.

قال العجّاج:

«رَباعِيًا مُرْتَبِعًا أو شَوْقَبا»

والمرابيع من الخيل: المجتمعة الخُلْق.

وسئلت بنو عَبْس عن أيّ الخيل وجدوا أصبرَ، فقالوا: الكُمْتُ المرابيع.

ورجل مَربوع ومُرْبَع، إذا أخذته حُمَى الرِّبع، وهو أن تأخذه يومًا وترَفهَه يومين.

قال الراجز:

«بئسَ مَقامُ العَزَب المَرْبوع*** حَوأبَة تُنْقِضُ بالضُّلـوع»

وقال الشاعر:

«من المُرْبَعين ومن آزِل*** إذا جنَّه الليلُ كالنّاحطِ»

الآزِل من الأزْل.

وأخذت حُمَى الربع من أوراد الإبل، وهي أن ترد يومًا وترعى يومين وترد في اليوم الرابع، وأصحابها مربِعون.

والمَرْبَع: المنزل في الربيع خاصَةً.

والمِرْبعة: عصا قصيرة يأخذ الرجلان بطرفيها فيُحمل بها العكْم على ظهر الدابة.

قال الراجزْ:

«هاتِ الشِّظاظَيْن وهاتِ المرْبَعَهْ*** وهاتِ وَسْقَ الناقةِ الجَلَنْفَعَـهْ»

الجَلَنْفعه: الجافية الغليظة.

والوَسْق: وزن خمسمائة رطل.

وبنو فلان على رِباعتهم، أي على مواضعهم في الجاهلية.

وما في بني فلان أحد يُغني رِباعته ورَباعته إلا فلان، أي قومه.

قال الشاعر:

«ما في مَعَدّ فتًى يغْني رِباعتَه*** إذا يَهُم بأمرٍ صالحٍ فَـعَـلا»

ويُروى: إذا المنون أمِرت فوقه حَمَلا.

والرَّباعي من الدوابّ في الحافر والظِّلف والخُفّ، وهو الذي سقطت رَباعِيَتاه.

والذكر رَبَاع، والأنثى رباعِيَة، مخفَّف، وأَنشد:

«رباعيًا مُرْتبعًا أو شوقبا»

ورَباعِيَة الإنسان: معروفة، وله أربع رَباعيات بعد الثنايا من فوقُ وأسفلُ.

والأربِعاء: معروف، بكسر الباء؛ وزعم قوم أنهم سمعوا الأربَعاء بفتح الباء.

وأخبرنا أبو عثمان عن التَّوّزيّ عن أبي عُبيدة الأربُعاء، وزعم أنها فصيحة.

والأربَعاء، بفتح الباء: موضع.

وأربعة: ضرب من العدد.

ورُبْع المال: جزء من أربعة.

وقد قيل: رَبيع المال أيضًا.

قال الشاعر:

«ومِثل سَراةِ قومك لن يجارُوا*** إلى رُبْع الرِّهان ولا الثَّمين»

ولم تجاوز العرب في هذا المعنى الثمينَ؛ هكذا يقول بعض أهل اللغة.

وقال بعضهم: بل قد قيل التَّسيع والعشير، كما قيل الثمين.

والكلام الأول أعلى.

والربيعة: الصخرة العظيمة.

وتُسمى بيضة الحديد: ربيعة أيضًا لاجتماعها.

وربيعة: سم، زعم قوم أن اشتقاقه من الصخرة العظيمة.

وقد سمت العرب رَبيعة ورَبيعًا ورُبَيْعًا، وهو أبو بطن منهم، ومِربَعًا.

والرَّبائع: بطون من بني تميم.

وربيعة بن مالك أخو حَنْظَلَة بن مالك وهم ربيعة الجُوع، وربيعة بن حنظلة الذين منهم أبو بلال مِرداس وأبن حَبْناء الشاعر، وربيعة بن مالك بن حنظلة رهط الحَنْتَف بن السِّجف التميمي.

والربعَة: المسافة بين أثافي القِدر التي يجتمع فيها الجَمْر.

وذكروا عن الخليل أنه قال: كان معنا أعرابي على الخِوان فقلنا: ما الرَّبَعَة? فأدخل يده تحت الخوان فقال: بين هذه القوائم ربَعَة.

ويقال: ارتبع البعير ارتباعًا ورَبَعة، وهو أشدّ العَدْو.

قال الشاعر:

«وآعْرَوْرَتِ العُلطَ العرْضِيَّ تَرْكضُهُ*** أم الفوارس بالدّئداء والـربَـعَـهْ»

والرّبْعة: حيّ من الأزد.

والرَّبْعة: طَبْلة يجعل فيها الطِّيب ونحوه.

والروْبَع: الرجل الضعيف.

قال الراجز:

«ومن هَمَزْنا عزه تَبَرْكَعـا*** على آسته رَوْبَعَةً أو رَوْبعا»

والرَّبْع: ما يُنخل من الحوّارى.

والرُّعْب: الفَزع.

رُعِب الرجل يُرْعَب رُعْبًا فهو مَرعوب.

ورعَبْتُه أنا أرعَبه، فأنا راعب له.

والرَّعَب: رقْية من السِّحْر، وهو شيء تفعله العرب، كلام تسجع فيه يَرْعَبون به السّحر، وفاعل ذلك راعب ورعّاب؛ يقال: رَعبَ الرّاقي يَرْعَب رَعْبًا، إذا فعل ذلك.

فأما قولهم: رَعَبَ الوادي بجَنْبَتيه، إذا امتلأ ماءً، فقد قالوا: زَغَبَ، بالزاي والراء، والزاي أكثر.

والتَّرعيب: شطائب السَّنام، إذا قُطعت مستطيلة.

والتَّرْعاب: مصدر رعّبته ترعيبًا وتَرْعابًا.

وأحسِب أن الرَّعْباء موضع.

والعبر: شاطىء النّهر، وهما عِبران.

وناقة عبْر سَفر، إذا كانت قوية عليه.

وقد قالوا: عَبْر؛ وأبى الأصمعي إلا الضَّمَ.

وعَبَرْتُ النهر أعبُره عَبْرًا، وكذلك عَبَرْت الرُّؤيا أعبرها وعَبّرتها تعبيرًا، والاسم العبارة.

وفي التنزيل: {للرُّؤيا تَعْبُرون}.

ورجل حسَن العِبارة، إذا كان حسنَ الأداء لما يُسمع.

ومجلس عَبْر: كثير الأهل.

والعَبْرة: تردُد البكاء في الصدر.

وربُما قيل لتردُّد الدمع في العين: عَبْرة.

وامرأة عابر، إذا تهيأت للبكاء، ومنه قيل للرجل: أمُّك عابِر، في معنى ثاكل.

وقد قالوا: عَبْرى، كما قالوا ثَكْلى.

والشِّعْرى: العبور.

قال قوم: سمِّيت بذلك لأنها عبرت المَجَرَّة.

فأما حديث الأعراب فإنهم يزعمون أن الشِّعرى العَبور والغُمَيصاء أختا سهيل.

والعبور تراه إذا طلع فهي مستعبِرة، والغُميصاء لا تراه فقد غَمِصَت من البكاء.

والعَبُور في بعض اللغات: الجَذَعة من الغنم أو أصغر منها.

والعِبْرة: ما اعتبرت به من الآيات.

يقال: لك في هذا الأمر عِبْرة ومعتبَر.

وفي بعض كلامهم: " إن لم تُناجِكَ إخبارًا ناجتك اعتبارًا ".

وبنو عبره: قبيلة من العرب.

وعابر بن أرْفخْشَد بن سام بن نوح، إليه اجتماع نسبة العرب وبني إِسرائيل ومن شاركهم في نسبهم، والله أعلم.

والعبير: ضرب من الطِّيب، واختلف فيه أهل اللغة، فقال قوم: هو الزَّعْفَران بعينه، وقال آخرون: بل هو أنواع من الطِّيب تُخلط.

والعُبْريّ: السِّدر الذي ينبت على شاطىء الأنهار، والضّال: ما نبت في السفوح وغيرها.

والعبرانية: لغة معدولة عن السُّريانية.

وكَبْش مُعْبَر، إذا لم يُجَز صوفُه ليُستفحل.

وغلام مُعْبَر: لم يُخْتن.

قال الراجز:

«فهو يُلوّي باللِّحاء الأقْشَرِ*** تَلْوِيةَ الخاتنِ زُبَّ المُعْبَرِ»

والعَرب: ضد العَجم، وكذلك العُرْب والعُجْم، كما قالوا عَرَب وعَجم.

وسُمِّي يَعْرب بن قَحطان لأنه أول من انعدل لسانه عن السريانية إلى العربية.

وقال بعض النسّابين إن هُود ابن عابر بن قَحطان مِن ولده، وهو أبو قحطان كما يقول بعض النُّسّاب.

فأما من نسب قحطان إلى إسمعيل فإنه يقول: قحطان بن الهَمَيْسَع بن التَّيْمَن بن قَيْنان بن نابت بن إسمعيل صلوات الله عليه.

وعَرِيب: اسم، وهو عريب بن زيد بن كَهْلان.

ويقال: ما بالدار عَريب، أي ما بها أحد.

والعرب العاربة: سبع قبائل: عاد وثمود وعِمليق وطَسْم وجَديس وأميم وجاسِم، وقد انقرضوا كلُّهم إلاّ بقايا متفرِّقين في القبائْل.

وقال صلَّى اللهّ عليه وسلَّم لما انتهى إلى مَعَدّ بن عدنان: "كَذَب النسّابون ".

قال الله وتعالى: {وقرونًا بينَ ذلك كثيرًا}.

والعِرْب: يبيس البُهْمَى.

وأعرب الرجلُ بحُجّته، إذا أفصح عنها.

وفي الحديث: (الثيِّب تعرب عن نفسها).

وعَرِبَت المعدة، إذا فسَدت.

وإعراب الكلام: إيضاح فصيحه.

ورجل مُعْرِب، إذا كان فصيحًا.

ورجل معْرِب: له خيل عراب.

قال الشاعر:

«ويَصْهلُ في مثل جوف الطَّوِي*** صهيلًا يُبيِّنُ لـلـمـعْـرِبِ»

يقول: إذا سمع صهيله رجل له خيل عِراب عرف أنه عربي.

وتسمِّي حمْيرُ اللغة: العربية، فيقولون: هذه عربيتنا، أي لغتنا.

ويقال: عربت على الرجل، إذا رددت عليه قوله.

وفي الحديث: (إذا سمعتم الرجلَ يعيب أعراض الناس فعربوا عليه قولَه)، أي ردَّوا عليه قولَه.

والعَرَبَة: النهر الشديد الجري.

ومنه اشتقاق عَرابة، اسم، وهو عَرابة الأوسي الذي مدحه الشمّاخ بن ضِرار فقال فيه:

«إذا ما راية رُفعتْ لمجدٍ*** تلَقّاها عَرابةُ باليمـينِ»

والعُرْبان والعُرْبون: الذي تسمّيه العامة الرّبون.

ويوم عَروبة: يوم الجمعة؛ معرفة لا تدخلها الألف واللام في اللغة الفصيحة.

قال الشاعر:

«وإذا رأى الروّاد ظل بأسْقف*** يومًا كيوم عروبةَ المتطاول»

وقد جاء في الشعر الفصيح بالألف واللام أيضًا.

قال الشاعر:

«يُوائمُ رَهْطًا للعَروبة صيما»

يوائم: يفعل كما يفعلون، وصيم: قُيّام.

وقال آخر:

«نفسي الفداءُ لأقوام همُ خَلطوا*** يومَ العَروبة أورادًا بـأورادِ»

وعَربْتُ الفرسَ تعريبًا، إذا بَزَغْتَه.

وإعراب الكلام: إيضاح فصيحه.

وقد جُمع الإعراب أعاريب في الشعر الفصيح.

والعَروب من النساء: المُحبة لزوجها، المُظهرة له ذلك.

وكذلك فسَّره أبو عُبيدة في التنزيل، واللّه أعلم، في قوله عزَّ وجل: {عُرُبًا أترابًا}.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


10-جمهرة اللغة (بضط بطض ضبط ضطب طبض طضب)

ضَبَطَ الرجلُ الشيء يضبِطه ضَبْطًا، إذا أخذه أخذًا شديدًا.

والرجل الضابط: الشديد الأيْد.

ويقال: رجل أضْبَطُ، ولا نعلم له فعلًا يتصرّف، وهو الذي يعمل بيديه جميعًا.

وكان عمر رضي اللّه عنه أضْبَطَ يعمل بكلتا يديه.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: أخبرني من حضر جَنازة رَوْح بن حاتم وباكيته تقول:

«أسَدٌ أضْبَطُ يمـشـي*** بين طَرْفاءَ وغِـيلِ»

«لُبْسُه مِن نـسـج داو*** دَ كضَحْضاحِ المَسيلِ»

وبنو الأضْبَط: بطن من بني كِلاب.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


11-جمهرة اللغة (بغل بلغ غبل غلب لبغ لغب)

البَغْل: معروف واختلفوا في اشتقاقه، فقال قوم: من التبغيل، وهو ضرب من سير الإبل.

قال الراعي يصف حاديَ إبل:

«وإذا ترقَّصَتِ المَفاوزُ عارَضَتْ*** رَبِذًا يبغِّلُ خَلْفَهـا تـبـغـيلا»

وقال زهير:

«هل تبْلِغَنيَ أدنى دارهم قُلُص*** يزجي أوائلَها التَبغيلُ والرَّتَكُ»

وقال قوم: بل التبغيل من الغِلَظ وصلابة الجسم.

ويقال: نكح فلان في بني فلان فبغلَّهم، أي هجَّن أولادَهم.

وكلامَ بَلْغ وبليغ في معنى واحد.

وبلَّغت الرسالة تبليغًا.

وبَلُغَ الرجلُ بَلاغةً، إذا صار بليغًا.

ومن أمثالهم: "أحمقُ بَلْغ"، أي أحمق يبلغ ما يريد.

والبُلغة: القوت يتبلّغ به الإنسان.

وغَلَبَ يغلِب غَلْبًا وغَلَبًا، وهي أفصح اللغتين.

وتقول: لمن الغَلَبُ وَالغَلَبَة، ولا يقولون: لمن الغَلْب.

ورجل غُلُبَّة: كثير الغَلَب.

ورجل أغلب بينُ الغَلَب من قوم غُلْب، إذا كان غليظ العنق، والأسد أغلبُ، والأنثى غَلْباءُ.

قال الراجز:

«ما زلتُ يومَ البَين ألوي صَلَبي *** والرأسَ حتى صرتُ مثلَ الأغْلَبِ»

الصَّلَب: الصُّلْب، لغة تميمية.

والأغلب: الذي يَشُقُّ عليه الالتفات.

ويقال: غُلَبَ الرجلُ على فلان، إذا حُكم له بالغَلَب عليه.

وغلبَ الرجل الرجلَ مُغالبةً وغِلابًا.

والمَغْلَبَة: الاسم من الغَلَب.

يقال: كانت المَغْلَبَة لفلان.

قال الراجز:

«يَدْفَعُ يومَ المَغْلَبَهْ *** يُطْعِمُ يومَ المَسْغَبَهْ»

وغَلابِ: اسم معدول عن الغَلَب، في وزن حَذام.

وقد سمّت العرب غالِبًا وغُليبًا وتغلِب وغَلابًا.

واللَّغَب: التعب والإعياء يقال: لَغِبَ يلغَب لَغَبًا ولَغَبَ لُغوبًا، وهي أفصح اللغتين.

وفي التنزيل: {وما مسّنا من لَغْوب}.

وسهم لَغْبٌ إذا كانت قُذَذه بُطْنانًا.

قال الشاعر يصف رجلًا طلب أمرًا فلم يَنَلْه:

«فرَميتُ كَبْشَ القوم معتمدًا*** فنَجا وراشُوه بذي لَغْـبِ»

ورجل لَغْب: بَيِّنُ اللَّغابة واللًّغوبة.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابيًا يمانيًا يقول: فلان لَغوب جاءته كتابي فاحتقرها.

فقلت: يقول: جاءته كتابي، فقال: أليس بصحيفة? فقلت له: ما اللَّغوب? فقال: الأحمق.

وأحسب أن هذا عن يونس، ولا أدري من نقله عنه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


12-جمهرة اللغة (ثلم ثمل لثم لمث مثل ملث)

ثَلمْتُ الإناءَ وغيرَه أثلِمه ثَلْمًا، إذا كسرت حرفَه، والإناء مثلوم ومثلَّم.

وقد سمّوا مثلَما.

والثلْماء: موضع معروف.

والثَّمَلَة: الخِرقة التي يُهنأ بها البعير.

والثَّمَلَة: باقي الهناء في إنائه.

والثُّمالة: الرَّغوة- يقال: رَغوة ورُغوة ورِغوة من اللبن- وجمعها ثُمال.

ولبن مُثْمِل ومثمَّل.

وقد أثملَ اللبنُ، إذا صارت له ثُمالة، فهو ثَميل، وكذلك سَمْن مُثْمِل.

وبنو ثُمالة: بطن من الأزْد، وثمالة لقب.

ودار بني فلان ثَمَل وثَمْل، أي دار مُقام.

والثُّميلة: ما بقي في الكرش من الفرْث.

وكل بقيّة ثميلة، والجمع ثَمائل، وجمع الثُّمالة ثُمال.

وسم مثمَّل، إذا طال مُقامه ومَكْثه وعَتقَ.

وفلان ثِمال بني فلان، إذا كان معتمدَهم.

وأخبرنا أبو حاتم وعبد الرحمن عن الأصمعي قال: دُعي أعرابي إلى نبيذ فجعل يقصِّر، فقيل له: لِمَ لا تشرب.

قال: إني لا أشرب إلاّ على ثَميلة، أي باقي طعام.

واللَثْم: مصدر لَثمْتُ المرأةَ لَثْمًا، إذا قبّلتها.

واللِّثام: رَدُّ المرأة قناعَها على أنفها، وكذلك ردُّ الرجل عِمامته على أنفه.

قال الأصمعي: اللِّثام واللِّفام واحد.

وفصل أبو حاتم بينهما فقال: اللِّثام على الأنف واللِّفام على الفم.

والمَلْثَم: ما حول الفم، وقالوا: بل الأنف وما حوله.

والمِثْل: النظير.

والمَثَل السائر: معروف.

وجمع مَثَل أمثال وكذلك مِثْل، وجمع مِثال أمثلة.

ويقال: مثَّلتُ كذا وكذا، أي شبَّهته.

ومثَّلتُ بالرجل، إذا نكَّلت به، وكذلك القتيل إذا جدعته.

والمَثُلات واحدها مَثُلة وقالوا مُثْلة، وهو التنكيل.

ومَثَلَ الرجلُ يمثُل مُثولًا، إذا انتصب قائمًا فهو ماثل.

ومَثَلَ يمثُل، إذا زال عن موضعه.

ويقّال: رأيت شخصًا في جوف الليل ثم مَثَلَ فلم أره، أي زال وذهب، وهو عندهم من الأضداد.

قال الشاعر:

«يقرِّبه النَّهْضُ النَّجيحُ لِما يرى*** فمنه بُدُوٌ تـارةً ومُـثـولُ»

والمِثال: الفِراش، والجمع مُثل.

قال جرير:

«لقد وَلَدَ الأخَـيْطِـلَ أُمُّ سَـوْءٍ*** لدى حَوض الحمار على مِثالِ»

والتِّمثال: الصورة، والجمع تماثيل.

ويقال: فلان أمثلُ بني فلان، أي أدناهم للخير.

وأَماثل القوم: خِيارهم.

ويقال: جاءنا فلان مَلَثَ الظّلام ومَلْث الظّلام، إذا جاء عند اختلاطه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


13-جمهرة اللغة (جرس جسر رجس رسج سجر سرج)

استُعمل منها؛ الجَرْس: صوت خفيّ.

يقال: ما سمعت له جَرسًا، أي ما سمعت له حِسًّا، فإذا قالوا: ما سمعت له حِسًّا ولا جِرْسًا كسروا وأتبعوا اللَّفظَ للّفَظ.

وسمعت جَرْس الطير، إذا سمعت صوت مناقيرها على كل شيء تأكله.

وفي الحديث: (فيسمعون جَرْسَ طير الجنَّة).

وأخبرنا أبو حاتم أو عبد الرحمن، إن شاء الله، عن عمّه الأصمعي قال: كنت في مجلس شُعبة فقال: "فتسمعون جَرْشَ طير الجنّة"، فقلت: "جَرْسَ"، فنظر إلي وقال: خذوها عنه فإنه أعلم بهذا منّا.

وسمِّيت النحل جوارسَ من هذا، لأنها تَجْرس الشَجر، أي تأكل منه.

قال الشاعر:

«جَوارِسُها تأوي الشعوبَ دَوائبًا*** وتنصبُّ ألهابًا وضِيقًا كِرابُها»

والجَرَس، والجمع أجراس: الذي يسمّيه العامّة جَرَصًا، بالصاد، واشتقاقه من الجَرْس، أي الصوت والحسّ.

وليس يجتمع في كلام العرب جيم وصاد في كلمة ثلاثية ولا رباعية إلا ما لا يثبت، فأما الجِصُّ ففارسيّ معرَّب، وقد قالوا جَصَّص الجِرْو إذا فتَّح عينيه، وقد قالوا الصَّمَج، الواحدة صَمَجَة، أي القناديل، جاء بها أبو مالك ولا أحسبها عربية صحيحة.

فأما الإجّاص فقد تكلّمت به العرب، ولا أدري ما، صحته.

والجَسْر، بفتح الجيم: الذي يسمّيه العامة جِسْرًا.

ورجل جَسِر وجَسور على الأمور: مُقْدِم عليها جَسَرَ يجسُر اللغة الفصيحة.

والناقة الجَسْرة: الجريئة على السَّير، والمصدر الجَسارة والجَسَر.

وبنو القَين بن جسْر: قبيلة من قُضاعة.

وبنو جَسر بن مُحارب: قبيلة من قيس أيضًا.

وجمع جسر جسور.

ورجل جَسور وامرأة جَسور، وربّما قالوا جَسورة بالهاء وجَسور بلا هاء، وهو الأصل.

والرِّجْس: العذاب، زعموا.

وقد قيل في القنوت: "رِجْسَك وعذابَك"، مثل الرِّجْز سواء.

وقالوا: رجل رِجْسٌ نِجْسٌ، ورَجِسٌ نَجِسٌ، وأحسبهم أجازوا: رَجَسٌ نَجَسٌ.

وفي التنزيل: {إنّما المُشركون نَجَسٌ}.

ويقول الرجل: أنا في مرجوسة من أمري، أي في أمر مختلِط.

وربما قيل: ما به من الرَّجاسة والنَّجاسة.

وسمعتُ رَجْسَة الرَّعدِ، أي صوته.

ورعد مرتجِس ومرتَجِز ورجّاس، إذا سمعت له صوتًا.

ويسمَّى البحر رجّاسًا لصوت موجه.

والسَّجْر من قولهم: سَجَرْتُ التنّور وغيرَه، إذا ملأته حطبًا ونارًا.

وكل شيء ملأته من شيء فقد سَجَرْتَه به وفي التنزيل: {والبَحْرِ المَسجورِ}، المملوء، واللهّ أعلم، وزعم قومٌ أنه الفارغ.

قال الشاعر:

«إذا شاء طالَعَ مسـجـورةً*** تَرى حولَها النَّبْعَ والسّاسَما»

قال أبو بكر: ساسَم ضربٌ من الشجر بالفتح، ولا يجوز ساسِم، بالكسر، يريد عينًا في قُلَّةِ جبل مملوءة ماءً حولها النَّبع والساسَم، وهو خشب أسود.

ويزعم قوم أنه الآبَنُوس، والنَّبع والسّاسَم ضربان من الشجر لا يكّونان إلا في الجبل، والآبَنوس لا ينبتّ في بلاد العرب ولكنه خشب يشِّبه به.

وقال آخر:

«فرَمَى بها عُرْضَ السَّرِيِّ وصدَّعا*** مسجورةَ متجاوِرًا قُـلامُـهـا»

فهذا يعني عينًا في سفح أو فضاء حولها قلاّم، وهو ضرب من الحَمْض.

والسَّجير: الخليل المُصافي.

قال الشاعر:

«سُجَراءَ نفسي غيرَ جَمْع أشابةٍ*** حُشُدٍ ولا هُلكِ المَفارش عُزّلِ»

وأما قوله تعالى: {وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ}، أي خَلَتْ من الماء، وزعموا أنه من الأضداد، ولا أُحب أن أَتكلّم فيه.

وسَجَرَتِ الناقةُ تسجُر سَجْرًا، إذا مدَّت حنينَها.

والسَّجْر أيضًا: ضرب من سير الإبل بين الخَبَب والهَمْلَجَة.

والسُّجرَة: حُمرة تعلوها غُبرة.

يقال: غَدير أسجَرُ ونُطفة سَجْراءُ، إذا امتلأ لليلته أو يومه، فإذا صفا فهو أخضر وأزرق.

وعين سَجْراءُ، إذا عَلَت بياضَها حُمرة.

والسُّجْرَة أغلظ من الشُّكْلَة، فأما الشُّكْلَة فحُمرة يسيرة في بياض العين.

وكانت في عينه صلّى الله عليه وسلَّم شُكْلَة، والشُّكلة تُستحسن.

ويقال للأسد أَسْجَرُ إما لحُمرة عينه وإما للونه.

والسَّرج: معروف.

والسِّراج: معروف.

وأنف مسرَّج: دقيق.

قال الأصمعي: ما كنتُ أعرف المسرَّج ولم أسمعه إلاّ في بيتّ للعجّاج:

«ومُقْلَةً وحاجبًا مزجَّجا *** وفاحِما ومَرْسِنًا مسرَّجا»

فسألت أعرابيًا عنها فقال: أتعرف السُّرَيجيّات.

يعني السيوف، فقلت: نعم، فقال: ذاك.

أراد: يعني أن الأنف دقيق كالسَّيف السُّريجي.

وهو منسوب إلى قَيْنٍ يسمَّى سُرَيْجًا.

وقال آخرون: مُسَرَّجًا، أراد منيرًا كلون السِّراج.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


14-جمهرة اللغة (جقن جنق قجن قنج نجق نقج)

استُعمل منها المَنْجَنيق، واختلف أهل اللغة فيه فقال قوم: الميم زائدة، وقال قوم: بل هي أصلية.

وأخبرَنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة، وأحسب أن أبا عثمان أيضًا أخبرنا به عن التَّوَّزيّ عن أبي عُبيدة قال: سألت أعرابيًا عن حروب كانت بينهم فقال: كانت بيننا حروب عُون، تُفْقَأ فيها العيون، مرَّة نُجْنَق وأُخرى نُرْشَق.

فقوله نُجنق دالّ على أن الميم زائدة، ولو كانت أصلية لقال: نُمَجْنَق على أن المَنْجَنيق أعجميّ معرَّب.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


15-جمهرة اللغة (خرف خفر رخف رفخ فخر فرخ)

الخَرَف: فساد العقل من الكبر، خَرِفَ الرجلُ يخرَف خَرَفًا فهم خَرِفٌ، وامرأة خَرِفَة.

وخرَفتُ النخلَة أَخرِفها وأَخرُفها خَرْفًا، إذا اجتنيت ثمرتها وهو جَناها.

والخُرافة: ما اخترفت من النخل، مثل الجُرامة.

والمِخْرَف: المِكْتَل الذي يُخترف فيه.

والمَخْرَف، بفتح الميم: الجماعة من النخل يُخترف ثمرها.

والمَخْرَفَة: الطريق الواضح تقول العرب: تركته على مثل مَخْرَفَة النَّعَم، أي على أمر واضح مكشوف.

والخَريف: وقت من أوقات السّنة، معروف.

ومطر الخريفِ والخِرْفيُّ: المطر في ذلك الوقت.

والمثل السائر: "حديثُ خُرافةٍ يا أُمَّ عَمْرِو".

وزعم ابن الكلبي أنه رجل من بني عُذْرَة اختطفته الجنّ ثم رجع إلى قومه فكان يحدِّث بأحاديث يُعجب منها فجرى على أَلْسُن الناس: حديثُ خُرافة.

والخَروف من الغنم: دون الجَذَع من الضَّأْن خاصةً.

ومثل من أمثالهم: "مِثل الخروف يتقلّب على الصوف"، يقال ذلك للرجل المَكْفيّ.

وجمع خَروف خِرْفان.

والخُرّاف: الذين يخرِفون النَّخل، الواحد خارف.

وبنو خارِف: بطن من العرب.

وبنو مخرِّف: بطن منهم أيضًا.

وخَفِرَتِ المرأةُ تخفَر خفَرًا، إذا استحيتْ، والاسم الخَفَر والخَفارة.

ومن هذا قولهم: فلان من أهل الخَفارة والتنزّه، بفتح الخاء.

وامرأة خَفِرَة: حَيِيَّة.

وخفرتُ القوم أخفُرهم خَفْرًا وخفارة، إذا أجرْتَهم، فالرجل خَفير والمرأة خَفيرة والقوم مخفورون.

فأما الخُفارة فالأجرة التي يأخذها الخفير، ويمكن أن تسمَّى الخِفارة، مثل الجِعالة.

قال الأعشى:

«ولا براءةَ للـبَـرِيِّ***ولا عطاءَ ولا خِفارَهْ»

وأخذ فلان خُفارةً من فلان، إذا أخذ منه جُعْلًا ليُجيره، وقد قالوا: خَفَرَ فلان بفلان، كما قالوا: كَفَلَ به.

وأخفرتُ القومَ إخفارًا، إذا غدرت بهم، فأنا مُخْفِر، والقوم مُخْفَرون.

والعرب تقول: آخْفُرْني، أي اجعل لي عهدًا، ولا تُخْفِرني، أي لا تنقض العهد الذي بيني وبينك.

والفَخْر: أن يعدَّ الرجل قديمَه، فَخَرَ يفخَر فَخْرًا وفَخَرًا، وتفاخر القومُ وفاخروا تفاخرًا وفِخارًا وافتخروا افتخارًا.

فأما الفِخار بالكسر فمصدر المفاخرة، وقال أبو زيد: يقال: فَخَرْتُ الرجلَ على صاحبه فأنا أفخَره فَخْرًا، وذلك إذا فاخره رجل ففضّلته عليه، وكذلك خِرْتُه عليه أَخِيره خِيرَةً وخِيرًا، أو أنفرته عليه إنفارًا، وأفلجته عليه إفلاجًا، وخيّرته عليه تخييرًا، ومعنى هذا كله واحد، وهو أن تفضِّله على صاحبه.

وفاخرني الرجلُ ففَخَرْتُه أفْخُره، وفاضلني ففَضَلْتُه أَفْضله فضَلاَ.

والفاخر- ويقال الفاخز بالرّاي والزّاي- من البُسْر: الذي يَعْظُم ولا نَوى له، وهو عيب في النخلة.

قال:

«ثمّ أتى فاخرَها فأَكلَهْ»

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرني رُوَيْشِد الطائي أو ابن رُويشد الطائي قال: مررت بالجبلين، جبلَي طيّىء، على امرأة تبكي تحت نخلة فقلت لها: ما يبكيك? فقالت: إن آبِرَها أضَلَّها، تعني: لم يلقِّحها، أفسدها، ثم قالت:

«أضلَّها أَضَلّ ربّي عَمَلَهْ *** ثمّ أتى فاخِرَها فأكَلَهْ»

«ثُمَّتَ قالت عِرْسُه لا ذَنْبَ لَهْ *** لو قَتَلَ الغَلُّ امرأً لَقَتَلَهْ»

الغَلّ: الخيانة، مصدر غَلّ يَغُلّ غَلاًّ، ويُروى: فاخِزها، بالزاي، وهو الجُردان العظيم، ويقال له الفاخِز والفَيْخَز قال أبو حاتم: من قال بالزاي فقد صحَّف، إنما هو بالراء.

وشاة فَخور، إذا عَظُمَ ضَرْعُها وقلّ لبنُها وربّما سُمِّي الضّرْع فاخرًا وفَخورًا، إذا كان كذلك.

وأنشد لعبد المسيح ابن بُقَيْلَة الغَسّاني:

«وكنّا لا يبـاح لـنـا حَـريمٌ***فنحن كضرَّة الضرْع الفَخورِ»

وقال قوم: بل هو الفَخوز بالزاي المعجمة، والضَّرَّة: وسط الضَّرْع الذي لا يخلو من اللبن.

وفرس فَخور، إذا عَظُمَ جُرْدانُه.

قال أبو حاتم: غُرْمول فَيْخَز، بالزاي المعجمة، إذا عظم والفَيْخَز، والجمع الفياخر: الرجل العظيم الجُرْدان، وقالوا: فحل فَيْخَز، بالزاي المعجمة، إذا عظم، هكذا قال أبو حاتم.

والفَخّار: الخَزَف المتَّخَذ من الطين.

وفي التنزيل: {من صَلْصالٍ كالفَخّار}، قالوا: هو حَمْأة الغدير إذا جفّ فسمعت له صلصلةً كالخزَف، والله أعلم.

ونخلة فَخور: عظيمة الجِذع غليظة السَّعَف.

والمَفْخَرَة: المأثُرة يفتخر بها الرجل، والجمع مَفاخر.

والرَّخْفَة والرَّخْف: الزُّبد الرقيق.

يقال: زبدة رَخفَة، إذا كانت رِخوة، وقد رَخفَتْ رَخافةً ورُخوفةً، إذا رقت.

والرَّخْفة أيضًا، والجمع رِخاف: حجارة خِفاف رِخوة كأنها جُوف، وهذا غلط.

قال الأصمعي: هي اللِّخاف.

وذكر أبو مالك أنه سمع: عيش رافخ، في معنى رافغ، أي واسع.

والفرْخ: فَرْخ الطائر، والجمع فراخ وفروخ، وكثر في كلامهم حتى قيل لصغار الشجر فِراخًا، إذا نبتت في أصول أمّهاتها.

والمَفارخ: المواضع التي يفرّخ فيها الطير، الواحد مَفْرَخ.

ويقال: أفرخَ الطائر إفراخًا وفرّخ تفريخًا.

ويقال للرجل عند الفزع: "أَفْرَخَ رَوْعُك"، أي لن تُراع مأخوذ من انكشات البيضة عن الفرخ.

وبيضة مُفْرِخ، إذا كان فيها فَرْخ.

والفُرَيْخ: قَيْنٌ كان في الجاهلية معروف تنسب إليه النِّصال والنِّبال.

قال الشاعر:

«ومَقذُوذَيْنِ من بَرْي الفُرَيْخِ»

والفَرْخة: السَّنان العريض.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


16-جمهرة اللغة (دغن دنغ غدن غند ندغ نغد)

الدَّنِغ: رجل دَنِغٌ من قوم دَنَغَة، وهم سَفِلَة الناس ورُذالهم؛ ويقال: دَنِع، بالعين، وهو الوجه.

والنَّدْغ: مصدر ندَغته بكلمة أندَغه ندغًا، إذا سبعته بها.

قال الراجز:

«مالت لأقوال الغَويِّ المِـنْـدَغِ*** فهي تُري الأعلاقَ ذاتَ النُّغْنُغِ»

والنِّدْغ: الصَّعْتَر البريّ؛ هكذا قال أبو زيد.

وقال غيره: هو النَّدْغ، بفتح النون.

وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: كتب هشام بن عبد الملك الى عامله بالطائف: ابعث إلي من عسَل النِّدْغ والسِّحاء أخضرَ في السِّقاء أبيضَ في الإناء؛ السِّحاء، ممدود: ضرب من الشجر تأكل منه النحل.

والغَدْن: أصل بناء التغدّن، وهو التمايل والتعطّف.

واغدودن النبتُ، إذا تمايل، ومنه اشتقاق اسم غُدانة.

وبنو غُدْن: بطن من العرب، وكذلك بنو غُدانة أيضًا.

وأحسب أن الغُدُنَّة لحمة غليظة في اللَّهازم أو قريب منها.

والقضيب الذي تعلَّق عليه الثياب في البيوت يسمّيه أهل اليمن: الغِدان.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


17-جمهرة اللغة (دكو دوك كدو كود ودك وكد)

الدَّوْك: مصدر داكه يدوكه دَوْكًا، إذا غتَّه في ماء أو تراب.

ويقال: باك الفرسُ الحِجْرَ وداكها دَوْكًا، إذا علاها.

والمِدْوَك والمَداك واحد، وهي صَلاءة العطّار، والجمع المداوك.

وتداوك القومُ، إذا تصادموا في حرب أو شرّ.

والدَّوْك: ضرب من مَحار البحر.

والكَدْو: مصدر كَدَوْتُ وجهَ الأرض أكدوه كَدْوًا، إذا خدشته بعصا أو مِحْجَن.

والكَوْد: كل شيء جمعته فجعلته كُثَبًا من تراب أو طعام أو نحوه، والجمع أكواد.

ويقولون: كوّدتُ الشيءَ تكويدًا، لغة يمانية؛ ويقولون: كاد يكود ويكيد وحاد يحود ويحيد، لغة يمانية.

قال أبو بكر: وأخبرنا أبو مُعاذ عن أبي عثمان المازني قال: تقول العرب: لا هَمًّا ولا كَوْدًا، أي لا يَثْقُلَنّ عليك.

وقد سمّت العرب كُوَادًا وكُوَيْدًا.

وعقبة كَؤود: صعبة المرتقَى.

وقد سمّت العرب وَدّاكًا ومودِّكًا ومودوكًا.

والوَدَك: وَدَك الشحم وغيره؛ وَدِكَت يدُه وَدَكًا، ولحم وَدِكٌ، أي له وَدَكٌ.

ورجل وادك، أي ذو وَدَكٍ، كما قالوا: تامر ولابن.

والوديكة: دقيق يُساط بوَدَك.

والوَكْد من قولهم: ما زال ذلك وَكْدي، أي فعلي ودَأبي.

ووكّدت العهدَ والعقدَ توكيدًا، إذا أحكمته، وكل شيء أحكمته فقد وكّدته.

والوكائد: السيور التي يُشدّ بها القَرَبُوس الى دفّة السَّرج، الواحد وِكاد وإكاد.

ووَكَدَ بالمكان يَكِدُ وُكودًا، إذا أقام به.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


18-جمهرة اللغة (دني دين ندي نيد يدن يند)

يقال: هو ابن عمّه دِنْيًا ودُنْيًا، أي قريب النّسب.

والدُّنْيا: معروفة.

والدَّيْن: معروف.

ورجل مَدين ومديون، وهو الأصل، إذا كان عليه دَين، ومُدان أيضًا.

وقال قوم: مُدانٌ: عليه دَين، ومُدّان: يأخذ الدين.

قال الهُذلي أبو ذؤيب:

«أدانَ وأنبأه الأوّلـونَ***بأنّ المُدانَ مَليٌّ وَفيُّ»

وادّان الرجلُ، إذا أخذ الدَّينَ.

قال عمر رضي الله تعالى عنه: إنّ الأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهينة رضي من دِينه وأمانته أن يقال: سبق الحاجَّ فادّان مُعْرِضًا فأصبح قد رِينَ به، أي أخذ من هاهنا وهاهنا؛ قد رِين به: أي غُلب على أمره.

والدِّين: المِلّة؛ دِين الله: ملّة الله التي اختصّها، وهي الإسلام.

والدِّين: الدَّأْب والعادة؛ ما زال ذاك دِينَه، أي دأبه وعادته.

قال الشاعر:

«تقول إذا دَرَأْتُ لها وَيني***أهذا دِينُه أبدًا وَدِينـي»

الوَضين: حزام الرحل.

وقال امرؤ القيس:

«كدِينكَ من أمّ الحُوَيْرِث قبلها***وجارتِها أمِّ الرَّباب بمأْسَلِ»

والدِّين: الطاعة والمُلك.

قال الله تعالى: {ما كان ليأخذَ أخاه في دِين المَلِك}، أي في طاعته.

قال الشاعر:

«لئن حللت بجَوٍّ في بـنـي أسـدٍ***في دين عمرٍو وحالت دوننا فَدَكُ»

ويُروى: بيننا، أي في طاعة عمرو.

والدِّين: الجزاء.

قال الله جلّ وعزّ: {مالك يوم الدين}، أي الجزاء، والله أعلم.

والمثل السائر: "كما تَدين تُدان"، أي كما تفعل يُفعل يُفعل بك.

وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة قال: كان ملك من ملوك غسّان يتعذر النساء لا يبلغه عن امرأة جمالٌ إلا أخذها، فأخذ ابنة يزيد بن الصَّعِق الكِلابي، وكان أبوها غائبًا فلما قدم أُخبر فوفد إليه فصادفه متبدّيًا، وكان الملك إذا تبدّى لم يُحجب عنه أحد، فوقف بين يديه بحيث يسمع كلامه فقال:

«يا أيها الملكُ المُقِيتُ أما تـرى***ليلًا وصبحًا كيف يختـلـفـانِ»

«هل تستطيع الشمس أن يُؤتى بها***ليلًا وهل لك بالـمَـلـيك يَدانِ»

«واعْلَمْ وأيْقِنْ أنّ مُلْـكَـك زائلٌ***واعْلَمْ بأنّ كمـا تَـدينُ تُـدانُ»

فأجابه الملك:

«إن التي سلبـت فـؤادَك خُـطّةٌ***مرفوضةٌ مِلْ آن يا ابنَ كِـلابِ»

«فارْجِعْ بحاجتك التي طالبتـهـا***والْحَقْ بقومك في هضاب إرابِ»

ثم نادى أن هذه سُنّة مرفوضة.

قال أبو عبيدة: ما أُنشدت هذه الأبياتُ ملكًا ظالمًا قطُّ إلاّ كفّتْ من غَرْبه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


19-جمهرة اللغة (رظت رتظ ظرت ظتر ترظ تظر)

استعمل منها ظَرْف كل شيء: ما جُعل فيه، والجمع ظُروف.

ورجل ظَريف بَيِّن الظَّرْف والظَّرافة من قوم ظُرَفاء، والفعل منه ظَرُفَ يظرُف.

سئل أبو بكر عن الظَّريف ما معناه فقال: قال قوم: الظَّريف الحَسَن العبارة المتلافي حُجّته، وقال آخرون: بل الظَّريف الحَسَن الهيئة.

وأهل اليمن يسمّون الحاذق بالشيء ظَريفًا.

والظُّفر: ظُفر الإنسان، والجمع أظفار، ولا يقال: ظِفْر، وإن كانت العامّة قد أولعت به، ويجمع أظفار على أظافير، وقال قوم: بل أظافير جمع أُظْفُور، والظّفْر والأظْفور سواء.

أنشدَنا أبو حاتم قال: أنشدتني أمّ الهيثم واسمها غَيْثَة من بني نُمير بن عامر بن صَعْصَعَة:

«ما بين لُقمته الأولى إذا انحدرتْ***وبين أخرى تليها قِيسُ أُظْفورِ»

وظفَّر السَّبُعُ، إذا أنشبَ مخالبَه.

وظَفِرَ الرجلُ بحاجته يظفَر ظَفَرًا.

والظَّفَرَة: عَلَقَة تخرج في العين، ظَفِرَت عينُه تظفَر ظَفَرًا.

وظَفارِ: موضع ينسب إليه الجَزْع الظفاريّ.

قال أبو عُبيدة: وهو مبني على الكسر نحو حَذامِ وقطامِ وما أشبهه.

وقال غيره: سبيلها سبيل المؤنّث لا تنصرف، يقال: هذه ظَفارُ ورأيت ظَفارَ ومررت بظَفارَ.

وأخبرنا السَّكن بن سعيد قال: أخبرنا محمد بن عَبّاد عن ابن الكلبي قال: خرج ذو جَدَن الملكُ يطوف في أحياء مَعَدّ فنزل ببني تميم فضُرب له فسطاط على قارة مرتفعة فجاءه زُرارة بن عُدَس فصعِد إليه فقال له الملك: ثِبْ، أي اقعدْ بلغته فقال: ليعلم الملكُ أني سامع مُطيع، فوثب إلى الأرض فتقطّع أعضاءً، فقال الملك: ما شأنه.

فقالوا: أبيتَ اللعن إن الوثب بلغتهم الطَّمْر.

فقال: ليس عربيتُنا كعربيتكم، من دخل ظَفارِ حَمَّرَ، أي تكلِّم بكلام حِمْيَر ثم تذمَّم فقال: هل له من ولد? فأُتي بحاجب فضرب عليه قبّة فكانت عليه إلى الإسلام.

وقد سمّت العرب ظَفَرًا ومظفرًا ومِظْفارًا.

وفي العرب بطنان ينسبان إلى ظَفَر: بطن في الأنصار، وآخر في بني سُليم.

وقد قالوا: رجل ظِفّير، أي كثير الظَّفَر، وليس بثَبْت.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


20-جمهرة اللغة (رمي ريم مري مير يرم يمر)

رمى يرمي رَمْيًا، وكل شيء رميته من يدك من حجر أو سهم فهو رَمِيّ، فإذا ألقيت شيئًا عن شيء قلت: أرميتُه عنه إرماءً.

قال الراجز:

«جرداءَ مِسحاجًا تباري مِسْحَجا *** يكاد يُرْمى القَيْقَبانَ المُسْرَجا»

أي يلقيه عن ظهره.

ويقال: أرْمَى الرجل على الخمسين، إذا زاد عليها.

وكل شيء زاد على شيء فقد أرمَى عليه إرماءً، وكذلك أربَى عليه.

قال الشاعر:

«وأسـمـرَ خـطـيًّا كـأنّ كـعـوبَـه***نَوَى القَسب قد أرمَى ذِراعًا على العشر»

ويُروى: قد أربَى، أي زاد عليها.

والرَّميَّة: ما رميته من شيء، كما أن الضَّريبة ما ضربته.

والرَّميِ: المَرْميّ.

والرمِيّ والسَّقِي: ضربان من السحاب.

والرِّماية: مصدر رامٍ حسن الرماية.

والمِرماة: السهم.

والمِرماة التي في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو دُعي إلى مِرماة) فسّروه: الظِّلف أو الهُنَيَّة التي بين الظلفين، والله أعلم.

ورُمَيّ: موضع.

ورِميان: موضع.

وقالوا إرْمِياء، وأحسبه معرَّبًا، وهو اسم نبي عليه السلام.

ورِمّيا من قولهم: كانت بينهم رِمِّيّا ثم صاروا إلى حِجِّيزَى.

والرَّيم: مصدر رام يريم رَيْمًا، وما رِمْتُ عن المكان، أي ما بَرِحْتُ.

ورَئمَتِ الناقةُ ولدها رئمانًا، وموضعه في الهمز تراه إن شاء الله.

والرَّيْم: ما يبقى من البعير الذي يتياسر عليه، وهو عظم الصَّلا وما لصق به يُدفع إلى الجازر فإن أخذه أحد من الأيسار عُير به.

قال الشاعر:

«وكنتم كعظم الرَّيم لم يدْرِ جازرٌ***على أيِّ بَدْأيْ مَقْسِم اللحمُ يُجعلُ»

والريْم أيضًا: الزيادة والفضل، يقال: لفلان رَيْم على فلان، أي فضل.

قال الشاعر:

«فأقع كما اقعَى أبوكَ على أسْتِهِ***يرى أن رَيْمًا فوقه لا يزايلُـه»

والريم: القبَر، زعموا، في بعض اللغات.

والرَّيْم: من آخر النهار إلى اختلاط الظلمة.

والريْم: الدرجة والدُّكّان، لغة يمانية.

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرني الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: كنت باليمن فأتيت دار رجل أسأل عنه فقال لي رجل من الدار: أسمُكْ في الريْم، أي اصْعَدِ الدرجة.

والرّئم: يهمز ولا يُهمز، والهمز أكثر وأعلى، وهو الظبي الأبيض، والجمع آرام، وهي ظِباء تكون في الحُزون والغِلَظ من الأرض.

وريْمان: موضع.

والمَيْر: مصدر مِرْتُ أهلي أميرهم ميْرًا، وهي الميرة، غير مهموز.

فأما المِئْرَة، بالهمز، فهي النميمة، وموضعها في الهمز تراه إن شاء الله.

وقال قوم من أهل اللغة: بل المِئْرَة الحقد والعداوة.

ويقال: أمر مئير، أي شديد.

ويقال: ما عندك لا خَيْر ولا مَيْر، وهذا من المِيرة، غير مهموز.

والميار: الذي يخرج إلى المِيرة.

قال الراجز:

«قد يَخْلُفُ الميّارَ في الجُوالقِ *** في أهله بأفلقَ الفَلائقِ»

«صاحب أدهانٍ ودِين مارقِ»

يقول: يتدهن ويتطيّب ويتحدّث إلى النساء فهو يَخلف الرجلَ الميارَ في أهله بالداهية.

والمَرْي: مصدر مَرَيْت أخلافَ الناقة بيدي لتَدرَّ أمْرِيها مَرْيًا، ثم كثر ذلك حتى قيل: مَرَتِ الريحُ السحابَ تَمريه مرْيًا، إذا استمرّت ماءه.

وقالوا: بالشكر تمْتَرى النعم، أي تُستدرًّ والمَريء: مجرى الطعام والشراب إلى الجوف، مهموز، وستراه في باب الهمز إن شاء الله.

ويقولون: ليس في هذا شَكٌّ ولا مرْية، بكسر الميم وضمها، من الامتراء.

فأما مُرْيَة الناقة أن تُستدرّ بالمَرْي فبضمّ الميم، وهي اللغة العالية، وقد قيل بالكسر أيضًا.

قال الشاعر:

«أصبحتْ حربُنا وحربُ بني الحا***رثِ مشبوبةً بأغلى الـدمـاء»

«شامِذًا تَتَّقي المُبِسَّ عن الـمـرْ***يَةِ كُرْهًا بالصِّرف ذي الطُلاءِ»

شبّه الحرب بالناقة التي قد شَمَذَت بذَنَبها للِّقاح، أي رفعته، والمُرْيَة: مسح الضَّرع لتدرَّ، والصرف: صِبغ أحمر، والطّلاّء: الدم، والمُبِسّ: الذي يداري الناقة بالإبساس، أي بالكلام حتى يحلبها.

وللراء والميم والياء مواضع تراها في الهمز إن شاء اللّه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


21-جمهرة اللغة (سعو سوع عسو عوس وسع وعس)

السَّعْو: الشمع في بعض اللغات، جاء به الخليل وغيره.

والعَوَس، زعموا، رجل أعْوَسُ وامرأة عَوْساءُ، وهو دخول الشِّدقين حتى يكون فيهما كالهَزْمتين، وأكثر ما يكون ذلك عند الضَّحِك.

والوَسْع: الطاقة، بفتح الواو، ويضمّها أيضًا قوم.

والوَسْع: أصل بناء قولهم: ناقة وَساع، إذ كانت واسعة الخَطْو.

ومن أمثالهم: "قد تَبْلُغُ القَطوفُ الوَساعَ".

والسَّعَة: ضدّ الضّيق، وهو ناقص، تراه في موضعه إن شاء الله.

وسُواع: صنم قديم كان لحِمير، وقد ذُكر في التنزيل: {ولا تَذَرُنَّ وَدًّا ولا سُواعا}.

وقد سمّت العرب عبد وُدٍّ وعبد يَغوثَ، ولم تسمِّ عبد سُواعٍ، ولا عبد يَعوقَ.

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيدة قال: قلت لرؤبة: ما الوَدْي? قال: يسمّى عندنا السُّوَعاء مثال فُعَلاء، يفُمَدّ ويُقصر، وقالوا: الشُّوَعاء، بالشين.

والوَعْس: الرمل السهل الذي يَشُقّ على الماشي فيه؛ أرض وَعْس وأرَضون وُعوس وأوعاس.

وأوعسَ القومُ، إذا ركبوا الوَعْس.

ورجل مِيعاس وأرض مِيعاس، مِفعال من الوَعْس، قُلبت الواو ياء لكسرة الميم.

وعسا الشيءُ يعسو عُسُوًّا، إذا اشتدّ وصلب، من النبت وغيره.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


22-جمهرة اللغة (شطك شكط طشك طكش كشط كطش)

الكَشْط: سلخُك الجلدَ عن البعير؛ كشطتُه أكشِطه كَشْطًا.

ولا تقول العرب: سلختُ البعير، إنما يقولون: كشَطتُه أو جلدتُه، ويقولون: كشطتُ عنه ولا يقولون: جلدتُ عنه.

وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: وقف رجل على كِنانةَ وأسد ابني خُزيمة وهما يكشِطان عن بعير لهما فقال لرجل قائم: ما جِلاء الكاشِطَيْن? فقال: خابئةُ المَصادع وهَصّار الأقران.

فقال: يا كِنانةُ ويا أسدُ أطعماني من هذا اللحم فأطعماه.

قال أبو بكر: قوله: ما جِلاء الكاشِطَيْن، أي ما اسمهما? وقوله: خابئة المصادع يعني الكِنانة، والمَصادع: السِّهام، واحدها مِصْدَع.

وهَصّار الأقران يعني الأسد.

قال الشاعر في المِصْدَع:

«فأنفذَ طُرَّتَيْه المِصْدَعُ»

طُرَّتَيه: جنبيه وناحيتيه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


23-جمهرة اللغة (عني عين نعي نيع يعن ينع)

عُنِيتُ بالشيء أُعْنَى به من العِناية فأنا مَعْني به.

وتقول: لتُعْنَ بكذا وكذا، إذا أمرتَ الرجل بالعناية به.

والعَين المعروفة: عين الإنسان وغيره، والجمع عُيون وأعيان.

قال الشاعر:

«ولكنّما أغدو عليَّ مُفـاضةٌ***قَتيرٌ كأعيان الجَراد المنظَّمِ»

وعَين الماء.

وعَين الشمس: شُعاعها الذي لا تثبت عليه العين.

والعَين: الذهب من المال، خِلاف الورق.

والعَين: عين الكتابة.

والعَين: عين الرُكبة، وهو قَلْتها.

والعَين: جاسوس القوم.

والعَين: ناحية القِبلة، وهي التي ينشأ منها السحاب الذي يُرجى للمطر؛ ونشأ السحابُ من قِبَل العَين، إذا نشأ من عن يمين القِبْلَة.

والعِين: جمع عَيناء؛ رجل أعْيَنُ وامرأة عَيْناءُ.

وعاينتُ الأمرَ مُعاينةً وعِيانًا.

وفلان من أعيان بني فلان، أي من ذوي النّباهة منهم.

وحفرَ الحافرُ فأعْيَنَ، إذا صار الى عَين الماء.

ورجل معيون، إذا أُصيب بعَين.

قال العبّاس بن مِرداس:

«قد كان قومُكَ يحسِبونك سيِّدًا***وإخال أنّك سَيّدٌ مـعـيونُ»

وعانَه يَعينه، إذا أصابه بالعَين.

وعيّنَ السِّقاءُ، إذا رقّت منه مواضع فرشحت ماءً.

وتعيّن الجلدُ، إذا وقعت فيه الحَلَمَة، وهي دُوَيبة كالدودة، فإذا دُبغ لم يَزَل ذلك الموضع رقيقًا.

قال رؤبة:

«ما بالُ عيني كالشَّعيب العَيَّنِ»

وهو الذي قد تعيّن؛ والشّعيبان: أديمان يُلصق أحدُهما بالآخر ويُجعلان مَزادة.

وعُيَيْنَة: اسم، وهو تصغير عَين.

وهذا لك بعَينه، أي بأسره.

والعِينة من الرِّبا، اشتقاقه من أخذ العَين بالرِّبح.

وثوب معيَّن: فيه نقوش كالعُيون.

وعَيْنين: موضع.

قال البعيث:

«ونحن منعنا يوم عَيْنَيْنِ مِنْـقَـرًا***ويومَ جَدودَ لم نُواكِلْ عن الأصلِ»

ويُروى: ولم نَجْفُ في يومَيْ جَدودَ عن الأصل.

والنّسَب إليه: رجل عينيّ، كرهوا الطول أن يقولوا: عَيْنانيّ.

وجاء بالحقّ بعينه، إذا جاء به خالصًا واضحًا.

وأصاب فلانٌ فلانًا بعَين.

والنّيْع: مصدر ناع ينوع وينيع، إذا تمايل.

والنّعْي: مصدر نَعَيْتُ الرجلَ أنعاهُ نَعْيًا، إذا خبّرتَ عن موته؛ والنّعْي والنَّعِيّ بمعنى واحد.

ويقال: نَعاءِ فلانًا، معدول عن النّعْي، مثل نزالِ وتراكِ، كأنك قلت: أنا أنعَى فلانًا، أي أُخْبِر بموته.

وتَناعى بنو فلان في الحرب، إذا نَعَوْا قتلاهم ليحرّضوا في الحرب على القتل.

واليَنْع: الثمر المُدْرِك؛ أينعَ الشجرُ، إذا أدرك ثمرُه فهو مونِع، ويَنَعَ فهو يانع، وقالوا: أينعَ إيناعًا ويَنَعَ يَنْعًا.

وفي التنزيل: {انظروا الى ثَمَرِه إذا أثمرَ ويَنْعِهِ}، ويانعه، ويُنْعه.

وأخبرنا أبو حاتم قال: قلت للأصمعي: تقول: يَنَعَ وأينعَ? فلم يتكلّم فيه لأنه في القرآن، فلم القوم وهم يأكلون ولم يُدْعَ: قال امرؤ القيس:

«فاليومَ أشْرَبْ غيرَ مستحقِبٍ***إثمًا من اللـه ولا واغـلِ»

ويُروى: فاليوم فاشْرَبْ.

قال النحويون: فاليوم أُسْقى غير مستحقِب، فرارًا من كثرة الحركات وتسكين الباء.

قال جرير بن الخَطَفَى:

«سيروا بني العمِّ فالأهوازُ منزِلُكم***ونهرُ تِيرَى فما تعرفْكم العَرَبُ»

وقال الآخر:

«إذا اعوجَجْنَ قلتُ صاحبْ قَوِّمِ *** بالدَّوِّ أمثالَ السّفينِ العُوَّمِ»

والوَغْل: المدّعي نَسَبًا ليس بنَسَبه، والجمع أوغال.

وولَغَ الكلبُ في الإناء وكذلك السَّبُع يَلَغُ ويالَغ أيضًا، وأولغَه صاحبُه.

ويُنشد هذا البيت لابن قيس الرُّقَيّات:

«ما مرّ يومٌ إلا وعندهمـا***لحمُ رجالٍ أو يالَغان دَما»

ويروى: يولَغان أيضًا؛ قال الأصمعي: رَشَنَ الكلبُ في الإناء، إذا أدخل رأسَه فيه.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


24-جمهرة اللغة (باب ما جاء على فعال)

الخُطّاف: ضرب من الطير.

والخُطّاف: المِحْوَر من الحديد الذي تدور فيه البَكْرة.

والخُطّاف: حدائد معطَّفة من آلة الشَّرَك، وهي التي عنى النابغة فقال:

«خطاطيفُ حُجْنٌ في حبالٍ متينةٍ*** تُمَدُّ بـهـا أيْدٍ إلـيك نـوازعُ»

وهُدّاب الثوب: معروف.

وأنشد:

«كهُدّاب الدِّمَقْس المفتَّل»

ونسّاف: طائر.

والكُلاّب: معروف، والكَلّوب أيضًا، وهما حديدتان معطوفتان كالمِحْجَنين.

والنُّشّاب: معروف.

والقُلاّم: نبت.

وعُقّال: داءٍ يأخذ الدوابَّ في أرجلها فيَخْزُرها عن الجَرْي ساعةً ثم تنطلق.

وذو العُقّال: فرس معروف كان من جياد خيل العرب.

وشُقّار: نبت.

وحُلاّم وحُلاّن، وهو الجَدْي أو الحَمَل.

قال مهلهل:

«كلُّ قتيلٍ في كُليبٍ حُلاّنْ *** حتى ينالَ القتل آلَ شَيبانْ»

ويُروى:

«كلُّ قتيلٍ في كُليبٍ حُلاّمْ *** حتى ينالَ القتلُ آلَ هَمّامْ»

وأنشد:

«تُهدي إليه ذراعُ الجَدي تَكْرِمَةً*** إمّا ذبيحًا وإما كان حُـلاّنـا»

وعُنَّاب: معروف عربي.

ويسمّى ثمر الأراك عُنًَّا أيضًا.

وقُنّاب، وهو الورق المستدير في رؤوس الزرع إذا أراد أن يُثمر، يقال: قنَّبَ الزرعُ.

والمُلاّح: نبت.

قال أبو النجم:

«يَخُضْنَ مُلاّحًا كذاوي القَرْمَل»

المُلاّح: شجر لِطاف، والقَرْمَل: شجر تامّ، فشبّه المُلاّح في لطافته لمّا أن تُرك فلم يؤكل بالقَرْمَل في تمامه.

والعُلاّم: الحِنّاء.

قال الشاعر:

«بالعُلاّم مَعلولُ»

وصُلاّم: نبت، وقالوا: ثمر نبت.

وأخبرنا أبو حاتم قال: قلت لرجل من طيّىء: ما تجتنون في الشتاء? فقال: الصُّلاّم.

قلت: وما الصُّلاّم? فقال: لُبُّ عَجَم النَّبِق.

والقُلاّع: نبت.

والقُلاّعة: صخرة عظيمة.

والحُمّاض: نبت.

والخُضّار: نبت.

والزُّبّاد: نبت.

والقُرّاص: نبت، وهو الأُقْحُوان إذا جفَّ وتناثر نوْرُه الأبيض وتبقَى الأصفر.

والخُرّاط: نبت.

والخُبّاز: نبت.

والكرّاث: نبت.

قال ذو الرُّمّة:

«كأنّ أعناقَها كُـرّاثُ سـائفةٍ*** طارت لفائفُه أو هَيْشَرٌ سُلُبُ»

فأما الكَرَاث، بفتح الكاف وتخفيف الراء، فبت غير هذا الكُرّاث، وستراه إن شاء الله.

وخُشّاف وخُفّاش: طائر.

وسُطّاح: نبت.

وصُفّاح: حجارة رِقاق.

والسُّلاّق: عيد من أعِاد النصارى عجميّ تعرفه العرب.

والسُّمّاق: ثمر نبت.

والسُّمّان: طائر.

والزُّمّاح: طائر، وله حديث.

والجُمّاح: سهم يلعب به الصبيان.

وعُلاّق: نبت.

والسُّلاّن: موضع.

قال الشاعر:

«لمن الديارُ بروضة السُّلاّنِ*** بالرَّقمتين فجانب الصَّمّان»

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


25-جمهرة اللغة (باب ما تذكر العرب من الأطعمة)

الوَليقة: طعام يُتّخذ من دقيق وسمن ولبن.

والأَلُوقة: كل ما لُيِّن من الطعام.

وفي الحديث: (وما آكُلُ إلاّ ما لُؤَق)، أي ما لُيِّن.

والصِّقَعْل: تمر يُحلب عليه لبن.

والرَّهِيّة: بُرّ يُطحن بين حجرين ويُصبّ عليه لبن، ارتهى الراعي، إذا فعل ذلك.

والآصِيّة: دقيق يُعجن بتمر ولبن، ويقال الآصِيَة بالتخفيف.

والخَزيرة: شحم يذاب ويُصبّ عليه ماء ويُطرح عليه دقيق فيُلبك به، والخَزيرة والسَّخينة واحد.

واللَّفيتة: العَصيدة.

والرَّغيغة، وهو حسو رقيق.

والثُّرُعْطُطة: نحو الرَّغيغة.

والحَيس: تمر وأقط وسَمن.

قال الراجز:

«التَمْرُ والسَّمْنُ جميعًا والأقِطْ *** الحَيْسُ إلاّ أنّه لم يختـلِـطْ»

وأخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا الأصمعي قال: قال لي الرشيد: فُطمت على الحَيْس والموز.

والغَذيرة: دقيق يُحلب عليه لبن ثم يُحمى بالرَّضْف.

والخُلاصة والقِشْدة والقِلْدة: تمر وسَويق يُخلص به السَّمن.

والسَّرْبَلة: الثريد الكثير الدَّسَم، والسَّغْبَلة مثله.

والعَكيس: لبن يُصَبّ على إهالة؛ والإهالة: الشحم المذاب.

والوَطِيّة: عَصيدة التمر واللبن.

والمَجيع: التمر واللبن.

والفِئْرة: حُلْبة تُطبخ بتمر وتُسقاه النُّفَساء.

والفَريقة: حُلبة ودواء يصفّى فيسقاه المريض.

قال الشاعر:

«مثلُ الفَريقة صُفِّيَتْ للمُدْنَفِ»

واللحم المعرّض: الذي يُشتوى على الرماد فلا يستتمّ نُضجه، فإذا غيّبته في الجمر فهو مملول، فإذا شويته فوق الجمر فهو المضهَّب.

والمحنوذ: المشتوَى على الحجارة المُحْماة.

والفئيد: الذي يُدفن في الجمر.

وقال مرة أخرى: والمفؤود والملهوج: الذي فيه بعض مائه.

والعَلَس: شِواء مَسْمون، وهو الذي يؤكل بالسَّمن، هكذا يقول الخليل، رحمه اللّه.

والشُّنْدُخيّ: طعام الإملاك، وقالوا الشَّنْدَخيّ، واشتقاقه من قولهم: فرس شنْدُخ، وهو الذي يتقدّم الخيل في سيره، فأرادوا أن هذا الطعام يتقدّم العُرْس.

والوَليمة: طعام العُرْس.

والتَّوكير: طعام في بناء دار أو بيت.

والعَقيقة: ما يُذبح عن المولود.

والخرْسة: ما يُتّخذ للنّفَساء.

والوَضيمة: طعام المأتم.

قال أبو بكر: وليس كل أهل اللغة عرف هذا.

والعَذيرة: طعام الختان، ويقال الإعذار أيضًا.

قال الراجز:

«كل الطعام تشتهي ربيعَهْ *** الخُرْسَ والإعذارَ والنَّقيعَهْ»

والنَّقيعة: طعام قدوم المسافر.

وقال مرة أخرى: طعام القُدّ ام.

وأنشد:

«إنّا لنضرب بالسيوف رؤوسَهم*** ضَرْبَ القُدارِ نَقيعةَ القُـدّام»

والمأدُبة والمَدْعاة: طعام أيّ وقت كان.

والقَشيمة: هَبيد يُحلب عليه لبن.

قال أبو بكر: الهَبيد: حبّ الحَنْظَل يُنقع في ماء حارّ أو في مُهَراق دلوٍ أيامًا حتى تذهب مرارتُه ثم يُقلى ويؤكل.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


26-جمهرة اللغة (باب آخر من النوادر)

قال يونس: حَفَصْتُ الشيء"، إذا ألقيتَه من يدك، بالصاد غير المعجمة؛ وحَفَضْتُه، إذا عطفتَه، بالضاد المعجمة.

قال أبو عُبيدة: يقال: عَشَشْت الرجلَ عن مكانه وأعششتُه، إذا أزلتَه عنه وهو كاره.

وقال: المُتْمَهِلّ والمُتْلَئبّ مثل المُسْجَهِرّ سواء، وهو امتداد الليل وغيره.

وقال: المُقْمَهِدّ: الذي قد لوى عُنُقَه وشمخ بأنفه.

وقال يونس: أقامت امرأة فلان عنده رُبْضَتها، يعني امرأة العِنِّين إذا أقامت عنده سنةً ثم فُرِّق بينهما.

وقال يونس: ذَفّفه بالسيف وذافّه وذفّه، وذفّف عليه، إذا أجهز أي قتله؛ يقال بالدال والذال.

وأخبر عن يونس قال: تقول العرب: "إن في مِضَّ لمَطْمَعًا" وفي مِضِّ ومِضٍّ، يريدون بذلك كَسْرَ الرجل شِدْقَه عند سؤال الحاجة.

وقال يونس: تزوج فلان في شَرِيّة نساء، يريد حيًّا تَلِد نساؤهم الإناثَ، وتزوج في عَرارة نساء، يريد حيًّا تَلِد نساؤهم الذكور.

ويقال: رجع الأمرُ على قَرْواه، أي رجع على مَسْلَكه الأول.

وقال يونس: الرأتلة: أن يمشي الرجلُ متكفّئًا على جانبيه كأنه متكسِّر العظام.

وقال أيضًا: سِقاء أَدِيّ وسِقاء زَنِيّ: بين الصغير والكبير.

ويقال: هذا أمر له نَجيث، أي عاقبة سَوءٍ، وأصله من النَّجيثة، وهي النَّبيثة.

وقال يونس: الشريطة إذا وضعت الناقة ولدًا شرطوا أُذنه، فإن خرج منه دم أكلوه وإن لم يخرج دم تركوه.

قال: ويقال: رجل دَخْشَنّ: غليظ خَشِن.

وأنشد:

«أصبحتُ يا عمرُو كمثل الشَّنِّ *** أمري ضَروسًا كعصا الدَّخْشَنَ»

وقال أبو عبيدة: تركت القوم حَوْثًا بَوثًا، أي مختلطين.

وقال: العَكْل: اللئيم من الرجال، والجمع أعكال.

وقال يونس: يقال عكبشَه وعكشَه، إذا شدّه وثاقًا.

وبالعَكْش سُمّي الرجل عُكاشة.

وقال يونس: تقول العرب للرجل إذا أقرّ بما عليه: دِحٍ دِحٍ، وقالوا دِحِنْدِحٌ موصول، وقالوا دِحْ دِحْ بلا تنوين، يريدون قد أقررتَ فاسكت.

وقال يونس: جاء فلان مُضَرْفَطًا بالحبال، أي موثَقًا.

وقال: يقال: صارت الحُمّى تُحاوِدُه وتَعَهَّدُه وتَعاهَدُه، وبه سُمّي الرجل حاوِدًا، وهو أبو قبيلة من العرب من حُدّان.

ويقال: فلان يحاودنا بالزيارة، أي يزورنا بين الأيام.

ويقال: نحن في رسْلة من العيش، أي في عيش صالح.

وقال أبو عبيدة: يقال: يوم طانٌ: كثير الطين؛ ورجل خاطٌ من الخياطة، وكَبْش صافٌ: كثير الصوف؛ ورجل مالٌ: كثير المال؛ ورَجل نالٌ: كثير النوال؛ ويقال: رجل مَأل، بالهمز: كثير اللحم، وامرأة مَأْلة مثل ذلك.

قال: ويقال: تأنّقت هذا المكانَ، أي أحببته وأعجبني.

وفي الحديث أنّ عبد الله بن مسعود كان يقول: (إذا قرأتُ آل حاميم صرتُ في روضاتٍ أتأنّق فيهنّ)، أي يعجبنني.

قال أبو بكر: قال أبو حاتم: الحواميم من كلام الصِّبيان، وإنما الوجه أن يقال: قرأت آل حاميم.

وأنشد أبو بكر فى آل حاميم:

«وجدنا لكم في آلِ حاميمَ آيةً*** تَدَبّرها منّا تَقِيّ ومُعْـرِبُ»

يعني فصيحًا يُعْرِب اللغة.

وقال يونس: لقيتُه أوّلَ ذات يَدَيْ، أي أوّلَ كل شيء.

ويقال: أخبرته بالخبر صُحْرَةَ بُحْرَةَ وصَحْرَةَ بَحْرَةَ، أي كفاحًا لم يُسْتَرمنه شيء.

قال: ويقال: أخبرتُه خُبوري وفُقوري وحُبوري وشُقوري، إذا أخبرته بما عندك.

قال: ويقال: زَمْهَرَتْ عيناه وازمهرّت، إذا أحمرّتا.

قال يونس: تقول العرب: فَطَرَ نابُ البعير وشَقَأَ نابُه وشقّ نابُه وبَقَلَ وبَزَغَ وصَبَأَ بمعنى واحد.

وقال: يقال: قد أَجهَى لك الأمرُ، إذا استبان ووضحَ؛ وأجهيتُ لك السبيل.

ويقال: ما هَيّان فلانٍ? أي ما أمرُه وما حاله? ويقال: سَدَح فلانٌ بالمكان ورَدَحَ به، إذا أقام به.

ويقال: أنف فناخِر، أي عظيم.

وأنشد أبو بكر:

«إنّ لنا لَجارةً فُنـاخِـرهْ*** تَكْدَحُ للدنيا وتَنسى الآخرهْ»

ويقال: أتانا فلان بنَعْوٍ طيّب وبمَعْوٍ طيّب، وهو ما لان من الرُّطَب.

وقال أبو عُبيدة: يقال: هو في عيش أوطَفَ وأَغضَفَ وغاضفٍ وأَرغَلَ وأغرَلَ ودَغْفَلٍ ورافغٍ وعُفاهِمً وضافٍ، إذا كان واسعًا.

ويقال: أنقفَ الجرادُ، إذا رمى ببيضه.

ونَقَفْتُ البيضةَ ونَقَبْتُها واحد، إذا ثقبتها.

وقال يونس: القِرْطِبَّى مثال فِعْلِلّى: الصَّرْع على القفا.

وأخبرنا أبو حاتم عن أبي عُبيدة عن يونس قال: شهد أعرابيّان الجمعة فلما ركع الإمامُ وجعل الناسُ يتأخّرون قال أحدهما لصاحبه: "اثْبُتْ إنها القِرْطِبَّى".

قال: ويقال: تجوّظ الرجلُ وجوّظَ وجَوِظَ، إذا سعى.

وفي كلام بعض العرب: "أكثرُ ما أسهلتنا الغيوثُ ونحن في الأموال جَشَرٌ ولو نال ذلك أحدَكم لجوّظَ حتى يَقْرَعِبَّ في أصل شجرة".

قال أبو بكر: هذا أعرابي قال لأهل الحضر: نحن أصبر منكم لأن المطر يجيئنا ونحن في السهل فلا نعتصم منه بشيء كما تعتصمون أنتم لو أصابكم بأصول لأشجار.

قال أبو عبيدة: يقال: اعتسسنا الإبلَ فما وجدنا عَساسًا ولا بَساسًا، أي قليلًا ولا كثيرًا.

قال أبو عُبيدة: الدُّقَّى: التراب الدقيق بمنزلة الجُلَّى.

وقال: مرّ يَمْلَخ مَلْخًا، إذا مرّ مرًّا سهلًا.

قال أبو حاتم: سألتُ الأصمعي عن ذلك فقال: المَلْخ: كل مَرٍّ سهلٍ.

وفي كلام الحَسَن رحمة اللّه عليه: {يَمْلَخ في الباطل مَلْخًا}، أي يسرع فيه.

وقال الراجز:

«إذا تَتَلاّهُنّ صَلصالُ الصَّعَقْ *** معتزِمُ التجليح مَلاّخُ المَلَقْ»

قال أبو عُبيدة: إذا تهيّأ الرجل للأمر قيل: قد تشنّعَ له.

قال: ويقال: أبَدٌ وآباد وبَلَدٌ وأبلاد، والأبلاد: الآثار.

وقال الأصمعي: يقال: ما ذقت غَمَاضًا ولا تَغْماضًا ولا غِماضًا ولا غُمْضًا ولا تغميضًا.

قال أبو حاتم: الغُمْض: ما دخل العينَ من النوم، والغَمَاض اسم الفعل، والتَّغماض تَفعال، وكذلك التغميض تفعيل، والغَمَاض اسم النوم.

قال رؤبة:

«أرَّقَ عينيَّ عن الغَمَاض *** بَرْقٌ سَرَى في عارضٍ نَهّاضِ»

وقال الأصمعي وأبو زيد: مضمضتِ العينُ بالنوم مِضماضًا، وتمضمضَ النومُ في العين تمضمضًا.

قال الراجز:

«وصاحب نبّهتُه ليَنْهَضا *** إذا الكَرَى في عينه تَمَضْمَضا»

«فقام عَجْلانَ وما تأرّضا *** يَمْسَح بالكفَّين وجهًا أبيضا»

وحكى الأصمعي: لهم كلب يتمضمضُ عَراقيبَ الناس.

وقال الأصمعي: قال منتجِع: عذَّبه الله عَذابًا شَزْرًا، أي شديدًا.

وقال الأصمعي: رجل نُزَك: طَعّان في الناس.

قال أبو حاتم: كأنه يطعن بنَيْزَك.

قال أبو عُبيدة: المؤتفِكة من الريح: التي تجيء بالتراب.

وقال أعرابي من بني العَنْبَر: إذا كثرت المؤتفِكات زَكَتِ الأرضُ.

وقال أبو عبيدة: الضِّكاك واللِّكاك: الزِّحام؛ ضَكَه ولَكَّه، إذا زحمه.

قال أبو حاتم: الدّاكدان من الحديد بالفارسية يسمّى المِنْصب، ويسمّى المِقْلَى المِحْضب، ويسمّى القُفْل المِحْصَن، ويسمّى الزَّبيل في بعض اللغات المِحْصَن، وتسمّى الفراشة المِنْشَب.

قال: ويقال: قِدْر صَلود: لا تغلى سريعًا.

والصَّلود من الخيل: الذي لا يعرق.

وقال أبو عبيدة: قِلْف الشيء وقِرْفه وقِشْره وأحد، وهي القُلافة والقرافة.

وقال: تركت العربُ الهمزَ في أربعة أشياء: في الخابية، وهي من خَبأْتُ، والبَرِيّة، وهي من بَرَأَ اللّه الخَلْقَ، والنبيّ، وهو من النَّبَأ؛ والذُّرّيّة من ذَرَأ اللّه الخَلْقَ.

ويَرَى من رأيتُ صحّحه أبو بكر خامسًا.

وقال: العود الذي يُدفن في الجمر حتى تأخذ فيه النار يسمّى الثَّقْبة والذَّكْوة.

ويقال: سَخّيتُ النار، بالخاء المعجمة، إذا فرّجتها؛ وسَخَوْتُها، إذا فتحتها.

وقال أبو عُبيدة والأصمعي جميعًا: الذِّيبان: الوَبَر الذي يكون على المَنْكِبين من البعير.

قال الشاعر:

«مِلاطٌ ترى الذِّيبانَ فيه كأنّه*** مَطِينٍ بثَأْطٍ قد أُمِيرَ بشَيّانِ»

المِلاطان: الكَتِفان، والثَّأْط: الحَمْأة الرقيقة؛ وأْميرَ: خُلِطَ؛ وشَيّان: دم الأخوين.

وقال الآخر:

«عَسُوف لأجواز الفَلا حِمبريّة*** مَريشٌ بذِيبان السَّبيب تليلُهـا»

ويُروى: لأجواز الفَلا هَبْهَبيّة، والهَبْهَبيّة: السريعة؛ والتَّليل: العُنُق؛ والسَّبيب: شَعَر القفا والناصية.

وقال أبو زيد: مكان عَكَوَّك، إذا كان صلبًا شديدًا.

وأنشد:

«إذا بَرَكْنَ مَبْرَكًا عَكَوَّكا*** كأنما يَطْحَنَّ فيه الدَّرْمَكا»

الدَّرْمَك: الحُوّارى من الدقيق.

ورجل تاكٌّ فاكٌّ، إذا تساقط حُمُقًا.

وقال: العَضنَّكة، وقالوا العَضْنَكة والغَضَنَّكة والعَفَلَّقة: العظيمة الرَّكَب.

وقال أبو زيد: يقال: رماه اللّه بالتُّهْلوك، أي بالهَلَكة.

وقال أبو نُخَيْلة لشَبيب بن شَيْبَة:

«شبيبُ عادى اللّه من يَقليكا *** وسبَّب اللهّ له تُهْـلُـوكـا»

وقال: العَجِنة من الإبل، وقالوا العَجِنة والعَجْناء: التي يَرِمُ حَياؤها فلا تَلْقَح، والمعتجِنة: التي قد انتهت سِمَنًا.

وقال رجل من العرب: "عَمَدَ فلانٌ إلى عِدّة من جَراهِيَة غنمه فباعها وترك دِقالها"، جَراهِيَتها: ضِخامها، ودِقالها: صِغارها، ويقال: شاة دَقِلة، على وزن فَعِلة، إذا كانت كذلك، وقالوا: أَدقلتْ فهي مُدْقِل، وقالوا: دَقيلة، وهي الشاة الضاوية.

وقالوا: الكَيَّه من الرجال: الذي لا متصرَّف له ولا حيلة، وهو البَرِم بحيلته.

وقال أبو زيد: شيخ دُمالِق ومشائخ دَماليق، أي صُلْع الرؤوس.

وقال: شخشختِ الناقةُ، إذا رفعت صدرها وهي باركة.

وقال: تشأشا القومُ، أي تشتّتوا.

وقال: البَرَصة: دابّة صغير دون الوَزَغة إذا عضّت شيئًا لم يبرأ.

وقال: سمعتُ أعرابيًا يقول: إنهم ليَهْرِجون ويَهْرِدون منذ اليوم، أي يموج بعضهم في بعض.

قال: وسمعت أعرابيًا يقول: تغطمشَ علينا فلان، أي ظلمَنا.

وقال في كلامه: فرفرَني، فِرفارةً وبعذرَني بِعذارةً، إذا نفضني.

قال: وسمعته يقول الرجل منا لصاحبه إذا قُضي له عليه:

«وَكَلْتُك العامَ من كلبٍ بتَنْباح»

وقال: صبَّ اللّه عليه حُمّى ربيضًَا، أي صبَّ اللّه عليه من يهزأ به.

وقال: المقطئرّ من الناس: الغضبان المنتفخ.

وقال: المُسْتَباه: الذي لا عقل له؛ والمُسْتَباهة: الشجرة يَقْعَرها السيلُ فينحّيها عن مَنْبِتها، والمُسْتَباه: الرجل الذي يخرج من أرض إلى أخرى.

ويقال: ضربه فوَقَطَه وأَقطَه ووَقَذه، إذا غُشي عليه.

ويقال: تمأّى فيهم الشرُّ وتمعّى، إذا فشا فيهم.

ومَأَوتُ الأديم فتمأّى، إذا بَلَلْتَه حتى يمتدّ ويتّسع.

وأنشد:

«دَلْوٌ تَمَأّى دُبغت بالخلَّـبِ*** أو بأعالي السَّلَم المضرَّبِ»

«فلا تُقَعْسِرْها ولكن صَوِّبِ»

يقول: لا تأخذها بالقهر والشدة ولكن صوَب ظهرك حتى يخرج ماءُ الدلو.

وقال أبو زيد: يقال: شاة مخروعة الأُذن، أي مشقوقة في وسطها بالطول.

وقال: تقول العرب: قد وأّر فلان فلانًا توئيرًا، على مثال وعَّر توعيرًا، وهو أن يلقيه في شرّ.

وقد وعّره، إذا حبسه عن حاجته ووِجهته.

ويقال: ما تحلَّسَ منه بشيء، أي ما أصاب منه شيئًا؛ وإنه لَحَلوس أي حريص.

وقال أبو عُبيدة: يقال: ازمهرّت الكواكبُ في السماء، إذا أضاءت.

وقال أبو زيد: تقول العرب: أكلتُ لقمة فسَبَتَتْ حلقي، بالتخفيف والتثقيل والتخفيف أجود، أي قطّعته وسرّحته.

وسَبَتَ عُنُقَه بالسيف، إذا قطعها.

قال: وسمعتُ أعرابيًا يقول: تَقَعْوَشَ عليه البيت فتغمّطه الترابُ، أي غطّاه، وتَقَعْوَشَ: انهدم.

ويقال: مَلَقْتُ جلدَه أملُقه مَلْقًا، إذا دلكته حتى يملاسَّ.

وأنشد:

«رأت غلامًا جِلْدُه لم يُمْلَق *** بماءِ حَمّامٍ ولم يخـلَّـقِ»

يخلَّق: يملسَّ من قولك: حبل أخْلَقُ، أي أمْلَسُ.

وقال: الضّافِطة من الناس: الحمّالون والمكارون.

وقال: القوس الفراغ: البعيدة موقع السهم.

وقال أبو عُبيدة: دَفَّتْ دافّة، وهَفَّتْ هافّةٌ، وهَفَتَت هافتةٌ، وهَفَتْ هافيةٌ، وقَذَتْ قاذيةٌ، إذا أتاهم قوم قد أُقحموا في البادية.

وقال أبو زيد: تقول العرب: أنا عُذَلة وأنت خُذَلة وكِلانا ليس بابن أمَة؛ يقول: أنا ألومك وأنت تخذُلني ولم نُؤتَ من قِبَل أُمّنا.

وتقول: ناقة هكِعة وهَقِعة وهَدِمة، إذا اشتدَّت ضَبْعَتُها وألقت نفسَها بين يدي الفحل.

وقال أبو زيد: يقال لكلّ منفرد من أصحابه: قد يَتِمَ، وبذلك سُمّي اليتيم.

والدُّرّة اليتيمة التي في بيت اللّه الحرام سُمّيت بذلك لأنه لا شبيه لها.

وقال أبو زيد: يقال: صَرَبْتُ في إنائي وقَرَعْتُ وقلَدْتُ، أي جمعت.

ويقال للوَطْب: المِقْرَع والمِصْرَب والمِقْلد.

وقال أبو زيد وأبو مالك: تقول العرب: سَبّوح وقَدّوس وسَمّور وذَرّوح، وقد قالوه بالضمّ وهو أعلى، وذَرّوح واحد الذَّراريح، وهي الدود الصغار وهو سَمّ.

ويقال ذُرَحرح وذُرَحْرِح وذُرْنُوح وذُرُّوخ وذُرّاح.

وقال أبو زيد: يقال: ماء كثير الواردة، إذا وردته السِّباعُ والناسُ وغيرُهم.

وماء كثير الوارد، إذا لم يَرِدْه إلاّ الناس.

ويقال: طعنتُه بالرمح طعنًا وباللسان طَعَنانًا لا غير.

قال أبو زُبيد:

«وأبَى ظاهرُ الشَّناءةِ إلاّ*** طَعَنانًا ؤقولَ ما لا يقالُ»

وقال أبو زيد: العَقَنْقس: العَسِر الأخلاق: وخالفه قوم فقالوا: العَفَنْقَس.

وقال: الخَجَل: سوء احتمال الغِنى، والدَّقَع: سوء احتمال الفقر، وعن الأصمعي أيضًا.

قال الكميت:

«ولم يَدْقَعوا عندما نالهـم*** لفَرْطِ زمانٍ ولم يَخجلوا»

وقال أبو زيد: الشَّجَى: ما اعترض في الحلق مر عظم أو غيره.

والغَصَص بالطعام، والجَأْز بالرِّيق، والجَرَض مثل الجأز.

وقال أبو زيد: سمعتُ أعرابيًا يقول: إذا أجدبَ الناسُ أتى الهاوي والعاوي، فالهاوي: الجراد، والعاوي: الذئب.

وقال أبو زيد: يقال: ذاحه يَذوحه وذوّحه، إذا فرّقه.

وأنشد لرجل يخاطب عنزًا له:

«فأبْشِري بالبيع والتّذويح*** فأنتِ في السَّوأة والقُبوح»

وقال الأصمعي: يقال: جاء يَرْنَأ في مِشيته، إذا جاء يتثاقل فيها.

وقال: سماء حريصة: كثيرة الماء تحرِص وجه الأرض أي تقشِره.

وقال: في مثل من أمثالهم: "تَفْرَق من صوت الغُراب وتَفْرِس الأسدَ المشبَّمَ"، قال: المشبَّم: الذي قد عُكِم فوه لخُبثه، مأخوذ من الشِّبام، وهي الخشبة التي تُعْرَض في فم الجدي حتى لا يَرضع.

ويقال: جاءني بكلمة فسألني عن مذاهبها فسرّجَ عليها أسروجة، أي بنى عليها بناءً ليس منها.

وقال: جاء يَزْأب بحِمله وجاء يَجْأث بحِمله، إذا جاء يجره.

وقال الأصمعي: هذا سِبْقُ زيدٍ، أي مِثله وإن لم يسابقه؛ وهذا سِبْقي، أي مِثلي.

قال الراجز:

«سِبْقانِ من نُوبةً والبَرابرِ»

ويقال: فلان عِجْبي، أي الذي أُعجب به، وكذاك فلانة عِجْبي وطِلْبي، أي التي أطلبها.

وتقول العرب: صَدَقَكَ وَسْم قِدْحِه، مثل صَدَقَكَ سِنَّ بَكْرِه.

وقال: تقول العرب: أَبصِر وَسْمَ قِدْحِك، أي لا تُجاوِزَن قَدْرَك.

ويقولون: أَلهِ له كما يُلْهي لك، أي اصنع به كما يصنع بك.

قال: وتقول العرب: بيتك هذا زَبْن، أي متنحٍّ عن البيوت.

قال: وتقول العرب: أصبتَ سَمَّ حاجتك، أي وجهَها، وفلان بصير بسَمّ حاجته، أي بمَطْلَبها.

قال: وتقول العرب: لم يكن في أمرنا توفة، أي تَوانِ، ولا أَتم ولا يَتم.

وقال: يقال: قَعَدَ مَقْعَدَ ضُنْأة، مهموز مخفّف مضموم الأول، وهو مَقْعَد الضارورة بالإنسان.

ويقال: عَتَكَ اللبنُ والنبيذُ إذا حَزَرَ، أي حَمَضَ.

وقال: ماء مُخْضم، أي شريب، وماء باضع وبضيع، أي الذي يُبْضَع به، أي يُرْوَى منه.

وقال: يقال: كان فلان راعيَ غنم فأسلمَ عنها، أي تركها؛ وكل من أسلمَ عن شيء فقد تركه.

وتقول العرب: ما يُعرف لفلان مَضْرِبُ عَسَلَة، أي أصل ولا قوم ولا أب ولا شَرَف.

وقال آخر: ما يُعرف له مَنْبِض عَسَلَة، نحو الأول.

ويقال: فلان صَوْغي وسَوْغي، أي مثلي.

وقال الأصمعي: تقول العرب: أَعرِضْ عن ذي قَبْرٍ، إذا جعل الرجل يعيب ميتًا فنُهي عن ذلك.

قال: ويقولون: ما عندنا صَميل، أي سِقاء.

ويقال: لا أفعله أبَدَ الأبَديّة، وأبَدَ الأبيد، وأبَدَ الآبدِين، وقالوا: أبَدَ الأبَدِين، مثل الأرَضِين.

قال: وتقول العرب: أدْرِكْ أمرًا برَبَغه، أي بجِنّه قبل أن يفوت، أي بحداثته، وجِنّ الشباب: أوّله، وجِنّ كل شيء: أوّله.

وقال مرة أخرى.

وتقول العرب: أَدرِك الأمرَ برَبَغه، أي بحينه قبل أن يفوت، وكذلك برَيِّقه وبجِنّه وبحداثته وبرُبّانه.

قال: تقول العرب: إن فلانًا لَيتصحّت عن مجالستنا، أي يستحيي.

وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي: الرِّبّة: الجماعة من الناس؛ فلم يقل فيه شيئًا، وأوهمني أنه تركه لأن في القرآن {رِبِّيّونَ}، أي جَماعيّون، منسوبة إلى الرِّبّة والرُّبّة والرَّبّة.

وقال الأصمعي: تقول العرب: بلغنا أرضًَا ليس بها عاثنةٌ، أي ناس؛ وأتانا عاثنة منهم، أي ناس.

وقال: القُرْعة: جراب واسع الأسفل ضيّق الفم.

وقال: لقيتُ فيه الذَّرَبَيّا والذَّرَبَى، أي العيب.

وقال: تقول العرب: لم تفعل به المِهرَةَ ولم تعطه المِهَرةَ، وذلك إذا عالجت شيئًا فلم ترفق به ولم تُحسن عمله، وكذلك إن غذّى إنسانًا أو أدّبه فلم تحسن عمله.

قال: وتقول العرب: اُبْقُه بُقْوَتَك مالَك، وبِقْيَتَك مالَك، أي احفظه حفظك مالَك، ويقولون اِبْقِه أيضًا بكسر الألف، فمن قال بُقْوَتَك مالَك قال ابْقه بُقاوتَك مالك.

ويقول آخرون: اِمْقِه مِقْيَتَك مالَك، ويقولون أيضًا: اُمْقُه مُقاوتَك مالَك.

ويقال: مَقَوْتُ الطَّسْتَ، إذا جلوتها، وكذلك المِرآة.

ويقال: فلان أمثلُ من فلان شَوايَةً، أي بقيّة من قومه أو ماله، وهو من قولهم: قد أشواه الدهرُ، أي تركه.

ويقال: ما أشوَى لنا الدهرُ مثلَه، أي ما ترك.

والشَّوِيَّة: بقيّة من قوم قد ذهبوا.

قال الشاعر:

«وهم شَرُّ الشَّوايا من ثمودٍ*** وعَوْفٌ شَرُّ منتعِلٍ وحافي»

وقال: الطَّريدة: أصل العِذْق.

والجَمْز: ما يبقى من أصل الطَّلْع من الفُحّال، والجمع جُموز.

قال: ومن كلامهم: الآن حيث زَفَرَت الأرضُ، أي ظهر نباتُها.

قال: وتقول العرب: جاءوا بالرَّقَم والرَّقِم، وجاءوا بالطِّبن، أي الكثرة.

وجاءوا بالرَّقْم والرَّقِم والرَّقْماء، أي بالداهية.

وجاءوا بالحَظِر الرَّطْب، يعني الداهية والشيء المستشنَع.

وأنشد:

«أعانَتْ بنو الحَريش فـيهـا بـأربـعٍ*** وجاءت بنو العَجْلان بالحَظِر الرطْبِ»

الحَظِر الرطب: أغصان شجر رَطْب أو يابس تُحظر بها بيوت القوم؛ يقول: جاء بنو الحَريش بأربع ذَوْدٍ، أظنّه في حَمالة.

ويقال: نزلنا أرضًا عَفْراء وبيضاء لم تنْزل قطُّ.

قال أبو حاتم: الأتان: مقام المستقي على فم الركيّة.

قال أبو بكر: فسألت عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي فقال: الإتان بكسر الألف.

قال أبو بكر: والكفّ عنها أحبّ إليّ لاختلافهما.

وقال الأصمعي: مثل للعرب:

«لَحُسْنَ ما أضْرَعْتِ إن لم تُرْشِفي»

أي إن لم يذهب اللبن؛ يقال ذلك للرجل إذا ابتدأ بإحسان فخِيف أن يُسيء.

قال: ويقال: جاء يمشي البَرْنَسا، مقصور، أي في غير ضيعه؛ وما أدري أي البَرْنساء أنت، ممدود.

وقال: يقال: أوجأتُ، أي جئت في طلب حاجة أو صيد فلم أصبهما، وبعضهم لا يهمز.

ويقال: أوجأتِ الرَّكِيّة، إذا قل ماؤها.

قال: وتقول العرب: أمعزْنا يومَنا كلَّه، إذا سِرْنا في المَعْزاء.

ويقال: حظبتُ من الماء، أي امتلأت، وجاءني حاظبًا.

قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عن الصَّرف والعَدْل فلم يتكلّم فيه.

قال أبو بكر: وسألت عبد الرحمن عنه فقال: الصَّرْف: الاحتيال والتكلّف، والعَدْل: الفِداء والمِثل؛ فلا أدري ممّن سمعه.

قال أبو بكر: الصَّرْف: الفريضة، والعَدْل: النافلة.

قال أبو حاتم: قال الأصمعي: يقال: ما بقي في سَنام بعيرك أَهْزَعُ، أي بقيّة شحم.

والأهْزَع: آخر سهم يبقى في الكِنانة.

وتقول العرب: أخرِجَ الرجلُ من سِرّ خَميره سِرًّا أي باح به.

واجعله في سِرّ خميرك، أي اكتمْه.

وقال: الرَّغُول: اللاّهج بالرَّضاع من الإبل والغنم.

ويقال: إنه لقريب الثَّرَى بعيد النَّبَط، أي يقول بلسانه ولا يفي به.

وأنشد:

«قريبٌ ثراه لا يَنال عَـدُوّه*** له نَبَطًا عند الهَوان قَطوبُ»

قال أبو بكر: هذا البيت في المدح.

ومثل من أمثالهم: "إن العِقاب الوَلَقَى" أي العقوبة سرعة التجازي.

قال: ويقال: أغْتَمْتُ الزيارةَ، بالغين المعجمة، وقالوا: وكان العجّاج يُغْتِم الشِّعْرَ، أي يُكثر.

ويقال: رجل تِقْن وتَقِن، أي متقن للأشياء.

وقال الصَّعَف: عصير العنب أوّل ما يُدْرِك.

وقال: مجلس عُبْر، أي وافر؛ وكذلك كبش مُعْبَر: وافر الصوف؛ وغلام مُعْبَر: لم يُختن؛ ومجلسر عُبْر، أي وافر الأهل.

وقال: الصَّقَعيّ: الذي يولد في الضَّفَريّة، والضَّفَريّة: وقت يمتارون فيه.

قال: ويقال: بقيت في الجُوالق ثُرْمُلة، أي بقيّة من تمر أو غيره.

قال: وتقول: جاءني سَلَفٌ من القوم، أي جماعة.

قال: ويقال: غَرْب معدَّن، والعدينة هي الزيادة التي تزاد في الغَرْب.

وغَرْب مسعَّن، أي من أديمين.

ويقال: نعجة ضُرّيطة، أي ضخمة سمينة.

قال: ويقال: ناقة شَصيبة، أي يابسة.

قال أبو بكر: وكذلك شَصِبة.

وأنشد:

«لحا اللّه قومًا شَوَوْا جارَهم*** والشاة بالدِّرهمين الشَصِبْ»

قال أبو بكر: وشَصائب الدهر من هذا، أي الشدائد.

قال: وقلت لأعرابي: ما شرّ الطعام? فقال: "طُرثوث مُرّ أنبتَه القُرّ" والطُرثوث: نبت يؤكل.

قال: وقيل لامرأة من العرب: ما شجرة أبيك.

فقالت: "الإسْليح رُغوة وصَريح وسَنام إطريح"، وهو الني.

يميل في أحد شِقّيه حتى يطرح الناقةَ من ثقله؛ قال أبو بكر: الإسْليح: نبت.

وقالت أخرى: "شجرة أبي العَرْفَج إن حُلِب كَثب وإن أوقِد تلهّب"، قال أبو بكر: تكثَّب، أي صار كُثَبًا، والكُثْبة: الشيء المجتمع من لبن أو غيره، ولا يكون إلا ثخينًا.

وقالت أخرى: "شجرة أبي الشِّرْشِر وَطْبٌ حَشر وغلام أشِر"؛ قال أبو بكر: حَشِر: بين الصغير والكبير.

وقال الأصمعي: تقول العرب: "ربَّ مُهْرٍ تَئق تحت غلام مَئق ضربه فانزهق"، قال أبو بكر: تئق: سريع، والمئق من الغضب.

وقال: لِحاظ السهم: ما وَلِيَ أعاليَ السهم من القُذَذ.

ويقال: رماه الله بالجَريب، أي بالحصى الذي فيه التراب.

وقال: لبن مشمعِلّ، أي حامض قد غلب بحموضته.

وقال: تهقّعت الضأن حِرْمَةً، إذا أرادت الفحل كلُّها؛ وكذلك تهقّعوا وِرْدًا، أي ودوا كلُّهم.

قال أبو بكر: قوله حِرْمَة، يقال: استحرمتِ الشاةُ، إذا اشتهت الفحلَ، وهذه شاة حَرْمَى، وشاء حَرْمَى مثله سواء للجمع، وقالوا حِرام.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


27-العباب الزاخر (سفط)

سفط

السفطُ -بالتحريك-: واحد الأسْفاطِ. وقال ابن دريدٍ: السفط عَربيّ معْروف. أخْبرناَ أبو حاتمٍ عن الأصمعيّ أحْسبهُ عن يونس، وأخبرْنا يزيدُ ابن عمرو الغنوي عن رجاله قال: مرّ أعْرابيّ بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وهو يدْفن فقال:

«ألاّ جعَلْتم رسول الله في سَفطٍ *** من الألوةِ أصْدَا ملْبسًا ذَهبا»

وعن معْقل بن يسار المزُني -رضي الله عنه- انه قال: لما قتل النعمان بن عمرو بن مقرنٍ -رضي الله عنه- أرسْلُوا إلى أمّ ولده: هل عهدَ إليك النعمان؟ قالتْ: سفط فيه كتاب، فجاءتْ به ففتحوه فإذا فيه: فإنْ قيلَ النعمان ففلان.

وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: فأصابوا سفطْين مملُوْئينِ جوهرًا. وقد كتبَ الحديثُ بتمامهِ في تركيبِ ن ث د.

قال: والسُفاطة -بالضمّ-: متاعُ البيتْ كالأثاثِ.

قال: وفي بعض اللّغات يسمى القشرُ الذي على جلْدِ السّمكِ: سفطًا -بالتحريك-، وهو الجلْدُ الذي عليه الفلْوس.وسفطتُ السمكةَ أسْفطها سفْطًا: إذا قشرتْ ذلك عنها.

وسفْط أبي جرجْي: قريةّ بصعيدِ مصْرَ.

وسفط العرفاءِ: قريةّ غربي نيلِ مصرِ.

وسفطْ القدوْرِ: قرية بأسفل مصرْ.

والسفيطْ: السخي الطيبُ النفسِ، قال:

«ماذا ترُجين مـن الأرِيط *** حزنْبلٍ يأتيك بالبـطْـيطِ»

«ليس بذي حزْمٍ ولا سفْيطِ»

وقد سفُط -بالضمّ- سفاطة. ونفسه سفْيطة بكذا.

وقال ابن الأعرابي: يقال ما أسْفط نفسهْ عنكَ: أي ما أطيبها. قال: ومنه اشْتقاقُ الأسْفنّطِ، فالاسْفيطُ عنده عربيّ لا رُوْمي أعْربَ، وسيأتي بيانهُ -إنْ شاء الله تعالى- في الترُكيب الذي يلي هذا الترْكيبَ.

وقال أبو عمرو: يقال سفط فلان حوضه تَسْفْيطًا: إذا شرفهّ وأصْلحه ولاطه، وأنشدَ:

«حتّى رأيتُ الحوَْض ذو قد سفُطا *** قفرًْا من الماء هَواءً أمرْطـا»

أراد بالهواءِ: الفارغَ من الماء وقال ابن عبادٍ: رجلّ مسَفط الرّاس: أي يشبه رأسه السفَط.

والأستفاطُ: الاشتفاف؛ وهو أن تاتي عليه شربًا.

وقال ابن فارسٍ: السينُ والفاءُ والطاء ليس بشيءٍ، وما في بابه ما يعولُ عليه، وذكرَ السّفْيط وقال: ليس هذا بشيءٍ.

العباب الزاخر واللباب الفاخر-رضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر العدوي العمري القرشي الصغاني الحنفي-توفي: 650هـ/1252م


28-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (أنى)

(أنى) - في حَديِث أَبِى بَرْزَة: "أنَّ رسولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، أَمرَ

رَجلا أن يُزَوِّجَ ابنَتَه جُلَيْبِيًا، فقال الرجل: حَتَّى أُشاوِرَ أُمَّها، فلما ذَكَره لها. قالت: حَلْقَى، أَلجُلَيْبِيب إِنيه؟ لا، لَعَمْرُ اللهِ".

قال بَعضُ نَحوِيَّى زَمانِنا: إِنيه: لفظ يُستَعْمل في الِإنكار على وَجْهَين: أَحدُهما: أن يقول القائِل: جاءَنى زَيدٌ. فتقول أنت: أزيدُنيه، وإذا قال: رأيتُ زَيدًا فتقول أنت: أزيدَ نِيهْ، وإذا قال: مرَرتُ بزَيْد قلت: أَزيِد نِيه. فتُحرِّكُ التَّنوينَ وتَصِلُه بالياء، ثمَّ تَقِف بالهاء، ومَعْناه: إنكار مَجِىءِ زَيد فكأنّه حين قال: جاء زَيدٌ، تقول أنت: جاء زَيْد على سَبِيلِ الِإنكار! يعني ما جاءَ زَيْد. وقد يَزِيدون إن كما تَقول: أَزيدٌ إنيه، فتَزِيد إن كما زادُوها في النَّفْى المَحْضِ، قال الشاعر:

« ومَا إن طِبُّنا جُبْنٌ وَلِكن »

وقال آخر:

« وما إن طِبُّها إلا اللُّغوب »

: أي ما طِبُّها، وإن زائدة، وكذلك إذا قال: أزيدٌ إنيه، وهو على معنى أزيدٌ نِيهِ يريد إنكارَ مَجِىء زَيْد.

ووجه آخر: أن تقول: أزيدٌ نِيه، يعنِي تَقُول بمَجِىء زيدٍ عندي، وزيدٌ لا يُستَبْعَد مَجِيئُه عندِى، كأنه يَعنِي هو مَعروفٌ بهذا الفِعْل، قال: وقيل لأعرابى: كان إذا أَخصَبت البادِيةُ يدخُلُها فَقِيل:

دخلتَ البادِيَة، فقال: أأنا إنيه؟ يعني، أتَقولُون لِى هذا القَوْل، وأنا مَعْروف بهذا الفِعْل، إلى هنا قوله.

وقد سَألتُ أبا الفَضْل بنَ نَاصِر ببَغدادَ في السَّفْرة الثانية عن هذا اللَّفْظِ، وحَكيَت له قولَ هَذا النَّحوِىِّ، فلم يرتَضِهْ وقال: إنما هو ألِجُلَيْبِيبٍ ابْنَه، تَعنِي ابنَتِى، فأَسقَط منه الياءَ ووقَف عليه بالهاءِ، وأُخْرِج إلىّ من مُسنَد الِإمام أحمد بن حَنْبَل بخَطَّ أبي الحَسَن بن الفُراتِ هَكَذا مُعْجَمًا مُقيَّدا في مواضِعَ، وقال: إنما خَطُّ ابنِ الفُرات حُجَّة، وقد كَتبَه عن القَطيعِى، عن عبدِ الله بن أحمد، عن أبيه، وهم أعلَمُ بالرواية. قلت: والرِّوَايَة إذا كانت بغَيْر عِلم لا تكون حُجَّة، فكيف وقد بلَغَنى بإسنادٍ لا أذكُرُه، عن الِإمام أحمد، أنَّه قِيل له: هل يَكُون في الحَدِيث شىءٌ لا يَعرِفون مَعْنَاه؟، فقال: كَثِير.

وأخبرنا به أحمدُ بنُ على الأُسْوارِىّ إذنًا عن كتاب أحمد بن جعفر الفَقِيه، عن أبي بَكْر المُقْرِى بِمِثْله، قال: سَمِعتُ أَبَا عُبَيد عَلِىَّ بنَ الحُسَيْن بن حَزْبُويَه قال: سمعتُ إبراهيمَ الحَربِى يقول: قُلتُ: لأَحمدَ ابنِ حَنْبَل: يا أَبا عَبدِ الله رُبَّما جاءَكم عن النّبِىّ الله - صلى الله عليه وسلم -. شَىءٌ لا تَعرفُوَنه؟ فقال: كَثيرٌ.

ووجدتُ بخَطِّ أبي نِزار قال: سَمِعتُ أبا بَكْر بنَ عاصِم يقول: سَمِعتُ أبا عُبَيْد بن حَزْبُويَه يقول: سمعت إبراهيم الحربىَّ يقول: سألتُ أحمدَ بن حنبل، فقلت: ربما جاءَكُم عن النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - شَىءٌ لم تَعرِفُوه فقال: كَثِيرٌ.

وقد تَخْتَلِف النُّسَخ لمُسْنَد أحمد بِهَذا، فرأيتُه في مواضِعَ من نسخة: ابْنَة وفي روايةَ ابْنِيَهْ. وَوَجَدْتُه في مُسنَد أَبى يَعْلَى الأَنِيه، وفي كِتاب مَعانى الأَخْبارِ لأبىِ بَكْرِ بن أبي عاصِم قالت: حَلْقَى ألِجُلَيْبِيبٍ أَلاهِيَهْ، مَرَّتَين وقيل: إنَّ أَبَا إِسحاقَ بن حَمْزة رَواه، آمنة على أَنَّها اسمُ البِنْت، وقيل في رواية: الَأَمة

وهذا الاخْتِلافُ يَدُلُّ على عدم مَعِرفَتِهم بَحقِيقَتهِ.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


29-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (ثوب)

(ثوب) - في الحَدِيثِ: "كلابِسِ ثَوبَيْ زُورٍ".

الذي يُشكِل من هذا الحَدِيث على أَكثَرِ النَّاس، تَثْنِيَة الثَّوْبِ. فأَمَّا مَعنَى الحَدِيث فقد ذكر في باب الزُّورِ والتَّشَبُّع - وإنَّما ثَنَّى الثَوبَ فيما نُرَى؛ لأنَّ العَربَ أَكثرُ ما كانت تَلْبَس عند الجِدَةِ إزارًا ورِداءً، ولهذَا حِينَ سُئِل رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصَّلاةِ في الثَّوب الوَاحِد. قال: "أوَ كُلُّكم يَجِد ثَوبَيْن".

وفَسَّره عُمرُ، رضي الله عنه بإزارٍ ورِداءٍ، إزارٍ وقَمِيصٍ، رِداءٍ وتُبَّان في أَشياءَ ذَكَرهَا في كِتابِ البُخارِي، ولا يُرِيد بِذلِك الثَّوْبَيْن يَلبَس أَحدَهما فوقَ الآخَرِ كما جَرَت عادةُ العَجَم بها: وفي الحَدِيث: "رُبَّ ذِي طِمْرَين".

وأخبرنا أبو عَلِيّ الحَدَّادُ، رَحِمه الله، قراءةً، قال: أخبرنا أبو نُعَيم إجازةً، ثنا أبو أَحمَد الغِطْرِيفيّ، ثَنَا ابن شِيرَوَيْه، ثنا إسحاقُ ابنُ رَاهَوَيْة، قال: سأَلت أَبا الغَمْر الأعرابِيَّ عن تَفسِير ذلك - وهو ابنُ ابنَةِ ذى الرُّمَّة فقال:

كانت: العَرَبُ إذا اجتمَعَت في المَحافِل كانت لهم جَماعةٌ يَلبَس أَحدُهم ثَوبَيْن حَسَنَيْن فإن احْتاجُوا إلى شِهادَةٍ شُهِد لهم بِزُور. ومعناه: أن يَقول: أَمضَى زُورَه بثَوبَيْه، يَقولُون: ما أَحسنَ ثِيابَه! ما أَحسنَ هَيْئَتَه! فَيُجِيزون شَهادَتَه، فجعل المُتَشَبِّع بما لَمْ يُعطَ مِثلَ ذلك.

قُلتُ: وقد قِيلَ: إنه الرّجُلُ يَجْعَل لقَمِيصه كُمَّين: أَحدِهما فَوقَ الآخَر، ليُرِي أنَّه لابِسُ قَمِيصَيْن. وها هُنَا يَكُونُ أَحدُ الثَّوبَين زُورًا، لا يكون ثَوبَى زُورٍ.

وقيل اشتِقاق الثَّوبِ من قَولِهم: ثَابَ إذا رَجَع، لأن الغَزْلَ ثاب ثَوبًا: أي عَادَ وصَارَ، ويُعَبَّر بالثَّوب عن نَفسِ الإنسان، وعن قَلبِه أَيضا.

- في الحَدِيث: "مَنْ لَبِس ثَوبَ شُهرةٍ أَلبسَه اللهُ تَعالى ثَوبَ مَذَلَّة".

: أي يَشمَلُه بالمَذَلَّة حتَّى يَضفُو عليه، ويَلتَقِي عليه من جَنَبَاته، كما يَشمَل الثّوبُ بدنَ لابسِه، ويُحَقِّرُه في القُلوبِ ويُصَغِّرُه في العُيون.

- في حديث أَبِي سَعِيد، رضي الله عنه: "أنَّه لَمَّا حَضَره المَوتُ دَعَا بثِياب جُدُدٍ فَلَبِسَها. ثم ذَكَر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ المَيِّتَ يُبعَث في ثِيابِه التي يَمُوت فيها".

قال الخَطَّابِي: أَمَّا أَبُو سَعِيد، رضي الله عنه، فقد استعمَل الحَدِيثَ على ظاهِرِه، وقد رُوِي في تَحْسِين الكَفَن أَحادِيثُ.

وقد تَأَولَه بعضُ العُلماء على خِلافِ ذلك فَقال: مَعْنَى الثِّياب العَمَلُ، كُنِي بها عَنه، يُرِيد أَنّه يُبعَث على ما مَاتَ عليه من عَمَل صالِحٍ أو شَىء

والعَرب تَقُولُ: فُلانٌ طاهِرُ الثِّياب، إذا وَصَفُوه بطَهارَة النَّفسِ والبَراءة من العَيْب، ودَنِسُ الثِّياب إذا كان بخِلافِه.

واستَدلَّ عليه بقَولِه عليه الصَّلاة والسَّلام: "يُحشَر النَّاسُ حُفاةً عُراةً".

وقال بَعضُهم: البَعْث غَيرُ الحَشْر، فقد يَجُوز أن يَكُون البَعثُ مع الثِّيّاب، والحَشْر مع العُرْى والحَفَاء، والله أعلم.

وحَدِيثُه الآخر: "إذا وَلى أَحدُكم أَخاه فَلْيُحْسِنْ كَفنَه".

وحديثه الآخر: "يَتَزاوَرُون في أَكْفانِهم".

والآثارُ والرُّؤْيَا التي وردت فيه تُبطِل تَأوِيلَه، والله تَعالَى أَعلم.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


30-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حرج)

(حرج) - في الحديث: "الَّلهُمَّ إنّي أُحرِّج حقَّ الضَّعِيفَين: اليَتِيمِ والمَرْأة".

: أي أُضَيِّقه وأُحرِّمه على من ظَلَمَهما والحَرَج: الحَرامُ.

قال الأصمَعِيّ: يقال: حَرِج عليَّ ظُلمُك: أي حَرُمَ. ويقال: أَحرِجْها بِتَطْلِيقَة: أي حَرِّمها. وقيل: الحَرَج: أَضيَقُ الضِّيق.

- ومنه الحَدِيث: "حدِّثوا عن بَنِي إِسرائيل ولا حَرَج".

قال بعضهم: أي لا حَرَج إِن لم تُحدِّثوا عنهم؛ لأنَّ قولَه عليه الصَّلاة والسَّلام في أَولِ الحَدِيث: "بَلِّغوا عَنِّي" على الوُجُوب، فلما أَتبعَ ذلك قَولَه: "وحَدِّثُوا عن بَنِي إسرائِيلَ ولا حَرَج" أَعلمَهم أَنَّه ليس على الوُجُوب، ولكنه على التَّوسِعَة. وهذا تَأوِيلٌ بَعِيدٌ.

كتب إليّ قراتكِين بن الأَسْعَد بن المَذْكور - رحمه الله - أَنَّ أَبا مُحمَّد الجوهَرِيّ أَخبرَهم، أنا علي بن عبد العزيز بن مَرْدَك، أنا عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم [الرَّازِي] نا أَبِي، نا مُحَمَّد بن عبد الله ابن عبد الحكم قال: قال الشَّافعيّ: مَعنَى حَديثِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "حَدِّثُوا عن بَنِي إسرائِيلَ ولا حَرَج".

: أي لا بَأْس أن تُحَدِّثوا عنهم ما سَمِعْتم، وإن استَحال أن يَكُونَ في هذه الأمة مِثلُ ما رُوِي أَنَّ ثِيابَهم تَطُول، والنار تَنْزِل من السَّماءِ فتَأكُلُ القُربَان ليس أن يُحدَّث عنهم بالكَذِب، ويَدلُّ على صِحَّة قَولِ الشافِعِيّ، رضي الله عنه، ما رُوِي في بعضِ الرِّوايات عَقِيبَ الحَدِيث، فإنّ فيهم العَجَائِبَ.

وأخبرنا الِإمامُ أبو نَصْر: أَحْمد بن عمر، رضي الله عنه، أنا

مَسْعُود بن نَاصر، نا علِيّ بن بُشْرَى، أنا مُحمَّد بنُ الحُسَين بن عَاصِم.

قال: أخبرني محمَّدُ بنُ عبد الرَّحْمَن الهَمْدَاني بَبَغْداد، نا مُحَمَّد ابن مَخْلد، نا أبو بَكْر: أَحْمد بن عثمان بن سَعِيد الأَحْوَل. قال: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول: "ما كَانَ أَصحابُ الحَديثِ يَعرِفون مَعانِي حَدِيثِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى جَاءَ الشَّافِعِيُّ فَبيَّنَها لهم.

وبإسناده أنا محمّدُ بن الحُسَين: أخبرَني عبدُ الرَّحمن بنُ العَبَّاس، قال: سَمِعتُ يَحيَى بنَ زكريا النَّيسَابُورِي، يقول: وجدت في كِتابِ أبي سَعِيد الفِريَابِي، عن المُزَنِيّ أَنَّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَدِّثوا عن بَنِي إسرائِيلَ ولا حَرَج، وحَدِثُّوا عَنِّي ولا تَكذِبوا عَليَّ". قال: ومَعْناه: أَنَّ الحَدِيث عنهم إذا حُدِّثتَ به فأَدَّيتَه كما سَمِعْتَه، حَقًّا كان أو غَيرَ حقٍّ، لم يَكُن عليك حَرَج لطُول العَهْد ووقُوعِ الفَتْرة.

والحَدِيث عن رَسُولِ اللهِ، - صلى الله عليه وسلم -، لا يَنْبَغِي أن تُحَدِّث به وتَقْبلَه إلَّا عن ثِقَة. وقد قال: "مَنْ حَدَّث عَنِّي حَدِيثًا يَرَى أَنّه كَذِب، فهو أَحَدُ الكاذِبَيْن" قال: فإذا حُدِّثْتَ بالحَدِيث يَكُون عِندَك كَذِبًا، ثم تُحدِّثُ به فأَنتَ أَحدُ الكَاذبين في المَأْثمَ.

- في الحديث: "قَدِم وفْدُ مَذْحِج على حَراجِيجَ".

الحَراجِيجُ: سمع حُرجُوج. قال الأصْمَعىّ: هي النَّاقة الطَّوِيلَة.

وقال أبو عَمْرو: هي الضامِرَة. وقيل: هي الوَقَّادَة القَلْب، ويقال: هو الذاهب اللحم حتَّى يتقَوَّس. وكذلك الحُرجُج، والحُرجُوج أَيضا: الرِّيح البَارِدَة.

- في حَديثِ يَوم حُنَيْن: "تَركُوه في حَرجَة".

: أي شَجْراء مُلتَفَّة.

- وفي حَديثٍ آخَر: "ذَهبتُ إلى أَبِي جَهْل في مثل الحَرَجَة ".

أي: الغَيْضَة التي تَضايَقَت لالْتِفافِها، والحَرَجُ: الضِّيق.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


31-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (حنة)

(حنة) - في الحَدِيث: "إلَّا رَجُل بَينَه وبَيْن أَخِيه حِنَةٌ".

- وفي حديث حَارِثَةَ بنِ مُضَرِّب: "ما بَيْنِى وبين العَربَ حِنَةٌ"

- وقال مُعاوِيَةُ: "لقد مَنَعَتْنِى القُدرةُ من ذَوِى الحِنَات".

وأَخبرنَا غَيرُ واحد إذْنًا، رحمهم الله، قالوا: أَخبرنَا عبدُ الرَّحمن بنُ محمد، ثنا أبو مَنْصُور مُحمَّد بن أَحمَد بن على بن مَمُّوية الدِّينَورَى: قال: قُرِىء على أحمدَ بنِ جَعْفَر بن حَمْدان

ابن عَبدِ الله، ثنا إبراهيمُ بنُ الحُسَيْن بن دِيزِيل إملاءً، ثنا آدمُ بنُ أَبِى إياس، ثنا ابنُ أَبِى ذئب، ثنا الحَكَم بنُ مُسْلِم [عن] الأعرج، قال:

- قال رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَجُوزُ شَهادة ذى الظَّنَّة والحِنَةِ والجِنَّة".

قال: الظِّنّة. التُّهَمة، والحِنَة: العَدَاوة، والجِنَّة: ما يَغِيب عن الرَّجل، الحِنَة بتَخْفِيف النُّون بمَعْنى الإِحْنَة، وهي الحِقْد في الصَّدر. قال أبو زَيْد: يقال أَحَنتُ عليه أَحِنّ وأَحَنُّ أَحَنًا. وَوَحِنْت عليه، إذا غَضِبْت عليه، وهو مُواحِن لك.

وأنكر الأَصَمِعىّ والفَرَّاء حِنَةً، غير أَنَّه قد وَرَد في أَحادِيث كما تَرَى.

وقال غيره: حِنَةٌ: لُغَيَّة. يقال منه: وَحِنَ عليه.

- في حديث أَنسِ، رضي الله عنه: "شَفَاعَتِى لأَهلِ الكَبائِر من أُمَّتى حتى حَاءَ وحَكَم".

وهما حَيَّان باليَمَن من العَرَب في آخر رَمْل يَبْرِين. قيل: يجوز أن يكون من حَوَى يَحْوِى، ويجوز أن يَكُونَ مقصورًا غَيرَ ممدود.

- في حَديث أَبِى هُرَيْرة: "إِيَّاك والحَنْوةَ، والإِقْعاءَ".

الحَنْو: هو أن يُطَأطِىءَ رَأسه ويُقوِّس ظَهرَه، من حَنوتُ الشَّىءَ وحَنَيْتُه: عَطَفْتُه.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


32-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سبط)

(سبط) - في الحديث: "أنه أَتَى سُبَاطة قَوم فَبالَ قائِمًا ".

قال حُذَيْفة - رضي الله عنه -: فدعاني حتى كنت عند عَقِبه

قال ابن الأعرابي: السُّباطَة والقُمَامة والخُمامة: هيِ الكُناسَة ومُلقَى التُّراب والقُمام ونحوه، يكون بفِناءِ الدار مَرْفِقًا للقَوم.

قيل: وإضافَتُها إلى القوم ليست إضافة مِلْك. بل كانت في ديارهم ومَحَلَّتهم، وكانت مَوَاتًا مُبَاحةً.

وأمّا قَولُه: "قائما" فَلعَلّه لم يجد موضعًا للقُعودِ؛ لأنَّ الظاهرَ من السُّبَاطة أن لا يكون موضعها مُسْتَويا.

وقيل: كان برِجْله جُرْحٌ لم يتمكَّن من القُعود معه.

وفي رواية أخرى: لِعلَّةٍ بِمَأْبِضَيْه.

وأخبرنا الإمام أبو نَصرْ أحمد بن عُمَر قال: أخبرنا مسعودُ بن ناصر، أنا على بن بُشْرَى، أنا محمد بن الحسين بن عاصم، حدثني إبراهيم بن محمد بنِ المُوَلّد الرَّقِّى بالرَّقَّة، أَملَاه عَلَىّ عن

الحُسَين بن الضَّحَّاك عن الربيع قال:

جاء حَفْصٌ الفَرْدُ إلى الشافعي، وكان يُبطِل أخبارَ الآحاد، قال: فقال للشافِعيِّ: يا أبَا عبدِ الله. تَقولُون: إنه لم يُرْوَ للنّبى - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ إلاّ وفيه فائدةٌ، فأيُّ فائدةٍ فيما رُوِىَ عنه:

أنّه أَتَى سُبَاطَةَ قَوم فَبالَ قائمًا؟

قال: فقال الشّافعي - رحمه الله -: وَيْلكَ يا حَفْص، في هذا أكبرُ الفَوائِد، أما تَعلَم أنّ العربَ تقول: إذا كان بالرجل وجَعُ الظَّهْرِ شَفَاه البَولُ قائمًا؛ وإنما بال النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما يَطلُب الشفاءَ ثم تَرَك.

وقد رُوى: "أنَّ عمر بَالَ قائما، ثم قال: البَولُ قائِمًا أحصَنُ للدُّبُر"

يريد إذا تَفَاجّ قَاعِدًا ستَرخَت مَقْعَدَته.

وقَولُ حُذَيْفة: "دَعَاني حتى كُنتُ عند عَقِبه"

قيل: أراد أن يكون سِتْرًا بينه وبين النَّاس؛ لأن السُّباطَةَ في الأفنِيةِ لا تكَادُ تخلو من المارَّة.

وقيل: السُّباطة: الكُناسَة، كَنَى عن مَوضِعها بها.

وقيل: السُّباطَة، من سَبَط عليه العَطاءَ؛ إذا تابعه؛ لأن السُّباطَة تُطْرح بالأفنية كلّ وقت فتكْثُر.

- في حديث المُلاعَنة: "إن جاءت به أمَيْغِر سَبْطا فهو لزوجها - أي تام الخلقِ -، وإن جاءت به أُدَيْعج جَعْدًا - أي قصِيرًا - فهو للذى يُتَّهَم".

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


33-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (سرج)

(سرج) - في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "سِراجُ أهل الجَنَّة"

قيل: أراد أن الأربعين الذين تَمُّوا بعُمر - رضي الله عنهم - كُلُّهم من أهل الجنة، وكان عمر فيما بينهم كالسِّراج؛ لأنهم به كانوا يتقَوّون، وبإسلامه وقوته يذهَبوُن ويَجيئوُن بعد ما كانوا مُخْتَفِين مُختَبئِين، كما أنّ بضوء السّراج يَمشىَ المَاشى.

وأخبرنا غانم بن أبي نصر إذنًا عن كتاب أبي على بن شاذان قال: قال لنا أبو عمر: محمد بن عبد الواحد: سألت أبا العباس ثَعلبًا عن هذا الحديث فقال: "سِراجُ أَهلِ جنّته"، لأن جَنَّة أبي بكر فوق جَنَّة عمر - رضي الله عنهما -.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


34-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (لمس)

(لمس) - في الحديث: "اقتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَينِ والأَبتَر، فإنَّهُمَا يَلمِسان البَصَرَ ويُسْقِطانِ الحَبَل "

قال أبو سَعيد الضّرِيرُ: لمَسَ عَينَه وَسَمَل بمَعْنىً

وفي رواية: "يَلْتَمِسَان"

وقيل: معناه: يتخطَّفَان وَيَطمِسَان؛ لخاصِّيَّة في طِباعِهِمَا إذَا وَقَع بَصرُهما على بصَرِ الإنسانِ.

وفي رِوَاية: "يَطرحان ما في بطُونِ النِّساء"

وهذا يُؤكِّد هذا التفسِيرَ. وقيل: يقصِدان البَصَر باللَّسْعِ والنّهْش.

قال القُتَبِىُّ: زَعَم صاحبُ المنطق أنَّ رُجلًا ضَرَب حَيَّةً بعَصًى فمات الضّارِبُ، وأنَّ مِن الأفَاعِى ما يَنظُر إلى الإنسان فيَمُوت الإنسان بنظَرِه، وما يُصوِّت فيَمُوت السَّامِعُ مِن صَوْتِه.

قال: وقد حُدِّثنا مع هذا عن النَّضْر بن شُمَيل، عن أبى حَمْزَةَ أنّه قال: الأبتَر من الحيَّات خَفِيفٌ أزرَقُ مقَطوعُ الذَّنَب يَفِرُّ من كُلّ أحَدٍ ولاَ يَرَاهُ أحَدٌ إلاَّ ماتَ، ولَا تَنظر إليه حامِل إلاَّ أَلقَتْ ما في بَطنِهَا؛ وهو الشَّيطانُ من الحيَّات.

قال: وهذا يُوافِق ما قاله صاحبُ المنْطِق، أفَما تَعلَم أنَّ هذهِ الحيَّةَ إذا قَتلَتْ مِن بُعْدٍ فإنّما تقتُلُ بِسُمًّ فضَلَ من عَيْنِها في الهَواءِ، حتّى أصَابَ مَن رَأته، وكذلك القَاتِلة بِصَوْتِها تَقْتُل بِسُمٍّ فضَلَ من صَوْتها، فإذا دَخلَ السَّمْعَ قتَل.

قال: وقد ذَكَر الأصمعىُّ مِثلَ هذا بعَينِه في الذي يَعتَان، بلَغَنِى عنه أنه قال: "رَأيتُ رجُلًا عَيُونًا فَدُعِىَ عليه فعَوِرَ، وكان يَقُولُ: إذ رَأيتُ الشىءَ يُعجبُنِى وجَدتُ حَرَارَةً تَخرُجُ مِن عَيْنى" أخبرنا بهذا كُلِّه: حبيبُ بن محمّد - رحمه الله -، أنا أحمدُ بن الفَضْلِ، ثنا محمدُ بنُ إسحاق، وأخبرنا محمد بن أحمدَ الفَارِسىّ، أنا عبدُ الوَهَّاب بن محمد، أنا أبى، أنا الهَيْثَمُ بنُ كُلَيْب، عن ابنِ قُتَيْبَة.

وقد وَرَدَ في حدِيث أبى سَعِيدٍ الخُدْرِىّ - رضي الله عنه -: "في الشَّابَّ العَرُوس من الأنصَارِ الذي ضرَب الحيَّةَ برُمْحِه فَمَاتَتْ، وماتَ الشَّابُّ من سَاعَتِه" إلَّا أَنّه ذُكِرَ أنَّ النبىَّ صلّى الله عليه وسلّم - قال: "إنَّها كانت من الجِنِّ".

فنَهَى عن قَتْلِ الجنَّانِ في البُيُوتِ حتى يُؤذَنَ.

- في الحديث: "أنَّ رَجُلًا سَألَه، فقال: إنَّ امرأَتِي لا تَردُّ يَدَ لَامِسٍ "

ذكَر الخَطابى أَنّه يُريد: الزَّانِيَة، وَأنّها مُطاوِعة لمِنَ أَرادَها لا تَردُّ يَدَه.

قال: وفيه دَليلٌ على جَوَاز نِكاحِ الفَاجِرَة، وان كان الاختِيارُ غَيرَه.

فأمّا قَولُه تَعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ..} الآية، فإنَّما نَزلَت في امرأةٍ من الكُفَّار خاصَّةً؛ فأمَّا الزَّانيةُ المُسْلِمَةُ فإنّ العَقْدَ عليهِا جائزٌ لا يُفسَخُ.

قال: ومعنى قوله: "فَاسْتَمْتِعْ بها" يعنى في هذا الحديث: أي لا

تُمسِكْها إلَّا بقَدْر ماَ تقْضِى مُتْعةَ النَّفْس منها ومن وَطَرِها

والاسْتِمتاع: الانِتفاعُ إلى حِينٍ.

ومنه قولُه تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}

: أي مُتعَة إلى حِينٍ ثم تَنْقَطِعُ.

ومنه نِكاحُ المُتْعَةِ الذي حَرَّمَه رسُولُ الله - صلَّى الله عليه وسلّم -.

أخبرنا حَبِيبُ بن محمدٍ - رحمه الله - أنا أَحمدُ بن الفَضْلِ البَاطِرقاني ثنا أبو عُمر بن عبد الوهَّاب، أنا عبد الله بن جعفر، أنا أبِى، أنا محمد بن الخطَّاب الدَّيْنورِى، ثنا أحمد بن سَعيد بن عبد الخالقِ، قال: سَألتُ أحمدَ بن حَنْبَل - رحمه الله - عن معنَى "لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ" قال: تُعطى من مَالِه، قلت: فإنّ أبا عُبَيْدٍ يقول: من الفُجُورَ، فقال: لَيس هو عِندنا إلَّا أنَّها تُعطى مِن مَالِهِ , ولم يكن النبىُّ - صلّى الله عليه وسلّم - لِيَأمُرَه بإمْسَاكِها وهي تَفْجُرُ.

وقال عَلِىّ بن أبى طالبٍ، وعبدُ الله بن مَسْعُودٍ - رضي الله

عنهما -: "إذا جاءَكم الحديثُ عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فظُنُّوا به الذي هو أَهْدَى وَأَتْقَى"

وبه قال لنا أبي، أنبأ إبراهيم بن الجُنيد قال: سَألتُ ابنَ الأَعرابىّ عن: "لا تَمْنَعُ يَدَ لامِس" ما مَعناه؟ فقال: من الفُجُورِ. فقيل له: إنّ أبا عُبيدٍ قال: تُعطِى مِن مالِهِ، فقال: لو كان كذلك لم يَأمُرْه رَسُولُ الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يُطلِّقَها؛ ولكنَّه من الفجُور، فقال: لا أَصبِرُ عنها، فقال: "استَمتِع بها": أي احْفَظها.

قال: وخاف النَّبِىّ - صلّى الله عليه وسلّم - إن هو أَوجَبَ عليه تَطلِيقَها أن تَتُوق نَفْسُه إلى الحَرامِ.

وبه أنا أبى، أنا، أحمد بن يزيد، ثنا يحي بن حبيب بن عَرَبى، ثنا حَسَّان بن سَيف، عن النَّهَّاس بن قَهْم، قال: بلغنى أن لقمان زوَّج بَنِيهِ، فقال لأحدِهم: كيف رَأَيْتَ امرأتَك؟ قال: مِن خَيْر النّساءِ إلاَّ أَنّها امرأة لَا تَدْفعُ يَدَ لامِسٍ، فقال: يا بُنيّ تَمسَّك بها، واذهب بها، فانزِل في بَنى فُلانٍ، فإنّ نِساءَهم أعِفَّة، وأنَّها متَى رأتْهم أخَذَت بأَخْلاقِهم، ولم يَأمُره بفِراقهَا؛ ورُوِىَ عن عُمَرَ - رضي الله عنه - قال: "إذا كانت الرُّؤيَةُ فلا اجْتِماعَ"

ورُوِى عن مُجاهدٍ والأَوزَاعىِّ: فِيمَن اطَّلع على امرأتِه بالزِّنَى أنها لا تَحرُم عليه؛ ورُوِى عن مَكحُول خِلافُه.

ورُوىَ عن عُمر - رضي الله عنه - قال: إن شَاء أَمسَكها، وإن شاء تَركَها.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


35-المعجم الجغرافي للسعودية (عرفجاء)

عرفجاء: قال ياقوت: وأخبرنا رجل من بادية طيء أن عرفجاء ماء ونخل لطيء بالجبلين. كذا قال (وانظر جلال).

المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م


36-المعجم الجغرافي للسعودية (قنا)

قنا: قال ياقوت: قنا بالفتح والقصر.. وأخبرنا رجل من طيّء من سكّان الجبلين أن القنا جبل في شرقي الحاجر، وفي شماله جبلان صغيران يقال لهما صايرتا قنا. وقنا أيضا: جبل لبني مرّة من فزارة، قال مسلمة بن هذيلة:

«رجالا لو أنّ الصّمّ من جانبي قنا***هوى مثلها منها لذلّت جوانبه »

وقيل: قنا وعوارض جبلان لبني فزارة وأنشد سيبويه:

«ولأبغيّنكم قنا وعوارضّا***ولأوردنّ الخيل لابة ضرغد»

وقال اسحاق بن ابراهيم الموصلي: وقف نصيب على أبيات واستسقى ماء فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء، فسقته، وقالت: شبّب بي. فقال: وما اسمك؟ قالت: هند. فنظر إلى جبل وقال: ما اسم هذا العلم؟ قالت قنا. فأنشأ يقول:

«أحبّ قنا من حبّ هند ولم أكن ***أبالي أقربا زاده الله أم بعدا»

«ألا إنّ بالقيعان من بطن ذي قنا***لنا حاجة مالت إليه بنا عمدا»

«أروني قنا أنظر إليه فإنّنى ***أحبّ قنا أنّى رأيت به هندا»

قال: فشاعت هذه الأبيات، وخطبت الجارية من أجلها، وأصابت الجارية خيرا بشعر نصيب فيها. ويلاحظ على كلام ياقوت:

المعروف في اسم الجبل (قنا) بدون تعريف.

ليس شرقي الحاجر ولكنه في الشمال بميل قليل نحو الشرق.

يفهم من كلامه أن قنا يطلق على جبلين أحدهما لبني مرة من فزارة والآخر لفزارة، ولكن النصوص المتقدمة كلها تنطبق على مسمى واحد كان من بلاد فزارة، وبنو مرّة منهم.

وقال الهجريّ: قنوان واحد قنا: عقفان وقنا، لحسينة كلاهما من مرّة ـ كذا في الأصل المخطوط.

وقال أيضا: عوارضتنا قنا: جبلان من وراء قنا، بين قنا وحمّة سوداء وأنشد من أبيات:

«لقد أنزلونى من عوارضتي قنا***منازل ما قلبي لهنّ بلائق »

وورد ذكر قنوين كثيرا فى الشعر، قال الحارث بن ظالم المريّ

«وحل النّعف من قنوين أهلى ***وحلّت روض بيشة فالرّبابا»

وفي «صفة جزيرة العرب» قال الكلابىّ:

«وكان الهوى قد مات للنّأي موتة***فعاش الهوى لمّا بدا قنوان »

وقال النّابغة:

«فإمّا تنكري نسبى فإنّى ***من الصّهب السّبال بني جناب »

«فإنّ منازلي وبلاد قومي ***جنوب قنا هنالك فالهضاب »

وقال الشماخ:

«تربّع من جنبي قنا فعوارض ***نتاج الثّريّا ـ نوءها غير مخدج »

ـ كذا في «معجم ما استعجم» وفي ديوان الشماخ:

تربّع من حوض قنانا وثادقا

وقال أيضا: وتروى لمقدام بن جساس الدّييريّ الأسدي:

«كأنّها وقد بدا عوارض ***وأدبيّ في القتام رابض »

«وغاض من إير بهنّ فائض ***وقطقط حيث يخوض الخائض »

«واللّيل بين قنوين رابض ***بجلهة الوادي قطا نواهض »

وقال الشمّاخ أيضا:

«تحالف يشكر والّلؤم قدما***كما جبلا قنا متحالفان “

قال البكريّ: ويضاف إلى قنا أبارق ـ جمع أبرق ـ قال نهيكة الغطفانيّ:

«عصب دفعن من الأبارق من قنا***بجنوب رخّة فالرّخاج فيثقب »

وأورد ياقوت: لمسلم بن قرّط الأشجعي:

«تطرّبنى حبّ الأبارق من قنا***كأنّ امرأ لم يجل عن داره قبلي »

«فيا ليت شعري هل يعيقة ساكن؟ ***إلى السّعد؟ أم هل بالعواقر من أهل؟! »

«فمن لامني في حبّ نجد وأهله ***وإن بعدت داري فليم على مثلي »

«على قرب أعداء ونأي عشيرة***ونائبة نابت من الزّمن المحل »

وأضيف قنا إلى قراقرتين فى قول قيس بن زهير العبسيّ:

«لن تهبطي أبدا جنوب مويسل ***وقنا قراقرتين والأمرارا»

وأرى صواب قراقرتين: فرافرتين ـ بالفاء مثنى فرافرة ـ جبل لا يزال معروفا بقرب قنا والامرار وقد تقدم ذكره.

ويبعد جبلا قنا وقنيّ عن مدينة حايل مائة وخمسة وخمسين كيلا جنوبا وفي الجبلين نخل.

وقنا أهله سكان قرية السّليمى من بني تميم، وقنيّ لقبيلة بني رشيد والجبلان بقرب قرية السّليمى.

وقد ورد ذكر قنا وقني في وقائع نجد في العصور الأخيرة قال ابن بشر في حوادث سنة 1202 ه‍ (وفيها سار سعود بن عبد العزيز ـ رحمه‌الله ـ بجموع أهل نجد وبواديها وقصد عالية نجد، ماوراء القصم فأغار على بوادي عنزة، وهم مجتمعون على قنا وقنيّ ـ الجبلان المعروفان في عالية نجد، فأخذهم وقتل منهم رجالا. انتهى.

وورد ذكرها في الشعر العاميّ الحديث. قالت شاعرة من بني رشيد:

«يا ذيب ما شفت نشر خليلى ***على قنا وقنيّ داجت رعاياه »

«وادي الرّمه من دمع عيني يسيل ***وراعي الحليفه يزرع الحبّ من ماه »

«يالّلي بذرت الحبّ قلبك هبيل ***يا با ذر حبّ على غير مجراه »

المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية-حمد الجاسر-صدر: 1398هـ/1978م


37-معجم البلدان (بست)

بُسْت:

بالضم: مدينة بين سجستان وغزنين وهراة، وأظنّها من أعمال كابل، فإن قياس ما نجده من أخبارها في الأخبار والفتوح كذا يقتضي، وهي من البلاد الحارة المزاج، وهي كبيرة، ويقال لناحيتها

اليوم: كرم سير، معناه النواحي الحارة المزاج، وهي كثيرة الأنهار والبساتين إلّا أن الخراب فيها ظاهر، وسئل عنها بعض الفضلاء فقال: هي كتثنيتها يعني بستان، وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم: الخطابي أبو سليمان أحمد بن محمد البستي صاحب معالم السنن وغ

«إذا قيل: أيّ الأرض في الناس زينة؟ *** أجبنا وقلنا: أبهج الأرض بستها»

«فلو أنني أدركت يوما عميدها *** لزمت يد البستيّ دهرا، وبستها»

وقال كافور بن عبد الله الإخشيدي الخصيّ اللّيثي الصّوري:

«ضيّعت أيامي ببست، وهمّتي *** تأبى المقام بها على الخسران»

«وإذا الفتى في البؤس أنفق عمره، *** فمن الكفيل له بعمر ثان؟»

وأبو حاتم محمد بن حبّان بن معاذ بن معبد بن سعيد ابن شهيد التميمي، كذا نسبه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد البخاري المعروف بغنجار، ووافقه غيره إلى معبد، ثم قال: ابن هدبة بن مرة بن سعد ابن يزيد بن مرة بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مرّ بن أدّ ابن طابخة بن الياس بن مضر الامام العلامة الفاضل المتقن، كان مكثرا من الحديث والرحلة والشيوخ، عالما بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمّل تصانيفه تأمّل منصف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم، سافر ما بين الشاش والإسكندرية، وأدرك الأئمة والعلماء والأسانيد العالية، وأخذ فقه الحديث والفرض على معانيه عن إمام الأئمة أبي بكر ابن خزيمة، ولازمه وتلمذ له، وصارت تصانيفه عدّة لأصحاب الحديث غير أنها عزيزة الوجود، سمع ببلده بست أبا أحمد إسحاق بن ابراهيم القاضي وأبا الحسن محمد بن عبد الله ابن الجنيد البستي، وبهراة أبا بكر محمد بن عثمان بن سعد الدارمي، وبمرو أبا عبد الله وأبا عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن سليمان السعدي وأبا يزيد محمد بن يحيى بن خالد المديني، وبقرية سنج أبا علي الحسين بن محمد بن مصعب السنجي وأبا عبد الله محمد بن نصر بن ترقل الهورقاني، وبالصغد بما وراء النهر أبا حفص عمر بن محمد بن يحيى الهمداني، وبنسإ أبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني ومحمد بن عمر بن يوسف ومحمد بن محمود بن عدي النسويّين، وبنيسابور أبا العباس محمد بن إسحاق بن إبراهيم السرّاج الثّقفي وأبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه الأزدي، وبأرغيان أبا عبد الله محمد بن المسيب بن إسحاق الأرغياني، وبجرجان عمران بن موسى بن

مجاشع وأحمد بن محمد بن عبد الكريم الوزّان الجرجانيين، وبالرّيّ أبا القاسم العبّاس بن الفضل بن عاذان المقري وعلي بن الحسن بن مسلم الرّازي، وبالكرج أبا عمارة أحمد بن عمارة بن الحجاج الحافظ والحسين بن إسحاق الأصبهاني، وبعسكر مكرم أبا محمد عبد الله بن أحمد

هارون الزّوزني وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خشنام الشّروطي وجماعة كثيرة لا تحصى.

أخبرنا القاضي الإمام أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني اذنا عن أبي القاسم زاهر بن طاره الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد البحتري قال: سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول: أبو حاتم البستي القاضي كان من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه، وولي القضاء بسمرقند وغيرها من المدن ثم ورد نيسابور سنة 334، وحضرناه يوم جمعة بعد الصلاة فلما سألناه الحديث نظر إلى الناس وأنا أصغرهم سنّا فقال:

استمل، فقلت: نعم، فاستمليت عليه، ثم أقام عندنا وخرج إلى القضاء بنيسابور وغيرها وانصرف إلى وطنه، وكانت الرحلة بخراسان إلى مصنّفاته.

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي شفاها قال:

أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الباقي اذنا عن أبي بكر أحمد بن عليّ بن ثابت كتابة قال: ومن الكتب التي تكثر منافعها إن كانت على قدر ما ترجمها به واضعها مصنّفات أبي حاتم محمد بن حبّان البستي التي ذكرها لي مسعود بن ناصر السّجزي ووقفني على تذكرة بأسمائها، ولم يقدّر لي الوصول إلى النظر فيها لأنها غير موجودة بيننا ولا معروفة عندنا، وأنا أذكر منها ما استحسنته سوى ما عدلت عنه واطرحته: فمن ذلك كتاب الصحابة خمسة أجزاء وكتاب التابعين اثنا عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب اتباع التابعين خمسة عشر جزءا وكتاب تبع الاتباع سبعة عشر جزءا وكتاب تبّاع التبع عشرون جزءا وكتاب الفصل بين النقلة عشرة أجزاء وكتاب علل أوهام أصحاب التواريخ عشرة أجزاء وكتاب علل حديث الزّهري عشرون جزءا وكتاب علل حديث مالك عشرة أجزاء وكتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه عشرة أجزاء وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة عشرة أجزاء وكتاب ما خالف الثّوريّ شعبة ثلاثة أجزاء وكتاب ما انفرد فيه أهل المدينة من السّنن عشرة أجزاء وكتاب ما انفرد به أهل مكة من السنن عشرة أجزاء وكتاب ما عند شعبة عن قتادة وليس عند سعيد عن قتادة جزآن وكتاب غرائب الأخبار عشرون جزءا وكتاب ما أغرب الكوفيون عن البصريين عشرة أجزاء وكتاب ما أغرب البصريون عن الكوفيين ثمانية أجزاء وكتاب أسامي من يعرف بالكنى ثلاثة أجزاء وكتاب كنى من يعرف بالاسامي ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل والوصل عشرة أجزاء وكتاب التمييز بين حديث النضر الحدّاني والنضر الحزّاز جزآن وكتاب الفصل بين حديث أشعث بن مالك وأشعث بن سوار جزآن وكتاب الفصل بين حديث منصور بن المعتمر ومنصور ابن راذان ثلاثة أجزاء وكتاب الفصل بين مكحول الشامي ومكحول الأزدي جزء وكتاب موقوف ما رفع عشرة أجزاء وكتاب آداب الرجالة جزآن وكتاب ما أسند جنادة عن عبادة جزء وكتاب الفصل بين حديث نور بن يزيد ونور بن زيد جزء وكتاب ما جعل عبد الله بن عمر عبيد الله بن عمر جزآن وكتاب ما جعل شيبان سفيان أو سفيان شيبان ثلاثة أجزاء وكتاب مناقب مالك بن أنس جزآن وكتاب مناقب الشافعي جزآن وكتاب المعجم على المدن عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من الحجازيين عشرة أجزاء وكتاب المقلّين من العراقيين عشرون جزءا وكتاب الأبواب المتفرّقة ثلاثون جزءا وكتاب الجمع بين الأخبار المتضادّة جزآن وكتاب وصف

المعدل والمعدّل جزآن وكتاب الفصل بين حدثنا وأخبرنا جزء وكتاب وصف العلوم وأنواعها ثلاثون جزءا وكتاب الهداية إلى علم السنن، قصد فيه إظهار الصناعتين اللتين هما صناعة الحديث والفقه، يذكر حديثا ويترجم له ثم يذكر من يتفرّد بذلك الحديث ومن مفاريد أيّ بلد هو ث

وأخبرني القاضي أبو القاسم الحرستاني في كتابه قال:

أخبرني وجيه بن طاهر الخطيب بقصر الريح اذنا سمعت الحسن بن أحمد الحافظ سمعت أبا بشر

النيسابوري يقول سمعت أبا سعيد الإدريسي يقول سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري الرجل الصالح بسمرقند يقول: كنّا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له محمد بن إسحاق بن

سمعت أبا عليّ الحسين بن عليّ الحافظ وذكر كتاب المجروحين لأبي حاتم البستي فقال: كان لعمر بن سعيد بن سنان المنبجي ابن رحل في طلب الحديث وأدرك هؤلاء الشيوخ وهذا تصنيفه، وأساء القول في أبي حاتم، قال: الحاكم أبو حاتم كبير في العلوم وكان يحسد لفضله وتقدّمه، ونقلت من خطّ صديقنا الإمام الحافظ أبي نصر عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله بن وهبان السّلمي الحديثي، وذكر أنه نقله من خطّ أبي الفضل أحمد بن علي بن عمرو السليماني البيكندي الحافظ من كتاب شيوخه، وكان قد ذكر فيه ألف شيخ في باب الكذّابين، قال: وأبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي قدم علينا من سمرقند سنة 330 أو 329، فقال لي: أبو حاتم سهل ابن السري الحافظ لا تكتب عنه فإنه كذّاب، وقد صنف لأبي الطيب المصعبي كتابا في القرامطة حتى قلّده قضاء سمرقند، فلما أخبر أهل سمرقند بذلك أرادوا أن يقتلوه فهرب ودخل بخارى وأقام دلّالا في البزّازين حتى اشترى له ثيابا بخمسة آلاف درهم إلى شهرين، وهرب في الليل وذهب بأموال الناس، قال: وسمعت السليماني الحافظ بنيسابور قال لي:

كتبت عن أبي حاتم البستي؟ فقلت: نعم، فقال.

إياك أن تروي عنه فإنه جاءني فكتب مصنّفاتي وروى عن مشايخي ثم إنه خرج إلى سجستان بكتابه في القرامطة إلى ابن بابو حتى قبله وقلّده أعمال سجستان فمات به، قال السليماني: فرأيت وجهه وجه الكذّابين وكلامه كلام الكذابين، وكان يقول:

يا بني اكتب: أبو حاتم محمد بن حبان البستي إمام الائمة، حتى كتبت بين يديه ثم محوته، قال أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق القرّاب: سمعت أحمد ابن محمد بن صالح السجستاني يقول: توفي أبو حاتم محمد بن أحمد بن حبان سنة 354، وعن شيخنا أبي القاسم الحرستاني عن أبي القاسم الشّحّامي عن أبي عثمان سعيد بن محمد البحتري، سمعت محمد بن عبد الله الضّبّيّ يقول: توفي أبو حاتم البستي ليلة الجمعة لثماني ليال بقين من شوّال سنة 354، ودفن بعد صلاة الجمعة في الصّفّة التي ابتناها بمدينة بست بقرب داره، وذكر أبو عبد الله الغنجار الحافظ في تاريخ بخارى أنه مات بسجستان سنة 354، وقبره ببست معروف يزار إلى الآن، فإن لم يكن نقل من سجستان إليها بعد الموت وإلّا فالصواب أنه مات ببست.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


38-معجم البلدان (خزاز وخزازى)

خَزاز وخَزَازَى:

هما لغتان، كلاهما بفتح أوله وزاءين معجمتين، قال أبو منصور: وخزازى شكل

في النحو وأحسنه أن يقال هو جمع سمّي به كعراعر ولا واحد له كأبابيل، وقال الحارث بن حلّزة:

«فتنوّرت نارها من بعيد *** بخزازى، هيهات منك الصلاء! »

واختلفت العبارات في موضعه، فقال بعضهم: هو جبل بين منعج وعاقل بإزاء حمى ضرية، قال:

«ومصعدهم كي يقطعوا بطن منعج، *** فضاق بهم ذرعا خزاز وعاقل»

وقال النميري: هو رجل من بني ظالم يقال له الدهقان فقال:

«أنشد الدار، بعطفي منعج *** وخزاز، نشدة الباغي المضل»

«قد مضى حولان مذ عهدي بها، *** واستهلّت نصف حول مقتبل»

«فهي خرساء، إذا كلّمتها، *** ويشوق العين عرفان الطّلل»

وقال أبو عبيدة: كان يوم خزاز بعقب السّلّان، وخزاز وكير ومتالع أجبال ثلاثة بطخفة ما بين البصرة إلى مكة، فمتالع عن يمين الطريق للذاهب إلى مكة وكير عن شماله وخزاز بنحر الطريق، إلا أنها لا يمر الناس عليها ثلاثتها، وقيل: خزاز جبل لبني غاضرة خاصة، وقال أبو زياد: هما خزازان وهما هضبتان طويلتان بين أبانين جبل بني أسد وبين مهبّ الجنوب على مسيرة يومين بواد يقال له منعج، وهما بين بلاد بني عامر وبلاد بني أسد، وغلط فيه الجوهري غلطا عجيبا فإنه قال: خزاز جبل كانت العرب توقد عليه غداة الغارة، فجعل الإيقاد وصفا لازما له وهو غلط، إنما كان ذلك مرّة في وقعة لهم، قال القتّال الكلابي:

«وسفع كدور الهاجريّ بجعجع *** تحفّر، في أعقارهنّ، الهجارس»

«موائل، ما دامت خزاز مكانها *** بجبّانة كانت إليها المجالس»

«تمشّى بها ربد النّعام كأنها *** رجال القرى تمشي، عليها الطيالس»

وهذا ذكر يوم خزاز بطوله مختصر الألفاظ دون المعاني عن أبي زياد الكلابي، قال: اجتمعت مضر وربيعة على أن يجعلوا منهم ملكا يقضي بينهم، فكلّ أراد أن يكون منهم، ثم تراضوا أن يكون من ربيعة ملك ومن مضر ملك، ثم أراد كلّ بطن من ربيعة ومن مضر أن الملك منهم، ثم اتفقوا على أن يتخذوا ملكا من اليمن، فطلبوا ذلك إلى بني آكل المرار من كندة، فملّكت بنو عامر شراحيل ابن الحارث الملك بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار وملّكت بنو تميم وضبّة محرّق بن الحارث وملّكت وائل شرحبيل بن الحارث، وقال ابن الكلبي: كان ملك بني تغلب وبكر بن وائل سلمة ابن الحارث، وملّكت بقية قيس غلفاء، وهو معدي كرب بن الحارث، وملّكت بنو أسد وكنانة حجر بن الحارث أبا امرئ القيس، فقتلت بنو أسد حجرا، ولذلك قصة، ثم قصص امرئ القيس في الطلب بثأر أبيه، ونهضت بنو عامر على شراحيل فقتلوه، وولي قتله بنو جعدة بن كعب بن ربيعة بن صعصعة، فقال في ذلك النابغة الجعدي:

«أرحنا معدّا من شراحيل بعد ما *** أراهم مع الصّبح الكواكب، مصحرا»

وقتلت بنو تميم محرّقا وقتلت وائل شرحبيل، فكان حديث يوم الكلاب ولم يبق من بني آكل المرار

غير سلمة، فجمع جموع اليمن وسار ليقتل نزارا، وبلغ ذلك نزارا فاجتمع منهم بنو عامر بن صعصعة وبنو وائل تغلب وبكر، وقال غير أبي زياد:

وبلغ الخبر إلى كليب وائل فجمع ربيعة وقدّم على مقدّمته السّفّاح التغلبي واسمه سلمة بن خالد وأمره أن يعلو خزازى فيوقد بها النار ليهتدي الجيش بناره وقال له: إن غشيك العدوّ فأوقد نارين، وبلغ سلمة اجتماع ربيعة ومسيرها فأقبل ومعه قبائل مذحج وكلما مرّ بقبيلة استفزّها، وهجمت مذحج على خزازى ليلا فرفع السّفّاح نارين، فأقبل كليب في جموع ربيعة إليهم فصبّحهم فالتقوا بخزازى فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزمت جموع اليمن، فلذلك يقول السفاح التغلبي:

«وليل، بتّ أوقد في خزازى، *** هديت كتائبا متحيّرات»

«ضللن من السهاد، وكنّ لولا *** سهاد القوم، أحسب، هاديات»

وقال أبو زياد الكلابي: أخبرنا من أدركناه من مضر وربيعة أن الأحوص بن جعفر بن كلاب كان على نزار كلها يوم خزاز، قال: وهو الذي أوقد النار على خزاز، قال: ويوم خزاز أعظم يوم التقته العرب في الجاهلية، قال: وأخبرنا أهل العلم منا الذين أدركنا أنه على نزار الأحوص ابن جعفر، ثم ذكرت ربيعة ههنا أخيرا من الدهر أن كليبا كان على نزار، وقال بعضهم: كان كليب على ربيعة والأحوص على مضر، قال ولم أسمع في يوم خزاز بشعر إلا قول عمرو بن كلثوم التغلبي:

«ونحن، غداة أوقد في خزازى، *** رفدنا فوق رفد الرافدينا»

«برأس من بني جشم بن بكر *** ندقّ به السّهولة والحزونا»

«تهدّدنا وتوعدنا، رويدا! *** متى كنا لأمّك مقتوينا؟»

قال: وما سمعناه سمّى رئيسا كان على الناس، قلت: هذه غفلة عجيبة من أبي زياد بعد إنشاده:

برأس من بني جشم بن بكر

وكليب اسمه وائل بن ربيعة بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل، وهل شيء أوضح من هذا؟ قال أبو زياد: وحدثنا من أدركنا ممن كنا نثق به بالبادية أن نزارا لم تكن تستنصف من اليمن ولم تزل اليمن قاهرة لها في كل شيء حتى كان يوم خزاز فلم تزل نزار ممتنعة قاهرة لليمن في يوم يلتقونه بعد خزاز حتى جاء الإسلام، وقال عمرو بن زيد: لا أعرفه لكن ابن الحائك كذا قال في يوم خزاز، وفيه دليل على أن كليبا كان رئيس معدّ:

«كانت لنا بخزازى وقعة عجب، *** لما التقينا، وحادي الموت يحديها»

«ملنا على وائل في وسط بلدتها، *** وذو الفخار كليب العزّ يحميها»

«قد فوّضوه وساروا تحت رايته، *** سارت إليه معدّ من أقاصيها»

«وحمير قومنا صارت مقاولها، *** ومذحج الغرّ صارت في تعانيها»

وهي طويلة، وقال في آخرها: وكثير من الناس بذكر أن خزاز هي المهجم من أسفل وادي سردد.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


39-معجم البلدان (عرفجاء)

عَرْفَجاءُ:

بفتح أوله، وسكون ثانيه، وفاء ثم جيم، وألف ممدودة، والعرفج: نبت من نبات الصيف لين أغبر له ثمرة خشناء كالحسك، وعرفجاء: اسم موضع معروف لا تدخله الألف واللام، وهو ماء لبني عميلة، وقال أبو زياد: عرفجاء ماء لبني قشير، وقال في موضع آخر: لبني جعفر بن كلاب مطويّة في غربي الحمى، قال يزيد بن الطثرية:

«خليليّ بين المنحنى من مخمّر *** وبين الحمى من عرفجاء المقابل»

«قفا بين أعناق الهوى لمربّة *** جنوب تداوي كل شوق مماطل»

وأخبرنا رجل من بادية طيّء أن عرفجاء ماء ونخل لطيّء بالجبلين.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


40-معجم البلدان (قنا)

قَنَا:

بالفتح، والقصر، بلفظ قنا جمع قناة، من الرماح الهندية، والقنا أيضا مصدر الأقنى من الأنوف:

وهو ارتفاع في أعلاه بين القصبة والمارن من غير قبح، يقال ذلك في الفرس والطير والآدمي، وقنا: موضع باليمن، قال أبو زياد: ومن مياه بني قشير قنا، وأخبرنا رجل من طيّء من سكّان الجبلين أن القنا جبل في شرقي الحاجر وفي شماله جبلان صغيران يقال لهما صايرتا قنا. وقنا أيضا: جبل لبني مرّة من فزارة، قال مسلمة بن هذيلة:

«رجالا لو انّ الصّمّ من جانبي قنا *** هوى مثلها منها لزلّت جوانبه»

وقيل: قنا وعوارض جبلان لبني فزارة، وأنشد سيبويه:

«ولأبغينّكم قنا وعوارضا، *** ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد»

وقد صحّف قوم قنا في هذا البيت ورووه قبا، بالباء، فلا يعاج به، وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:

حدّثت عن السّدوسي: وقف نصيب على أبيات واستسقى ماء فخرجت إليه جارية بلبن أو ماء فسقته وقالت: شبّب بي، فقال: وما اسمك؟ قالت:

هند، فنظر إلى جبل وقال: ما اسم هذا العلم؟

قالت: قنا، فأنشأ يقول:

«أحبّ قنا من حبّ هند ولم أكن *** أبالي: أقربا زاده الله أم بعدا»

«ألا إنّ بالقيعان من بطن ذي قنا *** لنا حاجة مالت إليه بنا عمدا»

«أروني قنا أنظر إليه فإنني *** أحبّ قنا، إني رأيت به هندا»

قال: فشاعت هذه الأبيات وخطبت الجارية من أجلها وأصابت الجارية خيرا بشعر نصيب فيها.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


41-معجم البلدان (الوشم)

الوَشْمُ:

بالفتح ثم السكون، وهو نقوش تعمل على ظاهر الكفّ بالإبرة والنيل، والوشم: العلامة مثل الوسم، والوشم ويقال له الوشوم: موضع باليمامة يشتمل على أربع قرى ذكرناها في أماكنها، ومنبرها الفقي، وإليها يخرج من حجر اليمامة، وبين الوشم وقراه مسيرة ليلة، وبينها وبين اليمامة ليلتان، عن نصر، قال زياد بن منقذ:

«والوشم قد خرجت منه وقابلها *** من الثنايا التي لم أقلها ثرم»

وأخبرنا بدويّ من أهل تلك البلاد أن الوشم خمس قرى عليها سور واحد من لبن وفيها نخل وزرع لبني عائذ لآل مزيد وقد يتفرع منهم، والقرية الجامعة فيها ثرمداء وبعدها شقراء وأشيقر وأبو الريش والمحمدية، وهي بين العارض والدهناء.

معجم البلدان-شهاب الدين أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الرومي الحموي-توفي: 626هـ/1229م


42-معجم المصطلحات البلاغية وتطورها (الإشباع)

الإشباع:

أشبع الثوب وغيره: روّاه صبغا، وقد يستعمل في غير الجواهر على المثل كاشباع النفخ والقراءة وسائر اللفظ، وكل شي توفره فقد أشبعته حتى الكلام يشبع فتوفر حروفه.

والاشباع في القوافي هو إشباع حركة الحرف بين ألف التأسيس وحرف الروي ككسرة الصاد من قوله:

«كليني لهم يا أميمة ناصب ***وليل أقاسيه بطيء الكواكب »

وقيل: إنّما ذلك إذا كان الروي ساكنا ككسرة الجيم من قوله:

كنعاج وجرة ساقهنّ الى ظلال الصيف ناجر

وقيل: الاشباع اختلاف تلك الحركة اذا كان الروي مقيدا كقول الحطيئة:

«الواهب المائة الصفا***يا فوقها وبر مظاهر»

وقال الأخفش: الاشباع حركة الحرف الذي بين التأسيس والروي المطلق.

ولكن الغانمي قال عنه: «هو أن يأتي الشاعر بالبيت معلق القافية على آخر أجزائه ولا يكاد يفعل ذلك إلّا حذاق الشعراء، وذلك أنّ الشاعر اذا كان بارعا جلب بقدرته وذكائه وفطنته الى البيت وقد تمت معانيه واستغنى عن الزيادة فيه قافية متممة لأعاريضه ووزنه فجعلها نعتا للمذكور»، وذلك كقول ذي الرمة:

«قف العيس في أطلال ميّة فاسأل ***رسوما كأخلاق الرداء المسلسل »

وعلق ابن الأثير على ذلك بعد أن أشار الى التبليغ بقوله: «والبابان المذكوران سواء لا فرق بينهما بحال، والدليل على ذلك أنّ بيت امرئ القيس يتم معناه قبل أن يؤتى بقافيته وكذلك بيت ذي الرمة، ألا ترى أن امرأ القيس لما قال:

«كأنّ عيون الوحش حول خبائنا***وأرحلنا الجزع...»

أتى بالتشبيه قبل القافية ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: «لم يثقّب» وهكذا ذو الرمة فانه لما قال:

«قف العيس في أطلال ميّة فاسأل ***رسوما كأخلاق الرداء...»

أتى بالتشبيه أيضا قبل أن يأتي بالقافية، ولما احتاج اليها جاء بزيادة حسنة وهي قوله: «المسلسل». واعلم أنّ أبا هلال قد سمى هذين القسمين بعينهما الايغال»

وكان أبو هلال العسكري قد نقل ذلك عن الاصمعي، قال: «وأخبرنا أبو أحمد، قال: أخبرنا الصولي عن المبرد عن التوّزي قال: قلت للأصمعي: من أشعر الناس؟ فقال: من يأتي بالمعنى الخسيس فيجعله بلفظه كبيرا، أو الكبير فيجعله بلفظة خسيسا، أو ينقضي كلامه قبل القافية فإذا احتاج اليها أفاد بها معنى»، وذكر بيتي امرئ القيس وذي الرمة. وكأن الاشباع هنا اشباع المعنى وان كان كاملا.

معجم المصطلحات البلاغية وتطورها-أحمد مطلوب-صدر: 1403هـ/1983م


43-موسوعة الفقه الكويتية (ليلة القدر)

لَيْلَةُ الْقَدْرِ

التَّعْرِيفُ:

1- لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَتَرَكَّبُ مِنْ لَفْظَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا: لَيْلَةٌ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَيُقَابِلُهَا النَّهَارُ.وَلَا يَخْرُجُ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيُّ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

وَثَانِيهِمَا: الْقَدْرُ، وَمِنْ مَعَانِي الْقَدْرِ فِي اللُّغَةِ: الشَّرَفُ وَالْوَقَارُ، وَمَنْ مَعَانِيهِ: الْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ وَالتَّضْيِيقُ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُرَادِ مِنَ الْقَدْرِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ وَالتَّشْرِيفُ، وَمِنْهُ قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وَالْمَعْنَى: أَنَّهَا لَيْلَةٌ ذَاتُ قَدْرٍ وَشَرَفٍ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا، وَلِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ تَنَزُّلِ الْمَلَائِكَةِ، أَوْ لِمَا يَنْزِلُ فِيهَا مِنَ الْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، أَوْ أَنَّ الَّذِي يُحْيِيهَا يَصِيرُ ذَا قَدْرٍ وَشَرَفٍ.

وَقِيلَ: مَعْنَى الْقَدْرِ هُنَا التَّضْيِيقُ كَمِثْلِ قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا، أَوْ لِأَنَّ الْأَرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ- بِفَتْحِ الدَّالِ- وَهُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ: أَيْ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَصْلِ وَالْقَضَاءِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: سُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ الْوَارِدَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَيْسَتْ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُبَارَكَةٌ مُعَظَّمَةٌ مُفَضَّلَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ خَيْرٍ وَمُصِيبَةٍ، وَرِزْقٍ وَبَرَكَةٍ.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ

فَضْلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

2- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَفَضْلُ اللَّيَالِي، وَأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قَالَ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وَأَنَّهَا اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، وَالَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.

وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا سَبَقَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ تَهْبِطُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ وَمِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْضِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ النَّاسِ إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَتَنْزِلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالرَّحْمَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِكُلِّ أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى قَابِلٍ

.وَفِي فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}.أَيْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَلَامَةٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا لَا شَرَّ فِيهَا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ،

قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يُقَدِّرُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلاَّ السِّلَامَةَ وَفِي سَائِرِ اللَّيَالِيِ يَقْضِي بِالْبَلَايَا وَالسَّلَامَةِ،

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ لَيْلَةٌ سَالِمَةٌ لَا يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا سُوءًا وَلَا أَذًى.

إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

3- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ- رضي الله عنه- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- جَاوَرَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»،، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ»،، وَالْقَصْدُ مِنْهُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».

وَيَكُونُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»،، قَالَ ابْنُ عَلاَّنَ: بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ انْفِكَاكُ الْإِنْسَانِ مِنْ تَبَعَاتِ الذُّنُوبِ وَطَهَارَتُهُ مِنْ دَنَسِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ بِالطَّهَارَةِ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَهَّلُ لِلِانْتِظَامِ فِي سَلْكِ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.

اخْتِصَاصُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ

4- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَاصَّةٌ بِالْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنَ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمُرِ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، » وَبِمَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَبِسَ السِّلَاحَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْفَ شَهْرٍ فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} ».

وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ كَانَتْ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ- رضي الله عنه- وَفِيهِ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفِي كُلِّ رَمَضَانَ هِيَ؟ قَالَ: نَعَمْ.قُلْتُ: أَفَتَكُونُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا رَفَعُوا رُفِعَتْ أَوْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَلْ هِيَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

بَقَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

5- اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي بَقَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَلِلْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي تَحُثُّ الْمُسْلِمَ عَلَى طَلَبِهَا وَالِاجْتِهَادِ فِي إِدْرَاكِهَا، وَمِنْهَا قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»،، وَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ».

وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ رُفِعَتْ أَصْلًا وَرَأْسًا،

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ عَنِ الرَّوَافِضِ وَالْفَاكَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَكَأَنَّهُ خَطَأٌ، وَالَّذِي حَكَاهُ السُّرُوجِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ الشِّيعَةِ.وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُحَنَّسَ قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: زَعَمُوا أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ رُفِعَتْ، قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ

، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: ذَكَرَ الْحَجَّاجُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَكَأَنَّهُ أَنْكَرَهَا فَأَرَادَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ أَنْ يَحْصِبَهُ فَمَنَعَهُ قَوْمُهُ.

مَحَلُّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

6- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَلِّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَحَلَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ دَائِرَةٌ مَعَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}.

وَأَخْبَرْنَا كَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} الْآيَةَ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ دُونَ سَائِرِ لَيَالِي السَّنَةِ الْأُخْرَى.

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالَّتِي سَبَقَ نَقْلُهَا وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّ مَحَلَّ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ تَدُورُ فِيهَا، قَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مِنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» مُشِيرًا إِلَى أَنَّهَا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَلَمَّا بَلَغَ قَوْلُهُ هَذَا إِلَى ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلاَّ يَتَّكِلَ النَّاسُ.

7- وَاخْتَلَفَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي مَحَلِّهَا مِنَ الشَّهْرِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا قَالُوا: يُسْتَحَبُّ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ آكَدُ، وَلَيَالِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ آكَدُ، لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ.

وَفِيمَا يَلِي أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي مَحَلِّهَا:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَدَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْتِمَاسِهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَتُؤَكِّدُ أَنَّهَا فِي الْأَوْتَارِ وَمُنْحَصِرَةٌ فِيهَا.

وَالْأَشْهَرُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.

وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْبُهُوتِيُّ بِأَنَّ أَرْجَاهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ نَصًّا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ دَائِرَةٌ مَعَ رَمَضَانَ، بِمَعْنَى أَنَّهَا تُوجَدُ كُلَّمَا وُجِدَ، فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، لَكِنَّهَا عِنْدَهُمَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْهُ، وَعِنْدَهُ لَا تَتَعَيَّنُ.

وَقَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ- رضي الله عنهم-، وَنَسَبَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِلَى الصَّاحِبَيْنِ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَ النَّوَوِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ مُبْهَمَةٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّهَا فِي لَيْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا وَلَا تَزَالُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكُلُّ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مُحْتَمِلَةٌ لَهَا، لَكِنْ لَيَالِي الْوِتْرِ أَرْجَاهَا، وَأَرْجَى الْوِتْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ، وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَرَجَاهَا لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فَهُمَا أَرْجَى لَيَالِيهَا عِنْدَهُ، وَبَعْدَهُمَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ:.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيٌّ- رضي الله عنهم-: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ الصَّحَابِيِّ لِقَوْلِ أَنِسٍ- رضي الله عنه-: لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، نَقَلَهَا عَنْهُمَا ابْنُ حَجَرٍ.

الْقَوْلُ الْخَامِسُ: أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ- رضي الله عنه- قَالَ: مَا أَشُكُّ وَلَا أَمْتَرِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- بِحُجَّةِ أَنَّهَا هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي صَبِيحَتِهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ وَنَزَلَ فِيهَا الْقُرْآنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وَهُوَ مَا يَتَوَافَقُ تَمَامًا مَعَ قوله تعالى فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}.

الْقَوْلُ السَّادِسُ: أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ، حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَعَزَاهُ الطَّبَرِيُّ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ- رضي الله عنه- وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

الْقَوْلُ السَّابِعُ: أَنَّهَا لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- وَعَزَاهُ الطَّبَرِيُّ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنهما- وَوَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه-.

الْقَوْلُ الثَّامِنُ: أَنَّهَا مُتَنَقِّلَةٌ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ تَنْتَقِلُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ إِلَى لَيْلَةٍ وَفِي بَعْضِهَا إِلَى غَيْرِهَا، وَذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَحْدِيدِهَا فِي لَيَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَامَّةً وَمَنِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ خَاصَّةً، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ إِلاَّ بِالْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُتَنَقِّلَةٌ، وَأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ، فَعَلَى هَذَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الَّتِي «رَأَى أَبُو سَعِيدٍ- رضي الله عنه- النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ»،، وَفِي السَّنَةِ الَّتِي أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ بِأَنْ يَنْزِلَ مِنَ الْبَادِيَةِ لِيُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَفِي السَّنَةِ الَّتِي رَأَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ- رضي الله عنه- عَلَامَتَهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَقَدْ تُرَى عَلَامَتُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ اللَّيَالِي، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي قُلَابَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَصَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ، لِتَعَارُضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا طَرِيقَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِلاَّ بِانْتِقَالِهَا،

وَقِيلَ: إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُتَنَقِّلَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كُلِّهِ.

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَبْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي طَلَبِهَا، وَيَجِدُّوا فِي الْعِبَادَةِ طَمَعًا فِي إِدْرَاكِهَا كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيُكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ، وَأَخْفَى اسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ، وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ لِيَجْتَهِدُوا فِي جَمِيعِهَا، وَأَخْفَى الْأَجَلَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لِيَجِدَّ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ حَذَرًا مِنْهُمَا.

مَا يُشْتَرَطُ لِنَيْلِ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

8- نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لِنَيْلِ فَضْلِهَا أَوْ عَدِمِ اشْتِرَاطِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ.

فَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنَالُ فَضْلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلاَّ مَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَلَوْ قَامَ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهَا لَمْ يَنَلْ فَضْلَهَا.

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبَيْنِ: إِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِنَيْلِ فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْعِلْمُ بِهَا، وَيُسْتَحَبُّ التَّعَبُّدُ فِي كُلِّ لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى يَحُوزَ الْفَضِيلَةَ عَلَى الْيَقِينِ.

وَرَجَّحَ فُقَهَاءُ الْمَذْهَبَيْنِ الرَّأْيَ الثَّانِي وَقَالُوا: وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ حَالَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَكْمَلُ وَأَتَمُّ فِي الْفَضْلِ إِذَا قَامَ بِوَظَائِفِهَا.

عَلَامَاتُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:

9- قَالَ الْعُلَمَاءُ:

لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَامَاتٌ يَرَاهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ وَأَخْبَارَ الصَّالِحِينَ وَرِوَايَاتِهِمْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهَا فَمِنْهَا مَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه- مَرْفُوعًا: «إِنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ لَا بَرْدَ فِيهَا وَلَا حَرَّ وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ وَأَنَّ مِنْ أَمَارَتِهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ».

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ- رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا».

وَمِنْهَا مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ- رضي الله عنه- (أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ إِلاَّ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ).

كِتْمَانُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

10- اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَأَى لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَنْ يَكْتُمَهَا.

وَالْحِكْمَةُ فِي كِتْمَانِهَا كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ حَجَرٍ نَقْلًا عَنِ الْحَاوِي أَنَّهَا كَرَامَةٌ وَالْكَرَامَةُ يَنْبَغِي كِتْمَانُهَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الطَّرِيقِ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَةِ النَّفْسِ، فَلَا يَأْمَنُ السَّلْبَ، وَمَنْ جِهَةٍ أَنْ لَا يَأْمَنَ الرِّيَاءَ، وَمَنْ جِهَةِ الْأَدَبِ فَلَا

(

يَتَشَاغَلُ عَنِ الشُّكْرِ لِلَّهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَذِكْرِهَا لِلنَّاسِ، وَمَنْ جِهَةٍ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْحَسَدَ فَيُوقِعُ غَيْرَهُ فِي الْمَحْذُورِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ

وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِقَوْلِ يَعْقُوبَ ( ( ( (لِابْنِهِ يُوسُفَ- عليه السلام- {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


44-الأضداد لابن الأنباري (المقدمة)

بسم الله الرحمن الرحيم

(الملك الحق المبين، وما توفيقي إِلا بالله)

قال أَبو بكر محمدُ بن القاسم بن بشَّارٍ الأَنباريُّ النحويّ: الحمد لله حقَّ حمدِه، على ما أَوْلَى من نِعمه وفَضْلِه، وظَاهَر من آلائه وَطوْله. والصَّلاةُ على خيرِ خَلْقه، أَبي القاسم خاتِم رُسُله، والأَمينِ على وَحْيِه، والدَّاعي إِلى أَمرِه، والسَّلامُ على الطّيّبين من آله وصحبِه.

هذا كتاب ذِكْر الحروف التي تُوقِعُها العربُ على المعاني المتضادّة، فيكونُ الحرفُ منها مؤدِّيًا عن معنييْن مختلفيْن، ويَظُنُّ أَهلُ البِدَع والزَّيْغ والإِزْرَاء بالعرب، أَنَّ ذلك كان منهُمْ لنُقْصان حكمتهم، وقلَّة بلاغتهم، وكثرة الالْتباس في محاوراتهم، وعند اتّصال مخاطباتهم، فيَسْأَلُون عن ذلك، ويحتجُّون بأنَّ الاسم مُنبِئ عن المعنى الَّذي تحته ودالٌّ عليه، ومُوضِحٌ تأْويلَه، فإِذا اعتورَ اللفظةَ الواحدة معنيان مختلفانِ لم يَعْرِف المخاطَب أَيَّهما أَراد المخاطِب، وبَطَل بذلك معنى تعليق الاسمِ على المسمّي.

فأُجيبوا عن هذا الَّذي ظنُّوه وسأَلوا عنه بضُروبٍ من الأجوبة: أَحدُهنّ أَنَّ كلامَ العرب يصحِّح بعضُه بعضًا، ويَرتبِط أَوَّلُه بآخره، ولا يُعْرَفُ معنى الخطابِ منه إِلاَّ باستيفائه، واستكمال جميع حروفه، فجاز وقوعُ اللَّفظَةِ على المعنييْن المتضادَّيْن، لأَنَّها يتقدَّمُها ويأْتي بعدَها ما يدلُّ على خصوصيَّةِ أَحد المعنييْن دون الآخر، ولا يُراد بِها في حالِ التكلُّم والإِخبار إِلاَّ معنًى واحد؛ فمن ذلك قول الشَّاعِر:

«كلُّ شَيْءٍ ما خَلاَ المَوْتَ جَلَلْ *** والفَتَى يَسْعَى ويُلْهِيه الأَمَلْ»

فدلّ ما تقدَّم قبل جلل وتأَخَّر بعده على أَنَّ معناه: كلُّ شيءٍ ما خَلا الموت يَسيرٌ؛ ولا يتوهَّم ذو عقل وتمييز أَنَّ الجَلَلَ هاهنا معناه عظيم. وقول الآخر:

«يا خَوْلَ يا خَوْلَ لا يَطْمَحْ بِكِ الأَمَلُ *** فقد يُكَذِّبُ ظَنَّ الآمِلِ الأَجَلُ»

«يا خَوْلَ كَيْفَ يَذُوقُ الخفضَ معترِفٌ *** بالموتِ والموتُ فيما بَعْدَهُ جَلَلُ»

فدلَّ ما مضى من الكلام على أَنَّ جللا معناه يسيرٌ.

وقول الآخر:

«فَلَئِنْ عَفَوْتُ لأَعْفُوَنْ جَلَلًا *** ولَئِنْ سَطَوْتُ لأُوهِنَنْ عَظْمِي»

«قَوْمِي هُمُ قَتَلوا أُمَيْمَ أَخِي *** فإِذا رَمَيْتُ يُصِيبُني سَهْمِي»

فدلَّ الكلامُ على أَنَّهُ أَراد: فلئن عفوتُ لأَعفونَّ عفوًا عظيمًا، لأنَّ الإِنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير؛ فلمَّا كان اللَّبس في هذين زائلًا عن جميع السامعين لم ينكَرْ وقوعُ الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفَي اللَّفْظين. وقالَ الله عزّ وجلّ، وهو أصدق قيل: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ أَراد: الذين يتيقنون ذلك، فلم يذهب وهْمُ عاقل إِلى أَنَّ الله عزّ وجلّ يمدح قومًا بالشكّ في لقائه، وقالَ في موضع آخر حاكيًا عن فرعون في خطابه موسى: إنِّي لأَظُنُّكَ يا مُوسَى مَسْحُورًا. وقالَ تعالى حاكيًا عن يونس: وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدرَ عَلَيْهِ، أراد: رَجَا ذلك وطمع فيه، ولا يَقُولُ مسلِم إِنَّ يونسَ تيقَّنَ أَنَّ الله لا يقدر عليه. ومَجْرَى حروف الأَضْدادِ مجرى الحروف التي تقعُ على

المعاني المختلفة، وإِنْ لم تكُنْ متضادَّة، فلا يُعرَف المعنى المقصودُ منها إِلاَّ بما يتقدَّم الحرفَ ويتأَخَّر بعده ممَّا يُوضِحُ تأْويله، كقولك: حَمَل، لولد الضّأْنِ من الشّاء، وحَمَل اسم رجل، لا يعرف أَحدُ المعنيين إِلاَّ بما وصفنا. وكذلك يتلمَّظَان، ويَقومُ عَبْدِ اللهِ؛ لا يُعْرَفُ أَنَّ شيئاُ من هذا منقول عن معناه إِلى تسمية الرّجال به إِلاَّ بدليلٍ يُزيل اللَّبْس عن السامعين؛ فمن ذلك ما أَنْشدنا أَبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرَّاءُ:

«إِذا ما قيلَ أيُّ الناس شَرٌّ *** فشرُّهُمُ بَنو يَتَلَمَّظانِ»

جعل يتلمّظان اسمًا لرجل. وأَنشدنا أَبو العباس أَيْضًا:

«خُذُوا هذهِ ثمَّ استعِدّوا لمثلِها *** بَنِي يَشْتهي رُزء الخليل المُناوِب»

جعل يشتهي، وما بعده اسمًا لرجل. وأَنْشَدَنا أَبو العباس، عن سَلَمة، عن الفَرَّاءُ، عن الكِسائيّ:

«وكنتُ ابنَ عَمٍّ باذلًا فوَجدْتكُمْ *** بَني جُدَّ ثَدْياها عليَّ ولا لِيا»

جعل جُدَّ ثَدْياها اسمًا. وأَنْشَدَنا أَبو العباس، عن سلَمة، عن الفَرَّاءُ، عن الكِسائيّ:

«أَعَيْرُ بَني يَدِبُّ إِذا تَعَشَّى *** وعَيْرُ بَنِي يَهِرُّ على العَشاءِ»

جعل يهِرّ ويدِبّ اسمين. وكذلك غَسقَ، يقع على معنييْن مختلفين للعلة التي تقدّمت،: أَحدُهما أَظْلَمَ، من غَسَقِ الليل، والآخر سالَ من الغَساق، وهو ما يَغْسِقُ من صَديد أَهل النار، قال عُمارة بن عَقيل:

«تَرَى الضَّيْفَ بالصَّلْعاءِ تغْسِقُ عَيْنُهُ *** مِنَ الجوعِ حتَّى تحْسِبَ الضَّيْفَ أَرْمدا»

وقالَ عمران بن حِطّان:

«إِذا ما تذكَّرْتُ الحياة وطيبَها *** إليّ جَرَى دَمْعٌ من العَيْنِ غاسِق»

أَي سائل. والجميل: الرجل الحسَن، والجميل: الشحْم المُذاب، يعرف معناهما بما وصفناه.

والزِّبْرِج: الأَثَر، والزِّبْرِج: السحاب الرقيق. والحَلَمة: رأْس الثّدي، والحلَمة: نبات ينبت في السهل.

والأُمّة: تُبَّاع الأَنبياء، والأُمّة: الجماعة، والأُمّة: الصالح الَّذي يؤتم به، والأُمّة: الدِّين، والأُمّة: المنفرد بالدِّين، والأُمّة: الحين من الزمان، والأُمّة: الأُمّ، والأُمّة: القامة؛ وجَمْعُها أُمَم؛ قال الأَعشى:

«وإنَّ مُعاوِية الأَكْرَمينَ *** حِسانُ الوُجوهِ طِوالُ الأُمَمْ»

في أَلفاظ كثيرة يطول إحصاؤها وتعديدها، تُصْحِبُها العربُ من الكلام ما يدلّ على المعنى المخصوص منها. وهذا الضرب من الأَلفاظ هو القليل الظريف في كلام العرب. وأَكثر كلامهم يأْتي على ضربيْن آخرين: أَحدُهما أَن يقع اللفظان المختلفان على المعنييْن المختلفين؛ كقولك: الرجل والمرأَة، والجمل والناقة، واليوم والليلة، وقام وقعد، وتكلّم وسكت؛ وهذا هو الكثير الَّذي لا يُحاط به.

والضرب الآخر أَن يقع اللفظان المختلفان على المعنى الواحد، كقولك: البُرّ والحنْطة، والعَيْر والحمار، والذّئب

والسِّيد، وجلس وقعد، وذَهب ومضى. قال أَبو العباس عن ابن الأَعْرَابِيّ: كلُّ حَرْفين أَوْقعتْهُما العرب على معنًى واحد؛ في كلّ واحد منهما معني ليس في صاحبه، ربَّما عرفناه فأَخْبَرْنا به، وربَّما غَمُض علينا فلم نُلْزِم العربَ جهله.

وقالَ: الأَسماءُ كلّها لعلة؛ خَصّت العربُ ما خصّتْ، منها من العلل ما نعلمه، ومنها ما نجهلُه. وقالَ أَبو بكر: يذهب ابن الأَعْرَابِيّ إِلى أَن مكّة سُمْيت مكّةَ لجذْب الناس إليها، والبَصْرة سميت البصرة للحجارة البيض الرِّخوة بها، والكوفة سُمِّيت الكوفة لازْدحام الناس بها، من قولهم: قد تَكوَّف الرملُ تكَوُّفًا، إِذا ركبَ بعضُه بعضًا، والإِنسانُ سمّي إنسانًا لنسيانه، والبهيمة سُمْيت بهيمة لأنها أُبْهِمَتْ عن العقل والتمييز، من قولهم: أَمْرٌ مُبْهَمٌ إِذا كان لا يعرف بابُه. ويُقَالُ للشجاع: بُهْمة، لأَنَّ مُقاتله لا يَدْري من أَيّ وجه يُوقِع الحيلَة عليه. فإِن قال لنا قائل: لأَيّ علّة سُمِّي الرجلُ رجلًا، والمرأَة امرأَةً، والموْصل الموصِلَ، ودعد دعدا؟

قلنا: لعلل علمتْها العرب وجهلناها، أَو بعضها، فلم تَزُلْ عن العرب حكمةُ العلم بما لحقنا من غموض العلة، وصعوبة الاستخراج علينا.

وقالَ قطرب: إنما أَوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد ليدلّوا على اتساعهم في كلامهم، كما زاحفوا في أَجزاء الشِّعْر، ليدلّوا على أَنَّ الكلام واسعٌ عندهم، وأَنَّ مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإِطناب. وقول ابن الأَعْرَابِيّ هو الَّذي نذهب إليه، للحجّة التي دَللْنا عليها، والبرهان الَّذي أَقمناه فيه.

وقالَ آخرون: إِذا وقع الحرفُ على معنيين متضادّين، فالأَصلُ لمعنًى واحد، ثمَّ

تداخل الاثنان على جهة الاتساع. فمن ذلك: الصّريم، يُقَالُ لليل صَريم، وللنهار صَريم، لأنُ الليل ينصرِم من النهار، والنهار ينصرِم من الليل، فأَصلُ المعنيين من باب واحد، وهو القَطْع.

وكذلك الصارخ المغيث، والصارخ المستغيثَ؛ سمِّيا بذلك لأَن المغيث يصرُخُ بالإِغاثة، والمستغيثَ

يصرُخ بالاستغاثة؛ فأَصلهما من باب واحد. وكذلك السُّدْفَة: الظلمة، والسّدفة: الضَّوْءُ، سُمِّيا بذلك لأَنَّ أَصلَ السُّدْفة السِّتْر، فكأنَّ النهار إِذا أَقبل ستر ضوءه ظُلْمَة اللَّيل، وكأَنَّ الليلَ إِذا أَقبل سترت ظلمتُه ضوءَ النهار. والجَلَل: اليَسير، والجَلَل: العظيم، لأنَّ اليسيرَ قد يَكُونُ عظيمًا عندما هو أَيْسر منه، والعظيم قد يَكُونُ صغيرًا عند ما هو أَعظم منه.

والبعضُ يَكُونُ بمعنى البعض والكُلّ، لأنَّ الشَّيْء كُلَّه قد يَكُونُ بعضًا لغيره. والظَّنُّ يَكُونُ بمَعْنَى الشكّ والعلم، لأنَّ المشكوك فيه قد يُعْلَم. كما قيل راجٍ للطّمِع في الشَّيْء، وراجٍ للخائف، لأَنَّ الرجاءَ يقتضي الخوفَ إذْ لم يكن صاحبُه منه على يقين، قال الله عزّ وجلّ: وتَرْجونَ مِنَ الله ما لا يَرْجونَ، فقال الكلبيّ، عن أَبي صالح، عن ابن عباس: معناه: وتخافون من الله ما لا يخافون. وقالَ الفَرَّاءُ: العرب لا تذهب بالرّجاء مذهبَ

الخوف إِلاَّ مع الجَحْد، كقولهم: ما رجوت فلانًا، أَي ما خفته، قال الله عزّ وجلّ: ما لَكُمْ لا تَرْجونَ لله وَقارًا، فمعناه: لا تخافون لله عظمة. وقالَ أَبو ذُؤَيْب:

«إِذا لسعتْه النَّحْلُ لم يَرْجُ لَسْعَها *** وَحالفَها في بَيْت نُوبٍ عَوامِلِ»

أَراد: لم يخَفْ لَسْعَها. وقالَ أَبو بكر: ويروى: خالفها، بالخاء معجمة. وفي النُّوب قولان: أَحدُهما أَنَّها تضرب إِلى السواد، بمنزلة النُّوبة من الحَبَشة. والقول الآخر: النُّوب جمع نائب، وهو الرّاجع. وقالَ الهاشميّ عُبَيْدَة بن الحارث - قُتِلَ مع حمزة يوم أُحُد:

«لَعَمْرُكَ ما أَرْجو إِذا مُتُّ مُسْلِمًا *** على أَيّ جَنْبٍ كان في الله مَصْرَعي»

معناه ما أَخاف.

وأَنشد يونس البصريّ:

«إِذا أَهلُ الكرامةِ أَكرموني *** فَلا أَرْجو الهوانَ مِنَ اللِّئامِ»

وأَنْشَدَ الفَرَّاءُ:

«ما تَرْتَجي حينَ تُلاقي الذَّائدا *** أَسَبْعَةً لاقتْ معًا أَم واحدا»

أَراد: ما تخاف.

قال أَبو بكر: فكلام العرب في الرجاء على ما ذكر الفَرَّاءُ. وقالَ المفسِّرون خلاف ما روى الكلبيّ في المعنى الَّذي أَبطل صحتَه الفَرَّاءُ: وترجون من ثواب الله وتطمعون من حسن العاقبة والظَّفَر والغلَبة لأعدائكم فيما لا يَطْمع أَعداؤُكم، ولا يؤمَّلون مثلَه. وقالَ آخرون: إِذا وقع الحرفُ على معنيين متضادين، فمحالٌ أَن يَكُونُ العربيّ أَوقعه عليهما بمساواةٍ منه بينهما ولكنّ أَحد المعنيين لحيٍّ من العرب، والمعنى الآخر لحيٍّ غيره، ثمَّ سَمِعَ بعضُهم لغَة بعض، فأَخذ هؤلاء عن هؤلاء، وهؤلاء عن هؤلاء، قالوا: فالجَوْن الأَبيض في لُغَة حيٍّ من العرب، والجَوْن الأَسود في لُغَة حيٍّ آخر، ثمَّ أَخذ أَحد الفريقين من الآخر، كما قالت قريش: حَسِبَ يَحْسِبُ.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفرَّاء، قال: قال الكِسَائِيّ: أَخذوا يحسِب بكسر السِّين في المستقبل عن قوم من العرب يقولون: حَسب يَحْسِب، فكأَنَّ حَسِبَ من لغتهم في أَنفسهم، ويحسِب لغة لغيرهم، سمعوها منهم فتكلَّموا بها، ملم يقع أَصلُ البناء على فَعِل يَفْعِل.

وقالَ الفرَّاء: قوَّى هذا الَّذي ذكره الكِسَائِيّ عندي أنِّي سمعت بعضَ العرب يَقُولُ: فَضِلَ يفضُل.

قال أَبو بكر: يذهب الفَرَّاءُ إِلى أنَّ يفعُل لا يَكُونُ مستقبلًا لفَعِل، وأَنَّ أَصل يفضُل

من لغة قوم يقولون: فَضَل يفضُل، فأَخذ هؤلاء ضمّ المستقبل عنهم.

وقالَ الفَرَّاءُ: الذين يقولون: مِتّ أَموت، ودِمْت أَدوم، أَخذوا الماضيَ من لغة الذين يقولون: مِتّ أَمات، ودمْت أَدَام، لأَنَّ فَعِل لا يَكُونُ مستقبله يفْعُل على صحّة. قال أَبو بكر: فهذا قول ظريف حَسَن.

وقد جَمَع قومٌ من أَهل اللُّغة الحروفَ المتضادَّة، وصنَّفوا في إِحصائها كتبًا، نظرت فيها فوجدت كلَّ واحد منهم أَتى من الحروف بجزء، وأَسقط منها جزءًا، وأَكثرهم أَمْسَكَ عن الاعتلال لها، فرأَيت أَن أَجمعها في كتابنا هذا على حَسَب معرفتي ومبلغ علمي؛ ليستغنِيَ كاتبُه والناظر فيه عن الكتب القديمة المؤلَّفة في مثل معناه؛ إِذا اشتمل على جميع ما فيها، ولم يُعْدَمْ منه زيادَةُ الفوائد، وحسنُ البيان، واستيفاءُ الاحتجاج، واستقصاءُ الشواهد.

وأَنا أَرغب إِلى الله في حسن المعونة على ذلك، وأَسأَلُه التَّوفيق للصَّواب؛ وكمال الأَجر، وجزيل الثواب.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


45-الأضداد لابن الأنباري (القرء)

8 - والقُرْء من الأَضداد. يقال: القُرْءُ للطهر، وهو مذهب أَهل الحجاز، والقُرْءُ للحيض، وهو مذهب أَهل العراق، ويقال في جمعه: أَقراء وقروء.

وقالَ الأَصْمَعِيّ عن أَبي عَمْرو: يقال: قد دفع فلان إِلى فلانة جاريته تُقَرِّئْها. يعني أن تحفي ثم تطهَرْ للاستبراءِ. ويقال: القُرْءُ هو الوقت الَّذي يجوز أَن يكون فيه حَيْض، ويجوز أَن يكون فيه طُهْر، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

«قَطَعَتْ عَلَيَّ الدَّهْرَ سَوْفَ وعَلَّهُ *** ولاَنَ وزُرْنَا وانْتَظِرْنا وأَبْشِرِ»

«غَدٌ عِلَّةٌ لليوم واليومُ عِلَّةٌ *** لأَمْسِ فلا يُقْضَى ولَيْسَ بمُنْظَرِ»

«مَوَاعيدُ لا يأْتي لقُرْءِ حَوِيرُها *** تكون هَبَاءً يَوْمَ نَكْباَء صَرْصَرِ»

معناه لا تأْتي لوقت. وقال الآخر:

«وصاحبٍ مُكَاشِحٍ مُباغِضِ له *** قُرُوءٌ كقُرُوءِ الحَائِضِ»

أَي له أَوقات تشتدَّ فيها مُكاشحتُه. ويُقال: أَقْرَأَتِ الرِّيحُ، إِذا هَبَّتْ لوقتها، وقالَ مالك بن خالد الهُذَلِيّ:

«كَرِهْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ *** إِذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّياحُ»

أَي لوقتها، ويروى: لقارِيها بترك الهمز، أَي لأهْلِها وسُكَّانِها. وقالَ أَبو بكر: يُحْكَى هذا عن أَبي عُبيدة، والقارية أهل الدار، وفي العَقْر لغتان، أَهلُ الحجاز يقولون عُقْر الدَّار، بالضَّمِّ، وأَهل نَجْدِ يقولون: عَقْر الدَّار، بالفَتْحِ؛ ومعناه أَصل الدار، ومن ذلك العَقَار أَصل المال، وعُقْر الحوض حيث تقوم الشَّاربة؛ وقالَ الشَّاعر:

«إِذا ما السَّماءُ لم تغِمْ ثم أَخلفت *** قُروءُ الثّرَيَّا أَن يَصُوبَ لَهَا قَطْرُ»

والقِرْأَةُ: وقت المرض. وأَهل الحجاز يقولون: القِرَة؛ يقال: إِذا تحوَّلْتَ من بلدٍ إِلى بلدٍ، فمكثتَ خمسَ عشرةَ لَيْلة، فقد ذهبت عنك قِرْأَةُ البلد، وقِرَة البلد؛ أَي إِنْ مرضت بعد خمس عشرة ليلة، فليس مرضك من وباءِ البلدة التي انتقلت إليها. ويقال: قد أَقْرَأَتِ النُّجوم، إِذا غابت.

قال أَبو بَكْر: وهذا حجَّة لمن قال: الأَقراءُ الأَطهار؛ لأَنَّها خرجت من حال الطُّلوع إِلى حال الغَيْبَة. وقالَ الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيدة: يقال: قد أَقْرَأَتِ المرأَةُ إِذا دَنَا حَيْضُها، وأَقْرَأَتْ إِذا دَنَا طُهْرُها.

قال أَبو بَكْر: هذه رواية أَبي عُبيد عنهما. وروى غيره: أَقْرَأَتْ إِذا حاضت، وأَقْرَأَتْ إِذا طَهُرت. وحكَى بعضُهم: قَرَأَتْ، بغير أَلف في المعنيين جميعًا.

والصَّحيح عندي ما رواه أَبو عبيدة.

وقالَ قطرب: يقال قد قرأَت المرأَة، إِذا حملت. وقالَ أَبو عبيدة، يقال: ما قرأَت النَّاقة سَلًا قطّ، أَي لم تَضُمَّ في رحمها وَلَدًا. وأَنشد لعمرو بن كُلْثوم:

«ذِرَاعَي حُرَّةٍ أَدْمَاَء بِكْرٍ *** هِجَانَ اللَّوْنِ لَم تَقْرأَ جَنِينَا»

أَي لم تضمّ في رحمها ولدًا.

وأَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفرَّاءِ، قال: يقال: أَقْرَأَت المرأَة إِذا حاضت، وقرأَت: حملت. ويقال: قد أَقرأَت الحيَّة إِقراءً، إِذا جمعت السّمَّ شهرًا، فإِذا وَفَى لها شهر مَجَّتْهُ. ويقال: إِنَّها إِذا لَدَغَتْ في إِقرائها ذا روح لم تُطْنِه، أَي لم يَنْجُ منها. وقالَ يَعْقُوبُ ابن السِّكِّيتِ: لم تُطْنِه معناه لم تُشْوِه؛ إِلاَّ أَنَّ تُشْوِه يستعمل في غير الحيَّة، وتُطْنِه لا يستعمل إِلاَّ في الحيَّة. ومعنى تُشْوِه تخطئه، يقال: رَمَى فأَشْوَى، إِذا أَخطأَ. ومن الحجَّة لمن قال: الأَقْراء الأَطهار قولُ الأَعشى:

«وفي كُلِّ عامٍ أَنْتَ جَاشمُ غَزْوَةٍ *** تَشُدُّ لأَقْصاها عَزِيمَ عَزائِكا»

«مورِّثةٍ مالًا وفي الأَصْلِ رِفْعةً *** لما ضاعَ فيها من قُرُوءِ نِسائِكا»

معناه من أَطهار نسائك؛ أَي ضَيَّعتَ أَطْهار النِّساء، فلم تغشهنَّ مؤثرًا للغزو، فأَورثك ذاك المال والرفعة. وشبيه

بهذا البيت قول الآخر:

«أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالكِ بن زُهَيْرٍ *** تَرْجُو النِّساءُ عَواقِبَ الأَطْهارِ»

أَي يرجون أَن يُغْشَين في أَطهارهنّ، فيَلدْنَ ما يُسْرَرْنَ به. ومثله أَيْضًا قول الأَخطل:

«قَوْمٌ إِذا حارَبُوا شَدُّوا مآزِرَهُمْ *** دُونَ النِّساءِ ولَوْ بَاتَتْ بأَطْهارِ»

أَي إِذا حاربوا لم يغشو النِّساءَ في أَطهارهنَّ. ويقال: قد أَقْرَأَ سَمُّ الحيَّة، إِذا اجتمع.

قال أَبو بَكْر: ومن الحجَّة لمن قال: القُرْءُ الحيض، الحديث الَّذي يُروَى عن النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَنَّهُ قال للمرأَةِ: دَعِي الصَّلاةَ أَيَّام أَقرائك.

ويقال: قد تحيَّضت المرأة إِذا تركت الصَّلاةَ أَيَّام الحيض، من ذلك الحديث الَّذي يُرْوَى في المستحاضة، أَنَّ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم قال لها: احتسِي كُرْسُفًا قالت: إِنِّي أَثُجُّه ثَجًّا. فقال: اسْتَثْفِرِي وتَحَيَّضِي في عِلْم الله ستًّا أَو سبعًا، ثمَّ اغتسِلي وصلِّي، فتَحَيَّضي، على ما وصفنا، والكُرْسف: القطن، ويقال له: البِرْس والطَّاط. ويروى: فتلجَّمي. ويقال: أَثَجُّه، معناه أُسيّله، من الماء الثَّجَّاج وهو السَّيَّال، وفي الحَدِيث: أَفضلُ الحجّ العَجُّ والثَّجُّ، فالعجُّ التلبية، والثَّجُّ صبُّ الدِّماءِ. واستثفري، له معنيان، يجوز أَن يكون شبَّه اللِّجام للمرأَة بالثَّفَر للدَّابَّة، إذْ كان ثَفَرُ الدَّابَّة يقع تحت الذَّنَبِ. ويجوز أَن يكون استثفري كناية عن الفَرْج، لأنَّ الثَّفَر للسِّباع بمنزلة الحياء للنَّاقة، ثمَّ يستعار من السِّباع، فيجعل للنَّاس وغيرهم؛ قال الأَخطل:

«جَزَى اللهُ فيها الأَعْوَرَيْنِ مَلامَةً *** وفَرْوَةَ ثَفْرَ الثَّوْرَةِ المُتَضَاجِمِ»

فجعل للبقرة ثَفْرًا، على جهة الاستعارة.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


46-الأضداد لابن الأنباري (السامد)

17 - والسَّامِد من الأَضْداد. فالسَّامِد في كلام أَهل اليمن: الَّلاهي، والسَّامِد في كلام طَيِّئٍ: الحزين، قال الله عزَ وجلّ: وَلاَ تَبْكُونَ وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاَهُونَ. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: السَّامِد: الَّلاهي في الأَمر الثابت فيه، وأَنشدنا عن ابن الأَعْرَابِيّ:

«لوْ صاحَبَتْنَا ذاتُ خَلْقٍ فَوْهَدِ *** ورَابَعَتْنا واتَّخَذَتْنَا باليَدِ»

«إِذًا لقالَتْ ليتَنِي لَمْ أُولَدِ *** ولَمْ أُصاحِبْ رُفَقَ ابنِ مَعْبَدِ»

ولا الطَّويلَ سَامِدًا في السُّمَّدِ

ويروى: ثوهد بالثَّاء، الثَّوْهد: التامُّ الخَلْق.

وأَخبرنا أَبو محمد جعفر بن أَحمد بن عاصم، قال: حدَّثنا هشام بن عمار، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن عثمان بن عبد الرحمن الجزريّ، قال: حدَّثنا عبيد الله بن أَبي العبَّاس، عن جويبِر، عن الضّحّاك، قال: سأَل نافع بن الأَزرق عبد الله بن العبَّاس عن قول الله عزَ وجلّ: وأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فقال: معناه لاهون، فقال نافع: وهل كانت العربُ تعرف هذا في الجاهليَّة؟ قال: نعم، أَما سمعت قول هُزَيْلة بنت بكر، وهي تبكي عادًا حيث تقول:

«بَعَثَتْ عَادٌ لُقَيْمًا *** وأَبَا سَعْد مريدَا»

«وأَبا جُلْهُمَة الخَيْـ *** ـرَ فَتَى الحيِّ العَنُودا»

«قيلَ قُمْ فانْظُرْ إِليهمْ *** ثمَّ دَعْ عنك السُّمودَا»

وقالَ عِكْرِمة: سَامِدون من السُّمود، والسُّمود: الغناء بالحِمْيَرِيَّة؛ يقولون: يا جارِية اسْمُدي لنا، أَي غَنِّي لنا. وقالَ أَبو عُبيدة: السُّمود: اللهو واللعب، قال أَبو زُبَيد:

«وكأَنَّ العَزيفَ فيها غِناءٌ *** لِنَدَامَى من شاربٍ مَسْمُودِ»

أَي ملهًى. وقالَ رُؤْبَةُ:

«ما زالَ إِسْآدُ المَطايَا سَمْدَا *** تَسْتَلِبُ السَّيْرَ اسْتِلابًا مَسْدَا»

وقالَ ذو الرُّمَّة:

«يُصْبِحْنَ بَعْدَ الطَّلَقِ التَّجْريدِ *** وبَعْدَ سَمْدِ القَرَبِ المَسْمُودِ»

وقالَ بعض أَهل اللغة: السُّمود: الحزن والتحيُّر، وأَنشد:

«رَمَى الحِدْثَانُ نِسْوَةَ آلِ حَرْبٍ *** بمقدارٍ سَمَدْنَ لَهُ سُمُودَا»

«فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بيضا *** ورَدَّ وُجوهَهُنَّ البيضَ سُودَا»

وقالَ مجاهد: سَامِدون مبرطِمُون. قال أَبو بَكْر: البرطمة الانتفاخ من الغضب وقال بعض المفسرين سَامِدون: متكبِّرون شامخون، ويقال: سَامِدون غافلون. والسُّمُود في غير هذا قيام النَّاس في الصَّفّ والمؤذِّن يقيم الصَّلاة. قال أَبو خالد الوالبيّ: أُقيمت الصَّلاة، فدخل علينا عليّ بن أَبي طالب رضوان الله عليه ونحن قيام، فقال: ما لي أَراكم سُمُودا! أَي قياما.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


47-الأضداد لابن الأنباري (المسجور)

23 - والمَسْجُور من الأَضْداد. يقال: المسجور للمملوء، والمسجور للفارغ، قال الله عزَ وجلّ: والبَحْرِ المَسْجُورِ، يريد المملوءَ. وقالَ النَّمر بن تَوْلب يذكر وَعلًا:

«إِذا شاَء طالَعَ مَسْجُورَةً *** ترَى حَوْلَها النَّبْعَ والسّاسَمَا»

أَرادَ طالع عينًا مملوءة، والنَّبْع والساسم شجر. قال لَبِيد:

«فَتَوَسَّطَا عُرْض السَّرِيّ فصدَّعا *** مَسْجُورَةً متجاورًا قُلاَّمُهَا»

أَرادَ بالمسجور عينًا مملوءة، وقال الآخر:

«صَفَفْنَ الخُدودَ والقلوبُ نواشِزٌ *** على شطِّ مَسْجورٍ صَخُوبِ الضَّفَادِعِ»

أَرادَ بالقلوب قلوب الحمير، وقالَ أَيْضًا يذكر حميرًا:

«فأَوْرَدَهَا مَسْجُورَةً ذات عَرْمَضٍ *** يَغُول سُمُولَ المكفهرَّات غُولُهَا»

المَسْجُورة: المملوءة، والعَرْمض: الخضرة التي تعلو الماءَ، إِذا لم يُسْتَقَ منه

ويغُول: يذهب، والسُّمُول: البقايا من الماء، والمكفهرَّات: السحائب المتراكبات، ويقال: قَدْ عَرْمض الماء عرمضةً، إِذا علتْه الخضرة التي تستره وتغطِّيه، قال الشَّاعر:

«أَمَا ورَبِّ بئْرِكُمْ ومَائِها *** والعَرْمَضِ الَّلاصقِ في أَرجائِها»

لأَتْرُكَنَّ أَيِّمًا بدائها

الأَرجاء: الجوانب، واحدها رَجًا، فاعلم.

وقالَ ابن السِّكِّيتِ: قال أَبو عَمْرو: يقال: قد سَجَر الماءُ الفراتَ والنَّهرَ والغديرَ والمصنَعَةَ، إِذا ملأَها. وقال الرَّاعي:

«يَهَابُ جَنَانَ مَسْجُورٍ تَرَدَّى *** من الحَلْفَاءِ وأْتَزَرَ ائْتِزَارا»

المَسْجُور: المملوءُ بالماءِ. وقوله: تَرَدَّى من الحَلْفَاءِ، معناه: أَنَّ الحَلْفاءَ كثرت على هذا الماء حتَّى صارت كالإِزار والرِّداءِ له.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاءُ، قال: واحد الحَلْفاءِ حَلْفَة. وقالَ غيرُ الفَرَّاءِ: واحدها حَلَفَة. وقالَ ابن السِّكِّيتِ: يقال: هذا ماءُ سُجُر، إِذا كانت بئر قد ملأَها السَّيل، ويقال: أَورد إِبْلَه ماءً سُجُرًا. قال الله عزَ وجلّ: وإِذا البِحَارُ سُجِّرَتْ، فمعناه أَفضى بعضُها إِلى بعض، فصارت بحرًا واحدًا. وقالَ ابن السِّكِّيت: يجوز أن يكون المعنى فُرِّغَتْ، أَي فُرِّغَ بعضها في بعض.

وقالت امرأة من أَهل الحجاز: إِنَّ حوضَكم لمَسْجُور وما كانت فيه قَطْرة. ففيه وجهان: أَحدهما أَن يكون معناه إِنَّ حوضكم لفارغ. والآخر: إِنَّ حوضكم لملآن، على جهة التفاؤل، كما قالوا للعطشان: إِنَّه لريَّان، وللمهلكة مفازة.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


48-الأضداد لابن الأنباري (الخنذيذ)

27 - وقالَ سهل السّجِستانيّ: قال أَبو عُبيدة: الخِنْذِيذ من الأَضْداد؛ يقال: خِنْذِيذ للفحل والخَصيّ، واحتجَّ بقول خُفاف: وخَنَاذِيذَ خصْيةً وفُحُولا

وقالَ السّجِستانيّ: لم يصب أَبو عُبيدة في هذا القول، لأنَّ الشَّاعِر لم يذهب إِلى أَنَّ الفحول من الخناذيذ؛ وإِنَّما مدح الشَّاعِر الجنسيْن، فكان الفحول خارجين من الخناذيذ. قال: والخِنْدِيذ: الفائق من كلِّ شيءٍ، يقال: خطيب خِنْدِيذ، وشاعر خِنْدِيذ، قال بشر بن أَبي خَازم:

«وخِنْدِيذٍ تَرَى الغُرْمُولَ مِنْهُ *** كطيِّ الزق علقه التجار»

وأنشد ابن السكيت البيت الأول في شعر النابغة:

«وبراذين كابيات وأتنا *** وخنا ذيد خصية ومخولا»

وقالَ: الخناذيذ الكرام. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الخِنْدِيذ الضَّخم، والخناذيذ: الضِّخام، وأنشدنا:

«يَصُدُّ الفارِسَ الخِنْدِيذَ عَنِّي *** صُدودَ البَكْرِ عن قَرْمٍ هِجَانِ»

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الخِنْدِيذ: الضَّخم، والخناذيذ: الضِّخام، وأَنشدنا: تَعْلُو أَوَاسِيَه خَنَاذِيذُ خِيَمْ

قال: أَواسِيَه: ثَوَابِتُه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


49-الأضداد لابن الأنباري (السليم)

60 - والسَّليم حرف من الأَضْداد؛ يقال: سليم للسَّالم، وسليم للملدوغ؛ جاءَ رجلٌ إِلى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، فقال: إِنَّ في الحيِّ سَلِيمًا، أَي ملدوغًا. وقالَ الشَّاعر:

«يُلاقي مِنْ تَذَكُّر آل لَيْلَى *** كما يَلْقَى السَّليم مِنَ العِدادِ»

العِداد: العِلَّة التي تأْخذ الإِنسان في وقت معروف، نحو الحُمَّى الرِّبع والغِبّ، وما أَشْبَه ذلك، قال النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: ما زالتْ أَكْلَة خَيْبَر تُعادُّني فهذا أَوانُ قَطَعَتْ أَبْهَري، والأَبهر: عِرْق مُعَلَّق بالقلب إِذا انقطع مات الإِنسان، قال الشَّاعر:

«وللفُؤَادِ وَجِيبٌ تحت أَبْهَرِهِ *** لَدْمَ الغُلامِ وَرَاَء الغَيْبِ بالحَجَرِ»

وقالَ الأَصْمَعِيّ وأَبو عبيد: إنَّما سمِّي الملدوغ سَلِيمًا على جهَةِ التَّفاؤل بالسَّلامة، كما سمِّيت المهلَكة مفازة على جهة التَّفاؤل لمن دخلها بالفوز.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاء، قال: قال بعضُ العرب: إنَّما سُمِّي الملدوغُ سليمًا لأنَّه مُسْلَم لما به.

قال أَبو بَكْر: الأَصلُ فيه مُسْلَم فصرف عن مُفْعَل إِلى فعيل، كما قال الله عزَ وجلّ: تِلكَ آيَاتُ الكِتَاب الحَكِيم، أَرادَ المحكَم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


50-الأضداد لابن الأنباري (عزرت)

89 - وعزَرْت حرف من الأَضداد؛ يقال: عَزَرْت الرَّجُلَ، إِذا أَكرمتَه، وعَزَرْتَهُ، إِذا لمتَه وعنَّفته؛ قال القُطاميّ:

«ألا بَكَرَتْ مَيٌّ بغيرِ سفاهةٍ *** تُعاتِب والمودودُ ينفعه العَزْرُ»

أَراد ينفعه اللَّوم. وأَخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد، قال: حدَّثنا أَبو مسلم - يعني أَباه عبد الرحمن بن واقد - عن يونس، عن أَبان، عن قتادة، أَنَّهُ قرأَ: وعَزَروهُ، بالتخفيف، فمعناه: وعظموه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


51-الأضداد لابن الأنباري (الرهو)

90 - والرّهو حرف من الأَضداد؛ يقال: رَهْوٌ ورَهْوَةٌ، للمنخفض، ورَهْو ورَهْوة للمرتفع. وقالَ ابن السِّكِّيتِ وغيره: نظرَ أَعرابيّ إِلى فالج من الإِبِل فقال: سبحان الله! رَهْوٌ بين سَنامين، أَراد بالرَّهو الانخفاض.

وقالَ أَبو العباس النّميريّ: دَلَّيت رجلي في رَهْوَةٍ، يريد: في انخفاض. وقالَ بشر بن أَبي خازم:

«تَبيتُ النِّساءُ المرضِعات بِرَهْوَةٍ *** تُفَزَّعُ من هَوْلِ الجنان قُلوبُها»

أَراد بالرهوة الانخفاض. وقالَ الآخر: إِذا هَبَطْنَ رَهْوَةً أَوْ غائطا

أَراد بالرّهوة الانخفاض؛ لأَنَّ الهبوط يدلّ على ذلك، والغائط: المطمئنّ من الأَرض؛ وإنما سمي الحَدث غائطًا باسم الموضع. وقالَ عَمْرو بن معدي كَرِب:

«وَكَمْ مِنْ غائِطٍ مِنْ دونِ سَلْمى *** قليل الأُنس لَيْسَ به كتيعُ»

وقالَ رُؤْبَةُ: إِذا عَلَوْنا رَهْوَةً أَوْ خَفْضا

أَراد بالرَّهوة الارتفاع. وقالَ ابن السِّكِّيتِ في قول عَمْرو بن كلثوم:

«نَصَبْنا مثْلَ رهوةَ ذات حَدٍّ *** مُحافَظةً وكنَّا السَّابِقينا»

أَراد بالرَّهوة ما ارتفع وعَلا. والرَّهوة في غير هذا موضع الماء الَّذي يجتمع إِلى جَوْبَة تكون في محَلّة القوم تسيل إليها مياههم؛ قضى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم أَن لا شُفعة في فِناء ولا طريق، ولا مَنْقَبة ولا رُكْح ولا رَهْوٍ. فالمنْقَبة الطَّريق الضيّق يكون بين الدارين، لا يُمكنُ أَحدًا أَن يَسْلُكَه. والرُّكْح: البيت وناحيتُه من ورائه، وربّما كان فضاءً لا بناءَ فيه. والرَّهْو: الجَوْبة الَّتي تجتمع إليها مياه الناحية، فأَراد عليه السلام أَنَّ مَنْ كان شريكًا في هذه المواضع الخمسة لم توجَبْ له شفعة؛ حتَّى يكون شريكًا في نفس الدار والحانوت. وهذا مذهب أَهل المدينة؛ لأَنَّهم لا يوجبون الشفعة إِلاَّ للشريك المخالط، وأَمّا أَهلُ العراق فإنهم يوجبون الشفعة لكل جارٍ ملاصق؛ وإن لم يكن شريكًا، فكأَن الجَوْبة سُمِّيَتْ رَهْوًا لانخفاضها.

وجاءَ في الحديث: نهى رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم

أَن يُمْنَعَ رَهْوُ الماء ونَقْعُ البئر، وهو أَصل الماء من الموضع الَّذي يُخْرَج من العين وغيرها، من قبل أَن يصير في وعاءٍ لأَحد أَو إناء؛ فإذا صار في وعاء لرجل فهو أَمْلَك به، لأَنَّه مالٌ من ماله. والرَّهو في هذا الحديث أَيْضًا معناه الانخفاض.

وسمعتُ أَبا العباس يقول: يقال للساكن: رَهْو، وللواسع: رهو، وللطائر الَّذي يقال له الكُرْكِيّ: رهو؛ قال الله عزَ وجلّ: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا، فمعناه ساكنًا، وقالَ القُطاميّ:

«يمْشينَ رَهْوًا فلا الأَعجازُ خاذلةٌ *** ولا الصُّدورُ على الأَعْجازِ تَتَّكِلُ»

معناه يمشين مَشْيًا ساكنًا. وقال الآخر:

«أَنْتَ كالشَّمْسِ رِفْعَة سُدْتَ رَهْوًا *** وبَني المجدِ يافعًا والداكا»

وقال الآخر:

«غداةَ أَتاهمُ في الزحف رَهْوًا *** رسولُ الله وهوَ بهمْ بصيرُ»

وقال الآخر:

«كأَنَّما أَهلُ حَجْر يَنْظُرون مَتى *** يَرَوْنَنِي خارِجًا طَيْرٌ يَناديدِ»

«طيرٌ رأَت بازيًا نَضْحُ الدِّماءِ به *** أَو أَمَةٌ خرجَتْ رَهْوًا إِلى عِيدِ»

أَرادَ بالرهو السُّكون.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن إسماعيل، عن قَتادة، في قوله عزَ وجلّ: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا، قال: ساكنًا. وأَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا يوسف، قال: حدَّثنا سلمة، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مسلم: عن الحسن في قوله: واتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا، قال: طريقًا يَبَسًا.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


52-الأضداد لابن الأنباري (خجل)

91 - وخَجِل حرف من الأَضْداد؛ قال ابن السِّكِّيت: قال أَبو عَمْرو: يقال: خَجِل الرَّجُل إِذا مَرِح، وخَجِل إِذا كَسِل. وأَنشد ابن السِّكِّيت:

«إِذا دَعا الصَّارِخُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ *** مَرًّا أَمَرْت كُلَّ مَنْشُورٍ خَجِلْ»

المنشور: المشهور الأَمر.

وأَخبرنا أَبو عليّ العَنَزِيّ، قال: حدَّثنا عليّ بن الصّباح، قال: أَخبرنا أَبو المنذر هشام بن محمد، قال: أَخبرني رجل من النَّخَع، قال: أَخبرنا ليث بن أَبي سُلَيْم، عن

منصور بن المعتمر، قال: أَقبلتْ سائلةٌ، فسأَلت عائشة، رحمها الله، ورسول الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم في المتوضَّأ، فقالت عائشة لخادمها: أَعطيها وأَقلِّي، فخرج رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، فقال: يا عائشة لا تُقَتِّري فيقتّر الله عليك، إِنَّكنَّ لتكفُرْنَ العشير، وتَغْلِبْنَ ذا الرَّأْي على رأْيه، إِذا شبعتُنَّ خجِلْتُنَّ، وإِذا جُعْتُنَّ دقِعْتُنَّ.

قال أَبو بَكْر: قال بعض أَهل اللُّغة: خجلتُنَّ، معناه مَرِحْتُنَّ، ودقِعتنّ معناه خضعتنّ؛ يقال: قد دَقع الرَّجُل دَقْعًا، إِذا خضع ولصِق بالتُّراب وبالدَّقْعاء من شدَّة الخضوع. وقالَ أَبو عُبيد: قال أَبو عَمْرو: الدَّقَع: الخضوع في طلب الحاجة والحرْص عليها، والخَجَل: التَّواني في طلب الرزق.

وقالَ ابن السِّكِّيت: قال ابن الأَعْرَابِيّ عن أَبي تمام الأَسَدِيّ: الخَجَل: سوء احتمال الغِنى، والدَّقَع: سوء احتمال الفقر. وقالَ الكُمَيْتُ يمدح قومًا:

«ولَمْ يَدْقَعُوا عِند ما نابَهُمْ *** لِوَقْعِ الحرُوبِ ولَم يَخْجَلُوا»

أَرادَ: ولم يخضعوا ولم يَكْسَلوا ويفشلوا، ويقال: واد خَجِل، إِذا كان كَثير النَّبات؛ لا يكاد أَصحابه يبرحون منه لكمال خصْبه، ويقال: نبات مُخْجِل إِذا كان

كثيرًا، قال أَبو النَّجم: في رَوْضِ ذَفْرَاءَ ورُغْلٍ مُخْجِلِ

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


53-الأضداد لابن الأنباري (غفر)

94 - وغَفَر حرف من الأَضْداد؛ يقال: غفر المريضُ يغفر، إِذا نُكس في وَجَعه، ويقال له أَيْضًا: غَفر يَغْفر، إِذا بَرَأَ، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

«خليليّ إِنَّ الدَّار غَفْرٌ لذي الهَوَى *** كما يَغْفِر المحمومُ أَو صاحب الكَلِمْ»

معناه إِذا نظر إِلى الدَّار عاوده حزنُه ووجعه؛ فكان بمنزلة مَنْ تُعاوده العلَّة بعد البُرْء. وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن سلمة، عن الفَرَّاء، قال: يقال: غَفِر المريض يغفَر، إِذا نُكِسَ. وقالَ غيره: مغفرَةُ الله عزَ وجلّ من هذا مأْخوذة؛ فإِذا قال القائل: اللهمّ اغْفِر لنا؛ فمعناه: غَطِّ علينا ذنوبَنا؛ وإِنَّما سمِّي المِغْفَر مِغْفَرًا لأَنَّه يستر الرأْس ويجمع الشِّعْر.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


54-الأضداد لابن الأنباري (الفاري)

96 - والفارِي حرف من الأَضْداد؛ يقال للذي يقطع الأَديم: فارٍ، وللَّذي يخرِزه: فارٍ، ويقال للمزادة المخروزة، مفريَّة، قال ذو الرُّمَّة:

«ما بالَ عينكَ منها الماءُ ينسَكِبُ *** كأَنَّها من كُلَى مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ»

«وفراَء غَرْفِيَّةٍ أَثأَى خَوارِزُها *** مُشَلْشِلٌ ضَيَّعَتْهُ بينها الكُتَبُ»

المفريَّة: المزادة المخروزة، والكُلَى: جمع كُلْية، وهي رقعة تجعل في عُرْوة المزادة. ويُرْوَى: كَأَنَّهُ من تُلَى مَفْرِيَّةٍ.

فالتُّلى جمع تِلْوة، وهي سير يُخْرَز به الأَديم، ووفراءُ تابع لمفريَّة، والوفْراءُ المزادة الواسعة، والغَرْفِيَّة: الَّتي قد دُبغت بالغَرْف؛ وهو شجر. وأَثأَى: أَفسد، والخوارز: النِّساءُ يَخْرِزْنَ الأَديم؛ والمشلشِل: الماء؛ وهو مردود على السَّرب. ويُرْوَى: مشلشلًا بالنصب على الحال ممَّا في ينسكب؛ كأَنَّك قلت: ما بال عينك منها الماءُ ينسكب مُشَلْشِلًا؛ أَي في هذا الحال. والكُتَب: جمع كُتبة، وهي الخَرَزة.

وبعضُ أَصحابنا يقول: إنَّما سُمِّيَ الفَرَّاءُ فَرَّاء؛ لأَنَّه كان يُحسن نظم المسائل، فشبِّه بالخارز الَّذي يخرِز الأَديم، وما عُرِف ببيع الفرَاءِ ولا شرائِها قطّ. وقالَ بعضهم: سُمِّيَ فرَّاء لقطعه الخُصُوم بالمسائل الَّتي يُعْنَتُ بها، من قولهم: قد فَرَى، إِذا قطع، قال زهير:

«ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ *** ضُ القوم يَخْلُق ثمَّ لا يَفْرِي»

معناه تَخْرِزُ ما قدّرت. والخلْق التقدير، قال الله جلَّ اسمه: وتُخْلُقُونَ إِفْكًا، أَي تقدّرون كذبًا، وقالَ جلَّ وعلا: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخالِقين، أَي المقدّرين. وقالَ الأَعشى:

«أَرادوا أَنْ تُزايلَ خالِقَاتٍ *** أَدِيميْهمْ يَقِسْنَ ويَفْتَرِينَا»

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: قال الكِسَائِيّ: يقال: أَفرى يُفْري، إِذا أَفسد، أَي قطع ليفسد. وفَرَى يَفْرِي، إِذا أَصلح. وخُولف الكِسَائِيّ في هذا فقيل: العرب تقول: فَرَى للفساد والإِصلاح، أَنشدنا أَبو العبَّاس:

«فَرَى نائباتُ الدَّهرِ بيني وبينها *** وصَرْفُ اللَّيالي مثلَ ما فُرِيَ البُرْد»

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


55-الأضداد لابن الأنباري (الأصفر)

97 - وممَّا يشبه الأَضداد الأَصفر، يقع على الأَصفر، وربما أَوقعته العرب على الأَسود، قال الله عزَ وجلّ: صَفْرَاءُ فَاقعٌ لَوْنُها، فقال بعض المفسِّرين: هي صفراءُ، حتَّى ظِلْفها وقرنها أَصفران. وقالَ آخرون: الصَّفْراءُ السَّوداءُ. وقالَ جلَّ اسمه: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ، فقال عدَّة من المفسِّرين: الصُّفْر: السُّود، وقالَ الفَرَّاءُ: إنَّما قالت العرب للجمل الأَسود: أَصفر؛ لأَنَّ سواده تعلُوه صُفرة، فسمَّوْه أَصفر، كما قالوا للظبي الأَبيض: آدم، لأَنَّ بياضه تعلوه ظلمة.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطَّان، قال: حدَّثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثنا إِسماعيل بن

مسلم، عن الحسن في قوله: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ قال: الصُّفْر: السُّود. وأَنشد أَبو عُبيد للأَعشى:

«تلك خَيْلِي منه وتِلكَ رِكابي *** هُنَّ صُفْرٌ أَلوانُها كالزَّبيب»

أَرادَ: هنَّ سود، والَّذين فسَّروا قوله جلَّ وعزّ: صَفْرَاءُ فَاقع لونُها، فقالوا: هي صفراءُ فاقع لونها، احتجُّوا بقوله جلّ وعزّ: فَاقعٌ، فقالوا: الفُقوع خُلُوص الصُّفرة، فكيف توصف بهذا وهي سوداءُ! واحتجَّ عليهم أَصحاب القول الآخر بأَنَّ الفُقوع قد توصف به الصّفرة والبياض والسَّواد، فيقال: أَصفرُ فاقع، وأَسود فاقع، وأَبيض فاقع، وأَخضر فاقع، قال محمد بن الحكم، عن أَبي الحسن اللِّحْيانِيّ: يقال في الأَلوان كلّها فاقع وناصع، خالص.

وقالَ غيره: يقال: أَسودُ فاحم، وحُلْبُوب، وودَجُوجِيّ، وخُدَارِيّ، وغِرْبيب، وحَالك، وحانك. ومثل حَلَكِ الغراب، وحنَكِه؛ فحَلكُه: سواده، وحَنكُه: منقاره. ويقال: أَسودُ حَلَكُوك ومُحْلَولك، وسُحْكُوك ومُسْحَنْكِك، قال الرَّاجِزُ:

«تَضْحَكُ مِنِّي شَيخَةٌ ضَحُوكُ *** واسْتَنْوَكَتْ وللشَّباب نُوكُ»

وقَدْ يَشِيب الشَّعَر السُّحْكُوكُ

ويقال: أَسود غَيْهب، وغَيْهم، ودُجَاجِيّ، وقاتم، ومُدْلَهِمّ، وغُرَابِيّ، وغُدَافِيّ، ويقال: أَحمر قانئ، وقاتم، وذَرِيحيّ، وفاقع، وفُقَاعيّ، وأَقشر، وسِلَّغْذ، وأَسلَغ، ونَكِع، وعَتك، وقَرْف، ويقال أَيْضًا: أَحمر كالقَرْف، إِذا خَلَصتْ حُمرته، والقَرْف: الأَديم الأَحمر. قال الشَّاعر: أَحْمَرُ كالقَرْفِ وأَحْوَى أَدْعَجُ

ويقال: أَحمر كَأَنَّهُ الصَّرْبة؛ وهي صمغة حمراءُ خالصة الحُمْرة. ويقال: أَخضر ناضر وزَاهر. ويقال: أَبيض وابص ويقَق، ولَهَق، ولِياح، ولَياح، وقَهْد، وقَهْب، وحُضيّ، ودُمَّرْغ، إِذا كان خالصًا.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


56-الأضداد لابن الأنباري (الإهماد)

107 - والإِهماد حرف من الأَضْداد؛ يقال للسير والجِدّ فيه إِهماد، ويقال لقطع السير والتواني عنه إِهماد؛ قال الشَّاعر:

«ما كان إِلاَّ طَلَقَ الإِهْمادِ *** وجَذْبَنَا بالأَعْرُبِ الجِيادِ»

«على رَكِيَّاتِ بَنِي زِيادِ *** حتَّى تحاجَزْنَ عَنِ الرُّوَّادِ»

تحاجُزَ الرِّيِّ وَلَمْ تكادِي

قال الأَصْمَعِيّ: ولم تكادي، خطاب للإِبل. وقالَ أَصحابنا: تكادي خبرٌ عنها، والأَصل فيه ولم تكد، فلمَّا تحرَّكت الدَّال رجعت الأَلف. وقال الآخر في معنى قَطْع السير والتواني عنه.

«لمَّا رَأَتْني راضيًا بالإِهْمادِ *** كالكُرَّز المشدود بين الأَوْتادْ»

معناه: لمَّا رأَتني قد كبرت وانقطعت عن الرحْل والسير. والكُرَّز: البازي يُشَدُّ؛ لأَنْ يسقط ريشه.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، قال: يقال: هو البازُ، وهو البازِي؛ فمن قال: هو البازُ قال

في التثنية: هما البازان، والجَمْعُ البِيزان؛ على مثال قولهم: الخال والخِيلان. ومن قال: هو البازي قال في التثنية: هما البازيان، وفي الجمع البُزاة، على مثال القاضي والقضاة.

قال أَبو بَكْر: في الباز لغة ثالثة لم يذكرها في هذا الكتاب، وذكرها لنا في بعض أَماليه، قال: ويقال: هو البأْز، بهمز الأَلف، مثل الفأْس والكأْس، وتجمعه في أَدنى العدد من ثلاثة إِلى عشرة؛ فتقول: ثلاثة أَبؤُز؛ كما تقول: أَفؤس وأَكؤس، فإِذا كثرت فهي البئوز؛ كما تقول كئوس وفئوس، فجمع القلَّة على أَفعل، مثل الأَفلس والأَبحر، وجمع الكثرة على الفعول مثل

الفلوس والبحور. قال أَبو بَكْر: في الباز لغة رابعة، يقال: هو البازيّ بياءٍ مشدَّدة تشبه ياء النسبة، وأَنشد: تَقَضِّيَ البازِي إِلى البَازِيِّ

فجاءَ باللُّغتين: بهذه اللُّغة، وباللُّغة الَّتي يخرج فيها مخرج القاضي والرَّاعي. ويقال: قد أَهمد فلان أَمرَه، إِذا أَماته. ويقال: قد هَمَدَتِ الأَرض إِذا انقطع عنها المطر، قال الله عزَ وجلّ: وَتَرَى الأَرضَ هَامِدَةً، فقال أَبو عُبيدة: معناه يابسة لا نبات فيها.

وقالَ غيرُه: هامدة ميِّتة.

وقالَ آخرون: هامدة خاشعة. ويقال: قد هَمَدَ الثوب إِذا بَلِيَ، ورماد هامِد، وطَلل هامد إِذا كانا دارسيْن؛ قال الأَعشى:

«قالت قُتَيلةُ ما لجسمِكَ شاحبًا *** وأَرَى ثيابَكَ بالياتٍ هُمَّدَا»

وقالَ الكُمَيْتُ:

«ماذا عَليْك مِنَ الوُقُو *** فِ بهامِدِ الطَّلَلَيْنِ دَاثِرْ»

وقال الآخر:

«وَرُبَّ أَرْضٍ رأَيناها وقَدْ هَمَدَتْ *** جادَ عليها ربيعٌ صَوْبُه دِيَمُ»

ويقال: قد همدت النار تهمُد همودًا، إِذا خَمدَت.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


57-الأضداد لابن الأنباري (خبت)

108 - وخَبَتْ حرف من الأَضْداد. يقال: خَبت النَّارُ إِذا سكنت، وخبت إِذا حميت، وقالَ الكُمَيْتُ:

«ومِنَّا ضِرارٌ وابْنَماه وحاجِبٌ *** مُؤَجِّجُ نيرانِ المَكارمِ لا المُخْبِي»

أَرادَ بالمُخْبِي المسكِّن للنَّار. وقال الآخر:

«أَمِنَ زَيْنَبَ ذي النَّارُ *** قُبَيْلَ الصُّبح ما تخبُو»

«إِذا ما خمدتْ يُلقَى *** عليها المَنْدَلُ الرَّطْبُ»

قال أَبو بَكْر: أَرادَ: أَمِنْ زينب هذه النار. وقالَ القُطاميّ:

«وكُنَّا كالحريقِ أَصابَ غَابا *** فيخبُو ساعةً ويَهُبُّ ساعَا»

وقول الله عزَ وجلّ: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيرًا، قال بعض المفسِّرين: معناه توقَّدت. وهذا ضدُّ الأَوَّل.

حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بكر بن الأَسود، قال: حدَّثنا علي بن مسهر، عن إِسماعيل، عن أَبي صالح، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: معناه كلَّما حَمِيَتْ.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جريح في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ قال: خُبُؤُّها توقُّدها؛ فإِذا أَحرقتهم فلم تبق منهم شيئًا صارت جَمْرًا تتوهَّج، فإِذا أَعادهم الله خَلْقًا جديدًا عاودتهم. عن ابن عباس.

قال أَبو بَكْر: والذين يذهبون إِلى أَنَّ الخبوّ هو السكون يقولون: معنى قوله: كُلَّمَا خَبَتْ: كلَّما خبت سكنت، وليس في سكونها راحة لهم؛ لأَنَّ النَّار يسكن لهبها ويتضرَّم جَمْرُها؛ هذا مذهب أَبي عُبيدة.

وقالَ غير أَبي عُبيدة: نار جَهَنَّم لا تسكن البتَّةَ؛ لأَنَّ الله تعالى قال: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، وإِنَّما الخبوّ للأَبْدان، والتأْويل: كلَّما خبت الأَبدان زدناهم سعيرًا، أَي إِذا احترقت جلودهم ولحومهم، فأَبدلَهم الله جلودًا غيرها ازداد تسعُّر النار في حال عملها في

الجلود المبَدَّلة.

أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا عَمْرو بن حمران، عن سعيد، عن قتادة، في قوله: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعيرًا، قال: كلَّما احترقت جلودهم بُدِّلوا جلودًا غيرها.

وقال بعض أَهل اللُّغة: الخبوّ لا يكون أَبدًا إِلاَّ بمَعْنَى

السُّكون، والنَّار تَسْكُن في حال يأْمرها الله عزَ وجلّ بالسُّكون فيها، قال: وهذا لا يبطله قوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ، لأَنَّ معناه لا يفتَّر عنهم من العذاب الَّذي حُكِمَ عليهم به في الأَوقات الَّتي حكم عليهم بالعذاب فيها؛ فأَمَّا الوقت الَّذي تسكن فيه النَّار فهو خارج من هذا المذكور في الآية الأُخرى. قال: ويدلُّ على صحَّة هذا القول أَنَّهُ لو حَكم رجل على رجل بأَنْ يعذَّب أَوَّل النهار وآخره، وأَلاَّ يعذب في وسطه لجاز له أَن يقول: ما نقصتُه من العذاب شيئًا، وهو لم يعذِّبه وسط النَّهار، لأَنَّه يريد ما نقصته من العذاب الَّذي حكمتُ به عليه شيئًا.

وقال بعض أَهل اللُّغة أَيْضًا: الخبوّ لا يكون إِلاَّ بمَعْنَى السكون، وتأْويل الآية: كلَّما أَرادت أَن تخبوَ زدناهم سعيرًا، فهي على هذا لا تخبُو؛ لأَنَّ القائل إِذا قال: أَردتُ أَن أَتكلَّم، فمعناه لم أَتكلَّم. واحتجُّوا بقول الله جلّ وعزّ: فَإِذا قَرَأْتَ القُرْآنَ فاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم معناه: إِذا أَردت قراءة القرآن؛ لأَنَّ الاستعاذة حكمها أَن تسبِق القراءة.

وقالَ الآخرون: الخبوّ معناه السكون، وتأْويل الآية

كلَّما خبت كان خبؤُّها الزيادة في الالتهاب، فما خبؤُّه هكذا فلا خُبُؤَّ له؛ كما تقول: سأَلت فلانًا أَن يزورَني فكانت زيارته إِيَّاي قطيعتي؛ أَي جعل القطيعة بدل الزيارة، فمَنْ زيارته قطيعة فلا زيارة له. ومثله: ما لفلان عَيْبٌ غير السَّخاءِ؛ معناه: مَنِ السَّخاءُ عيبه فلا عيب فيه، قال الشَّاعر:

«قُلْتُ أَطْعِمنِي عُمَيْمِ تَمْرَا *** فكان تَمري كَهزَةً وَزَبْرَا»

عُمَيْم تصغير عَمّ، معناه: جعل الانتهار بدلًا من التَّمر. وقالَ النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ:

«ولا عَيْبَ فيهم غيرَ أَنَّ سيُوفُهمْ *** بهنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكَتائبِ»

معناه: مَنْ عيبه فَلُّ سيفه لكثرة حربه، فلا عيبَ فيه.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


58-الأضداد لابن الأنباري (المفزع)

124 - ومنها. المفزّع: الشجاع، والمفزّع الجبان، قال الفَرَّاءُ: إِذا قيل للجبان مفزَّع، فمعناه تُوقَع الأَفزاع به، وإذا قيل للجبان مفزَّع، فمعناه يَفْزَع من كلّ شيء؛ كما قيل للغالب والمغلوب: مغلّب، قال الله عزَ وجلّ: حتَّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبِهِمْ، أَراد: حتَّى إِذا جُلِّيَ الفزعُ عن قلوبهم؛ لأَنَّه لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما انقطع الوحي، ثمَّ بعث الله محمدًا صَلّى اللهُ عليه وسَلّم، ونزلت الملائكةُ عليه بالوحي، فلمّا

سمع بعضُ الملائكة بذلك ذُعِروا وظنّوا أَنه قيام الساعة؛ فلما زال بعضُ ذُعْرِهم قال بعضهم لبعض: ماذا قال رَبُّكُمْ قالوا الحق، أَي قالوا: قال ربُّنا الحقّ. فلذلك قال جلّ اسمه: حتَّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبِهِمْ.

وأَخبرنا إدريس، قال: حدَّثنا خلَف، قال: حدَّثنا الخَفّاف، عن سعيد، عن قتادة، أَنه قرأَ: فَزَّعَ عن قُلوبِهِم. قال أَبو بكر: فالمعنى: حتَّى إِذا فَزَّعَ الله عن قلوبهم، أَي جَلَّى الله الفَزعَ عنها.

وأَخبرنا أَبو عليّ الهاشميّ، قال: حدَّثنا القُطَعيّ؛ قال: حدَّثنا محبوب، عن عَمْرو، عن الحسن أَنه قرأَ: حتَّى إِذا فُرِّغَ عن قُلوبِهِمْ قال أَبو بكر: فمعنى هذه القراءة: حتَّى إِذا فُرِّغَتْ قلوبُهم عن الفزع.

وأَخبرنا أَبو عليّ، قال: حدَّثنا القُطَعيّ، قال: حدَّثنا عُبيد، عن هارون، عن عمرو، عن الحسن، أَنه قرأَ: حتَّى إِذا فُرِغَ عن قُلوبِهِمْ بالتخفيف والراء والغين. قال هارون: وبعض النَّاس يقول: حتَّى إِذا فَرَغَ عن قُلوبِهِم، بفتح الفاء والغين.

قال أَبو بكر: فإِنْ صحّتْ هاتان القراءتان فهما لغتان، معناهما موافق لمعنى فُرِّغَ.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


59-الأضداد لابن الأنباري (الجربة)

134 - وقالَ قُطْرب: الجَرَبَّة حرف من الأَضداد؛ يقال: عيال جَرَبَّة، إِذا كانوا يأْكلون كثيرًا، فكأَنهم يَقْوَوْنَ بذلك، وعيال جَرَبَّة إِذا كانوا ضعفاء، وأَنشد:

«جَرَبَّةٌ كَحُمُرِ الأَبَكِّ *** لا ضَرَعٌ فينا ولا مُذَكِّي»

قال: فالجربّة هاهنا الأَقوياء. وأَخبرنا أَبو العباس، قال: الجَربّة: الذين يأْكلون ولا يدّخرون منه شيئًا، وأَنشدنا هذا البيت وما قبله:

«لَيْسَ بنا فَقْرٌ إِلى التشكِّي *** صَلامَةٌ كحُمُرِ الأَبَكِّ»

لا ضَرَعٌ فينا ولا مُذَكِّي

قال: الصلامة بنو الأَربعين، والأَبكّ: المزاحِم، وسميت مكْة بكّة لازدحام النَّاس بها. والمذكّي: المسنّ، والضَّرَع: الصغير.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


60-الأضداد لابن الأنباري (الحزور)

137 - والحزوّر: حرف من الأَضْداد؛ يقال للغلام اليافع الَّذي قارب الاحتلام: حَزَوَّر؛ ويقال للشَّيخ: حَزَوَّر.

وقالَ ابن السِّكِّيت: يقال للرجل الَّذي قد انتهى شبابه حَزَوَّر.

وأَخبرنا إِدريس بن عبد الكريم، قال: حدَّثنا خلف، قال: حدَّثنا حماد بن زيد، عن أَبي عمران الجَوْنِيّ، عن

جُنْدُب بن عبد الله البَجَليّ - قال حماد لا أَعلمه إِلاَّ رفعه إِلى النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم - قال: اقرءُوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإِذا اختلفتم فيه فقوموا عنه، قال: وكنت على رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم غلامًا حَزَوَّرًا. وقال الشَّاعر:

«ومَهْمَهٍ يُطَوِّحُ الحَزَوَّرا *** والشَّيخَ ما لَم يكُ جَلْدًا مُسْفِرا»

فالحزوَّر في هذا البيت يجوز أَن يكون الغلام الَّذي قد قارب الاحتلام، ويجوز أَن

يكونَ الَّذي قد كَمَل شبابه. وقالَ النَّابِغَة:

«وإِذا نَزَعْتَ نَزَعْتَ من مُسْتَحْصِفٍ *** نَزْعَ الحَزَوَّرِ بالرِّشاءِ المُحْصَدِ»

يجوز أَن يكون الحزوَّر الَّذي قد انتهى شبابه، ويجوز أَن يكون الَّذي قد قارب الحُلُم، فهو ينزِع نزعًا ضعيفًا. وقالَ الأَحنف بن قيس:

«إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بالمنيَّهْ *** حَزَوَّرٌ لَيْسَتْ لَهُ ذُرِّيَّهْ»

أَرادَ بالحَزَوَّر الشَّيخ.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


61-الأضداد لابن الأنباري (أشد)

141 - وأَشدّ حرف من الأَضْداد؛ يقال: بلغ فلانٌ أَشدَّه، إِذا بلغ ثماني عشرة سنة، وبلغ أَشدّه إِذا بلغ أَربعين سنة، قال الله عزَ وجلّ: حتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قال الفَرَّاءُ: ويقال: الأَشدّ أَربعون سنة. قال: وحكى لي بعض المشيخة بإِسناد ذكره أَنَّ الأَشدّ ثلاث وثلاثون سنة، والاستواءُ أَربعون سنة، قال: وحَكَى لي أَنَّ الأَشدّ ثمانيَ عشرة سنة.

وقول من قال ثلاث وثلاثون سنة، أَشبَه بالآية؛ لأَنَّه عطف الأَربعين عليه، والأَربعون أَقربُ إِلى ثلاث وثلاثين منها إِلى ثمانيَ عشرة سنة؛ فكان ذلك أَوْلَى، أَلاَ ترى أَنَّ قولك: قد أَخذتُ عامة المال أَو كُلَّه، أَحسنُ من قولِك: قد أَخذتُ أَقلَّ المالِ أَو كُلَّه! قال: وقول من قال: الأَشدّ ثمانيَ عشرة سنة لَيْسَ بخطأ.

قال الفَرَّاءُ: وفي قراءة عبد الله: حتَّى إِذا اسْتَوَى وبَلَغَ أَشُدَّهُ وبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قال: فهذا موافق لمعنى قراءتنا، أَلاَ ترى أَنَّك تقول في الكلام للرجل: لما وُلِدَ لك وأَدركتَ مدرك الرِّجال عَقَقْتَ وفَعَلْتَ! فالإِدراك قبل أَن يُولَدَ له، فقدَّم المؤخر ثَمّ، كما قُدِّم ها هنا.

وقالَ بعض النحويِّين: الأَشدّ اسم واحدٍ لا واحدَ له، وهو بمنزلة الآنُك، والآنُك: الرَّصاص والأُسْرُبّ.

وقالَ الفَرَّاء: واحد الأَشُدّ شَدّ وشُدَّ، وأَشدّ كقولهم: فَلْس وأَفْلُس، وبحر وأَبْحُر، قال عنترة:

«عَهْدي بِهِ شَدَّ النَّهارِ كأَنَّما *** خُضِبَ البَنَانُ ورأْسهُ بالعِظلِمِ»

العِظْلِم: صِبْغ أَحمر، ويقال: هو البَقَّم. وقال الآخر:

«تُطيفُ بِهِ شَدَّ النَّهارِ ظعينةٌ *** طويلة أَنقاءِ اليَدَيْن سَحُوقُ»

وقالَ يونس بن حبيب: واحد الأَشدّ شُدّ، فاعلم. وقال: هو كقولهم: فلان وُدِّي، والقوم أَوُدِّي، واحتجَّ بقول النَّابِغَة:

«إنِّي كأَنِّي لَدَى النُّعْمان خَبَّرَهُ *** بعضُ الأَوُدِّ حديثًا غيرَ مَكْذوبِ»

«بأَنَّ حِصْنًا وَحَيًّا مِنْ بَنِي أَسَدٍ *** قامُوا فقالوا حِمانَا غَيْرُ مَقْرُوبِ»

ويُرْوَى عن الأَخفش أَنَّهُ قال: واحد الأَشُدّ شِدَّة، قال: وهو كقولهم: نِعْمة وأَنْعُم.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف بن موسى، قال: حدَّثنا ابن إِدريس، عن عبد الله بن عثمان ابن خُثَيْم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله عزَ وجلّ: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ، فقال: ثلاثًا وثلاثين سنة.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


62-الأضداد لابن الأنباري (اللحن)

149 - واللّحْن حرف من الأَضْداد؛ يقال للخطأ لَحْن، وللصواب لحن. فأَمَّا كونُ اللحْن على معنى الخطأ فلا يُحتاج فيه إِلى شاهد، وأَما كونه على معنى الصَّواب فشاهده

قول الله عزَ وجلّ: ولَتَعْرِفَنَّهُمْ في لَحْنِ القَوْل معناه: في صواب القول وصِحّته.

وأَخبرنا أَبو العباس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: يقال: لَحَن الرَّجُل يَلْحَن لَحْنًا، إِذا أَخطأ، ولَحَن يلحَن إِذا أَصاب. وقالَ غير أَبي العباس: يقال للصَّواب. اللَّحَن واللَّحْن.

وحدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدَّثنا نصر بن علي، قال: خَبّرنا الأَصْمَعِيّ، عن عيسى بن عمر، قال: قال معاوية للناس: كيف ابن زيادٍ فيكم؟ قالوا: ظريفٌ على أَنه يَلْحَن، قال: فذاك أَظرفُ له؛ ذهب معاوية إِلى أَن معنى يلحَن يفطُن ويصيب.

وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدَّثنا أَبو عبد الرحمن المقرئ، عن يزيد بن إبراهيم التُّستَريّ، عن أَبي هارون الغنويّ، عن مسلم ابن شداد، عن عُبيد بن عمير، عن أُبيّ بن كعب، قال: تعلموا اللَّحْن في القرآن كما تتعلمونه.

قال أَبو بكر: فيجوز أَن يكون اللحْن في هذا الحديث الصواب، ويجوز أَن يكون الخطأ، لأَنَّه إِذا عَرَف القارئ الخطأ عَرَف الصَّوَابُ.

وحدثنا بشر بن موسى، قال: حدَّثنا أَبو بلال - من ولد أَبي موسى - قال: حدَّثنا قيس بن الربيع، عن عاصم الأَحول، عن مورِّق، عن عمر، قال: تعلَّموا الفرائض والسُّنّة واللَّحْن؛ كما تتعلموا القرآن. فيجوز أَن يكون اللَّحْن الصَّوَابُ؛ ويجوز أَن يكون الخطأ، يعرف فَيُتَجَنَّب.

وحدَّث يزيد بن هارون بهذا الحديث، فقيل له: ما اللَّحْن؟ فقال: النَّحْو. وقالَ عمر بن عبد العزيز: عَجِبْتُ لمن لاحَنَ النَّاسَ كيف لا يعرف جوامع الكلم! أَراد بلاحن فاطَن.

وقالَ أَبو العالية: كان ابن عباس يعلِّمنا لَحْنَ الكلام. وقالَ لَبيد:

«مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُعيدُ بِكَفِّه *** قَلَمًا على عُسُبٍ ذَبَلْنَ وَبانِ»

فاللَّحِن: المصيب الفَطِن، يقال: رجل لَحِن ولاحِن، من الفطنة والصواب، ورَجُلٌ لاحِن من الخطأ لا غير. وقالَ القتّال:

«وَلَقَدْ لَحَنْتُ لكُمْ لِكيْما تَفْقَهوا *** وَوَحَيْتُ وَحْيًا لَيْسَ بالمُرتابِ»

وقالَ ابن أَحمر يَصِفُ صحيفة كَتبَها:

«وتَعْرِفُ في عُنْوانِها بَعْضَ لَحْنِها *** وفي جَوْفِها صَمْعاءُ تُبْلي النَّواصِيا»

الصَّمعاءُ: الداهية. واللَّحْن أَيْضًا يكون بمَعْنَى اللُّغة، وقالَ شريك عن أَبي إسحاق عن أَبي ميسرة، في قول الله عزَ وجلّ: سَيْلَ العَرِم العَرِم: المُسنَّاة بلحْن اليمن، أَي بلغتهم. وقالَ بعض الأعراب:

«وما هاجَ هذا الشَّوْقَ إِلاَّ حَمامةٌ *** تَبَكَّتْ على خَضْراَء سُمْرٍ قُيودُها»

«هَتوفُ الضُّحَى مَعْروفَةُ اللَّحْنِ لم تَزَلْ *** تَقودُ الهَوى من مُسْعِدٍ ويقودُها»

وقال الآخر يذكر حمامتين:

«باتا على غُصْنِ بانٍ في ذُرا فَنَنٍ *** يُرَدِّدانِ لُحُونًا ذاتَ أَلْوانِ»

وأَنشدنا أَبو العباس وغيره:

«وحَديثٍ أَلَذُّهُ هوَ مِمَّا *** تَشْتَهيه النُّفوسُ يوزَنُ وَزْنا»

«مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا *** نًا وخَيْرُ الحَديثِ ما كان لَحْنا»

وقالَ: أَراد تَلْحَنُ تُصيب وتَفْطُن، وأَراد بقوله: ما كان لَحْنًا ما كان صوابًا. وقالَ ابن قتيبة: اللَّحْن في هذا البيت الخطأ، وهذا الشَّاعِر استملح من هذه المرأَة ما يقعُ في كلامها من الخطأ.

قال أَبو بكر: وقوله عندنا محال، لأَنَّ العرب لم تزل تستقبح اللَّحْن من النساء كما تستقبحه من الرجال، ويَسْتملحون البارعَ من كلام النساء كما يستملحونه من الرجال، الدليل على هذا قول ذي الرُّمَّة يَصِفُ امرأَة:

«لَها بَشَرٌ مِثْلُ الحريرِ ومَنْطِقٌ *** رَخيمُ الحواشي لا هُراءٌ ولا نَزْرُ»

فوصفَها بحسْن الكلام؛ واللَّحْن لا يكون عند العرب حُسْنًا إِذا كان بتأويل الخطأ، لأَنَّه يقلب المعنى، ويُفْسِد التأويل الَّذي يقصِد له المتكلّم. وقالَ قيس بن الخَطيم يذكر امرأَة أَيْضًا:

«ولا يَغِثُّ الحديث ما نَطَقَتْ *** وهوَ بِفيها ذو لَذَّةٍ طَرِفُ»

«تَخْزُنُهُ وهوَ مُشْتَهًى حَسَنٌ *** وهوَ إِذا ما تَكَلَّمَتْ أُنُفُ»

فلو كانت هذه المرأَة تلحن وتفسد أَلفاظها كانت عند هذا الشَّاعِر الفصيح غَثَّةَ الكلام، ولم تستحقّ عنده وصفًا بجودة المنطق وحلاوة الكلام. وقالَ كُثَيِّر:

«مِنَ الخَفِراتِ البيضِ وَدَّ جَليسُها *** إِذا ما انقَضَتْ أُحْدوثَةٌ لَوْ تُعيدُها»

فَخَبَّر بهذا لصحّة أَلفاظها. ولم تزل العرب تصِف النّساء بحسن المنطق، وتستملِح منهنَّ روايةَ الشعر، وأَن تَقْرِض

المرأَةُ منه البيتَ والأَبيات، فإذا قَدَرتْ على ذلك زاد في معانيها، وتناهتْ عند من يُشْغَف بها؛ الدَّليل على هذا ما يُرْوى عن عَزّة، وبُثينة، وليلى الأَخيلية، وعفراء بنت مهاصر من قول الشِّعْر؛ وأَن ذلك كان يزيد في محبّة أَصحابهنّ لهنَّ، فليلى الأَخيلية، تقول في جواب تَوْبة بن الحُميِّر حين قال:

«عَفا الله عَنْها هَلْ أَبيتَنَّ لَيْلَةً *** من الدَّهْرِ لا يَسْري إليَّ خَيالُها»

«وعَنْهُ عَفا رَبِّي وأَصْلَحَ حالَهُ *** فَعَزَّ عَلَيْنا حاجةٌ لا ينالُها»

وليلى صاحبة المجنون تقول:

«ألا لَيْتَ شِعْري والخُطوبُ كثيرَةٌ *** متى رَحْلُ قَيْسٍ مُسْتَقِلٌّ فَراجِعُ»

«بِنَفْسِيَ مَن يَسْتَقِلُّ بِرَحْلِهِ *** وَمَن هو إنْ لم يَحفظِ الله ضائعُ»

وعفراءُ بنت مهاصر ترثي عُرْوةَ بن حِزام:

«ألا أَيُّها الركْبُ المخِبُّونَ وَيْحَكُمْ *** بِحقٍّ نَعيتمْ عُروةَ بنَ حِزامِ»

«فَلا نَفَع الفُرْسانَ بعدك غارَةٌ *** ولا رَجَعوا من غَيْبَةٍ بِسلامِ»

«وقُلْ للحَبالى لا يُرَجِّينَ غائبًا *** ولا فَرِحاتٍ بَعده بِغُلامِ»

وقالت بثينة ترثي جَميلًا:

«وإنَّ سُلُوِّي عن جَميلٍ لساعةٌ *** من الدَّهْرِ ما جاءت ولا حانَ حينُها»

«سواءٌ علينا يا جميلَ بنَ مَعْمرٍ *** إِذا مُتَّ بأساءُ الحَياةِ ولينُها»

ثمَّ كان من النَّاس على هذا إِلى وقتنا أَو قبْل وقتنا؛ إِذا عُرِف من المرأَة فصاحةٌ واقتدار على قول الشِّعْر حلَتْ في قلوب الرجال، وكانَ ذلك منها زائدًا في كمالها، ومَنْ قَدَر على قول الشِّعْر حُكِم له بمعرفة أَكثر الأَعراب وتجنُّب اللَّحْن. وكيف يكون الخطأُ في الكلام مستحسنًا والصَّوَابُ مستسمجًا، والعرب تقرِّب المعرِبين، وتَتَنقَّص اللاَّحنين وتبعدهم، فعمر بن الخطاب رحمه الله يقول لقوم استَقبح رَمْيَهم: ما أَسوأَ رميَكم! فيقولون: نحن قوم متعلمين، فيقول: لحنُكم أَشدُّ علي من فسادِ رمْيكم، سمعت رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم يقول: رحِمَ الله امرأً أَصلحَ من لسانه، وكانَ ابن عمر يَضْرِب بنيه على اللَّحْن.

وقالَ محمد بن علي بن الحسين بن علي رَضِيَ الله عَنْهم، قال رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: أَعربوا الكلامَ كَيْ تُعْربوا القرآن.

وقالَ عمر بن عبد العزيز: إن الرَّجُل لَيُكَلِّمني في الحاجة

يَستوجبها فيلحَن فأَردُّه عنها، وكأني أَقْضَم حَبَّ الرمان الحامض، لبغضي استماعَ اللَّحْن، ويكلِّمُني آخرُ في الحاجة لا يستوجِبها فَيُعْرِب، فأُجيبه إليها التذاذًا لما أَسمع من كلامه.

وقالَ عمر بن عبد العزيز أَيْضًا: أَكاد أَضْرَس إِذا سمعت اللَّحْن. ولَحَنَ محمد بن سعد بن أَبي وقاص في بعض الأوقات لَحْنة فقال: حَسِّ، إنِّي لأجد حرارَتها في حَلْقي.

وقالَ العُتبيّ عن أَبيه: استأْذن رجل من عِلْيَة أَهل الشام على عبد الملك بن مروان، وبين يديه قوم يلعبون بالشِّطْرنج فقال: يا غلام، غَطِّها، فلما دخل الرَّجُل

فتكلّمَ لَحَن، فقال عبد الملك: يا غلامُ، اكشِفْ عنها الغِطاءَ، لَيْسَ للاحنٍ حُرْمة.

قال أَبو بكر: ولم لا يستثقلون ما يقلِب معنى الكلام، ويوهم المخاطَب غير مراد المخاطِب! يدلّ على هذا أَن ابنة أَبي الأَسود الدؤليّ قالت لأبيها في يوم حارّ: يا أَبتِ، ما أَشدُّ الحرّ! وهي تريد التعجب؛ فلم يسبق إِلى قلب أَبي

الأَسود ما أَرادت، إذْ كان خطأ، فقال لها: يا بَنِيّة، حَرُّ تِهامة، فقالت: يا أَبتِ ما استفهمتُك، إنما تعجبت من شدة الحرّ فقال: قولي إِذًا: ما أَشدَّ الحرَّ!

ودخل رجل على عبد العزيز بن مروان، فشكا إليه خَتَنه، فقال: ومن ختنَك؟ قال: ختنني الختّان، فقيل لعبد العزيز: أَيّها الأَمير، إِنَّهُ لم يفهم عنك قولك، قال: فأَفهموه، فقالوا له: من ختنُك؟ قال: خَتَني فلان، فاستحيا عبد العزيز، وأَلزم نفسه ألاَّ يجلس للناس حتَّى يعرفَ من العربية ما يُصلِح كلامه، ويُزيل اللَّحْن منه.

وهذا باب طويل إن أَسهبنا فيه انقطعنا عن ذكر ما نحن إِلى شرحه أَحوجُ مما يوافق الكتابَ؛ وكلّه يدلّ على أَن اللحن تستخِفّه العرب في جميع الأَحوال من كلّ ذكر وأُنثى.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


63-الأضداد لابن الأنباري (شمت)

158 - وشِمْت حرف من الأَضْداد؛ يقال: شِمْت السيف

إِذا أَغمدتَه، وشِمْته أَيْضًا إِذا أَخرجتَه من غِمْده، قال الفرزدق:

«بِأَيْدي رجالٍ لمْ يَشيموا سُيوفَهُم *** ولم يُكْثِروا القتلى بها يوم سُلَّتِ»

أَراد: لم يغمدوا سيوفهم حتَّى كثرت القتلى. وأَخبرنا أَبو العباس، عن سلمة، عن الفراء، قال: يقال: أَغمدت السيف وغَمدته. وقالَ في المعنى الآخر:

«إِذا هيَ شيمَتْ فالقَوائمُ تحتَها *** وإنْ لم تُشَمْ يَوْمًا علتْها القوائمُ»

أَراد بشيمت، سُلّت وأُخرِجت من أَغمادها؛ لأَنَّ السيف إِذا أُغمد كان قائمه فوقه، وإذا سُلَّ كان قائمه تحته.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


64-الأضداد لابن الأنباري (أو)

178 - وأوْ حرف من الأَضْداد؛ تكون بمَعْنَى الشكّ، في قولهم: يقوم هذا أَو هذا، أَي يقوم أَحدهما. وتكون معطوفة في الشَّيْء المعلوم الَّذي لا شكَّ فيه، كقول جرير:

«نالَ الخِلافَةَ أَوْ كانتْ لَهُ قَدَرًا *** كما أَتى رَبَّهُ مُوسى على قَدَرِ»

أَراد وكانت. وقالَ تَوبة بنُ الحُمَيِّر:

«وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بأَنِّي فَاجِرٌ *** لِنَفْسي تُقَاها أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُها»

أَراد: وعليها.

وقالَ أَبو عُبيدة في قول الله جلّ وعزّ: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ في ضَلاَلٍ مُبِينٍ، معناه: وإِنَّا لعَلَى هدًى، وإِنكم في ضلال مبين؛ فأَقام أَوْ مقام الواو، لأَنَّ المسلمين ما شكُّوا في أنَّهم على هدى، وأَنشد:

«فَلَوْ كان البُكاءُ يَرُدُّ شيئًا *** بَكَيْتُ على بُجَيْرٍ أَوْ عِفَاقِ»

«على المَرْأَيْنِ إذْ هَلَكَا جَميعًا *** لشأْنِهِما بِشَجْوٍ واشْتِياقِ»

أَراد: على بجير وعِفاق، فأَقام أَو مقام الواو. ويجوز أَن تكون أَو دخلت على هذه الآية على غير شكّ لحق المسلمين فيما هُمْ عليه، بل لمعنى الاستهزاء بالمشركين، كما قال أَبو الأَسود:

«يقولُ الأَرْذَلونَ بَنُو قُشَيْرٍ *** طَوالَ الدَّهرِ ما تَنْسَى عَلِيَّا»

«بَنُو عَمِّ النَّبِيّ وأَقْرَبُوهُ *** أَحَبُّ النَّاسِ كُلِّهمُ إِليَّا»

«فإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ *** ولَيْسَ بمُخْطِئٍ إِنْ كانَ غَيَّا»

وأَخبرنا أَبو عبد الله محمد بن أَحمد البصريّ، قال: حدَّثنا أَبو الخطَّاب زياد بن يحيى، قال: حدَّثنا الهَيْثَم بن الرَّبيع، قال: حدَّثنا سرَّار بن المجشَّر أَبو عُبيدة العَنَزِيّ، قال: كتب معاوية إِلى زياد كتابًا، وقالَ للرَّسول: إِنَّك سترى إِلى جانبه رجلًا، فقل له: إِنَّ أمير المؤمنين يقول لك: قد شككت في قولك:

«فإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ *** ولَيْسَ بمُخْطِئٍ إِنْ كانَ غَيَّا»

فقال لأَبي الأَسود ما قاله معاوية. فقال: قل له: لا علمَ لك بالعربيَّة، قال الله عزَ وجلّ: وإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ في ضَلالٍ مُبين، أَفترى ربَّنا شَكَّ! فسكت معاوية لمَّا بلغه احتجاجُ أَبي الأَسود.

وقالَ الفَرَّاءُ وغيره: معنى الآية أَنَّ المؤمنين أَدخلوا أَو في كلامهم وهم لا يشكُّون فيما هم عليه من الهدى، على جهة الترفُّق بالمشركين، والاستمالة لهم إِلى طاعة الله؛ كما يقول الرَّجُل للرَّجُل إِذا كذب: قل إِن شاءَ الله؛ وربما قال له أَحد: يا

كاذب، فمعناه كذبت، لا أَنَّهُ حسن اللَّفظ.

وتكون أَو بمَعْنَى التخيير، كقولك للرَّجل: جالس الفقهاء أَو النحويين، فمعناه: إِن جالست الفقهاء أَصبتَ، وإِن جالستَ النحويين أَحسنت، وإِن جالست الفريقين فأَنت مصيبٌ أَيْضًا. وتكون أَو بمَعْنَى بل، كقوله جلّ وعزّ: إِلى مائةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُون، معناه بل

يزيدون. قال ابن عباس: كانوا مائة أَلف وبضعة وعشرين أَلفًا، قال الشَّاعر:

«بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمسِ في رَوْنَقِ الضُّحَى *** وصُورتِها أَو أَنتِ في العينِ أَمْلَحُ»

معناه: بل أَنت. وقوله عزَ وجلّ: وَلاَ تُطعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا، يفسَّر تفسيرين: أَحدهما: آثمًا وكفورًا، والآخر آثمًا ولا كفورًا، قال الشَّاعر:

«لاَ وَجْدُ ثَكْلَى كما وَجَدْتَ ولاَ *** ثُكْلُ عَجُولٍ أَضَلَّها رُبَعُ»

«أَوْ وَجْدُ شَيْخٍ أَضَلَّ نَاقتَهُ *** يَوْمَ تَوافَى الحجيجُ فانْدَفَعُوا»

أَراد: ولا وجد شيْخ.

وقد استقصينا الكلام في معاني أَوْ في كتاب الرَّدّ على الملحدين في القرآن، وذكرنا منه هاهنا جملة لا غِنَى بالكتاب عنها.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


65-الأضداد لابن الأنباري (الهجر)

213 - وقالَ قُطْرب: من الأَضداد الهَجْر؛ يقال: هَجَرْت الرَّجُل، إِذا أَعرضتَ عنه، وهجرتُ النّاقة، إِذا شَدَدْتَ في أَنفها الهِجار - وهو جبل - ليعطفَها على وَلَدِ غيرها، قال: وقول الله عزَ وجلّ: واهْجُروهُنَّ في المَضاجِعِ، كان ابن عباس يقول: الهَجْر السّبّ، قال: ويمكن أَن يكون اهْجُروهنّ: اعطفوهنّ كما تُعْطَفُ النّاقة.

وهذا القول عندي بعيد؛ لأَنَّ المعنى الثاني لم يستعمل في النَّاس، والمفسرون يقولون: هِجْرانهنّ: ترك مضاجعَتهن، وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطان، قال: حدَّثنا جرير، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: واهْجُروهُنَّ، قال: لا تضاجعوهنّ على فُرشِكم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


66-الأضداد لابن الأنباري (الصفر)

215 - ومن الأَضداد أَيْضًا الصَّفَرَ؛ يقال: قد صَفِر البطنُ يَصْفَرُ صَفَرًا إِذا خلا، وقد صَفِر يَصْفَر صَفَرًا، إِذا استسقى بالماء واشتكى من ذلك ووَجِع، وهو بمنزلة قولهم: طَحِل يَطْحَل طَحَلًا، إِذا وَجِع طِحالُه. ويقال للصَّفَر: الحَبَن، ويقال له أَيْضًا: الصُّفار، على مثال الكُباد، قال ابن أَحمر:

«أَرانا لا يَزالُ لَنا حَميمٌ *** كَداءِ الموتِ سِلاًّ أَو صفارَا»

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا سفيان بن عُيينة، عن منصور، عن أَبي وائل، قال: اشتكى رجلٌ منَّا - يقال له خُثَيْم بن العَدَّاء - وجَعًا يقال له: الصَّفَر، فنُعِت له السَّكَر، فسئل ابن مسعود عنه، فقال: إِنَّ الله لم يجعل فيما حرَّم شفاءً. فيقال: الصَّفَر استسقاء البطن بالماء، ويقال: هو حَيَّة في البطن تصيب الماشية والناس، وهي عند العرب أَعْدَى من الجَرَب، ويشتدّ بالإِنسان إِذا كان جائعًا، قال أَعشى باهلة:

«لا يَتَأَرَّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ *** ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِه الصَّفَرُ»

وقالَ النَّبِيّ صلَّى الله عليه: لا عَدْوَى ولا هَامَةَ ولا صَفَر، أَي لا يكون من الصَّفَر هذا الإِعداءُ الَّذي يظنُّه من يظنُّه.

ويقال: الصَّفر تأْخيرهم تحريمَ المحرَّم إِلى صَفَر.

وأَخبرنا أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، قال: الهامة طائر يسكن القبور، تتشاءَم به العرب، وتتطيَّر به، فأَبطل النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم ذلك من ظنِّهم. قال أَبو العبَّاس، عن ابن الأَعْرَابِيّ، ثمَّ سَمَّتِ العرب الميّت هامة على جهة الاتّساع، وأَنشد:

«فإِن تكُ هامةٌ بِهرَاةَ تزْقُو *** فقد أَزْقَيْتُ بالمَرْوَيْنِ هَامَا»

وقالَ كُثَيِّر:

«فإِن تَسْلُ عنكِ النَّفْسُ أَو تَدَع الصِّبا *** فباليأْس تَسلو عنكِ لا بالتجلّد»

«وكُلُّ حَبيبٍ راَءني فهو قائلٌ *** مِنَ اجْلِكِ هذا هامَةُ اليومِ أَو غدِ»

ويقال: الهامة كانت العرب تزعم أَنَّها عظام الميت تجتمع، فتصير هَامَة ثمَّ تطير، ويسمُّون الطَّائِر الَّذي يخرج منها الصَّدَى، ويقال: بل الصُّدَى ذكر البوم، قال توبة بن الحُمَيِّر:

«فلوْ أَنَّ لَيْلَى الأَخيليَّة سَلَّمَتْ *** عَلَيَّ وَفَوْقِي تُرْبَةٌ وصفائحُ»

«لَسَلَّمْتُ تسليمَ البشاشَةِ أَو زَقَا *** إِليها صدًى من جانبِ القبرِ صائحُ»

وقال الآخر:

«فلَيْسَ النَّاسُ بَعْدَكَ في نَفيرٍ *** وَلا هُمْ غَيْرُ أَصْدَاءٍ وهَامِ»

ويُروى: في نقير بالقاف. وقال الآخر يذكر فلاة:

«عَطْشَى يُجاوِبُ بُومُها صَوْتَ الصَّدَى *** فَلَهُم في صَدَى المَقابرِ هامُ»

وقالَ أَبو زيد: هو: ولا هامَّة بتشديد الميم، يعني واحدة الهوامّ. وقالَ أَبو عُبيد: لَيْسَ لقول أَبي زيد معنى.

وقالَ غيرُه: قول أَبي زيد صواب، لأَنَّ الهامَّة يعني بها الحيَّة والعقرب، أَو سامّ أَبرص، أَو الخُنْفس. وكانَ النَّاس في أَوَّل الدهر يزعمون أنَّ الشَّياطين ربَّما تمثَّلت في صورهنّ، مَنْ قَتَلَهنّ هلَك أَو سُلِب عقله، فكانوا يُحْجمون عن قتلهنّ خوفًا من جنايتهنّ؛ فقال عليه السَّلام: ولا هامَّة يريد ولا جناية هامَّة، ولا هامَّة تصنع ما تظنُّون.

وقد بيّن هذا التأْويل في غير حديث، فقال صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: مَنْ ترك الحيَّاتِ خشية إِرْبِهنّ فليس منَّا وقالَ النَّبِيّ صَلّى اللهُ عليه وسَلّم: اقتلوا الأَسودين: الحيَّة والعقرب في الصَّلاة، وقد استقصينا تفسير هذا

في غريب الحديث.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


67-الأضداد لابن الأنباري (إلا إبليس كان من الجن)

223 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزّ وجلّ تفسيرين متضادّين، قوله تبارك وتعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، يقال: الجنّ الملائكة، سُمُّوا جنًّا لاستتارهم عن النَّاس، من قول العرب: قد جنَّ عليه اللَّيل، وأَجَنَّه وجَنَّه، إِذا ستره، قال الشَّاعر:

«يُوَصِّلُ حَبْلَيْهِ إِذا اللَّيْلُ جَنَّهُ *** لِيَرْقَى إِلى جَارَاتِهِ في السَّلالِمِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا إِبراهيم بن زكريا البزَّاز، قال: حدَّثنا جرير، عن ثعلبة، عن جعفر بن أَبي المغيرة، عن سعيد بن جبير في قوله: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ، قال: كان من حيٍّ من الملائكة، يصوغون حِلْيَةَ أَهل الجَنَّةِ.

وأَخبرنا أَبو الحسن بن البراء، قال: حدَّثنا ابن غانم وابن حميد، قالا: حدَّثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إِسحاق، عن خلاّد بن عطاء، عن طاوس - أَو عن مجاهد أَبي الحجاج - عن ابن عباس وغيره، قالوا: كان إِبليس قبل أَن يركبَ المعصية مَلَكًا من الملائكة، اسمه عَزَازيل، وكانَ من سكَّانِ الأَرض من الملائكة يُسَمُّون الجِنّ، ولم يكن من

الملائكة مَلَكٌ أَشدُّ اجتهادًا ولا أَكثر منه علمًا، فلمَّا تكبَّر على الله عزَ وجلّ، وأَبى السُّجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطانًا مَريدًا وسمَّاه إِبليس، يقول الله عزَ وجلّ: إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ منَ الجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلًا.

قال ابن إِسحاق: وقالت العرب: الجنّ ما استتر عن النَّاس ولم يَظْهر. وقالَ أَصحاب هذا القول: الذليل على أَنَّ إِبليس من الملائكة أَنَّ الله جلّ وعزّ استثناه معهم من سجودهم. ويدلُّ أَيْضًا على أَنَّ الملائكة يقال لهم جنّ قول الأَعشى في ذكره سُلَيْمَان بن داود عليهما السَّلام:

«لَوْ كانَ شيئًا خالِدًا مُعَمَّرًا *** لكان سليمانُ البريَء من الدَّهْرِ»

«بَراه إِلهي واصْطَفاه عبادَهُ *** وملَّكَه ما بيت تُرنَي إِلى مِصْرِ»

«وسَخًّرَ من جِنّ الملائكِ تِسْعَةً *** قيامًا لديه يَعْمَلُون بِلاَ أَجْرِ»

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، قال: حدَّثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إنَّما قيل لإِبليس: الجِنيّ، لأَنَّه كان من الملائكة، وأَنَّ الله خلق ملائكة، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي

فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فأَبوْا فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلَق ملائكة آخرين، فقال لهم مثل ما قال للأَوَّلين، فأَبوْا، فأَرسل الله عليهم نارًا فأَحرقتهم، ثمَّ خلق هؤلاء الملائكة الذين هم عنده، فقال لهم: إِنِّي خَالقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ. فإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لهُ سَاجِدِين، فقالوا: سمعنا وأَطعنا، فقال ابن عباس: فكان إِبليس من الملائكة الذين حُرِقُوا أَوَّلًا. قال أَبو عاصم: ثمَّ أَعاده الله ليضِلَّ به مَنْ يشاءُ.

وأَخبرنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: حدَّثنا سعيد بن سليمان، ق خبَّرنا عبَّاد، عن سفيان بن حسين، عن يعلَى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان إِبليس اسمه عَزَازيل، وكانَ من أَشراف الملائكة، من أُولي الأَربعة الأَجنحة، ثمَّ أُبْلِس بعد.

وأَخبرنا محمد بن عثمان، قال: حدَّثنا منجاب، قال: أَخبرنا بشر، عن أَبي رَوْق، عن الضَّحَّاك، عن ابن عباس، قال: إنَّما سُمِّيَ إِبليس إِبليس؛ لأَنَّه أُبْلِس من الخير كلِّه، فقال اللغويون: هذا التفسير يشهد لمعنى إِبليس وصَرْفِه عن الخير واستحقاقه البُعْد منه ولا يشهد؛ لأَنَّ لفظ إِبليس مأْخوذ من أُبْلِس أَو أَبلَس؛ لأَنَّه لو كان كذلك كان عربيًّا منوَّنًا، كما يجري إِكليل، وهو على

مثاله، فلمَّا وجدنا الله عزَ وجلّ قال: إِلاَّ إِبليس، فلم ينوّنه عَلِمْنا أَنَّهُ أَعجميّ مجهول الاشتقاق؛ ولأنَّ ما عرف اشتقاقه كان عربيًّا يلزمه من التعريب ما يلزم زيدا وعمرا وأَشباههما؛ إِلاَّ أَنْ يكون مُنِعَ الإِجراءُ للتعريف؛ وأَنَّه اسم واقع على أَولاده، وجميع جنسه فَيُلْحق بثمود وما أَشبهه في ترك الإِجراء.

وقالَ آخرون: ما كان إِبليس من الملائكة قطّ، وهو أَبو الجنّ؛ كما كان آدم أَبو الإِنس، فاحْتَجَّ عليهم بقوله: وإِذْ قُلْنَا للمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجدُوا إِلاَّ إِبليسَ، وبقوله: فَسَجَدَ الملائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون. إِلاَّ إِبليسَ، فاحتجُّوا بأَنَّه لمَّا أُمِرَ بالسُّجود كما أُمروا فخالف وأَطاعوا، أُخرج من فعلهم، ونُصِب على الاستثناء، وهو من غير جنسهم، كما تقول العرب: سارَ النَّاس إِلاَّ الأَثقال، وارتحل أَهلُ العسكر إِلاَّ الأَبنية والخيام.

وحدَّثنا أَحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا عثمان بن أَبي شيبة، قال: خبَّرنا هوذة، عن عوف، عن الحسن، قال: ما كان إِبليس من الملائكة طَرْفَةَ عين.

وقالَ أَصحاب القول الأَوَّل: يجوز أَن يكون تأْويلُ

قوله: كَانَ مِنَ الجِنِّ كان ضالاًّ؛ كما أَنَّ الجنّ كانوا ضُلاَّلًا، فلمَّا فعل مثل فعلهم أُدخل في جملتهم؛ كما قال: المُنَافِقُونَ والمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضِ، فهذا ما انتهى إِلينا، والله أَعلم بحقيقة ذلك وأَحكم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


68-الأضداد لابن الأنباري (قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين)

234 - وممَّا يفسّر من كتاب الله عزَّ وجلَّ تفسيرين متضادَّين، قوله تعالى: قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ منْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذابًا لا أُعَذِّبه أَحَدًا مِنَ العالَمِينَ، قالَ بعض المفسِّرين: نزلت المائدة، وقالَ بعضهم: لم تنزِل.

أَخبرنا أَبو علي العَنَزِيّ، قالَ: حدَّثنا الحسن بن قَزْعَة، قالَ: حدَّثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد، عن قَتادة، عن خِلاس ابن عمرو، عن عَمَّار بن ياسر، قالَ: قالَ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم: نزلت المائدة خُبْزًا ولحمًا، وأُمروا أَلا يخونوا ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، فخانوا، وخَبئُوا وادَّخروا، فمسِخوا قِردة وخنازير.

وحدَّثنا محمد بن يونس، قالَ: حدَّثنا عمر بن يونس ابن القاسم اليماميّ، قالَ: حدَّثنا إِسماعيل بن فيروز، عن أَبيه، عن وهب بن منبّه، قالَ: كانت مائدةً يجلس عليها أَربعة آلاف، فقالوا لقوم من وُضَعائهم: إِنَّ هؤلاء يلطِّخون ثيابنا علينا، فلو بنينا لها دكانًا يرفعها! فبنوْا لها دكانًا، فجعلت الضُّعفاءُ لا تصل إِلى شيء، فلمَّا خالفوا أَمرَ الله جلّ وعزّ رفعها عنهم.

وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: حدَّثنا إِسرائيل، عن سِماك، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس، في قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: مائدة طعام.

وحدَّثنا محمد، قالَ: خبَّرنا بشر بن عمر، قال، خبَّرنا شعبة عن أَبي إِسحاق، عن أَبي عبد الرحمن السُّلَميّ، في قوله: أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ، قالَ: خبزًا وسمكًا.

وحدَّثنا محمد، قالَ: حدَّثنا الحكم بن مروان، قالَ: أَخبرنا الفضل بن مرزوق، عن عطية، قالَ: كانت سمكة وجدوا فيها كلّ شيء.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قالَ: خبَّرنا يوسف القطَّان، قالَ: حدَّثنا جرير، عن أَشعث، عن جعفر، عن سعيد، قالَ: نزلت المائدة وهي طعام يفور؛ فكانوا يأْكلون منها قعودًا، فأَحدثوا فرفعت شيئًا، فأَكلوا على الرُّكَب، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت شيئًا، فأَكلوا قيامًا، ثمَّ أَحدثوا، فرفعت البتَّة.

وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: خبَّرنا عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، قالَ: كانت مائدة ينزل عليها ثَمَرٌ من ثمار الجنَّة، وأُمِروا أَلاّ يَخونوا، ولا يخبئوا ولا يدَّخروا، بلاءً ابتلاهم الله به، فكانوا إِذا فعلوا شيئًا من ذلك أَخبرهم به عيس عليه السَّلام، قالَ: فخانوا وخبئوا وادَّخروا.

وأَخبرنا عبد الله، قالَ: خبَّرنا يوسف، قالَ: أَخبرنا

عمرو بن حُمران، عن سعيد، عن قَتادة، عن الحسن، قالَ: لمَّا قال الله عزَّ وجلَّ: إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا من العالمين، قالوا: لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل عليهم.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


69-الأضداد لابن الأنباري (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)

299 - وممَّا يفسَّر من كتاب الله جلّ وعزّ تفسيرين متضادين قوله تبارك وتعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، فقال بعض النَّاس: المعنى لو كانت الأَمانَةُ يجوز أَن تُعرض على السَّموات والأَرض والجبال لكانت تأْبَى تَحَمُّلَهَا، ولكنَّها موات لا تَعْقِلْ، والأَمانَةُ لا تُعْرَض على ما لا يعقل. وقالَ هذا من باب المجاز، كقول العرب: شكا إِليَّ بعيري طُولَ السير، معناه لو كان يعقل لشكا، ولكنَّه لا يعقل ولا يشكو.

وقال غيرهم: الأَمانة عَرَضها الله على السَّموات والأَرض والجبالِ بعقل رَكَّبه

فيها، حتَّى عرفت معنى العرْض، وعقلتِ الرَّدّ.

ذهب إِلى هذا سادات أَهل العلم وقالوا: مجراه مجرى كلام الذئب، وتسبيح الحصى؛ وسجود البهائم، للنبيّ صلى الله عليه.

حدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا بِشر بن عمرو الزهرانيّ، قال: حدَّثنا شعبة، عن أَبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: إِنَّا عَرَضْنا الأَمانَةَ على السَّمَواتِ والأَرْضِ والجِبالِ فأَبَيْنَ أَنْ

يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ منْهَا، فلم تقبلها الملائكة، فلمَّا خلق الله تعالى عزّ وجلّ آدم عليه السَّلام عَرَضَها عليه، فقال: يا ربّ ما هي؟ قال: إِن أَحسنتَ جزيتُك، قال: فقد تحمَّلتُها يا ربّ، قال: فما كان بين أَن تحمَّلها وبين أَن أُخرج من الجنَّة، إِلاَّ كقَدْر ما بين الظُّهر والعصر. وأَخبرنا محمد، قال: حدَّثنا قَبِيصة بن عقبة، قال: حدَّثنا الحرّ بن جرموز، عن ماهان، قال: الأَمانة الطاعة.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا يوسف القطَّان، قال: خبرنا يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضَّحَّاك، قال: الأَمانة: الفرائض على كلِّ مؤمن: أَلاَّ يغشّ مُؤمنًا، ولا مُعاهِدًا في قليل ولا كثير؛ فمن انتقصَ شيئًا من الفرائض فقد خان الأَمانة. أَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن المنصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن عليّ ابن أَبي طلحة، عن ابن عباس، قال: الأَمانة: الفرائض، عرضها الله تبارك وتعالى على السَّموات والأَرض والجبال، إِن أَدُّوها أَثابهم، وإِن ضيَّعوها عَذَّبهم، فكرهوا ذلك وأَشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيمًا لدين الله تبارك وتعالى أَلاَّ يقوموا به، ثمَّ عرضها على آدم عليه السلام فقبِلَها بما فيها؛ فهو قوله عزّ وجلّ: وحَمَلَها الإِنْسَانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُومًا جَهُولًا، أَي غِرًّا بأَمر الله سبحانه.

وأَخبرنا عبد الله، قال: حدَّثنا أَحمد بن إِبراهيم، قال: حدَّثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، قال: حُدِّثت أَنَّ الله لمَّا خلق السَّموات والأَرضَ والجِبالَ، قال: إِنِّي فارضٌ فريضةً، وخالقٌ جنَّةً ونارًا، وثوابًا لمن أَطاعني، وعقابًا لمن عَصاني، فقالت السَّموات: خلقْتَنِي وسخَّرتَ فِيَّ الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والغيوث، فأَنا مسخّرة على ما خلقتني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا. وقالت الأَرض: خلقتَني وسخَّرتَ فِيَّ الأَنهار، وأَخرجتَ منِّي الثمار، وخلقتَني لما شئت، فأَنا لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا، وقالت الجبال: خلقتَني رواسيَ للأَرض، فأَنا على ما خلقتَني، لا أَتحمَّل فريضة، ولا أَبغي ثوابًا ولا عقابًا. فلمَّا خلق آدم عليه السَّلام عَرضَ ذلك عليه فتحمَّله، فقال الله جلّ وعزّ: إِنَّه كَانَ ظَلُومَا، ظلمُه نَفْسَه في خطيئته، جَهُولًا، بعقاب ما تحمَّله.

وقال بعض المفسِّرين: إِنَّ الله جلَّ اسمه لمَّا استخلف آدم عليه السَّلام على ذُرّيته، وسلَّطه على جميع ما في الأَرض

من الأَنعام والطَّير والوحش، عَهِدَ إِليه عَهْدًا أَمره فيه، ونهاه وحرَّم عليه وأَحلَّ له، فقبله، ولم يزل عاملًا به حتَّى حضرتْه الوفاة، فلمَّا حضرتْهُ الوفاة، سأَل الله جلَّ وعَلا أَن يُعْلِمه مَنْ يَسْتخلِفُ بعدَه، ويُقلِّدُه من الأَمر ما قلَّده، فأَمره أَن يَعْرِض ذلك على السَّموات والأَرض والجِبال بالشَّرْط الذي أَخِذَ عليه من الثَّواب إِنْ أَطاع، ومن الغضب إِن عصى، فأَبت السَّموات والأَرض والجِبال ذلك؛ إِشفاقًا من معصية الله جلَّ وعلا وغضبِه، ثمَّ أَمره أَن يَعْرِض ذلك على ولده ففعل، فقبله ولدُم، ولم يتهيَّبْ منه ما تهيَّبت السَّموات والأَرض والجِبال، فقال الله عزّ وجلّ: إِنَّه كانَ ظَلُومًا جَهُولًا، أَي بعاقبة ما تقلَّد لربّه جلَّ وعَلا، وقال بعد: ليُعَذِّبَ اللهُ المُنَافِقِينَ والمُنَافِقَاتِ والمُشْرِكِين والمُشْرِكَاتِ، أَي عرضنا ذلك عليه ليتبيَّن إِيمانُ المؤمن فيتوبَ الله عليه، ونفاقُ المنافق فيعاقبَه الله عزّ وجلّ: وكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا.

وقال آخرون: محال أَن يكون الله جلَّ وعلا عرضَ الأَمانة على السَّموات في

ذاتها، لأَنَّها ممَّا لا يُكلَّفُ عملًا، ولا يَعْقل ثوابًا، وإِنَّما المعنى: إِنَّا عرضنا الأَمانة على أَهل السَّموات وأَهل الأَرض وأَهل الجبال فأَبَوْا أَن يحملوها، فحُذِف الأَهل وقام الذي بعده مقامه، وجعل أَبَيْن للسموات والأَرض والجبال لقيامها مقام الأَهل، كما قالوا: يا خيلَ الله اركبي، وأَبشري بالجنَّة، أَرادوا: يا فرسان خيل الله اركبوا، فأُقيم الخيل مقام الفُرْسان، وصرِف الرُّكوب إِليها، والإِنسان عندهم الكافر، وهو الذي وصفه الله تعالى بالظّلم والجهل، إِذ لم يكفر فيما فَكَّرَ فيه مؤمنو أَهل السَّموات والأَرض والجِبال.

وقال آخرون: ما عرض الله جلَّ ذكره الأَمانةَ على السَّموات والأَرض قطّ، وإِنَّما هذا من المجاز على قول العرب: عَرَضْت الحِمْل على البعير فأَبى أَن يَحْمِله، أَي وجدت البعير لا يصلح للحَمْل ولا للعَرْض، فكذلك السَّموات والأَرض والجِبال، لا تصلح للأَمانة ولا لعَرْضِها عليها.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


70-الأضداد لابن الأنباري (الروح)

351 - ومنها أَيْضًا الروح؛ روح الإِنسان؛ يقال: هي النفس، ويقال: هي غيرها، فالرُّوح الَّتي في الإِنسان يكون بها النفس والتقلّب في النوم والتحرُّك، والنفس هي الَّتي يقع بها العقل والمشيُ. وقالوا: إِذا أَنام الله الرَّجُل قبض نفسه، ولم يقبض روحه. والروح أَيْضًا: جَبْرَئيل عليه السلام، والروح: خلق من خلق الله عزَ وجلّ لهم أَيْدٍ، وأَرجُل يُشْبِهون النَّاس، وليسوا بناس.

وحدَّثنا محمد بن يونس، قال: حدَّثنا أَبو عاصم، عن

معروف المكّي، عن أَبي نَجيح، عن مُجاهد، قال: الرُّوح خلْق مع الملائكة لا تراهم الملائكة، كما لا ترون أَنتم الملائكة، والرُّوح حرف استأْثر الله تعالى بعلمه، ولم يُطْلِع عليه أَحدًا من خَلْقه، وهو قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوح قُلْ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي.

وأَخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدَّثنا أَحمد بن منصور، قال: حدَّثنا عبد الله بن

صالح، قال: حدَّثنا أَبو هِزَّان يزيد بن سَمُرة، قال: حدَّثني من سمع عليًّا رضوان الله عليه يقول: الرُّوح مَلكٌ من الملائكة، له سبعون أَلف وجه، لكلِّ وجه سبعون أَلف لسان، لكلّ لسان سبعون أَلف لغة، يسبِّح الله تبارك وتعالى بتلك اللُّغات كلّها، يخلُق من كلِّ تسبيحة مَلكٌ يطير مع الملائكة إِلى يوم القيامة.

الأضداد-أبو بكر، محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة بن فَروة بن قَطَن بن دعامة الأنباري-توفي: 328هـ/940م


71-الغريبين في القرآن والحديث (ببب)

(ببب)

وجاء في حديث عمر: (حتى يكون الناس ببانًا واحدًا) قال أبو عبيد:

قال عبد الرحمن بن مهدي: يعني شيئًا واحدًا، وقال أبو عبيد: ولا أحسبها عربية.

وقال أبو سعيد الضرير: ليس في كلام العرب: ببان. والصحيح عندنا: بيانًا واحدًا، والعرب إذا ذكرت من لا يعرف، قالوا: هذا هيان بن بيان فالمعنى: لأسوين بينهم في العطاء، حتى يكونوا شيئًا واحدًا، لا فضل لأحد على غيره.

قال الأزهري: ليس كما ظن، وهذا حديث مشهور، رواه أهل الإتقان، وكأنها لغة يمانية، لم تفش في كلام العرب.

وقال الليث بن المظفر: هو والبأج بمعنى واحد.

وأخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي بإسناده، قال: (جاء فتى من قريش، وكان مضبوعًا، يعني يشتكي ضبعه، فسلم على ابن عمر وكان ابن عمر موقوذًا بالعبادة، فرد عليه مثل سلامه، فقال له: ما أحسبك أثبتني قال ألست ببة؟).

قال ابن الأعرابي: يقال للشاب الممتليء البدن نعمة: الببة، وكان لقب الرجل، وكانت أمه ترقصه وتقول:

لأنكحن ببه.. جارية خدبه.. تجب أهل الكعبه

خدبه: أي ناعمة سمينة، وتجب: تغلب.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


72-الغريبين في القرآن والحديث (جمم)

(جمم)

قوله: {حبا جما} أي كثيًرا، ومنه: جمة الماء، اجتماعه في البئر.

وفي الحديث: (قيل له: كم المرسلون قال: ثلاثمائة وخمسة عشر جم الغفير).

قال أبو بكر: الرواية كذلك، والصواب: جماء غفيرًا يقال: جاء القوم جمًاء غفيرًا، والجماء الغفير، وجما غفيرًا.

وأخبرنا ابن عمار أخبرنا أبو عمر عن ثعلب عن أبي عمرو عن ابن الأعرابي والكسائي: الجماء الغفير: البيضة التي تجمع الشعر، ويراد به: مررت بهم مجتمعين، كاجتماع البيضة وما تحتها، والجماء: من الجمام والجمة، وهو اجتماع الشيء.

والغفير: من قولك: غفرت الشيء: إذا سترته وغطيته.

وفي الحديث: (كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمة جعدة) قال شمر: الجمة: أكثر من الوفرة، وهي الجمة إذا سقطت على المنكبين، والوفرة إلى شحمة الأذنين واللمة: التي ألمت بالمنكبين.

وفي الحديث: (لعن الله المجممات من النساء) قال الأزهري: أراد المترجلات يتخذن شعورهن جمة، فعل الرجال، لا يرسلنها إرسال النساء شعورهن.

ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الأجم وهو الذي لا رمح معه، وقد جم يجم فهو أجم.

وفي حديث ابن عباس: (أمرنا أن نبني المدائن شرفًا والمساجد جما) الجم: التي لا شرف لها، والشرف: التي لها شرفات.

وفي حديث أنس: (توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوحي أجم ما كان لم يفتر عنه) قال شمر: يعني أكثر ما كان، وقد جم الشيء يجم جمومًا ويجم أيضًا.

وفي حديث طلحة: (رمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسفر جلة وقال: دونكها فإنها تجم الفؤاد) قال ابن عائشة: معناه: تريحه.

وقال غيره: تجمعه وتكمل إصلاحه ونشاطه، يقال: جم الماء يجم إذا زاد وجم الفرس: زاد جريه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


73-الغريبين في القرآن والحديث (جنب)

(جنب)

قوله تعالى: {والجار الجنب} هو الغريب: قيل له: جنب: لأنه يجانب من يجاوره في النسب والمنزل، يقال: رجل جنب، وامرأة جنب، على المصدر قاله الأزهري.

وقال غيره: رجل جنب، ورجل جانب: أي غريب، فمن قال للواحد جنب، قال في الجميع: أجناب، مثل عنق وأعناق، وطنب، وأطناب ومن قال للواحد: جانب، قال في الجمع: جناب، كقولك: راكب وركاب.

ورجل جنب أيضًا: إذا أجنب، ومنه قوله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل}.

وقال الفراء: يقال: جنب الرجل وأجنب، من الجنابة.

وفي حديث ابن عباس: (الإنسان لا يجنب، والثوب لا يجنب، والماء لا يجنب والأرض لا تجنب) يقول: لا يجنب الإنسان لممارسة الجنب، وكذلك الثوب إذا لبسه الجنب، والأرض إذا أفضى إليها لم تجنب، والماء إذا غمس الجنب فيه يده لم ينجس.

وقال الأزهري: إنما قيل له: جنب؛ لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر فيجتنبها، وأجنب عنها: أي تباعد عنها.

وقال القتيبي: سمي بذلك لمجانبته الناس وبعده منهم حتى يغتسل والجنابة: البعد.

وقوله: {فبصرت به عن جنب} أي عن بعد ومجانبته لأن لا يفطن لها يقال بصرت به عن جنب وعن جنابة أي بعد.

وقوله: {والصاحب بالجنب} هو الرفيق في السفر.

وقوله: {واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} يقال: جنبته ذلك الأمر وأجنبته.

وجنبته إياه فتجانبه، وأجتنبته وتجنبه: أي تركه.

وقوله تعالى: {أعرض ونأى بجانبه} قال ابن عرفة: أي امتنع بقوته ورجاله.

يدل على ذلك قول امرؤ القيس:

«عدوت على أهوال الأرض أخافها *** بجانب منفوح من الحشو شرجب»

أي بصاحب فرس يجلبه يريد غلامًا يقود فرسًا وهو جانبه والمنفوح من الحشو الفرس السمين والحشو أيضًا الشحم والحشو أيضًا ما يعطيه والشرجب الطويل ومثله الشوقب.

وقوله: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} قال ابن عرفة: أي تركت من أمر الله تعالى، يقال: ما فعلت في جنب حاجتي، قال كثير:

«ألا تتقين الله في جنب عاشق *** له كبد حرى عليك تقطع»

وأخبرنا الأزهري، عن المنذري عن ثعلب، عن سلمة عن الفراء (في جنب الله) أي في قربه وجواره، قال: والجنب: معظم الشيء وأكثره، ومنه قولهم: هذا قليل في جنب مودتك، قال: والجناب: الجانب، والجمع: أجنبة.

وقوله تعالى: {دعانا لجنبه} قال الأزهري: أي مضطجعًا، ولذلك عطف عليه: {أو قاعدًا أو قائمًا}.

وفي الحديث: (عليكم بالجنبة فإنها عفاف) الجنبة: ناحية، يقول: اجتنبوا النساء، والجلوس إليهن.

وفي الحديث: (لا جلب ولا جنب) الجنب: أن يجنب فرسًا عريًا إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب، يقال: جنبت الفرس أجنبه إذا قدته.

وفي الحديث: (ومعه خالد بن الوليد على المجنبة اليمني والزبير على المجنبة اليسرى)

قال شمر عن ابن الأعرابي: أرسلوا مجنبتين أي كتيبتين أخذتا ناحيتي الطريق وقال بعضهم: المجنبة اليمنى: هي الميمنية، والمجنبة اليسرى: هي الميسرة.

وفي الحديث: (المجنوب في سبيل الله شهيد) قيل: هو الذي أخذته

ذات الجنب.

يقال: جنب الرجل فهو مجنوب، وصدر فهو مصدور، وجنب جنبا: إذا اشتكى جنبه.

قال النضر: وذات الجنب هي الدبيلة، وهي قرحة قبيحة تثقب البطن.

وفي الحديث: (وعلى جنبتي الصراط داع) قال شمر: جنبتا الوادي: ناحيتاه وكذلك جانباه، وضفتاه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


74-الغريبين في القرآن والحديث (حمر)

(حمر)

في الحديث: (كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) يقول: إذا اشتد الحرب استقبلنا العدو به، وهم يقولون: موت أحمر أي: شديد، حمراء، أي شديدة، وحمراء القيظ شدة حرها، ويقولون: الحسم أحمر أي: شاق فمن أحب الحسن احتمل المشقة.

وفي الحديث: (بعثت إلى الأحمر والأسود) قال شمر: يعني العرب: والعجم، والغالب على ألوان العرب الأدمة والسمرة وعلى ألوان العجم البياض والحمرة، وكان مجاهد يقول: الأحمر والأسود الجن والإنس، وفي بعض الروايات (بعثت إلى الأحمر والأبيض) وروى عمرو عن أبيه: (الأحمر الأبيض) واحتج بالرواية الأولى، والعرب تقول: امرأة حمراء أي: بيضاء. ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: لعائشة: (يا حميراء).

وفي حديث علي: (إن العرب قالت له: غلبتنا عليك الحمراء) يعنون العجم والروم.

وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي وعن سلمة عن الفراء قال: العرب تسمى الموالي الحمراء.

ومنه قول علي رضي الله عنه: (وقد عارضه رجل من الموالي فقال: اسكت يا ابن حمراء العجان) يا ابن الأمة: قلت: العجان ما بين القبل والدبر.

وفي الحديث: (أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) قال: بعضهم: هي كنوز كذا من الذهب والفضة أفاءها الله على أمته، وقيل: أراد العرب والعجم جمعهم الله على دينه ودعوته.

وفي الحديث: (أهلكهن الاحمران الذهب والزعفران) قال: أبو بكر قال أهل اللغة: الأحمران اللحم والشراب فإذا قيل: الأحافرة فمن اللحم [174 أ] والشراب والخلوق قالوا: والأصفران الذهب والزعفران، والأبيضان الماء واللبن، والأسودان التمر والماء، يقول: أهلك النساء حب الحلي والطيب.

وفي الحديث: (فأصابتنا سنة حمراء) العرب تصف عام الجدب بالحمرة وتقول إن أفاق السماء تحمر أعوام القحط. قال الشاعر:

«لا يبرمون إذا ما الأفق جللة *** ضر الشتاء من الأمحال كالأدم»

وفي حديث شريح: (أنه كان يرد الحمارة من الخيل) أراد بالحمارة أصحاب الحمير لم يلحقهم بأصحاب الخيل من السهام، ويقال لأصحاب البغال

بغالة ولأصحاب الجمال جماله، ورجل حامر وحمار حمار كما في حديث أنس.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


75-الغريبين في القرآن والحديث (سبع)

(سبع)

قوله تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة} العرب تضع التسبيع موضع التضعيف، وإن جاور السبع، والأصل فيه قول الله: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف)، وقال الأزهري: أنا أرى هذه الآية من باب التكثير والتضعيف، لا من باب حصر العدد ولم يرد أنه عليه الصلاة والسلام - إن زاد على السبعين غفر لهم، ولكن المعنى: إن استكثرت من الدعاء للمنافقن والاستغفار لهم لم يغفر الله لهم.

وحكى أبو عمر عن ابن الأعرابي أعطاه رجل درهمًا: سبع الله لك الأجر: أراد التضعيف.

وفي الحديث: (للبكر سبع وللثيب ثلاث) معناه: ان الرجل يجب عليه

أن يعدل بين نسائه في القسم، فيقيم عند كل واحدة مثل ما يقيم عند صواحباتها، وأباحت السنة: إذا دخل بامرأة بكر أن يقيم عندها سبعة أيام لا تحسبها عليه نساؤه في القسم، وأما الثيب فلها ثلاث أيام.

وفي الحديث: (أن ذئبًا اختطف شاة من الغنم أيام مبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتزعها الراعي منه، فقال الذئب: من لها يوم السبع) قال ابن الأعرابي: السبع: الموضع الذي عنده المحشر يوم القيامة، أراد من لها يوم القيامة، والسبع أيضًا: الذعر، يقال: سبعت الأسد: إذا ذعرته. قال الطرماح:

«فلما عوالف الشمال سبعته *** كما أنا أحيانًا لهن سبوع»

يصف الذئب وهو على التفسير يوم الفزع.

وفي الحديث: (نهى عن السباع) قال ابن الأعرابي: هو الفخار بكثرة الجماع، ويقال: هو أن يتساب الرجلان فيرمي كل واحد منهما صاحبة بما يسوءه من القذع، يقال: سبع.

فلان فلانًا إذا انتقصه وتناوله بسوء.

وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: السباع: الجماع.

ومنه الحديث: (صب على رأسه الماء من سباع).

يعني في شهر رمضان.

قال: وخبر عائشة - رضي الله عنها -: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبح في رمضان فيغتسل من قراف أصابه). تعني جماعًا.

وفي الحديث: (سبعت سليم يوم الفتح) معناه كملت سبعمائة رجل.

وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - وسئل عن مسألة فقال: (إحدى من سبع)، قال شمر: اشتد فيها الفتيا، ويجوز أن تكون الليالي السبع التي أرسل الله فيها العذاب على عاد ضربها مثلًا للمسئلة لما أشكلت وخلق الله السماوات سبعًا والأرض سبعًا والأيام سبعًا.

وفي حديث ابن عباس: (وسئل عن مسألة قال: (إحدى من سبع) يريد سنى يوسف عليه السلام - السبع الشداد يريد أن المسألة صعبة).

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


76-الغريبين في القرآن والحديث (سحل)

(سحل)

في الحديث: (أنه كفن في ثلاثة أثواب سحولية) قال القتيبي: سحول جمع سحل وهو ثوب أبيض ويجمع سحلًا أيضًا.

وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: (في ثلاثة أثواب سحولية) قال: بيض نقية، من القطن خاصة، قال: والسحل: الثوب الأبيض النقي من القطن، ويقال: هي ثياب منسوبة إلى سحول وهي قرية باليمن.

وفي حديث ابن عباس: (أنه افتتح سورة فسحلها) أي: قرأها كلها، يقال: انسحل في خطبته إذا مضى فيها وصب الكلام صبًا، وركب فلان مسحله: إذا مضى في خطبته، ومن أسماء اللسان: المسحل.

وفي حديث علي - رضي الله عنه -: (أن بني أمية لا يزالون يطعنون في مسحلة ضلالة) قال القتيبي: هو من قولهم: ركب فلان مسحله، إذا أخذ في أمر فيه كلام ومضى فيه، وقال غيره: أراد أنهم يسرعون في الضلالة ويجدون فيها، يقال: طعن في العنان يطعن، وطعن في مسحله يطعن، والمسحلان حديدتان تكتنفان اللجام.

ومنه قول الشاعر:

«ترقى وتطعن في العنان وتلتحى *** ورد الحمامة إذا جد حمامها »

وفي الحديث: (أن الله تبارك وتعالى قال لأيوب عليه السلام إنه لا ينبغي لأحد أن يخاصمني إلا من يجعل الزيار في فم الأسد والسحال في فم العنقاء) السحال والمسحل واحد كما يقال منطق ونطاق ومئزر وإزار وهي الحديدة التي ذكرناها، ومن رواه الشحاك بالشين والكاف فهو العود يعرض في فم الجدي يمنعه من الرضاع.

وفي الحديث: (أن أم حكيم أتته بكتف فجعلت تسحلها له). أي: تكشط ما عليها من اللحم، وروى فجعلت تسحاها له أي: تقشرها، والساحية: الممطرة التي تقشر الأرض، وسحوت الشيء أسحاه وأسحوه.

ومنه الحديث: (فإذا عرض وجهه منسح) أي: منقشر.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


77-الغريبين في القرآن والحديث (سعن)

(سعن)

وفي حديث عمر - رضي الله عنه -: (وأمرت بصاع من زبيب فجعل في سعن) يقال: السعن قربة، وإداوة، ينتبذ فيها ويعلق بوتد أو جذع نخلة، وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: قلت لأعرابي ما تقول في نبيذ السعن؟ قال: ذاك نبيذ الرعن، قلت: ما تقول في نبيذ الجر؟ قال: اشرب حتى تجره. قال: أبو عبيد: السعنة قربة صغيرة سد فيها، والجمع سعن.

وفي حديث بعضهم: (فاشتريت سعنًا مطبقًا) قيل: هو القدح العظيم يحلب فيه.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


78-الغريبين في القرآن والحديث (سوق)

(سوق)

قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} يقول أهل اللغة: يكشف عن الأمر الشديد، وهو قول ابن عباس ومجاهد.

وقوله تعالى: {والتفت الساق بالساق} قيل: التفت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة، وقيل: التفت ساقه بالأخرى إذا لفتا في الكفن، وقال ابن الأنباري: العرب تذكر الساق إذا أرادت شدة الأمر وخبرت عن هوله. [99 أ]

وأخبرنا ابن عمار قال: أخبرنا أبو عمر عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: الساقان شدة الدنيا والآخرة.

وفي حديث معاوية- رحمه الله-: (قال رجل: خاصمت إليه ابن أخي فجعلت أحجة فقال: أنت كما قال:

«أني أتيح له حرباء تنضبه *** لا يرسل الساق إلا ممسكًا ساقا»

أراد لا تنقضي له حجة حتى يتعلق بأخرى تشبيهًا بالحرباء، والأصل فيه أن الحرباء تستقبل الشمس فتعلق بصف الشجرة ثم ترتقي إلى الأغصان إذا حميت الشمس ثم ترتقي إلى غصن أعلى منه فلا ترسل الأول حتى تقبض على الآخر.

وقال علي رضي الله عنه في حرب الشراة: (لابد من قتالهم ولو تلقت ساقي) قال أبو العباس: الساق النفس، رواه عنه أبو عمر الزاهد.

وفي الحديث: (أنه رأى بعبد الرحمن وضرا من صفرة فقال: مهيم؟ فقال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: ما سقت منها؟) أي ما أمهرت منها بدلا من بضعها، والعرب تضع موضع البدل، من ذلك.

قوله: {ولو نشاء لجعلنا من ملائكة في الأرض يخلفون} أي بدلكم وقال الشاعر:

« [99 ب] أخذت ابن هند من علي وبئسما *** أخذت وفيها منك ذاكية اللهب »

يقول: أخذته بدلا من علي، وقيل للمهر سوق، لأن العرب كانت أموالهم المواشي فكان الرجل إذا تزوج ساق الإبل والشاة مهرًا لها ثم وضع السوق موضع المهر.

وفي الحديث: (كان يسوق أصحابه) أي لم يكن يأذن لأحد أن يمشي خلفه لكنه يقدمهم ويمشي خلفهم تواضعًا.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


79-الغريبين في القرآن والحديث (صدع)

(صدع)

قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر} أي شق جماعتهم بالتوحيد وقيل: اجهر بالقرآن وقيل: اظهر وقيل: احكم بالحق، وافصل بالأمر، والصديع: الصبح في كلامهم.

وأخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر عن ثعلب قال: وقال أعرابي: ممن كان يحضر مجلس أبي عبد الله وكان أبو عبد الله يقول: (فأصدع بما تؤمر) أي اقصد بما تؤمر قال: والعرب تقول: صدعت فلانًا أي قصدته لأنه كريم، وقال ابن عرفة: أراد الفرق به بين الحق والباطل يقال تصدع القوم إذا تفرقوا.

ومنه قوله} يؤمنذ يصدعون} أي يتفرقون، ففريق في الجنة وفريق في السعير.

وفي الحديث فقال: (بعد ما تصدع القوم كذا وكذا) يقال: صدعت الرداء إذا شقتته، ومن ذلك (أن المصدق يجعل الغنم صدعين) أي فريقين تأخذ منهما الصدقة، والصدع في الزجاجة بفتح الصاد.

ومنه قوله عز وجل: {والأرض ذات الصدع} أي تصدع بالنبات.

وفي حديث حذيقة (وأنا صدع من الرجال) فقلت: (ومن هذا الصدع؟) الصدع الربعة من الرجال في خلقة رجل بين الرجلين.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


80-الغريبين في القرآن والحديث (صنو)

(صنو)

قوله تعالى: {صنوان وغير صنوان} معنى الصنوان: أن يكون الأصل واحد، وفيه النخلتان والثلاث والأربع، والصنوان جمع صنو ويجمع أصناء على اسم وأسماء، فإذا كثرت فهي الصنى والصنى.

وفي الحديث (العباس صنو أبي) أراد أن أصله وأصل أبي واحد.

وفي حديث آخر (عم الرجل صنو أبيه).

وأخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: الصنو المثل أراد مثل أبيه.

وفي حديث أبي قلابة: (إذا طال صنان الميت نقي بالأشنان) أي: درنه قال الأزهري: روى هذا بالصاد وهو وصخ النار والرماد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


81-الغريبين في القرآن والحديث (عرف)

(عرف)

قوله تعالى: {فليأكل بالمعروف} أي قدر ما يسد خلته، ويقال: يأكل قرضا، وقوله تعالى: {وقولوا لهم قولا معروفا} قيل أنه يقال لهم: بورك فيكم وقوله تعالى: {وقلن قولا معروفا} إيما يوجبه الدين والملة بتصريح وبيان.

وقوله: {وعاشروهن بالمعروف} أي بالنصفة في المبيت والنفقة، وقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفا} قال ابن عرفة: المعروف ما عرف من طاعة الله، والمنكر ما خرج منها، وقوله تعالى: {ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم} الأعراف جمع عرف، وهو كل موضع مرتفع، وأعر

قوله تعالى: {وقبائل لتعارفوا} أي جعلناكم قبائل لتعارفوا أي لتفاخروا، وقوله عز وجل: {عرف بعضه وأعرض عن بعض} أي عرف حفصة- رضي الله عنها- بعض ذلك، ومن قرأ (عرف) مخففة الراء فمعناه أنه جازى حفصة ببعض ما صنعت، وهذا كما تقول، لمن تتوعده: قد عرفت ما فعلت، أي سأجازك بفعلك، وقوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} يقال طيبها، وحكي عن العرب: (طيب الله عرفك) أي ريحك، ويقال: عرفها لهم وصفها لهم في الدنيا فإذا دخلوها عرفوها بتلك الصفة، ويقال: عرفها جعلهم يعرفون فيها منازلهم إذا دخلوها كما كانوا يعرفون منازلهم في الدني، وقوله تعالى: {والمرسلان عرفا} قال الفراء: هي الملائكة ترسل بالمعروف، وفي حديث ابن مسعود (إن الله تعالى يقول لعباده: من تعبدون فيقولون نعبد الله

سبحانه، فيقول: هل تعرفون ربكم، فيقولون: إذا اعترف لنا عرفناه) قال الأزهري: معناه إذا تحقق لنا ذاتا عرفناه.

يقال: اعترف إذا تحقق، وفي الحديث: (من أتى عرافا أو كاهنا) أراد بالعراف الجازي أو المنجم الذي يدعي علم الغيب، وقد استأثر الله تعالى به، وفي حديث طاوو، أنه سأل ابن عباس: (ما معنى قول الناس أهل القرآن عرفاء أهل الجنة، فقال: معناه رؤساء أهل الجنة) وفي الحديث: (أن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) أي من بذل معروفه في دار الدنيا آتاه الله تعالى جزاء معروفه في دار الآخرة، وقيل من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود متشفعا فيهم شفعة الله في الآخرة في أهل التوحيد، وكان عند الله تعالى وجيها كما كان في الدنيا عند الناس وجيها، وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر، قال: قال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي عنه- يعني عن هذا الحديث- فقال: روى الشعبي: أن ابن عباس قال: يأتي أهل المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته، فتزيد حسناته، فيغفر له فيدخل الجنة.

وفي حديث عمر- رضي الله عنه- (أطردنا المعترفين) قال القتيبي: أحسبه الين يقرون على أنفسهم بالزنا وأشباه ذلك مما يجب فيه الحد والتعزير، كأنه كره لهم ذلك وأحب أن يستروا على أنفسهم، وفي الحديث: (تعرف إلى

الله في الرخاء يعرفك في الشدة) يقول: أطعه واحفظه وهو كقوله: (احفظ الله يحفظك) وقوله يعرفك أي يجازيك.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


82-الغريبين في القرآن والحديث (عين)

(عين)

قوله تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا} أي بإبصارنا إياك حفظنا لك وقال ابن عرفة: بأعيننا بحيث نراك وبوحينا أي بإعلامنا إياك كيف تصنع.

وقوله تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري} أي قلوبهم وما ركبها من الرين والغشاوة.

وقوله تعالى: {فأتوا به على أعين الناس} أي في مشهد ليروه ويسمعوا.

وقوله تعالى: {فإنك بأعيننا} أي بحيث نرعاك ونحفظك.

وقوله تعالى: {كافورا عينا} أي من عين، وقال ابن عرفة: سميت عينا لأن الماء يعين منه أي يظهر جاريا، قال: ومنه قوله تعالى: {بماء معين} أي بماء جار ظاهر، قال: وسمعت أحمد بن يحيى يقول: يقال: عان الماء يعين إذا ظهر جاريا.

قال جرير:

«إن اللذين غدوا بليك غاروا *** وشلا بعينك لا يزال معينا»

وقال الأخطل:

«حبسوا المطي على قديم عهد *** طام يعين وعائر مشدوم»

فمعين على هذا مفعول من العيون على مثال مبيع ومكيل قال الفراء: ويجوز أن يكون فعيلا من الماعون وهو الزكاة.

وفي الحديث: (أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات) الأعيان: الإخوة للأب والأم فإذا كانوا الأمهات شتى فهو بنو العلات، فإذا كانوا الآباء شتى فهم أخلاف.

وفي الحديث: (إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت قبلك عين غديقة) قلت: قوله: (نشأت) يعني السحابة، والعين: ما عن يمين قبلة العراق، وذلك يكون أخلق للمطر تقول العرب مطرنا بالعين، وقوله: (تشاءمت) أي أخذت نحو الشام.

وقال الليث: العين من السحاب ما أقبل عن يمين القبلة، وذلك الصقع يسمى العين.

وفي حديث عمر رضي الله عنه: (أنه قال لرجل لطمه علي رضي الله عنه لأنه كان ينظر إلى حرم المسلمين في الطواف فاستعدى عمر عليه فقال: ضربك بحق أصابتك عين من عيون الله) قال ابن الأعرابي: يقال: أصابته من الله عين أي أخذه الله، وأخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: قال: أراد خاصة من خواص الله عز وجل ووليا من أوليائه.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها: (الله عين علي سارق أبي بكر) أي أظهر عليه، قال أبو عمرو: يقال: (عينت على السارق) أي أظهرت عليه.

وفي الحديث: (كره ابن عباس العينة) هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها بأقل من الثمن الذي باعها به، وهذا مكروه فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أي

وفي حديث علي رضي الله عنه: (أنه قاس العين ببيضة جعل عليها خطوطا وأراه إياها) هل يبصر الخطوط أم لا قلت: هي العين تلطم أو تبخص أو يصيبها شيء يضعف معه البصر فيعرف ما نقض منها ببيضة يخط عليها خطوط وتنصب على مسافة تلحقها الصحيحة ثم تنصب على مسافة تلحقها العليلة ويتعرف ما بها بين المسافتين فيكون ما يلزم الجاني بحسب ذلك، قال ابن عباس لا يقاس العين في يوم غيم إنما نهي عن ذلك لأن الضوء يختلف يوم الغيم في الساعة الواحدة فلا يصح القياس.

في حديث أم زرع: (زوجي عياياء) هو العنين الذي تعيبه مباضعة النساء ويقال له العنين والعجير الحريك، وقال العياياء من الإبل الذي لا يضرب ولا يلقح وكذلك هو من الرجال.

آخر حرف العين

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


83-الغريبين في القرآن والحديث (فحم)

(فحم)

وفي الحديث: (حتى تذهب فحمة العشاء) قال أبو عبيد: يعني سواده.

قال الفراء: يقال: فحموا عن العشاء أي: لا تسيروا في أوله حتى تفور الظلمة ولكن امهلوا حتى تعتدل الظلمة ثم سيروا يقال: فحمة وفجمة.

وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال: يقال للظلمة التي بين الصلاتين فحمة وللظلمة التي بين العتمة والغداة العسعسة.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


84-الغريبين في القرآن والحديث (فرم)

(فرم)

في حديث عبد الملك: (أنه كتب إلى الحجاج في شأن أنس بن مالك: (يا بن المستفرمة بحب الزبيب) الفرم: أن تضيق المرأة متاعها بالأشياء المحصفة وقد استفرمت إذا احتشت وربما تتعالج بحب الزبيب وهو التفريق التغريب وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمرو عن أبي العباس قال: الفرم: ما تضيق المرأة به فرجها وفي بعض الأخبار (أن فلانا قال لفلان عليك بفرام أمك).

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


85-الغريبين في القرآن والحديث (قرد)

(قرد)

في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لنا وحش فإذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البيت أسعرنا قفزا، فإذا حضر مجيئه أقرد) أي ذل وسكن، وقوله: (أسعرنا) آذانا.

وفي الحديث: (إياكم والإقراد، قالوا: يا رسول الله، وما الإقراد؟ قال: الرجل منكم يكون أميرا فيأتيه المسكين والأرملة، فيقول لهم: مكانكم حتى أنظر في

حوائجكم ويأتيه الغني فيقول: عجلوا قضاء حاجته).

وأخبرنا أحمد بن محمد الخطابي عن أبي عمر عن ثعلب، قال: يقال: أخرد الرجل إذا سكت حياء وأقرد إذا سكت ذلا، والأصل فيه نزع القراد من البعير حتى يسكن إلى ذلك، قال الشيخ: والخريدة: الجارية الحيية من هذا.

وفي الحديث: (لجأوا إلى قردد) يقول: تحصنوا برابية، ويقال للأرض المستوية قردد أيضا، ويروى (قرقد) وهي الأرض المرتفعة، وقردودة الظهر ما ارتفع منه.

وفي الحديث: (تناول قردة من وبر البعير) يعني قطعة مما نسل منه والقرد أراد ما يكون من الصوف.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


86-الغريبين في القرآن والحديث (مرج)

(مرج)

قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان} قال مجاهد: أرسلهما وأفاض أحدهما في الآخر وقال ابن عرفة: {مرج البحرين} أي: خلطهما فهما يلتقيان، وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز لا يغلب أحدهما على صاحبه يقال: مرجته خلطته، وبهذا سميت مروج الدواب.

ومنه قوله تعالى: {فهم في أمر مريج} أي: مختلط مرة يقولون شاعر ومرة كاهن ومرة مجنون، ويقال: مرج الدين خلط ومرج الشيء إذا قلق فلم يثبت، ومرج الخاتم في يده، وحرج إذا قلق فلم يستقر، وقال الأزهري: {مرج البحرين} خلى بينهما، يقال: مرجت الدابة، إذا خليتها ترعى، وأخبرنا ابن عمار عن أبي عمر وعن ثعلب قال: المرد الإجراء، فقوله تعالى: {مرج البحري} أي: أجراهما.

وفي الحديث: (إذا مرج الدين) أي: فسد وقلقت أسبابه.

ومنه قوله لعبد الله بن عمر: (قد مرجت عهودهم) أي: اختلطت.

وقوله تعالى: {من مارج من نار} المارج اللهب المختلطة بسواد النار، وقال الفراء: المارج: نار دون الحجاب، ومنها هذه الصواعق، وترى جلل السماء منها.

وقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} اللؤلؤ اسم جامع للحب والمرجان، صغاره، وقال أبو الهيثم: قال: بعضهم: المرجان البسد وهو جوهر أحمر.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


87-الغريبين في القرآن والحديث (ودع)

(ودع)

قوله تعالى: {فمستقر ومستودع} يقال: مستقر في الصلب ومستودع في الرحم.

وفي شعر العباس يمدح النبي - صلى الله عليه وسلم -:

«من قبلها طبت في الظلال وفي *** مستودع حيث يخصف الورق»

قوله: (مستودع) يحمل معنيين: أحدهما: الرحم، والآخر: الموضع الذي استودع آدم وحواء من الجنة.

وقوله: {ما ودعك ربك وما قلى} أي ما تركك.

وأخبرنا ابن عمار، عن أبي عمر عن ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: قال ابن عباس: قوله: {ما ودعك ربك} ما قلعك مذ أرسلك} وما قلى} ما أبغضك مذ أحبك، وسمى الوداع وداعا، لأنه فراق ومتاركة.

وفي الحديث: (الحمد لله غير مودع ربي ولا مكفور) أي عير تارك طاعة ربي، وقيل: غير مودع ربي.

وفي الحديث: (لينتهين الناس عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن على قلوبهم) أي عن تركهم إياها، وقال شمر: زعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدره وماضيه والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفصح.

في الحديث: (إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودع منهم) أي أسلموا إلى ما استحقوه من النكير عليهم كأنهم تركوا ما استحقوه من المعاصي حتى قصروا فيها فيستوجبوا العقوبة فيعاقبوا، وأصله من التوديع وهو الترك.

وفي الحديث (دع داع اللبن) يريد اترك منه في الضرع شيئا ليستنزل اللبن ولا تنهكه حلبا فقط.

وفي حديث طهفة قال - صلى الله عليه وسلم - (يا بني نهد ودائع الشرك) يريد العهود، يقال توادع الفريقان إذا أعطى كل واحد منهم الآخر عهدا ألا يغزوه، واسم ذلك العهد الوديع، قال أبو محمد القتيبي: يقال أعطيته وديعا أي عهدا.

وفي الحديث: (صلى معه عبد الله بن أنيس وعليه ثوب متمزق فلما انصرف دعا له بثوب فقال تودعه بخلقك هذا) التوديع: أن يجعله ثوبا وقاية ثوب ميدع أي مبتذل.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


88-طِلبة الطلبة (عسس)

(عسس):

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأُتِيَ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ وَهُوَ الْقَدَحُ الْعَظِيمُ وَقَوْلُهُ: بَعَثْنَاكَ دَاعِيًا وَلَمْ نَبْعَثْكَ رَاعِيًا: أَيْ بَعَثْنَاكَ دَاعِيًا إلَى الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ وَلَمْ نَبْعَثْكَ حَافِظًا لِلشَّمْسِ، فَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ذَلِكَ إنْكَارًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ إخْبَارَهُ بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ، وَأَنَّهُ إنَّمَا بَعَثَهُ لِلْأَذَانِ لَا لِلتَّعَرُّفِ عَنْ حَالِ الشَّمْسِ وَالْإِخْبَارِ بِهِ، وَبِئْسَمَا ظَنُّوا وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ الْإِنْكَارُ لِلْإِخْبَارِ بِالْحَقِّ وَحَالُهُ فِي كَوْنِهِ قَائِمًا بِالْحَقِّ قَابِلًا لَهُ، لَكِنْ قَالَ ذَلِكَ شُكْرًا لَهُ وَثَنَاءً عَلَيْهِ، أَيْ كُنَّا بَعَثْنَاكَ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْأَذَانُ، وَخَفَى عَلَيْنَا الْأَهَمُّ وَهُوَ أَنْ نَقُولَ لَكَ: تَعَرَّفْ لَنَا حَالَ الشَّمْسِ وَأَخْبِرْنَا بِهَا، وَقَدْ قُمْتَ لَنَا فِي هَذَا الْمُهِمِّ أَحْسَنَ الْقِيَامِ وَأَخْبَرَتْنَا بِهِ فَنَحْنُ لَك شَاكِرُونَ وَبِالْخَيْرِ ذَاكِرُونَ.

طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م


89-تاج العروس (خلأ)

[خلأ]: خَلأَتِ الناقَةُ كمَنَعَ خَلْأَ بفتح فسكون، وضبط في شَرْحِ المُعَلَّقات بكسر فسكون وخِلَاءً كَكِتاب، كذا هو مضبوط عندنا، وبه صَرَّحَ الجوهريُّ وابن القُوطِيَّة وابنُ القطَّاع وعياض وابن الأَثير والزمخشري والهَروي، وفي بعض النسخ بالفتح كَسَحَابٍ، وبه جزم كثيرون، وفي شرح المُعَلَّقَات قال زُهير يَصِف ناقَتَه:

بِآرِزَةِ الفَقَارَةِ لَمْ يَخُنْهَا *** قِطَافٌ فِي الرِّكَابِ وَلَا خِلَاءُ

وكان يعقوب وابنُ قادم وغيرُهما لا يعرفون إِلّا فتح الخاء، وكان أَحمد بنُ عُبيد يَرْويه بالكسر ويحكى ذلك عن أَبي عمرو. وخُلوءًا كقُعودٍ فهي خَالِئُ بغيرِ هَاءٍ، قاله اللِّحيانيُّ. وخَلُوءٌ كَصَبُور: بَرَكَتْ وحَرَنَتْ من غير عِلَّةٍ، كما يقال في الجَمَل: وفي الفرس: حَرَن، وفي الصحاح والعباب: حَرَنَتْ وبَرَكَتْ، وروى المِسْوَر بن مَخْرَمَةَ ومروان بن الحَكم رضي ‌الله‌ عنهما أَن عامَ الحُدَيْبيَةِ قال النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم: «إِن خالدَ بنَ الوَليد بالغَمِيم في خَيْل لقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فخُذُوا ذاتَ اليمين، فو الله ما شَعَرَ بهم خالِدٌ حتى إِذَا هم بِقَتَرَةِ الجَيْشِ وَبَرَكَت القَصْوَاءُ عند الثَّنِيَّةِ، فقال الناس: حَلْ حَلْ فقالوا: خَلأَتِ القَصْوَاءُ فقال: ما خَلأَتِ القَصْوَاءُ وما ذاك لها بِخُلقٍ ولكن حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ» وقال اللحيانيّ: خَلأَت الناقةُ إِذا بَرَكَت فلم تَبْرَح مَكَانَها وكذلك الجَمَلُ، أَو خَاصُّ بالإِناث من الإِبل، فلا يقال في الجمل خَلأَ، صرح به الجوهريُّ والزمخشريُّ والأَزهريّ والصاغاني، وقال أَبو منصور: الخِلاء لا يكون إِلَّا للناقة، وأَكثر ما يكون الخِلاءُ [منها] إِذا ضَبِعَتْ، تَبْرُك فلا تَثُور، وقال ابنُ شُمَيْل: يقال للجَمل خَلأَ يَخْلأُ [خِلاءً] إِذا بَرَك فلم يَقُم، قال: ولا يُقالُ خَلأَ إِلَّا للجَمَل، قال أَبو منصور: لم يَعرف ابنُ شُمَيْل الخِلَاءَ للناقة فجعله للجمل خاصَّةً، وهو عند العرب للناقة، ومن المجاز: خَلأَ الرَّجُلُ خُلُوءًا كقُعودٍ إِذا لم يَبْرَحْ مكانَه.

والتِّخْلِئُ كتِرْمِذ ويُفتح وفي بعض الأُصول ويَمَدُّ، الدُّنْيَا وأَنشد أَبو حمزة:

لَوْ كَانَ فِي التِّخْلِئِ زَيْدٌ مَا نَفَعْ *** لِأَنَّ زَيْدًا عَاجزُ الرَّأْيِ لُكَعْ

إِذَا رَأَى الضَّيْفَ تَوَارَى وَانْقَمَعْ

أَي لو كانت له الدنيا أَو المراد بالتِّخْلِئ الطَّعامُ والشرابُ.

ويقال خَالأَ القَوْمُ: تَرَكُوا شَيْئًا وأَخَذُوا في غَيْرِه حكاه ثعلب، وأَنشد:

فَلَمَّا فَنَا مَا فِي الكَنَائِنِ خَالَئُوا *** إِلَى القَرْعِ مِنْ جِلْدِ الهِجَانِ المُجَوَّبِ

يقول: فَزِعُوا إِلى السُّيوف والدَّرَق، وفي حديث أَم زرعٍ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ، في الأُلْفَةِ والرِّفاءِ لَا في الفُرْقَةِ والخِلَاءِ» وهو بالكسر والمَدِّ: المباعَدَة والمُجانبة، وقال ابنُ الأَنباري: روى أَبو جعفر أَن الخَلاءَ بالفتح: المُتَارَكَة، ويقال: قد خَالَى فُلانٌ فُلانًا يُخالِيه إِذا تَارَكَه، واحتجَّ بقول الشاعر وهو النابغة:

قَالَتْ بَنُو عَامِرٍ خَالُوا بَنِي أَسَدٍ *** يَا بُؤْسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا بِأَقْوَامِ

فمعناه: تَارِكوا بني أَسدٍ، وأَخبرنا أَبو العباس عن ابن الأَعرابيّ قال: المُخالِي: المُحارب، وأَنشد البيتَ، قلت: وسيأْتي في المعتلِّ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

أَخْلَاء، بفتح فسكون مَمدودًا: صُقْعٌ بالبَصْرة من أَصقاعِ فُرَاتِها عامِرٌ آهِلٌ، كذا في المُعجم.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


90-تاج العروس (زنب)

[زنب]: زَنِبَ كفَرِح يَزْنَب زَنَبًا أَهمله الجوهريّ، وقال أَبو عَمْرو: أَي سَمِن. والزَّنَبُ. السِّمَنُ. والأرْنَبُ: السَّمِينُ، وبه سُمِّيَت المَرْأَة زَيْنَب قاله أَبُو عَمْرو، قال سِيبَوَيْه: هو فَيْعَل واليَاءُ زَائِدَةٌ.

أَو مِنْ زُنَابَى العَقْرَب وزُنَابَتُها كِلْتَاهُما لزُبَانَاهَا إِبْرَتها التي تَلْدَغ بِهَا كما نَقَلَه ابْنُ دُرَيْد في بَابِ فَيْعَل. والزُّنَابَى: شِبهُ المُخَاطِ يَقَع من أُنُوفِ الإِبِل، فُعَالَى، هكَذَا رَوَاه بَعْضُهم، والصَّوَابُ بالذَّالِ والنُّونِ، وقد تَقَدَّمَتِ الإِشارَةُ إِلَيه. أَو مِنَ الزَّينَب لشَجَرٍ حَسَنِ المَنْظَر طَيِّبِ الرَّائِحَة، وَاحِدَتُه زَيْنَبَة، قاله ابْنُ الأَعْرَابِيّ. أَو أَصْلُهَا زَيْنُ أَب، حُذِفَتِ الأَلِفُ لكَثْرةِ الاسْتِعْمَالِ.

وَزَنْبَةُ وزَيْنَب كِلْتَاهُما امرَأَةٌ. وقال أَبو الفَتْح في كِتَاب الاشْتِقَاق: زَيْنَبُ عَلَم مُرْتَجَلٌ، قال: وأَخبرنا أَبو بكر مُحَمَّدُ بنُ الحَسَن عَنِ أَبِي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، قال: قال فلان: رَحِمَ اللهُ عَمَّتي زَنْبَة، ما رَأَيْتُهَا قَطّ تَأْكُلُ إِلَّا طَيِّبًا، ثم قال: فهذه فَعْلَةٌ مِنْ هَذَا، وزَيْنَب فَيْعَل مِنْهُ، انتهى. وقال العَلَم السَّخَاوِيّ في سِفْرِ السَّعَادة: زَيْنَب: اسْمُ امرأَة، وبِنْتُ رَسُولِ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم. والزَّيْنَبُ الجَبَانُ نَقَلَه الصَّاغَانِيّ.

والزِّينَابَة، بالكَسْرِ: سَمَكَةٌ دَقيقَةٌ نَقَلَه الصَّاغَانِيُّ أَيْضًا.

وأَبو زُنَيْبَةَ كجُهَيْنَة: كُنْيَةٌ من كُنَاهُم. قال:

نَكِدْتَ أَبَا زُنَيْبَةَ إِذْ سَأَلْنَا *** بحَاجَتِنا ولَمْ يَنكَدْ ضَبَابُ

وقد يُرَخَّمَ عَلَى الاضْطِرار. قَالَ:

فجُنِّبْتَ الجُيُوشَ أَبَا زُنَيْبٍ *** وجَادَ عَلَى مَنَازِلِك السَّحَابُ

وعَمْرُو بْنُ زُنَيْبٍ كزُبَيْر: تَابِعِيّ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِك.

والزَّأْنَبَى بالهَمز كقَهْقَرَى. مَشْيٌ في بُطْءٍ، نَقَلَه الصَّاغَانِيّ.

وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَة كَانَ رَسُولُ الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وسلم يَدْعُوهَا زُنَابَ بالضَّمِّ، هكذا ضَبَطَه الأَمِير، ويُصَغِّرُهَا العَوَامُّ فيَقُولُونَ: زَنُّوبَة. ومن أَمْثَالِهم: «أَسْرَقُ مِنْ زُنَابَةَ». قال ابن عبد ربه في العِقْد: هي الفأْرَة وتَقَدم في «ز ب ب».

وقاضي القُضَاة أَحْمَدُ بْنُ مُحَمّدِّ بْنِ صَاعِدِ الحَنَفِيّ. وأَبُو الفَوَارس طرّاد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الحَسَن النَّقِيبُ. وأَبو مَنْصور مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي تَمَّامٍ. وأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، الزَّيْنَبِيُّونَ، مُحَدِّثُونَ، نِسْبَةً إِلَى زيْنَب ابْنَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاس رضي ‌الله‌ عنهم.

والزَّيْنَبِيُّون: بَطْنٌ مِنْ وَلَد عَلِيٍّ الزَّيْنَبِيِّ بْنِ عَبْدِ الله الْجَوَادِ بْنِ جَعْفَر الطَّيَّارِ نِسْبَةً إِلَى أُمِّه زَيْنَب بِنْتِ سَيِّدنَا عَلِيٍّ رضي ‌الله‌ عنه، وأُمُّهَا فَاطِمَةُ رضي ‌الله‌ عنها. وَوَلَد عليّ هذَا أَحَد أَرْحَاءِ آلِ أَبِي طَالِبٍ الثَّلَاثَة، أَعْقَبَ مِنْ ابْنِه مُحَمَّدِ، والحَسَنِ، وعِيسَى، ويَعْقُوبَ. وأَبو الحَسَن عَلِيُّ ابْنُ طَلْحَةَ بْن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيّ، تَوَلَّى الخَطَابَة والنِّقَابَةَ بَعْدَ أَبِيهِ في زَمَن المُسْتَنْجِدِ، وتُوُفِّي سَنَة 561. وزيْنَبُ ابْنَةُ الحُسَيْن بْنِ عَليٍّ أُمُّهَا سُكَيْنَةُ أُمُّ الرَّبَاب، وفَدَت إِلى مِصْر وبِهَا دُفِنَت. وزَيْنَبُ الثَّقَفِيَّة لها صُحْبَة. ثم إِنَّ هذِه المادَّةَ كَتَبَها المُؤَلِّفُ بالحُمرَة؛ لأَنَّ الجَوْهَرِيَّ أَسْقَطهَا تَبَعًا للخَلِيل في كِتَابِ العَيْنِ وابْنِ فَارِس والزُّبِيدِيّ وغَيْرهم. وهي في لسان العرب وغَيْرِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ اللُّغَةِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


91-تاج العروس (دبج)

[دبج]: الدَّبْجُ: النَّقْشُ والتَّزْيِين، فارِسيّ مُعَرّب.

والدِّيبَاجُ، بالكسر، كما في شُرُوح الفصيح، نعم حَكى عِياضٌ فيه عن أَبي عُبَيْد الفتح، ورواه بعضُ شُرَّاح الفصيح، وفي مشارِقِ عِيَاض: يقال بكسر الدال وفتحها، قال أَبو عُبَيْد، والفتح كلامٌ مُوَلَّد ونقل التَّدْمُرِيّ عن ثعلب في نوادره أَنه قال: الدِّيوان مكسور الدّال، والدَّيباج مفتوح الدّال، وقال المُطَرِّزِيّ: أَخبرنا ثعلَبٌ عن ابن نجدة عن أَبي زيدٍ قال: الدِّيوان والدِّيباج وكِسْرَى لا يقولها فَصِيحٌ إِلَّا بالكسر، ومن فَتحها فقد أَخطأَ. قال: وأَخبرنا ثعلبٌ عن ابن الأَعرابيّ قال: الكَسْر فصيحٌ، وقد سُمِعَ الفَتْحُ فيها ثَلَاثَتِهَا، وقال الفِهْرِيّ في شرح الفصيح: حَكَى أَبو عبيد في المصنّف عن الكسائيّ أَنه قال في الدّيوان والدّيباج: كلامٌ مُوَلَّد، وهو ضَرْبٌ من الثِّيَاب مُشْتَقّ من دَبَج، وفي الحديث ذكر الدِّيباج، وهي الثِّيَابُ المُتَّخذة من الإِبْرَيْسَمِ، وقال اللَّبْلِيّ: هو ضَرْبٌ من المَنْسوج مُلَوَّنٌ أَلوانًا، وقال كُراع في المُجَرّد: الدِّيباج من الثِّيابِ فارِسيّ مُعَرَّبٌ، إِنما هو ديبايْ؛ أَي عُرِّب بإِبدال الياءِ الأَخيرة جِيمًا، وقيلَ: أَصلُه دِيبا، وعُرِّب بزيادة الجيم العربيّة، وفي شِفَاءِ الغَلِيل: دِيباجٌ مُعَرَّب دُيوبَاف؛ أَي نِسَاجَةُ الجِنّ، وج، دَيَابِيجُ: بالياءِ التّحتيّة، وَدَبَابِيجُ، بالموحّدة، كلاهما على وَزْنِ مَصابِيح، قال ابن جِنّي: قولهم دَبَابِيج يدلّ على أَن أَصله دِبَّاج، وأَنهم إِنما أَبدلوا الباءَ ياءً استثقالًا لتضعيف الباءِ، وكذلك الدِّينار والقِيراط، وكذلك في التصغير.

وسَمَّى ابنُ مَسْعُودٍ الحَوَامِيمَ دِيباجَ القُرآنِ.

وعن ابن الأَعرابِيّ النَّاقَةُ الفَتِيَّةُ الشَّابَّةُ تُسَمّى بالقِرْطَاس والدِّيباجِ والدِّعْلِبَة والدِّعْبِلُ والعَيْطَمُوس.

ورُوِي عن إِبراهِيمَ النَّخَعِيّ أَنه كان له طَيْلَسَانٌ مُدَبَّجٌ، قالوا المُدَبَّجُ كمُعَظَّم، هو المُزَيَّنُ بِهِ أَي زُيِّنَتْ أَطْرَافُه بالدِّيباجِ.

والمُدَبَّجُ الرَّجُلُ القَبِيحُ الوَجْهِ والرَّأْسِ والخِلْقَةِ.

وفي التهذيب: المُدَبَّجُ: ضَرْبٌ مِن الهَامِ وطائرٌ مِن طَيْرِ الماءِ قَبِيحُ الهَيْئَة، يقال له أَغْبَرُ مُدَبَّجٌ مُنْتفِخُ الرِّيشِ قَبِيحُ الهَامَةِ، يكون في الماءِ مع النُّحَامِ.

ومن المجاز مَا فِي الدَّارِ دِبِّيجٌ كسِكِّينٍ؛ أَي ما بها أَحدٌ، لا يُستعمَل إِلّا في النَّفْيِ، وفي الأَساس: أَي إِنْسانٌ.

قال ابن جِنِّي: هو فِعِّيل من لفظ الدِّيبَاج ومعناه، وذلك أَن النّاس هم الذين يَشُونَ الأَرْضَ، وبهم تَحْسُن، وعلى أَيديهم وبِعَمارتهم تَجْمُلُ.

وحكى الفَرَّاءُ، عن الدُّبَيْرِيّة: ما في الدَّار شَفْرٌ ولا دِبِّيجٌ، ولا دَبِّيجٌ، ولا دِبِّيٌّ، ولا دَبِّيٌّ، قال: قال أَبو العبّاس: والحاءُ أَفصحُ اللُّغَتَيْنِ، قال الجوهَرِيّ: وسأَلْت عنه في البَادِيَة جَمَاعَةً مِن الأَعْرَاب، فقالوا: ما في الدّار دِبِّيٌّ، قال: وما زادوني على ذلك، قال: ووجدت بخطِّ أَبي مُوسى الحَامِض ما في الدار دِبِّيجٌ، مُوَقَّعٌ بالجِيم عن ثعلب، قال أَبو منصور: والجيم في دِبِّيج مبدلَةٌ من الياءِ في دِبِّيّ، كما قالوا صِيصِيٌّ وصِيصِجٌ، ومُرِّيّ ومُرّجّ، ومثله كثيرٌ.

* ومما بَقِيَ على المُصَنّف من هذه المادة: من المجاز: دَبَجَ الأَرْضَ المَطَرُ يَدْبُجُها دَبْجًا: رَوَّضَهَا؛ أَي زَيَّنها بالرِّياض، وأَصبحَت الأَرْضُ مُدَبَّجَةً.

والدِّيبَاجَتَانِ: هما الخَدَّانِ، وقيل: هما اللِّيتَانِ، قال ابنُ مُقْبِلٍ:

يَسْعَى بِهَا بَازِلٌ دُرْمٌ مَرَافِقُه *** يَجْرِي بِدِيبَاجَتَيْهِ الرَّشْحُ مُرْتَدِعُ

الرَّشْحُ: العَرَقُ. والمُرْتَدِع هنا: الذي عَرِقَ عَرَقًا أَصْفَرَ، تَشْبِيهًا بالخَلُوقِ. والبازِلُ من الإِبل الذي له تسْعُ سِنينَ، ورُويَ «فُتْلٌ مَرَافِقُه» والفُتْل: التي فيها انْفِتَالٌ وتباعُدٌ عن زَوْرِهَا، وذلك محمودٌ فيها.

ولهذه القصيدةِ دِيباجَةٌ حَسَنَةٌ، إِذا كانَت مُحَبَّرَةً، وما أَحْسَنَ دِيبَاجَاتِ البُحْتُرِيّ: وفي اللسان: دِيبَاجَةُ الوَجْهِ ودِيبَاجُهُ: حُسْنُ بَشَرَتِه، أَنشد ابنُ الأَعْرَابِيّ للنَّجاشيّ:

هُمُ البِيضُ أَقْدَامًا ودِيباجُ أَوْجُهٍ *** كِرَامٌ إِذَا اغْبَرَّتْ وُجُوهُ الأَشائِمِ

ومنه أَخَذَ المُحَدِّثُون التَّدْبِيجَ، بمعنى رِوَايَةِ الأَقْرَانِ كُلّ واحدٍ منهم عن صاحِبه، وقيل غير ذلك.

والدِّيباجُ لَقَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ وغَيرِهِم، منهم محمّد بْنُ عبد الله بْنِ عَمْرو بن عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، وأُمّه فاطمةُ بنتُ الحُسَيْنِ، وإِسماعيلُ بْنُ إِبراهِيمَ الغَمْرِ بْنِ الحَسَن بن الحَسَنِ بن عَلِيٍّ، ومحمَّدُ بْنُ المُنْذِرِ بْنِ الزُّبيرِ بْنِ العَوَّام، لجمَالِهِم ومَلاحتهم.

وأَبو الطّيّب مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ [محمد بن] المُهَلَّب الدِّيباجِيّ إِلى صَنْعَةِ الدِّيباج، روى عن [يعقوب] الدَّوْرَقيِّ وأَبي الأَشْعثِ [أَحمد بن المقدام] العِجْلِيّ وغيرِهما.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


92-تاج العروس (سكر)

[سكر]: سَكِر، كفَرِحَ، سُكْرًا، بالضمّ، وسُكُرًا، بضمتين، وسَكْرًا، بالفتح، وسَكَرًا، محَرَّكَةً، وهو المنصوص عليه في الأُمّهات، وسَكَرانًا، بالتَّحْرِيك أَيضًا: نَقِيضُ صَحَا، ومثله في الصّحاحِ والأَساسِ والمِصباح.

والذي في المفردات للراغب، وتبعه المُصَنِّف في البَصَائِرِ: أَن السُّكْرَ: حالَةٌ تَعْترِضُ بين الْمرءِ وعَقْلِه، وأَكثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ ذلك في الشّراب المُسْكِرِ، وقد يكون من غَضَبٍ وعِشْقٍ ولذلك قال الشاعر:

سُكْرانِ سُكْرُ هَوًى وسُكْرُ مُدَامَةٍ *** أَنَّى يُفِيقُ فَتًى به سُكْرَانِ

فهُوَ سَكِرٌ، ككَتِفٍ، وسَكْرانُ بفتح فسُكُون، وهو الأَكثر.

وهي سَكِرَةٌ، كفَرِحَة، وسَكْرَى، بالأَلف المَقْصُورَة، كصَرْعَى وجَرْحَى.

قال ابنُ جِنِّي، في المُحْتَسِب: وذلك لأَنَّ السُّكْرَ عِلَّةٌ لَحِقَتْ عُقُولَهُم، كما أَنّ الصَّرَعَ والجُرْحَ عِلَّة لَحقَتْ أَجسامَهم، وفَعْلَى في التَّكْسِيرِ مما يَخْتَصُّ به المُبْتَلَوْنَ.

وسَكْرَانَةٌ، وهذِه عن أَبي عليّ الهَجَرِيّ في التَّذْكِرَة، قال: ومن قال هذا وَجَبَ عليه أَن يَصْرِفَ سَكْرَان في النَّكِرَة، وعَزَاهَا الجَوْهَرِيّ والفَيُّومِيّ لبَنِي أَسَدَ، وهي قَلِيلَةٌ كما صَرَّح بِهِ غيرُهُما، وزاد المُصَنّف في البَصَائِر في النُّعُوتِ بعد سَكْرَانَ سِكِّيرًا، كسِكِّيت.

وقال شيخُنَا ـ عند قوله: وهي سَكِرَة ـ: خالَفَ قاعِدَتَه، ولم يَقُلْ وهي بهاءٍ، فوجَّه أَن سَكْرَى في صِفَاتِها ولو قال: «وهو سَكِرٌ وسَكْرَان، وهي بهاءٍ فيهِمَا وسَكْرَى، لجَرَى على قاعِدَتِه، وكان أَخْصَرَ. الجمع: سُكَارَى، بالضّمّ، وهو الأَكْثَرُ، وسَكَارَى، بالفَتْحِ، لُغَةٌ للبَعْضِ، كما في المِصْباحِ.

وقال بعضُهُمْ: المَشْهُورُ في هذه البِنْيَةِ هو الفَتْحُ، والضَّمّ لُغَةٌ لكثيرٍ من العَرَبِ، قالوا: ولم يَرِدْ منه إِلّا أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ: سَكَارَى وكَسَالَى وعَجَالَى وغَيَارَى، كذا في شرحِ شيخِنَا.

وفي اللّسَانِ قولُه تعالى: {وَتَرَى النّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى} لم يَقْرَأْ أَحَدٌ من القُرَّاءِ سَكارَى، بفتح السين، وهي لُغَة، ولا تجوزُ القرَاءَةُ بها؛ لأَنّ القراءَةَ سُنَّة.

وقُرئَ سَكْرَى وما هُمْ بَسَكْرَى، وهي قراءَةُ حَمْزَةَ والكِسائِيّ، وخَلَف العاشر، والأَعْمَش الرابع عشر، كذا في إِتْحَافِ البَشَرِ تَبَعًا للقَباقِبِيّ في مِفْتَاحه، كذا أَفَادَهُ لنا بعضُ المُتْقِنِينَ، ثم رأَيت في المُحْتَسِب لابن جِنِّي قد عَزا هذه القراءَةَ إِلى الأَعْرَج والحَسَن بخلاف.

قال شيخُنَا: وحكى الزَّمَخْشَرِيّ عن الأَعْمَش أَنه قُرِئَ: سُكْرَى، بالضّمّ، قالوا: وهو غريب جِدًّا؛ إِذ لا يُعْرَف جمْعٌ على فُعْلَى بالضمّ، انتهى.

قلْت: ويَعْنِي به في سورة النساءِ: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأَنْتُم سُكْرَى وهو رواية عن المطوّعيّ عن الأَعمش، صرَّح بذلك ابنُ الجَزَرِيّ في النّهَاية، وتابعه الشيخُ سُلْطَان في رسائِلِه، وظاهِرُ كلامِ شيخِنَا يقتضي أَنه رواية عن الأَعْمَشِ في سُورَةِ الحَجّ، وليس كذلك ولذا نَبَّهْتُ عليه، فتأَمَّل.

ثم رأَيت في المُحْتَسِب لابن جِنِّي قال: ورَوَيْنَا عن أَبي زُرْعَة أَنه قَرَأَها ـ يعني في سورة الحَجّ ـ سُكْرَى، بضمّ السين، والكاف ساكنة، كما رواه ابنُ مُجَاهِد عن الأَعْرَجِ والحَسَن بخلاف.

وقال أَبُو الهَيْثَم: النَّعْتُ الذي على فَعْلان يُجْمَع على فَعَالَى وفُعالَى مثل أَشْران وأَشارَى وأُشَارَى، وغَيْرَان وقومٌ غَيارَى وغُيَارى.

وإِنما قالوا: سَكْرَى، وفَعْلَى أَكْثَرُ ما تجي‌ءُ جَمْعًا لفَعِيلٍ بمعنى مَفْعُول، مثل: قَتَيل وقَتْلَى وجَرِيح وجَرْحى وصَرِيع وَصَرْعَى؛ لأَنه شُبّه بالنَوْكَى والحَمْقَى والهَلْكَى؛ لزوالِ عَقْلِ السُّكْرَان، وأَما النَّشْوَانُ فلا يُقَال في جَمْعِه غير النَّشاوَى.

وقال الفرَّاءُ: لو قِيلَ: سَكْرَى، على أَنَّ الجَمْعَ يقعُ عليهِ التَّأْنِيثُ، فيكون كالواحِدَةِ، كان وَجْهًا، وأَنشد بعضُهم:

أَضْحَتْ بَنُو عامِرٍ غَضْبَى أُنُوفُهمُ *** إِني عَفَوْتُ فلا عارٌ ولا بَاسُ

وقال ابنُ جِنِّي ـ في المُحْتَسِب ـ: أَمّا السَّكَارَى بفتح السين فتَكْسِيرٌ لا مَحَالَة، وكأَنّه مُنْحَرَفٌ به عن سَكَارِينَ، كما قالوا: نَدْمَانُ ونَدَامَى، وكأَنَّ أَصْلَه نَدَامِين، كما قالوا ـ في الاسم ـ: حَوْمانَة وحَوامِينَ، ثم إِنَّهُم أَبدَلُوا النّون ياءً، فصار في التَّقْدِير سَكَارِيُّ كما قالوا: إِنْسَانٌ وأَناسِيّ، وأَصلُها أَناسِينُ، فأَبْدَلُوا النونَ ياءً، وأَدْغَمُوا فيها ياءَ فَعاليل، فما صار سَكَارِيّ حذَفُوا إِحدَى الياءَيْن تخفيفًا، فصار سَكارِي، ثم أَبدلوا من الكسرةِ فَتْحَةً، ومن الياءِ أَلفًا، فصار سَكَارَى، كما قالوا في مدارٍ وصحارٍ ومعايٍ مدارَا وصَحارَا ومَعايَا.

قال: وأَما سُكارى بالضّم، فظاهرُه أَن يكون اسمًا مُفْرَدًا غير مُكَسَّرٍ، كحُمَادَى وسُمانَى وسُلامَى، وقد يجوزُ أَن يكون مُكَسَّرًا، ومِمّا جاءَ على فُعال، كالظُّؤارِ والعُرَاقِ والرُّخالِ، إِلّا أَنَّه أُنِّثَ بالأَلفِ، كما أُنِّثَ بالهاءِ في قولهم: النُّقاوَة. قال أبو عليّ: هو جمع نَقْوَة، وأُنِّث كما أُنِّثَ فِعَالٌ، في نحو حِجَارَة وذِكَارَةٍ وعِبَارَة، قال: وأَمّا سُكْرَى، بضمّ السين فاسمٌ مُفْرَدٌ على فُعْلَى، كالحُبْلَى والبُشْرَى، بهذا أَفتانِي أَبو عليّ وقد سأَلْتُه عن هذا. انتهى.

وقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى}. قال ثعلب: إِنَّمَا قِيلَ هذا قَبْلَ أَنْ يَنْزِل تَحْرِيمُ الخَمْرِ. وقال غيره: إِنَّمَا عَنَى هنا سُكْرَ النَّوْم، يقول: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ رَوْبَى.

والسِّكِّيرُ، كسِكِّيت، والمِسْكِيرُ، كمِنْطِيقٍ، والسَّكِرُ، ككَتِف، والسَّكُورُ، كصَبُورٍ، الأَخِيرَةُ عن ابن الأَعرابيّ: الكَثِيرُ السُّكْرِ.

وقيل: رَجُلٌ سِكِّيرٌ، مثل سِكِّيتٍ: دائِمُ السُّكْرِ، وأَنشدَ ابنُ الأَعرابِيّ: لعَمْرِو بنِ قَميئَةَ:

يا رُبَّ من أَسْفَاهُ أَحْلامُه *** أَنْ قِيلَ يَوْمًا: إنَّ عَمْرًا سَكُورْ

وأَنشد أَبو عَمْرٍو له أَيضًا:

إِن أَكُ مِسْكِيرًا فلا أَشرَبُ الوَغْ *** لَ ولا يَسْلَمُ منِّي البَعِيرْ

وجَمْعُ السِّكِر، ككَتِفٍ، سُكَارَى، كجمْع سَكْرَان؛ لاعْتقابِ فَعِل وفَعْلَان كَثِيرًا على الكلمة الواحدة.

وفي التنزيل العزيز: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}.

قال الفَرّاءُ: السَّكَرُ، مُحَرَّكَةً: الخَمْرُ نفسُها قبل أَن تُحَرَّم، والرِّزْقُ الحَسَنُ: الزَّبِيبُ والتَّمْرُ وما أَشبَهَهُمَا، وهو قولُ إِبراهِيم، والشَّعْبِيّ وأَبي رُزَيْن.

وقَولهم: شَرِبْتُ السَّكَرَ: هو نَبِيذُ التَّمْرِ، وقال أَبو عُبَيْد: هو نَقِيعُ التَّمرِ الذي لم تَمَسّه النّارُ، ورُوِيَ عن ابن عُمَر، أَنّه قال: السَّكَرُ من التَّمْر، وقيل: السَّكَرُ شرابٌ يُتَّخَذُ من التَّمْرِ والكَشُوثِ والآسِ، وهو مُحَرَّم، كتَحْرِيمِ الخَمْر.

وقال أَبو حَنيفة: السَّكَرُ يُتَّخَذُ من التمر والكَشُوثِ، يُطْرَحَان سافًا سافًا، ويُصَبُّ عليه الماءُ، قال: وزعمَ زاعمٌ أَنه رُبَّمَا خُلِطَ به الآسُ فزادَهُ شِدَّةً. وقال الزَّمَخْشَرِيّ في الأَساس: وهو أَمَرُّ شرابٍ في الدُّنْيَا.

ويقال: السَّكَرُ: كُلّ ما يُسْكِرُ ومنه‌قول رسول الله صلى الله عَلَيه وسلّم: «حُرِّمَت الخَمْرُ بعَينِها والسَّكَرُ من كُلِّ شَرَابٍ»، رواه أَحمد، كذا في البصائر للمُصَنّف، وقال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا رواه الأَثْباتُ، ومنهم من يَرْوِيه بضَمّ السِّين وسكون الكاف؛ يريدُ حالةَ السَّكْرَان، فيجعلون التَّحْرِيم للسُّكْرِ لا لنفْس المُسْكِر، فيُبِيحُون قليلَه الذي لا يُسْكِرُ، والمشهور الأَوّل.

ورُوِيَ عن ابنِ عبّاس في هذه الآية السَّكَر: ما حُرِّمَ من ثَمَرَةٍ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّم، وهو الخَمْرُ، والرِّزْقُ الحَسَن: ما أُحِلَّ من ثَمَرَةٍ، من الأَعْنَابِ والتُّمُورِ، هكذا أورده المصنِّف في البصائر. ونصّ الأَزهريّ في التهذيب عن ابنِ عَبّاس: السَّكَرُ: ما حُرِّمَ من ثَمَرَتِهَا، والرِّزْقُ [الحسنُ] ما أُحِلّ من ثَمَرَتِها. وقال بعضُ المُفَسِّرين: إِنَّ السَّكَرَ الذي في التَّنْزِيل، هو: الخَلُّ، وهذا شَيْ‌ءٌ لا يَعْرفُه أَهلُ اللُّغَة، قاله المُصَنّف في البصائر.

وقال أَبو عبيدة وحده: السَّكَرُ: الطَّعَامُ، يقول الشّاعر:

جَعَلْتَ أَعْرَاضَ الكِرَامِ سَكَرَا

أَي جَعَلْتَ ذَمَّهُمْ طُعْمًا لك، وأَنْكَره أَئِمَّةُ اللّغَة.

وقال الزَّجَّاج: هذا بالخَمْرِ أَشْبَهُ منه بالطَّعام، والمَعْنَى [جعلتَ] تَتَخَمَّرُ بأَعْرَاضِ الكِرَام. وهو أَبْيَنُ مما يُقال للذي يَبْتَرِك في أَعْرَاضِ النّاسِ.

وعن ابنِ الأَعْرَابِيّ: السَّكَرُ: الامتِلاءُ والغَضَبُ والغَيْظُ، يقال: لَهُم عليَّ سَكَرٌ؛ أَي غَضَبٌ شَدِيدٌ، وهو مَجَاز، وأَنْشَدَ اللِّحْيَانِيّ، وابنُ السِّكِّيتِ:

فجَاؤُونَا بِهمْ سَكَرٌ عَلَيْنَا *** فأَجْلَى اليَوْمُ والسَّكْرَانُ صاحِي

والسكَرَةُ، بهاءٍ الشَّيْلَمُ، وهي المُرَيْرَاءُ التي تكونُ في الحِنْطَة.

والسَّكْرُ، بفتح فسكون: المَل‌ءُ، قال ابنُ الأَعرابيّ: يقال: سَكَرْتُهُ: مَلأْتُه والسَّكْرُ: بَقْلَةٌ مِنَ الأَحْرَارِ، عن أَبي نَصْر، وهُوَ مِنْ أَحْسَنِ البُقُولِ، قال أَبو حنيفة: ولم تبْلُغْنِي لها حِلْيَةٌ.

والسَّكْرُ: سَدُّ النَّهْرِ، وقد سَكَرَه يَسْكُرُه، إِذا سَدَّ فاهُ، وكلُّ بَثْق سُدَّ فقدْ سُكِرَ.

والسِّكْرُ، بالكَسْرِ: الاسْمُ مِنْهُ، وهو العَرِمُ، وكلّ ما سُدَّ به النَّهْرُ والبَثْقُ ومُنْفَجَرُ الماءِ، فهو سِكْرٌ، وهو السِّدَادُ، وفي الحديث: «أَنه قال للمُسْتَحاضَةِ ـ لمّا شَكَتْ إِليه كَثْرَةَ الدَّمِ ـ: اسْكُرِيه» أَي سُدِّيهِ بِخِرْقَةٍ، وشُدِّيهِ بِعِصابَةٍ، تشْبِيهًا بسَكْرِ الماءِ. والسِّكْرُ أَيضًا: المُسَنَّاةُ، الجمع: سُكُورٌ، بالضمّ.

ومن المَجاز: سَكَرَتِ الرّيحُ تَسْكُرُ سُكُورًا، بالضمّ، وسَكَرانًا، بالتَّحْرِيك: سَكَنَتْ بعد الهُبُوبِ، ورِيحٌ ساكِرَةٌ، وليلَةٌ ساكِرَةٌ: ساكِنَةٌ لا رِيحَ فيها، قال أَوسُ بنُ حَجَر:

تُزَادُ لَيالِيّ في طُولِهَا *** فلَيْسَتْ بطَلْقٍ ولا ساكِرَهْ

والسَّكْرَانُ: وادٍ بمَشَارِف الشام من نَجْد، وقيل: وادٍ أَسْفَلَ من أَمَج عن يَسَارِ الذاهب إِلى المَدِينَة، وقيل جَبَلٌ بالمدِينَة أَو بالجَزِيرَةِ، قال كُثَيِّر يصفُ سَحابًا:

وعَرّسَ بالسَّكْرَانِ يَوْمَيْنِ وارْتَكَى *** يَجُرّ كما جَرّ المَكِيثَ المُسَافِرُ

والسَّيْكُرانُ كضَيْمُران: نَبْتٌ قال ابنُ الرِّقاعِ:

وشَفْشَفَ حَرُّ الشَّمْسِ كُلَّ بَقِيَّةٍ *** من النَّبْتِ إِلّا سَيْكُرَانًا وحُلَّبَا

قال أَبو حَنِيفَةَ: هو دائِمُ الخُضْرَةِ القَيْظَ كُلَّه، يُؤْكَلُ رَطْبًا، وحَبُّه أَخْضَرُ، كحَبِّ الرّازِيانج إِلا أَنّه مُسْتَدِيرٌ، وهو السُّخَّرُ أَيضًا.

والسَّيْكَرَانُ: موضع.

وسُكَر كزُفَر: موضع، على يَوْمَيْنِ من مِصْر من عَملِ الصَّعِيدِ، قيل: إِنّ عبدَ العَزِيزِ بنَ مَرْوَانَ هَلَك بِهَا. قلت: ولعلّه أَسْكَرُ العَدَوِيَّة، من عملِ إِطْفِيح، وبه مَسْجِدُ موسَى عليه‌السلام، قال الشَّريشي ـ في شرح المقامات ـ: وبها وُلدِ.

والسُّكَّر، بالضمّ وشَدّ الكافِ، من الحَلْوَى، معروف، مُعَرّبُ شَكَرَ، بفتحتين، قال:

يَكُونُ بعدَ الحَسْوِ والتَّمَزُّرِ *** في فَمِه مِثْلَ عَصِيرِ السُّكَّرِ

واحِدَتُه بهاءٍ وقولُ أَبِي زِيَاد الكِلابيّ ـ في صفة العُشَرِ ـ: وهو مُرٌّ لا يأْكُلُه شيْ‌ءٌ، ومَغَافِيرُه سُكَّرٌ، إِنّمَا أَرادَ مثلَ السُّكَّرِ في الحَلَاوَة.

ونقلَ شيخُنا عن بعضِ الحُفّاظ أَنّه جاءَ في بعض أَلفاظِ السُّنّةِ الصَّحِيحة، في وَصْف حَوْضِه الشَّرِيفِ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم «ماؤُه أَحْلَى من السُّكَّرِ» قال ابن القَيِّمِ وغيره: ولا أَعْرِفُ السُّكَّر جاءَ في الحَدِيث إِلّا في هذا المَوْضِع، وهو حادِثٌ لم يَتَكَلَّمْ به مُتَقَدِّمُو الأَطبّاءِ ولا كانوا يَعْرِفُونَه، وهو حارٌّ رَطْبٌ في الأَصَحّ، وقيل: بارِدٌ، وأَجودُه الشَّفّاف «الطَّبَرْزَدْ» وَعَتِيقُه أَلْطَفُ من جَدِيدِه، وهو يَضُرّ المَعِدَةَ التي تَتَوَلَّدُ منها الصَّفْرَاءُ؛ لاستِحَالَتِه إِليها، ويَدْفَعُ ضَرَرَه ماءُ اللِّيمِ أَو النّارَنْجِ.

والسُّكَّرُ: رُطَبٌ طَيِّبٌ، نَوْع منه شَدِيدُ الحَلَاوَةِ، ذَكَرَه أَبو حاتم في كِتَابِ النَّخْلَة، والأَزْهَرِيّ في التَّهْذِيبِ، وزاد الأَخِيرُ: وهو مَعْرُوفٌ عند أَهْلِ البَحْرَيْنِ، قال شيخُنا: وفي سِجِلْمَاسَة ودَرْعَة، قال: وأَخبرَنا الثِّقَاتُ أَنّه كثيرٌ بمدينة الرَّسُول صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، إلَّا أَنَّه رُطَبُ لا يُتْمِرُ إِلّا بالعِلَاجِ.

والسُّكَّرُ: عِنَبٌ يُصِيبُه المَرَقُ فيَنْتَثِرُ فلا يَبْقَى في العُنْقُودِ إِلّا أَقَلّه، وعَنَاقِيدُه أَوْسَاطٌ، وهو أَبْيَضُ رَطْبٌ صادِقُ الحَلَاوَةِ عَذْبٌ، وهُوَ من أَحْسَنِ العِنَبِ وأَظْرَفِه، ويُزَبَّبُ أَيضًا، والمَرَقُ، بالتَّحْرِيك: آفَةٌ تُصِيبُ الزَّرْعَ.

والسُّكَّرَةُ: ماءَةٌ بالقَادِسِيَّةِ، لحَلَاوَةِ مائِها.

وابْنُ سُكَّرَةَ: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الله بنِ مُحَمَّد، أَبو الحَسَن الشَّاعِرُ المُفْلِقُ الهَاشِمِيُّ الزَّاهِدُ المَعْرُوفُ بَغْدَادِيٌّ، من ذُرِّيَّةِ المَنْصُورِ، كَان خَلِيعًا مشهورًا بالمُجُون، تُوُفِّيَ سنة 385.

وأَبو جَعْفَر عَبدُ الله بنُ المُبَارَكِ بنِ الصَّبّاغِ، يُعْرَفُ بابْنِ سُكَّرَةَ، رَوَى عن قاضِي المَرِسْتَان. والقاضِي أَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُهَيْرَةَ بنِ حَيُّونَ السَّرَقُسْطِيّ الأَنْدَلُسِيُ الحافِظ ابْن سُكَّرَةَ، وهو الذي يُعَبِّر عنه القاضِي عِياضٌ في الشِّفَا بالشَّهِيد، وبالصَّدَفِيّ، إِمامٌ جليلٌ واسع الرِّحْلَةِ والحِفْظِ والرِّوَايَةِ والدِّراية والكِتَابة والجِدّ، دَخَل الحَرَمَيْن وبَغْدَادَ والشّام، ورَجَعَ إِلى الأَنْدَلُس بعِلْم لا يُحْصَر، وله ترْجَمَةٌ واسعة في شُروحِ الشِّفَاءِ.

وسُكَّرٌ، بلا لام وهاءٍ: لَقَبُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، وفي بعض النّسخ أَحْمَد بن سَلْمَانَ الحَرْبِيّ المُحَدّث، مات بعد السِّتِّمِائَة.

وأَبُو الحَسَن عليُّ بنُ الحَسَنِ، ويقال: الحُسَيْن بنِ طَاوُوسِ بنِ سُكَّرِ بنِ عبدِ الله، الدَّيُرعاقُولِيّ مُحَدِّثٌ واعظٌ، نزيلُ دِمَشْق، رَوَى بها عن أَبِي القاسِمِ بن بِشْرَانَ وغيرِه، ومات بِصُور سنة 484.

وفَاتَهُ:

عليُّ بنُ محمَّدِ بنِ عُبَيْد بن سُكَّر القارِئ المِصْرِيّ، كتب عنه السِّلَفِيّ.

وأَمَةُ العَزِيز سُكَّرُ بنْتُ سَهْلِ بنِ بِشْرٍ، رَوَى عنها ابنُ عَسَاكِر.

ومحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ مُحَمّدِ بنِ عَلِيّ بن ضِرْغَام، عُرِفَ بابن سُكَّرٍ الْمِصْرِيّ نَزِيلُ مكّة، سمعَ الكَثِيرَ، وقَرأَ القِرَاءَات، وكتبَ شيئًا كثيرًا.

وأَخوه أَحْمَدُ بنُ عَلِيّ بن سُكَّر الغَضَائِرِيّ، حَدَّث عن ابنِ المِصْرِيّ وغيره.

قلْت: وقد رَوَى الحافظُ ابنُ حَجَر عن الأَخِيرَيْنِ.

قلْت: وأَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُ بنُ علِيِّ بن حَيْدَرَةَ بنِ مُحَمّدِ بنِ القاسِمِ بن مَيْمُونِ بنِ حَمْزَةَ العَلَوِيّ، عُرِفَ بابن سُكَّر، من بيتِ الرِّياسَةِ والنُّبْلِ، حَدَّثَ، تَرْجَمَه المُنْذِرِيّ.

وعَمّ جَدِّه، أَبو إِبراهيمَ أَحمَدُ بنُ القَاسِم الحافِظ المُكْثِرُ.

وككَتِفٍ، سَكِرٌ الواعِظُ، ذَكَرَهُ البُخَارِيّ في تَارِيخِه، هكذا في سائِرِ النُّسَخ التي بأَيْدِينا، وقد راجَعْت في تارِيخِ البُخَارِيّ فلم أَجِدْهُ، فرأَيْتُ الحافِظَ ابنَ حَجَر ذَكَرَهُ في التَّبْصِيرِ أَنه ذَكَرَهُ ابنُ النّجّار في تاريخه، وأَنه سمِعَ منه عُبَيْدُ الله بن السَّمَرْقَنْدِيّ. فظَهَر لي أَنّ الذي في النُّسَخِ كلِّهَا تَصْحِيفٌ.

والسَّكَّارُ، ككَتّانٍ: النَّبَّاذُ والخَمّارُ.

ومن المَجَاز: سَكْرَةُ المَوْتِ والهَمِّ والنَّوْمِ: شِدَّتُه وهَمُّه وغَشْيَتُه التي تَدُلّ الإِنسانَ على أَنَّه مَيِّتٌ.

وفي البصائر ـ في سَكْرَةِ المَوْتِ ـ قال: هو اخْتِلاطُ العَقْلِ؛ لشِدَّةِ النَّزْعِ، قال اللهُ تَعالى: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وقد صَحّ عن رسول اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم «أَنَّهُ كان عِنْدَ وَفاتِه يُدْخِلُ يَدَيْهِ في الماءِ، فيَمْسَحُ بهما وَجْهَهُ، يقولُ: لا إِلهَ إِلّا الله، إِنّ للمَوْتِ سَكَرَاتٍ، ثمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فجَعَلَ يقولُ: الرَّفِيق الأَعْلَى، حتَّى قُبِضَ، ومالَتْ يَدُه».

وسَكَّرَه تَسْكِيرًا: خَنَقَه، والبَعِيرُ يُسَكِّرُ آخَرَ بذِراعِه حتّى يكاد يَقْتُلُه.

ومن المَجَاز: سُكِرَتْ أَبْصَارُهُم وسُكِّرَتْ، وسُكِّرَ بَصَرُهُ: غُشِيَ عَلَيْه، وقوله تعالى: {لَقالُوا: إِنَّما سُكِّرَتْ} أَبْصارُنا أَي حُبِسَتْ عَنِ النَّظَرِ، وحُيِّرَتْ، أَو معناهَا غُطِّيَتْ وغُشِّيَتْ، قاله أَبو عَمْرِو بن العَلاءِ، وقرأَها الحَسَن سُكِرَتْ، بالتَّخْفِيفِ؛ أَي سُحرَتْ، وقال الفرّاءُ: أَي حُبِسَتْ ومُنِعَتْ من النَّظَرِ.

وفي التهذيب: قُرِئ سُكِرَتْ وسُكِّرَتْ، بالتخفيف والتشديد، ومعناهما: أُغْشِيَتْ وسُدَّتْ بالسِّحْر، فيتَخَايَلُ بأَبْصَارِنَا غَيْرُ ما نَرَى.

وقال مُجاهد: {سُكِّرَتْ أَبْصارُنا} أَي سُدَّتْ، قال أَبو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ مُجَاهِدٌ إِلى أَن الأَبْصارَ غَشِيَهَا ما مَنَعَها من النَّظَر، كما يَمْنَع السّكْرُ الماءَ من الجَرْيِ.

وقال أَبو عُبَيْدَةَ: سُكِّرَتْ أَبصارُ القَوْمِ، إِذا دِيرَ بِهِمْ، وغَشِيَهُم كالسَّمادِيرِ، فلم يُبْصِرُوا.

وقال أَبو عَمْرو بن العَلَاءِ: مأْخُوذٌ من سُكْرِ الشَّرَابِ، كأَنّ العينَ لَحِقَهَا ما يَلْحَقُ شارِبَ المُسْكِرِ إِذا سَكِرَ. وقال الزَّجّاج: يقال: سَكَرَتْ عينُه تَسْكُر، إِذا تَحَيَّرَتْ وسَكَنَتْ عن النَّظَرِ.

والمُسَكَّرُ، كمُعَظَّم: المَخْمُورُ، قال الفَرَزْدَقُ:

أَبَا حَاضِرٍ مَنْ يَزِنِ يُعْرَفْ زِنَاؤُه *** ومن يَشْرَبِ الخُرْطُومَ يُصْبِحْ مُسَكَّرَا

* وممّا يستدرك عليه:

أَسْكَرَه الشّرَابُ، وأَسْكَرَه القريصُ وهو مَجاز.

ونقل شيخنا عن بعضٍ تَعْدِيَتَه بنفْسه؛ أَي من غير الهمزة، ولكن المشهور الأَوَّل.

وتَساكَرَ الرَّجُلُ: أَظْهَرَ السُّكْرَ واسْتَعْمَلَه، قال الفَرَزْدَقُ:

أَسَكْرَانَ كانَ ابنُ المَراغَةِ إِذ هَجَا *** تَمِيمًا بَجَوْفِ الشَّأْمِ أُم مُتَساكِرُ

وقولُهم: ذَهَبَ بينَ الصَّحْوَةِ والسَّكْرَة إِنّمَا هو بَيْنَ أَن يَعْقِلَ ولا يَعْقِل.

والسَّكْرَةُ: الغَضْبَةُ.

والسَّكْرَةُ: غَلَبَةُ اللَّذَّةِ على الشّبَابِ. وسَكِرَ من الغَضَبِ يَسْكَرُ، من حَدّ فَرِحَ، إِذا غَضِبَ.

وسَكَرَ الحَرُّ: سَكَنَ، قال:

جاءَ الشِّتاءُ واجْثَأَلَّ القُبَّرُ *** وجَعَلَتْ عَيْنُ الحَرُورِ تَسْكُرُ

والتَّسْكِيرُ للحَاجَةِ: اخْتِلاطُ الرَّأْيِ فيها قَبْلَ أَن يعزم عليها، فإِذا عزمَ عليها ذَهَب اسم التَّسْكِير، وقد سُكِرَ.

وقال أَبو زَيْد: الماءُ السّاكِرُ: الساكن الذي لا يَجْرِي، وقد سَكَرَ سُكُورًا، وهو مَجاز. وسُكِرَ البحرُ: رَكَدَ، قاله ابنُ الأَعرابيّ، وهو مَجاز.

وسُكَيْرُ العَبّاسِ، كزُبَيْرٍ: قريةٌ على شاطئِ الخابُورِ، وله يومٌ ذَكَرَه البلاذُرِيّ.

ويُقَال للشَّيْ‌ء الحارِّ إِذا خَبَا حَرُّه وسَكَنَ فَوْرُه: قد سَكَرَ يَسْكُرُ.

ويقال سَكَرَ البَابَ وسَكَّرَهُ، إِذا سَدَّه، تَشْبيهًا بسَدِّ النَّهْرِ، وهي لغة مَشْهُورَةٌ، جاءَ ذِكرُها في بعضِ كُتُب الأَفعالِ، قال شيخنا: وهي فاشِيَةٌ في بَوَادِي إِفْرِيقِيَّةَ، ولعَلَّهُمْ أَخذوها من تَسْكِيرِ الأَنْهَارِ.

وزاد هنا صاحِبُ اللِّسَانِ، وغيره: السُّكُرْكَةُ، وهي؛ خَمْرُ الحَبَشَةِ، قال أَبو عُبَيْدٍ: هي من الذُّرَةِ.

وقال الأَزهريّ: ليست بعربيّة، وقيَّدَه شَمِرٌ بضَمّ فسُكونٍ، والراءُ مضمومَةٌ، وغيره بضم السين والكافِ وسكونِ الرّاءِ، ويُعَرّب السُّقُرْقَع، وسيأْتي للمصنّف في الكاف، وتُذكر هناك، إِن شاءَ الله تعالى.

وأَسْكُوران: من قُرَى أَصْفَهَان، منها مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ محمّدِ بنِ إِبراهِيمَ الأَسْكُورانِيّ، توفِّي سنة 493.

وأَسْكَرُ العَدَوِيّة: قَرْيَةٌ من الصَّعِيدِ، وبها وُلِد سيدُنا مُوسَى عليه‌السلام، كما في الرَّوْضِ، وقد تقدّمت الإِشارة إِليه.

والسُّكَّرِيّة: قريةٌ من أَعمالِ المُنُوفِيّة.

وبنو سُكَيْكِر: قَومٌ.

والسَّكْرَانُ: لقبُ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ للهِ بنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ الحَسَنِ الأَفْطَس الحَسَنِيّ؛ لكثرة صَلاتِه باللّيل. وعَقِبُه بمِصْرَ وحَلَبَ.

وهو أَيضًا: لقبُ الشَّرِيفِ أَبي بَكْرِ بنِ عبد الرّحْمنِ بنِ محمَّدِ بنِ عليّ الحُسَيْنِيّ، باعلوى، أَخِي عُمَرَ المِحْضَار، ووالدِ الشَّرِيفِ عبدِ اللهِ العَيْدَرُوس تُوفِّي سنة 831.

وبنو سَكْرَةَ، بفتح فسكون: قومٌ من الهاشِمِيِّين، قاله الاميرُ.

والسَّكرانُ بنُ عَمْرِو بنِ عبدِ شَمْسِ بنِ عَبْدُودٍّ، أَخُو سَهْلِ بن عَمْرٍو العامِرِيّ، من مُهاجِرَةِ الحَبَشةِ.

وأَبو الحَسَن عليُّ بنُ عبد العَزِيزِ الخَطِيب، عِمَاد الدِّين السُّكَّرِيّ، حدَّثَ، وتوفِّيَ بمصر سنة 713.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


93-تاج العروس (سفط)

[سفط]: السَّفَطُ، محرَّكَةً: الَّذِي يُعَبَّى فيه الطِّيبُ وما أَشْبَهَه من أَدَوَاتِ النِّسَاءِ. وفي المُحكم: كالجُوَالِقِ، وفي غيره: أَوْ كالقُفَّةِ، وهو عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ.

وقال ابنُ دُرَيْدٍ: أَخْبَرنا أَبو حاتِمٍ عن الأَصْمَعِيِّ أَحْسبُه عن يُونُسَ، وأَخْبَرَنا يَزِيدُ بنُ عَمْرٍو الغَنَوِيُّ عن رِجَاله، قال: مَرَّ أَعرابيٌّ بالنَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم وهو يُدْفَنُ فَقَال:

هَلاَّ جَعَلْتُم رَسُولَ الله في سَفَطٍ *** مِنَ الألُوَّةِ أَصْدَا مُلْبَسًا ذَهَبَا

وفي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْه: «فَأَصَابُوَا سَفَطَيْن‌ مَمْلُوءَيْنِ جَوْهَرًا».

وعن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ المُزَنِيِّ رَضِيَ الله عنه أَنَّه قال: لَمّا قُتِل النُّعْمان بن عَمْرِو بن مُقَرِّنٍ رضِيَ الله عنه، أَرْسَلُوا إِلى أُمَّ وَلَدِه: هل عَهِدَ إِليك النُّعمانُ؟ قالت: سَفَطٌ فيه كِتَابٌ. فجاءَتْ به ففَتَحُوه، فإِذَا فِيه: «فإِنْ قُتِل النُّعْمَان ففُلانٌ».

قلت: وأَنْشَدَ بعضُ الشُّيوخِ لأَبي حامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ المازِنيِّ القَيْسِيِّ الغَرْنَاطِيِّ:

تَكْتُبُ العِلْمَ وتُلْقِي في سَفَطْ *** ثُمّ لا تَحْفَظُ، لا تُفْلِحُ قَطّ

إِنَّمَا يُفْلِحُ مَنْ يَحْفَظُه *** بَعْدَ فَهْمٍ وتَوَقٍّ منْ غَلَطْ

ج: أَسْفَاطٌ.

قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: وفي بَعْضِ اللُّغَات يُسَمَّى القِشْرُ الَّذِي عَلَى جِلْدِ السَّمَكِ: سَفَطٌ، بالتَّحْرِيكِ، قال: وهو الجِلْدُ الَّذِي عليه الفُلُوسُ.

وقال أَبو عَمْرٍو: سَفَّطَ فُلانٌ حَوْضَهُ تَسْفِيطًا، إِذا شَرَّفَهُ وأَصْلَحَهُ ولَاطَهُ، وأَنْشَد:

حَتَّى رَأَيْت الحَوْضَ ذُو قَدْ سُفِّطَا *** ذُو فَاضَ مِن طُولِ الجِبَى فَأَفْرَطَا

قَفْرًا من الماءِ هَوَاءً أَمْرَطَا

أَرادَ بالهَوَاءِ: الفَارِغَ من الماءِ.

والسَّفِيطُ: الطَّيِّبُ النَّفْسِ، وقيل: السَّخِيُّ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ، وأَنْشَدَ للرّاجِزِ:

ماذا تُرَجِّينَ من الأَرِيطِ *** حَزَنْبَلٍ يَأْتِيكِ بالبَطِيطِ

لَيْسَ بذِي حَزْمٍ ولا سَفِيطِ

قلتُ: وهو قَوْلُ حُمَيْدٍ الأَرْقَط، وقد سَفُطَ، ككَرُمَ، سَفَاطَةً، ونَفْسُه سَفِيطَةٌ بكذا، ويُقَال: هو سَفِيطُ النَّفْسِ؛ أَي سَخِيُّها طَيِّبُها، لُغَةُ أَهْلِ الحِجَازِ: وقال الأَصْمَعِيُّ: إِنَّه لَسَفِيطُ النَّفْسِ، ومُذِلُّ النَّفْس: إِذا كان هَشًّا إِلى المَعْرُوف جَوَادًا.

والسَّفِيطُ أَيْضًا: النَّذْلُ.

وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: كُلُّ مَنْ لا قَدْرَ له من رَجُلٍ أَو شَيْ‌ءٍ فهو سَفِيطٌ، ضِدٌّ.

والسَّفِيطُ أَيْضًا: المُتَساقِطُ من البُسْرِ الأَخْضَرِ، كما في اللِّسَانِ.

والسُّفَاطَةُ، كثُمَامَةٍ: مَتَاعُ البَيْتِ، كالأَثَاثِ. نَقَلَهُ ابنُ دُرَيْدٍ.

وسَفْطُ، بالفَتْح، مُضَافةً إِلى ما سَيَأْتِي: أَسْمَاءُ قُرًى فَمِنْها: سَفْطُ أَبِي جِرْجَى، من البَهْنَساوِيّة، وقد وَرَدْتُهَا، وهي كُورَةٌ مُشْتَمِلَة على قرىً، وتُعْرَفُ الآن بسَاحِلِ أَبي جرْج، وكانَتْ سابِقًا تُضَاف إِلى قَيْس، وقد اضْمَحَلَّ حالُها، ومن قُرَاهَا بَنِي مَزار، وهي قريبةٌ من البَحْر.

وسَفْطُ العُرَفاءِ بالبَهْنَساوِيّة أَيضًا غربِيَّ النِّيلِ.

وسَفْطُ القُدُورِ، بأَسْفَلِ مِصْرَ، وهذِه الثّلاثَةُ ذَكَرَهُنَّ الصّاغَانِيُّ والأَخِيرَةُ وهي المَعْرُوفَةُ الآنَ بسَفْطِ عبدِ الله بالغَرْبِيّة، وبها تُوُفِّي عبدُ الله بن جَزْءٍ الزُّبَيْدِيّ. آخرُ من ماتَ من الصَّحابَةِ بمِصْرَ، وقبرُه ظاهِرٌ يُزَارُ، زُرْتُه مِرَارًا، رضِيَ الله عنه.

وسَفْطُ الزَّيْتِ وسَفْطُ زُرَيْق، بالشَّرْقِيَّةِ، وسَفْطُ الحِنَّاء، بها أَيْضًا، وسَفْطُ اللَّبَن، وقد سَقَطَتْ هذِه من نُسْخَةِ الشَّيخِ عبدِ الباسِطِ البُلْقِينِيّ، وسَفْطُ البَهْو، بالمرْتاحِيَّة، وهي منْشِيّةُ الأَحْمَر وسَفْط أَبِي تُرَاب، بالسَّمَنُّودِيَّة، وسَفْط سُلَيْط، بالمنُوفِيّة، وهي مُنْيَة خَلَف، وقد وَرَدْتُهَا وسَفْط كِرْدَاسَةَ، بالبُحَيْرَةِ وسَفْط قُلَيْشَانَ، بحَوْفِ رَمْسِيس، وسَفْطُ مَيْدُومٍ، بالبَهْنَساوِيّة، وهي سَفْطُ بني وَعْلَةَ، وقد وَرَدْتُها، وسَفْطُ رَشِينَ، بالبَهْنَساويَّة أَيْضًا وسَفْطُ الخَمّارةِ، بالأُشْمُونَيْن، وسَفْطُ نَهْبَا، بالجِيزِيَّةِ، ومنها مُرْهَفُ بن صَارِمِ بن فَلاحٍ الجُذَامِيُّ السَّفْطِيُّ، كتَبَ‌ عنه الزَّكِيُّ المُنْذريّ، وتَرْجَمَه في تَكْمِلَتِه. وعَبْدُ الله بنُ مُوسى السَّفْطِيُّ، رَوَى عنه ابن وَهْب. وسَفْط المُهَلَّبِيّ بالأُشْمُونين سَبْعَةَ عَشَرَ قَرْيَةً بمِصْرَ، هكَذَا في أُصُولِ القَامُوس، والصّوابُ: سَبَعَ عَشَرَةَ قَرْيَة، نبّه على ذلكَ شيخُنَا. وفي تَكْمِلَةِ المُنْذِريِّ: سَفْط: سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، كلّهَا بمِصْر في قِبْلِيّها وبَحْرِيِّها. وبَقِيَ عَلَيْه من السُّفُوط: سَفْط طُوليا بالشرقيّة، وسَفْطُ خالِد بالبُحَيْرة، وهي سَفْطُ العِنَبِ، وقد وَرَدْتُها، وسَفْطُ أَبو زِينَة، وسَفْطُ المُلُوك بالدِّنْجَاوِيَّة، وسَفْطُ البُحَيْريّة بالكُفورِ الشّاسِعَة.

والاسْتِفاطُ: الاشْتِفاف.

وقال ابنُ عَبّادٍ: رجُلٌ مُسَفَّطُ الرَّأْسِ، كمُعَظَّم؛ أَي رأْسُه كالسَّفَطِ.

قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: ويُقَال: ما أَسْفَطَ نَفْسَه عَنْكَ؛ أَي ما أَطْيَبَها. قال: ومنه اشْتِقَاق الإِسْفَنْط للخَمْرِ، كما سَيَأْتِي.

* ومِمَّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

سَفَطْتُ السَّمَكَةَ أَسْفِطُهَا سَفْطًا، إِذا قَشَرْتَ ذلِكَ السَّفَطَ عَنْهَا.

والسَّفَاطَةُ، كسَحَابَةٍ: الهشاشةُ.

والسَّفَّاطُ: صانعُ السَّفَطِ.

وسَنْسَفْط: قَرْيَة بِجزيرةِ بني نَصْرٍ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

السَّفْسَطَة: كَلِمِةٌ يُونَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا: الغَلَطُ، والحِكْمَةُ المُمَوَّهَةُ، قاله القَصّارُ والسَّعْدُ في أَوائِلِ شَرْحِ العَقَائِدِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


94-تاج العروس (حبق)

[حبق]: الحَبَقُ، مُحرَّكَةً: نَباتٌ طَيِّبُ الرّائِحَةِ حَدِيدُ الطَّعْمِ، ورَقُه كوَرَقِ الخِلافِ، منه سُهْلِيُّ ومنه جَبَلِيٌّ، وليس بمَرْعىً فارسِيَّتُه الفُوتَنْجُ.

قلتُ: إِنَّما فارِسِيَّتُه بُودِينَه، قال أَبو حَنِيفَةَ: أَخْبَرَنِي أَعرابيٌّ قال: الحَبَقُ مَجْفَرَةٌ، يُمَرَّغُ عليه الفَرَسُ فيُجْفِرُهُ، ويُجْعَلُ في المِخَدَّةِ فيُوضَعُ تحتَ رَأْسِ الإِنسانِ فيُجْفِرُه، وهو يُشْبِهُ الرَّيْحانَةَ التي تُسَمّى النَّمّام ويَكْثُر نَباتُه على الماءِ. وحَبَقُ الماءِ، وحَبَقُ التِّمْساحِ هو: الفُوتَنْجُ النَّهْرِيُّ لنَباتِه على حافاتِ الأَنْهارِ، ولأَنَّ التِّمْساحَ يأْكُلُ منه كَثِيرًا.

وحَبَقُ الفَتَى، أَو حَبَقُ الفِيل هو المَرْزَنْجُوشُ وقد ذُكِرَ في موضِعِه.

وحَبَقُ الرّاعِي: البَرَنْجاسِفُ وقد أَهملَه المُصَنِّفُ في مَوْضِعِه.

وحَبَقُ البَقَرِ هو: البابُونَجُ.

وحَبَقُ الشُّيُوخ هو: المَرْوُ ويُسَمَّى أَيضًا رَيْحانَ الشُّيُوخ.

والحَبَقُ الصَّعْتَرِيُّ، والحَبَق الكِرْمانِيُّ هو: الشّاهِسْفَرَمُ وهو سُلْطانُ الرّياحِين، ويُعْرَفُ بالرَّيْحانِ المُطْلَق، وهو الذي يُزْرَعُ في البيُوتِ.

والحَبَقُ القَرَنْفُلِيُّ هو: الفَرَنْجَمَشْكُ تفسيرُه: مِسْكُ الإِفْرِنْج.

والحَبَقُ الرَّيْحانِيُّ هو: الَّذِي يُؤْكَلُ من المُقْلِ المَكِّيِّ.

وفاتَه: الحَبَقُ النَّبَطِيُّ، وهو: رَيْحانُ الحُماحِم.

وحَبَق تُرُنْجان، وهو: الباذَرَنْجبُويَه.

والحِبْقُ، بالكَسْرِ هكذا في النُّسَخ، والصَّوابُ بكسر الباءِ، كما في العُباب واللِّسانِ والحُباقُ كالغُرابِ: الضُّراطُ قال خِداشُ بنُ زُهَيْرٍ العامِرِيُّ:

لهم حِبِقٌ والسَّودُ بَيْنِي وبَيْنَهُم *** يُدِيَّ لَكُمْ والعادِياتِ المُحَصَّبا

قال ابنُ بَرِّيّ: السَّوْدُ: اسمُ موضِعٍ ويُدِيّ: جمعُ يَدٍ، مثلُ قولِه:

فإِنّ له عِنْدِي يُدِيًّا وأَنْعُما

وأَضافَها إِلى نَفْسِه، ورواه أَبُو سَهْلٍ الهَرَوِيُّ: «يَدَيَّ لَكُمْ» وقالَ: يُقالُ: يَدَيّ لَكَ أَنْ يَكُونَ كذا، كما تَقُول: عليَّ لكَ أَنْ يكونَ كذا، ورواه الجَرْمِيُّ «يَدِي لَكُمُ» ساكنَة الياءِ، والعاديات مخفوضٌ بواوِ القَسَم.

وأَكْثَرُ اسْتِعمالِه في الإِبِلِ والغَنَمِ وقالَ اللَّيْثُ: الحَبْقُ: ضُراطُ المَعِزِ وقَدْ حَبَقَ يَحْبِقُ حَبْقًا بالفَتْحِ وحَبِقًا، ككَتِفٍ، وغُرابٍ لفظُ الاسْمِ ولفظُ المَصْدَرِ فيه سَواءٌ، وقد يُسْتَعمَلُ في الناسِ، وأَفْعالُ الضَّرْطِ كَثِيرًا ما تَجِي‌ءُ مُتَعَدِّيةً بحرفٍ، كقَوْلِهمْ: عَفَقَ بها، وحَطأَ بها، ونَفَخَ بها: إِذا ضَرَطَ، وفي حَدِيثِ المُنْكَرِ الّذِي كانَوا يَأْتُونَه في نادِيهِم: «كانُوا يَحْبِقُون فِيه».

والحَبْقَةُ: الضَّرْطَةُ وقال ابنُ دُرَيْدٍ: الضُّرَيْطَةُ الخَفِيفة، قال: وأَخْبَرَنا أَبو حاتِمٍ ـ عن أَبِي عُبَيْدَة ـ قالَ: لمّا قُتِلَ عُثمانُ رضي ‌الله‌ عنه قالَ عدِيُّ بنُ حاتِم رضي ‌الله‌ عنه: «لا تَحْبِقُ فيه عَنْزٌ» فأُصِيبَتْ عَيْنُه يومَ صِفِّين، وقُتِلَ ابنُه طَرِيفٌ، فدَخَلَ على مُعاوِيَةَ بعدَ قَتْلِ عليٍّ رضي ‌الله‌ عنهما، فقالَ: هل حَبَقَت العَنْزُ في قَتْلِ عُثْمانَ؟ فقالَ: إِي واللهِ، والتَّيْسُ الأَعْظَمُ.

ويُقال للأَمَةِ: يا حَباقِ، كقَطامِ كما يُقالُ لها: يا دَفارِ.

وقالَ الأَصْمَعِيُّ: غِذْقُ حُبَيْقٍ، كزُبَيْرٍ: تَمْرٌ دَقَلٌ أَغْبَرُ صَغِيرٌ مع طُولٍ فيه، رَدِي‌ءٌ مَنْسُوبٌ إِلى ابنِ حُبَيْقٍ، ويُقال له أَيضًا: نُبَيْقٌ، ويُقال: حُبَيْقٌ، ونُبَيْقٌ، وذَواتُ العُنَيْق: لأَنواعٍ من التَّمْرِ وفي الحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم عن لَوْنَيْنِ من التَّمْرِ: الجُعْرُور، ولَوْنِ حُبَيْقٍ» يعني في الصَّدَقَةِ.

والحُباقُ ككِتابٍ، أَو غُرابٍ وعلى الأُولَى اقْتَصَر ابنُ دُرَيْدٍ: أَبو بَطْنٍ من تَمِيم وهو لَقَبٌ له، قالَ أَبو العَرَنْدَسِ العَوْذِيُّ، من بَنِي عَوْذِ بن سَوْدٍ:

يُنادِي الحُباقَ وحِمّانَها *** وقَدْ شَيَّطُوا رَأْسَه فالْتَهَبْ

والحِبِقَّى كالزِّمِكَّى: سَيْرٌ سَرِيعٌ بالحاءِ والخاءِ، قال أَبو عُبَيْدَةَ: وهو يَمْشِي الحِبِقَّى، والدِّفِقَّى، والحِبِقَّى دُونَ الدِّفِقَّى، قالَ:

يَعْدُو الحِبِقَّى والدِّفِقَّى مِنْعَبُ

والحَبَقَةُ، مُحَرَّكَةً: الجاهِلُ عن ابْنِ عَبّادٍ، زاد الزَّمَخْشَرِيُّ: السَّفِيهُ، والجَمْعُ: حَبَقاتٌ، كشَجَرةٍ وشَجَراتٍ، وهو مَجاز.

والحِبِقَّةُ بكَسْرتينِ مُشَدَّدَةَ القافِ: القَصِيرُ نَقَلَهُ الصّاغانِيُّ.

وقالَ أَبُو عَمْرٍو: الحُبَقُ كصُرَدٍ: القَلِيلُ العَقْلِ، وهي بهاءٍ كهُبَعٍ، وهُبَعَةٍ، وأَنْشَدَ:

حِبِقَّةٌ يَتْبَعُها شَيْخٌ حُبَقْ *** وإِنْ يُوَفِّقْها لِخَيْرٍ لا تُفِقْ

والحَبْقُ بالفتحِ: الضَّرْب بالجَرِيدِ هكذا في النُّسخ والصَّواب: بالجَرِيرِ، كما هو نَصُّ المُحِيط وكذا الضَّرْبُ بالحَبْلِ، وبالسَّوْطِ.

وأَحْبَقَ القَوْمُ بما عِنْدَهُم أَي: سَلِسُوا به وأَذْعَنُوا عن أَبي عَمْرٍو.

وحَبَّقَ الرَّجُلُ مَتاعَهُ تَحْبِيقًا: إِذا جَمَعَه وأَحْكَم أَمْرَه.

وسَلَمَةُ بنُ المُحَبِّقِ، كمُحَدِّثٍ: صحابِيٌّ رضي ‌الله‌ عنه، شَهِدَ حُنَيْنًا، وفَتْحَ المَدائِن، قال أَبو أَحْمَدَ العَسْكَرِيّ في كتابِ التصحيف: المُحَبِّقُ، بكسرِ الباءِ، وأَصحابُ الحَدِيث يُصَحِّفُون ويَفْتَحُونَ الباءَ، وقال البُخارِيُّ في التارِيخِ الكَبِير: قالَ لِي رَوْحُ بنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ: اسمُ المُحَبِّق صَخْر بن عُتْبَةَ بنِ الحارِث بنِ حُصَيْن بنِ الحارِثِ بنِ عَبْدِ العَزِيز بنِ دابِغَة بنِ لِحْيانَ بنِ هُذَيْلٍ، وفي التَّكْمِلَةِ: صَخْرُ بنُ عُبَيْدٍ.

وقال ابنُ فارِس في كتابِ المَقايِيس: الحاءُ والباءُ والقافُ ليسَ عِنْدِي بأَصْلٍ يُؤْخَذُ به، ولا مَعْنَى له، ولكنّهم يَقُولُونَ: حَبَّقَ مَتاعَه: إِذا جَمَعَه، ولا أَدْرِي كيف صِحَّتُه.

* ومما يُستدركُ عليه:

الحَبْقُ، بالفتحِ: الضُّراطُ.

وقالَ ابنُ خالَوَيْهِ: جمعُ الحَبَقِ محركةً للمَأْكُولِ: حِباقٌ، بالكسرِ، وأَنْشَد:

فأَتَوْنا بدَرْمَقٍ وحِباقٍ *** وشِواءٍ مُرَعْبَلٍ وصِنابِ

قالَ ابنُ سِيدَه: والحَبَاقَى: الحَنْدَقُوقَى، لغةٌ حِيرِيَّةٌ، وهي بالعَرَبِيَّة الذُّرَقُ وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ لبعضِ العِبادِيِّينَ، كما في العُباب، وفي اللّسانِ البَغْدادِيِّينَ، وهو تحريفٌ:

ليتَ شِعْرِي مَتَى تَخُبُّ بِيَ النا *** قَةُ بين العُذَيْبِ فالصِّنِّينِ

مُحْقِبًا زُكْرَةً وخُبْزًا رُقاقًا *** وحَباقَى وقِطْعَةً من نُونِ

وما في النِّحْيِ حَبَقَةٌ، مُحَرَّكَةً، أَي: لَطْخُ وَضَرٍ، عن كُراعٍ، كقَوْلِكَ: ما في النِّحْيِ عَبَقَةٌ.

وقال ابنُ خالَوَيْهِ: الحُبَيْبِيقُ، كعُصَيْفِيرٍ: السَّيِّئُ الخُلُقِ، كما فِي اللِّسانِ، وفي العُبابِ: هو الحُبَقْبِيق.

وحَبَقُ، محرَّكَةً: ناحِيَةٌ من خَبِيصَ من أَعْمالِ كِرْمانَ، كما في المُعْجَمِ.

ويُقالُ: ظَلُّوا يَحْبِقُونَ على فُلانٍ: إِذا سَبُّوه وجَهِلُوا عليه، وهو مَجازٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


95-مجمل اللغة (ثمغ)

ثمغ: يقال: ثمغت الثوب ثمغًا، إذا صبغته صبغًا مشبعًا، قال:

تركت بني الغزيل غير فخرٍ

كأن لحاهم ثمغث بورسِ

وأخبرنا القطان عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد عن الفراء عن الكسائي: [ثمغة الجبل: أعلاه بالثاء، قال الفراء: والذي سمعت أنا نمغة بالنون.

قال ابن السكيت] ثمغت رأسه أثمغه، إذا شدختهُ.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


96-مجمل اللغة (ذا)

ذا: ذا (يقع) للإشارة.

وفلان ذو كذا، أي: صاحبه، و (يقال): لقيته ذات يوم [وذات الزمين] وذات العويم، وذات ليلة، ولقيته ذا صبوح وذا غبوق.

وأخبرنا علي بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: لم نسمعه إلا في هذه الأحرف.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


97-مجمل اللغة (صدر)

صدر: الصدر للإنسان وغيره.

والصدر: خلاف الورد.

والصدار: ثوب يغطي الرأس والصدر.

والصدار: سمة على صدر البعير.

والتصدير: حبل يصدر به البعير، إذا رد حمله إلى خلفه.

والمصدر: الأسد.

والمصدور: الذي يشتكي صدره.

وأخبرنا القطان قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد عن الأحمر، قال: صدرت عن البلاد صدرا وهو الاسم، فإن أردت المصدر جزمت (الدال)، وأنشدنا:

وليلة قد جعلت الصبح موعدها

صدر المطية حتى تعرف السدفا

صدر المطية: مصدر.

والأصدران: عرقان في الصدغين.

وصدر السهم: ما جاز من وسطه إلى مستدقه، وسمي بذلك لأنه المتقدم إذا رمي (به).

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


98-مجمل اللغة (ضنأ)

ضنأ: (يقال): ضنأت المرأة ضنأ [وضنأ] وهي ضانئة، [وأضنأت]، إذا كثر ولدها.

والضنء: الأصل والمعدن.

وفلان من ضنء صدق.

واضطنأ فلان من كذا، استحيا منه.

وأضنأ القوم، إذا كثرت ماشيتهم، وضنأ المال: كثر.

وفي معتله ضني يضني ضنى شديدًا، إذًا كان به داء مخامر كلما ظن أنه برأ نكس، وأضناه المرض.

وأخبرنا علي بن إبراهيم عن علي بن عبد العزيز عن أبى عبيد [عن أبي عمرو]: والضنو: الولد، ويقال: الضنو.

وقال الأموي عن أبي المفضل من بني سلامة: الضنوُ: الولد بالفتح، والضنءُ: الأصل، مهموز.

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


99-مقاييس اللغة (شفق)

(شَفَقَ) الشِّينُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى رِقَّةٍ فِي الشَّيْءِ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ.

فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَشْفَقْتُ مِنَ الْأَمْرِ، إِذَا رَقَقْتَ وَحَاذَرْتَ.

وَرُبَّمَا قَالُوا: شَفِقْتُ: وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ: لَا يُقَالُ إِلَّا أَشْفَقْتُ وَأَنَا مُشْفِقٌ.

فَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ:

كَمَا شَفِقَتْ عَلَى الزَّادِ الْعِيَالُ.

فَمَعْنَاهُ بَخِلَتْ بِهِ.

وَمِنَ الْبَابِ الشَّفَقُ مِنَ الثِّيَابِ، قَالَ الْخَلِيلُ: الشَّفَقُ: الرَّدِيءُ مِنَ الْأَشْيَاءِ.

وَمِنْهُ الشَّفَقُ: النُّدْأَةُ: الَّتِي تُرَى فِي السَّمَاءِ عِنْدَ غُيُوبِ الشَّمْسِ، وَهِيَ الْحُمْرَةُ.

وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلَوْنِهَا وَرِقَّتِهَا.

وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَطَّانُ، عَنِ الْمَعْدَانِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُعَاذٍ، عَنِ اللَّيْثِ عَنِ الْخَلِيلِ قَالَ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ الَّتِي بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ.

وَرَوَى ابْنُ نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق: 16].

وَرَوَى الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هِيَ الْحُمْرَةُ.

وَفِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ، قَالَ: الشَّفَقُ: الْحُمْرَةُ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّفَقُ هِيَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ سُقُوطِ الشَّمْسِ.

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ.

قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ [أَبِي] يَحْيَى، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ يَرْفَعُهُ، قَالَ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: عَلَيْهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ، وَكَانَ أَحْمَرَ.

قَالَ: هَذَا شَاهِدٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ الْحُمْرَةُ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


100-مقاييس اللغة (ضنى)

(ضَنَى) الضَّادُ وَالنُّونُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى مَرَضٍ، وَالْآخِرُ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مَهْمُوزٍ وَغَيْرِهِ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى شَيْئَيْنِ: إِمَّا أَصْلٌ وَإِمَّا نِتَاجٌ، وَالْأَصْلُ وَالنِّتَاجُ مُتَقَارِبَانِ.

فَالْأَوَّلُ الضَّنَى فِي الْمَرَضِ، يُقَالُ: ضَنِيَ يَضْنَى ضَنًى شَدِيدًا، إِذَا كَانَ بِهِ دَاءٌ مُخَامِرٌ، كُلَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرَأَ نُكِسَ.

وَأَضْنَاهُ الْمَرَضُ يُضْنِيهِ.

وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُقَالُ: ضَنَأَتِ الْمَرْأَةُ ضَنْأً، وَهِيَ ضَانِئَةٌ، وَأَضْنَأَتْ إِذَا كَثُرَ وَلَدُهَا.

وَالضِّنْءُ: الْأَصْلُ وَالْمَعْدِنُ.

وَفُلَانٌ مِنْ ضِنْءِ صِدْقٍ.

وَأَضْنَأَ الْقَوْمُ، إِذَا كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُمْ.

وَضَنَأَ الْمَالُ: كَثُرَ.

وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو: الضَّنْوُ الْوَلَدُ، وَيُقَالُ: الضِّنْوُ.

قَالَ الْأُمَوِيُّ عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ مِنْ بَنِي سَلَامَةَ: الضَّنْوُ الْوَلَدُ بِالْفَتْحِ، وَالضِّنْءُ: الْأَصْلُ، مَهْمُوزٌ.

وَمِمَّا شَذَّ عَنْ هَذَا كُلِّهِ: أَضْنَأَ فُلَانٌ مِنْ كَذَا، اسْتَحْيَا مِنْهُ.

مقاييس اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


101-تهذيب اللغة (نكع)

نكع: أبو عبيد عن أبي عمرو: النَّكِعة من النساء: الحمراء اللون.

قال: والنَّكوع: القصيرة من النساء، وجمعها نُكُع.

وأنشد لابن مقبل:

لا سُودٌ ولا نُكُعُ

وأخبرني المنذريّ عن الحرَّاني عن ابن السكِّيت قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: أحمر كالنَّكَعة، قال: وهي ثمرة النُّقاوَى، وهو نبتٌ أحمر.

قال: ويقال هو أحمر مثل نَكَعة الطُّرثوث.

قال: وأخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابيّ حكى عن بعضهم أنه قال: «فكانت عيناه أشدَّ حمرةً من النُّكعة» هكذا رواه بضم النون لنا ـ قلت: وسماعي من الأعراب نَكَعة ـ قال: وهي جَنَاةُ ثمرِ شجرة حمراءُ كالنَّبق في استدارته.

وقال اللحياني: أحمر نكِعٌ وأحمر عاتك.

وقال الليث: الأنكع: المتقشِّر الأنف، وقد نَكِع ينكَع نكَعًا مع حمرة لونٍ شديدة.

قلت: وقد رأيت نكَعة الطُّرثوث في أعلاها كأنها ثُومة ذكرِ الرجل مشربة حُمرة.

وقال الليث: يقال كسعه ونكَعه، إذا ضربَ دبرَه بظهر قدمهِ.

وأنشد:

بنِي ثُعَلٍ لا تَنكَعوا العنزَ إنّه *** بنِي ثُعَلٍ من ينكَع العنزَ ظالمُ

وقال الأصمعيّ: النَّكْع: الإعجال عن الأمر؛ يقال نكعته عن ذلك الأمر، إذا أعجلتَه.

وقال عديّ بن زيد:

تُقْنصك الخيل وتصطادك ال *** طَّير ولا تُنكَع لَهْوَ القَنِيصْ

وقال ابن الأعرابي: لا تُنكَع: لا تُمنَع.

وقال ابن شميل: المنكَع: الراجع وراءه، وقد أنكعَه.

وروى أبو ترابٍ عن واقعٍ السُّلميّ: نكَع عن الأمر ونَكلَ بمعنًى واحد.

وأنشد أبو حاتم في الإنكاع بمعنى الإعجال:

أرى إبلي لا تُنكَعُ الوِردَ شُرَّدًا *** إذا شُلَّ قومٌ عن وُرودٍ وكُعْكِعوا

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


102-تهذيب اللغة (شعف)

شعف: قال الله جلّ وعزّ: {قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يُوسُف: 30].

وقد قرىء الحرف بالعين والغين، فأخبرني المنذريّ عن الحسين بن فهم عن محمد بن سلّام، عن يونس أنه قال: مَن قرأها {شعفها حبا} فمعناه تيَّمها.

ومن قرأها: {شَغَفَها} قال: أصاب شغَافها.

وأخبرنا عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: شَعَفه الحبُّ، إذا بلغ منه.

وفلانٌ مشعوفٌ بفلانة، وقد شعفَه حبُّها.

ويقال شَعَفَ الهِناءُ البعير، إذا بلغ منه ألمه.

وقال الفراء في قوله شعفها: زعموا أن الحسنَ كان يقرأ بها.

قال: وهو من قوله شُعِفْتُ بها، كأنه قد ذهب بها كلّ مذهب.

والشَّعَف: رؤوس الجبال.

وقال أبو عبيد: الشَّعْف بالعين: إحراق الحبِّ القلبَ مع لذَّةٍ يجدها، كما أنّ البعيرَ إذا هُنِىءَ بالقَطِران يبلغ منه مثل ذلك.

وقال شمر: شَعَفَها: ذهبَ بها كلَّ مذهب.

قال: والمشعوف: الذاهبُ القلب.

وأهل هجر يقولون للمجنون: مشعوف.

وقال أبو سعيد في قوله:

كما شَعَفَ المنهوءَةَ الرجلُ الطالِي

يقول: أحرقْتُ فؤادها بحبِّي كما أحرقَ الطالي هذه المهنوءة.

وقال أبو زيد: شعَفه حبُّها يَشعَفُه، إذا ذهبَ بفؤاده، مثل شعَفَه المرضُ، إذا أذابَه.

قال: وقوله:

كما شَعَفَ المهنوءةَ الرجلُ الطالي

يقول: فؤادها طائر من لذّة الهِناء.

سلمة عن الفراء عن الدُّبيرية قالت: يقال ألقى عليه شَعَفَه وشغَفَه، ومَلقَه، وحُبَّه وحُبَّتَه، وبِشرَه بمعنًى واحد.

وقال الأصمعي في قوله:

شَعَف الكلابُ الضارباتُ فؤادَهُ

قال: المشعوف: الذاهبُ الفؤاد.

وبه شُعافٌ أي جنون.

وقال جندلٌ الطُّهوَيّ:

وغير عَدْوَى من شُعافٍ وحَبَن

والحَبَن: الماء الأصفر.

وفي الحديث: «مِن خير الناس رجلٌ في شَعفَةٍ في غُنَيمةٍ له حتّى يأتيه الموت»، قال أبو عبيد: الشَّعفة: رأس الجبل.

قلت: وتجمع شَعَفاتٍ.

وفي حديث آخر أنه ذكر يأجوجَ ومأجوج فقال: «عِراض الوجوه صِغار العيون، صُهْب الشِّعاف، (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) »

.

قوله: صُهب الشِّعاف يريد شعور رؤوسهم، واحدُها شَعَفة، وهي أعلى الشَّعَر.

وشَعَفَة كلّ شيء: أعلاه.

وقال رجل: ضرَبني عمرُ بدِرَّته فأغاثني الله بشَعفَتين في رأسي»، يعني أنَّهما وقَتَاه الضَّربَ.

وأراد بهما ذؤابتين على رأسه.

وقال أبو زيد: الشَّعْفة: المَطْرة الهيِّنة.

قال: ومثلٌ للعرب: «ما تنفَع الشَّعْفة في

الوادي الرُّغُب».

يضرب مثلًا للذي يعطيك قليلًا لا يقع منك مَوقعًا ولا يسدُّ مَسَدًّا.

والوادِي الرُّغُب: الواسع الذي لا يملؤه إلا السيل الجُحاف.

ومن أمثالهم المعروفة: «لكِنْ بشَعْفينِ أنتِ جَدُود».

يُضرب مثلًا لمن كان في حالٍ سيِّئة فحسنت حالُه.

وشَعْفانِ: جبلانِ بالغَور.

وقال الليث: الشَّعَف: رؤوس الكمأة والأثافي المستديرة.

قال: وشَعَفة القلب: رأسُه عند معلَّق النِّياط، ولذلك يقال: شَعفَني حبُّها.

قال: وشعفَات الأثافي والأبنية: رؤوسُها.

وقال العجّاج:

دَواخسًا في الأرضِ إلَّا شَعفَا

قلت: ما عملتُ أحدًا جَعَلَ للقلب شَعَفةً غير الليث.

والحبُّ الشديدُ يتمكّن من سواد القلب لا مِن طَرفه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


103-تهذيب اللغة (عرض)

عرض: قال الله جلَّ وعزَّ: {وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} [البَقَرَة: 224] قال سلمة عن الفراء: يقول: لا تجعلوا الحلف بالله معترضًا مانعًا لكم أن تَبرُّوا، فجعل العُرضة بمعنى المعترض.

ونحوَ ذلك قال أبو إسحاق الزجّاج.

وقال ابن دريد: يقال جعلتُ فلانًا عُرضةً لكذا وكذا، أي نصبتُه له.

قلت: وهذا قريبٌ مما قاله النحويون، لأنه إذا نُصِب فقد صار معترضًا مانعًا.

قلت: وقوله عُرضَة: فُعلة مِن عَرضَ يَعرِض.

وكلُّ مانعٍ منعَكَ من شُغل وغيره من الأمراض فهو عارضٌ، وقد عَرضَ عارضٌ، أي حال حائلٌ ومنع مانع.

ومنه قيل لا تَعرِضْ لفلانٍ، أي لا تعترضْ له فتمنعَه باعتراضك أن يقصد مُرادَه ويذهب مذهبَه.

ويقال سلكتُ طريقَ كذا فعرض لي في الطَّريق عارضٌ، أي جبلٌ شامخ قطع عليَّ مذهبِي على صَوْبي.

وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ: فلانٌ عُرضة للشَّرّ، أي قويٌّ عليه.

وفلانة عُرضةٌ للأزواج، أي قويَّة على الزَّوْج.

قلت: وللعُرضة معنًى آخر، وهو الذي يَعرِض له الناسُ بالمكروه ويقَعون فيه.

ومنه قول الشاعر:

وإنْ يَتركوا رهط الفَدَوْكسِ عُصبةً *** يتامَى أيامَى عُرضةً للقبائل

أي: نَصبًا للقبائل يعترضهم بالمكروه مَن شاء.

وقال الليث: فلانٌ عُرضَةٌ للناس: لا يزالون يَقعون فيه.

وقول الله جلّ وعزّ: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا} [الأعرَاف: 169] قال أبو عبيد: جميع متاع الدُّنيَا عَرَضٌ، بفتح الراء.

يقال: إنّ الدُّنيا عَرضٌ حاضر، يأكل منها البَرُّ والفاجر.

وأما العَرْض بسكون الراء فما خالفَ الثمنَين: الدَّنانيرَ والدراهم، من متاع الدُّنيا وأثاثها، وجمعه عُروض.

فكل عَرْضٍ داخلٌ في العَرَض، وليس كلُ عَرَضٍ عَرْضًا.

وقال الأصمعي: يقال عَرَضْتُ لفلانٍ من حقِّه ثوبًا فأنا أعرِضه عَرضًا، إذا أعطيتَه ثوبًا أو متاعًا مكانَ حقِّه.

و «من» في قولك عرضت له من حقّه بمعنى البدل، كقول الله عزوجل: {وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزّخرُف: 60] يقول: لو نشاء لجعلنا بدلكم في الأرض ملائكة.

وقال الليث: عَرضَ فلانٌ من سِلعته، إذا عارضَ بها: أعطى واحدةً وأخذَ أخرى.

وأنشد قول الراجز:

هل لكِ والعارِضُ منكِ عائضُ *** في مائة يُسْئِر منها القابضُ

قلت: وهذا الرجز لأبي محمد الفقعسيّ يخاطب امرأةً خطبَها إلى نفسها ورغّبها في أن تنكحه بمائة من الإبل يَجعلها لها مهرًا.

وفيه تقديم وتأخير، والمعنى: هل لكِ في مائة من الإبل يُسئر منها قابضُها الذي يسوقها لكثرتها.

ثم قال: والعارض منك عائض، أي المعطِي بدل بُضْعكِ عَرْضًا عائض، أي آخذ عِوضًا يكون كِفاءً لما عَرَضَ منك.

يقال عِضْتُ أَعاضُ، إذا اعتضتَ عوضًا، وعُضْتُ أعوض، إذا عوَّضت عوضًا، أي دفعت.

فقوله عائض من عِضْت لا من عُضْت.

وقال الليث: العَرَض من أحداث الدهر من الموت والمرض ونحو ذلك.

وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: العَرَض: الأمر يَعرِضُ للرجل يُبتَلَى به.

قال: وقال أبو زيد: يقال أصابه سهمُ عَرَضٍ، مضاف، وَحَجَر عَرَض، إذا تُعُمِّد به غيرُه فأصابه.

فإن سقَطَ عليه حجرٌ من غير أن يَرمِيَ به أحدٌ فليس بعَرَض.

ونحوَ ذلك قال النضر.

ويقال: ما جاءك من الرأي عَرَضًا خيرٌ مما جاءك مُستكرَهًا، أي ما جاءك من غير تروية ولا فكر.

ويقال: عُلِّق فلانٌ فلانةَ عَرَضًا، إذا رآها بغتةً من غير أنْ قصَدَ لرؤيتها فَعَلِقَها.

وقال ابن السكيت في قوله: «عُلِّقْتُها عرضًا»: أي كانت عَرَضًا من الأعراض اعترضَني من غير أن أطلبه.

وأنشد:

وإمّا حُبّها عَرَضٌ وإمّا *** بشاشة كلّ علقٍ مستفادِ

يقول: إما أن يكون الذي بي من حبِّها عَرَضًا لم أطلبه، أو يكون عِلْقًا.

وقال اللِّحياني: العَرَض: ما عَرَضَ للإنسان من أمرٍ يحبِسُه، من مرضٍ أو لُصوص.

قال: وسألته عُراضةَ مالٍ، وعَرْض مالٍ، وعَرَض مالٍ فلم يُعطِنيهِ.

وقال ابن السكيت: عرضْت الجُندَ عَرْضًا.

قال: وقال يونس: فاتَه العَرَض بفتح الراء، كما يقال قبضَ الشيء قَبْضًا، وقد ألقاه ودخَلَ في القَبَض.

أبو عبيد عن الأصمعي: العَرْضَ: خِلاف الطُّول.

ويقال عَرَضتُ العُودَ على الإناء أَعرُضُه.

وقال غير الأصمعيّ: أعرِضُه.

وفي الحديث: «ولو بعودٍ تَعرُضُه عليه»، أي تضعه معروضًا عليه.

وقال الأصمعي: العَرْض: الجبل.

وأنشد:

كما تَدَهْدَى من العَرْض الجلاميدُ

ويشبّه الجيش الكثيف به فيقال: ما هو إلّا عَرْضٌ، أي جبل.

وأنشد:

إنّا إذا قُدنا لقومٍ عَرْضا *** لم نُبقِ من بَغْي الأعادي عِضّا

والعَرْض: السَّحاب أيضًا، يقال له عَرْض إذا استكثَفَ.

قاله ابن السكيت وغيره.

يقال عرضتُ المتاعَ وغيره على البيع عَرْضًا.

وكذلك عَرْض الجُنْدِ والكِتاب.

ويقال لا تَعرِضَ عَرْض فلان، أي لا تذكرهُ بسوء.

ويقال عَرضَ الفرسُ يَعرِض عرضًا، إذا مرَّ عارضًا في عَدْوه.

وقال رؤبة:

يَعرِض حتَّى يَنصِبَ الخيشوما

وذلك إذا عدَا عارضًا صدرَه ورأسَه مائلًا.

ورُوي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أنّه ذكر أهل الجنّة فقال: «لا يُبولُون ولا يتغوَّطون، إنما هو عَرَق يَجرِي في أعراضهم مثل ريح المِسْك» قال أبو عبيد: قال الأمويّ: واحد الأعراضِ عِرْض، وهو كل موضع يعرق من الجسد.

يقال فلان طيّب العِرْض، أي طيّب الريح.

قال أبو عبيد: المعنى هاهنا في العِرْض أنه كل شيء في الجسد من المَغَابن، وهي الأعراض.

قال: وليس العِرض في النسب من هذا بشيء.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: العِرض: بدن كلِّ الحيوان.

والعِرضُ: النَّفْس.

قلت: فقوله «عَرَق يجري من أعراضهم»، معناه من أبدانهم على قول ابن الأعرابيّ، وهو أحْسَنُ من أن يُذهب به إلى أعراض المغابن.

وقال الأصمعيّ: رجل خبيث العِرض، إذا

كان مُنتِن الرِّيح.

وسِقاءٌ خبيثُ العِرض، أي مُنْتن الريح.

وقال اللحياني: لبَن طيِّب العِرض، وامرأة طيّبة العرض، أي الرِّيح.

قال: والعِرْض: عِرض الإنسان ذُمَّ أو مُدِحَ، وهو الجَسد.

قال: ورجلٌ عِرضٌ وامرأةٌ عِرضة، وعِرَضْنٌ وعِرَضْنَة، إذا كان يعترض الناسَ بالباطل.

وأخبرنا السعديّ عن الحسين بن الفرج عن علي بن عبد الله قال: قال سفيان في قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم، قال: «لَيُّ الواجد يُحِلُ عِرضَه وعقوبته» قال: عِرضُه أن يُغَلَّظ له.

وعقوبته الحَبْس.

قلت: معنى قوله «يُحلُ عِرضه» أن يُحِلّ ذمّ عِرضه لأنّه ظالم، بعدما كان محرَّمًا منه لا يحلّ له اقتراضه والطعن عليه.

وقال الليث: عِرض الرجل: حَسَبه.

وقال غيره: العِرْض: وادي اليمامة.

ويقال لكلِّ وادٍ فيه قُرًى ومياهٌ: عِرْض.

وقال الراجز:

ألا ترى في كل عِرضٍ مُعْرِضِ *** كلَّ رَدَاحٍ دَوْحة المحوَّضِ

وقال الأصمعيّ: أخصبَ ذلك العِرض، وأخصبت أعراضُ المدينة، وهي قُراها التي في أوديتها.

وقال شمر: أعراض اليمامة هي بطونُ سوادِها حيث الزّرعُ والنخل.

وعَرَضَ الجيشَ عَرْضًا.

وقد فاته العَرَض، وهو العطاء والطمع.

وقال عديّ بن زيد:

وما هذا بأول ما ألاقي *** من الحَدَثان والعَرَض القريبِ

أي: الطَّمع القريب.

يقال أخذ القومُ أطماعَهم، أي أرزاقهم.

وأمَّا العُرْض فهو ناحيةُ الشيء من أي جهةٍ جئتَه.

يقال استعرض الخوارجُ الناس، إذا قتلوهم من أيّ وجهٍ أمكنَهم.

وقيل: استعرضوهم أي قتلوا من قدَروا عليه أو ظفِروا به ويقال اضربْ بهذا عُرضَ الحائط، أي ناحيته وقال أبو عبيدة: عُرْضا أنفِ الفرس: مبتدأ ما انحدرَ من قصبة الأنف في حافتيه جميعًا.

وروي عن محمد بن علي أنه قال: «كُلِ الجُبُنَ عُرْضًا» قال أبو عبيدة: معناه اعترضْه واشترِه ممَّن وجدتَه، ولا تسأل عن عَمَلِه، أعمِلَه مسلمٌ أو غيره.

وهو مأخوذ من عُرض الشيء، وهو ناحيته.

وقال اللِّحياني: ألقِهِ في أيّ أعراض الدار شئتَ.

الواحد عُرْضٌ وعَرْض وقال: خُذْهُ من عُرض الناس وعَرْضهم، أي من أيّ شقٍّ شئتَ.

وكلُّ شيء أمكنكَ من عُرضِه فهو مُعْرِض لك، يقال أعرضَ لك الظَّبيُ فارمِه، أي ولّاك عُرضَه، أي ناحيته.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي: العُرض: الجانب من كل شيء.

والعُرُض مثقَّل: السَّير في جانب، وهو محمودٌ في الخيل مذموم في الإبل.

ومنه قوله

معترضاتٍ غيرَ عُرضيَّاتِ

أي: يَلزَمْن المَحَجّة.

قال: والعَرَض: ما يَعرِض للإنسان من الهموم والأشغال.

يقال عَرَض لي يَعرِض، وعَرِضَ يَعرَض، لغتان.

قال:

والعِرْض: بدن كلّ الحيوان.

وقال الليث: العَروض: طريقٌ في عُرض الجبل، والجميع عُرُضٌ، وهو ما اعترضَ في عُرض الجبل.

قال: وعُرض البحر والنهر كذلك.

ويقال جَرَى في عُرض الحديث، ويقال في عُرض الناس، كلُّ ذلك يُوصَف به الوسَط.

قال لبيد:

فتوسَّطَا عُرضَ السَّرِيّ وصدّعا *** مَسجورةً متجاورًا قُلَّامُهَا

قال: ويقال نظرتُ إليه عن عُرُض، أي جانب.

وأنشد:

ترَى الريشَ عن عُرضِهِ طاميًا *** كعَرضك فوقَ نِصالٍ نصالا

يصف ماءً صار ريشُ الطائر فوقَه بعضُه فوق بعض، كما تعرِضُ نصلًا فوق نصل.

وفي حديث عمر أنه خطب فقال: «ألَا إنَّ الأُسَيفِعَ أُسَيفِعَ جُهينة رضيَ عن دينه وأمانته بأن يقال سابِقُ الحاجّ، فادّانَ مُعرِضًا قد رِينَ به».

قال أبو عبيد: قال أبو زيد في قوله «فادّانَ مُعرِضًا» يعني استدانَ مُعرضًا، وهو الذي يعترضُ الناس فيستدِين ممَّن أمكنَه.

وروى أبو حاتم عن الأصمعيّ في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا»، أي أخذ الدَّينَ ولم يُبالِ ألّا يؤدّيَه.

وقال شمر في مؤلَّفه: المُعرِض هاهنا بمعنى المعترض الذي يعترض لكل من يُقْرضه.

قال: والعرب تقول: عَرَض لي الشيءُ وأعرض وتعرَّضَ واعترضَ بمعنًى واحد.

قال شمر: ومن جَعَل المُعرِضَ مُعرضًا هاهنا بمعنى الممكن فهو وجْهٌ بعيد، لأنَ معرِضًا منصوب على الحال لقولك ادّان، فإذا فسَّرته أنه يأخذ ممن يمكنُه فالمُعْرِض هو الذي يُقرِضه، لأنّه هو الممكن.

قال شمر: ويكون المُعْرِضُ من قولك أعرضَ ثَوبُ المُلْبِس، أي اتّسَعَ وعَرُض.

وأنشد لطائي في أعرض بمعنى اعترض:

إذا أعرضَتْ للناظرِينَ بدا لهمْ *** غِفارٌ بأعلى خدِّها وغِفارُ

قال: وغِفارٌ: مِيسمٌ يكون على الخدّ.

قال: ويقال أعرضَ لك الشيءُ، أي بدا وظهَرَ.

وأنشد:

إذا أعْرَضَتْ داويّةٌ مُدلهمَّةٌ *** وغرّدَ حاديها فَرَيْنَ بها فِلْقَا

أي: بدت.

وقال الفرَّاء في قول الله جلّ وعزّ: {وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] أي أبرزْناهَا حتّى رأوها.

قال: ولو جعلتَ الفعل لها زدتَ ألفًا فقلتَ أعرضَتْ، أي استبانتْ وظهرتْ.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال في بيت ابن كلثوم:

وأعرضتِ اليمامةُ واشمخرَّتْ

أي: أبدتْ عُرضَها.

ويقال ذلك لجَبَلها وهو عارضُها.

وقال ابن قتيبة في قوله «فادّان مُعْرِضًا» أي استدانَ مُعْرِضًا عن الأداء مولِّيًا عنه.

قال: ولم نجدْ أعرضَ بمعنى اعترض في

كلام العرب.

وقال ابن شميل في قوله «فادّانَ مُعْرِضًا» قال: يعرِض إذا قيل له لا تستدِنْ فلا يَقبَل.

أبو عبيد عن الأصمعيّ يقال عَرّضْتُ أهلي عُراضةً؛ وهي الهديّةُ تُهديها لهم إذا قدِمتَ من سفَر.

وأنشد للراجز:

يَقدُمُها كلُّ عَلاةٍ عِلْيانْ *** حَمراء من مُعَرَّضات الغِربانْ

يعني أنها تَقْدُم الإبل فيسقُط الغرابُ على حِملها إن كان تمرًا فيأكله، فكأنّها أهدته له.

قال: ويقال قوسٌ عُرَاضة، أي عريضة.

ويقال للإبل: إنّها العُراضاتُ أثرًا.

وقال ساجعهم: «وأرْسِل العُراضاتِ أثرًا، يَبغينك في الأرض مَعْمرًا»، أي أرسل الإبلَ العريضة الآثار عليها رُكبانُها ليرتادوا لك منزلًا تنتجعه.

وقال ابن شميل: يقال تعرَّضَ لي فلانٌ، وعَرَض لي يَعرِض، واعترض لي يشتُمني ويؤذيني، وما يُعْرِضك لفلان.

ويقال عَتودٌ عَروض، وهو الذي يأكل الشجرَ بعُرْضِ شِدقه.

قال: ويقال للماعز إذا نَبَّ وأراد السِّفاد عَريض، وجمعه عِرْضان.

ويقال عريض عَروض، إذا اعترضَ المرعَى بشِدقه فأكله.

ويقال تعرَّضَ فلانٌ في الجبل، إذا أخذَ في عَرُوضٍ منه فاحتاجَ أن يأخذ فيه يمينًا وشمالًا.

ومنه

قول عبد الله ذي البِجادين المزَنيّ يخاطب ناقة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم وهو يقودها على ثنّيةٍ رَكوبة، فقال:

تعرَّضي مَدَارجًا وسُومِي

تعرُّضَ الجوزاءِ للنجوم *** وهو أبو القاسم فاستقيمي

ويقال: تعرَّضتُ الرِّفاقَ أسألهم، أي تصدَّيت لهم أسألهم.

وقال اللِّحياني: يقال تعرَّضت معروفَهم ولمعروفهم، أي تصدَّيت.

ويقال استُعمل فلانٌ على العَروض، يُعنَى مكةُ والمدينةُ واليمن.

ويقال أخذ في عَروضٍ منكرة، يعني طريقًا في هَبوط.

وقال الليث: يقال تعرَّضَ فلانٌ بما أكره.

ويقال تعرَّضَ وصلُ فلانٍ، أي دخَلَه فساد.

وأنشد:

فاقطعْ لُبانةَ مَن تَعرَّضَ وصلُه

وقيل: معنى «مَنْ تعَرَّضَ وصلُه»: أي زاغَ ولم يستَقِمْ، كما يتعرَّض الرجل في عَروض الجبل يمينًا وشمالًا.

وقال امرؤ القيس يصف الثريا:

إذا ما الثريَّا في السماء تعرَّضَتْ *** تعرُّضَ أثناءِ الوشاحِ المفصَّلِ

أي: لم تستقم في سيرها ومالت كالوشاح المعوَّج أثناؤه على جارية توشَّحت به.

ويقال اعترضَ الشيءُ، إذا مَنَع، كالخشبة المعترضة في الطريق تمنع السالكين سلوكَها.

واعترضَ فلانٌ عِرضَ فلانٍ، إذا وقع فيه وتنقَّصه في عِرضه وحَسَبه.

ويقال اعترض له بسهمٍ، إذا أقبلَ به قُبْلَه فأصابه.

واعترضَ الفرسُ في رَسَنه، إذا لم يستقمْ لقائده.

وقال الطرمّاح:

وأماني المليك رُشدي وقد كن *** تُ أخَا عُنجهيّةٍ واعتراضِ

ويقال اعترضَ الجندُ على قائدهم.

واعتَرَضَهم القائد، إذا عرضَهم واحدًا واحدًا، وقول الراجز:

معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات

يقول: اعترَاضهنَ من النشاط، ليس اعترَاضَ صعوبة.

وقال ابن الأعرابي: العُرُض ـ محرّك ـ: السَّير في جانب.

قال: وهو محمودٌ في الخيل مذمومٌ في الإبل.

قال: ومنه قوله:

معترضاتٍ غيرَ عُرضيّات

أي: يلزَمن المحَجَّة.

وقال الليث: يقال عارضَ فلانٌ فلانًا: إذا أخذَ في طريقٍ وأخذ في غيره فالتقيا.

وعارضَ فلانٌ فلانًا، إذا فعلَ مثلَ فعله وأتى إليه مثل الذي أتَى إليه.

ويقال عارضتُ فلانًا في السَّير، إذا سِرْت حيالَه وحاذيتَه.

وعارضتُه بمتاعٍ أو دابّةٍ أو شيءٍ مُعارضةً، إذا بادلتَه به.

وعارضتُ كتابي بِكتابه.

وفلانٌ يُعارضني، أي يباريني.

ويقال سِرنا في عِراض القوم، إذا لم تستقبلهم ولكن جئتهم من عُرضهم.

وقال أبو عبيد: أُلقحتْ ناقة فلانٍ عِراضًا، وذلك أن يُعارضها الفحل معارضةً فيضربها من غير أن تكون في الإبل التي كان الفحلُ رسيلًا فيها.

وقال الراعي:

فلائص لا يُلقَحن إلَّا يَعارةً *** عِراضًا ولا يُشرَينَ إلَّا غواليا

وقال ابن السكيت في قول البَعِيث:

مَدحنا لها رَوقَ الشَّباب فعارضَتْ *** جَنَاب الصِّبا في كاتم السرِّ أعجما

قال: عارضَتْ: أخذَت في عُرضٍ، أي ناحيةٍ منه.

جَناب الصِّبا: إلى جَنْبه.

وقال اللحياني: بعير مُعارِضٌ، إذا لم يستقم في القطار.

ويقال جاءت فلانةُ بولدٍ عن عِراض ومعارضة، إذا لم يعرف أبوه ويقال للسَّفيح: هو ابن المعارَضة.

والمُعارَضة: أن يعارض الرجُلُ المرأة فيأتيهَا بلا نكاح ولا مِلْك.

أبو عبيد عن الأصمعي: يقال عرَّض لي فلانٌ تعريضًا، إذا رَحرحَ بالشيء ولم يبيِّن وقال غيره: عرّضت الشيءَ: جعلتُه عريضًا.

والمعَاريض من الكلام: ما عُرِّض به ولم يصرَّح.

والتعريض في خِطبة المرأة في عِدّتها: أن يتكلَّم بكلام يُشْبه خِطبتها ولا يصرِّح به، وهو أن يقول لها: إنّك لجميلة، وإن فيكِ لبقيّةً، وإن النساء لمِنْ حاجتي.

والتعريض قد يكون بِضرب الأمثال وذكر الألغاز، وهو خلافُ التصريح في جُملة المقال.

وعَرَّض الكاتب تعريضًا، إذا لم يبيِّن الحروفَ ولم يقوِّم الخطّ.

ومنه قول الشَّمَّاخ:

بتيماءَ حَبرٌ ثمَ عَرَّضَ أسطُرا

ثعلب عن ابن الأعرابي: عَرَّضَ الرجلُ: إذا صار ذا عارضة.

والعارضة: قوّة الكلام وتنقيحه، والرأي الجيِّد.

وعَرَّضَ فلانٌ، إذا دامَ على أكل العَرِيض، وهو الإمَّر.

وإبلٌ معرَّضة: سِمَتُها العِراض في عَرض الفخذ لا في طوله.

يقال منه عَرَضتُ البعير وعرّضته تعريضًا.

والعَرِيض من المِعزَى: ما فوقَ الفطيم ودون الجَذَع.

وقال بعضهم: العريض من

الظباء: الذي قارب الإثناء.

والعريض عند أهل الحجاز خاصَّةً: الخصيُّ، وجمعه عِرضان.

ويقال أعرضْتُ العِرضانَ، إذا خَصَيْتَها.

ويقال أعرضتُ العِرضانَ، إذا جعلتها للبيع ولا يكون العريض إلا ذكرًا.

أبو عبيد عن أبي زيد: إذا رعَى الجَفْرُ من أولاد المِعزَى وقَوِيَ فهو عريضٌ، وجمعه عِرضانٌ.

وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال: إذا أجذَع الجدْيُ والعَناق سمِّي عريضًا وعَتُودًا، وجمعه عِرضان.

قال: والعارض جانب العِراق.

والعارض: السَّحابُ المُطِلّ.

وقال الليث: أعرضْتُ الشيءَ، أي جعلتُه عَريضًا.

واعترضت عُرْضَ فلانٍ، إذا نحوتَ نحوَه.

قال: ونظرتُ إلى فلانة مُعارَضةً، إذا نظَرتَ في عُرضٍ.

ورجلٌ عِرِّيضٌ: إذا كان يتعرَّض للناس بالشرِّ.

قال: والعَروض: عروض الشعر، والجميع الأعاريض، وهو فواصل أنصاف الشعر، سمِّي عروضًا لأن الشعرَ يُعرَض عليه، فالنصف الأوّل عروض؛ لأنّ الثاني يُبنَى على الأول.

والنصف الأخير الشَّطر.

قال: ومنهم من يجعل العروض طرائقَ الشعر وعموده، مثل الطويل، تقول: هو عروضٌ واحد.

واختلاف قوافيه يسمَّى ضروبًا.

قال: ولكلٍّ مقال.

والعَروض عَرُوض الشعر مؤنثة، وكذلك عَروض الجَبل.

أبو عبيد عن الأصمعي: عَتودٌ عَروضٌ، وهو الذي يأكل الشيء بعُرض شِدقه.

وأخَذ في عَروضٍ منكَرة.

وقال ابن السكيت: عَرَفتُ ذلك في عَروض كلامه، أي فَحوى كلامه ومعنى كلامه.

وقال التغلبي:

لكلّ أناسٍ من مَعدٍّ عِمارةٌ *** عَروضٌ إليها يلجئون وجانبُ

قال: وتقول هي عَروض الشِّعر.

وأخذ فلانٌ في عَروض ما تُعجِبني، أي في ناحية.

ويقال هذه ناقةٌ فيها عُرضِيَّةٌ، إذا كانت ريِّضًا لم تُذَلَّل.

ويقال ناقةٌ عُرضيّةٌ وجَملٌ عُرْضيٌ.

وقال الشاعر:

واعرورتِ العُلُطَ العُرضيَ تركضه *** أم الفوارسِ بالدِّيداء والرَّبَعَه

وفي حديث عمر حين وصف نفسَه بالسياسة وحُسن النَّظر لرعيّته فقال: «إنّي أضمُّ العَنود، وأُلْحِقُ العَطوف، وأزجر العَروض»، قال شمر: العَروض العُرْضيّة من الإبل: الصَّعبة الرأس الذَّلول وسطُها التي يُحمل عليها ثم تساق وسطَ الإبل المحمّلة، وإن ركبها رجلٌ مضَتْ به قُدمًا ولا تَصَرَّف لراكبها.

قال: وإنّما قال: «أزجُر العَروضَ» لأنها تكون آخر الإبل.

قال: وتقول ناقةٌ عَروض وفيها عَروض، وناقة عُرْضية.

وقال ابن السكيت: ناقةٌ عَروضٌ، إذا قبِلتْ بعض الرياضة ولم تستحكم.

قال شمر: وأما في قول حميد:

فما زالَ سَوطي في قِرابي ومِحجني *** وما زلتُ منه في عَروضٍ أذودُها

أي: في ناحيةٍ أداريه وفي اعتراض.

وقال في قول ابن أحمر يصف جارية:

ومنَحتُها قولي على عُرْضيّة *** عُلُطٍ أُدارىء ضِغنَها بتودُّدِ

وقال ابنُ الأعرابيّ: شبّهها بناقةٍ صعبةٍ في كلامه إيَّاها ورفقِه بها.

وقال غيره: منحتُها: أعَرتُها وأعطيتها.

وعُرضيّة: صعوبة، كأنّ كلامَه ناقةٌ صَعبة.

ويقال إنه أراد كلَّمتها وأنا على ناقةٍ صعبة فيها اعتراض.

والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.

والعُرضيُ: الذي فيه جفاءٌ واعتراض.

وقال العجّاج:

ذو نَخْوةٍ حُمَارسٌ عُرضيُ

وقال الليث: المِعراض: سهمٌ يُرمَى به بلا ريش يَمضِي عَرْضًا.

والمَعرَض: المكان الذي يُعرَض فيه الشيء.

وثوبٌ مِعرضٌ: تُعرَض فيه الجارية والعارضة: عارضة الباب.

وفلانٌ شديد العارضة: ذو جَلَد وصرامة.

والعوارض: سقائف المحمل.

والعوارض: الثنايا، سمِّيت عوارضَ لأنّها في عُرض الفم.

وقال الأصمعي: العوارض: الأسنان التي بعد الثَّنايا، يقال فلانة نقيّة العوارض.

وقال اللحياني: العوارض من الأضراس.

وقال غيره: العارض: ما بين الثنيّة إلى الضرس.

وقِيل: عارض الفم: ما يبدو منه عند الضحك.

وقال كعب:

تجلو عوارض ذي ظَلْم إذا ابتَسَمتْ *** كأنّه مُنهَلٌ بالراح معلولُ

يصف الثنايا وما بعدها.

وفي الحديث أن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم بعثَ أم سُلَيم لتنظرَ إلى امرأة فقال: «شمِّي عوارضَها»، قال شمر: العوارض هي الأسنان التي في عُرض الفم، وهي ما بين الثَّنايا والأضراس، واحدها عارض.

وقال جرير:

أتَذْكُر يومَ تَصقُلُ عارضَيها *** بفَرعِ بَشامةٍ سُقِيَ البَشامُ

وقال شمر: العارض أيضًا: الخدُّ.

يقال أخذَ الشَّعَرَ من عارضيه، أي خدَّيه.

وإنما أمرَ النبي بشمٍ عوارضها لتَبورَ بذلك ريحَ فمها، أطيّب أَمْ خبيث.

وقال اللِّحياني: عارضا الوجه وعَروضاه: جانباه.

وقال الأصمعيّ: يقال بنو فلان أكَّالون للعوارض، جمع العارضة، وهي الشاة أو البعير يصيبُه داءٌ أو سبُعٌ أو كسر.

وقال شمر: يقال عَرضَتْ من إبل فلان عارضةٌ، أي مرِضت.

قال: وبعضهم يقول عَرِضت.

قال شمر: وأجوده عَرَضَت.

وأنشد:

إذا عَرِضَتْ منها كَهاةٌ سمينةٌ *** فلا تُهدِ منها واتَّشِق وتَجَبجَبِ

الليث: يقال فلانٌ يعدو العِرَضْنةَ، وهو الذي يشتقُّ في عَدْوه.

وقال اللحياني: يقال اشتر بهذا عُرَاضة لأهلك، أي هديّة، مثل الحنّاء ونحوه.

وقال أبو زيد في العُراضة: الهديّة التعريض ما كان من مِيرةٍ أو زادٍ بعد أن يكون على ظهر بعير.

يقال عَرِّضونا من مِيرتكم.

وقال الأصمعي: العُراضة: ما أطعمَه الراكبُ من استطعَمَه من أهل المياه.

وقال هِميان:

وعرَّضوا المجلسَ محضًا ماهجًا

أي: سقَوهم.

ويقال: عَرَفت ذلك في

مِعراض كلامه، ومعاريض كلامه وفحواه أي في عروض كلامه.

ومنه قول عِمرانَ بن حُصَين: «إنّ في المعاريض لمَندوحةً عن الكذب».

ويقال عرضَتِ الشَّاةُ الشوكَ تعرُضه، إذا تناولتْه وأكلتْه.

ويقال رأيته عَرْضَ عين، أي ظاهرًا من قريب.

والمعَرَّضة من النساء: البكر قبل أن تُحجَب، وذلك أنها تُعرَض على أهل الحيِ عَرضةً ليرغِّبوا فيها من رَغِب، ثم يحجبونها.

وقال الكميت:

لياليَنا إذْ لا تزالُ تَروعُنا *** مُعرَّضةٌ منهنَّ بِكر وثيِّبُ

ويقال استُعرِضت الناقة باللحم، فهي مستَعرَضَة، كما يقال قُذِفت باللحم ولُدِسَت، إذا سمنتْ.

وقال ابن مقبل:

قَبَّاء قد لحقَتْ خسيسةَ سنِّها *** واستُعرِضت ببضيعها المتبتِّرِ

قال: خسيسة سِنِّها: حين بَزَلتْ، وهي أقصَى أسنانها.

ويقال: كان لي على فلانٍ نَقدٌ فأعسرته واعترضتُ منه، أي أخذتُ العَرْض.

وإذا طلب قومٌ عند قومٍ دمًا فلم يُقِيدوهم قالوا: نحن نَعْرِض منه فاعترِضوا منه، أي اقبلوا الدّيةَ عَرْضًا.

ويقال انطلق فلانٌ يتعرَّض بجَمله السوقَ، إذا عرضَه على البيع.

ويقال تَعرَّضْ به، أي أقمْه في السُّوق.

وفلانٌ معتَرَضٌ في خُلقه، إذا ساءك كلُّ شيءٍ من أمره.

وعَرضَ الرامي القوسَ، إذا أضجعها ثم رمَى عنها عَرْضًا.

وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} [الأحقاف: 24] أي قالوا: الذي وُعدنا به سحابٌ فيه الغيث.

فقال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ} [الأحقاف: 24].

ويقال للرِّجْل العظيم من الجراد: عارض؛ يقال مرَّ بنا عارضٌ قد ملأ الأفق.

وقال أبو زيد: العارض: السحابة تراها في ناحيةِ السماء، وهو مثل الجُلْب، إلّا أنّ العارض يكون أبيضَ والجُلْبُ إلى السَّواد، والجُلب يكون أضيقَ من العارض وأبعَدَ.

والعوارض من الإبل: التي تأكل العِضاهَ عُرُضًا، أي تأكله حيثُما وَجدته.

وقول ابن مُقبل:

مهاريق فَلُّوجٍ تعرَّضْنَ تاليا

أراد: تعرّضهنّ تالٍ يقرؤهن؛ فقلب.

وقال ابن السكيت: يقال ما يَعْرُضك لفلان، ولا يقال ما يُعَرِّضك.

ويقال: هذه أرضٌ مُعْرِضة: يستعرضها المال ويعترضها، أي هي أرضٌ مُعْرِضة فيها نبتٌ يرعاه المال إذا مرَّ فيها.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


104-تهذيب اللغة (وشع)

وشع: أخبرني المنذري عن أبي العباس عن سَلَمة عن الفراء: يقال: توشَّعَ فلان في الجبل إذا صعَّد فيه، وأنشد:

وَيْلُمِّها لِقْحَةَ شِيخ قد نَحَلْ *** حَوْسَاءُ في السهل وشُوعٌ في الجبل

قال وأخبرنا عن ثعلب عن ابن الأعرابي يقال وَشَع في الجبل يَشَعُ وُشُوعًا مثله.

أبو عبيد عن الفراء وَشَعَ فلان الجبل يَشَعُ وشْعًا إذا علاه.

أبو العباس عن ابن الأعرابي: الوشيع:

عَلَم للثوب.

والوشيع: كُبَّة الغزل.

والوشيع: خشبة الحائك التي يسميها الناس الحَفَّ، وهو عند العرب الحِلْوُ إذا كانت صغيرة، والوشيع إذا كانت كبيرة قال: والوشيع الخُصُّ.

والوشيع: سقف البيت.

والوشيع: عريش يبنى للرئيس في المعسكر يُشرف منه على عسكره.

أبو عبيد: الوَشِيع: القصبة التي يجعل النسَّاج فيها لُحْمة الثوب للنسج.

وقال الليث: الوَشِيعة، وجمعها وشائع وهي خشبة يُلْوى عليها الغزل من ألوان شتّى من الوَشْي وغير ألوان الوشي.

وكلُّ لَفِيفة منها وشيعة.

ومن هناك سُمّيت قصبة الحائك وشيعة؛ لأن فيها يُوَشَّع الغزل.

وأنشد قوله:

* نَدْف القِياس القُطْن الموشَّعا*

قال: وتوشيعه: أن يُلفّ بعد الندْفِ.

أبو سعيد الوشِيع: خشبة غليظة توضع على رأس البئر يقوم عليها الساقي، وقال الطرماح يصف صائدًا:

فأزَلّ السهمَ عنها كما *** زلّ بالسّاقي وشيعُ المُقَامْ

قال وَوَشَّعَ كَرْمَهُ إذا بنى جداره بقَصَب أو سعف يُشَبِّكُ الجدار به، وهو التوشيع، ووشّعت المرأةُ قطنها إذا فَرَّصَتْه وهيّأته للندف بعد الحَلْج.

وهو مثل التزبيد والتسبيخ وتوشّع الشيبُ رَأْسَهُ إذا علاه.

وقال ابن شميل: توزّع بنو فلان ضيوفهم وتوشّعوهم سواءٌ، أي ذهبوا بهم إلى بيوتهم كلّ رجل منهم بطائفة.

قال: ويقال: وَشَع فيه القَتِيرُ ووشَّع وأتلعَ فيه القتيرُ وسبّل فيه الشيب ونصل بمعنى واحد، ويقال لِمَا كِسا الغازلُ المِغْزَلَ.

وَشِيعةٌ ووَلِيعة وسَليخة ونصْلَه ويقال وَشْعٌ من خبر ووَشْم ووُشُوم وشمع وشموع وكذلك أثر وآثار.

الليث: الوَشْعُ: شجر البان، والجميع الوشُوع.

قال: والوَشْع من زهر البقول ما اجتمع على أطرافها فهو وَشْعٌ ووشوع، قال وَوَشَّعَتْ البقلةُ إذا انفرجت زَهَرتها، قال: والشُّوع أيضًا: شجرة البان، الواحدة شُوعَة، وأنشد قول الطرماح:

فما جَلسُ أبكارٍ أطاع لسَرْحها *** جَنَى ثمر بالواديين وَشُوعُ

قال ويروى: وُشوع بضم الواو، فمن رواه بفتح الواو: وَشوع فالواو واو النسق، ومن رواه: وُشوع فهو جمع وَشْع وهو زهر زَهَر البقول.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


105-تهذيب اللغة (حرف)

حرف: قال الليث: الحَرْفُ من حُرُوفِ الهِجَاء.

قال: وَكُلُّ كَلِمَةٍ بُنِيَتْ أَدَاةً عارِيةً في الكلامِ لِتَفْرِقَةِ المَعَانِي فاسْمُها حرفٌ، وإِنْ كَانَ بِنَاؤُها بحرفين أو فَوْقَ ذلك، مثل: حتى وَهَلْ وَبل وَلَعَلّ.

وكل كلمة تُقْرَأُ على وُجُوهٍ مِنَ القُرْآنِ تُسمى حَرْفًا، يقرأ هذا في حرف ابن مسعود أي في قراءة ابن مسعود.

قال والإنسانُ يكونُ على حَرْفٍ من أَمْرِه: كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ ويتوقَّعُ، فإِنْ رَأَى من نَاحِيَتِهِ ما يحبُّ، وإلَّا مَالَ إلى غَيْرِهَا.

وقال الله جل وعز:

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ} [الحَجّ: 11] أي إذا لَمْ يَرَ مَا أَحَبَّ انْقَلَبَ عَلَى وجهه.

قال: وحَرْفُ السفينةِ: جَانِبُ شِقِّها.

وقال أبو إسحاقَ في تفسير هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) جاء في

التفسيرِ: على شَكِّ، قال: وحقيقَتُهُ أَنَّه يعبدُ الله على حرفِ الطَّرِيقَة في الدِّين، لا يدخُلُ فيه دُخُولَ مُتَمَكِّنٍ.

وأفادني المنذريُّ عن ابن اليزيدي عن أبي زيدٍ في قوله (عَلى حَرْفٍ) على شَكٍّ.

وأفادني عن أَبِي الْهَيثَم أنه قال: أما تسميتُهم الحَرفَ حَرْفًا فحرْفُ كل شيءٍ ناحيتهُ كحرْفِ الجَبَلِ والنهرِ والسيفِ وغيرهِ، قلتُ كأَنَّ الخير والخِصْبَ ناحيةٌ، والضَّرَّ والشَّرَّ والمكروه ناحيةٌ أخرى، فهما حرفان، وعلى العبْدِ أن يَعْبُدَ خالِقَه على حالة السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ.

ومَن عَبَدَ الله على السَّرَّاءِ وحْدَهَا دون أن يَعْبُدَه عَلَى الضَّراءِ يَبْتَلِيه الله بِهَا فَقَدْ عَبَدَهُ على حَرفٍ، ومن عَبَدَهُ كَيْفَما تصرَّفَتْ به الحالُ فقد عَبَدَهُ عِبادةَ عَبْدٍ مُقِرٍّ بأَنَّ له خَالِقًا يُصَرِّفه كيفَ يشاءُ، وأنه إن امْتَحَنَه باللأواء وأنعم عليه بالسَّراء فهو في ذلك عادلٌ أو متفضلٌ غير ظالم ولا متعدٍّ، له الخيَرَةُ وبيده الأمرُ ولا خِيَرَةً للعَبْدِ عليه.

وأما قول النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم «نُزِّلَ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف» لقد أشبَعْتُ تفسيره في كتاب «القراءَات وعِللِ النحويينَ» فيها وأنا مختصرٌ لَكَ في هذا الموضِعِ من الجُمَلِ التي أودَعْتُها ذلك الكتابَ ما يَقِفُ بِكَ على الصواب.

فالذي أذْهَبُ إليه في تفسيرِ قولهِ: «نُزِّلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف ما ذهب إليه أبو عبَيْدٍ واتَّبعه على ذلك أبو العَبَّاسِ أحمد بن يحيى.

فأما قول أبي عبيدٍ فإن عبدَ الله بنَ محمد ابن هاجَك أخبرني عن ابن جَبَلَة عن أبي عبيدٍ أنه قال في قوله «على سبعة أحرف» يعني سبع لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ.

قال وليس معناه أن يكونَ في الحرف الواحدِ سبعَةُ أَوْجُهٍ هذا لَمْ نَسمعْ به.

قال ولكن نقول: هذه اللغاتُ السبعُ متفرقَةٌ في القرآن فبعضه بِلُغَةِ قريش وبعضُه بلغة هوازِنَ وبعضُه بلغة هُذَيْلٍ وبعضُه بلغة أهلِ اليَمَن، وكذلك سائِرُ اللغات ومعانيها في هذا كله وَاحِدَةٌ.

قال ومِمَّا يُبَيِّنُ ذلك قولُ ابن مسعود: إني قد سمعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هَلُمَّ وَتَعَال وأَقْبِل.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي العباس أنه سُئِل عن قوله «نزل القرآن على سبعة أحرف» فقال: ما هي إلا لغاتٌ.

قلت: فأبو العبَّاسِ النحوي وهو وَاحِدُ عصره، قد ارْتَضَى ما ذهبَ إليه أبو عبيد واستصْوبَه.

قلت: وهذه الأحْرُفُ السبعةُ التي مَعْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خَارِجَةٍ من الذي كُتِبَ في مصاحِف المسلمين التي اجتمع عليها السلفُ المرضيُّون والخلف المتبعون فمن قَرَأَ بحرفٍ لا يُخَالِفُ المصحفَ بزيادةٍ أو نُقْصانٍ أو تقديم مؤخَّرٍ أو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأَ به إِمامٌ من أَئِمَّة القُرَّاءِ المُشتهرين في الأَمْصَارِ فقد قرأ بحرْفٍ من الحُرْوف السبعة التي نزل القرآن بها، ومن قرأَ بحرفٍ شاذٍّ يُخَالِفُ المصحفَ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القَرَأَةِ المعروفين، فهو غيرُ مصيبٍ.

وهذا مذهبُ أهلِ العِلْم الذين هم القُدْوَة، ومذهبُ الراسخِين في عِلْمِ القرآن قديمًا وحديثًا، وإلى هذا أَوْمَى أبو العباس

النحويُّ، وأبو بكرٍ الأنبارِيُّ في كتاب له ألَّفَهُ في اتِّباع ما في المصحَفِ الإمَامِ، وافقه على ذلك أبو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِىء أهلِ العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين.

ولا يجوز عندي غيرُ ما قالوا، والله يوفقنا للاتّباع وتجنُّبِ الابْتداع، إنه خير مُوَفِّق وخيرُ مُعين.

وقال الليث: التحريفُ في القرآن: تغييرُ الكلِمَةِ عَنْ مَعنَاهَا وهي قريبَةُ الشَّبَهِ، كما كانت اليهودُ تُغَيِّر مَعانِيَ التوْراةِ بالأَشْبَاه، فوصَفَهم الله بِفِعْلِهم فقال {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ} [النِّساء: 46] قال: وإذا مال إنسانٌ عن شيء يقال: تحرّف وانْحَرَفَ واحْرَورَف وأنشد في صفة ثور حفر كناسًا فقال:

وإن أصاب عُدَوَاءَ احْرورفا

قال: والحَرْف النَّاقة الصُّلْبَةُ، شُبِّهت بِحَرْفِ الجبل.

وأنشد:

جُمَالِيَّةٌ حَرْفٌ سِنَادٌ يَشُلُّهَا *** وَظِيفٌ أَزَجُّ الخَطْوِرِيَّانُ سَهْوَق

قال: وهَذَا البَيْتُ يَنْقُضُ تفسيرَ مَنْ قال: ناقة حَرْفٌ: أَيْ مَهْزولَةٌ شبِّهت بحرْفِ كتابَةٍ لِدَقَّتِها وهُزَالِها.

وروى أبو عبيدٍ عن أبي عَمْرو أنه قال: الحرْفُ: الناقَةُ الضَّامِرُ، قال: وقال بعضهُم: شُبِّهَت بِحَرْف الجبل.

قال أبو عبيدٍ وقال الأَصمعيُّ: الحرفُ: المَهْزُولَةُ، وقال شَمِر: الحَرْفُ من الجَبَلِ: ما نَتَأَ في جَنْبِهِ منه كَهَيْئَةِ الدُّكَّانِ الصغيرِ أو نحوِه.

قال والحرف أيضًا في أعْلَاهُ تَرَى له حَرْفًا دقيقًا مشرفًا على سواءِ ظَهْرِه.

أبو العباس عن ابن الأعرابيِّ قال: الحرْفُ: الشَّكُّ في قول الله جل وعز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ} [الحَجّ: 11] أي شَكٍّ.

قال أبو العبَّاسِ: والعربُ تَصِفُ الناقَةَ بالحَرْفِ لأَنَّها ضَامِرٌ ضَامِرٌ، وتُشَبَّهُ بالحَرفِ من حُرُوفِ المُعْجَم، وهو الأَلِفُ.

وتشبَّه بِحَرْفِ الجبَل إذا وصفت بالعِظَم.

قال هذا في تفسير قول كعب: حَرْف أخوها أبوها من مهجَّنة وقال الليث: الْحُرْفُ: حَبٌّ كالخَرْدَلِ، الواحدة حُرْفَةٌ.

قال: والمُحَارَفَةُ: المُقَايَسَةُ بالمِحْرَافِ، وهو المِيلُ الذي يُسْبَرُ به الجِرَاحَاتُ وأنشد:

كما زَلَّ عَنْ رَأْسِ الشّجِيج المُحَارِف

أبو عُبَيْدٍ عن أبي زيدٍ: أَحْرَفَ الرجلُ إِحرافًا إذا نما مَالُه وصَلُحَ.

ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ أنه قال: موت المؤمِنِ بعَرَق الجبين تبقَى عليه البقيَّةُ من الذُّنُوبِ فَيحَارَفُ عند الموت أي يُقَايَسُ بها فيكون كفارةً لذنوبه.

ومعنى عَرَقِ الجبينِ شدّةُ السِّيَاق.

ويقال: لا تُحَارِفْ أخَاكَ بالسوءِ: أي لا تُجَازِهِ بِسُوءِ صَنِيعِه تُقَايِسْه، وأحْسِنْ إِذَا أَساءَ، واصْفَحْ عنه.

ويقال للمَحْروم الذي قُتِّرَ عليه رزقُه مُحَارَفٌ.

حدَّثَنَا عبدُ الله بنُ عُرْوَةَ عن أبي بكرٍ بن زَنْجَوَيْهِ عن محمدِ بن يوسفَ عن سفيانَ قال حدثنا أو إسحاقَ عن قسر ابن كركم عن ابن عباس في قوله: (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ

لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) 19 [الذّاريَات: 19] قال: (السائلُ): الذي يسألُ الناسَ، و (المحروم): المُحَارَفُ الذي ليس له في الإسلام سَهْمٌ، فهو مُحَارَفٌ.

قالَ وأخْبَرَنا الزعْفرانيُّ عن الشافِعِيِّ أنه قال: كُلُّ من استغْنَى بكَسْبِه فليس له أن يسألَ الصدقَةَ وإذا كان لا يبلغ كسبه ما يُقِيمُه وعيالَه فهو الذي ذكر المفسِّرُونَ أنَّه المحرومُ المُحَارَفُ.

قال: والمُحَارَفُ: الذي يَحْتَرِفُ بيديه قد حُرِمَ سهْمَه من الغنيمة لا يَغْزُو مع المسلمين فبقي محرومًا يُعْطَى من الصدقةِ ما يَسُدّ حِرمَانَهُ.

وجاء في تفسير قول الله جلّ وعز: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أنّ المحرومَ هو المُحَارَفُ، والاسْمُ منْهُ الحُرْفَةُ بالضَّم، وأما الحِرْفَة فهو اسم من الاحْتِرَافِ، وهو الاكتسابُ؛ يقال هو يَحْرِفُ لعياله ويَحْتَرِفُ، وَيَقْرِشُ وَيَقْتَرِشُ، ويَجْرَحُ ويَجْتَرِحُ: بمعنى يَكْتَسِبُ.

ثعلبُ عن ابن الأعرابيِّ قال: أَحْرَفَ الرجُلُ إذا جازَى على خيرٍ أو شَرٍّ.

قال ومنه الخبرُ: «إن العبدَ ليُحَارَفُ على عَمَلِه الخيرَ والشرَّ».

قال: وأحرف إذا استغنى بعد فقر وأحرف الرجل إذا كدّ على عياله أبو عُبَيْدة عن أبي زيدٍ: أحْرَفَ الرجُلُ إِحْرَافًا إذا نَمَا مَالُه وصَلَح.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


106-تهذيب اللغة (كهل)

كهل: قال الله جلّ وعزّ: في قصة عيسى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} [آل عِمرَان: 46].

قال الفرّاء: أراد ومُكلِّمًا الناس في المَهد وكَهْلًا.

والعرب تَجعل يَفعل في موضع فاعل إذا كانا في عُطوفٍ مجتمِعَيْن في الكلام.

قال الشاعر:

بتُّ أُعَشِّيها بعَضْبٍ باتِرِ *** يَقصدُ في أسؤُقِها وَجائرِ

أراد قاصدٍ في أَسْؤُقِها وجائر؛ وقد قيل إنّه عطَف الكَهْل على الصِّفَة، أراد بقوله {فِي الْمَهْدِ} [آل عِمرَان: 46] صبيًّا وكهْلًا، فردّ الكَهل على الصِّفة كما قال الله: {دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِدًا} [يُونس: 12].

وأخبرني المنذريّ عن أحمدَ بنِ يحيى أنّه قال: ذكر الله جلّ وعزّ لعيسى آيتين: إحداهما: تكليمه الناسَ في المَهد، فهذه مُعْجزة، والأخْرَى: نُزوله إلى الأرض عند اقتراب الساعة كَهْلًا ابنَ ثلاثين سنةً يُكلِّمُ أُمَّةَ محمدٍ، فهذه الآية الثانية.

قال: وأخبرنا ابن الأعرابيّ أنه يقالُ للغلام: مُراهِق، ثم مُحْتلِم، ثم يقال: خَرَجَ وجهُه ثمّ أَبقلتْ لحيَتُه، ثمَّ مُجْتمِع، ثمَ كهْل وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً.

قلت: وقيل له حينئذٍ: كَهْل: لانتهاء شبابه وكمالِ قوَّتِه.

وكذلك يقال للنّبات إذا تمَّ طوله: قد اكتَهل.

وقال الأعشى يصفُ نباتًا:

يُضاحِكُ الشمسَ منها كوكبٌ شَرِقٌ *** مُؤَزَّرٌ بِعَميمِ النَّبْتِ مُكْتهِلُ

قوله: يُضاحِكُ الشمسَ، معناه يَدُور معها، ومُضاحكتُه إيَّاها حَسْنٌ له ونَضْرَة، والكوكَبُ: مُعظم النبات، والشَّرق الرَّيَّان الممتلِىءُ ماءً، والمؤَزَّر: الذي صار النَّبات كالإزار له، والعَميم: النّبات الكَثِيف الحسَن، وهو أكثرُ من الجَميم.

يقال: نباتٌ عَميم ومُعْتَمّ وعَمَم.

قلتُ: وإذا بلغ الخمسين فإنه يقال له: كَهْل.

ومنه قوله:

هل كَهْلُ خَمْسينَ إنْ شاقَتْهُ منزلةٌ *** مُسَفَّهٌ رأيُه فيها ومَسْبُوبُ

فجعَلَه كهلًا وقد بلغ الخمسين.

وقال الليث: الكهل الذي وخَطَه الشَّيْب ورأيتَ له بَجَالَةً، وامرأَةٌ كَهلة.

قال: وقلَّ ما يقولون للمرأة كَهْلة مُفْرَدة إلّا أن يقولوا: شَهْلة كَهلة، وجمعُ الكَهل كُهول وكُهْل.

قال: واكتَهلت الرَّوضة: إذا عَمَّها نَوْرُها.

قال: وقال بعضهم: نعجَة مكتهِلة، وهي المُختمِرة الرأسِ بالبياض.

قلتُ: نعجَةٌ مكتَهِلةٌ: إذا انتهى سِنُّها.

ورَجلٌ كَهلٌ، وامرأَةٌ كهلةٌ: إذا انتهى شَبابُهما، وذلك عند استكمالهما ثلاثًا وثلاثين سنة.

وقد يقال: امرأة كهلةٌ وإن لم يُذكَر معها شَهْلَة.

قال ذلك الأصمعي، وابنُ الأعرابي وأبو عبيدة.

وقال ابن السكيت: الكُهْلُول والوُهْشُوش والبُهلُول: كلُّه السَّخيُّ الكريم.

وقال الليث: الكاهل مُقدَّم الظّهر ممّا يلي العُنُق، وهو الثلث الأعلى فيه ستُّ فَقارات، قال امرؤ القيس:

له حارِكٌ كالدِّعْصِ لَبَّدَه الثَّرَى *** إلى كاهل مثل الرتاج المضبب

وقال ابن شميل: الكاهل: ما ظَهَر من الزَّوْر والزور ما بَطَنَ من الكاهل.

وقالُ غيره: الكاهل من الفَرَس: ما ارتَفَع من فروع كَتِفَيه، وقال أبو دواد:

وكاهل أفرع فيه مع الإ *** فراع إشرافٌ وتَقْبيبُ

وقال أبو عُبيدة: الحارِكُ فروع الكَتِفين، وهو أيضًا الكاهل، قال: والمَنسِج أسفلُ من ذلك، والكاثِبة مقدَّمُ المَنْسج.

ورُوي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أَنَّ رجلًا أرادَ الجهادَ معه، فقال: «هل في أَهلِك مِن كاهِل؟» ويُرْوَى مَنْ كاهَل فقال: لا.

قال «ففيهم فجاهِدْ».

قال أبو عُبيد: قال عُبيدة: هو مأخوذ الكَهْل، يقول: هل فيهمْ مَنْ أسَنَّ وصار كَهْلًا، يقال منه: رجل كَهْل وامرأةٌ كَهْلة، وأنشدنا قول الراجز:

ولا أَعودُ بَعْدَهَا كَرِيّا *** أُمارِس الكَهْلَة والصَّبِيّا

ورُوِي عن أبي سعيد الضرير أنه قال فيما ردّ على أبي عُبَيد: هذا خطأ قد يَخْلُفُ الرجلَ في أهله كهلًا وغير كهل، قال: والذي سمعناه من العرب من غير مسألة أن الرجل الذي يخلُف الرجلَ في أهله يقال له الكاهِن، وقد كهَن يَكْهُن كُهونًا، قال: فلا يخلو هذا الحرفُ من شيئين أحدهما أن يكون المحدَّثُ ساء سمعه فظَنّ أنه كاهل، وإنما هو كاهِنٌ، أو يكون الحَرْف تُعاقَب فيه بين اللّام والنّون، كما قالوا: هَتَنَتِ السماءُ وهَتَلَت، ومنه الغِرْيَن والغِرْيَل لما يَبْقَى في أسفل الحَوْض من الطِّين.

قلت: وهذا الّذي قاله أبو سَعيد له وَجْه غيرَ أنّه مستكرَه، والذي عندي في تفسير قوله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم للرجل الذي أراد الجهادَ مَعَه: هل في أهلِك من كاهِل؟

معناه هل في أهلِكَ مَنْ تَعْتَمِده للقيام بشأن عيالِك الصِّغار ومَن تخلُفه ممَّن يَلزمُك عَوْلُه؟ فلما قال له: ما هم إلا صِبْية صِغار أجابه فقالَ تَخلَّف وجاهِدْ فيهم ولا تضيِّعهم.

وسمعتُ غيرَ واحد من العرب يقول: فلانٌ كاهِلُ بني فلان: أي معتَمدُهم في المُلِمَّات وسَنَدهم في المُهمَّات، وهو مأخوذ من كاهل الظَّهْر، لأنَّ عُنُق الفَرَس يتسانَد إليه إذا أَحْضَر، وهو معتَمد مقدَّم قَرَبُوس السَّرج، واعتماد الفارس عليه، ومن هذا قولُ رؤبةَ يَمْدَح مَعَدًّا:

إذَا مَعَدُّ عَدَّتِ الأوائلا *** فابْنا نِزَارٍ فَرَّجا الزَّلازِلا

حِصْنَيْن كانا لَمَعدٍّ كاهِلا

أي: كانا يَعنِي ربيعةَ ومُضَر عُمْدة أولاد مَعَدّ كلِّهم، ثمّ وصفَهما فقال:

ومنكبين اعتليا التَّلاتِلَا*

والعرب تقول: مُضرُ كاهِلُ العرب، وتميم كاهِلُ مُضَر، وسعد كاهل تميم.

قلت: فهذا يبيِّن لك صحة ما اخترناه من هذه الأقاويل، والله أعلم.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ: فلانٌ شديدُ الكاهل، أي منيع الجانب، ويقال طار لفلان طائرٌ كَهْل، إذا كان له جَدُّ وحَظٌّ في الدنيا.

عمرو، عن أبيه: الكَهُول: العَنْكبوت قال: وحُقُ الكَهول: بَيْتُه.

وقال عمرو بنُ العاص لمعاوية حين أراد عزلَه عن مصر: إنّي أتيتُك من العراق وإنَّ أَمْرَك كحُقِ الكَهُول، فما زِلتُ أسْدِي وأُلْحِم حتى صار أَمرُك كَفلْكة الدّرَّارة وكالطِّراف الممدّد.

ورَوَى ابن السكّيت عن أبي عَمرو أَنّه قال: يقال للرجل: إنه لذو شاهِق وكاهِل وكاهِن، بالنون واللام، إذا اشتدّ غضبُه، ويقال ذلك للفَحْل عند صِياله حين تَسْمع له صوتًا يَخْرج من جوفه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


107-تهذيب اللغة (ربخ)

ربخ: قال الليث: الرَّبُوخُ: المرأَةُ يُغْشَى عليها عند الْمُلَامَسة.

يقال: رَبَخَتْ تَرْبَخُ رَبَخًا ورُبُوخًا وَرَبَخَتْ رَبَاخًا.

.

فهي رَبُوخٌ.

قال: ومُرْبِخٌ: رَمْلٌ بالباديةِ بعَيْنِه.

وأخبَرنا المنذريُّ ـ عن أبي الهيثَم ـ أنَّهُ قال: سُمِّي جَبَلُ «مُرْبِخٍ» مُرْبِخًا لأنَّه يُرْبِخُ الماشِيَ فيه من التعب والمشقَّة ـ أي يُذْهِبُ عَقْلَهُ ـ كالرَّبُوخِ التي يُغْشَى عَلَيْهَا من شِدَّةِ الشَّهْوَةِ.

.

وأنشد:

أَطْيَبُ لَذَّاتِ الْفَتَى *** نَيْكُ رَبُوخٍ غَلِمَهْ

ورُوِيَ عن عليٍّ رضي‌الله‌عنه أَنَّ رجلًا خاصمَ إليهِ أَبَا امْرَأَتِه، وقال: زَوَّجَنِي بنْتَه وهي مَجْنُونَةٌ! !

فقال ما بدَا لك مِن جُنُونِها؟

فقال: إذا جَامَعْتُها غشي عليها.

فقال: تلكَ الرَبُوخ! ! لَسْتَ لهَا بِأَهْل! !

أَرَادَ أَنَّ ذلكَ يُحمَدُ منها.

وقال الليث: رَبِختِ الإبِلُ في المرْبِخِ ـ أَي: فَتَرَتْ في ذَلك الرَّمْل من الْكَلَالِ وَأَنشد:

أَمِنْ حِبَالِ مُرْبِخٍ تَمَطَّيْن *** لَا بُدّ مِنْهُ فَانْحَدِرْنَ وَارْقَين

أَوْ يَقْضِيَ الله ذُبَابَاتِ الدَّيْن

قال: وَرَجُلٌ رَبيخٌ: ضَخْمٌ.

.

وأنشد:

فَلَمَّا اعْتَرَتْ طَارِقَاتُ الْهُمُومِ *** رَفَعْتُ الْوَليَّ وَكُورًا رَبِيخَا

ـ أيْ: ضَخْمًا.

ثعلب ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: أَرْبَخَ الرَّجلُ ـ إذا وقَعَ في الشدَائدِ.

وَأَرْبَخَ الرَّمْلُ ـ إذا تَكاثَفَ.

وَأَرْبَخَ المَاشِي فيه ـ إذا اشْتَدَّ عليهِ السَّيْرُ فيه.

وَأَرْبَخَ الرَّجلُ ـ إذا اشْترَى جَارِيَةً رَبُخًا، وهي التي تَنْخَرُ عند الجمَاع وَتَضْطَرِبُ كأنهَا مَجْنُونةٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


108-تهذيب اللغة (خلف)

خلف: قال الليث: الْخَلْفُ: ضِدُّ قُدَّامٍ.

قال: والْخَلْفَ: حَدُّ الفَأس ـ تقول: فَأسٌ ذاتُ خَلْفَيْن، وذاتُ خَلْفٍ، والجَمِيعُ: الْخُلُوفُ.

وقال الله جلّ وعزّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ} [مريَم: 59].

وقال أبو العبَّاس أحمدُ بنُ يَحيى: النّاسُ كلُّهُم يقولون: خَلَفُ صِدْقٍ وخَلَفُ سُوْءٍ.

قال: وَخلْفٌ: للسَّوْء لا غيْرُ.

وأبو عبيدة: معهم، ثم انفرَدَ وحْدَهُ فقال: ويقال لِلصِّدْقِ أيضًا: خَلْفُ صِدْقٍ.

وأخبرني المنذريُّ ـ عن أبي طالب.عن أبيه.عن الفرّاء ـ أنه قال في قوله جلّ وعزّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعرَاف: 169].

قال: الْخَلْفُ يُذْهَبُ به إلى الذَّمِّ ـ والْخَلفُ: خَلَفٌ صالح.

وقد يكون في الرَّدِيءِ خَلَفٌ، وفي الصالح خَلْفٌ.

لأنهم يَذْهَبون به إلى «القَرْنِ».

قلتُ: فَأَرَى الفرَّاءَ أجاز: «خَلْفٌ» في الصّالِحِ، كما أجازه أبو عبيدة.

وأخبرني المنْذِرِيُّ ـ عن الحَرَّانيِّ.

عن ابن السِّكِّيتِ ـ أنه قال: يقال: هذا خَلَفُ صِدْقٍ، وهذا خَلَفُ سُوءٍ.

ويقال: هذا خَلْفٌ ـ بإسكان اللام ـ: للرَّدِيءِ.

ويقال هذا خَلْفٌ من القَوْلِ ـ أي: رَدِيءٌ.

ويقال في مَثَلٍ: «سَكَتَ ألفًا ونَطَقَ خَلْفًا».

للرجل يُطِيل الصمْتَ، فإذا تكلَّمَ تكلَّمَ بالخَطأ.

ويقال: هَؤُلاءِ خَلْفُ سُوْءٍ، وهذا خَلْفُ سُوْءٍ.

وقال لَبِيدٌ:

ذَهَبَ الّذِينَ يُعاشُ في أَكْنَافِهِمْ *** وَبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ

قال: والخَلْفُ: الاستِقاءُ.

ـ عن أبي عمرو.

بفتح الخاء ـ.

وأنشد قولَ الْحُطَيْئةِ:

لِزُغْبٍ كأَوْلَادِ الْقَطَارَاثَ خَلْفُهَا *** عَلَى عَاجِزَاتِ النَّهْضِ حُمْرٍ حَوَاصِلُه

قلتُ: وروى شمِرٌ ـ لأبي عُبَيْدٍ ـ: هذا الْحَرْفَ ـ الْخَلْفُ ـ بكسر الخاء في «المؤلَّفِ» فقال: الْخِلْفُ بكسر الخاء: الاستِقاءُ.

قال: والمُسْتَخْلِفُ: الْمُسْتَقِي.

والخَلْفُ: الاسمُ منه.

يقال: أخْلَفَ، واسْتَخْلَفَ.

وقال ذُو الرُّمَّةِ:

وَمُسْتَخْلِفاتٍ مِنْ بِلَادِ تَنُوفَةٍ *** لِمُصْفَرّةِ الأشْدَاقِ حُمْرِ الْحَوَاصِلِ

قلت: والْخِلْفُ والْخَلْفُ ـ بمعنى الاستِقَاءِ ـ: لغتان.

وقال ابن السكِّيتِ: الْخِلْفُ ـ بالكسر ـ: واحدُ أَخْلَافِ الضَّرْعِ، وهو طَرَفُهُ.

وقال الفرَّاءُ ـ في قول الله جلّ وعزّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ} [الأعرَاف: 169] قال: قَرْنٌ.

قال: والْخَلَفُ: ما استَخْلفْتَهُ.

تقول: أعطاك الله خَلَفًا مما ذهب لك ـ ولا تَقُلْ: خَلْفًا.

وأنت خَلْفُ سُوءٍ من أبيك.

وأخبرنا المُنذِريُّ ـ عن ثعْلَبٍ.

عن سَلَمةَ.

عن الفرَّاء ـ قال: ويقال ـ إذا مات للرجل بُنَيٌّ صغيرٌ قد يُبْدَلُ ـ أَخلَف الله لك.

وكذلك.

إِذا ذهب له مالٌ.

قلتَ: أَخلفَ الله لك.

قال: وإذا مات أَبُو الرجل أو الأمُّ أو ذهب له مالا يُخْلَفُ.

قيل: خَلَفَ الله عليك ـ بغير أَلِفٍ.

قلتُ: وقِيلَ: معناه: كان الله خليفةَ مَنْ مضى عليك.

وفي حديث عائشة رضي‌الله‌عنه أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم قال لها: «لَوْ لا أَنَّ قَوْمكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْر لَنَقَضْتُ الْكعْبَةَ وَبَنيْتُها عَلَى أَساسِ إبْرَاهِيمَ، وَجَعَلْتُ لها خَلْفًا.

فَإنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ مِنْ بِنَائِه».

قلتُ: الْخَلْفُ: المِرْبَدُ.

في كلام العرب يُجْعَلُ وراء البيوت، وفي مَأوًى للدّوَاجنِ وغيرها.

وأراد بالْخَلْفِ: شَبيهًا بالْحِجْرِ.

الذي: هو ممَّا يَلِي الميزَابَ.

ويقال للقُصَيْرَى ـ من الأضلاع ـ: خِلْفٌ.

بكسر الخاء.

قال: والْخَلْفُ: المِرْبَدُ.

والْخَلف: الظَّهْرُ.

قال ذلك كلَّهُ ابنُ الأعرابيِّ.

وقال طرَفةُ:

وَطَيُّ مَحَالٍ كالْحَنِيِ خُلُوفُهُ

وقال الليث: الخُلُوف: جمعُ خِلْفٍ، وهي القُصَيْرَى.

قال: والخِلْفُ: الآخِرُ من الأطْبَاء.

ويقال: الْخِلْفُ هو الضَّرْعُ نَفْسُهُ.

قلت: الخِلْفُ هو الطُّبْيُ آخرًا كان أو قادِمًا.

وجمعُه: أَخْلَافٌ.

وقال الرَّاجزُ:

كأنَ خِلْفَيْها إذا ما دَرَّا

أراد بِخِلْفَيْها: طُبْيَي ضَرْعِهَا.

وقال الليث: الْخَلْفُ: القومُ الذين ذَهَبُوا من الحيِّ يَسْتَقُون، وخَلَّفُوا أَثْقَالهم.

قلتُ: الْخَلْفُ: الاستقَاء.

قال ذلك أبو عمرو.

وهو اسمٌ ـ من الإخْلَاف.

وقال الكِسائيُّ: يقال لكلِّ شيئين اختلَفَا: هما خِلْفَانِ وخِلْفَتانِ.

ويقال: له ابنان خِلْفَانِ، وله عبْدَانِ خِلْفَانِ، وله أَمَتَانِ خِلْفَانِ ـ إذا كان أحدهما طويلًا والآخر قصيرًا، أو كان أحدهما أَبْيَضَ والآخَرُ أَسْودَ.

وَقال الراجزُ:

دَلْوَايَ خِلْفَانِ وَسَاقِياهُمَا

يقول: إحداهما مُصْعِدَةٌ ملأى والأُخْرَى فَارِغَةٌ مُنْحَدِرَةٌ.

أو إحداهما جَدِيدَةٌ، والأخرى خَلَقٌ.

وقال غيرُه: وَلَدُ فُلان خِلْفَةٌ أي: نِصْفٌ صِغَارٌ، ونِصْفٌ كِبَارٌ.

ونِصْفٌ ذكُورٌ، ونِصْفٌ إنَاثٌ.

ويقال: علينا خِلْفَةٌ مِن نَهَارٍ ـ أي: بَقِيَّةٌ.

وبقي في الْحَوْض خِلْفَةٌ مِنْ مَاءٍ.

قلتُ: وكلُّ شيء يجيءُ بعد شيءٍ فهو خِلْفَةٌ.

وقال الله جلّ وعزّ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً} [الفُرقان: 62].

وَقال الفرَّاءُ:

يقول: يَذْهَبُ هذا، ويَجِيءُ هذا وأنشد لِزُهَيْرٍ:

بِهَا الْعِينُ وَالأرَامُ يَمْشِين خِلْفَةً *** وَأَطْلَاؤُهَا يَنهَضْنَ منْ كلِّ مَجْثَم

قال: فمعنى قول زُهَيْرٍ: (يَمْشِينَ خِلْفَة) أي: مُخْتَلِفَاتٍ.

في أنها ضَرْبَانِ في ألوانها وهَيْئَتِها.

وتكونُ خِلْفَةً في مِشْيتِها.

تَذْهَبُ كذا وتَجِيءُ كذا.

قال الفرَّاءُ: وَقد يكونُ قَوْلُ الله عزوجل: خِلْفَةً [الفرقان: 62] ـ أي: مَنْ فَاتَهُ عَمَلٌ من اللَّيْلِ استَدْرَكَهُ في النهار.

فَجعلَ هذا خَلَفًا مِنْ هذا.

قلت: وقد رُوِيَ عن الْحَسَنِ نَحْوٌ مِنْ هذا.

وقال الأصمعيُّ: خِلْفَةُ الثَّمَرِ: الشيءُ يَجِيءُ بَعْدَ الشيْءِ.

ويقال: نَتَاجُ فُلَانٍ خِلْفَةٌ ـ أي: عَامًا: ذَكَرٌ، وعامًا: أُنْثَى.

ويقال: من أَيْنَ خِلْفَتُكُمْ؟ أي: من أين تَسْتَقُون؟ ويقالُ: وَرَاءَ بيتِه خَلْفٌ جَيِّدٌ.

وهو المِرْبَدُ.

وهو مَحْبِسُ الإبِلِ.

وَيقال: هو مِنْ أبيه خَلَفٌ ـ أي بَدَلٌ.

والْبَدَلُ من كل شيء خَلَفٌ منه.

وقال الله جلّ وعزّ: {وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزّخرُف: 60].

أي: يَكُونون بَدَلَكُمْ في الأرض.

وقال الأصمعيُّ: الْخِلْفَةُ مِنَ الْبَطْنِ.

يقال: به خِلْفَةٌ ـ أي: به بَطْنٌ وهو الاخْتِلَافُ.

والْخِلْفَةُ ما أنْبَت الصيْفُ من العُشْبِ بعدَ ما يَبِسَ العُشْبُ.

وكذلك.

ما زُرعَ من الحُبُوبِ ـ بعد إدْرَاكِ الأُولَى: خِلْفَةٌ.

لأنها تُسْتَخْلَفُ.

أبو عبيد ـ في باب الأضداد ـ: قال غيْرُ واحدٍ: الخُلُوف: الْغَيَبُ.

ويُقالُ: الْحَيُ خُلُوفٌ: أي: غَيَبٌ.

قال: والخُلُوفُ: الْمُتخَلَّفُونَ.

وقال أبو زُبَيْدٍ الطَّائيُّ:

أَصْبَحَ البَيْتُ بَيْتُ آلِ بَيَانٍ *** مُقْشعِرًّا والْحيُّ حَيٌ خُلُوفُ

ورُوِيَ عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم ـ أنَّهُ قال: «لَخُلُوفُ فم الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».

قال أبو عبيد: الْخُلُوفُ: تَغَيُّرُ طَعْم الْفَم لِتَأْخِير الطعام.

يقال منه: خَلَفَ فَمُهُ.

يَخْلُفُ خُلُوفًا.

قاله الكسائيُّ، والأصمعيُّ، وغيرُهما.

قال: ومنه حديث عليٍّ عليه‌السلام ـ حين سُئِلَ عن الْقُبْلَةِ للصَّائم ـ فقال: وَمَا أَرَبُكَ إلى خُلوفِ فِيهَا؟؟

وقال الأصمعيُّ: يقال: خَلَفَ فُلانٌ عن كلِّ خَيْرٍ.

فهو يَخْلُفُ خُلُوفًا ـ إذا فَسَدَ ولم يُفْلِحْ.

فهو خَالِفٌ، وهي خَالِفَةٌ.

ويقال: خَلَفَتْ نفسُه عن الطعام.

فهي تَخْلُفُ خُلُوفًا ـ إذا أَضْرَبَتْ عن الطعام من مَرَضٍ.

ويقال: خَلَفَ اللَّبنُ وغَيْرُهُ خُلُوفًا ـ إذا تَغَيَّرَ طعمُه وريحُه.

ويقال: خَلَفَ الرَّجُلُ ـ عن خُلُقٍ أَبيه ـ يَخْلُفُ خُلُوفًا ـ إذا تَغَيَّرَ عنه.

وخَلَف اللَّبنُ يَخلُفُ خُلُوفًا ـ إذا أُطِيلَ إِنْقَاعُهُ.

حتى يَفْسُدَ.

وَخَلَفَ النّبِيذُ ـ إذا فَسَدَ.

وبعضُهُمْ يقول: إذا أَخْلَفَ ـ أي: حَمُضَ.

ويقال: خَلَفَ فلانٌ مَكانَ أَبيهِ يَخْلُفُ ـ إذا كان في مكانهِ، ولم يَصِرْ فيه غَيْرُهُ.

ثعلبٌ ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: أَبِيعُكَ هذا الْعَبْدَ، وأَبْرَأ إليكَ من خُلْفَتِه.

ورجلٌ ذُو خُلْفَةٍ.

وقال ابن بُزُرْجَ: خُلْفَةُ الْعَبْدِ: أَن يَكونَ أَحْمَقَ مَعْتُوهًا.

وإنَّه لَطَيِّبُ الْخُلْفَةُ ـ أي: طَيِّبُ آخرِ الطَّعم.

وقد خَلَفَ يَخْلُفُ خَلَافَةً وخَلْفًا.

قال: والخَالِفَةُ: الأَحْمَقُ.

القَلِيلُ العَقْلِ.

ورجلٌ أَخْلَفُ وخُلْفُفٌ ـ مَخْرجَ قُعْدُدٍ ـ وامرأةٌ خَالِفَةٌ وخَلْفَاءُ وخُلْفُفَةٌ وخُلْفُفٌ ـ بغير هاء ـ.

وهي الحمقاء.

ويقال: خَلَفَ فلانٌ يَخْلُفُ خِلَافَةً.

وخَلْفًا.

وقال ابن الأعرابي: والْخُلْفُوفُ: الْعَبْدُ اللَّجُوجُ.

والخُلُوفُ: الحيُّ إذا خرج الرجالُ، وبقيَ النساء.

والْخُلُوفُ: إذا كان الرجالُ والنساء في الدَّارِ.

مُجْتَمِعِينَ في الحيِّ.

قال: وهذا: من الأضْدَادِ.

قال: والخَالِفَةُ: اللَّجُوجُ من الرِّجال.

ورجلٌ فيه خِلَفْنَةٌ ـ إذا كانَ مُخالِفًا.

وما أدري أَيُ خَالِفَةَ هو ـ غيرَ مَصْروفٍ ـ أيْ: أيُّ الخَلْق هو؟ ورجلٌ خَالِفٌ.

وخَالِفَةٌ.

وخِلَفْنَةٌ وخِلَفنَاةٌ.

أبو عبيد ـ عن اليزيدي ـ: خَلَف الله عليكَ بِخيْرِ خِلَافةٍ.

قال: وقال الأصمعي: خَلَفَ فلانٌ بعَقبي.

وذلك إذا ما فارقه عَلَى أَمرٍ، ثم جاءَ مِنْ ورَائِه فجعل شيئًا آخر بعد فِرَاقِهِ.

اللَّحيَانيُّ: خَلَفَ فلانٌ فلَانًا ـ في أهله وفي مكانه ـ يخْلُفُ خِلَافَةً حَسَنَةً.

ولذلك قيل: أَوْصَى له بالخِلَافةِ.

ويقال: خَلَفَنِي رَبِّي في أهل ومَالِي أَحْسَنَ الْخِلَافَةِ.

وقال الْفَزَارِيُّ: بَعِيرٌ مَخْلُوفٌ: قد شُقَّ عَنْ ثِيلِه منْ خَلْفِهِ ـ إذا حَقِبَ.

قال: والمَخْلُوفُ: الثَّوْبُ المَلْفُوقُ.

والمَخْلُوفُ: الذي أصَابَتْهُ خِلْفَةٌ ورِقَّة بَطْنٍ.

وخَلَفَ له بالسَّيْف ـ إذا جاءَهُ من خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ.

أبو عبيد ـ عن أبي عمرو ـ: خَلَفْت القَمِيصَ أَخْلُفُهُ فهو خَلِيفٌ.

وذلك أَن يَبْلَى وسَطُه ـ فَتُخْرِجُ البَالِيَ منهُ ثمّ تَلْفِقُهُ.

وأنشد شَمِرٌ:

يُرْوِي النَّدِيمَ إذا تَنَاشَى صَحْبُهُ *** أُمَّ الصَّبِيِّ وَثَوْبُه مَخْلُوفُ

يريد: إذا تَنَاشَى صَحْبُه أُمَّ وَلَدِهِ من الْعُسْرِ، فإنه يُرْوِي نَدِيمَه، وثَوْبُه مَخْلُوفٌ مِنْ سُوءِ حَالِه.

شمِرٌ ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: امرأةٌ خَلِيفٌ ـ إذا كان عَهْدُهَا بعدَ الوِلادةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.

وقال غيرُهُ: يقال للناقة العائِذِ: خَلِيفٌ ـ أيضًا.

وقال اللِّحْيَانِيُّ: الخَلِيفُ: الطَّرِيقُ خَلْفَ الْجَبَل، أو الطريقُ بين الجَبَلَين.

وقال الأصمعيُّ: حَلَبَ فُلَانٌ ناقتَه خَلِيفَ لِبَائِهَا.

يَعْنِي الْحَلْبَةَ التي بعدَ ذَهَابِ اللِّبَاءِ.

أبو عبيد: الْخَلِيفُ ـ من الجسد ـ ما تحْتَ الإبْطِ.

وقال الليث: الْخَلِيفَانِ ـ من الإبل ـ: كالإبْطَيْنِ من النَّاس.

قال: والْخَلِيفُ فَرْجٌ ـ بين قُنَّتَيْنِ ـ مُتَدَانٍ قليلُ الْعَرْضِ والطُّول.

قال: والْخَلِيفُ: مَدَافِعُ الأوْدِية.

وإنما ينتهي المَدْفَعُ إلى خَلِيفٍ لِيُفْضِيَ إلى سَعَةٍ.

أبو عبيدٍ ـ عن الْيَزِيديِّ: يقال: أَخْلَفَ الله لك.

ورَوَى ثعلبٌ ـ عن سَلَمَة.

عن الفرَّاء ـ قال: سمعتُ: «أَخْلَفَ الله عَلَيْكَ».

وقال الأصمعيُّ: يقال: «خَلَفَ الله عليك بِخَيْرٍ» ـ إذا أَدْخَلْتَ الباء أَلْقَيْتَ الألِفَ ـ و «أَخْلفَ الله عليك خَيرًا».

قال: والإخْلَافُ: أن تُعِيدَ على الدّابّة فلا تَلْقَحُ.

والإخْلَافُ: أن يَعِدَ الرجلُ الرجلَ العِدَةَ.

فلا يُنْجِزُها.

والإخْلَافُ: أن يُصيِّرَ الحَقَبَ وراءَ ثِيلِ الْبَعِير، لئلَّا يَقْطَعَه.

يقال: أَخْلِفْ عن بعيرِكَ.

فتصيِّرَ الحَقَبَ وراءَ الثِّيل.

والإخْلَافُ: الاسْتِقاء.

ويقال: أَخْلَفَ الله لك ـ أي: أَبْدَلَ الله لكَ ما ذهب.

وخَلَفَ الله عَليْك ـ أي: كان الله خَلِيفَة وَالدِك عليك.

قال: والإخْلَاف: أن يكونَ في الشجر ثمَرٌ، فيذهبَ، ثم تعودَ فيه خِلْفَةٌ فيقالُ: قد أخْلفَ الشجرُ، فهو يُخْلِفُ إخْلَافًا.

وأَخْلَفَ الشَّجَرُ ـ إذا أَخْرَجَ وَرَقًا بعد وَرَقٍ قد تناثرَ.

والإخْلَافُ: أن يَضرِبَ الرجلُ يدَه إلى قِرَابِ سَيْفه.

ليأخذَ سيفَه إذا رأَى عَدُوًّا.

وفي الحديث: «أَنَّ رَجُلًا أخْلَفَ السَّيْفَ يَوْمَ بَدْرٍ فَضَرَبَ رِجْلَ ابنِ أُمَيَّةَ بنِ خَلفٍ».

قال شمِرٌ: قال الفرّاءُ: أَخْلفَ وَلَدِي ـ إذا أراد سَيْفَه، وأَخْلفَ إلى الْكِنَانَة.

وقال الأصمعيُّ: أَخْلفَ بِيَدِه إلى سَيْفِه.

قال: وأَخْلَفَتِ الأرضُ ـ إذا أصابها برْدُ آخِرِ الصّيف، فيخضَرُّ بَعْضُ شَجَرِها.

والإخْلافُ: أن تَحْمِلَ عَلَى الدّابَّةِ فلا تَلْقَحُ.

والإخْلَافُ ـ في النَّخْلة ـ: إذا لم تحْمِلْ سَنَةً.

والإخْلَاف: أن يأتي على البعير البَازِلِ سَنَةٌ بعد بُزُولِه.

.

فيقالُ: بَعيرٌ مخْلِف.

يقال: هو مُخْلِفُ عامٍ، ومُخْلِفُ عامَين.

وكذلك ما زاد.

والإخْلَافُ: أن يُهْلِك الرجُلُ شيئًا لنفسه أو لغيره ثم يُحْدِثُ مِثْلَه.

والإخْلَافُ: أن يَطلُبَ الرجُلُ الحاجةَ أو الماءَ.

فلا يَجِدُ ما طَلَبَ.

وقال أبو الْحَسنِ: رُجِيَ فلانٌ فأَخْلَفَ.

وأخْلَفَ الطَّائرُ ـ إذا خَرَجَ له رِيشٌ بعدَ رِيشٍ.

ويقال: أَخْلفتِ الناقَةُ العَام، ورجَعَتْ.

وهي ناقَةٌ مُخْلِفَةٌ ـ إذا ظُنَّ أنّ بها حَمْلًا ثم لم تكُنْ كذلك.

ويقال: أَرْجَعَ فلانٌ يَدَه، وأَخْلَفَها ـ إذا ردَّها إلى خَلْفِهِ.

وأَخْلَفَتِ النُّجُومُ ـ إذا لم يَكُن لِنَوْئهَا مَطَرٌ.

وقال الفَرَّاء ـ في قول الله عزوجل: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ} [التّوبَة: 87].

وقوله جلّ وعزّ: {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ} [التّوبَة: 83].

قال: «الْخَوَالِفُ»: النِّساء.

ويقال: عَبْدٌ خَالِفٌ، وصَاحِبٌ خَالِفٌ ـ إذا كان مُخَالِفًا.

ورجُلٌ خَالِفٌ، وامرأَةٌ خَالِفَةٌ ـ إذا كانت فَاسِدَةً، أو مُتَخَلِّفَةً في منزلها.

وقال غيرُه: من النَّحْوِيِّينَ: لم يجىء «فَاعِلٌ» مَجْموعًا على «فَوَاعِلَ» إلَّا قولُهم: «إنه لَخَالِفٌ منَ الْخَوالِفِ».

و «فلان هَالِكٌ في الْهَوَالِكِ».

«وفَارِسٌ من الْفَوَارِس».

وقال الفَرَّاء ـ في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعَام: 165].

قال: جُعِلَتْ أمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم خَلَائِفَ كلِّ الأمَمِ.

وقال الزَّجَّاجُ نَحْوَه.

قال: وقيل: «خَلائِفَ الْأَرْضِ»: يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.

وأخبرني المنذريُّ ـ عن الْحَرَّانيِّ عن ابن السِّكِّيتِ ـ قال: أمَّا «الْخَلِيفَة» فإنه وَقَعَ على الرِّجَالِ خاصَّةً.

فالأجْوَدُ أن يُحْملَ على مَعْنَاهُ.

لأنه إنما يَقَعُ للرِّجال خاصَّةً.

وإن كانت فيه «الهَاءُ».

ألا تَرَى أنَّهُم قد جَمَعُوه: «خُلَفَاءَ»؟ فكلُّ مَنْ جَمَعَهُ «خُلَفَاءَ».

قال: ثَلَاثَةُ خُلَفَاءَ ـ لا غَيْرُ.

وقد جُمِعَ «خَلَائِفَ».

فمنْ قالَ: «خَلَائِفَ» قال: ثلاثُ خَلَائِفَ، وثَلَاثَةُ خَلَائِفَ.

فَمرَّةً يَذْهَبُ به إلى المعْنَى، ومرَّةً إلى اللَّفْظِ.

وأنشد الفرَّاءُ:

أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلَدَتْه أخْرَى *** وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ.

ذَاكَ الْكَمَالُ

فقال: «وَلَدَتْهُ أخْرَى» لتأنيثِ اسمِ الْخَلِيفَةِ.

والْوَجْهُ: أن يقول: «وَلَدَهُ آخَرُ».

الأصمعيُّ ـ يقال: فَرَس به شِكَالٌ مِنْ خِلَافٍ ـ إذا كان في يده الْيُمْنَى ورِجْلِه الْيُسْرَى: بَيَاضٌ.

وقولُ الله جلّ وعزّ: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسرَاء: 76].

وَيُقْرَأُ: «خَلْفَكَ».

ومَعْناهما: بَعْدَكَ.

أبو العبَّاس ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: الْخِلَافُ: كُمُّ الْقَمِيصِ.

يقال: اجْعَلْهُ في مَتَى خِلَافِكَ ـ أي: في وَسَطِ كُمِّكَ.

قال: والْخِلَافُ: الصَّفْصَافُ.

والْخِلَافُ: الْخُلْفُ.

وسمعتُ غيرَ واحدٍ من العرب يقول: إذا سُئِلَ ـ وهو صَادِرٌ عن ماءٍ.

أو مُقْبِلٌ من بَلَدٍ ـ عن رَجُلٍ: أَحَسْتَ فُلَانًا؟ فيُجِيبُهُ: خَالِفتِي.

يريد أنه وَرَدَ الماءَ، وأنا صَادِرٌ عنه.

أبو عبَيْدٍ: الْخَالِفَةُ عَمُودٌ من أَعْمِدَةِ الْخِبَاءِ، وجَمْعُها خَوالِفُ.

وقال اللِّحْيَانيُّ: تَكُونُ الْخَالِفَة في آخِرِ الْبَيْتِ.

وقال غيرُه: الْخَالِفَةُ: الْعَمُودُ الذي يَكُونُ أيضًا ـ قُدَّامَ الْبَيْتِ.

وَيقال: بَيْتٌ ذُو خَالِفَتَيْن.

ويقال: خَلَفَ فُلَانٌ بَيْتَهُ.

يَخْلُفُهُ خَلْفًا ـ إذا جَعَل له خَالِفَةً.

ويقال: أقَامَ فلانٌ خِلَافَ أصحابه ـ أي: لم يَسِرْ معهم حين سَارُوا.

ويقال: سُرِرْتُ بمُقَامِي خَلْفَ أصْحابي ـ أي: سُرِرتُ بِمُقَامِي بَعْدَهُمْ، وبَعْدَ ذهابهمْ.

وقال الليثُ: رجُلٌ خَالِفٌ وخَالِفَةٌ ـ أي: مُخَالِفٌ.

كَثِيرُ الْخِلَافِ.

وقال ابنُ الأعرابيِّ: الْخَالِفَةُ: القَاعِدَةُ من النِّساء ـ في الدَّارِ.

وقال الليثُ: الْخَالِفُ: اللَّحْمُ الذي تجدُ منه رُوَيْحَةً.

ولا بأْس بمَضْغِه.

قال: والْخُلْفُ: اسمٌ وُضعَ موضعَ الإخْلَافِ.

قال: والْخَالِفَةُ: الأمّةُ البَاقِيَةُ بعد الأُمَّةِ السَّالِفَة.

وأَنْشَد:

كَذَلِكَ تَلْقَاهُ الْقُرُونُ الْخَوالِفُ

يعني الموْتَ.

قال: وأَخْلفَ الْغُلَامُ فهو مُخْلِفٌ ـ إذا رَاهَقَ الحُلُمَ.

وَخلفَ فلانٌ بعَقِبِ فُلانٍ ـ إذا خَالَفَهُ إلى أهله.

وقال اللحياني: هذا رجلٌ خَالِفٌ ـ إذا اعْتَزَلَ أهله.

قال: والْمَخْلَفَةُ: الطريق.

يقال: عليك الْمَخْلَفَةُ الْوُسْطَى.

ويقال ـ للذي لا يَكادُ يَفي إذا وَعَدَ ـ: إنَّه لَمِخْلَافٌ.

وقال ابن السكيت: أَلْحَحْتُ على فلانٍ في الاتِّبَاعِ حتى اخْتَلَفْتُه ـ أي: جَعَلْتُهُ خَلْفي.

وقال الليث: يقال: هو يَخْتَلِفُنِي في النَّصِيحَة ـ أي: يَخلُفُنِي.

ويقال أيضًا ـ: اخْتَلَفْتُ فلانًا ـ أي: أَخَذْتُهُ من خَلْفِهِ.

وفي حديث مُعاذٍ: «مَنْ تَحَوَّلَ مِنْ مِخْلَافٍ إلى مِخْلَافٍ فعُشْرُهُ وصَدَقتُهُ إلى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ الأوَّلِ.

إذا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ».

وقال أبو عمرو: يقال: اسْتُعْمِلَ فلانٌ على مَخَالِيفِ الطَّائِفِ.

وهي الأطْرَافُ وَالنَّواحِي.

وقال خالدُ بنُ جَنْبَةَ: في كلِّ بَلَدٍ مِخْلَافٌ.

بِمَكَّةَ، وَالمدينَةِ، والبَصْرةِ، والكوفَةِ.

وقال: مِخْلَافُ الْبَلَدِ سُلطَانُه.

قال: وَكنَّا نَلقى بَنِي نُمَيْرٍ ـ ونحن في مِخْلافِ المدينة، وهم في مِخْلافِ الْيَمَامةِ.

وقال أبو مُعاذٍ: الْمِخْلافُ: «الْبُنْكِرْدُ».

وهو أن يكون لكُلِّ قوْمٍ صَدَقَةٌ عَلَى حِدَةٍ، فذاك: بُنْكِرْدُهُ.

يؤدَّى إلى عشيرتِه التي كان يُؤَدِّي إليهَا.

وقال الليث: يقال: فلانٌ من مِخْلافِ كذَا وكذَا.

وهو ـ عِندَ أهل اليمن ـ كالرُّسْتَاق.

والجميع: مَخَالِيفُ.

ويقال: إنَّ نَوْمَةَ الضُّحَى مَخْلَفَةٌ لِلفَمِ ـ أي: تُغيِّرُهُ.

ومخْلَفَةُ مِنًى: حَيْثُ ينزلُ النّاسُ.

وقال الهُذَليُّ:

وَإِنَّا نَحْنُ أَقْدَمُ مِنْكَ عِزّا *** إِذَا بُنِيَتْ بِمَخْلَفةَ الْبُيُوتُ

ومَخْلَفةُ بَنِي فلانٍ: مَنزِلُهُمْ.

ونُزُلُ القَوْمِ بِمِنًى.

ومَخْلَفةُ مِنًى: طُرُقُهُمْ حَيثُ يَمُرُّونَ.

ويقال: خَلفَ فلانٌ بِعَقبِي ـ إذا فَارَقَهُ على أَمْرٍ فَصَنَعَ شيئًا آخرَ.

قلت: وهذا أَصَحُّ مِن قول الليث: إِنَّه يُخَالفُهُ إلى أَهْلِه.

ويقال: خَلَفَ فلانٌ فلانًا ـ في أهله وفي مكانه ـ يَخلُفُهُ خِلَافَةً حَسَنةً.

ويقال: خَلَفَ الفَاكِهةُ بعضُهَا بَعْضًا خَلْفًا وخِلْفةً ـ إذا صَارَتْ خَلْفًا من الأولى.

قال: والنَّاقةُ الْخَلِفَةُ: الْحَامِلُ وجَمْعُها: مخَاضٌ.

وتُجْمَعُ: خَلِفَاتٌ.

وقد خَلِفَتْ تَخْلَفُ خَلَفًا.

ويقال: خَلفَ فلانٌ عن أصحابه ـ إذا لمْ يَخْرُجْ معهُمْ.

ويقال: أَكلَ فلانٌ طعامًا فبَقِيَتْ في فِيهِ خِلْفَةٌ فتَغَيَّرَ فُوهُ.

وهو الشيءُ.

يَبْقَى بين الأسْنَانِ.

ويقال: إنَّهُ لخَلِيفَةٌ بَيِّنُ الْخِلَافةِ والْخِلِّيفَى.

وقال عُمَرُ بن الخطَّابِ ـ رِضْوانُ الله عليه: «لوْ أَطَقْتُ الأَذَانَ مع الْخِلِّيفَى لأذَّنْتُ».

ويقال: خَلَّفْتُ فلانًا.

أُخلِّفُهُ تَخْلِيفًا واسْتَخْلَفْتُهُ ـ أيْ: جَعَلْتُهُ خَلِيفَتِي.

الأصمعيُّ:.

يقال: خَلَفَ فلانٌ على فُلانَةَ.

خِلَافَةً ـ إِذا تَزَوجَهَا بعدَ زَوْجٍ.

ويقال»: خَلَّفَ فلانٌ خَلَفَ صِدْقٍ في قومهِ ـ إذا تركَ عَقِبًا.

الليث: اختَلَفْتُ إليهِ اخْتِلَافَةً واحدَةً.

قال: والْخِلَافُ شَجَرٌ، والواحِدَةُ: خِلَافَةٌ.

ويقال: جاء الماءُ بِبَزْرِهِ فَنَبَتَ مُخَالفًا لأصلهِ، فَسُمِّيَ خِلَافًا.

قال: والْمِخْلافُ ـ بِلُغَةِ أَهْلِ اليمَنِ ـ: الكُورَةُ، ومَخَالِيفُهَا: كُوَرُهَا.

قال: والمُتَوَشِّحُ يخالفُ بين طَرَفَيْ ثَوْبِه.

وجَمْعُ الخلِفَةِ الحَامِلِ من النُّوقِ: مَخَاضٌ.

وقال غيرُه: يقال: إِنَّ امرأَةَ فلانٍ تَخْلُفُ زَوْجَهَا بالنِّزاعِ إلى غيرِهِ ـ إذا غَابَ عنها.

وقَدِمَ أَعْشَى بَني مَازِنٍ عَلَى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم فأنشدَهُ هذا الرَّجَزَ:

يَا مَالِكَ النَّاسِ ودَيَّانَ الْعَرَبْ *** إليْكَ أَشْكُو ذِرْبَةً مِنْ الذِّرَبْ

خَرَجْتُ أبْغِيهَا الطَّعَامَ في رَجَبْ *** فخَلفتْني بِنِزَاعٍ وهَرَبْ

أَخْلَفْتِ الْعَهْدَ ولَطَّتْ بالذَّنَبْ *** وهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَب

وقال أبو زيد: يقالُ: إنَّمَا أَنْتُمْ في خَوَالِفَ من الأَرَضِينَ ـ أيْ: في أَرَضِينَ لا تُنبتُ إلَّا في آخِرِ الأرَضِينَ نَباتًا.

والأَخْلَفُ: الأعْسَرُ.

ومنه قولُ الْهُذَليِّ أبي كَبِير:

زَقَبٌ يَظَلُّ الذِّئبُ يتْبَعُ ظِلَّهُ *** مِنْ ضِيقِ مَوْرِدِهِ اسْتِنَانَ الأخْلفِ

وقيل: أراد بالأَخْلَفِ: الحَيَّةَ.

وقيل: الأخْلَفُ: الأحْوَلُ.

والأَخْلَفُ من الإبل: المشْقُوقُ الثِّيلِ.

الذي لا يَسْتَقِرُّ وَجَعًا.

وَقَال الأصمعيُّ: الْخَلَفُ ـ في البعير ـ أن يكونَ مائِلًا في شِقٍّ.

يقالُ منه: بَعِيرٌ أَخْلَفُ.

ويقال: خَلَّفَ فلانٌ بنَاقَتِهِ تَخْلِيفًا ـ إذا صَرَّ خِلْفًا وَاحِدًا من أَخْلَافِها.

وقال اللِّحْيَانيُّ: الْخِلفُ: في الظِّلْفِ والْخُفِّ.

والطُّبْيُ: في الْحَافِرِ والظُّفْرِ.

وقال أبو عبيدٍ: الْخِلْفُ حَلَمَة ضَرْع النَّاقَةِ.

وقال ابنُ الأعرابيِّ: الْخِلْفَةُ: وقْتٌ بَعْدَ وَقْتٍ.

وقال أبو زَيْدٍ: خَالِفَةُ البيتِ: تحتَ الأَطْنَابِ في الكَسْرِ.

وهي الْخَصَاصَةُ أيضًا.

وهِيَ الْفُرْجَة.

وجَمْعُ الْخَالِفَةِ: خَوالِفُ.

وهي الزَّوَايَا وأَنشدَ:

مَا خِفْتُ حَتَّى هَتَكُوا الخَوَالِفَا

وقال أبو مالِكٍ: الْخَالِفَةُ: الشُّقَّةُ المُؤَخَّرَةُ.

الَّتي تكونُ تحتَ الْكِفَاءِ تحْتَها طَرَفُها مِمَّا.

يَلي الأرضَ من كِلَا الشِّقْيِن.

شَمِرٌ ـ عن ابن شُمَيْلٍ ـ: الْخَلَفُ يكونُ في الخَيرِ والشَّرِّ.

وكذلك الخَلْفُ.

قال: وقال أبو الدُّقَيْشِ: يقال: مَضَى خَلْفٌ من الناس، وجاء خَلْفٌ لا خَيْرَ فيه.

وخَلْفٌ صالحٌ.

خَفَّفَهُمَا جميعًا.

وفي هؤلاء القوم: خَلَفٌ ممن مَضَى ـ أي: يقومون مَقامَهم.

وفي فُلانٍ خَلَفٌ من فُلان ـ إذا كان صالحًا أو طالحًا.

فهو خَلَفٌ.

ويقال: بئْسَ الْخَلَفُ هم ـ أي: البَدَلُ.

وقال الكِسَائيُّ: الخَلْفُ القَرْنُ بعد الْقَرْنِ.

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعرَاف: 169].

والْخَلَفُ ـ مَثَقَّل ـ: إذا كان خَلَفًا من شيء.

وفي حديثٍ مرفوعٍ: «يَحْمِلُ هَذا الْعِلْمَ مِنْ كُلِ خَلَفٍ عُدُولُهُ.

.

يَنْفُون عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وتأَوِيلَ الْجَاهِلينَ».

وقال شَمِرٌ: قال الْقَعْنَبِيُّ: سَمعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ مالِكَ بْنَ أَنَسٍ بهذا الحديث فأعْجَبَهُ.

أخبرني المنذريُّ ـ عن ثَعْلَبٍ.

عن ابن الأعرابيِّ ـ قال: الْمَخَالِيفُ من الإبل: التي رَعَتْ الْبَقْلَ، ولم تَرْعَ الْيَبِيسَ، فلم يُغْنِ عنها رَعيُها الْخُضْرَةَ شيئًا.

وأنشد:

فَإنْ تَسْأَلِي عَنَّا إذا الشَّوْلُ أَصْبَحَتْ *** مَخَالِيفَ حُدْبًا لا تَدِرُّ لَبُونُها

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


109-تهذيب اللغة (أرخ)

أرخ: قال الليثُ: الأُرْخُ والأُرْخِيُ ـ لُغَتان ـ: الفَتِيُّ من البقَر.

قال: والأرْخِيَّةُ: وَلَدُ الثَّيْتَلِ.

ابنُ شُمَيْل: يقال للأنثَى من بَقَرِ الوَحْشِ: «أَرْخٌ».

.

وجمعُه: «إرَاخٌ».

وقال ابنُ مُقْبِلٍ:

أَوْ نَعْجَةٍ مِنْ إِرَاخِ الرَّمْلِ أَخْذَلَها *** عَنْ إِلْفِهَا واضِحُ الخَدَّيْنِ مَكْحُولُ

وأخبَرني المنذريُّ ـ عن الصَّيْداوِيِّ ـ قال: الأَرْخُ وَلَدُ البقرة الوَحشيَّة.

.

إذا كانت أُنثى.

قال: والتَّاريخُ مَأْخُوذٌ منه.

قال: كأنّه شيءٌ حَدَثَ ـ كما يَحْدُث الوَلَدُ.

قال الصَّيْداوِيُّ: وأخبرنا أحمدُ بنُ عليٍّ الباهِلِيُّ ـ عن مُصْعَبِ بن عبد الله الزُّبَيْرِيِّ ـ قال: الأَرْخُ ولَدُ البقرة الصغيرُ.

قال: والتاريخُ مأخوذٌ منه ـ أيْ: أَنَّهُ حَدِيثٌ.

قال: وأَنشَدِني الباهليُّ ـ لِرَجلٍ مَدَنِيٍّ كان بالبَصْرَةِ:

لَيْتَ لِي في الخمِيسِ خَمْسينَ عَيْنًا *** كلُّها حَوْلَ مَسْجِدِ الأَشْيَاخِ

مَسْجِدٌ لا يَزَالُ يَهْوِي إليْهِ *** أُمُ أَرْخٍ قِنَاعُها مُتَراخِي

وأنشدَنِي أبو محمدٍ الْمُزنِيُّ ـ فيما رَوَى عن أبي خَلِيفَةَ ـ أنَّ محمدَ بنَ سَلَّامٍ أنشدَهُ لأُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ:

وَمَا يَبْقَى على الحِدْثانِ غُفْرٌ *** بِشَاهِقَةٍ لَهُ أُمٌّ رَؤُومُ

تَبِيتُ اللّيْلَ حَانِيَةً عَلَيْهِ *** كَمَا يَخْرَمِّسُ الأرْخُ الأَطُومُ

قال: «الْغُفْرُ»: وَلَدُ الْوَعْلِ.

و «الأرْخُ»: وَلَدُ البقرة.

و «يَخرمِّسُ»، أي: يَصمُتُ، و «الأطُومُ»: الضَّمَّامُ بَيْنَ شَفَتَيْهِ.

ورَوَى أَحمَدُ بنُ يحيى ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: قال: مِنْ أسماءِ البقرةِ: الْيَفَنَةُ والأرْخُ ـ بفتح الهمزة، والطَّغْيَا واللِّفْتُ.

قال الأزهريُّ: والصحيحُ: الأَرْخُ بفتح الهمزة.

والذي حكاه الصَّيْدَاوِيُّ ـ عن مُصْعَبٍ ـ: فيه نظَرٌ.

وما قاله الليث ـ أنّهُ يقالُ له: الأُرْخِيُ ـ: لا أَعْرِفُهُ.

وقيل: إنَّ «التَّاريخَ» الذي يُؤَرِّخُهُ الناسُ ليسَ بعربيٍّ مَحْضٍ.

.

وإنَّ المسلمين أخذوه عن أهل الكِتاب.

وتاريخُ المسلمين أُرِّخَ من سنَة الهجرة، وكُتِبَ في خلافةِ عُمَرَ، فصار تاريخًا إلى هذا اليوم.

خور ـ خير: قال الله جلّ وعزّ: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ} [الرَّحمن: 70].

قال أبو إسْحَاق: «خَيْراتٌ».

.

أصلُهُ في اللغة: خَيِّرَاتٌ.

والْمَعْنَى: أنهنَّ خَيْرَاتُ الأخلاق، حِسَانُ الخِلَقِ.

قال: وقد قُرِىءَ بتشديد الياءِ.

وقال الليثُ: رجُلٌ خَيِّرٌ، وامرأةٌ خيِّرَةٌ: فاضِلَةٌ في صلاحها.

.

وامرأةٌ خَيْرَةٌ في جَمالها ومِيسَمِهَا.

ففَرَّقَ بَيْنَ «الخَيِّرَةِ» و «الْخَيْرَةِ» واحْتَجَّ بالآية.

قلتُ: ولا فرقَ بين «الخَيِّرَةِ» و «الْخَيْرَةِ» عند أهل المَعْرِفة باللَّغة.

وقال أبو زيد: يقال: هي خَيْرَةُ النساء، وشَرَّةُ النِّسَاءِ.

وأنشد أبو عُبيدةَ:

رَبَلَاتِ هِنْدٍ خَيْرَةِ المَلِكَاتِ

وقال الليثُ: ناقةٌ خِيارٌ، وجمَلٌ خِيَارٌ.

قلتُ: وقد جاء

في حديث مرفوعٍ: «أَعْطُوهُ جَمَلًا رَبَاعِيًا خِيارًا».

وقال الليث: يقال: خَايَرْتُ فلانًا فَخِرْتُهُ خَيْرًا، والله يَخِيرُ للعبد ـ إذا اسْتَخَارَهُ، وخَارَ الله لنا ما هو خَيرٌ، والأَمْرُ: خِرْ.

ويقال: هذا وهذه وهؤلاء: خِيرَتي ـ وهو ما يَخْتَارُهُ.

وتقول: «أَنْتَ بالمُخْتَارِ»، و «أَنْتَ بالخِيَار» سَوَاءٌ.

وقال الفرَّاءُ ـ في قول الله جلّ وعزّ: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155].

قال: والتَّفْسِيرُ: أنَّه اخْتَارَ منهم سبعين رجلًا.

وإنما اسْتُجِيزَ وقوعُ الفِعْل عليهم ـ إذا طُرِحَتْ «مِنْ» لأنه مأخوذٌ من قولك: هؤلاء خَيْرُ القوم، وخَيْرٌ مِنَ القَوْمِ.

فلمَّا جازَتِ الإضَافَةُ مَكَانَ «مِنْ» ولم يتغَيَّرِ المعنَى استجَازُوا أَنْ يقولوا: اخْتَرْتُكُمْ رَجُلًا، واخْتَرْتُ منكم رجلًا.

وأنشد:

تَحتَ الَّتي اخْتَارَ لهُ الله الشَّجَرْ

يريد: اخْتَارَ الله له من الشَّجر.

وقال أبو العبَّاس: إنَّما جاز هذا.

.

لأنَّ الاخْتِيَارَ يدلُّ على التَّبعيض.

ولذلك حُذِفَتْ «مِنْ».

وفي حديثٍ آخَرَ: «رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْخَيْرِ والشَّرِّ».

قال شمرٌ: مَعناه ـ والله أعلم ـ: لم أر مثلَ الخير والشرِّ لا يُمَيَّز بينهما فَيُبَالَغُ في طلب الجنَّة والهرَبِ من النار.

وقال أبو زيد: يقال: «إنَّكَ ما وَخَيْرًا» أي: إنَّكَ على خَيْرٍ.

وقال الليث: الْخِيرَةُ ـ خفيفةٌ ـ: مَصْدَرُ «اخْتَارَ» خِيرَةً ـ مِثْلُ ارْتَابَ رِيبَةً.

قال: وكل مَصْدَرٍ يكون لِ «أَفْعَلَ»، فاسْمُ مصدره «فَعَالٌ»، نحو أَفَاقَ يُفيقُ فَوَاقًا، وأصَابَ يُصيبُ صَوَابًا، وأَجَابَ يُجِيبُ جَوَابًا.

أقيم الاسمُ مُقَامَ المصدر.

وكذلك عذَّبَ عَذَابًا.

قلتُ: قرأ القُرَّاءُ: {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب: 36] بفتح الياء.

ومثله: سَبْيٌ طِيَبَةٌ ـ إذا حَلَّ استِرْقَاقُه.

ورَوَى الحرَّانِيُّ ـ عن ابن السكِّيت ـ يقال: مُحَمَّدٌ خِيرَةُ الله مِنْ خَلْقِه.

وتقول: «إيَّاكَ والطِّيَرَةَ».

.

وسَبْيٌ طِيَبَةٌ.

وقال الزَّجَّاجُ: الْخِيَرَةُ التَّخْيِيرُ.

وقال الفرَّاءُ ـ في قول الله جلّ وعزّ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القَصَص: 68] أي: ليس لهم أن يَخْتَارُوا على الله.

قال: ويقال: الخِيْرَةُ والخِيَرَةُ والطِّيْرَةُ والطِّيَرَةُ.

قال: والعَرَب تقول: أعْطِني الْخَيْرَةَ منهنَّ، والْخِيْرَةَ والْخِيَرَةَ.

كل ذلك: لما تَخْتَارُهُ مِنْ رجل أو امرأة أو بَهيمةٍ ـ تصلح إحدى هؤلاء الثلاثة.

أبو عبيدٍ ـ عن أبي زيد ـ قال: الاسْتِخَارَةُ أَن تَسْتَعْطِفَ الإنسانَ وتَدْعُوَه إليك.

وأنشد:

لَعَلَّكَ إمَّا أُمُّ عَمْرٍو تَبَدَّلَتْ *** سِواكَ خَلِيلًا شَاتِمِي تَسْتَخِيرُها

ويقال: اسْتَخَرْتُ فلانًا فما خَارَ لي ـ أي: فما عَطَفَ.

والأصلُ في هذا: أنَّ الصَّائِدَ يأتي المَوْضِعَ الذي يَظُنُّ فيه ولَدَ الظَّبية، أو البقرَة الوحِشيَّة، فَيَخُورُ خُوَارَ الْغَزَال فتَسْتَمِعُ الأُمُّ، فإن كان لها ولَدٌ، ظنَّتْ أنَّ الصوتَ صوتُ ولَدِها.

.

فتَتْبَعُ الصوت،

فيعلَمُ الصائِدُ ـ حينئذٍ ـ أَنَّ لها ولَدًا، فيطلبُ موضِعَهُ.

فيقال: استَخَارها أي: خَارَ لِتَخُورَ.

ثم قيل لكلِّ مِن استعطف: قد استَخَار.

قلت: وجَعَلَ الليثُ الاستِخَارَةَ للضَّبُع والْيَرْبُوعِ، وهو باطلٌ.

إنَّما الاسْتِخَارَةُ ما فَسَّرْتُه.

وقال الليث: الْخِيرُ: الهِبَةُ.

وقال أبو عبيدٍ: الْخِيرُ: الكَرَمُ.

وهو الصَّوَاب.

وقال الفرَّاء: يقال: لَكَ خُوَارُها ـ أي: خِيَارُها.

وفي بني فلانٍ خُورَى من الإبل ـ أي: كِرَامٌ.

ثعلبٌ ـ عن ابن الأعرابيِّ ـ: الْخُوَيْرَةُ: تصغِيرُ الْخُوَرَةِ.

.

وهي خِيَارُ المال.

وقال اللَّيث: والْخُوارُ: صَوْت الثّوْرِ، وما اشتَدَّ من صوت البقَرَة والعِجْل.

تقول: خَارَ يَخورُ خُوَارًا.

قال: والْخَوْرُ: مَصَبُّ المياه الجَارِية في البحر ـ إذا اتّسَع وعَرُضَ.

وقال شمرٌ: الْخَوْرُ: عُنُقٌ من البَحْر يدخُل في الأرض، وجَمْعُه خُؤُورٌ.

وقال الْعَجَّاجُ يصف السَّفِينة:

إِذَا انْتَحَى بِجُؤْجُؤٍ مَسْمُورِ *** وَتَارَةً يَنْقَضُّ في الْخُؤُورِ

تَقَضِّيَ الْبَازِي مِنَ الصُّقُورِ

وقال غيرُه: الْخَوْرُ: الْمُنخَفِضُ من الأرض ـ بين نَشْزيْنِ.

ولذلك قيل للدُّبْر: خَوْرَانُ.

.

لأنّه كالهبْطَةِ بين رَبْوَتَيْن.

ويقال: طَعَن الحمارَ فَخَارَهُ خَوْرًا ـ إذا طَعَنَه في خَوْرَانِهِ، وهو الهواء الذي فيه الدُّبْرُ ـ من الرَّجُل، والقُبُلُ ـ من المرأة.

وأمَّا الأرضُ الْخَوَّارَةُ: فهي اللَّيِّنَةُ السَّهلَة.

ويقال: بَكْرَةٌ خَوَّارَة ـ إذا ـ كانتْ سهلةَ مَجْرَى الْمِحْورِ في الْقَعْوِ.

وأنشد:

عَلِّقْ عَلَى بَكْرِكَ مَا تُعَلِّقُ *** بَكْرُكَ خَوّارٌ وَبَكْرِي أَوْرَقُ

ويقال: فَرَسٌ خَوَّارُ العِنَانِ ـ إذا كان ليِّنَ الْعِطْفِ، كَثِيرَ الجَرْي.

وخيلٌ خُورٌ.

وقال ابنُ مُقْبِل:

مُلِحٌّ إذَا الْخُورُ اللهَامِيمُ هَرْوَلَتْ *** تَوَثُّبَ أَوْسَاطِ الخَبَارِ على الْفَتْرِ

وقال الليث: الْخَوّارُ: الضعيف الذي لا بقاءَ له على الشِّدَّةِ.

ورجلٌ خَوّارٌ، وسَهْمٌ خَوّارٌ.

قال: والخَوَّارُ ـ في كل شيء عيبٌ إلّا في هذه الأشياء، ناقةٌ خَوَّارَةٌ، وشاةٌ خَوَّارَةٌ ـ إذا كانتا غَزِيرَتيْن باللبن، وبعيرٌ خَوّارٌ: رَقيقٌ حَسَنٌ، وفرَسٌ خَوّارُ العِنَانِ: لَيِّنُ العِطْف والجميعُ: خُورٌ ـ في جميع ذلك، والعدد خَوَّارَاتٌ.

وقال أَبُو الهَيْثَم: رجلٌ خَوَّارٌ، وقومٌ خَوَّارُونَ، ورجلٌ خؤُورٌ، وقومٌ خُورٌ وناقةٌ خوَّارَةٌ: رَقِيقَةُ الْجِلْدِ.

.

غَزِيرَةٌ.

وخارَ الرجلُ ـ يَخُورُ، فهو خَائِرٌ، وقومٌ خَارَةٌ، وقد خَارَ خُؤُورًا.

قال: والْخَوْرُ: خَلِيجُ الْبَحْر.

قال: ويقال ـ لِلدُّبر ـ: الْخَوْرَانُ وَالخَوَّارَة، لضعف فَقْحَتِهَا سُمِّيَتْ به.

قال: وَيُجمَعُ «الخَوْرَانُ».

.

الدُّبُرُ: «خَوَرَانَاتٍ».

قال: وكذلك كلُّ اسم كان مذكَّرًا ـ لغير الناس.

.

فَجَمْعُهُ ـ على لفظ تَاءَاتِ الْجَمْعِ ـ: جَائز.

نحوُ حَمَّامَاتٍ، وَسُرَادِقَاتٍ وما أَشْبَهَهَا.

وقال غيره: خَارَ الْبَرْدُ يَخُورُ خؤُورًا ـ إذا فَتَر وسكنَ.

سلمة ـ عن الفراء ـ: خَوِرَ الرجلُ خَوَرًا ـ إذا ضَعُفَ.

ويقال: إِنَّ في بعيرك هذا لَشَارِبَ خَوَرٍ.

يكون مَدْحًا.

.

ويكون ذَمًّا.

فالمدْحُ أن يكون صَبُورًا على العطش والتعب، والذَّمُّ أن يكون غير صَبُورٍ عليهما.

قال شمر: قال أعرابيٌّ لِخَلَفٍ الأحمرِ: ما خَيْرَ اللَّبَنَ للمريض! وذلك بمحضرٍ من أَبي زَيْدٍ.

فقال له خَلَفٌ: ما أحْسَنَها من كلمة.

.

! لو لم تُدَنِّسْهَا بإسماعها الناس.

قال: وكان خَلَفٌ ضَنِينًا.

.

فرجع أبو زيد إلى أصحابه، فقال لهم: إذا أقبل خلفٌ فقولوا بأجمعكم: «ما خَيْرَ اللَّبَنَ للمريض! ! »، ففعلوا ذلك عند إقْباله: فَعلِم أنه من فِعل أَبِي زَيْدٍ.

قال شمر: ويقال: ما أَخْيَرَهُ.

.

وَخَيْرَهُ.

وما أَشرَّه.

.

وشَرَّهُ، وهذا خير منه وشرٌّ منه، وأَخْيرُ منه وَأَشَرُّ منه.

قال: وقوله «ما خَيْرَ اللَّبَنَ لِلْمَرِيضِ! » تَعَجُّبٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


110-تهذيب اللغة (شغف)

شغف: قَالَ الليثُ: شَغَفٌ مَوْضِعٌ بِعَّمَانَ يُنْبِتُ الغَافَ الْعِظامَ، وأنشَدَ:

حتى أنَاخَ بِذَاتِ الْغَافِ مِنْ شَغَفٍ *** وفي الْبِلادِ لَهُمْ وُسْعٌ ومُضْطَرَبُ

قالَ: والشغَافُ: مُوْلِجُ البُلْعُمِ، وَيُقالُ: بَل: هُوَ غِشَاءُ القَلْب وَقَوْلُ الله تعالى: {قَدْ شَغَفَها حُبًّا} [يوسف: 30] أي: غَشِي الحبُّ قَلْبَهَا، وأنشد:

وَقَدْ حَالَ هَمٌّ دُونَ ذلِكَ باطِنٌ *** مَكانَ الشِّغافِ تَبْتَغِيهِ الأصابع

أبو عُبيدٍ: الشغَفُ: أَن يَبْلُغَ الحبُ شَغَافَ القَلْبِ، وهُوَ جِلْدَةٌ دُونَهُ، وأخْبَرَني الْمُنْذِرِيُّ عن عُثمانَ عَنْ مُسْلمٍ بنِ إبراهيمَ عن قُرَّةَ بنِ خالِدٍ عن الحسَنِ: في قولِ الله: (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) قالَ: الشغَفُ أن يكْوِي بَطْنَهَا حُبُّه.

وأخبرني المنذري عن ابنِ فهمٍ عن ابنِ سلّامِ عن يونُسَ قال: (شَغَفَها) أصابَ شِغَافَها، مثل: كَبَدَها.

وأخبرنا عن الحَرّاني عن ابنِ السّكِيتِ، قالَ: الشَّغافُ، هو الخِلْبُ، وهو جُلَيْدةٌ لاصِقَةٌ بالقَلْبِ، ومنه قِيلَ: خَلَبهُ، إذا بَلَغ شَغافَ قَلْبِه.

وقال الفَرّاء: (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أي: قَدْ خَرّقَ شَغَافَ قَلبِهَا.

قال أبو بكرٍ: شَغافُ القَلْب، وَشَغَفُه: غلافُه، وقال قيسُ بنُ الْخَطِيمِ:

إنّي لأهْواكِ غَيْرَ ذِي كَذِبٍ *** قَدْ شُفَّ مِنّي الأَحْشَاءُ والشَّغَفُ

وقال الزَّجَّاجُ في قوله: (قَدْ شَغَفَها حُبًّا): في الشّغافِ ثلاثَةُ أقوالٍ: قالَ بعضُهُمْ: الشِّغَافُ: غِلافُ القَلْبِ.

وقيل هو حَبَّةُ القَلْبِ وسويداؤُهُ.

وَقيلَ: هو داء يكونُ في الجَوْفِ في الشَّراسِيْف، وأنْشَدَ بيتَ النابِغَةِ.

وروى القتيبي، للأصمعي أنَ الشُّغافَ دَاءٌ في القَلبِ، إذَا اتَّصَلَ بالطَّحَالِ، قَتلَ صَاحِبَهُ، وأنْشدَ بيتَ النّابغةِ.

قال الأزهريّ: سُمِّي الدّاء شُغافًا باسمِ شَغَافِ القَلْبِ وهو حِجَابُهُ.

وقالَ: أبو الهيثمَ: يُقَالُ لِحِجَابِ القَلْبِ.

.

وَهْيَ شَحْمةٌ تكونُ لِباسًا للقَلْبِ، يقالُ لَهَا: قَمِيصٌ القَلْبِ، وَشَغَافٌ، وَشَغْفُ القلبِ، وشَغَفُ القَلْبِ وغاشِيَةُ القَلْبِ، وإذا وَصَلَ الدّاءُ إلى شَغَافِ القَلْبِ ولازَمَهُ، مَرِضَ القَلْبُ، ولمْ يَصحّ.

وقيل: شُغِفَ فلانٌ شَغَفًا.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


111-تهذيب اللغة (غرف)

غرف: قال الله جل وعز: {إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249]، وقرىء غَرْفة، وأخْبَرْني الْمُنذِريُّ عن أبي العباس أنه قال غُرْفَةً قراءةُ عثمان رواه ابن عامرٍ، ومعناه الذي يُغترَفُ نفسه وهو الاسم، والغَرْفَةُ المرَّة من المصدرِ.

قال: وقال الكسائي: لوْ كان مَوضعُ اغترَفَ غرفَ اخْترْتُ الفَتْحَ لأنه يخرجُ عَلَى فَعْلةٍ، ولما كان اغترَفَ لم يخرج

عَلَى فَعْلةٍ.

قال المنذري: وأخبرنا الحسن بن فهْم عن محمد بن سَلام عن يُونسَ أنه قال: غَرْفَةٌ وغُرْفةٌ عَربيتانِ، غَرَفْت غَرْفةً وفي الْقِدْر غُرْفَةٌ وحَسَوْتُ حَسْوَةً، وفي الإناءِ حُسْوَةٌ.

وقال الليث: الغرْفُ: غرفك الماءَ بِاليدِ أو بِالْمغرفَةِ.

قال: وغَرْبٌ غَروفٌ: كثيرُ الأخْذِ للماءِ قال: ومَزَادَةٌ غَرْفِيَّةٌ وغَرَفِيَّةٌ.

فالغرْفية: رَقيقةٌ من جلودٍ يؤتَى بها من البحرَينِ، وغرَفيَّةٌ: دُبغتْ بالغرَفِ.

قال: والغرَفُ شجرٌ، فإذا يَبسَ فهو الثُّمام.

قلتُ: أما الغرْفُ بسكونِ الراء فهيَ شجرةٌ يُدبغُ بها.

قال أبو عبيد: وهو الغرْفُ والغلْفُ، وأما الغرَفُ فهو جِنْسٌ من الثُّمامِ لا يُدبَغُ به، والثُّمامُ أنواعٌ فمنها الضَّعَة ومنها الجَليلةُ ومنها الغرَفُ يُشبِهُ الأسلَ ويُتخذُ منه المكانِسُ ويُظَلَّلُ بها الأساقي.

وقال عمر بنُ لَجَإٍ في الغرْفِ الذي يُدبَغُ به:

تهمِزُه الكفُّ على انطوَائها *** همزَ شعيبِ الغرفِ من عزْلائها

أرادَ بِشَعيبِ الغرْفِ مزادةٍ دُبِغتْ بالغرْفِ.

ومنه قول ذي الرُّمة:

وَفْرَاء غَرْفِيَّة أنأَى خوارزُها

وأما الغرِيفُ فإنه الموضعُ الذي تكثرُ فيه الحَلْفاءُ والغرفُ والأباءُ وهو القصبُ والغضَا وسائرُ الشجر.

ومنه قول امرىء القيْس:

ويَحُشُّ تحتَ القدرِ يُوقِدُها *** بِغضا الغَريفِ فأَجمعَتْ تغلي

وقال الآخر:

أُسْدُ غرِيفٍ مَقيلُها الغرْفُ

وأما الغِرْيَفُ فهيَ شجرة معروفة.

وأنشد أبو عبيدٍ فيه:

بخافَتَيْه الشوعُ والغرْيفُ

وقال الباهليُّ في قول عمر بنِ لجإٍ: الغَرْفُ جلُودٌ ليست بقرَظِيّة تدبَغُ بهَجَر، وهو أنْ يُؤخذَ لها هُدْبُ الأرْطَى فيوضعَ في مِنكازٍ ويُدقَّ ثمّ يطرَح عليه التمرُ فتخرُج له رائحةُ خَمْرةٍ ثم يغرَف لكل جلدٍ مقدارٌ ثم يُدبَغ به، فذلك الذي يغرَفُ يقال له الغَرْفُ، وكل مقدارِ جلدٍ من ذلك النَّقيع فهو الغرْفُ واحدُه وجميعُه سواءٌ، قال: وأهلُ الطائف يُسَمونه النفس.

قلت: والغرْفُ الذي يُدبَغُ به الجلودُ من شجَرِ البادية معروفٌ وقد رأيتُه والذي عندي أن الجلودَ الغرْفيةَ منسوبةٌ إلى الغرفِ الشجَرِ لا إلى غَرْفة تغترَفُ باليد.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلبٍ عن

ابن الأعرابيِّ قال: يقال: أعْطني نفْسًا أو نفسين أي قدرَ دِبغةٍ من أخلاطِ الدِّباغ يكون ذلك قدرَ كفٍّ من الغرْفةِ وغيره من لحاء الشجر.

قال: والغَرَفُ: الثُّمامُ بعينِه لا يُدبَغُ به.

قلت: وهذا الذي قاله ابن الأعرابي صحيحٌ.

وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أيضًا أنه قال: الغرْف التثنِّي والانقصاف، ومنه قول ابن الخطيم:

تنامُ عن كبْرِ شأنها فإذا قا *** مَتْ رُوَيدًا تكاد تنغرفُ

أي: تنقصفُ من دِقة خصْرِها.

وقال الحُصينيُّ: انغرَف العودُ وانغرض إذا كسِرَ ولم يُنْعَمْ كسرُه.

وفي الحديث أن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم نهى عن الغارِفةِ.

قلت: وتفسيرُ الغارفَة أن تُسَوِّيَ ناصيتها مقطوعة عَلَى وسطِ جبينها مطرّرةً سُمِّيتْ غارِفةً لأنها ذاتُ غَرْفٍ أي ذاتُ قَطْعٍ.

وقال ابن الأعرابي يقال: غرَف شَعرَه إذا جَزّهُ، وملطه إذا حلقه.

وأبو عبيد عن الأصمعي: غرَفتُ ناصيتَه: قطعْتها، وغرفْتُ العُرْف: جَزَزته، والغُرْفة: الخصلةُ من الشَّعر.

قال: ومنه قول قيس: تكاد تنْغرِفُ: أي تنقطع.

وقال الليث: الغُرفةُ: العِلِّيَّة، ويقال للسماء السابعة: غُرْفة.

وأنشد بيتَ لبيد:

سَوَّى فأغلقَ دونَ غُرْفة عَرْشه *** سبْعًا شِدادًا فوق فرع المَنقل

قال: والغرِيف: ماءٌ في الأجمة.

قلت: أمّا ما قال في تفسير الغرفة فهو كما قال، وأما ما قال في الغرِيف إنه ماء الأجَمَة فباطلٌ، والغرِيفُ: الأجَمَة نفسها بما فيها من شَجرها.

أبو عبيد عن الفراء قال: بنو أَسَد يسمونَ النعْل: الغَرِيفة.

قال شمر: وطيِّيءٌ تقول ذلك.

وقال الطرِماح:

خَرِيع النعْو مضطرب النواحي *** كأخلاقِ الغريفةِ ذا غصون

ويقال لنعل السيف إذا كان مِن أدم غريفةٌ أيضًا.

وقال الأصمعي: ناقةٌ غارفة: سريعة السير وابِلٌ غوارف وخيْلٌ مغارف كأنها تغرف الجَرْي غرْفًا، وفرَسٌ مِغرف.

وقال مزاحم:

بأيدي اللهامِيمِ الطُّوال المغارف

ابن دريدٍ: فرس غرّاف: رغيب الشّحْوة كثير الأخذ من الأرض بقوائمه، والغُرفة: الحبل المعْقود بأنشوطَة، وغرفْت البعير أغرِفه وأَغرُفُه: إذا ألقيت في رأسِه غرفةً وهو الحبْل المعقود بأُنشوطةٍ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


112-تهذيب اللغة (غرنق)

غرنق: قال الليث: الغِرْنِيقُ والغُرْنُوقُ لُغتان: طائر أبيض، ويقال: شابٌ غُرانِقُ.

وأنشد:

ألا إنَّ تَطْلَابِي لمثلكَ زَلَّةٌ *** وقد فات ريعانُ الشباب الغُرانِقِ

وقال أبو عمرو: الذي يكون في أصل العَوْسَجِ من لين النبات يقال له الغَرانيقُ، واحدها غُرْنُوقٌ.

شمر عن أبي عمرو: الغرنوق: طير أبيض من طير الماءِ ذكره في حديث ابن عباس أن جنازته لما أتى به الوادي أقبل طائر أبيض غُرْنُوقٌ كأنَّه قبطيَّةٌ حتى دَخَل في نعشِهِ.

قال: فرَمقتهُ فلم أرَهُ خرجَ حتى دُفنَ.

قال شمر: وأخبرنا ابن حاتم عن الأصمعي قال: الغرنيق: الكُركى.

وقال غيره: هو طائر طويل القوائمِ.

وقال ابن شميل: الغُرْنوق: الخُصْلةُ المفَتَّلةُ من الشعر.

ثعلب عن ابن الأعرابي: جَذبَ غُرْنوقهُ وهو ناصيتُهُ وجَذَبَ نُغروقهُ، وهو شعر قفاه.

أبو عبيد عن أبي عمرو: الغرانقة: الرِّجال الشباب.

وقال: ويقال للشاب نفسه الغُرانِقُ.

وقال ابن السكيت: الغَرَانيقُ: طيرٌ مثل الكراكيّ الواحد غُرْنوقٌ، وأنشد:

أو طعم غاديةٍ في جَوفِ ذِي حَدَبٍ *** من ساكن المُزْن يجري في الغَرَانيق

قال: أراد بذي حَدَبٍ سَيْلًا لهُ عُرْفٌ، وقوله من ساكِب المُزْنِ أي: من ماءٍ كان ساكنًا للِمُزْن وقوله يجري في الغرانيق أي يجري مع الغرانِيقِ، فأقام في مقام مع.

وقال غيره: واحدُ الغرانيقِ غُرَنيْقٌ وغُرْناقٌ.

وقال شمر: لِمَّةٌ غُرَانقةٌ وغُرَانِقِيةٌ وهي الناعمَةُ تُفَيِّئها الريحُ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


113-تهذيب اللغة (لقا)

لقا: ثعلب عن ابن الأعرابي: اللُّقَى: الطُّيور.

واللُّقى: الأوجاع.

واللقَى: السَّرِيعات اللَّقْح من جميع الحيوان.

وقال الليث: اللَّقْوة من النساء: السّريعة اللّقْح.

واللَّقوة: داءٌ يأخذ في الوجه يعوجّ منه الشَّدِق.

يقال: لقي الرجلُ فهو مَلقُوٌّ.

واللَّقوة واللِّقوة: العُقاب.

أبو عبيد عن أبي زيدٍ، والأمويِّ، والكسائي: اللَّقوة: الداء الذي يكون بالوجه.

وقال الأمويُّ وحده: اللَّقْوة واللِّقوة: العُقاب، وجمعُها لِقاءٌ.

وقال أبو عبيد في باب سرعة اتفاق الأخوَين في التَّحابّ والمودة.

قال أبو زيد: مِن أمثالهم في هذا: كانت لِقْوةً صادفتْ قبيسًا.

قال: وقال أبو عبيدة: اللَّقْوة هي السَّريعة اللَّقْح والحَمْل، والقَبيسُ هو الفَحل السريع الإلقاح، أي: لا إبطاء عندهما في النَّتاج.

يُضرب للرجلين يكونان متَّفِقَين على رأيٍ ومذهب، فيلتقيان فلا يلبثان أن يتصاحبا ويتصافَيا على ذلك.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ: يقال في المرأة والناقة لِقْوة ولَقْوة.

أبو عبيد عن الفراء قال: اللَّقْوة من النساء بفتح اللام، هي السريعة اللَّقْح.

وأنشد:

حَملْتِ ثلاثةً فوَلدْتِ تِمَّا *** فأمٌ لَقْوةٌ وأبٌ قَبيسُ

وقال أبو عبيدٍ: سُمّيت العُقاب لِقْوةً لسَعة أشداقها.

قلت: واللَّقْوة في المرأة والناقة بفتح اللام أفصح من اللِّقوة.

وكان شمر وأبو الهيثم يقولان لَقْوة فيهما.

وقال الليث: يقال: لقِيَ فلانٌ فلانًا لِقاءً ولُقِيًّا ولَقْية واحدة، وهي أقبحها على جوازها.

وكلُّ شيءٍ استقبلَ شيئًا أو صادفَه فقد لقيه، من الأشياء كلّها.

واللَّقِيّان: كلُّ شيئين يَلقَى أحدُهما

صاحبه، فهما لَقِيّان.

ورُوِي عن عائشة أنها قالت: «إذا التَقى الخِتانان فقد وجَب الغُسْل».

وقال الشافعيّ: التقاؤهما من المرأة والرجل: تَحاذِيهما مع غُيوب الْحَشَفَةِ في فَرْجها، لا أن يُماسَّ خِتانُه ختانَها، وذلك أنَّ الْحَشفةَ إذا غابت في الفَرْج منها صار خِتانُه بحذاء خِتان المرأة، وخِتان المرأة عالٍ على مَدخَل الحَشَفة، وخِتان الرجل أسفلَ من ذلك، وهو موضع قَطْع الفُرْلة من الذكر.

فهذا معنى التقاء الختانين.

الحرّاني عن ابن السكيت، يقال: لقيتُه لقاء ولُقْيانًا ولُقِيًّا ولَقًى ولِقْيانةً واحدة، ولَقْية واحدة، ولقاءةً واحدة؛ ولا تقل لَقَاةً فإنها مولّدةٌ ليست بفصيحة عربيَّة.

وقال الليث: رجل شَقِيٌ لَقِيٌ: لا يزال يلقى شَرًّا.

ونَهى النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم عَنْ تلقّي الرُّكبان وجاء تفسيره في حديثٍ حدّثنا به محمد بن إسحاق عن أبي حاتم الرازي، عن الأنصاري، عن هشام بن حسّان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: «لا تتلقَّوُا الرُّكبانَ والأجلاب، فمن تَلقَّاه فاشترى منه شيئًا فصاحِبُه بالخِيار إذا أَتى السُّوق».

وأخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ أنه قال: وبهذا آخُذ إنْ كان ثابتًا.

وقال: وفي هذا دليلٌ على أنَّ البَيع جائز غيرَ أنَّ لصاحبها الخيارَ بعد قُدوم السُّوق، لأنَّ شراءها مِن البَدَوِيّ قَبْل أنْ يصير إلى موضع المتساومَيْن من الغُرور بوجه النَّقْص من الثَمن؛ فله الخِيارُ.

قلتُ: والتَلَقِّي هو الاستقبال.

ومنه قول الله جلَّ وعزَّ: {وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].

قال الفراء: يريد ما يُلَقّي دَفعَ السيِّئة بالحسنة إلَّا مَن هو صابرٌ أو ذو حَظٍّ عظيم، فأنَّثها لتأنيث إرادة الكلمة.

وأما قوله عزوجل: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37] فمعناه: أنَّه أخذها عنه.

ومِثله لَقِنها وتلقّنها.

أبو عبيد عن أبي زيد: أَلْقيتُ عليه أُلْقِيَّةً.

قلت: معناه: كلمة مُعاياةٍ يُلْقيها عليه ليستخرجها.

وقال الليث: الألقِية واحدة من قولك: لَقِيَ فلانٌ الألاقِيَ مِن شرٍّ وعسر.

وقال اللِّحياني: يقال: هم يتلاقون بأُلْقِيَّةٍ لهم.

وقال الليث: الاستلقاء على القفا، وكلُّ شيء كان فيه كالانبطاح ففيه استلقاء.

وقوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ)، أي: تعلّمها ودعا بها.

وقوله تعالى: (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا)، أي: ما يُعلّمها ويُوفَّق لها إلَّا الصّابرون.

وتقول: لاقيتُ بين فلانٍ وفلانٍ، ولاقيتُ بين طَرَفَيْ قضيبٍ: حَنَيتُه حتى تَلاقَيا والتَقَيَا.

قال: والمَلْقى: أشرافُ نَواحي أعلى الْجَبَل، لا يزال يمثل عليها الوَعِل يستعصِم به من الصيّاد.

وأنشد:

إذا سامت على المَلْقاةِ ساما

قلتُ: والرواة رووا:

إذا سامت على المَلَقات ساما

قال النضر: الوعل: الضأن الجبليُّ الكبش، والأرويّةَ: النعجة والمصامَ.

قال الهذليّ:

إذا صامت على المَلْقَاة صاما

جعله من لقى يلقى.

والملقات، واحدتها مَلقة، وهي الصَّفاء المَلْساء، والميم أصلية.

كذلك أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنّه أنشده البيت.

والذي رواه الليثُ إن صحَّ فهو مُلْتقى ما بين الجبلين.

وقال: الملْقَاة، وجمعُها المَلاقي: شُعَبُ رأس الرَّحِم، وشُعَبٌ دون ذلك أيضًا.

ورَوَى أبو عبيد عن الأصمعي، أنه قال: المتلاحمة من النساء: الضيِّقة المَلاقي، وهي مآزِمُ الفَرْج ومَضايِقُه.

وقال الليث: ورجلٌ ملقًّى: لا يزال يلقاه مكروه.

وفلان يتلقَّى فلانًا، أي: يستقبله.

فالرجل يُلقَّى الكلام، أي: يُلقّنه.

قال الأصمعيّ: تلقَّت الرّحمُ ماءَ الفحل: إذا قبلْته وأرتجت عليه.

وقال أبو الهيثم: اللَّقَى: ثَوب المُحرِم يُلقيه إذا طاف بالبيت في الجاهلية؛ وجمعُه ألقاه.

وقال:

ومنهل أقْفَرَ من ألقائه *** وردتُه واللَّيلُ في غشائه.

أي: مقفر من ألقاء الناس، وهو ما يُلقونه ممَّا لا خيرَ فيه.

وقيل: من ألقائه، أي: من الناس.

يقال: ما بها لقًى، أي: ما بها أَحد.

وفلانٌ شقيٌ لقيٌ.

قال: واللَّقَى: كلُّ شيءٍ متروك مطروح كاللُّقَطَة.

وقال في قول جرير:

لَقًى حَملْته أُمُّه وهي ضَيفَةٌ *** فجاءت بيَتْنٍ للنِّزالة أَرشَما

جعَلَ البعيثَ لَقًى لا يُدرَى لمن هو وابن مَن هو.

قلت: أراد أَنّه وُجِد منبوذًا لا يُدرَى ابنُ مَن هو؟

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


114-تهذيب اللغة (نشأ)

نشأ: قال الليث: النَّشَأُ: أحداث النّاس.

يقال للواحدِ أيضًا: هو نَشَأُ سَوْءٍ.

والناشِئُ الشابّ، يقال: فتًى ناشئ، ولم أسمع هذا النّعْتَ في الجاريَة.

والفعل نَشَأ ينشَأ نشْأً ونَشْأَةً ونشاءَة.

ورَوى سَلَمة عن الفراء: العرب تقول هؤلاء نَشْءُ صِدْق، فإذا طَرَحُوا الهمزة قالوا: هؤلاء نَشُو صِدْقٍ، ورأيت نشَا صِدْق، ومررت بنَشِي صدق، وأجوَد من ذلك حَذفُ الواو والألف والياء، لأن قولهم: «يَسَل» أكثر من قولهم يَسْأَل و «مَسَلَةٌ» أكثر من «مَسألة».

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم، أنه قال: الناَّشئ الشابّ حين نشأ، أي بلغ قامَةَ الرجل، ويقال للشابّ والشابَّة إذا كانوا كذلك: هم النَّشَأ يا هذا والنّائون، وأنشد لنُصَيب:

وَلَوْلَا أَنْ يُقَالَ صَبَا نُصَيْبٌ *** لَقُلْتُ بنفسيَ النَّشَأُ الصِّغَارُ

فالنَّشَأ قد ارتفعْن عن حدّ الصِّبا إلى الإدراك، أو قربْنَ منه.

نشأَتْ تنشَأ نَشْأ، وأنشأ الله إنشاء، قال وناشيء ونَشَأ جماعة، مثل خادم وخَدَمَ، وطالب، وطَلَب.

الحرانيّ، عن ابن السِّكِّيت، قال: النَّشَأ: الجواري الصّغار في بيت نُصَيب.

وقال الفراءِ في قول الله جلّ وعزّ: {ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} [العنكبوت: 20].

قال: القُرّاء مجتمعون على جزم الشين، وقَصْرها إلا الحسن البَصْرِي، فإِنه مَدَّها في كلّ القرآن، فقال: النَّشاءة، وهو مثل الرّأفة والرآفة، والكَأبة والكآبة.

وقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ} [الزخرف: 18]، قال الفرّاء: قرأ أصحابُ عبد الله: {يُنَشَّؤُا}، وقرأ عاصم وأهل الحجاز: {يَنشَأُ}.

قال: معناه أن المشركين قالوا: الملائكة بَنَات الله، تعالى الله عما افتروا، فقال الله جلّ وعزّ: أَخَصَصْتُم الرحمنَ بالبَنَات، وأحدكم إذا وُلد له بنتٌ يَسودُّ وجهه!.

قال: وكأنه قال: أوَمَنْ لا يُنشَّأ إلا في الحِلية، ولا بَيَان له عند الخِصَام ـ يعني البنات ـ تجعلونَهُنّ لِلَّهِ وتستأثرون بالبنين!

قال الزّجاج في قوله تعالى: {وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ} [الرحمن: 24] وقرئ {الْمُنشِئَات}، قال: ومعنى الْمُنْشَآتُ: السفُن المرفوعات الشُّرُع، قال: والمنشِئَات: الرّافعات الشرع.

وقال الفرّاء: مَن قرأ (المنشِآت) فهن اللّائي يُقْبِلن ويُدْبِرْن، و (الْمُنْشَآتُ) أُقْبِلَ بهنَّ وأُدْبِر.

وقال الشماخ:

عَلَيْهَا الدُّجَى المستنشَآت كأنها *** هَوادجُ مشدودٌ عليها الجزاجزُ

يعني الزُّبَى المرفوعات.

وقال الله جلّ وعزّ: {إِنَ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل: 6].

أخبرني المنذريّ، عن الحربيّ، عن الأثْرم، عن أبي عُبَيدة، قال: ناشئة الليل: ساعاته، وهي آناءُ الليل، ناشئةً بعد ناشئة.

وقال الزَّجّاجُّ: ناشئة الليل ساعات الليل كلّها، ما نشأ مِنْهُ، أي ما حَدَث، فهو ناشئة.

وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ، أنه قال: كان أنس والحسَن وعليّ بن

الحسَيْن والضحاك والحكَم ومجاهِد يقولون: ناشئة الليل: أوله، وإليه ذهب الكسائيّ.

وقال ابن عباس: النّاشئة: ما كان بَعْدَ نَوْمه.

قال: وقال ابن مسعود وابن عمر وابن الزبيرَ وأبو مالك ومُعَاوية بن قُرّة وعِكْرمة وأبو مَجْلَز والسُّدِّيّ: الليل كلّه ناشئَة، متى قمتَ فَقَدْ نَشأْتَ.

قال: وأخبرني أبو نصر، عن الأصمعيّ: خرج السَّحاب له نشء حَسَن، وخرج له خروج حسن، وذلك أوّل ما ينشأ، وأنشد:

إذَا هَمَّ بالإقْلَاعِ هَبَّتْ له الصَّبَا *** فَعَاقَبَ نشءٌ بعدها وخَرُوجُ

قال: وأخبرنا عمرو عن أبيه: أنشأت الناقة فهي مُبْشِىءٌ إذا لَقِحَت، ونشأ الليل ارتفع، والنشأ: أحداث الناس، غلام ناشيء وجارية ناشئة، والجميع نشأ.

وقال شمِر: نشأَ: ارتفع، ونشأت السحابةُ، ارتفَعَت، وأنشأها الله، ويقال: من أين أنشأْتَ؟ أي من أين جئتَ؟

وقال أبو عمرو: أنشأ يقول كذا وكذا، أي أقبل، وأنشأ فلان: أقبل.

وأنشد قولَ الراجز:

* مَكَانَ مَنْ أَنشا عَلَى الرَّكَائِبِ*

وقال ابن الأعرابيّ: أنشأ، إذا أنشد شِعْرًا أو خطب خُطبة فأَحسَنَ فيهما.

ابن السّكّيت عن أبي عمرو: تنشّأْتُ إلى حاجتي، نهضت إليها ومَشيْتُ، وأنشد:

فَلمَّا أَنْ تَنَشَّأَ قَامَ خِرْقٌ *** من الفِتْيانِ مختلَقٌ هضُومُ

قال وسمعتُ غيرَ واحد من الأعراب يقول: تَنشَّأَ فلان غادِيًا، إذا ذهب لحاجته.

أبو عُبيد: النشيئَة: الحجر الذي يُجعَل أسفل الحوض، والنَّصَائِب: ما نَصِب حوله، وأنشد:

هَرَقْنَاهُ في بادي النَّشيئَةِ دائِرٍ *** قديمٍ بعهد الماء بُقْعٍ نَصَائِبُهْ

وقال الليث: أنشأ فلان حديثًا، أي ابتدأ حديثًا ورفعه.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


115-تهذيب اللغة (وضأ)

وضأ: قال اللّيث: الوَضَاءةُ مصدرُ الوَضيءُ،

وهو الحَسَن النّظيف، والفِعلُ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وَضاءةً.

الحرّاني عن ابن السكيت قال: اسمُ الماء الّذي يُتوضَّأ به: الوَضُوء.

قال: وتوضّأتُ وَضُوءًا حَسَنًا.

وقال أبو حاتم: توضّأتُ وَضوءًا، وتَطهّرتُ طَهورًا.

قال: والوَضوء: الماء، والطَّهور مِثلُه، ولا يقال فيهما بضمّ الواو والطاء؛ لا يقال: الوُضوء ولا الطُّهور.

قال: وقال الأصمعي: قلتُ لأبي عمرو بن العَلاء: ما الوَضُوء؟ فقال: الماء الّذي يُتوضَّأ به.

قال: قلتُ: فما الوُضُوء ـ بالضَّم ـ؟ فقال: لا أعرِفُه.

وأخبَرَنا عبدُ الله بن هَاجَك عن ابن جبَلة قال: سمعتُ أَبا عُبَيد يقول: لا يجوز الوُضوء، إنما هو الوَضوء.

وقال ابن الأنباريّ: هو الوَضوء للماء الّذي يُتوضّأ به.

قال: والوُضوء مصدرُ وَضوءَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا ووَضاءةً.

وقال اللّيث: المِيضأة: مِطْهَرةٌ يُتوضّأ منها أو فيها.

قلت: وقد جاء ذكرُ المِيضأة في حديث النبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم الذي يَروِيه أبو قَتَادة؛ وهي مِفْعَلة من الوَضُوء.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


116-تهذيب اللغة (مس)

مس: قال الله جلّ وعزّ: {الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ} [البقرة: 275].

قال الفراء: المَسُ: الجنُونُ.

والعرب تقول: رجل مَمْسوسٌ.

عَمْرو عن أبيه: المَأسُوس والمَمْسوس والمُدَلّس كله المجنون.

والمَسُ: مَسّك الشيءَ بِيَدَك.

قال الله جلّ وعزّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ} [البقرة: 237]، وقرىء: {تُماسُّوهُنّ}.

قال أحمد بن يحيى: اختار بعضهم {ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ} وقال: لأنّا وجَدْنَا هذا الحرفَ في غير موضع من الكتاب بغير ألف {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47]، فكلُّ شيء من هذا الباب فهو فِعل الرجل في باب الغِشْيان.

قال: وأخبَرَنا سَلَمة عن الفرّاء أنه قال: إنه لَحَسَن المَسِ في ماله، يُريد أنه حَسَن الأثر والمَسّ يكون في الخير والشر: والمَسَ والمَسِيس: جِماع الرجلِ المرأة.

وأُخبرتُ عن شمر أنه قال: سئل أعرابيٌّ عن رَكِيّةٍ، فقال: ماؤها الشّفاء المَسُوس.

قال: والمَسُوس: الذي يمَسُ الغُلّة فيَشفيها، وأنشد:

لو كنتَ ماءً كنتَ لا *** عَذْبًا يُذَاق ولا مَسُوسَا

وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: المَسُوس: كلُّ ما شَفَى الغَليل، لأنه مَسَ الغُلّة، وأَنشَد:

يا حَبّذا رِيقتُكِ المَسُوسُ *** وأَنْتِ خَوْدٌ بادنٌ شَمُوسُ

الليث: الرَّحِمُ الماسّة والمسّاسة: القريبة وقد مَسّتْه مواسُ الخَبَل.

عمرو عن أبيه: الأسْنُ: لُعْبَةٌ لهم يسمُّونها المَسّة والضّبَطة.

وقال الزّجاج في قول الله عزوجل: {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ} [طه: 97]، قرىء: {مِساسَ} بفتح السين منصوبًا على التّبرئة.

قال: ويجوز {لَا مَسَاسِ} مبنيٌّ على الكسر، وهو نفي قولك: مَساسِ مَساسِ، فهو نفي ذلك، وبُنِيَتْ «مَساسِ» على الكسر وأصلُها الفَتْح لمكان الألف، فاختير الكسرُ لالتقاء الساكنين.

وقال الليث: (لا مِساسَ): أي: لا مُماسّة، أي: لا يَمَسُ بعضُنا بعضًا.

قال: والمَسْمسَةُ: اختلاطُ الأمْرِ واشتباهُه.

قال رُؤْبة:

إن كنتَ من أمرِك في مَسْماسِ *** فاسْطُ عَلَى أُمِّك سَطْوَ الماسِ

قال: خفّف سينَ الماس كما يخفّفونها في قولهم: مَسْتُ الشيءُ، أي: مسَسْتُه.

قلت: هذا غَلَط، الماسي هو الذي يُدخِل يده في حياء الأنثى لاستخراج الجنين إذا نَشِب يقال: مَسَيْتها أَمْسيها مَسْيًا، رَوَى ذلك أبو عُبيد عن الأصمعي، وليس المَسْيُ من المَسِ في شيء، وأما قولُ ابن مَغْراء:

مَسْنا السَّماءَ فنِلْناهَا وطَالْهُمْ *** حتى يَرَوْا أُحُدًا يَمشي وثَهْلَانَا

فإنه حَذَف إحدى السينين من مَسسنا استثقالًا للجمع بينهما، كما قال الله جلَّ وعزَّ: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] والأصل: فظللتم.

وقال ابن السكيت: مَسِسْتُ الشيءَ أمَسُّه مسًّا، وهي اللغة الفصيحة.

وقال أبو عُبَيْدة: مَسَسْتُ الشيء أمَسُّه أيضًا.

ثعلب عن ابن الأعرابي: الساسَمُ: شجرةٌ يُسوَّمنها الشِّيزَى، وأَنشَد قولَ ضمرة:

ناهَبْتُها القومَ على صُنْتُعٍ *** أجرَد كالقِدْحِ من السَّاسَمِ

عمرو عن أبيه: الطَّرِيدةُ لُعبةٌ: تسَمّيها العامّةُ: المَسّة والضَّبَطة، فإذا وقعتْ يدُ اللاعب من الرَّجُل على بدَنِه ـ رأسِه أو

كَتِفه ـ فهي المَسَّةُ، وإذا وقعت على رِجله فهي الأَسْنُ.

وقال ابن أحمر:

تَطايح الطّلُّ عن أسدانها صُعُدًا *** كما تَطايح عن ماموسة الشَّرَرُ

أراد بماموسة: النار، جعلها معرفة غير منصرفة.

ورواه بعضهم: عن مأنوسة الشرر.

وقال ابن الأعرابي: المأنوسة: النار.

والله أعلم.

أمّا رَسَط ورَطَس: فإن ابن المظفَّر أهمَلهما.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


117-تهذيب اللغة (أم)

أم: أبو العبّاس، عن ابن الأعرابي: الأُم: امرأة الرَّجل المُسِنّة.

والأم، الوالدة من كل الحَيوان.

ويُقال: ما أَمِّي وأَمُّه؟ وما شَكلي وشَكله؟

أي: ما أَمْري وأَمْره لبُعده منّي، فلمَ يتعرّض لي؟ ومنه قول الشاعر:

فما أَمضي وأَمّ الوَحْش لمّا *** تَفَرَّع في ذُؤابَتِي المَشِيبُ

وقال ابن بُزُرْج: قالوا ما أَمّك وأمّ ذات عِرْق؟ أي: أَيْهات منك ذات عِرْق؟

قال الليث: الأُم، هي الوالدة؛ والجمع الأُمَّهات.

وقال غيره: تُجمع «الأُم» من الآدميّات: أمّهات؛ وتجمع من البهائم: أُمّات؛ قال:

لقد آليْت أُعْذَر في خِداع *** وإن مَنَّيت أمّاتِ الرِّبَاعِ

الليث: يقال: تأمّم فلان أُمًّا، أي: اتخذها لنفسه أُمًّا.

وتفسير «الأم» في كل معانيها: أمّة، لأن تأسيسه من حَرْفين صحيحين، والهاء فيه أصلية، ولكن العرب حذَفت تلك الهاء إذا أمنوا اللَّبْس.

قال: ويقول بعضُهم في تَصغير «أُمّ»: أمَيْمة.

والصواب: أُمَيْهة، تُرد إلى أصل تأسيسها.

ومن قال «أُميمة» صغّرها على لفظها، وهم الذين يقولون «أمّات»؛ وأَنشد:

إذا الأمّهات قَبَحْن الوُجُوهَ *** فَرَجْتَ الظَّلامَ بأُمّاتِكَا

قال ابن كيسان: يُقال: أُمّ، وهي الأصْل؛ ومنهم من يقول: أُمّة؛ ومنهم من يقول: أُمّهة؛ وأَنْشد:

تَقَبَّلْتها عن أُمَّةٍ لك طالما *** تُنوزع في الأَسواق عنها خِمارُها

يُريد: عن أُم لك، فألحقها هاء التأنيث.

وقال آخر:

* أُمَّهتي خندفُ والياس أَبِي*

فأمّا الجمع فأكثر العرب على «أمّهات» ومنهم من يقُول: أُمّات.

وقال المبرّد: الهاء من حروف الزّيادة، وهي مزيدة في «الأُمهات» والأصل «الأُم» وهو: القَصْد.

قلت: وهذا هو الصواب، أن «الهاء» مزيدة في «الأمهات».

وقال الليث: من العرب مَن يَحذف ألف «أم» كقول عديّ بن زيد:

* أيّها العائب عندي مّ زَيْد*

واعلم أن كل شيء يُضم إليه سائر ما يليه فإن العرب تسمِّي ذلك الشيء: أُمًّا، من ذلك: أُم الرأس، وهو الدِّماغ؛ ورَجُلٌ مَأْمُوم؛ والشجّة الآمّة: التي تبلغ أُمَ الدِّماغ.

والأَميم: المَأْموم.

قال والأُمَيْمة: الحجارة التي تُشْدخ بها الرُّؤوس؛ قال:

ويومَ جَلَّينا عن الأهاتم *** بالمَنْجنيقات وبالأمَائمِ

المكنىّ بالأم

قال: وأُم التّنائف: المفازة البعيدة.

وأم القُرَى: مَكَّة.

وكُل مدينة، هي أُم ما حولها من القُرى.

وأُم الكِتَاب: كُل آية محكمة من آيات الشرائع والأحكام والفرائض.

وجاء في الحديث: «إن أُم الكتاب هي فاتحة الكتاب»، لأنها هي المتقدّمة أمام كل سُورة في جميع الصلوات، وابتدى بها في المُصحف فقدّمت، وهي القرآن العظيم.

وأما قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِ الْكِتابِ لَدَيْنا} [الزخرف: 4].

فقال: هي اللوح المحفوظ.

قال قتادة: أُم الكتاب: أَصل الكتاب.

وعن ابن عبّاس: أُمّ الكتاب، القرآن من أوله إلى آخره.

وقوله تعالى: {فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ} [القارعة: 9] أي: أُمه التي يأوي إليها، كما يأوي الرجل إلى أُمه، هاوية، وهي النار يهوي فيها من يدخلها، أي: يَهلك.

وقيل: فأم رأسه هاوية فيها، أي: ساقطة.

وأُم الرُّمْح: لواؤُه وما لُفّ عليه من خِرقة؛ ومنه قول الشاعر:

وسَلَبْنا الرُّمْح فيه أُمّه *** مِن يَدِ العاصِي وما طالَ الطِّوَلْ

وأخبرنا عبد الملك، عن الربيع، عن الشافعي، قال: العربُ تقول للرجل يلي طعام القوم وخدمتهم: هو أُمتهم؛ وأَنْشد للشَّنْفرى:

وأُمّ عيال قد شهدت تَقُوتهم *** إذا حَتَرتْهم أَتْفَهت وأَقَلَّت

قال: ويُقال للمرأة التي يأوي إليها الرَّجُلُ: هي أُم مَثْواه.

وفي الحديث: «اتقوا الخمر فإنها أُم الخبائث».

وقال شمر: أم الخبائث: التي تجمع كُل خبيث.

قال: وقال: الفصيح في أعراب قَيس: إذا قيل: أُمّ الشر، فهي تَجمع كل شَرّ على وَجه الأرض.

وإذا قيل أُمّ الخير، فهي تَجمع كُلّ خَير.

قال: وقال ابن شميل: الأم لكُل شيء، هي المجَمع له والمَضَمّ.

وأُم الرأس، هي الخريطة التي فيها الدِّماغ.

وأمُ النُّجوم: المَجَرّة.

وأمُ الطَّريق: مُعظمها، إذا كان طريقًا عظيمًا وحوله طُرق صِغار فالأعظم أُمّ الطريق.

وأمّ اللُّهَيْم: هي المَنِيّة.

وأمّ خَنُّور: الخِصْب.

وأمّ جابر: الخُبز.

وأمّ صَبَّار: الحَرَّة.

ورُوي عن عَمرو، عن أبيه، أنه قال: أمّ عُبَيد: هي الصَّحراء.

وأمّ عَطِيّة: الرَّحَى.

وأمّ شَمْلة: الشَّمْس.

وأمّ الخُلْفُف: الدَّاهية.

وأمّ رُبَيْق: الحرب.

وأمّ ليْلى: الخَمْرُ.

وليلى: النَّشوة.

وأمّ دَرْز: الدُّنيا.

وأمّ بَحنة: النَّخلة.

وأمّ سِرياح: الجرادة.

وأمّ عامر: المَقْبُرة.

وأمّ جابر: السُّنْبلة.

وأمّ طِلْبة: العُقاب.

وكذلك: أمّ شَعْواء.

وأمّ حباب: هي الدُّنيا؛ وهي أمّ وافرة.

وأمّ زافرة: البَيْن.

وأمّ سَمْحة: العَنْز.

ويُقال لِلْقِدْر: أمّ غِياث، وأمّ عُقْبة، وأمّ بيضاء، وأمّ دسمة، وأمّ العِيَال.

وأمّ جِرْذَان: النَّخلة، وإذا سَمَّيت رجلًا بأُم جِرذان لم تَصْرفه.

وأمّ خَبِيص، وأمّ سُويد، وأمّ عَقاق، وأمّ عَزمة، وأمّ طبيخة، وهي أمّ تسعين.

وأمّ حِلْس: الأثان.

وأمّ عمرو، وأمّ عامر: الضَّبُع.

ابن هانىء، عن أبي زيد، يقال: إنه لحسن أمّة الوَجْه، يعنون: سُنَّته وصُورته.

وإنه لقبيح أمّة الوَجه.

وأخبرني المنُذري، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال: يُقال للرجل العالم: أُمّة.

قال: والأُمّة: الجماعة.

والأُمّة: الرجل الجامع للخَيْر.

والأُمة: الطاعة.

وأُمّة الرَّجُل: وَجهه وقامَتُه.

وأُمّة الرَّجل: قَوْمُه.

والإمّة، بالكسر: العيش الرَّخِيّ.

وقال أبو الهيثم: فيما أخبرني عنه المنذري، قال: الأُمَّة: الحِين.

وقال الفراء في قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: 45].

قال: بعد حينٍ من الدَّهْر.

قال أبو الهيثم: والأُمّة: الدِّين.

والأُمّة: المُعلِّم.

وقال الفراء في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا} [النحل: 120].

قال: أُمّة معلِّما للخير.

وروى سَلمة، عن الفراء: {إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]، وهي مثل: السُّنّة والمِلّة.

وقرىء «على إمّة»، وهي الطريقة، من: أَمَمْت.

يقال: ما أحسن إمّته!

قال: والإمّة أيضًا: الملك والنَّعيم؛ وأَنْشد لعديّ بن زَيد:

ثم بعد الفَلاح والمُلك والإمّ *** ة وارتْهمُ هناك القُبور

قال: أراد: إمامة المُلك ونعيمه.

وقال أَبو إسحاق في قوله تعالى: {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ} [البقرة: 213]، أي: كانو على دين واحد.

قال: والأُمّة: في اللغة أشياء، فمنها؛ أن الأُمُّة: الدين، وهو هذا.

والأُمّة: القامة؛ وأنشد:

وإن مُعاوية الأَكْرمي *** ن حِسان الوُجوه طِوال الأُمَمْ

أي: طوال القَامات.

قال: والأُمّة، من الناس، يُقال: قد مَضَت أُمم، أي: قرون.

والأُمّة: الرجل الذي لا نَظير له، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120].

وقال أَبو عُبيدة: معنى قوله «كانَ أُمَّةً» أي: كان إمَامًا.

والأُمّة: النِّعمة.

أبو عُبيد، عن أبي زيد: هو في إمّة من العَيش؛ وآمة، أي: خِصْب.

قال شمر.

وآمة، بتخفيف الميم: عَيْب؛ وأُنْشد:

مَهلًا أَبيت اللّعْن مَهْ *** لًا إنّ فيما قُلت آمَهْ

وذكر أبو عمرو الشَّيباني أن العرب تقول للشيخ إذا كان باقي القُوة: فلان بإِمّةٍ، راجع إلى الخير والنّعمة، لأن بقاء قُوته من أعظم النِّعمة.

قال: وأَصل هذا الباب كله من «القَصْد».

يقال: أممت إليه، إذا قَصدته.

فمعنى «الأمّة» في الدّين، أن مَقصدهم مقصدٌ واحد.

ومعنى «الإمّة» في النِّعمة؛ إنما هو الشيء الذي يَقْصده الخلق ويَطْلُبونه.

ومعنى «الأمة» في الرجُل المُنفرد الذي لا نَظير له: أنّ قَصْده مُنفرد من قصد سائر الناس؛ قال النابغة:

* وهل يَأْثمن ذو أُمّة وهو طائع*

ويُروى: ذو إمّة.

فمن قال: ذو أمّة، فمعناه: ذو دِين.

ومن قال: ذو إمّة، فمعناه: ذو نعمة أُسديت إليه.

قال: ومعنى «الأُمّة»: القامة، سائر مَقْصَد الجسد.

فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى «أممت»، أَي: قصدت.

ويقال: إمامنا هذا حَسن الإمّة، أي: حسن القيام بإمامته إذا صلّى بنا.

وقال أبو إسحاق: قالوا في معنى الآية غيْرَ قولٍ.

قال بعضهم: كان الناس فيما بين آدم ونوح كُفَّارًا (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) يُبشِّرون مَن أَطاع بالجنّة ويُنذرون مَن عَصى بالنار.

وقال آخرون: كان جميع مَن مع نوح في السَّفِينة مُؤمنًا ثم تَفرّقوا من بعده عن كُفْر، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ).

قال: وقال آخرون: الناس كانوا كفّارًا (فَبَعَثَ اللهُ) إبراهيم و (النَّبِيِّينَ) من بعده.

قلت: و «الأمّة» فيما فسروا، يَقع على الكفّار وعلى المُؤمنين.

وقال الله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ} [البقرة: 78].

قال أبو إسحاق: معنى «الأمي» في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جَبَلَتْه أُمّه، أَي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه.

وارتفع «أميون» بالابتداء، و «منهم» الخبر.

وقال غيره: قيل للذي لا يكتب: أُمي، لأن الكتابة مكتسبة، فكأنه نُسب إلى ما وُلد عليه، أي: هو على ما ولدته أُمه عليه.

وكانت الكتابة في العرب في أهل الطائف تعلّموها من رجل من أهل الحيرة، عن أَهل الأنبار.

قال أبو زيد: الأمّي من الرجال: العَيِيّ القليل الكلام الجافي الجلْف؛ وأَنشد:

ولا أَعُود بعدها كَرِيّا *** أمارس الكَهْلة والصَّبِيَّا

* والعَرَب المنفَّه الأمِّيّا*

قيل له: أمّي، لأنه على ما وَلدته أُمه عليه من قلة الكلام وعُجْمة اللّسان.

وقيل للنبي محمد صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم: الأُمي، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، بعثه الله رسولًا وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المُعجزة، لأنه صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم تلا عليهم كتاب الله منظومًا مع أميته بآيات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تارة بعد أخرى، بالنَّظم الذي أُنزل عليه، فلم يغيّره ولم يبدِّل ألفاظه.

وكان الخطيب من العرب إذا ارتجل خطبة ثم أعادها زاد فيها ونَقص، فَحفِظه الله

جلّ وعزّ على نبيّه كما أَنزله، وأَبانه من سائر مَن بعثه إليهم بهذه الآية التي بايَن بينه وبينهم بها، وفي ذلك أَنزل الله تعالى: {وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48].

يقول جلّ وعزّ: لو كنت تتلو من الكتاب، أو تخط لارتاب المُبطلون الذين كفروا، ولقالوا إنه وَجد هذه الأقاصيص مكتوبة فحفظها من الكتب.

الليث: كُل قوم نُسبوا إلى نبي فأُضيفوا إليه، فهم: أُمّته.

وقيل: أُمة محمد: كُل من أَرسل إليه ممَّن آمن به أَو كفر.

قال: وكل جيل من الناس، فهم: أُمة على حِدة.

وقال غيره: كل جنس من الحيوان غير بني آدم أُمّة على حدة؛ قال الله تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} [الأنعام: 38] الآية.

ومعنى قوله: «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ» في معنى دون معنى.

يريد: والله أَعلم: أَن الله خلقهم وتعبّدهم بما شاء أن يتعبَّدهم به من تَسبيح وعبادة عَلِمها منهم ولم يُفقِّهنا ذلك.

وجاء في الحديث: «لو لا أَن الكلاب أُمّة تُسبِّح لأَمرتُ بقَتْلها، ولكن اقْتُلوا منها كُلَّ أَسْود بَهيم».

الليث: الإمّة: الائتمام بالإمام.

يُقال: فلان أَحقّ بإِمّة هذا المسجد من فلان، أَي: بالإمامة.

قلت: الإمّة: الهيئة في الإمَامة والحالة.

يُقال: فلان حَسن الإمّة، أي: حسن الهيئة إذا أمّ الناس في الصلاة.

والإمام: كل من ائتم به قومٌ كانوا على الصّراط المستقيم أو كانوا ضالّين.

والنبيّ صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم إمَام أُمته، وعليهم جميعًا الائتمام بسُنَّته التي مَضى عليها.

والخليفة: إمَام رَعيّته.

والقرآن: إمَام المُسلمين.

وإمَام الغُلام في المَكتب، ما يتعلّمه كُلَّ يوم.

وقال ابن الأعرابيّ في قول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} [الإسراء: 71] قالت طائفة، بإِمامهم.

وقالت طائفة: دينهم وشَرعهم.

وقيل: بكتابهم الذي أحصى فيه عملهم.

وقول الله تعالى: {فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] أي: قاتلوا رُؤساء الكفّار وقادَتهم الذين ضُعَفاؤُهم تَبع لهم.

وقرىء قوله تعالى: (أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) على حَرْفين.

فأكثر القُراء قرؤوا: أيِمة؛ بهمزة واحدة.

وقرأ بعضهم: أَئِمَّةَ، بهمزتين.

وكل ذلك جائز.

وقال أبو إسحاق: إذا فَضلنا رجلًا في الإمامة قلنا: هذا أَوَمُّ من هذا.

وبعضهم يقول: هذا أَيَمّ من هذا.

قال: والأصل في «أئمة»: أأْمِمَة، لأنه جمع «إمام» مثله: مثال وأَمثلة.

ولكن الميمين لمّا اجتمعتا أُدْغمت الأولى في الثانية، وأُلقيت حركتها على الهمزة، فقيل: أَئمّة، فأبدلت العرب من الهمزة المكسورة الياء.

قال: ومن قال: هذا أَيَمّ من هذا، جعل هذه الهمزة كلّما تحركت أَبدل منها ياءً.

والذي قال: فلان أَوَمُ من هذا، كان عنده أَصلها «أَأَمّ»، فلم يمكنه أن يبدل منه ألفًا لاجتماع الساكنين، فجعلها واوًا مفتوحة؛ كما في جمع «آدم»: أوادم.

وهذا هو القياس.

قال: والذي جعلها ياء قال: قد صارت الياء في «أَيمّة» بدلًا لازمًا.

وهذا مذهب الأخفش.

والأول مذهب المازنيّ، وأظنه أَقيس المذهبين.

فأما «أئمة» باجتماع الهمزتين، فإنما يُحكى عن أبي إسحاق: فإِنه كان يجيز اجتماعهما، ولا أَقول إنها غير جائزة.

والذي بدأنا به هو الاختيار.

وقال الفَرّاء في قوله تعالى: {وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ} [الحجر: 79] يقول: في طريق لهم يَمُرون عليها في أَسْفارهم.

فجعل الطَّريقَ إمَامًا، لأنه يُؤَمّ ويُتّبع.

الليث: الأمام، بمعنى: القُدّام.

وفلان يَؤُم القوم، أي: يَقْدُمهم.

ويقال: صَدرك أمامُك، بالرفع، إذا جعلته اسْمًا.

وتقول: أخوك أمامَك، بالنصب، لأنه صِفة.

وقال لَبيد، فجعله اسْمًا:

فعدتْ كلا الفرْجين تَحسب أنّه *** مولَى المخَافة خَلْفُها وأَمامُها

يصف بقرةً وحشيّة غرّها القنّاص فعَدت، وكِلا فَرْجَيها، وهما أمامها وخلفها، تحسب أنه ألهاه عِمادٌ مولى مخافتها، أي: وليّ مَخافتها.

قال أبو بكر: معنى قولهم: فلانٌ يؤُمّ أي: يتقدّمهم.

أُخذ من «الأمام»، يقال: فلان إمام القوم، إذا تَقدَّمهم.

وكذلك قولهم: فلان إمام القوم، معناه: هو المتقدِّم لهم.

ويكون الإمام رئيسًا، كقولك: إمام

المُسلمين.

ويكون: الكتاب؛ قال الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} [الإسراء: 71].

ويكون «الإمام»: الطريق الواضح، قال الله تعالى: {وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ} [الحجر: 79].

ويكون «الإمام»: المثال، وأنشد:

أبوه قبله وأبو أبيه *** بنَوا مجد الحياة على إِمامِ

معناه: على مثال؛ وقال لَبيد:

* ولكُلّ قَومٍ سُنَّة وإمامُها*

الحرّاني، عن ابن السِّكيت، قال: الأَمُ، هو القَصْد.

يقال: أممته أؤُمه أمًّا، إذا قَصَدْت له.

وأَمَمته أَمًّا: إذا شَجَجْته.

وشَجَّة آمَّةٌ.

قال: والأَمَم، بين القريب والبَعيد.

ويقال: ظَلَمت ظلمًا أَمَمًا؛ قال زُهير:

كأن عَيْني وقد سال السَّلِيلُ بهم *** وَجِيرة ما هُمُ لو أنهم أَمَمُ

ويقال: هذا أمر مُؤَامٌ، أي: قَصْدُ مُقَارِب.

وأَنشد: الليث:

تسألُني برامَتَين سَلْجَمَا *** لو أنها تَطْلب شَيئًا أَمَمَا

أراد: لو طلبت شيئًا يقرب مُتناوله لأطْلَبْتُها، فأما أن تطلُب بالبلد القَفر السَّلْجم، فإنه غير مُتَيَسِّر ولا أَمَم.

ويقال: أَمَمْتُه أمًّا، وتَيَمَّمته تَيَمُّمًّا، وتَيَمَّمْتُه يَمامةً.

قال: ولا يَعرف الأصمعيّ «أَمَّمْته» بالتّشديد.

ويُقال: أَمَمْتُه، وأَمَّمْته، وتأَمَّمْته، وتَيَمَّمته، بمعنى واحد، أي: توخيته وقَصَدْتُه.

والتَيمُّم بالصَّعيد، مأخوذ من هذا.

وصار «التيمّم» عند عوام الناس المَسْح بالتراب، والأصل فيه، القَصْد والتوخِّي؛ قال الأعشى:

تَيَمَّمت قيسًا وكم دُونه *** من الأرض من مَهْمَهٍ ذي شَزَنْ

اللّحياني، يقال: أَمّوا، ويَمُّوا، بمعنى واحد، ثم ذكر سائر الُّلغات.

الليث: إذا قالت العرب للرجل: لا أُم لك، فإِنه مَدْحٌ عِنْدهم.

وقال أبو عُبيد: زَعم بعضُ العلماء أن قولهم: لا أبا لك، ولا أب لك: مدح؛ وأن قولهم: لا أُمَ لك: ذمّ.

قال أبو عُبيد: وقد وجدنا قولهم: لا أُمّ لك، قد وُضع موضع المَدح؛ قال كَعْب الغَنويّ:

هَوت أُمّه ما يَبْعث الصُّبح غاديًا *** وماذا يُؤَدّي الليلُ حين يُؤوبُ

قال أبو الهيثم: وأين هذا ممّا ذهب إليه أبو عُبيد، وإنما معنى هذا كقولهم: ويح أُمه، ويل أمّه، وهَوت أُمه، والوَيل لها، وليس في هذا من المدح ما ذَهب إليه، وليس يُشبه هذا قولهم: لا أُم لك، لأن قوله: لا أم لك، في مذهب: ليس لك أُمٌ حرة، وهذا السبّ الصريح، وذلك أن بني الإماء عند العرب مَذْمُومون لا يَلحقون ببني الحرائر، ولا يقول الرَّجلُ لصاحبه: لا أُم لك، إلا في غضبه عليه مُقصِّرًا به شاتمًا له.

قال: وأما إذا قال: لا أَبا لك، فلم يَتْرك من الشَّتيمة شَيئًا.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com