نتائج البحث عن (يَبْعَثُونَ)

1-العربية المعاصرة (برزخ)

بَرْزَخ [مفرد]: جمعه برازِخُ:

1 - حاجِز بين شيئين {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ. بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ} [قرآن].

2 - [في الجغرافيا] قطعةُ أرضٍ محصورة بين بحرين موصِّلة بين أرضين (برزخ قناة السويس).

3 - ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى يوم البَعْث، فمن مات فقد دخل البَرْزخ (حياة البرزخ- {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [قرآن]).

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


2-العربية المعاصرة (قام)

قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل يَقُوم، قُمْ، قَوْمًا وقِيامًا وقامةً، فهو قائم وقيِّم، والمفعول مَقوم (للمتعدِّي).

* قام الشَّخْصُ: وقف ونهض، انتصب، عكسه قعد (كان قاعدًا فقام- إذا قام بك الشرّ فاقعدْ به [مثل] - {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [قرآن]: يوم يُبعثون- {فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ} [قرآن]) (*) قام الرَّأي العامّ وقعد لهذا الحادث: تأثّر- قام القطارُ: تحرَّك- قامتِ الحربُ على قَدَم وساق: اشتدّ الأمر وصعب الخلاص منه- قامتِ الصَّلاةُ: حضرت- قامت قيامتُه: مات- لم تقم له قائمة: قُضِي عليه قضاءً تامًّا.

* قام الأمرُ: ظهر واستقرَّ (قام الحقُّ بعد الباطل- قامت علاقة بينه وبين جاره- يكسر النظم القائمة- {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [قرآن] - {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [قرآن]).

* قام الليلَ: صلَّى {تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [قرآن].

* قام مقامَه: ناب عنه (قام مقامه في العمل- قام مقام الأب- {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} [قرآن]).

* قام إلى الشّيء: تهيَّأ واستعدّ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [قرآن] - {قُمْ فَأَنْذِرْ} [قرآن].

* قام بواجبه نحو والديه: فعله وأنجزه، دام عليه وثبت (قام برحلة/بزيارة المريض/بالتدابير اللازمة/بوعده/بدوره/بشأنه/بالمصاريف/بأعباء الحكم/بحملة اعتقالات/بما وُكِّل إليه/بدفع المبلغ/بمؤامرة لقلب نظام الحكم- المدفعية قائمة بالعمل) - قام بأَوَده: أعطاه ما يحفظ رمقَه.

* قامَ البيتُ على الصّخر: بُنِي، ارتكز عليه (كلّ ظُلْم يقوم على الجهل والخوف- تفكير لا يقوم على منطق- قام على الكتاب والسنة).

* قام الوكيلُ على شئون اليتامى: راقبها ودام عليها، تولَّى أمرهم وثبت على ذلك (قام على خطَّة القضاء- قام الأمير على رعيّته- قام على أهله: تولَّى أمرَهم، وقام بنفقاتهم- {قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [قرآن]: راع وحافظ).

* قام للأمر: تولاَّه (قام الجيشُ لحماية المنطقة).

* قام يفعل كذا: شرع، أخذ في عمله (قام يدافع عن رأيه- {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ} [قرآن]).

أقامَ/أقامَ ب/أقامَ في/أقامَ ل يُقيم، أَقِمْ، إقامةً، فهو مُقِيم، والمفعول مُقام.

* أقام الصَّلاةَ: أدامها، وفَّاها بصورة كاملة {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ} [قرآن] - {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ} [قرآن].

* أقام البناءَ: شيَّده (أقام قواعدَ البيت- {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [قرآن]).

* أقام العودَ ونحوَه: عَدَّله وأزال عِوَجَه (*) أقام أَوَدَه: أزال اعْوِجاجَه، أصلح أمرَه، قوَّمه- أقام صلبَه: كفاه من الطعام ما يبقيه حيًّا.

* أقام الحقَّ والعدلَ: أظهرَهُ، وحقَّقَه (أقام دليلًا على صحَّة قوله- {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} [قرآن]).

* أقام وجهَه: وجّه اهتمامَه {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [قرآن].

* أقام حفلةً: هيَّأها (أقام حفلَ عشاء- أقام وليمةً في الصالة الكبرى).

* أقام الشَّعائرَ الدينيَّةَ: أدَّاها.

* أقامَ حكومةً: أسّسها، أنشأها (إقامة معارضة واسعة القاعدة).

* أقام فلانًا: أزاله من مكانه، ضدّ أقعدهُ- أقام الدُّنيا وأقعَدها: أحدث ضجَّة كبيرة، أثار الاهتمامَ، شغل النّاسَ.

* أقام عليه الدعوى: قدَّم شكوى ضدَّه أمام المحكمة.

* أقام له وزنًا: أولاه أهميّة أو أخذه بعين الاعتبار، وفّاه حقَّه {وَأَقِيْمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [قرآن] - {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [قرآن].

* أقام بالمكان/أقام في المكان: اتَّخذه مُقامًا، استقرّ فيه، استوطنه (أقام بالعاصمة- أقام في فندق- {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [قرآن]) - أقام بين ظَهْرَيْهم/أقام بين أَظْهرُهم: بينهم، في وسطهم- إقامة مؤقَّتة: فترة إقامة قصيرة- أقام رَدَحًا من الزَّمن- طائر مقيم: غير مهاجر.

* أقام للصَّلاة: نادى بها.

استقامَ يستقيم، اسْتَقِمْ، استقامةً، فهو مُسْتَقِيم.

* استقام العُودُ: استوى (استقام الطريقُ- {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [قرآن]) (*) استقام ميزانُ النَّهار: انتصف.

* استقام الإنسانُ: اعتدل في سلوكه وكانت أخلاقُه فاضلة {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [قرآن] - {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [قرآن]: امضيا واستمرّا) - استقام على الطَّريق: اهتدى.

* استقام الشِّعرُ: اتَّزنَ.

تقوَّمَ يتقوَّم، تقوُّمًا، فهو مُتقوِّم.

* تقوَّم العودُ: اعتدل وزال عوجُه واستوى (تقوَّم الطريقُ/سلوكُه).

قاومَ يقاوم، مُقاومةً وقِوامًا، فهو مُقاوِم، والمفعول مُقاوَم.

* قاومَ العدُوَّ: واجَهَهُ، وضادَّه (قاوم الإغراءَ/الظُّلمَ/البردَ/مُيُولَه/الحاكمَ المستبدّ/الطغيانَ/العدوانَ/الهجومَ/الضّربةَ- قاوم الرجالُ الحريقَ- يقاوم بشراسة).

* قاومَتِ الرِّياحُ سيرَ السَّفينة: منعتها السّيرَ أو التقدُّمَ.

* قاوم الجسمُ المرضَ: قام بردّ فعل ليزيل تأثيرَ المرض أو يخفّف من ضرره.

قوَّمَ يُقوِّم، تقويمًا، فهو مُقوِّم، والمفعول مُقوَّم.

* قوَّم المُعْوجَّ: سوَّاه وعَدَّلهُ، وأزال عِوَجَه (قوَّم الطريقَ المنحني- قوَّم الأخطاءَ: صَحَّحها- إعادة تقويم سياسة الدفاع- إن الغصونَ إذا قوَّمْتَها اعتدلت.. ولا يلينُ إذا قوَّمتَهُ الحطبُ).

* قوَّم السِّلْعَةَ ونحوَها: سعَّرها، وضع لها ثمنًا (قوَّم سِعْرَ الخُبْز بعشرة قروش).

قيَّمَ يقيِّم، تقييمًا، فهو مُقَيِّم، والمفعول مُقيَّم (انظر: ق ي م - قيَّمَ).

إقامة [مفرد]:

1 - مصدر أقامَ/أقامَ ب/أقامَ في/أقامَ ل (*) إقامة جبريَّة: فرض الإقامة على شخص سياسيّ في منزله أو في مكان يخصّص له.

2 - مكان السَّكن (إقامة فلان بشارع الحرّيَّة- طالت إقامتُه هنا) (*) حدَّد إقامة فلان: ألزمه بالبقاء في مكان خاصّ لا يفارقه- طوى بِساطَ الإقامة: رحَل، سافر.

* إقامة علاقات دبلوماسيَّة: [في السياسة] تبادل تمثيل دبلوماسيّ على مستوى تتّفق عليه دولتان.

أَقْوَمُ [مفرد]: اسم تفضيل من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل: أكثر عدلًا، وقربًا من الصواب (هذا الرأي أقومُ من غيره- {إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [قرآن] - {وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ} [قرآن]: أعون على إقامة الشهادة).

استقامة [مفرد]: مصدر استقامَ.

تقويم [مفرد]: جمعه تقاويمُ (لغير المصدر):

1 - مصدر قوَّمَ (*) الطِّبّ النَّفسيّ التَّقويميّ: الدراسة المتعلّقة بالوقاية والمعالجة النفسيّة للمشاكل العاطفيّة والسلوكيّة- تقويم الأنف/تقويم الأسنان.

2 - سجل يشمل ويبيِّن أيّام السَّنة موزَّعة على شهورها مع ذكر أيّام العطلات والأعياد وأوقات الصَّلاة والملاحظات النجوميّة والفلكيّة (الموت لا يعتمد تقويمًا).

3 - مطبوع سنويّ في الغالب يحتوي على حقائق نافعة ومعلومات إحصائيّة.

4 - [في الجغرافيا] تعيين مواقع البلدان وبيان ظواهرها.

5 - [في الفلك] نظام تقسيم الزَّمن إلى وحدات مثل السِّنين والأشهر والأسابيع والأيَّام (تقويم هجريّ/ميلاديّ).

* تقويم النُّقود: [في الاقتصاد] إعادتها إلى قيمتها الأصليّة وتثبيتها (تقويم الجنيه بالنسبة إلى الدولار- إعادة تقويم العملة).

* تقويم الأداء: عمليّة تقويم أداء وسلوك الموظَّفين كُلٌّ على انفراد، وذلك لتقدير احتياجات التّدريب أو للاحتفاظ بالموظّفين أو لتعديل المرتّبات.

تقويميَّة [مفرد]: اسم مؤنَّث منسوب إلى تقويم: (رؤية/نظرة/دراسة/مرحلة/تقارير/زيارة/معالجة تقويميَّة- أسئلة تقويميَّة: لتحسين المستوى- شهادات تقويميَّة: تقديريَّة- اختبارات تقويميَّة: لتحديد المستوى).

* مسطرة تقويميَّة: [في الهندسة] مسطرة مقسَّمة إلى درجات لرصد أو لقياس الأطوال.

* جراحة تقويميَّة: [في الطب] عملية جراحيَّة تُجرى لتعديل أو استبدال أحد أجزاء الجسم المعطوبة أو المشوّهة بجزء آخر من نفس المريض أو من مريض آخر.

قائم [مفرد]: جمعه قائمون وقوائمُ (لغير العاقل) وقُوَّام وقُوَّم وقُيَّام وقُيَّم، والمؤنث قائمة، والجمع المؤنث قائمات وقوائمُ وقُوَّم وقُيَّم:

1 - اسم فاعل من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل (*) قائم الزَّاوية.

2 - باق، ظاهر للعين {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قُوَّمًا عَلَى أُصُولِهَا} [قرآن]).

3 - مُكلَّف (قائم بأعمال المدير في غيابه) (*) قائمٌ على رِجْلٍ: مشغول بأمر، مهموم به.

4 - متمسِّك بدينه {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللهِ} [قرآن].

5 - مُستمرّ (جيش قائم- النظام القائم) (*) ماء قائم: دائم.

6 - مُستقِلّ (قائم الذات- قائم بذاته/بنفسه: معتمد على نفسه).

* القائم: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الحافظ المعطي لكُلِّ نفس ما به قوامها.

* قائم الماء: بناء مرتفع يتوزَّع منه الماء.

* قائم الباب: الجزء العموديّ من هيكله.

* قائم الصَّاري: عمود خشبيّ أو معدنيّ يستخدم لإطالة قاعدة الشِّراع، ويستخدم لدعم الأشرعة وحبالها.

* قائم السّفينة الخلفيّ: القائم الرئيسيّ العموديّ في مؤخّرة السّفينة يعمل على دَعْم الدَّفَّة.

* قائم بالأعمال: [في السياسة] ممثل للدولة يختلف عن السفير والوزير المفوَّض في أنّه لا يمثل شخصَ رئيس الدولة، ويحمل أوراق اعتماده من وزير خارجيّة دولته إلى وزير خارجيّة الدولة المبعوث لها.

* الخطّ القائم: [في الهندسة] الخطّ الذي يؤلّف مع خطّ آخر زاوية قائمة قياسها تسعون درجة.

* الشَّيئان القائمان: السَّماوات والأرض.

قائِمة [مفرد]: جمعه قائمات وقوائمُ (لغير العاقل):

1 - صيغة المؤنَّث لفاعل قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل (*) زاوية قائمة: ذات 90 درجة.

2 - ورقة تقيَّد بها الأسماءُ والأشياءُ في صفٍّ قائم (قائمة أسماء الطلاب/الطعام/الحضور/الأسعار- قائمة المرشحين لمجلس الشعب) (*) قائمة المراجع/قائمة المصادر: قائمة المؤلَّفات التي أشار إليها المؤلِّف أو استعان بها في إخراجه لبحثه- قائمة انتظار: قائمة بأسماء من ينتظرون موعدًا كالتعيين في الوظائف الحكوميّة- قائمة مشبوهة: لائحة بأسماء أشخاص مشبوهين تجب مراقبتُهم باستمرار.

* قائمة الدَّابَّة: رجلُها أو يدُها (حصان طويل القوائم: طويل الأرجل).

* قائمة الطَّاولة: ساقها، رجلها التي تقوم عليها (قائمة السرير أو الخِوان).

قامَة [مفرد]: جمعه قامات (لغير المصدر):

1 - مصدر قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل.

2 - وحدة قياس طولها ستّ أقدام تستخدم عادة في قياس أعماق البحر.

* قامة الإنسان: طوله، قدّه، قوامه (قامة ممشوقة/متوسِّطة- رَبْعة/فارع القامة).

قَوام [مفرد]:

1 - قامَة الإنسان (امرأة لها قوامٌ رشيق- ربعة القوام).

2 - عدلٌ ( {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [قرآن]: عدلًا وسطًا بين الطَّرفين).

3 - ما يُعاش به (المال قَوام الحياة- {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قَوَامًا} [قرآن]).

قِوام [مفرد]:

1 - مصدر قاومَ.

2 - هيئة أو كيان أو عماد أي شيء (قِوام مجتمع/مذهب).

3 - عدد (قِوام كتيبة).

4 - كثافة (قوام سائل).

5 - مُصْلحًا للأمور {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [قرآن].

6 - مايقيم الإنسانَ من القوت (*) قوام أهل بيته: ينفق عليهم، ويقيم شأنهم- هو قوام عائلته: سندها والقائم بأودها.

* قِوام الأمر: نظام الأمر وملاكه الذي يقوم به.

قِوامَة [مفرد]: قيام على أمر أو مال، أو ولاية الأمْر (القِوامة على أموال اليتامى ليست بالأمر السَّهل).

قَوْم [مفرد]: جمعه أقْوام (لغير المصدر):

1 - مصدر قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل.

2 - جماعة من الناس تربطهم وحدة اللغة والثقافة والمصالح المشتركة وخصصت بجماعة الرِّجال (يذكّر ويؤنّث) (والقوم أشباه وبين حلومهم.. بَوْن كذاك تفاضل الأشياءِ- {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ} [قرآن] - {لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [قرآن]) (*) أحاسن القَوْم: خيارهم- إذا كُنْتَ في قوم فاحلُب في إنائهم: الحثّ على موافقة من تكون في ضيافتهم- أكابر القوم: عظماؤهم وشرفاؤهم- حَلْقة القوم: دائرتهم- شَخْصٌ من علية القوم: من ذوي النفوذ- شقَّ عَصَا القوم: تمرَّد عليهم- طار القوم شعاعًا: الشعاع المتفرِّق المنتشر، تفرَّقوا- لسان القوم: المتكلِّم عنهم، لغتهم- هم قوم علينا: أعداء مجتمعون علينا.

* قَوْم الشَّخص: أقاربه عصبيَّة أو من هم بمنزلة الأقارب له، أهله وعشيرته {وَكَانَ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالصَّلاَةِ} [قرآن]).

قَوْمة [مفرد]: جمعه قَوْمات وقَوَمات:

1 - اسم مرَّة من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل.

2 - ثورة، نهضة (قام الشَّعب قَوْمة واحدة).

قَوْميّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى قَوْم.

2 - من يؤمن بوجوب معاونته لقومه ومساعدتهم.

3 - وطنيّ (عيد/زعيمٌ/وعيٌ/مجلسٌ قوميّ- التوزيع العادل للدخل القوميّ).

4 - مَنْ يدعو إلى القوميّة العربيّة (حزب البعْث حِزْب قَوْميّ).

* الدَّخْلُ القَوْميّ: [في الاقتصاد] جملةُ الأُجور والأرباح والفوائد والقيم لجميع السِّلع المنتجَة والخدمات المقدّمة في سنة معيّنة لدولة ما، أو هو مجموع دخول الأفراد والهيئات في خلال مدَّة معيّنة تقدّر عادة بسنةٍ.

قَوْميَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى قَوْم.

2 - مصدر صناعيّ من قَوْم.

3 - صلة اجتماعيَّة عاطفيّة تنْشأ من الاشتراك في الوطن واللغة ووحدة التاريخ والأهداف.

4 - دعوة إلى توحيد العرب تحت شعار القوميّة العربيّة.

5 - [في السياسة] مبدأ سياسيّ اجتماعيّ يُفضِّل معه صاحبه كلّ ما يتعلّق بأمّته على سواه ممّا يتعلّق بغيرها، أو هي الاعتقادُ السَّائد لدى الشَّعب في أنّه يشكّل جماعة متميِّزة ذات سمات خاصَّة تميِّزه عن الآخرين، مع توفّر الرَّغبة في حماية هذا التَّميُّز والارتقاء به ضمن حكومة ذاتيّة.

* الثَّروة القوميَّة: [في الاقتصاد] مجموعة القوى المنتجة في الدّولة.

قَوّام [مفرد]:

1 - صيغة مبالغة من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل: (رجلٌ قوَّامٌ في الليل).

2 - متولٍّ للأمور، حسن القيام بها (قوَّام على ممتلكات- {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [قرآن]: يقومون بالنَّفقة عليهنَّ والذّبّ عنهنّ- {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ} [قرآن]: القيام لله بحقوقه، في أنفسهم بالعمل الصالح وفي غيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [قرآن]: اشهد الحقّ ولو عاد ضررُ الشهادة عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحقّ فيه ولو عادت مضرّته عليك).

قَويم [مفرد]: جمعه قِوام وقِيام:

1 - مُعْتدِل غير معوجّ (رأي/سلوكٌ قوِيم- سلك الطّريقَ القويم- ألا فاستقم في كُلِّ أمرك واقتصد.. فذلك نهجٌ للصِّراط قويمُ).

2 - حسن القامة.

قِيام [مفرد]:

1 - مصدر قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل (*) قيام السَّاعة: يوم البعث- موعد قيام الطائرة: موعد انطلاقها.

2 - ما يقوم به أمر النَّاس أو يصلح شأنهم {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا} [قرآن].

قِيام [جمع]: مفرده قائم: واقفون، أو ناهضون {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [قرآن] - {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [قرآن].

قِيامة [مفرد]: قِوامة، قيام على الأمر أو المال أو ولاية الأمر.

* القيامة: اسم سورة من سور القرآن الكريم، وهي السُّورة رقم 75 في ترتيب المصحف، مكِّيَّة، عدد آياتها أربعون آية.

* يوم القيامة: يوم بعث الخلائق للحساب {فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [قرآن] (*) عيد القيامة: عيد يحتفل به المسيحيّون- قامت قيامتُه: مات.

قِيمَة [مفرد]: جمعه قِيمات وقِيَم.

* القيمة الاسميَّة: المبلغ المدوَّن على وجه الكمبيالة أو الفاتورة.

* القيمة السُّوقيَّة: الكميّة التي يتوقّع البائعُ الحصولَ عليها من البضائع في السُّوق الحرّة.

* القيمة المضافة: ضريبة تُضاف إلى قيمة سعر المُنْتَج على كلّ مرحلة من مراحل تصنيعه وتوزيعه حتى تُمرَّر إلى المستهلك.

* قيمة الشَّيء:

1 - الثَّمن الذي يعادل تكلفته (قيمة بضاعة/أسْهُم شركة- تخفيض قيمة النقد- قيمة السلعة المحليّة مقارنة مع الأجنبيّة).

2 - قَدْرُه (فلان ذو قيمة- قيمة الوقت- هو إنسان لا قيمة له- ليس للتَّهور قيمة- قيمة هذا المؤلَّف نابعة من صدق صاحبه) (*) عديم القِيمة: يقال لما لا خَيْرَ فيه أو لا أهميِّة له.

* تعادُل القيمة: [في الاقتصاد] تكافؤ بين سِعْريْ عُملتَين عندما يمكن مبادلة الواحدة بالأخرى بنفس سعر التَّحويل الرَّسميّ السَّائد.

* فائض القيمة: [في الاقتصاد] الرِّبح المضاف إلى كلفة الإنتاج لسلعة ما، أو هو بوجه عام زيادة قيمة السلعة أو الدخل لسبب خارج عن السلعة أو الدخل ذاته.

* القِيَم: الفضائل الدِّينيّة والخُلقيّة والاجتماعيّة التي تقوم عليها حياة المجتمع الإنسانيّ (يحثُّ الكاتبُ في كتاباته على القيم الأخلاقيّة- {هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [قرآن]).

* علم القيم: [في الفلسفة والتصوُّف] علم يشمل القيم أو الفضائل وبوجه خاصّ القيم الأخلاقيّة.

قيَّام [مفرد]: صيغة مبالغة من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل.

* القيَّام: اسم من أسماء الله الحُسنى {اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيَّامُ} [قرآن]).

قيِّم [مفرد]:

1 - صفة مشبَّهة تدلّ على الثبوت من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل (*) قيِّم المرأة: زوجُها.

2 - مستقيم (أمر قيِّم- {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [قرآن] - {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [قرآن]: ديانة مستقيمة معتدلة) (*) الدِّيانة القيِّمة: المستقيمة.

3 - نفيسٌ ذو قيمة (مجلاّت قيِّمة- كتاب قيِّم- عنده كتب قيِّمات- {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [قرآن]).

4 - [في القانون] وصيّ تعيِّنه المحكمة على ممتلكات وأموال الفرد الذي يتّضح أنّه غير قادر على إدارتها، وقد يكون هذا الوصيّ شخصًا طبيعيًّا أو معنويًّا.

* القَيِّم: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: القائم على كلّ شيء بما يجب له، والمتكفِّل بتدبير خلقه، وهو المكتفي بذاته الذي لا قوامَ بغيره، وهو مع ذلك يقوم به كلّ موجود {اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيِّمُ} [قرآن]).

قيُّوم [مفرد]: دائم القيام على كلّ شيء.

* القيُّوم: اسم من أسماء الله الحُسْنى، ومعناه: القائم على كلّ شيءٍ بما يجب له، والمتكفّل بتدبير خلقه فلا قوامَ بغيره {اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [قرآن].

مُستقيم [مفرد]: جمعه مستقيمون ومستقيمات (لغير العاقل):

1 - اسم فاعل من استقامَ (*) الدِّين المستقيم: الدّين الحقيقيّ أو الصَّحيح- الصِّراط المستقيم- الطَّريق المستقيم: طريق الهدى وسواء السَّبيل- المستقيم الرَّأي: الموافق الرَّأي الصَّحيح، الصحيح المعتقد.

2 - [في التشريح] جزء الأمعاء الذي يصل ما بين نهاية القولون إلى الشّرَج.

3 - [في الهندسة] خطّ ليس بمنكسر ولا مُنْحَنٍ.

* الزَّاوية المستقيمة: ما يكون ضلعاها على استقامة من جهتي الرَّأس ومقدارها 180ْ.

مَقام [مفرد]: جمعه مقامات:

1 - مصدر ميميّ من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل.

2 - اسم مكان من قامَ/قامَ إلى/قامَ ب/قامَ على/قامَ ل: مسكن، محلّ الإقامة (غادر مقامَه- {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [قرآن] - {وَمَا مِنَّا إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [قرآن]).

3 - مجلس {أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [قرآن].

4 - ضريح، مكان مُقدَّس (مقام إبراهيم- عليه السلام- في المسجد الحرام بمكَّة- {فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [قرآن]: وهو الحجر الذي قام عليه إبراهيم حين رفع بناء البيت) (*) أشرف على دار المقام: للدلالة على هرم الإنسان ومشارفته الفناء.

5 - منزلة، مركز اجتماعيّ في نظر الجماعة يصل إليه الفردُ بفضل التقدير الاجتماعيّ الذي يحصل عليه، ويصاحبه بعض مظاهر الاعتراف والاحترام والإعجاب (إنّه في مقام والدي- سعى وراء المقامات- وابعثه اللّهم المقامَ المحمود الذي وعدته- {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [قرآن] - {وَمَا مِنَّا إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [قرآن]) (*) انحطّ مقامُه: سقط إلى مستوى أدنى ممّا كان عليه.

6 - مناسبة (لِكُلِّ مقام مقال: الدعوة إلى الملاءمة بين القول والموقف) (*) في هذا المقام: في هذه المناسبة.

7 - [في الجبر والإحصاء] عددُ أسفلُ في الكسر الاعتيادي (مقام الكسر).

8 - [في الموسيقى] سُلَّم الموسيقى، تَسَلْسُل النَّغم درجة فوق أُخرى.

9 - [في الموسيقى] علامة موسيقيَّة.

* المَقامات: [في الفلسفة والتصوُّف] حالات ثابتة ينالها السّالكُ بجهده الخاصّ أهمها التَّوبة والورع والزُّهد والفقر والصَّبر والتَّوكّل والرِّضا.

مُقام [مفرد]:

1 - مصدر ميميّ من أقامَ/أقامَ ب/أقامَ في/أقامَ ل: إقامة (ملَّ من طول مُقامه بالفندق).

2 - اسم مكان من أقامَ/أقامَ ب/أقامَ في/أقامَ ل: (مُقام فلان بالعاصمة- استمرّ مُقامه بالمَغْرب شهرًا- {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [قرآن]).

3 - اسم مفعول من أقامَ/أقامَ ب/أقامَ في/أقامَ ل.

مَقامة [مفرد]:

1 - مَجْلِس.

2 - [في الآداب] قصَّة قصيرة مكتوبة بالسّجع تشتمل على موعظة أو مُلْحة ويُظْهِر الأدباءُ فيها براعتَهم اللّغَويَّة والفَنِّيَّة، وهي قالب أدبي قديم (مقامات بديع الزّمان الهمذانيّ/الحريريّ).

مُقاوِم [مفرد]:

1 - اسم فاعل من قاومَ.

2 - [في الطبيعة والفيزياء] أداة توضع في طريق دائرة كهربائيَّة لمقاومة مرور التيَّار الكهربيّ.

مُقاومة [مفرد]:

1 - مصدر قاومَ.

2 - صُعوبة تواجهُها قوَّة معيَّنة (مُقاومة الرِّياح- مقاومة التجربة: المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير) (*) مقاومة الهواء: هي القوّة التي يصادفها جسم متحرك في الهواء.

3 - [في الأحياء] قدرة الكائن الحيّ على أن يدرأ عن نفسه الأمراض والسّموم.

4 - [في العلوم العسكرية] منظمة عسكريّة أو شِبْهُ عسكريَّة تشنّ على العدُوّ المحتلّ حَرْب عِصابات في المدن وخارجها (مقاومة شعبيّة- جيوب المقاومة- المقاومة السلبيّة/السِّرِّيّة/الفلسطينيَّة- قام المتمرِّدون أخيرًا بمقاومة عنيفة لقوات الحكومة- مقاومة تدابير حكوميَّة تعسُّفيَّة).

5 - [في علوم النفس] معارضة غريزيّة لأيَّة محاولة لنقل موضوع من اللاّشعور إلى الشُّعور.

6 - [في العلوم العسكرية] مواجهة الخطر أو العدوّ والثبات وعدم الاستسلام له، رغم قوّته وسيطرته الجزئيّة أو الكلِّيَّة على ميدان القتال.

* مقاومة كهربائيَّة: [في الطبيعة والفيزياء] صعوبة يمثلها ناقل عند مرور تيَّار.

* جيوب المقاومة: [في العلوم العسكرية] بقايا القوّات المدافعة عن بلادها بعد احتلال الجيش الغازي لهذه البلاد.

مُقوِّم [مفرد]: جمعه مقوِّمون ومقوِّمات (لغير العاقل):

1 - اسم فاعل من قوَّمَ.

2 - مَنْ يعطي قيمة لعمل أو شخص أو مجموعة (خبراء مقوِّمون).

3 - كلّ ما يتألّف أو يتركّب منه جسم أو جهاز أو مشروع من عناصر أساسيّة تسهم في قيامه ووجوده وفاعليّته (مُقَوِّمات الحياة/الجمال- المقوِّمات العمرانيّة).

* مقوِّم التَّيّار: [في الطبيعة والفيزياء] جهاز يسمح للتيّار الكهربائيّ بالمرور خلاله في اتّجاه واحد، ويُستخدم لتحويل التيَّار المتردِّد إلى تيَّار مستمرّ.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


3-العربية المعاصرة (نظر)

نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل يَنظُر، نَظَرًا ونَظْرًا، فهو ناظر، والمفعول مَنْظور (للمتعدِّي).

* نظَر بين الناس: حكم بينهم (كان القاضي ينظر بين ذوي الظلامة).

* نظَر الشّخصَ: أصغى إليه (نظَر الخطيب).

* نظَر الشّيءَ:

1 - توقَّعه (إنّي أنظر فضلَ الله).

2 - انتظره وترقّبه (نظَر حلولَ الشتاء ليشتري معطفًا- {مَا يَنْظُرُونَ إلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ} [قرآن]).

* نظَر الدَّينَ: أمهله، أخّره وأجَّله.

* نظَر الشّيءَ/نظَر إلى الشّيء/نظَر للشّيء:

1 - أبصره، أدركه بواسطة القدرة البصريّة (نظَر إلى الأولاد يلعبون- {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} [قرآن] - {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [قرآن]).

2 - أبصره وتأمّله بعينه (لا تشرب ماءً قبل أن تنظر فيه [مثل أجنبيّ] - إِنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ [حديث] - {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [قرآن]) (*) نظَر بطرْفٍ خفيّ: غضّ معظمَ عيْنَيْه ونظر بباقيها من الخوف أو الاستحياء أو غيرهما.

* نظَر القضيّةَ/نظَر بالقضيّة/نظَر في القضيَّة: درسها وتدبّرها (نظَر في الكتاب- {ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [قرآن] - {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [قرآن] - {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [قرآن]).

* نظَر لليتيم: رثى له وأعانه (نظَر لمسكين- استمر ينظر لمؤسّسة الأيتام يقدّم لها ما يستطيع) - فلانٌ تحت نَظَر فلانٍ: أي تحت حمايته والتفاته.

أنظرَ يُنظر، إنظارًا، فهو مُنظِر، والمفعول مُنظَر.

* أنظرَ الشَّيءَ: أخّره، أجَّلَه وأمهله (أنظر له الدّينَ: منحه مهلة للسَّداد- {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [قرآن]).

* أنظر الشَّخصَ: جعله ينظر، ويتأمَّل بعينه (أنظرَ ولدَه إلى النُّجوم).

استنظرَ يستنظر، استنظارًا، فهو مُستنظِر، والمفعول مُستنظَر.

* استنظر القطارَ: ترقَّبه.

* استنظر صديقَه الدَّينَ: طلب منه تأجيلَه وإمهالَه.

* استنظره على كذا: جعله ناظرًا عليه يتولّى أمرَه وإدارتَه (استنظرته الإدارةُ على المدرسة).

انتظرَ ينتظر، انتظارًا، فهو مُنتظِر، والمفعول مُنتظَر.

* انتظر صديقًا: استنظره؛ ترقَّبه (انتظر دورَه في الصّفّ- كان على انتظاره- {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [قرآن]) (*) أتَى على غير انتظار: على غير موعد، فجأة، دون سابق إنذار- قائمة الانتظار: قائمة بأشخاص ينتظرون شيئًا ما- قاعة انتظار: استراحة في غرفة أو محطّة.

* انتظرَ خيرًا: توقَّعه، تنبَّأ به (نتيجة منتظرة- لم أكن انتظر منك هذا).

* انتظر العملَ: تأنَّى عليه وتمهَّل (انتظر في عملِك).

تناظرَ يتناظر، تناظُرًا، فهو مُتناظِر.

* تناظر الحضورُ: نظر بعضُهم إلى بعض، تبادلوا النظرات (تناظرا غاضِبَيْن).

* تناظر الشَّخصان: مُطاوع ناظرَ: تباحثا، وتجادلا وتحاورا (تناظر فقيهٌ وفيلسوف- أُعجب المستمعون بتناظرهما الفلسفيّ).

* تناظرتِ المنازلُ: تقابلت وتماثلت (أبنية مُتناظِرة).

تنظَّرَ يتنظّر، تنظُّرًا، فهو مُتنظِّر، والمفعول مُتنظَّر.

* تنظَّر مشهدًا عجيبًا: تأمّله بعينيه (تنظّر الطَّبيبُ البثُورَ على جلد المريض).

* تنظَّر الدَّينَ: تأنّى عليه ولم يُعجِّل.

* تنظَّر الكارثَةَ: توقَّعها (يتنظّر الناسُ هطولَ الأمطار هذا الشتاء).

ناظرَ يناظر، مُناظرةً، فهو مُناظِر، والمفعول مُناظَر.

* ناظر فلانًا:

1 - صار مشابهًا ومساويًا له (ناظَره في وظيفته) (*) بَيْتي يناظِر بَيْتَه: يقابلُه- جمعُهُم يناظِر الألف: يقارب.

2 - ناقشه، جادله وباحَثه (ناظر الفقيهُ الفيلسوفَ).

نظَّرَ ينظِّر، تنظيرًا، فهو مُنظِّر، والمفعول مُنظَّر.

* نظَّر نتائجَ بحثِه: وضعها في شكل نظريَّة.

* نظَّر الشّيءَ بالشّيءِ: قابله به (نظّر شهادتَه العلميّة بأخرى).

انتظاريَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى انتظار: (ساحات انتظاريّة).

2 - مصدر صناعيّ من انتظار: ترقُّبيّة، سياسة تقوم على التكهُّن والتنبُّؤ بالأحداث، والتَّشكيك في مجريات الأمور بدلًا من العمل والجِدّ (تسود دول العالم انتظاريّة سلبيّة لما بعد الحرب على العراق).

تناظُر [مفرد]:

1 - مصدر تناظرَ.

2 - [في الجبر والإحصاء] مقابلة أو علاقة بين مجموعتين يرتبط كلّ عُنصر في واحدةٍ منهما بعُنصر فرد مناظِر له في المجموعة الأخرى.

3 - [في الهندسة] تماثُل بين نقطتين أو شكلين بالنسبة لمستقيمٍ أو لنقطةٍ ثابتة أو لمستوٍ.

* تناظر وظيفيّ: [في الأحياء] تماثُل أو تشابه في الوظيفة أو الموقع بين أعضاء ذات أصول أو بُنى نشوئيّة تطوُّريَّة مختلفة.

تنظيريَّة [مفرد]:

1 - اسم مؤنَّث منسوب إلى تنظير: (قدرات/ممارسات تنظيريَّة).

2 - مصدر صناعيّ من تنظير: ما يتعلّق بوَضْع نظريَّة أو وَضْع أمرٍ في شكل نظريَّة (استطاع أن يقدِّم لتطبيقاته بتنظيريّة رائعة).

* جراحة تنظيريَّة: [في الطب] عمليّات جراحيَّة تُجرى بالمنظار.

مُناظَرة [مفرد]: جمعه مناظرات:

1 - مصدر ناظرَ.

2 - جدال وحوار ونقاش علميّ، وتبادل في وجهات النَّظر المختلفة يقوم فيه فريقان خصْمان بالدِّفاع عن قضيّة ما أو مهاجمتها (مناظرة أدبيَّة- يهوى المناظرات القلميَّة).

مِنْظار [مفرد]: جمعه مَناظيرُ:

1 - اسم آلة من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل.

2 - مرآة.

3 - آلة بصريّة تُستعمل إمّا لرؤية الأجسام الصغيرة وتُسمَّى: المجهر (الميكروسكوب)، أو لرؤية الأجسام البعيدة وتُسمَّى: التلسكوب (منظار تحاليل طبيَّة- منظار فلكيّ/مُجسِّم) (*) مِنْظار الأعماق: أداة بصريَّة تمكِّن المرءَ من رُؤْية شيء على مسافة بعيدة تحت سطح الماء- مِنْظار المثانة: أداة أنبوبيّة تستخدم لفحص داخل المثانة البوليَّة والحالب- يرى الأمورَ بمنظارٍ أسود: متشائم.

* منظار البندقيّة: مهداف خلفيّ لبندقيّة يتألّف من عدسة يمكن تعديلها بفتْحة صغيرة يتمّ من خلالها التَّأكّد من أن المنظار الأماميّ والهدف على خطٍّ واحد.

* منظار القولون: [في الطب] أنبوب طويل مَرن مُجهَّز بأداة للحصول على عينات من أنسجة القولون المستخدمة لفحصه.

* المِنظار البَصَريّ: أداة لفحوص باطن العين خاصّة الشبكيّة، مكون من مرآة تعمل على عكس الضوء داخل العين وثقب مركزيّ يتمّ من خلاله فحص العين.

مَنْظَر [مفرد]: جمعه مَناظِرُ:

1 - اسم مكان من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل: مكان المراقبة وهو مكان عالٍ يوقف عليه لتتّسع الرؤية (صعد الجنديّ إلى المنظر ليرصُدَ حركات العَدُوّ).

2 - ما يُنظر إليه فيُعجب أو يسوء، شكل أو صورة (منظر عامّ للمدينة- منظر السّهل الأخضر يسرُّ النفس- مناظر طبيعيَّة) (*) مَنْظَره أكبر من سِنِّه: يشير إلى هيئة الرَّجل وشكله.

3 - [في الثقافة والفنون] مشهد من المسرحيَّة (منظر مُضْحك) (*) كنت عن هذا المُقام بمَنظَر: بمعزل.

* علم المناظر: [في الطبيعة والفيزياء] علم تُعرف به مقادير الأشياء باعتبار قربها أو بعدها عن نظر الناظر.

مَنْظَرَة [مفرد]: جمعه مَناظِرُ:

1 - مَنْظَر، ما تقع عليه العين قيُعجب أو يسوء (منظرة ترتاح لها النّفس).

2 - ما ارتفع من الأرض ونحوها ونظرت منه (في الحديقة منظرةٌ عالية- مَنْظرةُ البرج).

3 - مكان من البيت يُعدُّ لاستقبال الزائرين (منظرة الضيوف).

منظور [مفرد]:

1 - اسم مفعول من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل (*) دعوى منظورة: معلَّقة قيد النَّظر.

2 - ما يُرْجَى خيرُه وفضله (هو سيّدٌ منظور- رزق منظور).

3 - ما ترمقه الأبصارُ رغبةً فيه (سيّارة منظورة- متاعٌ منظور) (*) رَجُل منظور إليه: مهتمٌّ به- منظورٌ في أمره: محلّ اعتبار واهتمام.

4 - محسود، مصابٌ بالعين (طفلٌ منظور).

ناظِر [مفرد]: جمعه ناظرون ونَظَّارة، والمؤنث ناظِرة، والجمع المؤنث ناظِرات ونَواظِرُ: اسم فاعل من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل (*) إنَّ غدًا لناظره لقريب: ليس الغد بعيدًا، نصح المتعجِّل بالصَّبر والانتظار.

ناظِر [مفرد]: جمعه نَواظِرُ:

1 - عين (في ناظرها حَوَرٌ- ما أجمل ناظرَيْها).

2 - مُرْسَل إلى جهة لتقصِّي أمرها واستخباره.

3 - سواد العين الذي فيه إنسانُها.

ناظِر [مفرد]: جمعه نُظَّار: متولٍّ إدارة أموال وممتلكات أو أمرٍ إداريّ أو سياسيّ (ناظر المدرسة/الضّيعة/الوقف- ناظر المحطّة: المسئول عن محطة الحافلات أو القطارات).

ناظِرة [مفرد]: جمعه ناظِرات ونَواظِرُ:

1 - صيغة المؤنَّث لفاعل نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [قرآن] - {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [قرآن].

2 - عين (أصابت الصَّفعة ناظرتَه).

نِظارة [مفرد]:

1 - فراسة وحِذْق (اتَّق نِظارة المؤمن فإنّه يرى بنور الله).

2 - مهنة النّاظر (أصبحت المرأةُ تُكلَّف بالنِّظارة).

نظَر [مفرد]:

1 - مصدر نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل.

2 - تفكير ودراسة (مسألة فيها نظر- محلّ نظر- قيد النَّظر) (*) أطال النَّظر في كذا/أنعم النَّظر في كذا: تأمَّله، فكَّر فيه بدقِّه- أعاد النَّظر في الأمر: نظر فيه من جديد- أهل النَّظر والعلم: أهل الرأي- بالنَّظر إلى كذا/بالنَّظر لكذا: مع ملاحظته وأخذه في الحُسْبان- بَعيدُ النَّظر/دقيق النَّظر/ثاقب النَّظر: حاذق وذو فراسة، حسن التقدير للأمور في مستقبلها- بَعيدُ مرمى النَّظر: عميق التفكير- بغَضِّ النَّظر عن كذا: بصرف النَّظر عنه، وتركه جانبًا- حادّ النَّظر: ذكيّ.

3 - سُلْطة؛ سيادة (أحيلت القضيّة إلى المحكمة ذات النَّظر).

4 - رأي (نظر سديد- وجهة نظر- في نظر القانون).

* علم النَّظر: [في الفلسفة والتصوُّف] علم الكلام؛ علم أصول الدين الذي يرمي إلى إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشُّبه.

نظَر [مفرد]: جمعه أنْظار: بصَر، رؤية (بهجة الأنظار: لذَّة، راحة- توارى/استتر عن الأنظار- طول/بُعْدُ النَّظَر) (*) غضَّ النَّظر عنه/صرف النَّظر عنه: لم يؤاخذه، تغافل عنه، تركه- قِبْلَة الأنظار/محطّ الأنظار: موضع الاهتمام والإعجاب- قَصِير النَّظر: ليس حاذقًا، لا يفكِّر في عواقب الأمور، محدود التفكير- لفَت نظرَه: أثار انتباهه، جذبه- وقَع نظره على كذا: أبصر، رأى.

نَظْر [مفرد]: مصدر نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل.

نَظْرة [مفرد]: جمعه نَظَرات ونَظْرات: اسم مرَّة من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل: لمحة (تعرّف عليه بنظْرةٍ واحدة- نَظَرات وداع- نظرة خاطفة/إجماليّة/عامّة/سطحيّة/شكّ/عاجلة- {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [قرآن]) (*) أصابته نظْرة: حُسِد- نظره بعين النَّظرة: بعين الرَّحمة.

نَظِرة [مفرد]: جمعه نَظِرات: انتظار، تمهُّل وتأنٍّ وتأخير {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [قرآن].

نَظَريّ [مفرد]:

1 - اسم منسوب إلى نَظَر: متعلِّق بالإبصار (مشاهدة نظريَّة).

2 - ما كانت وسائلُ دراسته وبحثه والتفكير فيه هي الفكر والتَّخيُّل، عكسه عمليّ (بحوث نظريَّة- إنّنا نعالج موضوعًا نظريًّا غير مشخَّص) (*) العلوم النظريَّة: هي التي قلَّ أن تعتمد على التَّجارب العمليَّة ووسائلها.

3 - معتمد على التعلّم من الكتب.

4 - من يتمسك بنظريةٍ ما.

* علم نظريّ: علم يُعنى بوضع النظريّات الجديدة على أساس المعرفة القائمة دون تجريب، ويقابله العلم التجريبيّ.

نظَرِيَّة [مفرد]: جمعه نظريّات:

1 - قضيَّة تُثْبَت صحَّتُها بحجَّةٍ ودليل أو برهان (نظريّة محاكاة الحيوان).

2 - بعض الفروض أو المفاهيم المبنيّة على الحقائق والملاحظات تحاول توضيح ظاهرة مُعيَّنة (نظرية الذّرّة).

3 - [في الفلسفة والتصوُّف] مجموعة المسلَّمات التي تُفسِّر الفروضَ العلميّة أو الفنيَّة (نظريّة ابن خلدون في الاجتماع).

* نظريَّة المَعرِفة: [في الفلسفة والتصوُّف] البحث في المشكلات القائمة على العلاقة بين الشّخص والموضوع، أو بين العارف والمعروف، وفي وسائل المعرفة الفطريّة أو المكتسبة.

نَظّار [مفرد]: صيغة مبالغة من نظَرَ/نظَرَ إلى/نظَرَ ب/نظَرَ في/نظَرَ ل: حادّ البصر.

نظَّاراتيّ [مفرد]: صانع النّظَّارات والعدسات أو بائعُها.

نظّارة [مفرد]: جمعه نظَّارات: عدستان زجاجيّتان مثبتّتان في إطارٍ مناسب أمام العينين لتصحيح عيوب الإبصار أو لحماية العين من أشعّة الشّمس، أو من الأتربة، أو من الإشعاعات الضارّة (نظّارة طبيَّة/شمسيَّة- جسم/ذراع النّظارة) (*) نظّارات الواقية: لها جوانب واقية من الرياح والغبار والوهج- نظّارة أنفيّة: نظارة تتثبت على قصبة الأنف.

نظّارة [جمع]: مفرده ناظِر: مشاهدون، مَنْ ينظرون إلى الأشياء (امتلأ المسرحُ بالنظّارة).

نظير [مفرد]: مقابل (سلّمه البضاعة نظير مبلغ من المال).

نظير [مفرد]: جمعه نظراءُ، والمؤنث نظيرة، والجمع المؤنث نظائرُ: مُناظِر وشبيه ومساوٍ ومثل في الأهميَّة أو الرُّتبة أو الدَّرجة (هذا الحاسوب الجديد نظير الحاسوب الذي حصلت عليه- استقبل وزيرُ الخارجيَّة نظيرَه) (*) فلان مُنقطِعُ النَّظير: ليس له شبيه.

* مُراعاة النَّظير: [في الآداب] جمع كلمات أو عبارات متناسبة بحيث يتقوَّى المعنى بمعاني الكلمات أو العبارات الأخرى أو الجمع بين الشيء وما يناسبه بغير تضادّ، كالسوق والبيع والدَّلاَّل.

* النَّظائر المُشِعَّة: [في الطبيعة والفيزياء] ذرَّات لعنصر واحد، ذات نشاط إشعاعيّ يتساوى عددُها الذَّرّيّ ويختلف عددُها الكُتليّ.

نظيرة [مفرد]: جمعه نظائرُ: طليعة الجيش (هُزِمت نظيرة الجيش).

نواظِرُ [جمع]: مفرده ناظِرة: [في التشريح] عروق في الرأس تتّصل بالعينين فيها ماء البصر.

العربية المعاصرة-أحمد مختار عمر وآخرون-صدر: 1429هـ/2008م


4-المعجم الوسيط (البَرْزَخ)

[البَرْزَخ]: الحاجز بين شيئيْن.

و- ما بين الموت والبعْث، فمن مات فقد دَخَل البرزخ.

وفي التنزيل العزيز: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].

و- (في علم الجغرافية): قطعة أَرض ضيقة، محْصورة بين بحْرَين، موصِّلة بين أرضَيْن.

و- (في علم الطب): البَرْزخ الدَّرَقِي: جزء منقبض من الغُدَّة الدَّرقية، يكون في الخط الوَسَطي من الرُّغامَى، ويصل بين الفَصَّين الجانِبيين اللذين تتألَّف منهما تلك الغُدَّة.

(والجمع): بَرازِخ.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


5-المعجم الوسيط (النَّفْضَةُ)

[النَّفْضَةُ]: الجماعة يُبْعثون في الأَرض متجسِّسين لينظروا هل فيها عدوٌّ أَو خوف.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


6-المعجم الوسيط (أَنْظَرَ)

[أَنْظَرَ] الشيءَ: أَخَّرَه وأَمهله.

وفي التنزيل العزيز: {قَالَ رَبِّ فَانْظِرْنِي إلَي يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36].

ويقال: أَنظرتُ - الدَّيْنَ، وأَنظرتُهُ الدينَ.

و- فلانًا: باعه الشيءَ بنظِرَة.

و- مكَّنه من النَّظَر.

و- فُلانًا بفلان: جعله نظيرًا له.

يقال: ما كان نظيرَه ولقد أُنْظِرَ به.

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


7-المعجم الوسيط (أيّانَ)

[أيّانَ]: ظرف للزمن المستقبل نحو: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21].

وتجيء للشرط نحو:

أيَّانَ نُؤْمِنْكَ تَأمَنْ غيرَنا وإذَا *** لم تُدْرك الأمْنَ مِنا لم تزل حَذِرا

المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م


8-شمس العلوم (العِيْر)

الكلمة: العِيْر. الجذر: عير. الوزن: فِعْل.

[العِيْر]: الإبل تحمل المِيرة، لا واحد لها من لفظها، قال الله تعالى: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها}: أي أهل العِيْر، قال:

أقومٌ يبعثون العيرَ تَجْرًا *** أَحَبُّ إليك أَمْ قومٌ حِلالُ

شمس العلوم-نشوان بن سعيد الحميري-توفي: 573هـ/1177م


9-معجم متن اللغة (النفضة)

النفضة: الجماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف.

وكذلك النفيضة نحو الطليعة.

ج النفائض.

معجم متن اللغة-أحمد رضا-صدر: 1377هـ/ 1958م


10-جمهرة اللغة (بثع بعث ثبع ثعب عبث عثب)

بَثِعَت شفةُ فلان تَبثع بَثَعًا، والشفة باثِعة، إذا غَلُظَ لحمُها وظهر دمُها.

والرجل أبْثع والمرأة.

بَثْعاءُ، وهو مستقبَح.

وبَعَثْتُ الرجلَ في الحاجة أبعَثه بَعْثًا، وبعثتُه على الشيء، إذا أرغْته أن يفعله.

والبَعْث: الجند يُبعثون في الأمر.

ويوم البَعْث: يوم القيامة لأن الناس يبعثون من أجداثهم.

ويوم بُعاثٍ: يوم معروف من أيام الأوْس والخزْرَج في الجاهلية؛ سمعناه منٍ علمائنا بالعين وضمّ الباء، وذُكر عن الخليل بالغين معجمة، ولم يُسمع من غيره.

قال أبو بكر: وليس هذا صحيحًا عن الخليل أيضًا.

وانبعثَ القومُ في الخير والشر انبعاثًا، إذا تتابعوا.

وقد سمَّت العرب باعثًا وبَعيثًا.

والعَبَث من قولهم: عَبَثْت بالشيء أعْبَث عَبَثًا.

والعَبِيثة: سَمْن يُلَت بأقطٍ.

قال رؤبة:

«فقلت إذ أعيا امتِياثًا مـائثُ*** وطاحتِ الألبانُ والعَبـائث»

«إنكَ يا حارثُ نِعْمَ الحارِثُ»

والثعْب: انثعاب الماء.

وماء مثْعَب وأثْعُوب، إذا سال.

والثُّعبان: ضرب من الحيّات.

قال أبو حاتم: زعموا أنها حيّات عظام تكون بناحية مصرَ.

وقد جاء في التنزيل.

والثُّعَبَة: دابة أغلظ من الوَزَغَة لها عينان جاحظتان خضراوان، تلسع وربما قتلت.

ومثل يتداوله أهل اليمن بينهم: "ما الخَوافي كالقِلَبَة ولا الخُنّاز كالثُّعَبَة "، فالخَوافي: سَعَف النَّخل الذي دون القِلَبَة، والخُنّاز: الوَزَغَة.

جمهرة اللغة-أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي-توفي: 321هـ/933م


11-إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت (حوره)

حوره

قال ابن الحائك في موضع من «صفة جزيرة العرب» [168]: (هي مدينة عظيمة لبني حارثة من كندة).

وقال في آخر [171]: (ولبدّا قرية أخرى، يقال لها: حوره، فيها بطنان يقال لهما: بنو حارثة، وبنو محرية من تجيب، ورأسهم اليوم: حارثة بن نعيم، ومحمّد، ومحرية أبناء الأعجم) اه

وقوله: (قرية) لا يخالف قوله: (مدينة عظيمة)؛ لأنّ القرية قد تطلق عليها، وقد سمّى الله مكّة قرية، بل هي أمّ القرى.

وفي الجزء الثّامن [ص 90] من «الإكليل»: (أنّ حوره من حصون حمير بحضرموت، فيها كندة اليوم) اه

وكانت حوره في الأزمنة المتأخّرة تحت حكم النّقيب بركات بن معوضة اليافعيّ، وله مكاتبات من الحبيب عليّ بن حسن العطّاس، ثمّ استولت عليها عساكر السّلطان عبد العزيز بن محمّد بن سعود، أو ولده سعود المتوفّى سنة (1229 ه‍) ـ حسبما سبق في الشّحر ـ وطردوا النّقباء اليافعيّين.

وكانوا وصلوا إلى حضرموت سنة (1219 ه‍)، ولكنّهم كانوا قليلا إذ ذاك فصدّهم السّلطان جعفر بن عليّ الكثيريّ عن شبام:

فإمّا أن يكونوا انحازوا من عامهم ذلك إلى حوره، وطردوا النّقباء اليافعيّين منها. أو صالحوهم لاتّفاق في المبادىء؛ فقد سمعت كلّا من أفواه المعمّرين.

وإمّا أن يكونوا عادوا أدراجهم واستأنفوا التّجهيز على حضرموت في سنة (1223 ه‍)، واستولوا به عليها، وأقاموا بها ردحا من الزّمن، يبعثون البعوث بقيادة الأمير عليّ بن قملا وأخيه ناجي.

ففي سنة (1224 ه‍) استولوا على حضرموت، وهدموا القباب بها، إلّا قبّة السّيّد أحمد بن زين الحبشيّ؛ فإنّهم لم يعرّجوا عليها مراعاة لخواطر آل كثير الّذين فتحوا لهم الطّريق ولم يعارضوهم في شيء. وكذلك هاجموا حضرموت في سنة (1226 ه‍)، واختلفت الأقوال:

فقيل: إنّهم انكسروا دون شبام بقيادة الحبيب حسن بن صالح البحر. وقيل: إنّهم استولوا عليها، كما اكتسحوها في سنة (1224 ه‍).

ولم يكن سيّدنا الحسن البحر من المتعصّبين على الوهّابيّة، ولا من المتشدّدين في إنكار مذهبهم كما يعرف من مواضع من هذا الكتاب، منها: ما يأتي في تريس.. فلا يبعد أن يقود الجيوش لمحاربتهم؛ لأنّه ينكر على غلاتهم تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم.

وفي «الأصل»: أنّ الجدّ علويّ بن سقّاف كتب للسّيّد عمر بن أحمد الحدّاد جاء فيه: أنّ المكرميّ خرج إلى حضرموت سنة (1218 ه‍)، ولا يمكن أن يكون سيّد الوادي الحبيب حسن بن صالح تساند هو والسلطان جعفر بن عليّ في دحرهم؛ لأنّ ظهور جعفر هذا إنّما كان في سنة (1219 ه‍).

وفي أشعار الحضارمة ومكاتباتهم ـ الموجود شيء منها ب «الأصل» ـ ما يدلّ على طول زمان الوهابيّة بحوره، وأنّهم لبثوا مدّة ليست بالقصيرة يتجاذبون الحبال مع قبائل حضرموت مصالحة ومحاربة، وكان أكثر من يتولّاهم يافع، وأكثر من ينازعهم ناس من آل كثير، وللحديث عنهم بقيّة تأتي في تريم وعينات إن شاء الله تعالى.

وبعد ارتفاع أصحاب ابن قملا عن حوره.. استولى عليها عمر بن جعفر بن صالح بن مطلق، من آل عمر بن جعفر آل عمد، ثمّ ولده جعفر، ثمّ ولده صالح، ثمّ ولده مقبل بن صالح.

ثمّ أخذ القعيطيّ يسايسهم حتّى أدخلوه إليها، وبقي نائبه هو وإيّاهم بحصنها، يديرون أمرها معا، حتّى استولى القعيطيّ على شبام، فعندئذ قال نائبه بحوره لصالح بن مقبل: لا مقام لك بعد اليوم، فإن شئت الخروج بالأمان، وإلّا.. ناجزتك. فخرج إلى النّقعة عند المشايخ آل باوزير، فأوصلوه ومن معه إلى العجلانيّة حيث يقيم بها أعقابه إلى اليوم.

وكان استيلاء القعيطيّ على حوره كلّها في سنة (1272 ه‍)، وكانت هي وشبام أحبّ بلاده إليه، وقد خصّهما الأمير الحاجّ عمر بن عوض القعيطيّ ـ وكذلك ابنه السّلطان عوض بن عمر ـ بحصّة وافرة من البرّ والإحسان في وصيّتهما، وقد أوردنا وصيّة الأوّل ب «الأصل»، وأمّا وصيّة الثّاني.. فإنّها مطبوعة منشورة، وهي مع ذلك لا تخرج عن معنى وصيّة أبيه.

ثمّ رأيت معاهدة بين السّلطان أحمد بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن عمر عنه وعن أولاده والّسّلطان مقبل بن صالح بن مطلق بن جعفر بن عمر عنه وعن أولاده من جهة، ومن الأخرى الجمعدار محمّد بن عمر بن عوض القعيطيّ بتاريخ صفر من سنة (1272 ه‍).

وفيها: أنّهم تناصفوا في بلد حوره ومصنعتها وجميع ما يتعلّق بها.. فلأحمد ومقبل ناصفة، ولمحمّد بن عمر ناصفة في الحصن والبلاد والمراتب وكلّ ما يعتادونه في البلاد وخليانها وسدبة.

وفيها: أنّ الدّولة يشلّون أنفسهم وحاشيتهم عشر سنين، وإن بدت فتنة في العشر السّنين.. فعلى محمّد بن عمر ثقلها، وبعد العشر السّنين هم إخوة متّحدون في فائدة وخسارة.

والشّهود على ذلك الخطّ: عليّ بن سعيد بن عليّ، وأحمد حسين بن عامر آل عمر نقيب القعطة، وعبد الله بن عمر بن عوض القعيطيّ، ومحمد بن سعيد بن محمّد بن سالم بن جنيد، وعبد الله بن عليّ بن عبود بن طاهر، ومحمّد بن سالم بن محمّد بن سالم بن عليّ بن جنيد.

وفي القرن العاشر عمّر الشّيخ عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن باوزير ضميرا لسقي أطيان حوره ونخيلها، فمانعه بنو معاذ وأهل غنيمة والسّحارى والخطّة والمخينيق وحريز والعدان، وقاموا عليه، وساعدهم عليّ بن ظفر والي المخينيق، وبنو ظنّة أهل السّور، وبنو قيس، والمقاديم والظّلفان من نهد، وأمدّهم التّجّار بالمال، وهم: أبو منذر، وبو عيران، وبو عسكر، وحصل منهم ضرر عظيم على أهل حوره، وعلى أهل عرض مخاشن.

وقام مع الشّيخ عمر باوزير آل عامر وآل بدر وآل بشر وآل فارس المجلف، وامتدّ أمد الحرب، وقتل خلق كثير من مذحج، وانتهى الأمر بفوز الشّيخ عمر وانهزام أصحاب المخينيق والسّور، وجاء من السّيل ما يكفي لحوره والنّقعة ولعرض آل مخاشن، مع أنّ آل مخاشن لم يشتركوا في الحرب، ولم يساعدوا بحارّة ولا باردة؛ ولهذا استحقّوا الهجاء اللّاذع من الشّيخ في قصيدته المذكورة ب «الأصل».

وبما أنّ وادي العين هو وادي المشايخ آل باوزير وقبائلهم العوابثة.. فقد تدير كثير منهم بحوره، وأظنّ السّابق منهم إليها هو: الشّيخ أبو بكر مولى حوره، بن محمّد ـ مولى عرف ـ ابن سالم بن عبد الله بن عمر ابن الشّيخ يعقوب بن يوسف.

وأبو بكر مقبور بحوره، وأخوه سعيد صاحب الجحش مقبور عند رجليه.

قال البكري: (حوره: موضع في ديار بني مرّة، وقد شكّ أبو عبيدة في هذا الاسم، وقال نصيب [من الطّويل]:

«عفا منقل من أهله فنقيب *** فسرح اللّوى من ساهر فمريب »

«فذو المرخ أقوى فالبراق كأنّها *** بحورة لم يحلل بهنّ عريب »

وقال في مادّة «رضوى» من حديث واقد بن عبد الله عن عمّه عن جدّه قال: نزل طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد عليّ بالتّجبار ـ وهو موضع بين حوره السّفلى وبين منخوس، على طريق التّجّار إلى الشّام ـ حين بعثهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يترقّبان عير قريش).

وذكر حديثا طويلا يؤكّد أنّها ليست بالّتي نحن في سبيلها.

ثمّ رأيت الطّيّب بامخرمة يقول: (قال القاضي مسعود باشكيل: حوره اسم لقريتين باليمن:

إحداهما: قرية كبيرة لها قلعة حصينة من أرض حضرموت، تسقى من وادي العين، وسكّان تلك القلعة آل الملكيّ، وسكّان أسفل القلعة آل باوزير المتصوّفة، وبها قبور جماعة منهم، أشهرهم وأقدمهم: أبو بكر وسعيد ابنا محمّد بن سالم، والباقون أسباطهم، نفع الله بهم أجمعين.

والثّانية: قرية كبيرة شرقيّ أحور، سكّانها قوم من حمير ـ وبها قوم صالحون يسمّون الشّهداء ـ يطعمون القادم عليهم، وهي على ساحل بحر يصطادون السّمك، ويحرثون على البقر) اه ما ذكره القاضي مسعود، وهو آخر كلام بامخرمة.

وقوله: تسقى من وادي العين.. يدلّ على أنّ الشّيخ عمر باوزير لم يبتدي ذلك الضّمير؛ لأنّ القاضي مسعودا أقدم منه.

وقال الطّيّب في موضع آخر: (وآل الملكيّ ـ بفتحتين وكاف ـ جماعة من مسلمي الرّوم النّصارى) وقد استبهم عليّ أمرهم في «الأصل»، ووقعت في إشكالات لم تنحلّ بهذا، ولكنّها تنكشف بما سيأتي في مريمة، ومنه يعرف كثرة من نجع إلى حضرموت من العجم، وقد سمعت بمؤلّف في خصوص ذلك.

وفي حضرموت أسماء عجميّة لكثير من البلدان، كما سبق أنّ دوعان مؤلّف من (دو) وهو الاثنان، و (عان) وهو المكان المرتفع؛ يعني واديين مرتفعين.

وفي «صفة جزيرة العرب» للهمدانيّ [ص 278]: (يبرين في شرقيّ اليمامة، وهي على محجّة عمان إلى مكّة، وبينها وبين حضرموت العجم بلد واسع).

وبما أنّ اسم دوعن فارسيّ.. فالظّاهر أنّ كثرة أعاجمها منهم؛ بأمارة: أنّ صعبة أمّ طلحة بن عبيد الله من بنات فارس، وهي حضرميّة أخت العلاء بن الحضرميّ، وكانت تحت أبي سفيان بن حرب، فلم تزل به هند حتّى طلّقها وتبعتها نفسه، فقال [من المتقارب]:

«إنّا وصعبة فيما ترى *** بعيدان والودّ ودّ قريب »

«فإلّا يكن نسب ثاقب *** فعند الفتاة جمال وطيب »

«لها عند سرّي بها نخرة *** يزول بها يذبل أو عسيب »

ذكره ابن قتيبة في «عيون الأخبار»، وذكره أيضا غيره، والبيت الأوّل منها مخروم، وفي (ص 388 ج 2) من «الخزانة» عن السّهيليّ: أنّ ابن أبي عمرو مات في صعبة بنت الحضرميّ، وعن «الأغاني»: أنّه مات في حبّ هند بنت عتبة، ثمّ بسط القصّة.

وفي «غرر البهاء الضويّ» للعلّامة المحدّث محمّد بن عليّ خرد ما يفيد أنّ حوره هي الحوطة في عرف أهل اليمن، وقد مرّ في النّقعة أنّها مرادفة للحوطة أيضا عند أهل اليمن.

إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت-عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف-توفي: 1375ه‍/1956م


12-القاموس المحيط (نفض)

نَفَضَ الثَّوْبَ: حَرَّكَه لَيَنْتَفِضَ،

وـ الإِبلُ: نُتِجَتْ،

كأَنْفَضَتْ،

وـ المرأةُ: كثُرَ ولَدُها، وهي نَفُوضٌ،

وـ القومُ: ذَهَبَ زادُهُمْ،

وـ الزَّرْعُ: خَرَجَ آخرُ سُنْبُلِهِ،

وـ الكَرْمُ: تَفَتَّحَتْ عَناقيدُه،

وـ المكانَ: نَظَرَ جميعَ ما فيه حتى يَعْرِفَه،

كاسْتَنْفَضَه وتَنَفَّضَه،

وـ الصِّبْغُ: ذَهَبَ بعضُ لَوْنِه،

وـ السُّوَرَ: قَرأها.

والنُّفاضةُ، بالضم: نُفاثةُ السِّواكِ، وما سَقَطَ من المَنْفوضِ،

كالنُّفاضِ، ويكسرُ.

والنِّفْضُ، بالكسر: خُرْءُ النَّحْلِ في العَسَّالَةِ، أو ما ماتَ منه فيها، أو عَسَلٌ يُسَوِّسُ فَيُؤْخَذُ فَيُدَقُّ فَيُلْطَخُ به مَوضِعُ النَّحْلِ مع الآسِ، فيَأتِيه النَّحْلُ، فَيُعَسِّلُ فيه، أو هو بالقاف، وبالتحريك: ما سَقَطَ من الوَرَقِ والثَّمَرِ وحَبِّ العِنَبِ حينَ يوجَدُ بعضُه في بعضٍ. وكمِنْبَرٍ: المِنْسَفُ.

والمِنْفاضُ: الكثيرةُ الضَّحِكِ، أو هي بالصاد.

والنافِضُ: حُمَّى الرِّعْدَةِ، مُذَكَّرٌ. وأخَذَتْهُ حُمَّى بنافِضٍ، وحُمَّى نافِضٍ، وحُمَّى نافِضٌ، ونَفَضَتْه الحُمَّى، فهو مَنْفوضٌ.

والنُّفْضَةُ، كبُسْرَةٍ ورُطَبَةٍ،

والنُّفَضاءُ،

كالعُرَواءِ: رِعْدَةُ النَّافِضِ، والاسمُ: كسحابٍ.

والنَّفائضُ: الإِبِلُ التي تَقْطَعُ الأرضَ.

وأنْفَضوا: أرْمَلوا، أو هَلَكَتْ أموالُهم، وفَنِيَ زادهُم، أو أفْنَوْهُ، والاسمُ: كسَحابٍ وغُرابٍ، ومنه: "النُّفاضُ يُقَطِّرُ الجَلَبَ"، أي: إذا جاءَ الجَدْبُ، جُلِبَ الإِبِلُ قِطارًا قِطارًا للبَيْعِ،

وـ الجُلَّةُ: نُفِضَ ما فيها من التَّمْرِ.

وانْتَفَضَ الكَرْمُ: نَضُرَ ورَقُه،

وـ الذَّكَرَ: اسْتَبْرأه من بَقِيَّةِ البَوْلِ،

كاسْتَنْفَضَه.

وككِتابٍ: إزارٌ لِلصِبْيانِ، يقال: ما عليه نِفاضٌ: شيءٌ من الثِّياب، وبِساطٌ يَنْحَتُّ عليه ورَقُ السَّمُرِ ونحوِه

ج: نُفُضٌ، وما انْتَفَضَ عليه من الوَرَقِ كالأَنافيضِ.

والنُّفوضُ: البُرْءُ من المَرَضِ.

والنَّفيضَةُ والنَّفَضةُ محرّكةً: الجَماعةُ يُبْعثون في الأرضِ ليَنْظُروا هَلْ فيها عَدُوٌّ أم لا.

واسْتَنْفَضه: اسْتَخرجَه، وبَعثَ النَّفيضةَ،

وـ بالحَجَرِ: اسْتَنْجَى.

والنَّفائضُ: الإِبِلُ الهَزْلَى، أو التي تَقْطَعُ الأرضَ، والذينَ يَضْرِبونَ بالحَصَى هَلْ وراءَهُم مَكْروهٌ أو عَدُوٌّ.

وإذا تَكَلَّمْتَ نهارًا فانْفُضْ، أي: التَفِتْ هل تَرى منْ تَكرَه.

والنِّفِّيضَى، كالخِلِّيفَى وكالزمكَّى وكجَمَزَى: الحَرَكةُ، والرِّعْدَةُ.

القاموس المحيط-مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي-توفي: 817هـ/1414م


13-المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث (نفض)

(نفض) - في حديث الغَار: "أنا أَنْفُض لَكَ ما حَوْلَك"

: أي أَحْرُسُك، وأطُوفُ هَلْ أرَى طَلَبًا.

والنَّفِيضِةُ والنَّفَضَة - بفتح الفاءِ وسُكُونها -: قوم يُبْعَثُونَ مُتَجَسِّسِين هل بالأرْض عَدُوٌّ أَو خَوْفٌ؟

وقد استنفَضُوا: بَعَثُوا ذلك. ويُقال: إذَا تَكلّمت نَهارًا فانفُضْ، وإذا تَكلّمتَ لَيلًا فاخفِضْ.

قوله: "فانفُض": أي التَفِت هَلِ ترى مَن تكْرَه؟

- وفي حديث: "كُنَّا في سَفرٍ فأنْفضْنَا"

يقالُ: أنفضَ الرجُلُ، وأقَوى، وأقْفَر، وأَوحَشَ، وأرْمَلَ: فَنِىَ زَادُه.

ويُقالُ: النِّفاضُ يُقَطِّرُ الحَلْبَ: أي إذَا أنفَضُوا وقَلَّ مَا عِنْدَهم

جَلبُوا الإبلَ للبَيْع، كأنَّهم نفَضُوا مَزَاوِدَهم، ويُقطِرُ من القِطَارِ، وأنفَضَت الجُلَّةُ: نَفِدَ ما فيها.

المجموع المغيث في غريبي القرآن-محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى-توفي: 581هـ/1185م


14-المعجم الاشتقاقي المؤصل (برزخ)

(برزخ): {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20]

قالوا عن البرزخ: هو ما بين كل شيئين، أو الحاجز بين الشيئين كالبرزخ ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر، أي من الموت إلى البعث. وفسروه في الآية بالحاجز، ولا نوافقهم؛ لأن الحاجز يمنع الاتصال.

وبالنظر إلى ما سبق في (برز) من دلالتها على خلوص الشيء من بين ما يكتنفه، ولسماح الخاء صوتيًّا بهذا الخلوص مع إضافة أن الخاء تعبر عن شيء من التخلخل يتحرر أن:

° المعنى المحوري

مَعْبَر باطنيٌّ جوفي من خلال حاجز بين أشياء. وواضح

أن الموت وفترة القبر توصل إلى يوم البعث، والروحُ فيها تنعم أو تُعذَّب {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100]. وكذلك الحاجز بين البحرين (الماءينْ المِلح والعذب) وَهْمِىّ إذ العذب من (وإلى) المِلح. وقد فسر ابن جُريج البحرين بالملح والعذب. ومفهوم كلام قتادة ومجاهد وابن زيد أنهما يلتقيان ولا يبغي أحدهما على الآخر (1)، أي لا يحوله إلى جنسه.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


15-المعجم الاشتقاقي المؤصل (خزو خزى)

(خزو - خزى): {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)} [الشعراء: 87]

خَزَوْتُ الفصيل: اَجْرَرتُ لسانه فشققته لئلا يرتضع. خزا الدابة: ساسها وراضها.

° المعنى المحوري

ذُلّ الحيّ وطواعيته وانقياده لما يراد (لكسر حدّة استعصائه أو رغبته). مثل خَزْو الفصيل أي إحداث شَقّ طوليّ في لسانّه ليؤلمه إذا رضع فيتوقف عن الرضاع، وخَزْو الدابة يكون بركوبها مع إلجامها، ثم قهرها بالضرب ونحوه على ما يراد منها حتى تتعود الطاعة. ومنه "خَزَا نفْسَه: مَلَكها وكفها عن هواها ".

ومن الأصل "خَزِى منه (كرضى)، وخَزِيَه: استحيا " (انقبض وانكسرت حدته وشموخه لقاهر: وُقُوع عذاب عليه يقهره، أو قبيح منه يعيّر به أو عجْز عن المواجهة. ويُلحظ أن الصيغة للمطاوعة بمعنى المفعولية)، {لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)} [طه: 134]، {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}. وكل ما في القرآن من التركيب فهو من الخِزْي بالمعنى المذكور.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


16-المعجم الاشتقاقي المؤصل (طلع)

(طلع): {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10]

الطَلْع -بالفتح: نَورُ النخلة ما دام في الكافور. طَلَع الزرعُ إذا بدأ يَطْلُع وظهر نباتُه. وأطلع: بَدا. وأَطْلعَ الشجر: أَوْرَقَ. طَلَعَتْ سِنُّ الصبي: بَدَتْ شَبَاتُها. الطُلَعاء -بضم ففتح أي كغُلَواء: القَئ. طَلَعت الشَّمس، والقمر، والفجر، والنجوم. وكل بادٍ من عُلْو طالعٌ.

° المعنى المحوري

نفاذ إلى أعلى من أثناء حاجز، رقيق. كما في نَوْر النخل وما بعده. ومن هذا (الطَلْع) في [الأنعام: 99، الشعراء: 48، الصافات: 65، ق: 10] (وأمَّا في طلوع الشَّمس وما بعدها فالحاجز متوهم من غيابهن في الأفق أو هو استعمال في جزء المعنى).

ومن الارتفاع (النفاذ إلى أعلى) "طَلَعَ الجبلَ: رَقِيَه وعَلاه ". ومن هذا مع تحوله إلى كناية "فلان طَلّاع أنجُد وطلاع الثنايا - إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه، (والأنجدُ جمع نَجْد وهو الطَّريق في الجبل وكذلك الثَّنايا) وأَطْلَع الرامي: جَاز سَهْمُه من فَوق الغَرَض. ونخلة مُطْلِعَة - فاعل: مُشرِفَةٌ على ما حولها/ طالَت النخيلَ وكانت أطولَ من سائرها. والمطّلَع - مفتعَل: المَصْعَد من أسفَل إلى المكان المشرف. مُطّلع هذا الجبل من مكان كذا أي مأتاه ومَصْعده ".

ومن هذا استُعمل في مجرد البلوغ "متى طَلَعتَ أرضَنا؟ أي متى بَلَغت؟ "لكن تحرير المعنى يُلْمح في قوله "طَلَع فلان علينا من بعيد ". فالبعد هنا يتيح معنى النفاذ وهو يناسب الارتفاع أيضًا. ومثل التعبيرين قولهم: "طَلَع الرجل على القوم: أتاهم " (لكن التعبير الآخر عن معنى هذا بـ "هَجَم "أدقّ، فإن "هجم "هنا تعني جاء على غير توقّع أو انتظار -وهذا أيضًا فيه معنى النفاذ).

واستُعْمل في وَجه الأمر ومأتاه "ما لهذا الأمر مُطَّلَع ولا مَطلَع أي ما له وَجه ولا مَأتى يؤتَى إليه منه ". فهذا فرع عن البلوغ.

والارتفاع فوق مكان عال يتيح النظر إلى المنخفض حوله. والنظر يتيح الرؤية، "المُطلَع - مفتعَل = مكان: الذي يُشرَف عليه من موضع عال/ موضع

الاطلاع من إشراف إلى انحدار. وطِلْغ الأكَمة -بالكسر: ما إذا علوتَه منها رأيتَ ما حولها ". وبه يفهم قولهم: "الطِلْع من الأَرَضين كل مطمئن في كل رَبْو إذا طلعتَ رأيت ما فيه ""والطَلْعة -بالفتح: الرؤية. طَلعَتُه: رؤيته شخْصه وما طَلَع منه (كأن المعنى ما ارتفع منه أي وجهه يقال: حيا اللَّه طلعتك) وامرأة طُلَعَة خُبَأَة -كهُمَزَة: تُكثِر التطلع (مع إظهار وجهها) ثم الاختباء مرَّة بعد أخرى ".

ومن معنوى النظر الذي هو هدف هذا التطلع قالوا: "نَفْسٌ طُلَعَة - كهُمَزَة: شَهِيّة مُتَطَلِّعَةٌ/ كثيرةُ التطلع إلى الأشياء، أي أنَّها كثيرة المَيْل إلى هواها تشتهيه حتَّى تُهِلك صاحبها ".

ومن الرؤية من أعلى جاء معنى العِلْم "طَلَع على الأَمر: عَلِمَه، وأطْلَعَه على الأمر: أعلمه به. اطَّلَعْت على باطن أمره ". ومن العلم أو النظر "استَطْلع رأيه: نظر (طلب) ما هو، ومن العلم أيضًا "الطليعة: القومُ يُبْعَثون ليطّلِعوا طِلْعَ العدُوّ -بالكسر: أي خَبرَه) كالجواسيس ". ومن الاطلاع النظر من أعلى {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ} [الصافات: 54 - 55] {فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [القصص: 38 وكذا ما في غافر: 37، الكهف: 18]. ومن العلم {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} [المائدة: 13]. ترى وينكشف لك كما لو نظرت من أعلى {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78]. {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179].

وأما "طِلاعَ الشيء - ككِتاب: مِلْؤُه "فهو من الأصل لأن ما يملؤه إنَّما يملأ حوزته وأثناءه إلى أعلى. وفي [ل] قيل "طِلاعَ الأرض (ذهبا): ملؤُها (منه) حتَّى

يطالع أعلاهُ أعلاها فيساويه ". ومنه "قوس طِلَاع الكفّ: يملأ عَجشها الكف ".

أما القول باستعمال التركيب في معنيين متضادين "طلعت على القوم إذا غبت عنهم حتَّى لا يروك. وطلعت عليهم أقبلت عليهم حتَّى يروك "فقال ابن السكيت: صحيحٌ، (و) "عَلَى "فيه (يعني في الاستعمال الأول) بمعنى "عن "كما قال اللَّه عزَّ وجل: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] معناه عن الناس، ومن النَّاس. قال وكذلك قال أهل اللُّغة أجمعون ".

فمن طَلْع النخل نَوْرِه {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99]، {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: 10 وكذا ما في الشعراء: 48، الصافات: 65]. ومن طلوع الشَّمس والقمر.. {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ} [الكهف: 17] {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5 وكذا ما في الكهف: 90، طه: 130، ق: 39].

أما قوله تعالى: {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 7] ففي [قر 20/ 135 - مؤيَّدًا بحديث]: تأكل أجسامهم حتَّى تبلغَ قلوبهم، فهي من طَلَع المكانَ: بَلَغه. وفي [ل]: قال الفراء: يبلغ ألمها الأفئدة. قال والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد. والعرب تقول: متى طَلَعْت أرْضَنا؟ أي متى بَلَغت أرضنا. اهـ. وقد رضيه الأزهري. قال وإليه ذهب الزجاج.

المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم-محمد حسن حسن جبل-صدر: 1432هـ/2010م


17-معجم القواعد العربية (الاستفهام)

الاستفهام:

1 ـ تعريفه:

هو طلب الفهم بالأدوات المخصوصة.

2 ـ حرفا الاستفهام:

للاستفهام حرفان: «هل» و «الهمزة».

(انظر في حرفيهما).

3 ـ أسماء الاستفهام:

تسعة وهي: «ما، ومن، وأيّ، وكم وكيف، وأين، وأنّى، ومتى، وأيّان».

(انظر في أحرفها).

4 ـ أدوات الاستفهام من حيث التّصور والتّصديق.

جميع أسماء الاستفهام لطلب التّصوّر لا غير. إلّا «هل» فإنّها لطلب التصديق لا غير، والهمزة مشتركة بينهما.

5 ـ يقبح في حروف الاستفهام أن يصير بعدها الاسم وبعده فعل:

وصورة ذلك أن يأتي بعد أسماء الاستفهام وحرفه: «هل» اسم وبعد الاسم فعل.

فلو قلت:

«هل زيد قام» و «أين زيد ضربته» لم يجز إلّا في الشعر، فإذا جاء في الشعر نصبته فتقول مثلا: «أين زيدا ضربته؟».

فإن جئت في سائر أسماء الاستفهام وحرفه «هل» ـ باسم وبعد ذلك الاسم اسم من فعل ـ أي اسم مشتقّ ـ نحو «ضارب» جاز في الكلام، ولا يجوز فيه النّصب إلّا في الشّعر، فلو قلت: «هل زيد أنا ضاربه». لكان جيّدا في الكلام، لأنّ ضاربا اسم في معنى الفعل، ويجوز النصب في الشعر.

أمّا همزة الاستفهام فتختلف عن هذه الأحكام لأنها الأصل.

(انظر همزة الاستفهام).

6 ـ إعراب أسماء الاستفهام:

إن دخل على هذه الأسماء جارّ، أو مضاف فمحلّها الجرّ نحو {عَمَّ يَتَساءَلُونَ؟} ونحو: «صبيحة أيّ يوم سفرك؟». و «غلام من جاءك؟» وإلّا فإن وقعت على زمان نحو {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ؟} أو مكان نحو {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟}. فهي منصوبة مفعولا فيه. أو حدث نحو {أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}. فهي منصوبة مفعولا مطلقا، وإلّا فإن وقع بعدها اسم نكرة نحو «من أب لك» فهي مبتدأة، أو اسم معرفة نحو «من زيد» فهي خبر، وعند سيبويه مبتدأ وبعدها خبر، وإلّا فإن وقع بعدها فعل قاصر فهي مبتدأة نحو «من قام» وإن وقع بعدها فعل متعدّ فإن كان واقعا عليها فهي مفعول به، نحو: {فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ} ونحو {أَيًّا ما تَدْعُوا} ونحو «من يؤنّب المعلّم؟». وإن كان واقعا على ضميرها نحو «من رأيته» أو متعلّقها نحو «من رأيت أخاه؟» فهي مبتدأة أو منصوبة بمحذوف مقدّر بعدها يفسّره المذكور.

معجم القواعد العربية في النحو والتصريف وذُيّل بالإملاء-عبدالغني الدقر-صدر: 1404ه‍/1984م


18-موسوعة الفقه الكويتية (استيفاء)

اسْتِيفَاء

التَّعْرِيفُ:

1- الِاسْتِيفَاءُ: مَصْدَرُ اسْتَوْفَى، وَهُوَ أَخْذُ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ كَامِلًا، دُونَ أَنْ يَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا.

وَلَا يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

الْقَبْضُ:

2- قَبَضَ الدَّيْنَ أَخَذَهُ، وَهُوَ كَمَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ يَكُونُ كَذَلِكَ فِي الْأَعْيَانِ، فَالْقَبْضُ أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ.

عَلَاقَةُ الِاسْتِيفَاءِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ:

3- مِنْ تَقْسِيمَاتِ الْإِبْرَاءِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ: إِمَّا إِبْرَاءُ إِسْقَاطٍ، أَوْ إِبْرَاءُ اسْتِيفَاءٍ، فَفِي الْكَفَالَةِ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِلْكَفِيلِ: بَرِئْتَ إِلَيَّ مِنَ الْمَالِ، كَانَ إِبْرَاءَ اسْتِيفَاءٍ لِكُلٍّ مِنَ الْكَفِيلِ وَالدَّائِنِ، أَمَّا لَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ إِبْرَاءَ إِسْقَاطٍ، يُبَرَّأُ بِهِ الْكَفِيلُ فَقَطْ.وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (إِبْرَاءٌ).

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَرْجِيحِ حَقِيقَةِ الْحَوَالَةِ، هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَوِ اسْتِيفَاءٌ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالتَّرْجِيحُ مُخْتَلِفٌ فِي الْفُرُوعِ بِحَسَبِ الْمَسَائِلِ، لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ وَضَعْفِهِ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: لَوْ خَرَجَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا، وَقَدْ شَرَطَ يَسَارَهُ، فَالْأَصَحُّ لَا رُجُوعَ لِلْمُحَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ، وَمُقَابِلُهُ: لَهُ الرُّجُوعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ.

مَنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ:

4- يَخْتَلِفُ مَنْ لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ بِاخْتِلَافِ الْحَقِّ الْمُرَادِ اسْتِيفَاؤُهُ، إِذْ هُوَ إِمَّا حَقٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ حَقٌّ خَالِصٌ لِلْعَبْدِ، كَالدُّيُونِ، أَوْ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ.

وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يُقَسِّمُ هَذَا الْحَقَّ الْمُشْتَرَكَ إِلَى قِسْمَيْنِ: مَا غَلَبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ كَحَدِّ السَّرِقَةِ، وَمَا غَلَبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ.

وَالْمُرَادُ بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمَحْضِ: مَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهُ لَسَقَطَ، وَإِلاَّ فَمَا مِنْ حَقٍّ لِلْعَبْدِ إِلاَّ وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمَرَهُ بِإِيصَالِ ذَلِكَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَيُوجَدُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى دُونَ حَقٍّ لِلْعَبْدِ، وَلَا يُوجَدُ حَقٌّ لِعَبْدٍ إِلاَّ وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.

اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى

أَوَّلًا: اسْتِيفَاءُ الْحُدُودِ:

5- يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِنْفَاذُ الْحُدُودِ، وَلَا يَمْلِكُ وَلِيُّ الْأَمْرِ وَلَا غَيْرُهُ إِسْقَاطَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا لَدَيْهِ، وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى اسْتِيفَاءَهَا هُوَ وَلِيُّ الْأَمْرِ أَوْ مَنْ يُنِيبُهُ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهَا غَيْرُهُ دُونَ إِذْنِهِ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ.

أ- كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ حَدِّ الزِّنَا:

6- حَدُّ الزِّنَا إِمَّا الرَّجْمُ، وَإِمَّا الْجَلْدُ:

وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الزِّنَا قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَالْحَنَفِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَحْضُرَ الشُّهُودُ، وَأَنْ يَبْدَءُوا بِالرَّجْمِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا سَقَطَ الْحَدُّ.

وَغَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ حُضُورَ الشُّهُودِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَرَوْنَ حُضُورَهُمْ مُسْتَحَبًّا، أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَا يَرَوْنَ حُضُورَهُمْ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا.

وَالْكُلُّ مُجْمِعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَنَّهُ إِنْ حَاوَلَ الْهَرَبَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إِنْ خِيفَ هَرَبُهُ يُقَيَّدُ أَوْ يُحْفَرُ لَهُ.

وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً يُحْفَرُ لَهَا، أَوْ تُرْبَطُ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا حَتَّى لَا تَتَكَشَّفَ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ حَاوَلَ الْهَرَبَ لَمْ يُتَّبَعْ، وَيُوقَفُ التَّنْفِيذُ، جَلْدًا كَانَ أَوْ رَجْمًا، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ إِقْرَارِهِ.

وَهُنَاكَ تَفْصِيلَاتٌ وَخِلَافٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (حَدِّ الزِّنَا).

وَإِذَا كَانَ الْحَدُّ جَلْدًا فَالْكُلُّ مُجْمِعٌ عَلَى نَزْعِ مَا يَلْبَسُهُ مِنْ حَشْوٍ أَوْ فَرْوٍ.

فَإِنْ كَانَ رَجُلًا يُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ إِلاَّ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْمَحْدُودُ بِالْجَلْدِ مَرِيضًا مَرَضًا يُرْجَى شِفَاؤُهُ أُرْجِئَ التَّنْفِيذُ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً حَامِلًا أُرْجِئَ الْحَدُّ مُطْلَقًا- رَجْمًا أَوْ جَلْدًا- إِلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، وَيَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا عَنْ الرَّضَاعِ مِنْهَا.

ب- كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ حَدِّ الْقَذْفِ وَحَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ:

7- سَبَقَ مَا يَتَّصِلُ بِالْجَلْدِ وَحَدِّ الزِّنَا، عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي الْجَلْدِ فِي حَدِّ الزِّنَا أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ مِنْهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ أَشَدَّ مِنْهُ فِي حَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ.

وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى (حَدِّ الْقَذْفِ) (وَحَدِّ الْخَمْرِ).

هَذَا، وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلَاتٌ فِي آلَةِ الِاسْتِيفَاءِ فِي الْجَلْدِ وَمُلَابَسَاتِهِ، تَرْجِعُ إِلَى تَحْقِيقِ عَدَمِ تَعْرِيضِ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَدُّ إِلَى التَّلَفِ جُزْئِيًّا أَوْ كُلِّيًّا، وَتَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ.وَانْظُرْ أَيْضًا مُصْطَلَحَ (جَلْد) وَمُصْطَلَحَ (رَجْم).

هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَبْنَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْعَلَانِيَةِ، وَذَلِكَ لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وَلِكَيْ يَحْصُلَ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ، فَيَأْمُرُ الْإِمَامُ قَوْمًا غَيْرَ مَنْ يُقِيمُونَ الْحَدَّ بِالْحُضُورِ.

ج- كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ حَدِّ السَّرِقَةِ:

8- حَدُّ السَّرِقَةِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُشْتَرَكَةِ كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الَّذِي يُقِيمُ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ السَّرِقَةِ هُوَ الْإِمَامُ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي شُرُوطِ ثُبُوتِ الْحُدُودِ، وَحَالَاتِ سُقُوطِهَا يُذْكَرُ فِي أَبْوَابِ الْحُدُودِ.أَمَّا كَيْفِيَّةُ الِاسْتِيفَاءِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ، فَالْفُقَهَاءُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ بِشُرُوطِهِ الْمُبَيَّنَةِ فِي بَابِهِ، فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى مِنْ مِفْصَلِ الْكَفِّ، بِطَرِيقَةٍ تُؤْمَنُ مَعَهَا السِّرَايَةُ، كَالْحَسْمِ بِالزَّيْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْوَسَائِلِ.لِحَدِيثِ: «اقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ».

د- مَكَانُ اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ:

9- لَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ وَلَا قِصَاصٌ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ فِيهِ، لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى تَلْوِيثِهِ، أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ الْجِنَايَةُ فِي الْحَرَمِ دُونَ الْمَسْجِدِ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِيهِ.

أَمَّا إِذَا وَقَعَتْ فِي الْحِلِّ وَلَجَأَ الْجَانِي إِلَى الْحَرَمِ، فَقَدِ اُخْتُلِفَ فِيهِ: فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُخْرَجُ، بَلْ يُضْطَرُّ لِلْخُرُوجِ بِمَنْعِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ عَنْهُ.وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبَاحُ إِخْرَاجُهُ.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُؤَخَّرُ بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوِ الْقِصَاصُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ.قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ فَارًّا بِدَمٍ».

ثَانِيًا: اسْتِيفَاءُ التَّعْزِيرَاتِ:

10- التَّعْزِيرَاتُ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا، فَقَالَ مَالِكٌ: وَجَبَ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ كَالْحُدُودِ، إِلاَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ أَنَّ غَيْرَ الضَّرْبِ مَصْلَحَةٌ مِنَ الْمَلَامَةِ وَالْكَلَامِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَنْصُوصًا مِنَ الشَّارِعِ عَلَى التَّعْزِيرِ وَجَبَ، وَإِلاَّ فَلِلْإِمَامِ إِقَامَتُهُ أَوِ الْعَفْوُ عَنْهُ، حَسَبَ الْمَصْلَحَةِ وَحُصُولِ الِانْزِجَارِ بِهِ أَوْ بِدُونِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْإِمَامِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ.وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذَا وَأَدِلَّتُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِير).

ثَالِثًا: اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ اللَّهِ الْمَالِيَّةِ:

أ- اسْتِيفَاءُ الزَّكَوَاتِ:

11- مَالُ الزَّكَاةِ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ، وَهُوَ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعُ وَالْمَالُ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ، وَبَاطِنٌ: وَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْوَالُ التِّجَارَةِ فِي مَوَاضِعِهَا.

وَوِلَايَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ لِلْإِمَامِ فِي مَذَاهِبِ: الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَأَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ.

وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَاَلَّذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا حَقًّا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ بِصَدَقَاتِ الْأَنْعَامِ وَالزُّرُوعِ فِي أَمَاكِنِهَا، وَكَانَ أَدَاؤُهَا إِلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْعَامِلِينَ وَجْهٌ.

وَكَانَ الرَّسُولُ - عليه الصلاة والسلام- وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ يَبْعَثُونَ الْمُصَدِّقِينَ إِلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَالْبُلْدَانِ وَالْآفَاقِ، لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّهُ يَلْحَقُ بِالْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ الْمَالُ الْبَاطِنُ إِذَا مَرَّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّهُ لَمَّا سَافَرَ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْعُمْرَانِ صَارَ ظَاهِرًا وَالْتَحَقَ بِالسَّوَائِمِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِزَكَاةِ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا لِمَكَانِ الْحِمَايَةِ، لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ فِي الْبَرَارِيِّ لَا تَصِيرُ مَحْفُوظَةً إِلاَّ بِحِفْظِ السُّلْطَانِ وَحِمَايَتِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي مَالٍ يَمُرُّ بِهِ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ فَكَانَ كَالسَّوَائِمِ.وَعَلَيْهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم-.

وَهَذَا الْحُكْمُ (دَفْعُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ إِلَى الْأَئِمَّةِ) إِذَا كَانَ الْأَئِمَّةُ عُدُولًا فِي أَخْذِهَا وَصَرْفِهَا.

وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ عُدُولٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ طَلَبَهَا الْإِمَامُ الْعَدْلُ فَادَّعَى الْمُزَكِّي إِخْرَاجَهَا لَمْ يُصَدَّقْ، وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ السَّلَاطِينَ الَّذِينَ لَا يَضَعُونَ الزَّكَاةَ مَوَاضِعَهَا إِذَا أَخَذُوا الزَّكَاةَ أَجْزَأَتْ عَنِ الْمُزَكِّينَ، لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَخْذِ لَهُمْ، فَلَا تُعَادُ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْقُطُ الْخَرَاجُ وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَوَاتُ.وَمُؤَدَّى هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ عَادِلٍ فَلِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُ زَكَاتِهِ.

وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيجَابِ، وَلَيْسَ لَهُمْ التَّفَرُّدُ بِإِخْرَاجِهَا، وَلَا تُجْزِئُهُمْ إِنْ أَخْرَجُوهَا.

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لَا يَخْتَلِفُ عَنِ الْجُمْهُورِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو يَعْلَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَالِي الصَّدَقَاتِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا، وَأَرْبَابُهَا أَحَقُّ مِنْهُ بِإِخْرَاجِهَا إِلاَّ أَنْ يَبْذُلَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاتَهَا طَوْعًا، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لِلْإِمَامِ طَلَبَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ أَيْضًا.

وَإِذَا تَأَكَّدَ الْإِمَامُ أَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهَا أَجْبَرَهُمْ عَلَى إِيتَائِهَا وَلَوْ بِالْقِتَالِ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه- بِمَا يَفِي الزَّكَاةَ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَضَعُهَا مَوْضِعَهَا، وَإِلاَّ فَلَا يُقَاتِلُهُمْ.

ب- اسْتِيفَاءُ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ:

12- لَيْسَ لِلْإِمَامِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ، وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْكَفَّارَةِ.

اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ الْعِبَادِ:

أَوَّلًا: اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ:

13- اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِذْنِ الْإِمَامِ، فَإِنِ اسْتَوْفَاهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِدُونِ إِذْنِهِ وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَعُزِّرَ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ. ثُمَّ إِنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ هُوَ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُمْ التَّجَاوُزُ أَوِ التَّعْذِيبُ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَوَلاَّهُ، لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}.

وَلِلْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ: «أَنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم- دَفَعَ الْقَاتِلَ إِلَى أَخِ الْمَقْتُولِ وَقَالَ لَهُ: دُونَكَ صَاحِبُكَ».رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَّلُوا أَحَدَهُمْ.وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ تَوَلِّي الْإِمَامِ أَوْ مَنْ يُنِيبُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ بِنَفْسِهِ، وَرَآهُ الْإِمَامُ أَهْلًا أَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلاَّ لَمْ يُجِبْهُ.

وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاص).

هَذَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِوُجُوبِ حُضُورِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، لِيُؤْمَنَ التَّجَاوُزُ أَوِ التَّعْذِيبُ، وَحُضُورُ الْقَاضِي الَّذِي حَكَمَ بِالْقِصَاصِ مَسْنُونٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِوُجُوبِ حُضُورِ صَاحِبِ الْحَقِّ رَجَاءَ أَنْ يَعْفُوَ.

أ- كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ.

14- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْقِصَاصَ لَا يُسْتَوْفَى إِلاَّ بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عليه الصلاة والسلام-: «لَا قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ».

وَالْقَوَدُ هُوَ الْقِصَاصُ، فَكَانَ هَذَا نَفْيُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِغَيْرِ السَّيْفِ.

وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ السَّيْفِ لَا يُمَكَّنُ لِلْحَدِيثِ، وَلَوْ فَعَلَ يُعَزَّرُ، لَكِنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْقَتْلَ حَقُّهُ، فَإِذَا قَتَلَهُ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، إِلاَّ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، لِمُجَاوَزَتِهِ حَدَّ الشَّرْعِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ- وَهُوَ إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ لِلْحَنَابِلَةِ- أَنَّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ، وَدَلِيلُهُ: حَدِيثُ «الْيَهُودِيِّ الَّذِي رَضَّ رَأْسَ مُسْلِمَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ كَذَلِكَ».وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ. فَإِنْ ثَبَتَ بِقَسَامَةٍ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، إِلاَّ أَنْ يَقَعَ الْقَتْلُ بِمَا هُوَ مُحَرَّمٌ.

ب- تَأْخِيرُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ:

15- إِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَكَانُوا جَمِيعًا عُقَلَاءَ بَالِغِينَ حَاضِرِينَ، وَطَلَبُوا الِاسْتِيفَاءَ أُجِيبُوا.

أَمَّا إِذَا كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ وَاحِدًا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ- وَهُوَ قَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ- إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ أَوِ الْإِفَاقَةُ، لِاحْتِمَالِ الْعَفْوِ آنَئِذٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ، بَلْ الِاسْتِيفَاءُ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ، وَالْقَيِّمِ عَلَى الْمَجْنُونِ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الَّذِي يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْحَالِ هُوَ الْقَاضِي.

وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ عَنِ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَصِيِّ.

أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَكَانَ فِيهِمْ كِبَارٌ وَصِغَارٌ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ- وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ- إِلَى أَنَّهُ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الصَّغِيرِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ- وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ- إِلَى أَنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ الْكِبَارُ.

أَمَّا إِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ غَائِبِينَ فَإِنَّ انْتِظَارَهُمْ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: يُنْتَظَرُ الْغَائِبُ إِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً دُونَ الْغَائِبِ غَيْبَةً بَعِيدَةً، وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ جُنُونًا غَيْرَ مُطْبِقٍ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ.

ج- وَقْتُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ:

16- ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَبْلَ بُرْءِ الْمَجْرُوحِ، لِحَدِيثِ: «لَا يُسْتَقَادُ مِنَ الْجِرَاحَةِ حَتَّى يَبْرَأَ».

وَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا: إِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنَ الْجَانِي عَلَى الْفَوْرِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ). ثَانِيًا: اسْتِيفَاءُ حُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَالِيَّةِ:

أ- اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ:

17- قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ، وَهُوَ مُقِرٌّ بِهِ بَاذِلٌ لَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ مَا يُدْلِيهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرَ حَقِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ غَرَضٌ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَتْ فَصَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَكَانَ الثَّابِتُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ تَقَاصَّا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ.وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ مَانِعًا لِأَدَاءِ الدَّيْنِ لِأَمْرٍ يُبِيحُ الْمَنْعَ كَالتَّأْجِيلِ وَالْإِعْسَارِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، أَوْ عَوَّضَهُ إِنْ كَانَ تَالِفًا، وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ هَاهُنَا، لِأَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ قَبْلُ.

وَإِنْ كَانَ مَانِعًا لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ أَوِ السُّلْطَانِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ أَيْضًا بِغَيْرِ السُّلْطَانِ أَوِ الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ وَكِيلِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ جَاحِدًا لَهُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ لَا يُجِيبُهُ إِلَى الْمُحَاكَمَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ إِجْبَارُهُ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَحْوُ هَذَا، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَقَدْ جَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ لِجَوَازِ الْأَخْذِ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ، أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ حِينَ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَيَتَخَرَّجُ لَنَا جَوَازُ الْأَخْذِ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ تَحَرَّى وَاجْتَهَدَ فِي تَقْوِيمِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ هِنْدٍ، وَمِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي الْمُرْتَهِنِ «يَرْكَبُ وَيَحْلُبُ بِقَدْرِ مَا يُنْفِقُ».وَالْمَرْأَةُ تَأْخُذُ مَئُونَتَهَا وَبَائِعُ السِّلْعَةِ يَأْخُذُهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ رِضًا.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ هِنْدٍ السَّابِقِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّهِ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، إِنْ لَمْ يَخَفِ الْفِتْنَةَ.

وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَقَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِ حَقِّهِ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ لَهُ أَخْذَ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ لِلضَّرُورَةِ.وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: الْمَنْعُ، لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَمَلُّكِهِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّرَاضِي.

18- هَذَا، وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَخْذَ حَقِّهِ اسْتِقْلَالًا، وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ، أَوْ عَلَى مُنْكِرٍ وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، لِأَنَّ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَضَاءِ مَئُونَةً وَمَشَقَّةً وَتَضْيِيعَ زَمَانٍ.وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عِنْدَهُمْ: يَجِبُ الرَّفْعُ إِلَى الْقَاضِي، لِإِمْكَانِ حُصُولِهِ عَلَى حَقِّهِ مَعَ وُجُودِ الْإِقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ.

وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي مَالِهِ إِذَا أَفْلَسَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ إِنْ كَانَ نَقْدًا أَوْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ حَقِّهِ اعْتِيَاضٌ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، لَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَوَازُ الْأَخْذِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ.

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم-: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَقَدْ خَانَهُ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ.وَقَالَ - صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ».وَلِأَنَّهُ إِنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ، كَانَ مُعَاوَضَةً بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ الْحَقِّ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ إِلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ: اقْضِ حَقِّي مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ هَذَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ، كَمَا لَوْ كَانَ بَاذِلًا لَهُ.

لَكِنَّ الْمَانِعِينَ اسْتَثْنَوُا النَّفَقَةَ، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِإِحْيَاءِ النَّفْسِ وَإِبْقَاءِ الْمُهْجَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُصْبَرُ عَنْهُ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَرْكِهِ، فَجَازَ أَخْذُ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَلِذَلِكَ لَوْ صَارَتِ النَّفَقَةُ مَاضِيَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْذُهَا، وَلَوْ وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ غَيْرُ النَّفَقَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخْذُهُ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَة).

ب- اسْتِيفَاءُ الْمُرْتَهِنِ قِيمَةَ الرَّهْنِ مِنَ الْمَرْهُونِ:

19- حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الرَّاهِنُ مَا عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْقَاضِي فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ، وَيُنْصِفَهُ مِنْهُ، إِنْ لَمْ يُجِبْهُ الرَّاهِنُ إِلَى الْبَيْعِ.

وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ غَائِبًا، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ جَازَ، وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ، إِلاَّ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إِلَى الْقَاضِي.

وَالرَّهْنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَبِبَعْضِهِ.عَلَى مَعْنَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ، فَإِنَّ الرَّهْنَ جَمِيعَهُ يَبْقَى بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ كُلَّ حَقِّهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: بَلْ يَبْقَى مِنَ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنَ الْحَقِّ.

وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، أَصْلُهُ حَبْسُ التَّرِكَةِ عَنِ الْوَرَثَةِ حَتَّى يُؤَدُّوا الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ.

وَحُجَّةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ جَمِيعَهُ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِهِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَبْعَاضُهُ مَحْبُوسَةً بِأَبْعَاضِهِ، أَصْلُهُ الْكَفَالَةُ.

وَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِثَمَنِ الرَّهْنِ مِنْ جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، حَيًّا كَانَ الرَّاهِنُ أَوْ مَيِّتًا، فَإِذَا ضَاقَ مَالُ الرَّاهِنِ عَنْ دُيُونِهِ وَطَالَبَ الْغُرَمَاءُ بِدُيُونِهِمْ، أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِفَلَسِهِ، وَأُرِيدَ قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ رَهْنٌ يَخْتَصُّ بِثَمَنِهِ عَنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ، لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَذِمَّةِ الرَّاهِنِ مَعًا، وَبَاقِي الْغُرَمَاءِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِذِمَّةِ الرَّاهِنِ دُونَ عَيْنِ الرَّهْنِ، فَكَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ أَقْوَى، وَهَذَا مِنْ أَكْثَرِ فَوَائِدِ الرَّهْنِ، وَهُوَ تَقْدِيمُهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْغُرَمَاءِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَيُبَاعُ الرَّهْنُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ دَيْنِهِ رَدَّ الْبَاقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ أَخَذَ ثَمَنَهُ وَشَارَكَ الْغُرَمَاءَ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ.وَلِلتَّفْصِيلِ يُرْجَعُ إِلَى بَابِ الرَّهْنِ.

ج- حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ:

20- الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ- وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ اخْتَارَهُ ابْنُ قُدَامَةَ- أَنَّهُ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَقْضِيَ الثَّمَنَ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْمُرْتَهِنِ.وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَجَبَ دَفْعُهُ أَوَّلًا لِيَتَعَيَّنَ.وَفِي رَأْيٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِنْ قَالَ الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ، وَكَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا، جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْهُمَا، وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا.مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الثَّمَنِ، كَمَا تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَاسْتَوَيَا، وَقَدْ وَجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَقٌّ قَدِ اسْتَحَقَّ قَبْضَهُ، فَأُجْبِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِيفَاءِ صَاحِبِهِ حَقَّهُ، وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ.

وَفِي قَوْلٍ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ أَوَّلًا، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ الْبَائِعُ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ، وَحَقَّ الْبَائِعِ تَعَلَّقَ بِالذِّمَّةِ، وَتَقْدِيمُ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَوْلَى لِتَأَكُّدِهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُؤَجَّلٍ.

د- الِاسْتِيفَاءُ فِي الْإِجَارَةِ:

(1) اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ:

21- الْمَنْفَعَةُ تَخْتَلِفُ فِي كُلِّ عَقْدٍ بِحَسَبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَاسْتِيفَاؤُهَا يَكُونُ بِتَمْكِينِ الْمُؤَجِّرِ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْ مَحَلِّ الْعَقْدِ.وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ (وَيُسَمَّى أَجِيرُ الْوَحْدِ) بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ مَعَ اسْتِعْدَادِهِ لِلْعَمَلِ.وَاسْتِيفَاءُ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ- كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَثَلًا- يَكُونُ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ مَصْنُوعَةً حَسَبَ الِاتِّفَاقِ.

(2) اسْتِيفَاءُ الْأُجْرَةِ:

22- اسْتِيفَاءُ الْأُجْرَةِ يَكُونُ بِأَحَدِ أُمُورٍ: إِمَّا بِتَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَإِمَّا بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِعْلًا، أَوِ التَّمَكُّنِ مِنْهَا، وَإِمَّا بِاشْتِرَاطِ تَعْجِيلِهَا، أَوِ التَّعَارُفِ عَلَى التَّعْجِيلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَةٌ).

هـ- اسْتِيفَاءُ الْمُسْتَعِيرِ مَنْفَعَةَ مَا اسْتَعَارَهُ:

23- أَوْرَدَ صَاحِبُ الْمُغْنِي أَحْكَامَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْإِعَارَةِ فَقَالَ: وَإِنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَتِهِ بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ، لِأَنَّ وَكِيلَهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَيَدُهُ كَيَدِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكِ الْمَنَافِعَ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَهَا، وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْعَيْنَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ اسْتِعْمَالَ الْمُعَارِ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، أَمَّا إِعَارَتُهُ لِغَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ مَوْطِنُهُ مُصْطَلَحُ (إِعَارَةٌ).

و- النِّيَابَةُ فِي الِاسْتِيفَاءِ:

(1) اسْتِخْلَافُ الْإِمَامِ غَيْرَهُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ:

24- أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ غَيْرَهُ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْجَمِيعِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ أَسْبَابَ وُجُوبِهَا تُوجَدُ فِي أَقْطَارِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إِلَيْهَا، وَفِي الْإِحْضَارِ إِلَى مَكَانِ الْإِمَامِ حَرَجٌ عَظِيمٌ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ لَتَعَطَّلَتِ الْحُدُودُ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا «كَانَ - عليه الصلاة والسلام- يَجْعَلُ إِلَى أُمَرَائِهِ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ، وَإِقَامَةَ الْحُدُودِ».

وَالِاسْتِخْلَافُ نَوْعَانِ: تَنْصِيصٌ، وَتَوْلِيَةٌ.

أَمَّا التَّنْصِيصُ: فَهُوَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى إِقَامَةِ الْحُدُودِ، فَيَجُوزُ لِلنَّائِبِ إِقَامَتُهَا بِلَا شَكٍّ.

وَالتَّوْلِيَةُ عَلَى نَوْعَيْنِ: خَاصَّةٌ، وَعَامَّةٌ.

فَالْعَامَّةُ: هِيَ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ رَجُلًا وِلَايَةً عَامَّةً، مِثْلُ إِمَارَةِ إِقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ عَظِيمٍ، فَيَمْلِكُ الْمُوَلَّى إِقَامَةَ الْحُدُودِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا قَلَّدَهُ إِمَارَةَ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إِلَيْهِ الْقِيَامَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ مِنْ أَعْظَمِ مَصَالِحِهِمْ، فَيَمْلِكُهَا.

وَالْخَاصَّةُ: هِيَ أَنْ يُوَلِّيَ رَجُلًا وِلَايَةً خَاصَّةً، مِثْلُ جِبَايَةِ الْخَرَاجِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَلَا يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، لِأَنَّ هَذِهِ التَّوْلِيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ إِقَامَةَ الْحُدُودِ، وَلَوِ اسْتَعْمَلَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْشِ الْكَبِيرِ، فَإِنْ كَانَ أَمِيرَ مِصْرٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَغَزَا بِجُنْدِهِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ فِي مُعَسْكَرِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدِهِ، فَإِذَا خَرَجَ بِأَهْلِهِ أَوْ بِبَعْضِهِمْ مَلَكَ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ يَمْلِكُ فِيهِمْ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا مَنْ أَخْرَجَهُ أَمِيرُ الْبَلَدِ غَازِيًا فَمَنْ كَانَ يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ خُرُوجِهِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ الْإِقَامَةَ، فَلَا يَمْلِكُ الْإِقَامَةَ.

(2) الْوَكَالَةُ بِالِاسْتِيفَاءِ:

25- ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الْقَوَدُ وَالْحُدُودُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: كُلُّ مَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنَ الْحُقُوقِ بِنَفْسِهِ، يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيهِ إِلاَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهَا الْوَكِيلُ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ عَنْ مَجْلِسِ الِاسْتِيفَاءِ، لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَاسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الْقَوَدِ وَالْحُدُودِ، بِأَنَّ النَّبِيَّ - عليه الصلاة والسلام- قَالَ: «اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا.فَاعْتَرَفَتْ فَرُجِمَتْ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يُمْكِنُهُ تَوَلِّي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ.

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إِثْبَاتِهَا.وَوَافَقَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ عَدَم جَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ.

- رحمه الله-

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


19-موسوعة الفقه الكويتية (إشهاد 2)

إِشْهَادٌ -2

وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اسْتِحْبَابُ الْإِشْهَادِ.

وَيَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا مَعَ اللَّقِيطِ تَبَعًا لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِئَلاَّ يَتَمَلَّكَهُ.وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الْإِشْهَادِ عَلَى اللَّقِيطِ وَعَلَى مَا مَعَهُ بِحَالَةِ مَا إِذَا كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ.

أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ لَهُ لِيَكْفُلَهُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ قَطْعًا.

الْإِشْهَادُ عَلَى نَفَقَةِ اللَّقِيطِ:

35- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ اشْتَرَطُوا لِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِمَا يُنْفِقُهُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللَّقِيطِ الْإِشْهَادُ عَلَى إِرَادَتِهِ الرُّجُوعَ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُنْفِقُ مِنِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ.وَوُجُوبُ الْإِشْهَادِ هُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَا يُشْتَرَطُ.

وَلَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَالْمُلْتَقِطُ يُنْفِقُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى اللَّقِيطِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ بِالِالْتِقَاطِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ.

الْإِشْهَادُ بِالْبَاطِلِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِّ:

36- فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِشْهَادُ بِالْبَاطِلِ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى الْحَقِّ فِي صُوَرٍ ذَكَرُوهَا.فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَيَثْبُتُ لَهَا شَرْعًا خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنَّهَا إِذَا رَأَتِ الْحَيْضَ فِي اللَّيْلِ وَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ فَوْرًا، فَإِنَّهَا حِينَ تُشْهِدُ فِي الصَّبَاحِ عَلَى الْبُلُوغِ تَقُولُ: بَلَغْتُ الْآنَ، ضَرُورَةُ إِحْيَاءِ الْحَقِّ، لِأَنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يَسْقُطُ بِالتَّرَاخِي، فَلَوْ أَخْبَرَتْ عَنِ اخْتِيَارِهَا مُتَبَاعِدًا عَنِ الْإِشْهَادِ لَمْ تَسْتَفِدْ مِنَ الْخِيَارِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ أَنْ يَتَحَيَّلَ عَلَى إِخْرَاجِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذِمَّتِهِ، كَزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهِ بَعْدَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عِدَّةَ صُوَرٍ مِنْهَا: مَا يُسَمَّى بِمَسْأَلَةِ إِيدَاعِ الشَّهَادَةِ، كَأَنْ يَقُولَ لَهُ الْخَصْمُ: لَا أُقِرُّ لَكَ حَتَّى تُبْرِئَنِي مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ، وَأَشْهَدُ عَلَيْكَ إِنَّكَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَى بُعْدِ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ إِلَى رَجُلَيْنِ فَيَقُولُ: اشْهَدَا أَنِّي عَلَى طَلَبِ حَقِّي كُلِّهِ مِنْ فُلَانٍ، وَأَنِّي لَمْ أُبْرِئْهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ مُصَالَحَتَهُ عَلَى بَعْضِهِ، لِأَتَوَصَّلَ بِالصُّلْحِ إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، وَأَنِّي إِذَا أَشْهَدْتُ أَنِّي لَا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ سِوَى مَا صَالَحَنِي عَلَيْهِ فَهُوَ إِشْهَادٌ بَاطِلٌ، وَأَنِّي إِنَّمَا أَشْهَدْتُ عَلَى ذَلِكَ تَوَصُّلًا إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَقَاءَهُ عَلَى حَقِّهِ، وَيُقِيمَ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ.فَالْإِنْسَانُ لَهُ التَّوَصُّلُ إِلَى حَقِّهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ جَائِزٍ، وَقَدْ تَوَصَّلَ الْمَظْلُومُ إِلَى حَقِّهِ بِطَرِيقٍ لَمْ يُسْقِطْ بِهَا حَقًّا لِأَحَدٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ، فَلَا خَرَجَ بِهَا مِنْ حَقٍّ، وَلَا دَخَلَ بِهَا فِي بَاطِلٍ.

وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدُهُ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ حَتَّى تُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَةَ فُلَانٍ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ إِقْرَارًا كَاذِبًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لِأَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إِلَى أَخْذِ مَالِي عِنْدَهُ، فَاشْهَدُوا أَنَّ إِقْرَارِي بِالزَّوْجِيَّةِ بَاطِلٌ أَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى أَخْذِ حَقِّي.

وَمِثْلُهُ أَيْضًا: أَنْ يُنْكِرَ نَسَبَ أَخِيهِ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْئًا، وَأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ قَبَضَهُ، أَوِ اعْتَاضَ عَنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيُودِعُ الشَّهَادَةَ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ، وَأَنَّهُ يُظْهِرُ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ تَوَصُّلًا إِلَى إِقْرَارِ أَخِيهِ بِنَسَبِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ شَيْئًا وَلَا أَبْرَأَ أَخَاهُ وَلَا عَاوَضَهُ وَلَا وَهَبَهُ.

الْإِشْهَادُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَصِيَّةِ:

37- يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَتَبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَى الْشُّهُودِ.

وَيَخْتَلِفُونَ إِنْ كَتَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمِ الشُّهُودُ بِمَا فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَتَبَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا أَمْ كَتَبَهَا فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا.

فَإِنْ كَتَبَهَا مُبْهَمَةً ثُمَّ دَعَا الشُّهُودَ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَفَاذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ النَّفَاذِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ.إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَطْلَقَتْ هَذَا الْقَوْلَ، وَبَعْضُهَا قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ خَطُّ الْكَاتِبِ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ النَّفَاذِ: إِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْإِشْهَادَ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَالِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ.

فَإِنْ كَتَبَهَا بِحَضْرَتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا، دُونَ عِلْمٍ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إِنْ عُرِفَ خَطُّهُ.وَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ بِالْخَطِّ لَا بِالْإِشْهَادِ.وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَتْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلَايَتِهِ وَأَحْكَامِ سُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كَتْبِهِمْ إِلَى وُلَاتِهِمُ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَمْوَالِ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً لَا يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وُجُوهِهَا.وَذَكَرَ اسْتِخْلَافَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ.قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَلَا تَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كِتَابٌ لَا يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي.

الْإِشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ:

38- الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلاَّ بِإِشْهَادٍ عَلَى الْعَقْدِ، لِقَوْلِهِ «- صلى الله عليه وسلم-: لَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ».

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ صِيَانَةُ الْأَنْكِحَةِ عَنِ الْجُحُودِ، وَالِاحْتِيَاطِ لِلْأَبْضَاعِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْإِشْهَادُ عَلَى الْعَقْدِ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ عِنْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ أَشْهَدَا قَبْلَ الدُّخُولِ صَحَّ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقْصِدَا الِاسْتِسْرَارَ بِالْعَقْدِ.فَإِنْ قَصَدَاهُ لَمْ يُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ عَلَيْهِ، لِنَهْيِهِ- عليه الصلاة والسلام- عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ.

وَإِنْ دَخَلَا بِلَا إِشْهَادٍ فُسِخَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ، وَحُدَّا فِي الْحَالَتَيْنِ، مَا لَمْ يَكُنِ النِّكَاحُ فَاشِيًّا.

وَهُنَاكَ شُرُوطٌ وَتَفْصِيلَاتٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِشْهَادِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحٌ).

الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ:

39- لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ رَأْيَانِ:

أَوَّلُهُمَا: نَدْبُ الْإِشْهَادِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ.وَالْإِشْهَادُ عِنْدَهُمْ يَكُونُ عَلَى صِيغَةِ الرَّجْعَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ بِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَثَانِيهِمَا: وُجُوبُ الْإِشْهَادِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةً عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

وَاسْتَدَلَّ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ مَطْلُوبٌ بِقَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.

فَحَمَلَ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ الْأَمْرَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى شَهَادَةٍ، كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَلِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَهَذَا لَا يَتَطَلَّبُ الْإِشْهَادَ.وَحَمَلَ الْفَرِيقُ الثَّانِي الْأَمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ.

ثُمَّ مَنْ أَوْجَبَ الْإِشْهَادَ إِذَا رَاجَعَهَا بِدُونِهِ هَلْ تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؟

مَنِ اعْتَبَرَ الْإِشْهَادَ شَرْطًا قَالَ: لَا تَصِحُّ، وَمَنِ اعْتَبَرَهُ وَاجِبًا دِيَانَةً فَقَطْ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ مَعَ الْإِثْمِ.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مَبْحَثِ الرَّجْعَةِ.

إِشْهَادُ الْمُنْفِقِ عَلَى الصَّغِيرِ:

40- نَفَقَةُ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ فَيُلْزَمُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَهَذَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِشْهَادٍ.

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِمَا بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، فَلَا بُدَّ لِجَوَازِ الرُّجُوعِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ مِنَ الْإِشْهَادِ.

وَكَذَلِكَ إِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ).

الْإِشْهَادُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ:

41- مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا يُنْفِقُ، وَذَلِكَ إِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَوِ الْحَاكِمُ.وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاكْتَفَى الْمَالِكِيَّةُ بِيَمِينِ الْمُنْفِقِ: أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ.وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ قَيِّمَ الْوَقْفِ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشْهَادِ.وَيُمْكِنُ التَّخْرِيجُ عَلَى هَذِهِ عِنْدَهُمْ فِيمَا يُشْبِهُ الْوَقْفَ.

وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (الْوَقْفِ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ وَالنَّفَقَةِ وَاللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ).

الْإِشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ لِلضَّمَانِ:

42- إِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ، فَتَلِفَ بِسُقُوطِهِ شَيْءٌ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ، إِلاَّ إِذَا طُلِبَ إِلَيْهِ إِزَالَةُ الْحَائِطِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، وَأَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ.وَيَتَحَقَّقُ الطَّلَبُ مِنْ أَيِّ عَاقِلٍ وَلَوْ صَبِيًّا.وَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ الضَّرَرُ وَاقِعًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي هَلَاكِ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ إِلْحَاقًا بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْإِشْهَادَ لَا يَتَحَقَّقُ إِلاَّ مِنَ الْقَاضِي أَوْ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ كَالْبَلَدِيَّةِ الْآنَ.وَأَمَّا طَلَبُ النَّاسِ وَإِشْهَادُهُمْ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ لَيْسَ بِهِ قَاضٍ وَلَا مَسْئُولٌ عَنْ مِثْلِ هَذَا.وَيَكُونُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ إِنْ قَصَّرَ.

وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَا يُوجِبُونَ الْإِشْهَادَ عَلَى الطَّلَبِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي عِنْدَهُمُ الطَّلَبُ وَحْدَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ.

وَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهَا فِي مَوْضُوعِ الضَّمَانِ وَالْجِنَايَاتِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


20-موسوعة الفقه الكويتية (تجارة)

تِجَارَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- التِّجَارَةُ فِي اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ: هِيَ تَقْلِيبُ الْمَالِ، أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَرَضِ الرِّبْحِ.وَهِيَ فِي الْأَصْلِ: مَصْدَرٌ دَالٌّ عَلَى الْمِهْنَةِ، وَفِعْلُهُ تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْرًا وَتِجَارَةً.

دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ التِّجَارَةِ:

2- الْأَصْلُ فِي التِّجَارَةِ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}.

وَقَوْلُهُ- صلى الله عليه وسلم-: «التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ».

3- وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ، لِأَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُ بَعْضُهُمْ إِلَى مَا فِي أَيْدِي بَعْضٍ، وَهَذِهِ سُنَّةُ الْحَيَاةِ، وَتَشْرِيعُ التِّجَارَةِ وَتَجْوِيزُهَا هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى وُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى غَرَضِهِ، وَدَفْعِ حَاجَتِهِ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْبَيْعُ:

4- الْبَيْعُ: مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ تَمْلِيكًا وَتَمَلُّكًا، أَمَّا التِّجَارَةُ فَهِيَ: عِبَارَةٌ عَنْ شِرَاءِ الشَّخْصِ شَيْئًا لِيَبِيعَهُ بِالرِّبْحِ.فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قَصْدُ الِاسْتِرْبَاحِ فِي التِّجَارَةِ، سَوَاءٌ تَحَقَّقَ أَمْ لَا.

ب- السَّمْسَرَةُ:

5- السَّمْسَرَةُ لُغَةً: هِيَ التِّجَارَةُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: السِّمْسَارُ لَفْظٌ أَعْجَمِيٌّ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعَالِجُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِيهِمْ عَجَمًا، فَتَلَقَّوْا هَذَا الِاسْمَ عَنْهُمْ، فَغَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى التِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ.

وَالسَّمْسَرَةُ اصْطِلَاحًا: هِيَ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، وَالسِّمْسَارُ هُوَ: الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُتَوَسِّطًا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى الدَّلاَّلَ، لِأَنَّهُ يَدُلُّ الْمُشْتَرِيَ عَلَى السِّلَعِ، وَيَدُلُّ الْبَائِعَ عَلَى الْأَثْمَانِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6- التِّجَارَةُ مِنَ الْمِهَنِ الْمَعِيشِيَّةِ، الَّتِي يُمَارِسُهَا الْإِنْسَانُ بِغَرَضِ الْكَسْبِ، وَهُوَ كَسْبٌ مَشْرُوعٌ لِأَنَّهُ يَسُدُّ حَاجَاتِ الْمُجْتَمَعِ فَتَدْخُلُ أَصَالَةً فِي دَائِرَةِ الْإِبَاحَةِ، وَقَدْ تَطْرَأُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ: كَالْوُجُوبِ، وَالْحُرْمَةِ، وَالْكَرَاهَةِ إِلَخْ.حَسَبَ الظُّرُوفِ وَالْمُلَابَسَاتِ الَّتِي تُصَادِفُهَا.

وَيَعْنِي الْفُقَهَاءُ بِالْأَحْكَامِ الْمُتَّصِلَةِ بِالتِّجَارَةِ (بِالْإِضَافَةِ إِلَى كُتُبِ الْفِقْهِ الْأَسَاسِيَّةِ) بِمَا يُورِدُونَهُ فِي كُتُبِ الْحِسْبَةِ، وَكُتُبِ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَكُتُبِ الْفَتَاوَى، وَخَصَّهَا بَعْضُهُمْ بِالتَّأْلِيفِ كَالسَّرَخْسِيِّ فِي كِتَابِهِ «الِاكْتِسَابُ فِي الرِّزْقِ الْمُسْتَطَابِ»، وَأَبُو بَكْرٍ الْخَلاَّلُ فِي «كِتَابِ التِّجَارَةِ».وَقَدِ اُسْتُحْدِثَتْ أَوْضَاعٌ وَتَنْظِيمَاتٌ تِجَارِيَّةٌ يُعْرَفُ حُكْمُهَا مِمَّا وَضَعَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ قَوَاعِدَ عَامَّةٍ وَمَا تَعَرَّضُوا إِلَيْهِ مِنْ أَحْكَامٍ.

كَمَا يَتَنَاوَلُ الْفُقَهَاءُ بَعْضَ أَحْكَامٍ خَاصَّةٍ بِمَالِ التِّجَارَةِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْعُرُوضِ، كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيمَا لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ، كَالْبَزِّ وَالْعَقَارَاتِ، وَتَغَيُّرِ النَّوْعِ الْمُخْرَجِ وَقَدْرِهِ فِيمَا كَانَ زَكَوِيًّا مِنَ الْمَالِ فِي الْأَصْلِ إِذَا صَارَ لِلتِّجَارَةِ، كَالنَّعَمِ وَالْمُعَشَّرَاتِ، وَتَرِدُ بَعْضُ أَحْكَامٍ لِلتِّجَارَةِ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَاتِ الْأُخْرَى.

فَضْلُ التِّجَارَةِ:

7- التِّجَارَةُ مِنْ أَفْضَلِ طُرُقِ الْكَسْبِ، وَأَشْرَفِهَا إِذَا تَوَقَّى التَّاجِرُ طُرُقَ الْكَسْبِ الْحَرَامِ وَالْتَزَمَ بِآدَابِهَا.

جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «سُئِلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» قَالَ الشَّرْقَاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: قَوْلُهُ: «وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ» إِشَارَةٌ إِلَى التِّجَارَةِ.

الْمَحْظُورَاتُ فِي التِّجَارَةِ:

8- يَحْرُمُ فِي التِّجَارَةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ، وَتَرْوِيجُ السِّلْعَةِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ.فَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْمُصَلَّى، فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا، إِلاَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ».

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَدْ خَسِرُوا وَخَابُوا: قَالَ: الْمَنَّانُ، وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ، وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ».

9- وَمِنَ الْمَحْظُورَاتِ تَلَقِّي الْجَلَبِ: وَهُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْحَضَرِيُّ الْبَدَوِيَّ، قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى السُّوقِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَلَقِّي الرُّكْبَانِ).

10- وَمِنْهَا الِاحْتِكَارُ: لِحَدِيثِ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ».وَحَدِيثِ: «لَا يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ» وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (احْتِكَارٌ).

11- وَمِنْهَا: سَوْمُ الْمَرْءِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ: وَهُوَ أَنْ يَتَفَاوَضَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ، وَيَتَقَارَبَ الِانْعِقَادُ، فَيَجِيءَ آخَرُ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ تِلْكَ السِّلْعَةَ وَيُخْرِجَهَا مِنْ يَدِ الْأَوَّلِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ.

12- وَمِنْهَا: الْمُتَاجَرَةُ مَعَ الْعَدُوِّ بِمَا فِيهِ تَقْوِيَتُهُمْ عَلَى حَرْبِنَا كَالسِّلَاحِ وَالْحَدِيدِ، وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ، لِأَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ الْمُتَاجَرَةُ مَعَهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ.

آدَابُ التِّجَارَةِ:

13- مِنْ آدَابِ التِّجَارَةِ: السَّمَاحَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَالُ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ، وَتَرْكُ الْمُشَاحَّةِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ بِالْمُطَالَبَةِ.

وَالْآثَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ سَهْلًا إِذَا بَاعَ، سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى، سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى»

14- وَمِنْ آدَابِهَا: تَرْكُ الشُّبُهَاتِ كَالِاتِّجَارِ فِي سُوقٍ يَخْتَلِطُ الْحَرَامُ فِيهِ بِالْحَلَالِ، وَكَالتَّعَامُلِ مَعَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، لِحَدِيثِ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: أَمِنَ الْحَلَالِ هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ؟، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ».

15- وَمِنْهَا: تَحَرِّي الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ.جَاءَ فِي الْأَثَرِ «التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ».

16- وَمِنْهَا: التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ لِحَدِيثِ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ، فَإِنَّهَا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ».

17- وَمِنْهَا: التَّبْكِيرُ بِالتِّجَارَةِ.رَوَى صَخْرٌ الْغَامِدِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» وَقِيلَ: إِنَّ صَخْرًا كَانَ رَجُلًا تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تُجَّارَهُ بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ.

وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ:

18- تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ التِّجَارَةِ.وَمَالُ التِّجَارَةِ: كُلُّ مَا قُصِدَ الِاتِّجَار بِهِ عِنْدَ اكْتِسَابِ الْمِلْكِ بِمُعَاوَضَةٍ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ مَيْمُونٍ وَطَاوُسٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ.

وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ التَّاجِرِ الْمُدِيرِ (وَهُوَ مَنْ يَبِيعُ بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ وَيَخْلُفُ بِغَيْرِهِ، كَأَرْبَابِ الْحَوَانِيتِ) فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ حَوْلٍ، وَبَيْنَ التَّاجِرِ الْمُحْتَكِرِ وَهُوَ مَنْ يَرْصُدُ بِعَرْضِ التِّجَارَةِ السُّوقَ لِتَرْتَفِعَ الْأَثْمَانُ.فَهَذَا لَا زَكَاةَ عَلَى تِجَارَتِهِ إِلاَّ بِالتَّنْضِيضِ (تَحَوُّلُ السِّلْعَةِ إِلَى نَقْدٍ) وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ.

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِمَّا نُعِدُّهُ لِلْبَيْعِ».وَخَبَرِ: «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ».

وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي عَيْنِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهَا تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحَوْلَ وَالنِّصَابَ مُعْتَبَرَانِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ.

وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ: (زَكَاةٌ) زَكَاةُ عُرُوضِ التِّجَارَةِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


21-موسوعة الفقه الكويتية (جباية)

جِبَايَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْجِبَايَةُ فِي اللُّغَةِ: الْجَمْعُ وَالتَّحْصِيلُ يُقَالُ: جَبَيْتُ الْمَالَ وَالْخَرَاجَ أَجْبِيهِ جِبَايَةً، جَمَعْتُهُ، وَجَبَوْتُهُ أَجْبُوهُ جِبَاوَةً مِثْلُهُ، وَالْجَابِيَةُ حَوْضٌ ضَخْمٌ

وَالْجَابِي: هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ الْخَرَاجَ، وَكَذَا مَنْ يَجْمَعُ الْمَاءَ لِلْإِبِلِ، وَالْجِبَاوَةُ: اسْمُ الْمَاءِ الْمَجْمُوعِ

وَلَا يَخْرُجُ اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الْحِسَابُ:

2- الْحِسَابُ هُوَ الْعَمَلُ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَبْطِ الْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُهُ الْجُبَاةُ، وَمَعْرِفَةِ مَوْرِدِهِ وَمَصْرِفِهِ، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، إِحْصَاءُ الْمَالِ وَعَدُّهُ، وَالْحِسَابُ، مِنْ وَسَائِلِ ضَبْطِ الْجِبَايَةِ.

ب- الْخَرْصُ:

3- الْخَرْصُ تَقْدِيرُ مَا عَلَى النَّخْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ ثَمَرٍ، بِالظَّنِّ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَرْصِ وَالْجِبَايَةِ، أَنَّ الْخَارِصَ عَمَلُهُ التَّقْدِيرُ، وَالْجَابِي عَمَلُهُ الْجَمْعُ.

ج- الْعِرَافَةُ:

4- الْعِرَافَةُ وَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: تَدْبِيرُ الْقَوْمِ وَالْقِيَامُ عَلَى سِيَاسَتِهِمْ، وَالْعَرِيفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ الَّذِي يُعَرِّفُ الْجَابِيَ أَرْبَابَ الصَّدَقَاتِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُمْ.

د- الْكِتَابَةُ:

5- الْكِتَابَةُ: تَقْيِيدُ مَا يَدْفَعُهُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ مِنَ الصَّدَقَةِ.وَهِيَ مِنْ وَسَائِلِ ضَبْطِ الْجِبَايَةِ.

حُكْمُ الْجِبَايَةِ:

6- جِبَايَةُ مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ.قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالَّذِي يَلْزَمُهُ (أَيِ الْإِمَامَ) مِنَ الْأُمُورِ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ..ثُمَّ أَوْرَدَ مِنْهَا: «جِبَايَةَ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ نَصًّا وَاجْتِهَادًا مِنْ غَيْرِ عَسْفٍ».

مَحَلُّ الْجِبَايَةِ:

الْجِبَايَةُ تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي تَرِدُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ كَبَعْضِ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَأَمْوَالِ الْفَيْءِ.وَفِيمَا يَلِي مَا يَتَعَلَّقُ بِجِبَايَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا.

أ- جِبَايَةُ الزَّكَاةِ:

7- جِبَايَةُ الزَّكَاةِ وَاجِبَةٌ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ»؛ وَلِأَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْخَلُ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَأْخُذُ.

وَعَمَلُ الْجَابِي إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي وَلاَّهُ الْإِمَامُ جِبَايَتَهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا لِلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَهِيَ تَشْمَلُ الْعَامِلِينَ عَلَى جِبَايَتِهَا، وَذَكَرُوا أَيْضًا مَا يَسْتَحِقُّهُ الْعَامِلُ مِنْ جَابٍ وَغَيْرِهِ مُقَابِلَ عَمَلِهِ، وَذَكَرُوا أَيْضًا الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي تَتِمُّ بِهَا جِبَايَةُ الزَّكَاةِ.وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ النِّقَاطِ التَّالِيَةِ:

أَوَّلًا- شُرُوطُ الْجَابِي:

ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لِلْجَابِي شُرُوطًا هِيَ:

أ- الْإِسْلَامُ:

8- اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الْجَابِي وَغَيْرُهُ فِي الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ وِلَايَةٌ فَاشْتُرِطَ فِيهَا الْإِسْلَامُ كَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يُشْتَرَطُ إِسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَجْرًا مُقَابِلَ جِبَايَتِهِ.

ب- أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا:

9- وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْجَابِي بَالِغًا عَاقِلًا لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ لِلْقَبْضِ؛ وَلِأَنَّ عَمَلَهُ وِلَايَةٌ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا وِلَايَةَ لَهُ.

ج- الْكِفَايَةُ:

10- ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْحَنَابِلَةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ أَهْلِيَّتُهُ لِلْقِيَامِ بِعَمَلِهِ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَحَمُّلِ أَعْبَائِهِ، فَإِنَّ الْأَمَانَةَ وَحْدَهَا لَا تَفِي مَا لَمْ يَصْحَبْهَا الْقُوَّةُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْكِفَايَةُ فِيهِ.

د- الْعِلْمُ بِأَحْكَامِ مَا يُجْبَى مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا:

11- ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ مِنْ جَابٍ وَغَيْرِهِ عَالِمًا بِحُكْمِهَا لِئَلاَّ يَأْخُذَ غَيْرَ الْوَاجِبِ أَوْ يُسْقِطَ وَاجِبًا، أَوْ يَدْفَعَ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ يَمْنَعَ مُسْتَحِقًّا.وَعِبَارَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ: وَلَا يَبْعَثُ إِلاَّ فَقِيهًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُؤْخَذُ وَمَا لَا يُؤْخَذُ، وَيَحْتَاجُ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَعْرِضُ مِنْ مَسَائِلِ الزَّكَاةِ وَأَحْكَامِهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْعَامِلَ إِنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ، أَيْ مِنَ الَّذِينَ يُفَوَّضُ إِلَيْهِمْ عُمُومُ الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ مُنَفِّذًا وَقَدْ عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ مَا يَأْخُذْهُ جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- «كَانَ يَبْعَثُ الْعُمَّالَ وَيَكْتُبُ لَهُمْ مَا يَأْخُذُونَ» وَكَذَلِكَ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَّالِهِ.

هـ- الْعَدَالَةُ وَالْأَمَانَةُ:

12- ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجَعَلَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ الْأَمَانَةَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَالْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ أَنْ لَا يَكُونَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ، وَالْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ هُنَا كَمَا جَاءَ فِي الدُّسُوقِيِّ وَالْخَرَشِيِّ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ عَدَالَةُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا يَفْعَلُهُ، فَعَدَالَةُ الْمُفَرِّقِ فِي تَفْرِقَتِهَا، وَالْجَابِي فِي جِبَايَتِهَا، وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا عَدَالَةُ الشَّهَادَةِ أَوِ الرِّوَايَةِ.وَالْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ بِحُكْمِهَا شَرْطَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْعَمَلِ وَالْإِعْطَاءِ مِنَ الزَّكَاةِ.

و- كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ آلِ الْبَيْتِ:

13- يَجُوزُ اتِّفَاقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اسْتِعْمَالُ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى الصَّدَقَاتِ إِنْ دُفِعَتْ إِلَيْهِمْ أُجْرَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ مَا يَأْخُذُونَهُ عَلَى عَمَلِهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ.فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِعْطَائِهِمْ عَنِ الْعَمَلِ مِنْهَا تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَنْ شُبْهَةِ أَخْذِ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ «الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ، وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ سَأَلَا النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- الْعِمَالَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لآِلِ مُحَمَّدٍ» وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ.

وَجَوَّزَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ كَوْنَ الْعَامِلَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَأَنْ يُعْطَى عَلَى عَمَلِهِ مِنْ سَهْمِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ عَنْ عَمَلِهِ.

وَذَهَبَ الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ ذَوِي الْقُرْبَى فِي الْأَعْمَالِ الْأُخْرَى لِلزَّكَاةِ كَالْحِرَاسَةِ وَالسَّوْقِ؛ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ مَحْضَةٌ.

ثَانِيًا- مِقْدَارُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُقَابِلَ عَمَلِهِ:

14- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ مِنْ جَابٍ وَغَيْرِهِ يَسْتَحِقُّ أَجْرًا عَلَى عَمَلِهِ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مُقَابِلَ عَمَلِهِ، وَفِي كَوْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِالثَّمَنِ، وَفِي كَوْنِ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةً.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَابِيَ فِي الصَّدَقَةِ يُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ زَادَ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ نَقَصَ وَإِنْ جَاوَزَتْ كِفَايَتُهُ نِصْفَ مَا جَمَعَ مِنَ الزَّكَاةِ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ، وَإِنَّمَا يُعْطَى كِفَايَتَهُ لِأَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ لِمَصْلَحَةِ الْفُقَرَاءِ، فَيَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي الزَّكَاةِ كَالْمُقَاتِلَةِ وَالْقَاضِي، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ مِنَ الزَّكَاةِ إِنَّمَا يَأْخُذُهُ عِمَالَةً؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إِلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنَ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إِذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ، إِلاَّ أَنَّ فِيهِ شِبْهَ الصَّدَقَةِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ.وَلِذَا لَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يُوَازِيهِ فِي الْكَرَامَةِ، كَمَا لَا تَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَوْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ رِزْقَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ.

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْجَابِيَ يَأْخُذُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَلَا تَتَقَيَّدُ تِلْكَ الْأُجْرَةُ بِالثُّمُنِ وَلَا بِالنِّصْفِ، بَلْ إِنَّ الزَّكَاةَ تُدْفَعُ كُلُّهَا لَهُ إِنْ لَمْ يَفِ بَعْضُهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ الْجُبَاةَ لَا تُدْفَعُ أُجُورُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ إِلاَّ بِوَصْفِ الْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ أَخَذُوا أُجُورَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مُقَابِلَ عَمَلِهِمْ، وَمِثْلُ الْجُبَاةِ فِي هَذَا حُرَّاسُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، أَوْ حُرَّاسُ زَكَاةِ الْمَالِ، وَأَمَّا مَا سِوَى هَؤُلَاءِ مِنَ الْعَامِلِينَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أُجُورَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ بِأَحَدِ وَصْفَيْنِ: الْفَقْرُ، أَوِ الْعَمَلُ، أَوْ بِهِمَا مَعًا.

إِنْ لَمْ يَفِ أَحَدُهُمَا بِالْأُجْرَةِ، وَلَا يَأْخُذُ الْجَابِي Cعِنْدَهُمْ بِوَصْفِ الْعَزْمِ إِذَا كَانَ مِدْيَانًا بِإِعْطَاءِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُهَا فَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ.

وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وُجُوبُ صَرْفِ جَمِيعِ الزَّكَاةِ إِلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، مَعَ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ حِصَصِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ ثُمُنُ مَا جُمِعَ مِنَ الزَّكَاةِ.

وَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جَابٍ وَغَيْرِهِ قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَلَّ أَمْ كَثُرَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَهُوَ الثُّمُنُ قَدْرَ أُجْرَتِهِ فَقَطْ أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ أَخَذَ أُجْرَتَهُ وَالْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْأَصْنَافِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلْأَصْنَافِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ وَجَبَ إِتْمَامُ أُجْرَتِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي تُتَمَّمُ مِنْهَا تِلْكَ الْأُجْرَةُ أَرْبَعَ طُرُقٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يُتَمَّمُ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ وَهَذَا الْخِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ التَّتْمِيمِ مِنْ سِهَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ.

وَأَمَّا بَيْتُ الْمَالِ فَيَجُوزُ التَّتْمِيمُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، فَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَجْعَلَ أُجْرَةَ الْعَامِلِ كُلَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَقْسِمَ جَمِيعَ الزَّكَوَاتِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ جَازَ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ، صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ، وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ لِلْإِمَامِ تَعْيِينَ أُجْرَةِ الْجَابِي قَبْلَ بَعْثِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ عُمَرَ- رضي الله عنه- سَاعِيًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أُجْرَةً فَلَمَّا جَاءَ أَعْطَاهُ» فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ أُجْرَةً دَفَعَهَا إِلَيْهِ.وَإِلاَّ دَفَعَ إِلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ.وَيَدْفَعُ مِنْهَا أُجْرَةَ الْحَاسِبِ، وَالْكَاتِبِ، وَالْعَدَّادِ، وَالسَّائِقِ، وَالرَّاعِي، وَالْحَافِظِ، وَالْحَمَّالِ، وَالْكَيَّالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا فَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبَدْءُ بِالْعَامِلِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ، وَغَيْرُهُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ.

ثَالِثًا- كَيْفِيَّةُ جِبَايَةِ الزَّكَاةِ:

15- الْمَالُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ وَمِنْهُ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ، فَالْمَالُ الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ Cفِيهِ الْحَوْلُ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ لَا يُجْبَى إِلاَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ وَقْتُ إِدْرَاكِ الثِّمَارِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ.وَلَكِنْ يُخْرَصُ، أَيْ يُقَدَّرُ مَا فِيهِ مِنَ الثَّمَرِ لِتَحْدِيدِ الْوَاجِبِ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ.وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ: (خَرْصٌ).

وَأَمَّا الْمَالُ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ كَزَكَاةِ النَّعَمِ مَثَلًا، فَإِنَّ السَّاعِيَ يُعَيِّنُ شَهْرًا مُحَدَّدًا مِنَ السَّنَةِ يَأْتِي فِيهِ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لِجِبَايَةِ زَكَاتِهِ.

وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ هُوَ الْمُحَرَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَيُسْتَحَبُّ عَدُّ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْأَفْنِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ النَّاسِ عَلَى مِيَاهِهِمْ، أَوْ عِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ» وَإِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْمَالِ بِعَدَدِهِ قَبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكْمُلِ الْحَوْلُ أَوْ فَرَّقْتُ زَكَاتَهُ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْهُ قَبِلَ مِنْهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ كَرَائِمَ الْمَالِ «لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» وَذَلِكَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُوَاسَاةٌ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْإِجْحَافَ بِمَالِ الْأَغْنِيَاءِ.وَلَا يَأْخُذُ مِنْ أَرْدَئِهَا بَلْ يَأْخُذُ الْوَسَطَ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْجَابِي إِذَا قَبَضَ الصَّدَقَةَ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُزَكِّي لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَةٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» وَلَا يَجِبُ الدُّعَاءُ.قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- السُّعَاةَ؛ وَلِأَنَّ سَائِرَ مَا يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ مِنَ الْكَفَّارَاتِ وَالدُّيُونِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الدُّعَاءُ، فَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ خَاصًّا بِهِ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ سَكَنًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ.

وَمِنَ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أَبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْطِي أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ Cاجْعَلْهَا مَغْنَمًا وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا.

وَنُقِلَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ دُعَاءَ قَابِضِ الصَّدَقَةِ لِدَافِعِهَا وَاجِبٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْآيَةِ لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}.

رَابِعًا- جِبَايَةُ الْفَيْءِ:

16- الْفَيْءُ مِنْ مَوَارِدِ بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ.

وَيَشْمَلُ الْفَيْءُ عَدَدًا مِنَ الْأَمْوَالِ مِنْهَا مَا هَرَبَ عَنْهُ الْكُفَّارُ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَمِنْهَا الْجِزْيَةُ، وَالْخَرَاجُ، وَالْعُشُورُ.

أ- جِبَايَةُ الْجِزْيَةِ:

17- الْجِزْيَةُ لُغَةً: اسْمٌ لِلْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَاصْطِلَاحًا عِبَارَةٌ عَنْ وَظِيفَةٍ أَوْ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنَ الْكَافِرِ فِي كُلِّ عَامٍ مُقَابِلَ إِقَامَتِهِ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ.

أَمَّا الْإِنَابَةُ فِي أَدَائِهَا وَمِقْدَارُهَا وَمَتَى تَجِبُ وَعَلَى مَنْ تَجِبُ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ مُصْطَلَحِ: (جِزْيَةٌ).

18- وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ جِبَايَتِهَا فَقَدْ أَوْرَدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمُ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ صُوَرًا لِكَيْفِيَّةِ الصَّغَارِ مِنْهَا: الْوَارِدُ فِي الْآيَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ وَهُوَ قَائِمٌ، وَيَكُونُ الْقَابِضُ قَاعِدًا، وَتَكُونُ يَدُ الْقَابِضِ أَعْلَى مِنْ يَدِ الذِّمِّيِّ، وَيَقُولُ لَهُ الْقَابِضُ أَعْطِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ: إِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَفْسِيرُ الصَّغَارِ بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَجَرَيَانِهَا عَلَيْهِمْ، وَنَقَلَ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ نَحْوَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَقَدْ قَالَ: إِنْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ أَخَذَهَا بِأَحْمَالٍ وَلَمْ يُضَرَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يَنَلْهُ بِقَوْلٍ قَبِيحٍ.قَالُوا: وَأَشَدُّ الصَّغَارِ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَيُضْطَرَّ إِلَى احْتِمَالِهِ.

وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يُعَذَّبُونَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ.

فَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: مَرَّ هِشَامُ بْنُ Cحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ بِالشَّامِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالُوا: حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ هِشَامٌ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا».

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: أَحْسَبُهُ الْجِزْيَةَ فَقَالَ: إِنِّي لأَظُنُّكُمْ قَدْ أَهْلَكْتُمُ النَّاسَ؟ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذْنَا إِلاَّ عَفْوًا صَفْوًا قَالَ: بِلَا سَوْطٍ وَلَا نَوْطٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ.قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَلَى يَدِيَّ وَلَا فِي سُلْطَانِي.

ب- جِبَايَةُ الْخَرَاجِ:

19- الْخَرَاجُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلْكِرَاءِ وَالْغَلَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مَا وُضِعَ عَلَى رِقَابِ الْأَرْضِ مِنْ حُقُوقٍ تُؤَدَّى عَنْهَا لِبَيْتِ الْمَالِ.وَالْأَرْضُ الْمُخْتَصَّةُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا هِيَ الَّتِي صُولِحَ عَلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَرْضِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ وَلَنَا عَلَيْهَا الْخَرَاجُ.وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا.

فَأَمَّا مِقْدَارُ الْخَرَاجِ الْمَأْخُوذِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (خَرَاجٌ).

ج- جِبَايَةُ عُشُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ:

20- الْعُشْرُ ضَرِيبَةٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَتَرَدَّدُونَ بِهَا مُتَاجِرِينَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَدْخُلُونَ بِهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ يَنْتَقِلُونَ بِهَا مِنْ بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، تُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ مَرَّةً مَا لَمْ يَخْرُجُوا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَعُودُوا إِلَيْهَا مِثْلُهَا عُشُورُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنَ التُّجَّارِ كَذَلِكَ إِذَا دَخَلُوا بِتِجَارَتِهِمْ إِلَيْنَا مُسْتَأْمِنِينَ.

مَا يُشْتَرَطُ فِي جَابِي الْخَرَاجِ:

21- يُرْسِلُ الْإِمَامُ بَعْضَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِيُقَدِّرَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْأَرَضِينَ الْخَرَاجِيَّةِ مِنَ الْخَرَاجِ فَإِذَا اسْتَقَرَّ ذَلِكَ وَعُلِمَ يُرْسِلُ الْإِمَامُ مَنْ يَجْبِي الْخَرَاجَ فِي مَوْعِدِهِ حَسَبَ التَّقْدِيرِ السَّابِقِ، وَيُشْتَرَطُ فِي مَنْ يَقُومُ بِجِبَايَةِ عُمُومِ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَمْوَالِ الْفَيْءِ مِنْ خَرَاجٍ وَغَيْرِهِ، الْإِسْلَامُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالِاضْطِلَاعُ بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ Cيَكُونَ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ مَا اسْتَقَرَّ بِوَضْعِ غَيْرِهِ.

فَإِنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ أَمْوَالِ الْفَيْءِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَا وَلِيَهُ مِنْهَا، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو حَالُهُ عَنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ لَا يَسْتَغْنِيَ فِيهِ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ فِيهِ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ اعْتُبِرَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ مَعَ اضْطِلَاعِهِ بِشُرُوطِ مَا وَلِيَ مِنْ مِسَاحَةٍ أَوْ حِسَابٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا وَلَا عَبْدًا لِأَنَّ فِيهَا وِلَايَةً، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِنَابَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ الْمَأْمُورِ.وَأَمَّا كَوْنُهُ ذِمِّيًّا فَيُنْظَرُ فِيمَا رُدَّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ، فَإِنْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَرَاجِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رِقَابِ الْأَرَضِينَ إِذَا صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَفِي جَوَازِ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا وَجْهَانِ.هَذَا وَإِذَا بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْعَامِلِ فَقَبَضَ مَالَ الْفَيْءِ مَعَ فَسَادِ وِلَايَتِهِ بَرِئَ الدَّافِعُ مِمَّا عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُ مَأْذُونٌ لَهُ، وَإِنْ فَسَدَتْ وِلَايَتُهُ وَجَرَى فِي الْقَبْضِ مَجْرَى الرَّسُولِ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَفَسَادِهَا أَنَّ لَهُ الْإِجْبَارَ عَلَى الدَّفْعِ مَعَ صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَلَهُ الْإِجْبَارَ مَعَ فَسَادِهَا، فَإِنْ نُهِيَ عَنِ الْقَبْضِ مَعَ فَسَادِ وِلَايَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَبْضُ وَلَا الْإِجْبَارُ وَلَمْ يَبْرَأَ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ إِذَا عَلِمَ بِنَهْيِهِ.وَفِي بَرَاءَتِهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْيِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى عَزْلِ الْوَكِيلِ إِذَا تَصَرَّفَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَزْلِ.

هَذَا وَيُعَيِّنُ الْجَابِي شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ لِجِبَايَةِ تِلْكَ الْأَمْوَالِ، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ مُقَابِلَ عَمَلِهِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَيُقَدِّمُهُ الْإِمَامُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ آلِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-.

مُحَاسَبَةُ الْإِمَامِ لِلْجُبَاةِ:

22- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مُحَاسَبَةُ الْجُبَاةِ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ» وَهُوَ أَصْلٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْجُبَاةِ.

وَيَجِبُ عَلَى الْجُبَاةِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ مَعَ الْإِمَامِ فَلَا يُخْفُوا شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الَّذِي جَمَعُوهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمَانَةِ.وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواCأَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

وَقَدْ تَوَعَّدَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَدِيِّ أَبِي عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ: وَمَا لَكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ: وَأَنَا أَقُولُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى».

وَلَيْسَ لِلْجُبَاةِ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ بَعْضَهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ، وَمَا أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ يُرَدُّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ حِينَ قَدِمَ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَقَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، بَلْ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عَفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ «.

(

C

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


22-موسوعة الفقه الكويتية (جزية 3)

جِزْيَةٌ -3

36- وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْنَافِ عَقْدٍ أَمْ يَكْفِي عَقْدُ أَبِيهِ

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي عَقْدُ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَتَنَاوَلُ الْبَالِغِينَ وَمَنْ سَيَبْلُغُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَمْ يُفْرِدُوا كُلَّ مَنْ بَلَغَ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْتِزَامِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الذِّمَّةَ عُقِدَتْ لَهُ، وَإِنِ اخْتَارَ اللَّحَاقَ لِمَأْمَنِهِ أُجِيبَ إِلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ الْبُلُوغُ فِي أَوَّلِ حَوْلِ قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فِي آخِرِهِ مَعَهُمْ، وَإِذَا كَانَتْ فِي أَثْنَائِهِ أُخِذَ مِنْهُ فِي آخِرِهِ بِقِسْطِهِ.

ثَانِيًا: الْعَقْلُ:

37- نَقَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ اتِّفَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ مَجَانِينِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هَذَا إجْمَاعٌ، لَكِنَّ ابْنَ رُشْدٍ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمَجْنُونِ، وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ نَقْلًا عَنِ الْبَيَانِ وَجْهًا ضَعِيفًا لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُ كَالْمَرِيضِ وَالْهَرِمِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

ثَالِثًا: الذُّكُورَةُ:

38- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُضْرَبُ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.لِمَا سَبَقَ مِنَ الْأَدِلَّةِ.

رَابِعًا: الْحُرِّيَّةُ:

39- جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَبْدُ مَمْلُوكًا لِمُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.وَقَدْ نَقَلَ هَذَا الِاتِّفَاقَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ وَابْنُ قُدَامَةَ وَابْنُ رُشْدٍ.

لِأَنَّ الْجِزْيَةَ شُرِعَتْ بَدَلًا عَنِ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ، وَعَنِ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا، وَالْعَبْدُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِدُونِ دَفْعِ الْجِزْيَةِ.وَالْعَبْدُ أَيْضًا لَا تَلْزَمُهُ النُّصْرَةُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهَا، فَإِذَا امْتَنَعَ الْأَصْلُ فِي حَقِّهِ امْتَنَعَ الْبَدَلُ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ.

وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِسَيِّدٍ كَافِرٍ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ سَيِّدِهِ الْكَافِرِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: لَا تَشْتَرُوا رَقِيقَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلَا مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ خَرَاجٍ يَبِيعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا يُقِرَّنَّ أَحَدُكُمْ بِالصَّغَارِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ.

قَالَ أَحْمَدُ: أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ الْجِزْيَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا اشْتَرَاهُ سَقَطَ عَنْهُ أَدَاءُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَالذِّمِّيُّ يُؤَدِّي عَنْهُ وَعَنْ مَمْلُوكِهِ خَرَاجَ جَمَاجِمِهِمْ.

وَلِأَنَّ الْعَبْدَ ذَكَرٌ مُكَلَّفٌ قَوِيٌّ مُكْتَسِبٌ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ كَالْحُرِّ.

خَامِسًا: الْمَقْدِرَةُ الْمَالِيَّةُ:

40- اشْتَرَطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِوُجُوبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الْمَقْدِرَةُ الْمَالِيَّةُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ الْعَاجِزِ عَنِ الْعَمَلِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ.وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَقِيرِ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ غَيْرِ مَشْهُورٍ لَهُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًاإلاَّ وُسْعَهَا} وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْفَقِيرَ الْعَاجِزَ عَنِ الْكَسْبِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَدْفَعَ الْجِزْيَةَ، وَمَتَى كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يُكَلَّفُ بِهَا.وَقَدْ وَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُكْتَسِبِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا.

فَقَدْ فَرَضَهَا عُمَرُ- رضي الله عنه- عَلَى طَبَقَاتٍ ثَلَاثٍ أَدْنَاهَا الْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ، فَدَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ.وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ ((، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَهُوَ إِجْمَاعٌ.

وَقَالُوا: إِنَّ الْجِزْيَةَ مَالٌ يَجِبُ بِحُلُولِ الْحَوْلِ، فَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ الْعَاجِزَ عَنِ الْكَسْبِ كَالزَّكَاةِ وَالدِّيَةِ.

وَأَنَّ الْعَاجِزَ عَنِ الْأَدَاءِ مَعْذُورٌ شَرْعًا فِيمَا هُوَ حَقُّ الْعِبَادِ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةُ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فَفِي الْجِزْيَةِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ، كَمَا تُوضَعُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ، إِلاَّ أَنَّ غَيْرَ الْمُعْتَمِلِ تَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ، فَإِذَا أَيْسَرَ طُولِبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ جِزْيَةٍ.وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} وَعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ: «أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا».

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ بَدَلٌ عَنِ الْقَتْلِ، وَالسُّكْنَى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُفَارِقِ الْمَعْذُورُ فِيهَا غَيْرَهُ، فَتُؤْخَذُ مِنَ الْفَقِيرِ كَمَا تُؤْخَذُ مِنَ الْغَنِيِّ.

سَادِسًا: أَلَا يَكُونَ مِنَ الرُّهْبَانِ الْمُنْقَطِعِينَ لِلْعِبَادَةِ فِي الصَّوَامِعِ:

41- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرُّهْبَانَ الْمُخَالِطِينَ لِلنَّاسِ، وَالْمُشَارِكِينَ لَهُمْ فِي الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ وَالْمَكَايِدِ الْحَرْبِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَهُمْ أَوْلَى بِهَا مِنْ عَوَامِّهِمْ، فَإِنَّهُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ عُلَمَائِهِمْ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الرُّهْبَانِ الَّذِينَ انْقَطَعُوا لِلْعِبَادَةِ فِي الصَّوَامِعِ، وَلَمْ يُخَالِطُوا النَّاسَ فِي مَعَايِشِهِمْ وَمَسَاكِنِهِمْ.

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُفْرَضُ عَلَيْهِمْ.وَسَوَاءٌ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ أَمْ غَيْرَ قَادِرِينَ؛ لِأَنَّ الرُّهْبَانَ لَا يُقْتَلُونَ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ، لِمَا جَاءَ فِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَجَّهَهُ إِلَى الشَّامِ: لَا تَقْتُلْ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَسَتَمُرُّونَ عَلَى أَقْوَامٍ فِي الصَّوَامِعِ احْتَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا، فَدَعْهُمْ حَتَّى يُمِيتَهُمُ اللَّهُ عَلَى ضَلَالَتِهِمْ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا فَحَصُوا عَنْ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ فَاضْرِبْ مَا فَحَصُوا عَنْهُ بِالسَّيْفِ.

فَإِذَا كَانَ الرَّاهِبُ لَا يُقْتَلُ فَهُوَ مَحْقُونُ الدَّمِ بِدُونِ عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِحَقْنِ الدَّمِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ؛ وَلِأَنَّ الرَّاهِبَ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تُرِكَ لَهُ مِنَ الْمَالِ الْيَسِيرُ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ إِذَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ.قَالَ أَبُو يُوسُفَ: «الْمُتَرَهِّبُونَ الَّذِينَ فِي الدِّيَارَاتِ إِذَا كَانَ لَهُمْ يَسَارٌ أُخِذَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْيَسَارِ مِنْهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الصَّوَامِعِ إِنْ كَانَ لَهُمْ غِنًى وَيَسَارٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ صَيَّرُوا مَا كَانَ لَهُمْ لِمَنْ يُنْفِقُهُ عَلَى الدِّيَارَاتِ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْمُتَرَهِّبِينَ وَالْقُوَّامِ أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ».

وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَيَّدَ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنَ الرُّهْبَانِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِأَمْرَيْنِ:

الْأَوَّلُ- أَنَّ الْمُعْتَمِلَ إِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، فَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ الصَّالِحَةَ لِلزِّرَاعَةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا الْخَرَاجُ بِتَعْطِيلِ الْمَالِكِ لَهَا عَنِ الزِّرَاعَةِ، فَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ إِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ.

هَذَا بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ عَلَى عَدَمِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الرَّاهِبِ، فَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَحَمَلُوهَا عَلَى الرَّاهِبِ غَيْرِ الْمُعْتَمِلِ الَّذِي يَعِيشُ عَلَى صَدَقَاتِ الْمُوسِرِينَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ يَنْقَطِعُونَ لِلْعِبَادَةِ فِي الْأَدْيِرَةِ وَالصَّوَامِعِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مُوسِرِينَ أَوْ غَيْرَ مُوسِرِينَ، قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ أَمْ غَيْرَ قَادِرِينَ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَهُوَ يَشْمَلُ الرُّهْبَانَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَلِ وَغَيْرَ الْقَادِرِينَ، الْمُوسِرِينَ وَغَيْرَ الْمُوسِرِينَ.وَبِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ بَالِغٍ كَحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ: «أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا».وَحَدِيثِ عُمَرَ السَّابِقِ: «وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلاَّ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى»، وَبِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ عَلَى كُلِّ رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ».

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَالرَّاهِبُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِحَقْنِ الدَّمِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالرَّاهِبُ كَغَيْرِهِ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ.سَابِعًا: السَّلَامَةُ مِنَ الْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ:

42- إِذَا أُصِيبَ الْمُطَالَبُ بِالْجِزْيَةِ بِعَاهَةٍ مُزْمِنَةٍ، كَالْمَرَضِ، أَوِ الْعَمَى، أَوِ الْكِبَرِ الْمُقْعِدِ عَنِ الْعَمَلِ وَالْقِتَالِ، فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ أَمْ لَا؟

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَوْ كَانُوا مُوسِرِينَ.وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}.

فَفَحْوَى الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْخِطَابِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ، إِذِ الْقِتَالُ لَا يَكُونُ إِلاَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَمَنْ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ مِنَ الْمُحْتَرِفِينَ، وَلِذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ: كَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَالْمَفْلُوجِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ الْفَانِي: سَوَاءٌ أَكَانَ مُوسِرًا أَمْ غَيْرَ مُوسِرٍ؛ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِمَّنْ أُبِيحَ قَتْلُهُ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقْتَلُونَ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنَ الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَالشُّيُوخِ الْكِبَارِ إِذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُصَابِينَ بِالْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ أَهْلٌ لِلْقِتَالِ، إِذْ إِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إِذَا كَانُوا ذَوِي رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ، كَمَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِمْ.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ، وَوُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُصَابِينَ أَكْثَرُ مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَلِ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةُ إِذَا كَانُوا مُوسِرِينَ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا مُعْسِرِينَ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ- رضي الله عنه- وَأَهْلِ الْحِيرَةِ: «وَجَعَلْتُ لَهُمْ أَيُّمَا شَيْخٍ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ، أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنَ الْآفَاتِ، أَوْ كَانَ غَنِيًّا فَافْتَقَرَ وَصَارَ أَهْلُ دَيْنِهِ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ طُرِحَتْ جِزْيَتُهُ، وَعِيلَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَعِيَالُهُ مَا أَقَامَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى غَيْرِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِهِمْ.

وَمَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مِنَ الْمُصَابِينَ بِالْعَاهَاتِ الْمُزْمِنَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مُوسِرِينَ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَهُوَ يَشْمَلُ الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانَ وَالشُّيُوخَ الْكِبَارَ.

وَبِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ، كَحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ.الَّذِي أَمَرَهُ فِيهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، وَحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ السَّابِقِ: «وَلَا يَضْرِبُوهَا إِلاَّ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى»، وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ الدَّمِ، وَهَؤُلَاءِ كَغَيْرِهِمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِحَقْنِ الدَّمِ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ بِتِلْكَ الْإِصَابَاتِ، وَأَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَؤُلَاءِ كَغَيْرِهِمْ فِي الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ، فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ، كَمَا أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ.

ضَبْطُ أَسْمَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَصِفَاتِهِمْ فِي دِيوَانٍ:

43- يَسْتَوْفِي الْعَامِلُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفْقَ دِيوَانٍ يَشْتَمِلُ عَلَى أَسْمَائِهِمْ وَصِفَاتِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُهَذَّبِ: » وَيُثْبِتُ الْإِمَامُ عَدَدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَسْمَاءَهُمْ، وَيُحَلِّيهِمْ بِالصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ بِالْأَيَّامِ فَيَقُولُ: طَوِيلٌ، أَوْ قَصِيرٌ، أَوْ رَبْعَةٌ، وَأَبْيَضُ، أَوْ أَسْوَدُ، أَوْ أَسْمَرُ، أَوْ أَشْقَرُ، وَأَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَوْ مَقْرُونُ الْحَاجِبَيْنِ، أَوْ أَقْنَى الْأَنْفِ.

وَيَكْتُبُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَجْعَلُ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ عَرِيفًا، لِيَجْمَعَهُمْ عِنْدَ أَخْذِ الْجِزْيَةِ، وَيَكْتُبُ مَنْ يَدْخُلُ مَعَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ بِالْبُلُوغِ، وَمَنْ يَخْرُجُ مِنْهُمْ بِالْمَوْتِ.

مِقْدَارُ الْجِزْيَةِ:

44- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ الْجِزْيَةِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ، وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ وَضْعَهَا عَلَى الْكُفَّارِ إِذَا فَتَحَ بِلَادَهُمْ عَنْوَةً.

فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ: الْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ مُعَيَّنٌ بَلْ تَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَقَادِيرِ الْجِزْيَةِ الصُّلْحِيَّةِ مِنْ مَجْمُوعَةٍ إِلَى مَجْمُوعَةٍ أُخْرَى.

فَقَدْ «صَالَحَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ، وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إِلَى الْمُسْلِمِينَ».

«وَأَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، وَعَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ».

وَصَالَحَ عُمَرُ- رضي الله عنه- بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا ضِعْفَ زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ.رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ التَّغْلِبِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ- أَنَّ عُمَرَ- رضي الله عنه- لَمَّا صَالَحَهُمْ- يَعْنِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ- عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ قَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ، وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ- يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ- فَقَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: لَا، هَذِهِ فَرْضُ الْمُسْلِمِينَ.قَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْتَ بِهَذَا الِاسْمِ، لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَعَّفَ عَلَيْهِمِ الصَّدَقَةُ.وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «سَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ».

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ وَهِيَ مُقَدَّرَةُ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَضَعَ فِي الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا.

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: «وَنَصْبُ الْمَقَادِيرِ بِالرَّأْيِ لَا يَكُونُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ عُمَرَ اعْتَمَدَ السَّمَاعَ مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذْنَا بِهِ» وَقَدْ فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْجِزْيَةِ عَلَى خَرَاجِ الْأَرْضِ، فَقَدْ جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَى مِقْدَارِ الطَّاقَةِ، وَاخْتَلَفَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَطَاقَتِهَا الْإِنْتَاجِيَّةِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ وَالْإِمْكَانِ، فَتَخْتَلِفُ بِحَسَبِ طَاقَةِ الشَّخْصِ وَإِمْكَانَاتِهِ الْمَالِيَّةِ.

وَبِأَنَّ الْجِزْيَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ عِوَضًا عَنِ النُّصْرَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَالنُّصْرَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَتَفَاوَتُ، فَالْفَقِيرُ يَنْصُرُ دَارَ الْإِسْلَامِ رَاجِلًا، وَمُتَوَسِّطُ الْحَالِ يَنْصُرُهَا رَاجِلًا وَرَاكِبًا، وَالْمُوسِرُ يَنْصُرُهَا بِالرُّكُوبِ بِنَفْسِهِ وَإِرْكَابِ غَيْرِهِ.فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْجِزْيَةُ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ الشَّخْصِ وَإِمْكَانَاتِهِ الْمَالِيَّةِ.

45- وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُرَادِ بِالْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَهُوَ فَقِيرٌ.وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهُوَ مِنَ الْأَوَاسِطِ.وَمَنْ مَلَكَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا، فَهُوَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّهُمَا قَالَا: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ كَنْزٌ.

وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ: مَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا فَهُوَ فَقِيرٌ، وَمَنْ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إِلَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ فَهُوَ مِنَ الْأَوْسَاطِ، وَمَنْ مَلَكَ زِيَادَةً عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ فَهُوَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ.

وَالثَّالِثُ: مَا قَالَهُ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ: مَنْ كَانَ يَمْلِكُ قُوتَهُ وَقُوتَ عِيَالِهِ وَزِيَادَةً فَهُوَ مُوسِرٌ، وَإِنْ مَلَكَ بِلَا فَضْلٍ فَهُوَ الْوَسَطُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ الْكِفَايَةِ فَهُوَ الْفَقِيرُ الْمُعْتَمِلُ أَوِ الْمُكْتَسِبُ.

وَالرَّابِعُ: مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ: «الْمُوسِرُ»: مِثْلُ الصَّيْرَفِيِّ، وَالْبَزَّازِ، وَصَاحِبِ الضَّيْعَةِ، وَالتَّاجِرِ، وَالْمُعَالِجِ، وَالطَّبِيبِ، وَكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِيَدِهِ صِنَاعَةٌ وَتِجَارَةٌ يَحْتَرِفُ بِهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ صِنَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى قَدْرِ صِنَاعَتِهِمْ وَتِجَارَتِهِمْ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْمُوسِرِ، وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا مِنَ الْوَسَطِ، مَنِ احْتَمَلَتْ صِنَاعَتُهُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَمَنِ احْتَمَلَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا أُخِذَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا عَلَى الْعَامِلِ بِيَدِهِ: مِثْلِ الْخَيَّاطِ وَالصَّبَّاغِ وَالْإِسْكَافِ وَالْخَرَّازِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ.

وَالْخَامِسُ: مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: إِنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فِي ذَلِكَ، فَصَاحِبُ خَمْسِينَ أَلْفًا بِبَلْخٍ يُعَدُّ مِنَ الْمُكْثِرِينَ، وَفِي الْبَصْرَةِ لَا يُعَدُّ مُكْثِرًا.فَهُوَ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ عُرْفُهَا، فَمَنْ عَدَّهُ النَّاسُ فِي بَلَدِهِمْ فَقِيرًا، أَوْ وَسَطًا، أَوْ غَنِيًّا فَهُوَ كَذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ الْمَوْصِلِيُّ: «وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إِلَى حَالِ أَهْلِهِ، وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ عَادَةَ الْبِلَادِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ».

46- وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ ضَرْبَانِ: صُلْحِيَّةٌ، وَعَنْوِيَّةٌ:

فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ: الْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي عُقِدَتْ مَعَ الَّذِينَ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَبِلَادَهُمْ مِنْ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَالِ، وَهِيَ تَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الطَّرَفَانِ.وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهَا وَلَا أَكْثَرِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الصُّلْحِيَّ إِنْ بَذَلَ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَى الْعَنْوِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقَاتِلَهُ.وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةِ الْحَنَفِيَّةِ السَّابِقَةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي تُفْرَضُ عَلَى أَهْلِ الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً، وَتُقَدَّرُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْلِ الْفِضَّةِ، بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.وَنَحْوُ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا أَنَّهَا عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذِهِ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَيُرْجَعُ إِلَى الْعُرْفِ مِنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ.

وَقَدِ اسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ، وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.قَالَ الْبَاجِيُّ الْمُرَادُ بِأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَقْوَاتُ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِالضِّيَافَةِ ضِيَافَةُ الْمُجْتَازِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتِمَالِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ.وَأَمَّا أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَالضِّيَافَةُ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: «أَرَى أَنْ تُوضَعَ عَنْهُمُ الْيَوْمَ الضِّيَافَةُ وَالْأَرْزَاقُ، لِمَا حَدَثَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَوْرِ»، وَذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَنَقَلَ الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْبَاجِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ إِنِ انْتَفَى الظُّلْمُ فَلَا تَسْقُطُ.

47- وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ ذَهَبِيٌّ خَالِصٌ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّرَاضِي مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ فِي حَالَةِ الْقُوَّةِ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الدِّينَارِ، بَلْ تُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ فِي الزِّيَادَةِ: بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ إِنْ ظَنَّ إِجَابَتَهُمْ إِلَيْهَا، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَهُ إِلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَلَا مَعْنَى لِلْمُمَاكَسَةِ.وَفِي حَالَةِ الضَّعْفِ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّرَاضِي مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَقَلَّ مِنَ الدِّينَارِ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ: «أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنَ الْمَعَافِرِ».

فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِ الْجِزْيَةِ بِالدِّينَارِ مِنَ الذَّهَبِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ غَنِيًّا أَمْ مُتَوَسِّطًا أَمْ فَقِيرًا.

وَقَدْ أَخَذَهَا النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ «أَيْلَةَ»، حَيْثُ «قَدِمَ يُوحَنَّا بْنُ رُؤْبَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فِي تَبُوكَ، وَصَالَحَهُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ بِأَرْضِهِ فِي السَّنَةِ دِينَارًا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ قِرَى مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».

وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ أَلْفَيْ حُلَّةٍ نِصْفُهَا فِي صَفَرٍ وَالْبَقِيَّةُ فِي رَجَبٍ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أُخِذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ دِينَارٌ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ دِينَارًا كُلَّ سَنَةٍ» وَاسْتَدَلُّوا لِجَوَازِ عَقْدِهَا مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ بِأَنَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا: «أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ» فَإِذَا كَانَ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.

48- وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ- نَقَلَهَا عَنْهُ الْأَثْرَمُ-: أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْجِزْيَةِ إِلَى الْإِمَامِ، فَلَهُ أَنْ يُزِيدَ وَيُنْقِصَ عَلَى قَدْرِ طَاقَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى مَا يَرَاهُ.وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ الْخَلاَّلُ: الْعَمَلُ فِي قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي ذَلِكَ وَيُنْقِصَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، فَاسْتَقَرَّ قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.فَلَفْظُ الْجِزْيَةِ فِي الْآيَةِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى عَلَى إِطْلَاقِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا كَانَ وَلِيَّ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْقِدَ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَقْدًا عَلَى الْجِزْيَةِ بِمَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.

وَلِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَمَرَ مُعَاذًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا وَصَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ، النِّصْفُ فِي صَفَرٍ وَالْبَاقِي فِي رَجَبٍ».

وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجِزْيَةَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَصَالَحَ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى ضِعْفِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزَّكَاةِ.

فَهَذَا الِاخْتِلَافُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَخْتَلِفَ.وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ: مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَجَلِ الْيَسَارِ.

وَلِأَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ عَلَى الْأَمَانِ ضَرْبَانِ: هُدْنَةٌ وَجِزْيَةٌ، فَلَمَّا كَانَ الْمَأْخُوذُ هُدْنَةً إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، فَكَذَلِكَ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةً.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ، فَلَمْ تَتَقَدَّرْ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ كَالْأُجْرَةِ.

اسْتِيفَاءُ الْجِزْيَةِ:

وَقْتُ اسْتِيفَاءِ الْجِزْيَةِ:

49- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنَ الذِّمِّيِّ إِلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ وَلَا تَتَكَرَّرُ.وَالسَّنَةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا هِيَ السَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُرَادَةُ شَرْعًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَمَّا إِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ كَوْنَهَا شَمْسِيَّةً أَوْ قَمَرِيَّةً فَيَجِبُ اتِّبَاعُ مَا عَيَّنَهُ.

وَقْتُ وُجُوبِ الْجِزْيَةِ:

50- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الِالْتِزَامِ بِالْجِزْيَةِ عَقِبَ عَقْدِ الذِّمَّةِ مُبَاشَرَةً، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: تَجِبُ بِالْعَقْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ كَالْأُجْرَةِ، فَكَلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ مِنَ الْحَوْلِ اسْتَقَرَّ قِسْطُهَا مِنْ جِزْيَةِ الْحَوْلِ، حَتَّى تَسْتَقِرَّ جِزْيَةُ الْحَوْلِ كُلِّهِ بِانْقِضَائِهِ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ مَنْفَعَةِ حَقْنِ الدَّمِ، فَتَجِبُ بِالْعَقْدِ وُجُوبًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، وَتَسْتَقِرُّ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَالْأُجْرَةِ.

51- وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ آخِرُ الْحَوْلِ.وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا وَقَعَ مِنَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْجِزْيَةِ، فَقَدْ ضَرَبَهَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمَجُوسِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ، وَلَمْ يُطَالِبْهُمْ بِأَدَائِهَا فِي الْحَالِ، بَلْ كَانَ يَبْعَثُ رُسُلَهُ وَسُعَاتَهُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ لِجِبَايَتِهَا.

رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ».

وَتَدُلُّ سِيرَةُ الْخُلَفَاءِ وَالْأُمَرَاءِ بَعْدَ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَثُونَ الْجُبَاةَ فِي آخِرِ الْعَامِ لِجِبَايَةِ الْجِزْيَةِ.فَبَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- أَبَا هُرَيْرَةَ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَدِمَ بِمَالٍ كَثِيرٍ.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ، فَوَجَبَ بِآخِرِهِ كَالزَّكَاةِ.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ جَزَاءً عَلَى تَأْمِينِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَلَا تَجُوزُ الْمُطَالَبَةُ بِهَا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي طُولِ السَّنَةِ.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، فَتَجِبُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا كَالصَّلَاةِ، وَلِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

فَجَعَلَ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ غَايَةً لِرَفْعِ الْقِتَالِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ظَاهِرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَقَدْ حَظَرَ إِبَاحَةَ قُرْبِهِنَّ إِلاَّ بَعْدَ وُجُودِ طُهْرِهِنَّ، وَكَذَلِكَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لَا تُعْطِ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، مَنْعُ الْإِعْطَاءِ إِلاَّ بَعْدَ دُخُولِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ مُوجِبَةٌ لِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ مُزِيلَةٌ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ.

وَلِقَوْلِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ: «أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا- صلى الله عليه وسلم- أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ» فَوَقْتُ وُجُوبِ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَقِبَ الْعَقْدِ مُبَاشَرَةً.

وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنِ الْقَتْلِ فِي حَقِّهِمْ، فَتَجِبُ فِي الْحَالِ كَالْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ.وَلِأَنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ سُلِّمَ لَهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ الْعِوَضُ عَلَيْهِمْ كَالثَّمَنِ.وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا مِنَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَاضِي، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ نُصْرَةَ الْمَاضِي يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِانْقِضَائِهِ.فَإِذَا تَعَذَّرَ إِيجَابُ الْجِزْيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ تَجِبُ فِي أَوَّلِهِ.

تَعْجِيلُ الْجِزْيَةِ:

52- الْمَقْصُودُ بِتَعْجِيلِ الْجِزْيَةِ: اسْتِيفَاؤُهَا مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعْجِلَ أَخْذَ الْجِزْيَةِ أَوْ يَسْتَسْلِفَهَا؟

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ، إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِهَا لِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِرِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَالْخَرَاجِ، وَلِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ دِمَائِهِمْ فَأَشْبَهَتِ الْأُجْرَةَ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ تَعْجِيلِهَا، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بِرِضَا أَهْلِ الذِّمَّةِ.وَاسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْجِزْيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الزَّكَاةَ إِلاَّ بِرِضَا رَبِّ الْمَالِ، بَلِ الْجِزْيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِلسُّقُوطِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ، فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ أَثْنَاءَ السَّنَةِ وَتَتَدَاخَلُ بِالِاجْتِمَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

تَأْخِيرُ الْجِزْيَةِ:

53- إِذَا تَأَخَّرَ الذِّمِّيُّ عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا.

فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَمَطَلَ بِهَا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَمَّا عُقُوبَتُهُمْ إِذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ فَجَائِزٌ، فَأَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ عَجْزِهِمْ فَلَا تَحِلُّ عُقُوبَتُهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْجِزْيَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


23-موسوعة الفقه الكويتية (دعاء)

دُعَاءٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الدُّعَاءُ لُغَةً مَصْدَرُ دَعَوْتُ اللَّهَ أَدْعُوهُ دُعَاءً وَدَعْوَى، أَيِ ابْتَهَلْتُ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ وَرَغِبْتُ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ.وَهُوَ بِمَعْنَى النِّدَاءِ يُقَالُ: دَعَا الرَّجُلَ دَعْوًا وَدُعَاءً أَيْ: نَادَاهُ، وَدَعَوْتُ فُلَانًا صِحْتُ بِهِ وَاسْتَدْعَيْتُهُ، وَدَعَوْتُ زَيْدًا نَادَيْتُهُ وَطَلَبْتُ إِقْبَالَهُ.وَدَعَا الْمُؤَذِّنُ النَّاسَ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ دَاعِي اللَّهِ، وَالْجَمْعُ: دُعَاةٌ وَدَاعُونَ.وَدَعَاهُ يَدْعُوهُ دُعَاءً وَدَعْوَى: أَيْ: رَغِبَ إِلَيْهِ، وَدَعَا زَيْدًا: اسْتَعَانَهُ، وَدَعَا إِلَى الْأَمْرِ: سَاقَهُ إِلَيْهِ.

وَالدُّعَاءُ فِي الِاصْطِلَاحِ: الْكَلَامُ الْإِنْشَائِيُّ الدَّالُّ عَلَى الطَّلَبِ مَعَ الْخُضُوعِ، وَيُسَمَّى أَيْضًا سُؤَالًا.

وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَقِيقَةُ الدُّعَاءِ اسْتِدْعَاءُ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ الْعِنَايَةَ وَاسْتِمْدَادُهُ إِيَّاهُ الْمَعُونَةَ، وَحَقِيقَتُهُ إِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ الَّتِي لَهُ، وَهُوَ سِمَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَإِظْهَارُ الذِّلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ، وَفِيهِ مَعْنَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، وَإِضَافَةُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ إِلَيْهِ.

2- وَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِمَعَانٍ مِنْهَا:

أ- الِاسْتِغَاثَةُ: كَمَا فِي قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}.

ب- الْعِبَادَةُ: كَمَا فِي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}.وقوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}.وقوله تعالى {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا}.

ج- النِّدَاءُ: وَمِنْهُ قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ}.وَقَوْلُهُ: {قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}.

د- الطَّلَبُ وَالسُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ: وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا فِي قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.وقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.

وَيُوَافِقُ هَذَا الْمَعْنَى مَا يُقَالُ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَدْعُوهُ دُعَاءً، أَيِ ابْتَهَلْتُ إِلَيْهِ بِالسُّؤَالِ، وَرَغِبْتُ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَالدَّاعِي اسْمُ الْفَاعِلِ مِنَ الدُّعَاءِ، وَالْجَمْعُ دُعَاةٌ، وَدَاعُونَ، مِثْلُ قَاضٍ وَقُضَاةٌ وَقَاضُونَ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الِاسْتِغْفَارُ:

3- الِاسْتِغْفَارُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى.

وَالْمَغْفِرَةُ فِي الْأَصْلِ السَّتْرُ، وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ طَلَبُ التَّجَاوُزِ عَنِ الذَّنْبِ، فَالْمُسْتَغْفِرُ يَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الْمَغْفِرَةَ، أَيْ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذَّنْبِ وَالتَّجَاوُزَ عَنْهُ.قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}.

وَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ، فَكُلُّ اسْتِغْفَارٍ دُعَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ دُعَاءٍ اسْتِغْفَارًا.

ب- الذِّكْرُ:

4- الذِّكْرُ هُوَ التَّلَفُّظُ بِالشَّيْءِ وَإِحْضَارُهُ فِي الذِّهْنِ بِحَيْثُ لَا يَغِيبُ عَنْهُ.

وَذِكْرُ اللَّهِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ شَامِلٌ لِلدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ.وَبِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ تَمْجِيدُ اللَّهِ وَتَقْدِيسُهُ وَذِكْرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا مُبَايِنٌ لِلدُّعَاءِ، وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (ذِكْرٌ).

حُكْمُ الدُّعَاءِ:

5- قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الطَّوَائِفِ كُلِّهَا مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ.

وَقَدْ يَكُونُ الدُّعَاءُ وَاجِبًا كَالدُّعَاءِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ.وَكَالدُّعَاءِ الْوَارِدِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَكَالدُّعَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.ر: (صَلَاةٌ، صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، خُطْبَةٌ).

ثُمَّ هَلِ الْأَفْضَلُ الدُّعَاءُ أَمِ السُّكُوتُ وَالرِّضَا بِمَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ؟

نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْقُشَيْرِيِّ قَوْلَهُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ الدُّعَاءُ أَمِ السُّكُوتُ وَالرِّضَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ».وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ إِظْهَارُ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: السُّكُوتُ تَحْتَ جَرَيَانِ الْحُكْمِ أَتَمُّ، وَالرِّضَا بِمَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ أَوْلَى.

وَقَالَ قَوْمٌ: يَكُونُ صَاحِبَ دُعَاءٍ بِلِسَانِهِ وَرِضًا بِقَلْبِهِ لِيَأْتِيَ بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا.

فَضْلُ الدُّعَاءِ:

6- وَرَدَ فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نُورِدُ بَعْضَهَا فِيمَا يَلِي:

قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وَمَعْنَى الْقُرْبِ هُنَا كَمَا نُقِلَ عَنِ الزَّرْكَشِيِّ، أَنَّهُ إِذَا أَخْلَصَ فِي الدُّعَاءِ، وَاسْتَغْرَقَ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ، امْتَنَعَ أَنْ يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ وَاسِطَةٌ، وَذَلِكَ هُوَ الْقُرْبُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.

وَرَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ».ثُمَّ قَرَأَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الْآيَةَ.

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ»

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ».

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَم عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «مَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «سَلُوا اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ».

أَثَرُ الدُّعَاءِ:

7- الدُّعَاءُ عِبَادَةٌ، وَلَهُ أَثَرٌ بَالِغٌ وَفَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْنَا الْحَقُّ عَزَّ وَجَلَّ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يَرْغَبِ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فِيهِ، فَكَمْ رُفِعَتْ مِحْنَةٌ بِالدُّعَاءِ، وَكَمْ مِنْ مُصِيبَةٍ أَوْ كَارِثَةٍ كَشَفَهَا اللَّهُ بِالدُّعَاءِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ جُمْلَةً مِنَ الْأَدْعِيَةِ اسْتَجَابَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ النَّصْرِ فِي بَدْرٍ دُعَاءُ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- وَالدُّعَاءُ سَبَبٌ أَكِيدٌ لِغُفْرَانِ الْمَعَاصِي، وَلِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ، وَلِجَلْبِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ.

وَمَنْ تَرَكَ الدُّعَاءَ فَقَدْ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ أَبْوَابًا كَثِيرَةً مِنَ الْخَيْرِ.

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا فَائِدَةُ الدُّعَاءِ وَالْقَضَاءُ لَا مَرَدَّ لَهُ؟ فَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْقَضَاءِ رَدُّ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ، فَالدُّعَاءُ سَبَبٌ لِرَدِّ الْبَلَاءِ وَاسْتِجْلَابِ الرَّحْمَةِ، كَمَا أَنَّ التُّرْسَ سَبَبٌ لِرَدِّ السِّهَامِ، وَالْمَاءُ سَبَبٌ لِخُرُوجِ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ، فَكَمَا أَنَّ التُّرْسَ يَدْفَعُ السَّهْمَ فَيَتَدَافَعَانِ، فَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ وَالْبَلَاءُ يَتَعَالَجَانِ.

وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الِاعْتِرَافِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُحْمَلَ السِّلَاحُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَسْقِيَ الْأَرْضَ بَعْدَ بَثِّ الْبَذْرِ، فَيُقَالُ: إِنْ سَبَقَ الْقَضَاءُ بِالنَّبَاتِ نَبَتَ الْبَذْرُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَمْ يَنْبُتْ، بَلْ رَبْطُ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبَّبَاتِ هُوَ الْقَضَاءُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، وَتَرْتِيبُ تَفْصِيلِ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى تَفَاصِيلِ الْأَسْبَابِ عَلَى التَّدْرِيجِ وَالتَّقْدِيرُ هُوَ الْقَدَرُ، وَالَّذِي قَدَّرَ الْخَيْرَ قَدَّرَهُ بِسَبَبٍ، وَالَّذِي قَدَّرَ الشَّرَّ قَدَّرَ لِرَفْعِهِ سَبَبًا، فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ عِنْدَ مَنِ انْفَتَحَتْ بَصِيرَتُهُ.

ثُمَّ فِي الدُّعَاءِ مِنَ الْفَائِدَةِ أَنَّهُ يَسْتَدْعِي حُضُورَ الْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ وَهُوَ مُنْتَهَى الْعِبَادَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ».

وَالْغَالِبُ عَلَى الْخَلْقِ أَنْ لَا تَنْصَرِفَ قُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ عِنْدَ إِلْمَامِ حَاجَةٍ وَإِرْهَاقِ مُلِمَّةٍ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ.

فَالْحَاجَةُ تُحْوِجُ إِلَى الدُّعَاءِ، وَالدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَلْبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ، فَيَحْصُلُ بِهِ الذِّكْرُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ.

وَلِذَلِكَ صَارَ الْبَلَاءُ مُوَكَّلًا بِالْأَنْبِيَاءِ- عليهم السلام-، ثُمَّ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، لِأَنَّهُ يَرُدُّ الْقَلْبَ بِالِافْتِقَارِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَمْنَعُ مِنْ نِسْيَانِهِ، وَأَمَّا الْغِنَى فَسَبَبٌ لِلْبَطَرِ فِي غَالِبِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَأْوِيلُ قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وَهُوَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ وُقُوعُ الْخُلْفِ فِيهِ؟ قِيلَ هَذَا مُضْمَرٌ فِيهِ الْمَشِيئَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} وَقَدْ يَرِدُ الْكَلَامُ بِلَفْظٍ عَامٍّ مُرَادُهُ خَاصٌّ، وَإِنَّمَا يُسْتَجَابُ مِنَ الدُّعَاءِ مَا وَافَقَ الْقَضَاءَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا تَظْهَرُ لِكُلِّ دَاعٍ اسْتِجَابَةُ دُعَائِهِ، فَعَلِمْتَ أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ.وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَى الِاسْتِجَابَةِ: أَنَّ الدَّاعِيَ يُعَوَّضُ مِنْ دُعَائِهِ عِوَضًا مَا، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ إِسْعَافًا بِطَلَبَتِهِ الَّتِي دَعَا لَهَا، وَذَلِكَ إِذَا وَافَقَ الْقَضَاءَ، فَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الْقَضَاءُ، فَإِنَّهُ يُعْطَى سَكِينَةً فِي نَفْسِهِ، وَانْشِرَاحًا فِي صَدْرِهِ، وَصَبْرًا يَسْهُلُ مَعَهُ احْتِمَالُ ثِقَلِ الْوَارِدَاتِ عَلَيْهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَعْدَمُ فَائِدَةَ دُعَائِهِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الِاسْتِجَابَةِ.

آدَابُ الدُّعَاءِ:

8- أ- أَنْ يَكُونَ مَطْعَمُ الدَّاعِي وَمَسْكَنُهُ وَمَلْبَسُهُ وَكُلُّ مَا مَعَهُ حَلَالًا.بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-:

«أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».

ب- أَنْ يَتَرَصَّدَ لِدُعَائِهِ الْأَوْقَاتَ الشَّرِيفَةَ كَيَوْمِ عَرَفَةَ مِنَ السَّنَةِ، وَرَمَضَانَ مِنَ الْأَشْهُرِ، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنَ الْأُسْبُوعِ، وَوَقْتَ السَّحَرِ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ.قَالَ تَعَالَى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».

ج- أَنْ يَغْتَنِمَ الْأَحْوَالَ الشَّرِيفَةَ.قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ زَحْفِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، فَاغْتَنِمُوا الدُّعَاءَ فِيهَا.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الصَّلَاةَ جُعِلَتْ فِي خَيْرِ السَّاعَاتِ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ.وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ».وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم- أَيْضًا: «الصَّائِمُ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُ»

وَبِالْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ شَرَفُ الْأَوْقَاتِ إِلَى شَرَفِ الْحَالَاتِ أَيْضًا، إِذْ وَقْتُ السَّحَرِ وَقْتُ صَفَاءِ الْقَلْبِ وَإِخْلَاصِهِ وَفَرَاغِهِ مِنَ الْمُشَوِّشَاتِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقْتُ اجْتِمَاعِ الْهِمَمِ وَتَعَاوُنِ الْقُلُوبِ عَلَى اسْتِدْرَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهَذَا أَحَدُ أَسْبَابِ شَرَفِ الْأَوْقَاتِ سِوَى مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارٍ لَا يَطَّلِعُ الْبَشَرُ عَلَيْهَا.وَحَالَةُ السُّجُودِ أَيْضًا أَجْدَرُ بِالْإِجَابَةِ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه-: قَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ»

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ تَعَالَى، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».

د- أَنْ يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ.رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَوْقِفَ بِعَرَفَةَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ.وَقَالَ سَلْمَانُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا» وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ.

هـ- أَنْ يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي آخِرِ الدُّعَاءِ.قَالَ عُمَرُ- رضي الله عنه-: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا مَدَّ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ».وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَعَا ضَمَّ كَفَّيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ».

فَهَذِهِ هَيْئَاتُ الْيَدِ، وَلَا يَرْفَعُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ.قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».

و- خَفْضُ الصَّوْتِ بَيْنَ الْمُخَافَتَةِ وَالْجَهْرِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}،

وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَالَ: «قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ كَبَّرَ، وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَالَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ- رضي الله عنها- فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} أَيْ بِدُعَائِك، وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا ( (حَيْثُ قَالَ: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}

ز- أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ السَّجْعَ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ حَالَ الدَّاعِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالَ مُتَضَرِّعٍ، وَالتَّكَلُّفُ لَا يُنَاسِبُهُ.قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ»، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، وَقِيلَ مَعْنَاهُ التَّكَلُّفُ لِلْأَسْجَاعِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجَاوِزَ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةَ، فَإِنَّهُ قَدْ يَعْتَدِي فِي دُعَائِهِ فَيَسْأَلُ مَا لَا تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَتُهُ، فَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُحْسِنُ الدُّعَاءَ، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَا يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ».

ح- التَّضَرُّعُ وَالْخُشُوعُ وَالرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} وَقَالَ {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.

ط- أَنْ يَجْزِمَ الدُّعَاءَ وَيُوقِنَ بِالْإِجَابَةِ.قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ».وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ».وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ».وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجَابَ دُعَاءَ شَرِّ الْخَلْقِ إِبْلِيسَ لَعَنَهُ اللَّهُ إِذْ {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ}.

ي- أَنْ يُلِحَّ فِي الدُّعَاءِ وَيُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا.قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «كَانَ- عليه الصلاة والسلام- إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا».

ك- أَنْ لَا يَسْتَبْطِئَ الْإِجَابَةَ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.فَإِذَا دَعَوْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ كَثِيرًا فَإِنَّكَ تَدْعُو كَرِيمًا».

ل- أَنْ يَفْتَتِحَ الدُّعَاءَ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَيْضًا، لِمَا وَرَدَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ».وَدَلِيلُ خَتْمِهِ بِذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ فَلِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ يَجْعَلُ مَاءَهُ فِي قَدَحِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ شَرِبَهُ، وَإِلاَّ صَبَّهُ، اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ كَلَامِكُمْ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ».

م- وَهُوَ الْأَدَبُ الْبَاطِنُ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْإِجَابَةِ:

التَّوْبَةُ وَرَدُّ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِكُنْهِ الْهِمَّةِ، فَذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ الْقَرِيبُ فِي الْإِجَابَةِ.

الدُّعَاءُ مَعَ التَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْعَمَلِ:

9- يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَقَعَ فِي شِدَّةٍ أَنْ يَدْعُوَ بِصَالِحِ عَمَلِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ..».الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ ضِمْنَ بَحْثِ (تَوَسُّلٌ- ف 7) تَعْمِيمُ الدُّعَاءِ:

10- يُسْتَحَبُّ تَعْمِيمُ الدُّعَاءِ لِقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: «يَا عَلِيُّ عَمِّمْ» وَلِحَدِيثِ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَدْعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَكَ لَوْ عَمَّمْتَ لَاسْتُجِيبَ لَكَ»

الِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ:

11- نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ بِقَوْلِهِ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «سَيَكُونُ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ».

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الْمُعْتَدِي هُوَ الْمُجَاوِزُ لِلْحَدِّ وَمُرْتَكِبُ الْحَظْرِ، وَقَدْ يَتَفَاضَلُ بِحَسَبِ مَا يُعْتَدَى فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاعْتِدَاءُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا الْجَهْرُ الْكَثِيرُ وَالصِّيَاحُ، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ أَنْ تَكُونَ لَهُ مَنْزِلَةُ نَبِيٍّ، أَوْ يَدْعُوَ بِمُحَالٍ وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الشَّطَطِ.وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَ طَالِبًا مَعْصِيَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ، وَالْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ كَنُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ ثِمَارًا مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ، كَمَا يَحْرُمُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكُفَّارِ.

الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ وَغَيْرِ الْمَأْثُورِ:

12- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ كُلِّ دُعَاءٍ دُنْيَوِيٍّ وَأُخْرَوِيٍّ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَأْثُورِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ.

الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ:

13- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُسَنُّ الدُّعَاءُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ، أَوْ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ السُّنَّةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ كَأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ، أَوِ اعْطِنِي كَذَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَنَاصِبِ.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ: يُسَنُّ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ بِخَيْرَيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ بِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُسْتَحِيلٍ أَوْ مُعَلَّقٍ، فَإِنْ دَعَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْعُوَ بِالْمَأْثُورِ.

طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ:

14- يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، فَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- فِي الْعُمْرَةِ، فَأَذِنَ، وَقَالَ: «لَا تَنْسَنَا يَا أَخِي مِنْ دُعَائِكَ» فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا.

فَضْلُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ:

15- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ}.وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ- صلى الله عليه وسلم-: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نُوحٍ- صلى الله عليه وسلم-: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ- رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ، وَلَكَ بِمِثْلٍ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ».

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ».

اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ:

16- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ».

وَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: «مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ».

الدُّعَاءُ لِلذِّمِّيِّ إِذَا فَعَلَ مَعْرُوفًا:

17- قَالَ النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لَهُ (أَيِ الذِّمِّيِّ) بِالْمَغْفِرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا لَا يُقَالُ لِلْكُفَّارِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالْهِدَايَةِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْعَافِيَةِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.

لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَسْقَى النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- فَسَقَاهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: جَمَّلَكَ اللَّهُ فَمَا رَأَى الشَّيْبَ حَتَّى مَاتَ». دُعَاءُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ أَوْ ظَلَمَ الْمُسْلِمِينَ:

18- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَنْتَصِرَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَكِنْ مَعَ اقْتِصَادٍ، إِنْ كَانَ الظَّالِمُ مُؤْمِنًا، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَأَرْسِلْ لِسَانَكَ وَادْعُ بِمَا شِئْتَ مِنَ الْهَلَكَةِ وَبِكُلِّ دُعَاءٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ.اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ».وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ سَمَّاهُمْ» وَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ دَعَا عَلَيْهِ جَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِرْضٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا بَدَنٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا مَالٌ مُحْتَرَمٌ.وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَ: سُرِقَ لَهَا شَيْءٌ فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم-: لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ» أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ الْعُقُوبَةَ بِدُعَائِكِ عَلَيْهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: اعْلَمْ أَنْ هَذَا الْبَابَ وَاسِعٌ جِدًّا، وَقَدْ تَظَاهَرَ عَلَى جَوَازِهِ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَفْعَالُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ بِدُعَائِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ- رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ: «مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا حَبَسُونَا وَشَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى».

وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ- رضي الله عنه-: أَنَّ «رَجُلًا أَكَلَ بِشِمَالِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: لَا اسْتَطَعْتَ» مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الرَّجُلُ هُوَ بُسْرٌ- بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ- ابْنُ رَاعِي الْعِيرِ الْأَشْجَعِيُّ، صَحَابِيٌّ، فَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ- رضي الله عنه- إِلَى عُمَرَ- رضي الله عنه-، فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ..وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ: أَرْسَلَ مَعَهُ عُمَرُ رِجَالًا أَوْ رَجُلًا إِلَى الْكُوفَةِ يَسْأَلُ عَنْهُ، فَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا، حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ، يُكَنَّى أَبَا سَعْدَةَ فَقَالَ: أَمَّا إِذَا نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا لَا يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلَا يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ.قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمُرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ.فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: شَيْخٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ.قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ الرَّاوِي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ فَيَغْمِزُهُنَّ.

وَعَنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ- رضي الله عنهما-، خَاصَمَتْهُ أَرْوَى بِنْتُ أَوْسٍ- وَقِيلَ: أُوَيْسٍ- إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَادَّعَتْ أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا، فَقَالَ سَعِيدٌ- رضي الله عنه-: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهَ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ».قَالَ مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا، فَقَالَ سَعِيدٌ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا، قَالَ: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ.

نَهْيُ الْمُكَلَّفِ عَنْ دُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ:

19- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ».

الْأَدْعِيَةُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ:

20- هُنَاكَ أَدْعِيَةٌ تُقَالُ أَثْنَاءَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَبَعْدَهَا، وَعِنْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ، وَالْخُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْحَاجَةِ، وَالِاسْتِخَارَةِ، تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا، وَأَدْعِيَةٌ تَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَأَثْنَاءَ الصِّيَامِ، وَعِنْدَ الْإِفْطَارِ، وَفِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ).

وَأَدْعِيَةٌ تُقَالُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ). وَأَدْعِيَةٌ تُقَالُ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ الزِّفَافِ تُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ).

وَهُنَاكَ أَدْعِيَةٌ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَعِنْدَ الْمُهِمَّاتِ، أُلِّفَتْ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، كَكِتَابِ الْأَذْكَارِ لِلنَّوَوِيِّ، وَعَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِلنَّسَائِيِّ، وَلِابْنِ السُّنِّيِّ وَغَيْرِهَا.

(

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


24-موسوعة الفقه الكويتية (زكاة 9)

زَكَاة -9

مَا يَنْبَغِي لِمُخْرِجِ الزَّكَاةِ مُرَاعَاتُهُ فِي الْإِخْرَاجِ:

133- أ- يُسْتَحَبُّ لِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُ الْجَيِّدِ مِنْ مَالِهِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ الْوَسَطُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَاتَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {لَنْتَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}.

134- ب- إِظْهَارُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَإِعْلَانُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ صَدَقَةَ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفْضُلُ عَلَانِيَتَهَا، يُقَالُ: بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَجَعَلَ صَدَقَةَ الْفَرِيضَةِ عَلَانِيَتَهَا أَفْضَلَ مِنْ سِرِّهَا، يُقَالُ: بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.

وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ إِظْهَارَ الْوَاجِبِ أَفْضَلُ.ا هـ.وَأَمَّا قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُواالصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فَهُوَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، نَظِيرُهَا الصَّلَاةُ، تَطَوُّعُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ، وَفَرِيضَتُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ.

135- ج- الْحَذَرُ مِنَ الْمَنِّ وَالرِّيَاءِ وَالْأَذَى، وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ مَا يُخْرَجُ مِنَ الْمَالِ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُحْبِطُ الْأَجْرَ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُواصَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.وَمِنْ هُنَا اسْتَحَبَّ الْمَالِكِيَّةُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يُخْرِجُهَا خَوْفَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ.

ج- اخْتِيَارُ الْمُزَكِّي مَنْ يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ:

136- إِعْطَاءُ الْمُسْتَحِقِّينَ الزَّكَاةَ لَيْسَ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْفَضْلِ، بَلْ يَتَمَايَزُ.

فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُزَكِّي إِيثَارُ الْمُضْطَرِّ أَيِ الْمُحْتَاجِ، عَلَى غَيْرِهِ، بِأَنْ يُزَادَ فِي إِعْطَائِهِ مِنْهَا دُونَ عُمُومِ الْأَصْنَافِ.

د- أَنْ لَا يُخْبِرَ الْمُزَكِّي الْفَقِيرَ أَنَّهَا زَكَاةٌ:

137- قِيلَ لِأَحْمَدَ: يَدْفَعُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: هَذَا مِنَ الزَّكَاةِ، أَوْ يَسْكُتُ؟ قَالَ: وَلِمَ يُبَكِّتْهُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ يُعْطِيهِ وَيَسْكُتُ، مَا حَاجَتُهُ إِلَى أَنْ يُقَرِّعَهُ؟ وَهَذَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ وَبِهِ صَرَّحَ اللَّقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ: لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ الْفَقِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ بِلِسَانِهِ شَيْئًا، كَالْهِبَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.قَالَ: وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ إِذَا دَفَعَهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّ وَلَمْ يَقُلْ هِيَ زَكَاةٌ، وَلَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ أَصْلًا فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ وَتَقَعُ زَكَاةً.لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَعْطَاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ أَنَّهَا زَكَاةٌ فَبَانَ الْآخِذُ غَنِيًّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.

التَّوْكِيلُ فِي أَدَاءِ الزَّكَاةِ:

138- يَجُوزُ لِلْمُزَكِّي أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ فِي أَدَاءِ زَكَاتِهِ، سَوَاءٌ فِي إِيصَالِهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، أَوْ فِي أَدَائِهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّ، سَوَاءٌ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ فَوَّضَ تَعْيِينَهُ إِلَى الْوَكِيلِ.

وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الْمُزَكِّي الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْثَقُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: التَّوْكِيلُ أَفْضَلُ خَشْيَةَ قَصْدِ الْمَحْمَدَةِ، وَيَجِبُ لِمَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْقَصْدَ، أَوْ يَجْهَلُ الْمُسْتَحِقِّينَ.قَالُوا: وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ صَرْفُهَا لِقَرِيبِ الْمُزَكِّي الَّذِي تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ كُرِهَ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْوَكِيلُ بَالِغًا عَاقِلًا، جَازَ التَّفْوِيضُ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ سَفِيهًا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، إِلاَّ إِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ وَعَيَّنَ لَهُ مَنْ يُعْطِيهِ الْمَالَ.

تَلَفُ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ:

139- مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَلَمْ يُخْرِجْهَا ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ، أَوْ تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْمُزَكِّي فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ تَلِفَ الْمَالُ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنَ النِّصَابِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ هَلَاكُهُ بَعْدَ طَلَبِ السَّاعِي فَقِيلَ: يَضْمَنُ، وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ.

قَالُوا: وَإِذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَالِ يَسْقُطُ مِنَ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ أَيْ بِنِسْبَةِ مَا هَلَكَ.

وَقَالُوا: إِنْ تَلِفَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ مَا كَانَ بِهِ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ قَبْلَ إِمْكَانِ الْأَدَاءِ بِلَا تَفْرِيطٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْأَدَاءُ وَفَرَّطَ ضَمِنَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ ضَيَاعُهُ بِتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ كُلِّ الْمَالِ، وَكَذَا إِنْ فَرَّطَ فِي الْإِخْرَاجِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ، بِأَنْ وَجَدَ الْمُسْتَحِقَّ، سَوَاءٌ طَلَبَ الزَّكَاةَ أَمْ لَمْ يَطْلُبْهَا، لِتَقْصِيرِهِ بِحَبْسِ الْحَقِّ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ.ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَّطَ زَكَّى الْبَاقِيَ فَقَطْ بِقِسْطِهِ، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ فَتَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي الْبَاقِي 5/ 4 شَاةٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ- وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ كُلِّ الْمَالِ، حَتَّى لَوْ ضَاعَ كُلُّهُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَسْقُطُ إِلاَّ بِالْأَدَاءِ، لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَعَهُمْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.

تَلَفُ الزَّكَاةِ بَعْدَ عَزْلِهَا:

140- لَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ وَنَوَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَتَلِفَتْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُورَةَ مَا لَوْ عَزَلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ الْمَالُ وَبَقِيَتِ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا وَلَا تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ.

الْقِسْمُ الرَّابِعُ: جَمْعُ الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ لِلزَّكَاةِ:

141- لِلْإِمَامِ حَقُّ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنَ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ (عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ يَأْتِي بَيَانُهُ).وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخَلِيفَتَانِ بَعْدَهُ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ مِنْ كُلِّ الْأَمْوَالِ، إِلَى أَنْ فَوَّضَ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- فِي خِلَافَتِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ عَنِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إِلَى مُلاَّكِهَا، كَمَا يَأْتِي.

وَدَلِيلُ ذَلِكَ قوله تعالى لِنَبِيِّهِ- صلى الله عليه وسلم-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ- رضي الله عنه-: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ وَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ.

وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَالْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يَبْعَثُونَ السُّعَاةَ، وَلِأَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ وَلَا يَعْرِفُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْخَلُ.وَالْوُجُوبُ هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْمَالِكِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}.

وَاَلَّذِينَ رَخَّصُوا لِلْإِمَامِ فِي عَدَمِ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ أَوْ مِنْ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، إِنَّمَا هُوَ إِذَا عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ إِنْسَانًا مِنَ النَّاسِ أَوْ جَمَاعَةً مِنْهُمْ لَا يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَخْذُهَا مِنْهُمْ وَلَوْ قَهْرًا، كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لِحِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا، وَمَنْعُ الزَّكَاةِ هَدْمٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ.

حُكْمُ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ:

142- الْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْعَادِلِ هُنَا مَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ بِحَقِّهَا، وَيُعْطِيهَا لِمُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ كَانَ جَائِرًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.

وَمَنْ دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ جَازَ، وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ اتِّفَاقًا.

وَلَوْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ وَتَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ الزُّرُوعُ، وَالْمَوَاشِي، وَالْمَعَادِنِ، وَنَحْوِهَا، وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالتِّجَارَاتُ.

فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَيَجِبُ دَفْعُهَا إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ طَالَبَهُمْ بِالزَّكَاةِ وَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهَا، وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى هَذَا، فَلَيْسَ لِلْمُزَكِّي إِخْرَاجُهَا بِنَفْسِهِ، حَتَّى لَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ لَمْ تُجْزِئْهُ.

وَلِأَنَّ مَا لِلْإِمَامِ قَبْضُهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ.

وَأَمَّا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لِلْإِمَامِ طَلَبُهَا، وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِلْآيَةِ.وَمَا فَعَلَهُ عُثْمَانُ- رضي الله عنه- أَنَّهُ فَوَّضَ إِلَى الْمُلاَّكِ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ، فَهُمْ نُوَّابُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الْإِمَامِ أَصْلًا، وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ بَلْدَةٍ لَا يُؤَدُّونَ زَكَاتَهُمْ طَالَبَهُمْ بِهَا.فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَطْلُبْهَا لَمْ يَجِبِ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: زَكَاةُ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ مُفَوَّضَةٌ لِأَرْبَابِهَا، فَلِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُوصِلَهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ وَسَائِرِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِنَفْسِهِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْجَدِيدُ الْمُعْتَمَدُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ: إِلَى أَنَّ الدَّفْعَ إِلَى الْإِمَامِ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ عَلَى السَّوَاءِ، فَيَجُوزُ لِلْمَالِكِ صَرْفُهَا إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مُبَاشَرَةً، قِيَاسًا لِلظَّاهِرَةِ عَلَى الْبَاطِنَةِ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِيصَالَ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ الْجَائِزِ تَصَرُّفُهُ، فَيُجْزِئُهُ، كَمَا لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إِلَى غَرِيمِهِ مُبَاشَرَةً، وَأَخْذُ الْإِمَامِ لَهَا إِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ.

ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْأَظْهَرِ: الصَّرْفُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمُسْتَحِقِّينَ، وَأَقْدَرُ عَلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ، وَبِهِ يَبْرَأُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

ثُمَّ قَالَ الْحَنَابِلَةُ: تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ، أَوْلَى وَأَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ إِيصَالٌ لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَيَسْلَمُ عَنْ خَطَرِ الْخِيَانَةِ مِنَ الْإِمَامِ أَوْ عُمَّالِهِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ مُبَاشَرَةَ تَفْرِيجِ كُرْبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَفِيهِ تَوْفِيرٌ لِأَجْرِ الْعِمَالَةِ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ إِعْطَاءِ مَحَاوِيجِ أَقْرِبَائِهِ، وَذَوِي رَحِمِهِ، وَصِلَتِهِمْ بِهَا، إِلاَّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَثِقْ بِأَمَانَةِ نَفْسِهِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِي، لِئَلاَّ يَمْنَعَهُ الشُّحُّ مِنْ إِخْرَاجِهَا.

أَمَّا لَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ الْعَادِلُ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ اتِّفَاقًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَالْخِلَافُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ جَمْعَ زَكَاةِ الْمَالِ الْبَاطِنِ لَا يُبِيحُ مَعْصِيَتَهُ فِي ذَلِكَ إِنْ طَلَبَهُ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، وَأَمْرُ الْإِمَامِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَحُكْمِ الْقَاضِي، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ إِنْ طَلَبَهَا فَادَّعَى الْمَالِكُ إِخْرَاجَهَا لَمْ يُصَدَّقْ.

دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى الْأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ، وَإِلَى الْبُغَاةِ:

143- إِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ الزَّكَاةَ قَهْرًا أَجْزَأَتْ عَنْ صَاحِبِهَا.

وَكَذَا إِنْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ الْمُزَكِّيَ فَخَافَ الضَّرَرَ إِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إِلَيْهِ.

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ، أَوْ عَلَى إِخْفَاءِ مَالِهِ، أَوْ إِنْكَارِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ حِينَئِذٍ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ عَنْ دَافِعِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَخَذَ الْخَوَارِجُ وَالسَّلَاطِينُ الْجَائِرُونَ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَزَكَاةِ السَّوَائِمِ وَالزُّرُوعِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ، فَإِنْ صَرَفُوهُ فِي مَصَارِفِهِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا إِعَادَةَ عَلَى الْمُزَكِّي، وَإِلاَّ فَعَلَى الْمُزَكِّي فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إِعَادَةُ إِخْرَاجِهَا.وَفِي حَالَةِ كَوْنِ الْآخِذِ لَهَا الْبُغَاةَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِهِمْ مِنَ الْبُغَاةِ، وَالْجِبَايَةُ بِالْحِمَايَةِ، وَيُفْتَى الْبُغَاةُ بِأَنْ يُعِيدُوا مَا أَخَذُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهَا إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ دَفَعَهَا إِلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ اخْتِيَارًا، فَدَفَعَهَا السُّلْطَانُ لِمُسْتَحِقِّهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَإِلاَّ لَمْ تُجْزِئْهُ.فَإِنْ طَلَبَهَا الْجَائِرُ فَعَلَى رَبِّهَا جَحْدُهَا وَالْهَرَبُ بِهَا مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ أَكْرَهَهُ جَازَ.

وَهَذَا إِنْ كَانَ جَائِرًا فِي أَخْذِهَا أَوْ صَرْفِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوِ الْبَاطِنَةِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ عَادِلًا فِيهَا وَجَائِرًا فِي غَيْرِهَا، فَيَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِنْ طَلَبَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ زَكَاةَ الْمَالِ الْبَاطِنِ، فَصَرْفُهَا إِلَيْهِ أَفْضَلُ، وَكَذَا زَكَاةُ الْمَالِ الظَّاهِرِ سَوَاءٌ لَمْ يَطْلُبْهَا أَوْ طَلَبَهَا، وَفِي التُّحْفَةِ إِنْ طَلَبَهَا وَجَبَ الدَّفْعُ إِلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ الْجَائِرِ وَالْبُغَاةِ وَالْخَوَارِجِ إِذَا غَلَبُوا عَلَى الْبَلَدِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوِ الْبَاطِنَةِ.

وَيَبْرَأُ الْمُزَكِّي بِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ، سَوَاءٌ صَرَفَهَا الْإِمَامُ فِي مَصَارِفِهَا أَوْ لَا.وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ.

إِرْسَالُ الْجُبَاةِ وَالسُّعَاةِ لِجَمْعِ الزَّكَاةِ وَصَرْفِهَا:

144- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَ السُّعَاةَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، وَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- يُوَلِّي الْعُمَّالَ ذَلِكَ وَيَبْعَثُهُمْ إِلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَدِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ- رضي الله عنه- عَلَيْهَا»، وَوَرَدَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يُرْسِلُونَ سُعَاتِهِمْ لِقَبْضِهَا.

وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاعِي مَا يَلِي:

1- أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا، فَلَا يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهَا كَافِرًا لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَفِيهَا تَعْظِيمٌ لِلْوَالِي.

2- وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا، أَيْ ثِقَةً مَأْمُونًا، لَا يَخُونُ وَلَا يَجُورُ فِي الْجَمْعِ، وَلَا يُحَابِي فِي الْقِسْمَةِ.

3- وَأَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي أُمُورِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا يُؤْخَذُ وَمَا لَا يُؤْخَذُ، وَمُحْتَاجٌ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ وَقَائِعِ الزَّكَاةِ.

4- وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ الْكِفَايَةُ، وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِالْعَمَلِ وَضَبْطِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ.

5- وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ، وَفِي هَذَا الشَّرْطِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

وَمَعْنَى اشْتِرَاطِهِ هُنَا عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْأَخْذِ مِنْهَا مُقَابِلَ عَمَلِهِ فِيهَا، فَلَوْ عَمِلَ بِلَا أَجْرٍ أَوْ أُعْطِيَ أَجْرَهُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَ، وَ (ر: آل، جِبَايَة).

وَالسُّعَاةُ عَلَى الزَّكَاةِ أَنْوَاعٌ فَمِنْهُمُ الْجَابِي: وَهُوَ الْقَابِضُ لِلزَّكَاةِ، وَالْمُفَرِّقُ: وَهُوَ الْقَاسِمُ، وَالْحَاشِرُ: وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ لِتُؤْخَذَ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ، وَالْكَاتِبُ لَهَا.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ، أَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يُرْسِلُ السُّعَاةَ لِجَبْيِ الزَّكَاةِ فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ إِخْرَاجُهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَقِّ فِيهَا وَالْإِمَامُ نَائِبٌ.

مَوْعِدُ إِرْسَالِ السُّعَاةِ:

145- الْأَمْوَالُ قِسْمَانِ: فَمَا كَانَ مِنْهَا لَا يُشْتَرَطُ لِزَكَاتِهِ الْحَوْلُ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالْمَعَادِنِ، فَهَذَا يُرْسِلُ الْإِمَامُ سُعَاتَهُ وَقْتَ وُجُوبِهَا، فَفِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ عِنْدَ إِدْرَاكِهَا بِحَيْثُ يَصِلُهُمْ وَقْتَ الْجُذَاذِ وَالْحَصَادِ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ الْخَرْصِ، أَمَّا الْخَارِصُ فَيُرْسَلُ عِنْدَ بَدْءِ ظُهُورِ الصَّلَاحِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: خَرْص).

وَمَا كَانَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحَوْلُ كَالْمَوَاشِي: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُمْ شَهْرًا مُعَيَّنًا مِنَ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ فِيهِ السَّاعِيَ كُلَّ عَامٍ.

حُقُوقُ الْعَامِلِينَ عَلَى الزَّكَاةِ:

146- الْعَامِلُ عَلَى الزَّكَاةِ يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ حَقَّهُ مِنَ الزَّكَاةِ نَفْسِهَا بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي السَّاعِي.

وَيَجُوزُ إِعْطَاؤُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، كَأَنْ يَكُونَ مِنْ آلِ الْبَيْتِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ، أَوْ يَكُونَ الْعَمَلُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ غَالِبًا كَالرَّاعِي وَالْحَارِسِ وَالسَّائِقِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُعْطَى الرَّاعِي وَالْحَارِسُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الزَّكَاةِ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَامِلِينَ.

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا غَيْرَ الْأَجْرِ الَّذِي يُعْطِيهِ إِيَّاهُ الْإِمَامُ، لِمَا فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى يَقُولُ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ الْأَمْوَالِ بِاسْمِ الْهَدِيَّةِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهُ وَيَسْتَأْثِرَ بِهِ، لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ- رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا مِنَ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي.قَالَ: فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ- أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ- ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ- اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، ثَلَاثًا».

دُعَاءُ السَّاعِي لِلْمُزَكِّي:

147- إِذَا أَخَذَ السَّاعِي الزَّكَاةَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَالِكِ، لقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاوَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} وَلِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى- رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى».وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: يَجِبُ ذَلِكَ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ.وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ.وَإِنْ شَاءَ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: لَا يَدْعُو بِالصَّلَاةِ عَلَى آلِ الْمُزَكِّي، بَلْ يَدْعُو بِغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ خَاصَّةٌ بِالْأَنْبِيَاءِ.

مَا يَصْنَعُ السَّاعِي بِالْمُمْتَنِعِ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ:

148- قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ السَّاعِي جَائِرًا فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ أَوْ صَرْفِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُ مَنِ امْتَنَعَ أَوْ أَخْفَى مَالَهُ أَوْ غَلَبَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ أَوِ الْمُخْفِيَ يَكُونُ بِذَلِكَ مَعْذُورًا.أَمَّا إِنْ كَانَ السَّاعِي عَادِلًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَوِ الْمُخْفِي، وَيُعَزِّرُهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا فَعَلَهُ شُبْهَةٌ مُعْتَبَرَةٌ.

وَلَوْ خَرَجَ عَلَى الْإِمَامِ قَوْمٌ فَلَمْ يَقْدِرِ السَّاعِي عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ حَتَّى مَضَتْ أَعْوَامٌ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ، يُؤْخَذُونَ بِزَكَاةِ مَا وُجِدَ مَعَهُمْ حَالَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ لِمَاضِي الْأَعْوَامِ وَلِعَامِ الْقُدْرَةِ، وَإِنِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا يُصَدَّقُونَ، لَكِنْ إِنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ لِمَنْعِهَا لَا يُصَدَّقُونَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ.

مَا يَصْنَعُ السَّاعِي عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَوْلِ عَلَى الْمُلاَّكِ:

149- قَالَ النَّوَوِيُّ: إِذَا وَصَلَ السَّاعِي إِلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَ حَوْلُ صَاحِبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ أَخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، وَإِنْ كَانَ حَوْلُ بَعْضِهِمْ لَمْ يَتِمَّ سَأَلَهُ السَّاعِي تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَالِكِ إِجَابَتُهُ، فَإِنْ عَجَّلَهَا بِرِضَاهُ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَجْبُرْهُ، ثُمَّ إِنْ رَأَى السَّاعِي الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَأْخُذُهَا عِنْدَ حُلُولِهَا وَيُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِهَا فَعَلَ.وَإِنْ رَأَى أَنْ يُؤَخِّرَهَا لِيَأْخُذَهَا مِنْهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَعَلَ، وَيَكْتُبُهَا كَيْ لَا يَنْسَاهَا أَوْ يَمُوتَ فَلَا يَعْلَمَهَا السَّاعِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَرْجِعَ فِي وَقْتِ حُلُولِهَا لِيَأْخُذَهَا فَعَلَ، وَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِ الْمَالِ جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إِلَيْهِ تَفْرِيقَهَا.

وَتَقَدَّمَ أَنَّ وُصُولَ السَّاعِي شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ، فَهُوَ يُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا يَمْلِكُونَهُ يَوْمَ وُصُولِهِ إِلَيْهِمْ.

حِفْظُ الزَّكَاةِ:

150- عَلَى السَّاعِي الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ.وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى مُسْتَحَقِّيهِ، أَوْ يُوصِلَهُ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ أَنْ يَتَّخِذَ حَارِسًا أَوْ رَاعِيًا وَنَحْوَهُمَا.

وَمِمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ وَسَائِلِ الْحِفْظِ وَسْمُ بَهَائِمِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا؛ وَلِئَلاَّ تَضِيعَ، وَيَسِمُهَا بِالنَّارِ بِعَلَامَةٍ خَاصَّةٍ، كَأَنْ تَكُونَ عَلَامَةُ الْوَسْمِ (لِلَّهِ) لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ- رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «وَافَيْتُ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- وَبِيَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ» وَلآِثَارٍ وَرَدَتْ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ( (.

بَيْتُ مَالِ الزَّكَاةِ:

151- عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْتًا لِأَمْوَالِ الزَّكَاةِ تُحْفَظُ فِيهِ وَتُضْبَطُ إِلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ صَرْفِهَا لِأَهْلِهَا.وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «بَيْتُ الْمَالِ».

تَصَرُّفَاتُ السَّاعِي فِي الزَّكَاةِ:

152- إِذَا قَبَضَ السَّاعِي الزَّكَاةَ يُفَرِّقُهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي جَمَعَهَا فِيهَا إِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَذِنَ لَهُ فِي تَفْرِيقِهَا، فَلَا يَنْقُلُهَا إِلَى أَبْعَدَ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا فُقَرَاءُ الْبَلَدِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مُعَاذًا- رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكَ جَابِيًا وَلَا آخِذَ جِزْيَةٍ وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَأْخُذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ فَتَرُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ.فَقَالَ مُعَاذٌ: أَنَا مَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ وَأَنَا أَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهُ مِنِّي.فَلَوْ نَقَلَهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ فَفِيهِ خِلَافٌ يَأْتِي.

وَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ لِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ أَصْنَافِ أَهْلِ الزَّكَاةِ، كَمَا لَوْ كَانَ غَارِمًا أَوْ فَقِيرًا.وَلَا يَأْخُذُ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَقْسِمُ فَلَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ.

153- وَإِذَا تَلِفَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ شَيْءٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوِ السَّاعِي ضَمِنَهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ بِأَنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، وَكَذَا لَوْ عَرَفَ الْمُسْتَحِقِّينَ وَأَمْكَنَهُ التَّفْرِيقُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي وَكُلِّ مَنْ يُفَوَّضُ إِلَيْهِ أَمْرُ تَفْرِيقِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِضَبْطِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَمَعْرِفَةِ أَعْدَادِهِمْ، وَأَقْدَارِ حَاجَاتِهِمْ، بِحَيْثُ يَقَعُ الْفَرَاغُ مِنْ جَمْعِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ أَوْ مَعَهَا، لِيُعَجِّلَ حُقُوقَهُمْ، وَلِيَأْمَنَ هَلَاكَ الْمَالِ عِنْدَهُ.

وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلاَّ لِمَنْ جَمَعَ شُرُوطَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ.

154- وَإِذَا أَخَذَ الْإِمَامُ أَوِ السَّاعِي الزَّكَاةَ فَاحْتَاجَ إِلَى بَيْعِهَا لِمَصْلَحَةٍ، مِنْ كُلْفَةٍ فِي نَقْلِهَا، أَوْ مَرَضِ الْبَهِيمَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ جَازَ، أَمَّا إِذَا بَاعَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إِنْ تَلِفَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الزَّكَاةِ أَهْلُ رُشْدٍ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ مَالِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ.

وَفِي احْتِمَالٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ ذَلِكَ، لِمَا وَرَدَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالَ الْمُصَدِّقُ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِإِبِلٍ، فَسَكَتَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرَّجْعَةُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا مِثْلَهَا أَوْ غَيْرَهَا.

نَصْبُ الْعَشَّارِينَ:

155- يَنْصِبُ الْإِمَامُ عَلَى الْمَعَابِرِ فِي طُرُقِ الْأَسْفَارِ عَشَّارِينَ لِلْجِبَايَةِ مِمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِمْ بِالْمَالِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا أَتَوْا بِأَمْوَالِهِمْ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَيَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ.وَاَلَّذِي يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فَيْءٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْجِزْيَةِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْفَيْءِ، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (عُشْر).

أَمَّا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ زَكَاةٌ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ الزَّكَوِيَّةِ وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَالًا بَاطِنًا لَكِنَّهُ لَمَّا انْتَقَلَ صَاحِبُهُ بِهِ فِي الْبِلَادِ أَصْبَحَ فِي حُكْمِ الْمَالِ الظَّاهِرِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَابِدِينَ، وَلِذَا كَانَتْ وِلَايَةُ قَبْضِ زَكَاتِهِ إِلَى الْإِمَامِ، كَالسَّوَائِمِ وَالزُّرُوعِ.

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِتَحْلِيفِ مَنْ يَمُرُّ عَلَى الْعَاشِرِ إِنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ عَلَى مَا بِيَدِهِ، أَوِ ادَّعَى أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ، فَإِنْ حَلَفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَكَذَا إِنْ قَالَ أَدَّيْتُهَا إِلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَأَخْرَجَ بَرَاءَةً (إيصَالًا رَسْمِيًّا بِهَا)، وَكَذَا إِنْ قَالَ أَدَّيْتُهَا بِنَفْسِي إِلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ.

وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا مَعَهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ حَتَّى يَجِبَ الْأَخْذُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ نِصَابٍ وَلَهُ فِي الْمِصْرِ مَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ فَلَا وِلَايَةَ لِلْعَاشِرِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَطْ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْعَاشِرِ مَا يُشْتَرَطُ فِي السَّاعِي كَمَا تَقَدَّمَ وَأَنْ يَأْمَنَ الْمُسَافِرُونَ بِحِمَايَتِهِ مِنَ اللُّصُوصِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


25-موسوعة الفقه الكويتية (مصدق)

مُصَدِّقٌ

التَّعْرِيفُ:

1- الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ فِي اللُّغَةِ: آخِذُ الصَّدَقَاتِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، أَيْ يَقْبِضُهَا.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ قَالَ الْبَرَكَتِيُّ وَعَزَاهُ لِلْبَحْرِ: الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ: اسْمُ جَنْسٍ لِلسَّاعِي وَالْعَاشِرِ.

الْحُكْمُ الْإِجْمَالِيُّ:

2- يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَ الْمُصَدِّقِينَ لِقَبْضِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَبْعَثُ السُّعَاةَ وَالْجُبَاةَ إِلَى أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ- رضي الله عنهم- مِنْ بَعْدِهِ يَبْعَثُونَ مُصَدِّقِينَ لِذَلِكَ.

شُرُوطُ الْمُصَدِّقِ إِذَا كَانَ عَامَّ الْوِلَايَةِ فِيهَا

3- يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَدِّقُ مُسْلِمًا، حُرًّا، عَادِلًا، عَالَمًا بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ.

هَذَا إِذَا كَانَ عَامَّ الْوِلَايَةِ فِي الصَّدَقَةِ:

جَمْعِهَا وَتَفْرِيقِهَا عَلَى مُسْتَحَقِّيهَا، فَيَعْمَلُ عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ لَا اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُصَدِّقُ مِنْ عُمَّالِ التَّنْفِيذِ عَمِلَ فِيمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ دُونَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَلَزِمَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، وَيَكُونُ رَسُولًا مِنَ الْإِمَامِ مُنَفِّذًا لِاجْتِهَادِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (زَكَاةٌ ف 144- وَعَامِلٌ ف 6 وَمَا بَعْدَهَا).

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


26-موسوعة الفقه الكويتية (موت 1)

مَوْتٌ -1

التَّعْرِيفُ:

1- الْمَوْتُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْحَيَاةِ.

يُقَالُ: مَاتَ يَمُوتُ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ وَمِنْ أَسْمَائِهِ: الْمَنُونُ وَالْمَنَا وَالْمَنِيَّةُ وَالشَّعُوبُ وَالسَّامُ وَالْحِمَامُ وَالْحَيْنُ وَالرَّدَى وَالْهَلَاكُ وَالثُّكْلُ وَالْوَفَاةُ وَالْخَبَالُ.

وَفِي مَقَايِيسِ اللُّغَةِ الْمِيمُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى ذَهَابِ الْقُوَّةِ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ الْمَوْتُ خِلَافُ الْحَيَاةِ.

وَالْمَوْتُ فِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمَعْنَى مُفَارَقَتِهَا لِلْجَسَدِ انْقِطَاعُ تَصَرُّفِهَا عَنِ الْجَسَدِ بِخُرُوجِ الْجَسَدِ عَنْ طَاعَتِهَا.عَلَامَاتُ الْمَوْتِ

2- نَظَرًا لِتَعَذُّرِ إِدْرَاكِ كُنْهِ الْمَوْتِ فَقَدْ عَلَّقَ الْفُقَهَاءُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَيْهِ بِظُهُورِ أَمَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ فَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا اشْتَبَهَ أَمْرُ الْمَيِّتِ اعْتُبِرَ بِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْمَوْتِ مِنِ اسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ وَانْفِصَالِ كَفَّيْهِ وَمَيْلِ أَنْفِهِ وَامْتِدَادِ جِلْدَةِ وَجْهِهِ وَانْخِسَافِ صُدْغَيْهِ.

وَجَاءَ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ: تُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إِلَى غُسْلِهِ وَتَجْهِيزِهِ إِذْ تَحَقَّقَ مَوْتُهُ بِأَنْ يَمُوتَ بِعِلَّةٍ وَتَظْهَرُ أَمَارَاتُ الْمَوْتِ بِأَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَلَا تَنْتَصِبَا أَوْ يَمِيلَ أَنْفُهُ أَوْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ أَوْ تَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ أَوْ يَنْخَلِعَ كَفَّاهُ مِنْ ذِرَاعَيْهِ أَوْ تَتَقَلَّصَ خُصْيَتَاهُ إِلَى فَوْقٍ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ...إِلَخْ.

هَذَا وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَنَّ شُخُوصَ بَصَرِ الْمُحْتَضِرِ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى قَبْضِ رُوحِهِ وَمُفَارَقَتِهَا لِجَسَدِهِ فَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».

وَقَالَ- صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ».

هَلِ الْمَوْتُ لِلْبَدَنِ وَالرُّوحِ أَوْ لِلْبَدَنِ وَحْدَهُ؟

3- نَصَّ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْوَاحَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةٌ غَيْرُ فَانِيَةٍ إِمَّا فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ وَإِمَّا فِي عَذَابٍ أَلِيمٍ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ طُرُقُ الِاعْتِبَارِ وَتَنْطِقُ بِهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الْمَوْتَ مَعْنَاهُ تَغَيُّرُ حَالٍ فَقَطْ وَأَنَّ الرُّوحَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ إِمَّا مُعَذَّبَةٌ وَإِمَّا مُنَعَّمَةٌ.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَفُقَهَاءِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَمُتَكَلِّمِي الصِّفَاتِيَّةِ.

وَقَدْ بَيَّنَ أَحْمَدُ بْنُ قُدَامَةَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ أَنَّ الرُّوحَ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ بَاقِيَةً إِمَّا مُعَذَّبَةً أَوْ مُنَعَّمَةً فَإِنَّ الرُّوحَ قَدْ تَتَأَلَّمُ بِنَفْسِهَا بِأَنْوَاعِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ وَتَتَنَعَّمُ بِأَنْوَاعِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهَا بِالْأَعْضَاءِ فَكُلُّ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلرُّوحِ بِنَفْسِهَا يَبْقَى مَعَهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْجَسَدِ وَكُلُّ مَا لَهَا بِوَاسِطَةِ الْأَعْضَاءِ يَتَعَطَّلُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ إِلَى أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ.

وَاحْتَجَّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ لَا تَنْعَدِمُ بِالْمَوْتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} حَيْثُ قَالَ ((فِيهِ: «جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ» وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَعَذَابِهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ إِلَى أَنْ يُرْجِعَهَا اللَّهُ فِي أَجْسَادِهَا وَلَوْ مَاتَتِ الْأَرْوَاحُ لَانْقَطَعَ عَنْهَا النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ.

وَقَدْ أَوْرَدَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ تَوْضِيحًا لِحَالِ الرُّوحِ وَحَيَاتِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْبَدَنِ فَقَالَ: هَذِهِ الرُّوحُ لَا تَفْنَى الْبَتَّةَ وَلَا تَمُوتُ بَلْ يَتَبَدَّلُ بِالْمَوْتِ حَالُهَا فَقَطْ وَيَتَبَدَّلُ مَنْزِلُهَا فَتَنْتَقِلُ مِنْ مَنْزِلٍ إِلَى مَنْزِلٍ، وَالْقَبْرُ فِي حَقِّهَا إِمَّا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ، إِذًا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعَ الْبَدَنِ عَلَاقَةٌ سِوَى اسْتِعْمَالِهَا الْبَدَنَ وَاقْتِنَاصِهَا أَوَائِلَ الْمَعْرِفَةِ بِهِ بِوَاسِطَةِ شَبَكَةِ الْحَوَاسِّ فَالْبَدَنُ آلَتُهَا وَمَرْكَبُهَا وَشَبَكَتُهَا وَبُطْلَانُ الْآلَةِ وَالْمَرْكَبِ وَالشَّبَكَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّائِدِ.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ تَفْنَى وَتَمُوتُ بِمَوْتِ الْجَسَدِ لِأَنَّهَا نَفْسٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.قَالَ الزُّبَيْدِيُّ: وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ قَدِيمًا مِنْهُمْ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَهْبِ بْنِ لُبَابَةَ وَمِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ كَالسُّهَيْلِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَوْتُ النُّفُوسِ هُوَ مُفَارَقَتُهَا لِأَجْسَادِهَا وَخُرُوجُهَا مِنْهَا فَإِنْ أُرِيدَ بِمَوْتِهَا هَذَا الْقَدْرُ فَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنْ أُرِيدَ بِأَنَّهَا تَعْدَمُ وَتَضْمَحِلُّ وَتَصِيرُ عَدَمًا مَحْضًا فَهِيَ لَا تَمُوتُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ خَلْقِهَا فِي نَعِيمٍ أَوْ فِي عَذَابٍ.

الْأَلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الرُّوحُ:

4- ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ إِلَى أَنَّ الرُّوحَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُتَخَلِّلٌ فِي الْبَدَنِ تَذْهَبُ الْحَيَاةُ بِذَهَابِهِ، وَعِبَارَةُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ: هِيَ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ وَنَقَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ أَصْحَابِهِمْ.

وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّوحَ هُوَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْمُسْتَعِدَّةُ لِلْبَيَانِ وَفَهْمِ الْخِطَابِ وَلَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ وَأَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الرُّوحِ هِيَ التَّبَايُنُ.

ب- النَّفْسُ:

5- ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ فُقَهَاءَ وَمُحَدِّثِينَ وَمُتَكَلِّمِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ الرُّوحُ.

يُقَالُ: خَرَجَتْ نَفْسُهُ، أَيْ رُوحُهُ، وَأَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنِ النَّفْسِ بِالرُّوحِ وَبِالْعَكْسِ.

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ...وَإِنَّمَا تُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ، وَتَسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهَا.

وَدَلِيلُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالْأَنْفُسُ هَاهُنَا هِيَ الْأَرْوَاحُ قَطْعًا.

وَتُقَسَّمُ النَّفْسُ إِلَى النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ، وَاللَّوَّامَةِ، وَالْمُطْمَئِنَّةِ وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ النَّفْسَ يُرَادُ بِهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ صِفَاتُهَا الْمَذْمُومَةُ، فَيُقَالُ: فُلَانٌ لَهُ نَفْسٌ: أَيْ مَذْمُومَةُ الْأَحْوَالِ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّفْسَ لَمَّا كَانَتْ حَالَ تَعَلُّقِهَا بِالْبَدَنِ يَكْثُرُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا صَارَ لَفْظُ «النَّفْسِ» يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا، أَوْ عَنِ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى، بِخِلَافِ لَفْظِ «الرُّوحِ» فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ الْفَيُّومِيُّ: وَالنَّفْسُ أُنْثَى إِنْ أُرِيدَ بِهَا الرُّوحُ، قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وَإِنْ أُرِيدَ الشَّخْصُ فَمُذَكَّرٌ.

وَحَكَى الْكَفَوِيُّ فِي الْكُلِّيَّاتِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ نَفْسَانِ: نَفْسٌ حَيَوَانِيَّةٌ، وَنَفْسٌ رُوحَانِيَّةٌ.

فَالنَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ لَا تُفَارِقُهُ إِلاَّ بِالْمَوْتِ، وَالنَّفْسُ الرُّوحَانِيَّةُ- الَّتِي هِيَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ- هِيَ الَّتِي تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ النَّوْمِ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ الْحَيَاةَ لِلنَّائِمِ رَدَّ عَلَيْهِ رُوحَهُ فَاسْتَيْقَظَ، وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ أَمْسَكَ عَنْهُ رُوحَهُ فَيَمُوتُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أَمَّا النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ فَلَا تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ بِالنَّوْمِ، وَلِهَذَا يَتَحَرَّكُ النَّائِمُ، وَإِذَا مَاتَ فَارَقَهُ جَمِيعُ، ذَلِكَ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ النَّفْسِ وَالْمَوْتِ التَّبَايُنُ.

ج- الْحَيَاةُ:

6- الْحَيَاةُ فِي اللُّغَةِ نَقِيضُ الْمَوْتِ، وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّةٍ مِزَاجِيَّةٍ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ، وَهِيَ الْمُوجِبَةُ لِتَحْرِيكِ مَنْ قَامَتْ بِهِ، وَمَفْهُومُهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَثَرُ مُقَارَنَةِ النَّفُوسِ لِلْأَبْدَانِ، وَإِنَّهَا لَتَسْرِي فِي الْإِنْسَانِ تَبَعًا لِسَرَيَانِ الرُّوحِ فِي جَسَدِهِ.وَحَكَى الْقَزْوِينِيُّ أَنَّ الرُّوحَ هِيَ الْحَيَاةُ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ عَرَضٌ يَقُومُ بِالْحَيِّ، فَمَتَى وُجِدَ فِيهِ يَكُونُ حَيًّا، وَإِذَا عُدِمَ فِيهِ فَقَدْ حَصَلَ ضِدُّهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ «الْحَيَاةَ» تُسْتَعْمَلُ عَلَى أَوْجُهٍ

الْأَوَّلُ: لِلْقُوَّةِ النَّامِيَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، وَمِنْهُ قِيلَ: نَبَاتٌ حَيٌّ، قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.

وَالثَّانِي: لِلْقُوَّةِ الْحَسَّاسَةِ، وَبِهِ سُمِّيَ الْحَيَوَانُ حَيَوَانًا، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}.

وَالثَّالِثُ: لِلْقُوَّةِ الْعَالِمَةِ الْعَاقِلَةِ، كَقَوْلِهِ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}.

وَالرَّابِعُ: عِبَارَةٌ عَنِ ارْتِفَاعِ الْغَمِّ، وَعَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ هُمْ مُتَلَذِّذُونَ لِمَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ عَنْ أَرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ.

وَالْخَامِسُ: الْحَيَاةُ الْأُخْرَوِيَّةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي قوله تعالى: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يَعْنِي بِهَا الْحَيَاةَ الْأُخْرَوِيَّةَ الدَّائِمَةَ.

وَالسَّادِسُ: الْحَيَاةُ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْبَارِي تَعَالَى، فَإِنَّهُ إِذَا قِيلَ فِيهِ سُبْحَانُهُ، هُوَ حَيٌّ، فَمَعْنَاهُ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَيَاةَ بِاعْتِبَارِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ضَرْبَانِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، وَالْحَيَاةُ الْآخِرَةُ.وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَيْ يَرْتَدِعُ بِالْقِصَاصِ مَنْ يُرِيدُ الْإِقْدَامَ عَلَى الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حَيَاةُ النَّاسِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ أَنَّهُمَا نَقِيضَانِ.

د- الْأَهْلِيَّةُ:

7- الْأَهْلِيَّةُ شَرْعًا هِيَ كَوْنُ الْإِنْسَانِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صِفَةٌ أَوْ قَابِلِيَّةٌ يُقَدِّرُهَا الشَّارِعُ فِي الشَّخْصِ تَجْعَلُهُ مَحَلًّا صَالِحًا لِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ التَّشْرِيعِيُّ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الْأَهْلِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ.

هـ- الذِّمَّةُ:

8- الذِّمَّةُ كَمَا عَرَّفَهَا الْجُرْجَانِيُّ: وَصْفٌ يَصِيرُ الشَّخْصُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِيجَابِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ الذِّمَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ انْعِدَامِ الذِّمَّةِ أَوْ ضَعْفِهَا أَوْ شَغْلِهَا.

أَقْسَامُ الْمَوْتِ

9- الْمَوْتُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: حَقِيقِيٌّ، وَحُكْمِيٌّ، وَتَقْدِيرِيٌّ.

فَأَمَّا الْمَوْتُ الْحَقِيقِيُّ: فَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ لِلْجَسَدِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ وَالْيَقِينِ، وَيُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيَثْبُتُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَمَامَ الْقَضَاءِ.

وَأَمَّا الْمَوْتُ الْحُكْمِيُّ: فَهُوَ حُكْمٌ يَصْدُرُ مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي بِمَوْتِ شَخْصٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ- وَإِنْ كَانَ لَا يَزَالُ حَيًّا- لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمُرْتَدُّ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَصَدَرَ حُكْمُ الْقَاضِي بِلُحُوقِهِ بِهَا مُرْتَدًّا، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حِينِ صُدُورِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا يُرْزَقُ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ السَّرْخَسِيُّ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْإِمَامَ لَوْ ظَفِرَ بِهِ مَوَّتَهُ حَقِيقَةً، بِأَنَّ يَقْتُلَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِدُخُولِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مَوَّتَهُ حُكْمًا، فَقَسَمَ مَالَهُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الْمَفْقُودُ (وَهُوَ الَّذِي يُعْمَى خَبَرُهُ، وَيَنْقَطِعُ أَثَرُهُ، وَلَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، وَلَا تُدْرَى حَيَاتُهُ وَلَا مَوْتُهُ) إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَوْتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا تَرَجَّحَ لَدَيْهِ مِنَ الظُّرُوفِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَيِّتًا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: لِأَنَّ هَذَا تَمْوِيتٌ، أَيْ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ، لَا مَوْتٌ حَقِيقَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ كَانَ حَيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، دُونَ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَوْتُ التَّقْدِيرِيُّ: فَهُوَ لِلْجَنِينِ الَّذِي أُسْقِطَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ عَلَى أُمِّهِ.كَمَا إِذَا ضَرَبَ إِنْسَانٌ امْرَأَةً، فَأَسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي أَوْ عَاقِلَتِهِ الْغُرَّةُ (دِيَةُ الْجَنِينِ) وَهَذِهِ الدِّيَةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، حَيْثُ يُقَدَّرُ حَيًّا فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَوْتُهُ مِنْهَا.

الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَوْتِ:

تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

انْتِهَاءُ الْأَهْلِيَّةِ وَخَرَابُ الذِّمَّةِ بِالْمَوْتِ

10- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَوْتَ هَادِمٌ لِأَسَاسِ التَّكْلِيفِ، لِأَنَّهُ عَجْزٌ كُلُّهُ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ ذَهَبَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: إِنَّ الْمَوْتَ يُنَافِي أَحْكَامَ الدُّنْيَا مِمَّا فِيهِ تَكْلِيفٌ، لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَالْمَوْتُ عَجْزٌ كُلُّهُ.

وَحَيْثُ إِنَّ الذِّمَّةَ خَاصَّةٌ مِنَ الْخَصَائِصِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَإِنَّهَا تَبْدَأُ مَعَ الشَّخْصِ مُنْذُ الْحَمْلِ بِهِ، وَتَبْقَى مَعَهُ طِيلَةَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا مَاتَ خَرِبَتْ ذِمَّتُهُ وَانْتَهَتْ أَهْلِيَّتُهُ.

غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ تَخْرَبُ الذِّمَّةُ وَتَنْتَهِي فَوْرًا بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَوْتِ، أَمْ أَنَّ الْمَوْتَ يُضْعِفُهَا، أَمْ أَنَّهَا تَبْقَى كَمَا هِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَتَّى تُسْتَوْفَى الْحُقُوقُ مِنَ التَّرِكَةِ؟ وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي (ذِمَّةٌ ف 6- 9).

انْقِطَاعُ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ وَمَدَى انْتِفَاعِ الْمَوْتَى بِسَعْيِ الْأَحْيَاءِ

11- لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي انْقِطَاعِ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ بِمَوْتِهِ فِي الْجُمْلَةِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ عَجْزٌ كَامِلٌ عَنْ إِتْيَانِ الْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدِ ارْتَحَلَ مِنْ دَارِ الِابْتِلَاءِ وَالتَّكْلِيفِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وَلَكِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِمَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخَرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ» وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».

أَمَّا انْتِفَاعُهُ بِغَيْرِ مَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ:

أ- دُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ وَاسْتِغْفَارُهُمْ، وَفِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْأَمْوَاتِ يَنْفَعُهُمْ وَيَصِلُهُمْ ثَوَابُهُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمَشْهُورَةِ بِمَعْنَاهَا، وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ كَقَوْلِهِ- صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَهْلِ بَقِيعِ الْغَرْقَدِ» وَكَقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا». ب- مَا جَعَلَ الْأَحْيَاءُ ثَوَابَهُ لِلْمَيِّتِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْأُخْرَى كَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَوُصُولِهِ لِلْمَيِّتِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَدَاءٌ ف 14، وَقِرَاءَةٌ ف 18 وَقُرْبَةٌ ف 11).

السَّلَامُ عَلَى الْمَوْتَى وَرَدُّهُمْ

12- وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مَرَّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلاَّ عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- «أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلَى بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي قَلِيبٍ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَنَادَاهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ: يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيَّفُوا، فَقَالَ- عليه الصلاة والسلام-: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ جَوَابًا» وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ» وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم- بِالسَّلَامِ عَلَى الْمَوْتَى، حَيْثُ جَاءَ أَنَّهُ- صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إِذَا زَارُوا الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكَمْ لَلَاحِقُونَ».

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْخِطَابُ بِمَنْزِلَةِ خِطَابِ الْمَعْدُومِ وَالْجَمَادِ، وَالسَّلَفُ مُجْمِعُونَ عَلَى هَذَا، وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ زِيَارَةَ الْحَيِّ لَهُ وَيَسْتَبْشِرُ بِهِ.

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ الزَّائِرَ، لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ، وَالشَّرْعُ لَا يَأْمُرُ بِخِطَابِ مَنْ لَا يَسْمَعُ. عَوْدَةُ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ

13- الْمُرَادُ بِالْبَرْزَخِ هَاهُنَا: الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَهُ زَمَانٌ وَمَكَانٌ وَحَالٌ، فَزَمَانُهُ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَحَالُهُ الْأَرْوَاحُ، وَمَكَانُهُ مِنَ الْقَبْرِ إِلَى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَلَا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ فِي سِجِّينٍ مَسْجُونَةٍ، وَبِلَعْنَةِ اللَّهِ مَصْفُودَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ وَنَعِيمَهُ اسْمٌ لِعَذَابِ، الْبَرْزَخِ وَنَعِيمِهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ أَمْ عَلَى الرُّوحِ أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ

الْأَوَّلُ: لِجُمْهُورِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّوحَ تُعَادُ إِلَى الْجَسَدِ أَوْ بَعْضِهِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْمَيِّتِ قَدْ تَتَفَرَّقُ أَجَزَاؤُهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ الْحَيَاةَ إِلَى جُزْءٍ مِنَ الْجَسَدِ، وَيَقَعُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، كَمَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ أَجْزَاءَهُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ تَرْجِعَ الرُّوحُ فِي حَالٍ آخَرَ وَأَمْرٍ ثَانٍ، وَبِعَوْدِهَا يَرْجِعُ الْمَيِّتُ حَيًّا، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِحَيَاةِ الْقَبْرِ عِنْدَ إِتْيَانِ الْمَلَكَيْنِ لِلسُّؤَالِ، فَإِذَا رُدَّتْ إِلَيْهِ الْحَيَاةُ، لِلْجِسْمِ وَالرُّوحِ، تَبِعَتْهَا الْإِدْرَاكَاتُ الْمَشْرُوطَةُ بِهَا، فَيَتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْمَيِّتِ السُّؤَالُ، وَيُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَوَابُ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: عَوْدُ الرُّوحِ إِلَى بَدَنِ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ لَيْسَ مِثْلَ عَوْدِهَا إِلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ أَكْمَلَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، كَمَا أَنَّ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى لَيْسَ مِثْلَ هَذِهِ النَّشْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْمَلَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّ مَوْطِنٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَفِي الْبَرْزَخِ وَالْقِيَامَةِ لَهُ حُكْمٌ يَخُصُّهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْمُرَادُ بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْرِ لِلْمَسْأَلَةِ لَيْسَتِ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الرُّوحُ بِالْبَدَنِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصَرُّفِهِ، وَتَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَحْيَاءُ، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَانِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَةٌ.

الثَّانِي: لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْغَزَالِيِّ: وَهُوَ التَّوَقُّفُ.قَالَ الْغُنَيْمِيُّ الْحَنَفِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْحَقِّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي الْمَيِّتِ نَوْعَ حَيَاةٍ فِي الْقَبْرِ، قَدْرَ مَا يَتَأَلَّمُ وَيَلْتَذُّ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُعَادُ الرُّوحُ إِلَيْهِ أَمْ لَا؟

وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ التَّوَقُّفُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُعَادَ الرُّوحُ إِلَى الْجَسَدِ فِي الْقَبْرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ.

الثَّالِثُ: لِابْنِ جَرِيرٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْبَدَنِ فَقَطْ، وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهِ إِدْرَاكًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ وَيَعْلَمُ وَيَلْتَذُّ وَيَأْلَمُ.

الرَّابِعُ: لِابْنِ هُبَيْرَةَ وَغَيْرِهِ: وَهُوَ أَنَّ السُّؤَالَ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ عَوْدٍ إِلَى الْجَسَدِ.

14- وَقَدْ تَفَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ فِي الْحَيَاةِ الْبَرْزَخِيَّةِ، هَلْ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْجَسَدِ أَمْ عَلَى كِلَيْهِمَا؟

فَذَهَبَ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّ التَّنْعِيمَ وَالتَّعْذِيبَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَحْدَهَا.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ: هُوَ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ.قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ لِلْجَسَدِ بِعَيْنِهِ أَوْ بَعْضِهِ بَعْدَ إِعَادَةِ الرُّوحِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: الْعَذَابُ وَالنَّعِيمُ عَلَى النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، تُنَعَّمُ النَّفْسُ وَتُعَذَّبُ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ، وَتُعَذَّبُ مُتَّصِلَةً بِالْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ مُتَّصِلٌ بِهَا، فَيَكُونُ النَّعِيمُ وَالْعَذَابُ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْتَمِعَيْنِ، كَمَا يَكُونُ لِلرُّوحِ مُنْفَرِدَةً عَنِ الْبَدَنِ.

وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرَدَّ الرُّوحُ إِلَيْهِ، وَيَحُسُّ بِالْأَلَمِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَيٍّ.

مُسْتَقَرُّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

15- قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّورَ ثَلَاثًا: دَارَ الدُّنْيَا، وَدَارَ الْبَرْزَخِ، وَدَارَ الْقَرَارِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَارٍ أَحْكَامًا تَخْتَصُّ بِهَا، وَرَكَّبَ هَذَا الْإِنْسَانَ مِنْ بَدَنٍ وَرُوحٍ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَبْدَانِ وَالْأَرْوَاحِ تَبَعًا لَهَا، وَلِهَذَا جَعَلَ أَحْكَامَهُ الشَّرْعِيَّةَ مُرَتَّبَةً عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَرَكَاتِ اللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ، وَإِنْ أَضْمَرَتِ النَّفُوسُ خِلَافَهُ، وَجَعَلَ أَحْكَامَ الْبَرْزَخِ عَلَى الْأَرْوَاحِ، وَالْأَبْدَانُ تَبَعًا لَهَا، فَكَمَا تَبِعَتِ الْأَرْوَاحُ الْأَبْدَانَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَتَأَلَّمَتْ بِأَلَمِهَا وَالْتَذَّتْ بِرَاحَتِهَا، فَإِنَّ الْأَبْدَانَ تَتْبَعُ الْأَرْوَاحَ فِي أَحْكَامِ الْبَرْزَخِ فِي نَعِيمِهَا وَعَذَابِهَا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُعِيدَتِ الْأَرْوَاحُ إِلَى الْأَجْسَادِ، وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالْبَرْزَخُ هُوَ أَوَّلُ دَارِ الْجَزَاءِ، وَعَذَابُ الْبَرْزَخِ وَنَعِيمُهُ أَوَّلُ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَنَعِيمِهَا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ، وَوَاصِلٌ إِلَى أَهْلِ الْبَرْزَخِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم- فِي نَعِيمِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ بَعْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ- فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ- أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرُشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رُوحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ».

أَمَّا فِي حَقِّ الْكَافِرِ: «فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَافْرُشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ.قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ».

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُسْتَقَرِّ أَرْوَاحِ الْمَوْتَى مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ هِيَ فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الْأَرْضِ، وَهَلْ هِيَ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَمْ لَا، وَهَلْ تُودَعُ فِي أَجْسَادٍ أَمْ تَكُونُ مُجَرَّدَةً؟ فَهَذِهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْعِظَامِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا النَّاسُ، وَهِيَ إِنَّمَا تُتَلَقَّى مِنَ السَّمْعِ فَقَطْ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ، وَلِكُلِّ رُوحٍ اتِّصَالٌ، وَهُوَ اتِّصَالٌ مَعْنَوِيٌّ لَا يُشْبِهُ الِاتِّصَالَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، بَلْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ حَالُ النَّائِمِ انْفِصَالًا، وَشَبَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِالشَّمْسِ، أَيْ بِشُعَاعِ الشَّمْسِ، وَهَذَا مَجْمَعُ مَا افْتَرَقَ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ مَحَلَّ الْأَرْوَاحِ فِي عِلِّيِّينَ وَفِي سِجِّينٍ، وَمِنْ كَوْنِ أَفْنِيَةِ الْأَرْوَاحِ عِنْدَ أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجُمْهُورِ.

أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى حُقُوقِ الْمُتَوَفَّى:

أَثَرُ الْمَوْتِ عَلَى الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ:

16- الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْمَحْضَةُ: هِيَ مَا تَسْتَحِيلُ فِي النِّهَايَةِ إِلَى مَالٍ مِثْلُ الدُّيُونِ فِي ذِمَمِ الْغُرَمَاءِ، وَحَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ حَبْسِ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ وَحَقُّ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ فِي الْأَطْرَافِ وَحُقُوقُ الِارْتِفَاقِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلًا- الدُّيُونُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ

17- لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ مَوْتِ الدَّائِنِ عَلَى الدُّيُونِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْغُرَمَاءِ، وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَرَكَهَا، لِأَنَّ الدُّيُونَ فِي الذِّمَمِ أَمْوَالٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِاعْتِبَارِهَا تَؤُولُ إِلَى مَالٍ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ.

18- وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، سَوَاءٌ تَقَرَّرَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَالُوا إِنَّهُ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الزَّوْجَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ، وَالصِّلَاتُ عِنْدَهُمْ لَا تَتِمُّ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ، وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَهُ، إِلاَّ إِذَا اسْتَدَانَتِ النَّفَقَةَ بِأَمْرِ الْقَاضِي، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا، وَكَذَلِكَ دَيْنُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عِنْدَهُمْ بِمَوْتِ مَنْ وَجَبَ لَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، لِأَنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ...إِلاَّ إِذَا أَذِنَ الْقَاضِي لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ، فَعِنْدَئِذٍ لَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي دَيْنِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ. أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ دَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ دَيْنٌ صَحِيحٌ، سَوَاءٌ وَجَبَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهَا قَبْلَ تَسَلُّمِهِ، بَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهَا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، أَمَّا نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ وَسَدِّ الْخَلَّةِ، وَهِيَ مُجَرَّدُ إِمْتَاعٍ فَلَا تَصِيرُ دَيْنًا إِلاَّ إِذَا فَرَضَهَا الْقَاضِي، فَحِينَئِذٍ تَثْبُتُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ، وَلَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِهَا، بَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى وَرَثَتِهِ.

19- وَالدُّيُونُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ بِالصِّفَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا حَالَ حَيَاةِ الدَّائِنِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا حَالًّا انْتَقَلَ إِلَى الْوَرَثَةِ حَالًا، وَمَا كَانَ مِنْهَا مُؤَجَّلًا أَوْ مُقَسَّطًا انْتَقَلَ كَمَا هُوَ مُؤَخَّرًا إِلَى أَجَلِهِ، حَيْثُ إِنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الدَّائِنِ.

وَحُكِيَ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ حَالًّا، وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ بِوَفَاتِهِ.

موسوعة الفقه الكويتية-وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت-صدرت بدءًا من: 1404هـ/1984م


27-الغريبين في القرآن والحديث (أون)

(أون)

قوله: {أيان يبعثون} أيان: فيعال من أوان، وهو الحين، أي: متى يبعثون؟ وقيل: هو حرف مركب، أي: أي أوان.

وقوله: {الآن جئت بالحق} قال الفراء: هو في الأصل: أوان، وهو اسم لحد الزمانين الذي أنت فيه، منصوب على كل حال.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


28-الغريبين في القرآن والحديث (ب ر ز خ)

(ب ر ز خ)

ومن رباعية قوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} هو القبر، وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ وقال قتادة: بقية الدنيا.

وقوله: {وجعل بينهما برزخًا} لئلا يغلب العذب الملح، ولا الملح العذب، فهما في رأي العين ممتزجان، وفي قدرة الله عز وجل منفصلان.

وقال ابن عرفة: أعلم [سبحانه] أنه خلطهما ثم حجز أحدهما عن صاحبه بالقدرة. فذلك الحجر المحجور.

وفي حديث علي: (أنه صلى بقوم فأسوى برزخًا) قال أبو عبيد: أسوى: أسقط وأغفل، والبرزخ ما بين كل شيئين، فأراد بالبرزخ الذي أسقطه علي من ذلك الموضع إلى الموضع الذي كان انتهى إليه من القرآن.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


29-الغريبين في القرآن والحديث (طلع)

(طلع)

قوله تعالى: {لو اطلعت عليهم} أي: لو هجمت عليهم، وأوفيت عليهم.

وقوله تعالى: {التي تطلع على الأفئدة} أي: توفي عليها، ويقال: يبلغ ألمها القلوب، والاطلاع، والبلوغ بمعنى، يقال: اطلعت على هذه الأرض، أي: بلغتها، قال ذلك الفراء.

قوله تعالى: {حتى مطلع الفجر} أي: طلوع الفجر، وقرئ: {مطلع الفجر} بكسر اللام، وهو اسم لوقت الطلوع، و} مطلع الفجر} بفتح اللام: مصدر.

وفي الحديث: (لو أن لي ما في الأرض جميعا لافتديت به من هول المطلع) قال الأصمعي: هو موضع الاطلاع من إشراف إلى انحدار، فشبه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك.

وفي الحديث: (لو أن لي طلع الأرض ذهبا) أي: ما يملأ الأرض حتى يطلع ويسيل.

ومنه حديث الحسن: (لأن أعلم أني بريء من النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا).

وفي الحديث: (ولكل حد مطلع) يعني من القرآن، معناه لكل مصعد يصعد إليه، يعني من معرفة علمه، يقال: مطلع هذا الجبل من مكان كذا، أي: مأتاه ومصعده.

وفي الحديث: (كان إذا غزا بعث بين يديه طلائع) قال الشيخ: هم الذين يبعثون ليطلعوا طلع العدو، ويسمى الرجل الواحد طليعة، والطلائع: الجماعات.

ومن رباعيه، في حديث عبد الله (إذا خنوا عليك بالمطلفحة فكل رغيفك) يقول: إذا بخلوا يعني الأمراء- بالرقاقة، يقال: فلطحت وطلفحت بمعنى واحد.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


30-الغريبين في القرآن والحديث (نظر)

(نظر)

قوله تعالى: {فنظرة إلى ميسرة} النظرة التأخير اسم من الأنظار ومنه قوله تعالى: {أنظرني إلى يوم يبعثون} وقرئ: {انظرونا نقتبس من نوركم} أي: لا تعجلوا ومن قرأ انظرونا يقال: نظرته انظره إذا انتظرته.

ومنه قوله تعالى: {وقولوا انظرنا} أي: أرقبنا وانتظر ما يكون منا.

قوله تعالى: {فهل ينظرون إلا سنت الأولين} أي: هل ينتظرون إلا نزول العذاب بهم.

وقوله تعالى: {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} أي: وأنتم بصراء لا علة في أيعنكم.

وقوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله}. وقوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} أي: هل ينظرون.

وقوله تعالى: {فينظر كيف تعلمون} أي: نرى ما يكون منكم فنجازيه على ما نشاهده مما قد علم غيبه قبل وقوعه، قال ذلك كله أو أكثره الأزهري.

وفي الحديث: (إن فلانة بها نظرة فاسترقوا لها) يقول بها عين أصابتها من نظر الجن والنظرة، العين، وصبى منظور أصابته العين، والنظرة الهيئة أيضًا يقال به نظرة وردة أي ثبج يرد البصر عنه.

وفي حديث الزهري (لا تناظر بكتاب الله ولا بسنة الرسول) - صلى الله عليه وسلم - أي لا تجعل شيئًا نظيرًا لهما يقول لا تتبع قول قائل وتدعهما قال أبو عبيد: ويجوز أيضًا في وجه آخر لا تجعلهما مثلًا للشيء يعرض كقول القائل للرجل يجئ في وقت تحتاج إليه وفيه} جئت على قدر يا موسى}.

وفي حديث: ابن مسعود (لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم

فيها عشرين من المفصل) سميت نظائر لاشتباه بعضها ببعض في الطول.

في الحديث (النظر إلى وجه على عبادة)، حدثنا أبو جعفر محمد بن محمد ابن عبد الله الفزاز المقرئ بالبصرة حدثا أبو مسلم البوسم بن عدنان ابن مسلم الجمخحي البصري، حدثنا عمران بن خالد بن طليق عن أبيه عن عمران بن الحصين قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: النظرة إلى وجه علي بن أبي طالب عبادة) قال ابن الأعرابي إن تأويله أن عليا رضي الله عنه كان إذا برز قال الناس لا إله إلا الله ما أشرف هذا الفتى لا إله إلا الله ما أشجع هذا الفتى لا إله إلا الله ما أعلم هذا الفتى لا إله إلا الله ما أكرم هذا الفتى!.

قال الشيخ: أراد بأكرم أتقى وفي الحديث: (أن عبد المطلب مر بامرأة كانت تنظر) أي: تتكهن.

الغريبين في القرآن والحديث-أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي-توفي: 401هـ/1010م


31-المغرب في ترتيب المعرب (‏طلع-‏طلوع‏)

‏ (‏طلع‏) ‏‏

(‏طُلُوعُ‏) ‏ الشَّمْسِ مَعْرُوفٌ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ كُلُّ مَا بَدَا لَكَ مِنْ عُلُوٍّ فَقَدْ طَلَعَ وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَتَّى تَطْلُعَ الدَّرْبَ قَافِلًا أَيْ تَخْرُجَ مِنْهُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَارِّ أَوْ مِنْ ‏ (‏طَلَعَ‏) ‏ الْجَبَلَ إذَا عَلَاهُ ‏ (‏وَأَطْلَعَ‏) ‏ مِنْ بَابِ أَكْرَمَ لُغَةٌ فِي اطَّلَعَ بِمَعْنَى أَشْرَفَ ‏ (‏وَمِنْهُ‏) ‏ قَوْلُهُ الَّتِي اطَّلَعَتْ فَهِيَ طَالِقٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ ‏ (‏وَالطَّلِيعَةُ‏) ‏ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ وَيَتَعَرَّفُوهَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ طَلِيعَةً وَالْجَمِيعُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مَعًا ‏ (‏وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ‏) ‏ الطَّلِيعَةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَهِيَ دُونَ السَّرِيَّةِ ‏ (‏وَالطَّلْعُ‏) ‏ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ وَهُوَ الْكِمُّ قَبْلَ أَنْ يَنْشَقَّ وَيُقَالُ لِمَا يَبْدُو مِنْ الْكِمِّ طَلْعٌ أَيْضًا وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ يُشْبِهُ بِلَوْنِهِ الْأَسْنَانَ وَبِرَائِحَتِهِ الْمَنِيَّ وَقَوْلُهُ‏) ‏ طَلْعُ الْكُفُرَّى إضَافَةُ بَيَانٍ وَأَطْلَعَ النَّخْلُ خَرَجَ طَلْعُهُ ‏ (‏وَأَطْلَعَ‏) ‏ نَبْتُ الْأَرْضِ خَرَجَ ‏ (‏وَطِلَاعُ الْإِنَاءِ‏) ‏ مِلْؤُهُ لِأَنَّهُ يَطْلُعُ مِنْ نَوَاحِيهِ عِنْدَ الِامْتِلَاءِ‏.

المغرب في ترتيب المعرب-ناصر بن عبدالسيد أبى المكارم ابن على، أبو الفتح، برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ-توفي: 610هـ/1213م


32-المعجم الغني (أَنْظَرَ)

أَنْظَرَ- [نظر]، (فعل: رباعي. متعدٍّ، مزيد بحرف)، أَنْظَرْتُ، أُنْظِرُ، أَنْظِرْ، المصدر: إِنْظارٌ.

1- "أَنْظَرَهُ دُيونَهُ": أَخَّرَهُ، أَمْهَلَهُ. {قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثونَ} [الحجر: 36]:

2- "أَنْظَرَهُ وَجْهَهُ": مَكَّنَهُ مِنَ النَّظَرِ فيهِ.

3- "أَنْظَرَ صَديقَهُ بِصَديقٍ آخَرَ": جَعَلَهُ نَظيرًا لَهُ.

4- "أَنْظَرَهُ السِّلْعَةَ": باعَها لَهُ بِنَظْرَةٍ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


33-المعجم الغني (بَرْزَخٌ)

بَرْزَخٌ- الجمع: بَرازِخُ.

1-: قِطْعَةُ أَرْضٍ ضَيِّقَةٌ، مَحْصورَةٌ بَيْنَ بَحْرَيْنِ، مُوصِلَةٌ بَيْنَ أَرْضَيْنِ، بَرَّيْنِ.

2- {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثونَ} [المؤمنون: 100]: حائِلٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ، الحاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.

الغني-عبدالغني أبوالعزم-صدر: 1421هـ/2001م


34-معجم الرائد (نفضة)

نفضة: جماعة يبعثون في الأرض ليتجسسوا وينظروا هل فيها عدو أو خطر.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


35-معجم الرائد (نفيضة)

نفيضة:

1- جماعة يبعثون في الأرض ليتجسسوا وينظروا هل فيها عدو أو خطر.

2- واحدة النفائض.

الرائد-جبران مسعود-صدر: 1384هـ/1965م


36-الأفعال المتداولة (انْحَشَرَ)

انْحَشَرَ: يَنْحَشِرُ الناسُ جميعا يوم المحشر. (يجتمعون، يبعثون من قبورهم)

الأفعال المتداولة-محمد الحيدري-صدر: 1423هـ/2002م


37-التعريفات الفقهية (الطَّلِيعة)

الطَّلِيعة: واحدةُ الطلائع في الحرب وهم الذين يبعثون ليطَّلعوا على أخبار العدو ويعرفوها ويسمى الرجل الواحد في ذلك طليعةً، وفي كلام محمد: الطليعةُ الثلاثةُ والأربعةُ وهي دون السَّرِيَّة.

التعريفات الفقهية-محمد عميم الإحسان-صدر: 1407هـ/1986م


38-طِلبة الطلبة (زمل)

(زمل):

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الشُّهَدَاءِ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» أَيْ لُفُّوهُمْ يُقَالُ تَزَمَّلَ بِنَفْسِهِ وَازَّمَّلَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَالْمِيمِ أَيْ تَلَفَّفَ وَالْكُلُومُ جَمْعُ كَلْمٍ وَهُوَ الْجُرْحُ وَقَدْ كَلَمَهُ يَكْلِمُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ جَرَحَهُ وَتَشْخَبُ مِنْ بَابِ دَخَلَ وَصَنَعَ أَيْ تَسِيلُ وَالشُّخْبُ بِضَمِّ الشِّينِ مَصْدَرُهُ.

طلبة الطلبة-أبوحفص النسفي-توفي: 537هـ/1142م


39-تاج العروس (رب ربب ربرب)

[ربب]: الرَّبُّ هُوَ الله عَزَّ وجَلَّ، وهو رَبُّ كلِّ شي‌ءٍ؛ أَي مالِكُه، له الرُّبُوبِيَّةُ على جَمِيعِ الخَلْقِ، لا شَرِيكَ له، وهو رَبُّ الأَرْبَابِ، ومَالِك المُلوكِ والأَمْلَاكِ، قال أَبو منصور: والرَّبُّ يُطْلَقُ في اللُّغَة على المَالِكِ، والسَّيِّدِ، والمُدَبِّرِ، والمُرَبِّي، والمُتَمِّمِ وبالَّلامِ لَا يُطْلَقُ لِغَيْرِ الله عَزَّ وجَلَّ وفي نسخة: على غَيْرِ الله عزّ وجلّ إِلّا بالإِضافَةِ؛ أَي إِذا أُطْلِقَ على غَيْرِهِ أُضِيفَ فقِيلَ: رَبُّ كَذَا، قال: ويقالُ: الرَّبُّ، لِغَيْرِ الله وقد قَالُوه في الجَاهِلِيَّةِ لِلْمَلِكِ، قال الحَارِثُ بنُ حِلِّزَةَ:

وهُوَ الرَّبُّ والشَّهِيدُ عَلَى يَوْ *** مِ الحِيارَيْنِ وَالبَلَاءُ بَلاءُ

ورَبٌّ بِلَا لَامٍ قَدْ يُخَفَّفُ، نقلها الصاغانيّ عن ابن الأَنْبَارِيّ، وأَنشد المُفضّل:

وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوَامُ أَنْ لَيْسَ فَوْقَهُ *** رَبٌ غَيْرُ مَنْ يُعْطِي الحُظُوظَ ويَرْزُقُ

كذا في لسان العرب وغيرِه من الأُمَّهَاتِ، فقولُ شيخِنَا: هذا التخفيفُ مما كَثُرَ فيه الاضْطِرَابُ إِلى أَنْ قالَ: فإِنّ هذا التعبيرَ غيرُ معتادٍ ولا معروفٍ بين اللغويينَ ولا مُصْطَلَحٍ عليه بينَ الصَّرْفِيِّينَ، مَحَلُّ نَظَرٍ.

والاسْمُ الرِّبَابَةُ بالكَسْرِ قال:

يَا عِنْدُ أَسْقَاكِ بِلَا حِسَابَهُ *** سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبَابَهْ

والرُّبُوبِيَّةُ، بالضَّمِّ كالرِّبَابَةِ: وعِلْمٌ رَبُوبِيٌّ بالفَتْحِ نِسْبَةٌ إِلى الرَّبِّ علَى غَيْرِ قِيَاسِ وحكى أَحمد بن يحيى لَا وَرَبْيِكَ مُخَفَّفَةً، لا أَفْعَلُ؛ أَي لَا وَرَبِّكَ، أُبْدِلَ البَاءَ يَاءً للتَّضْعِيفِ ورَبُّ كُلِّ شيْ‌ءٍ: مَالِكُهُ ومُسْتَحِقُّهُ، أَوْ صَاحِبُهُ يقال: فلانٌ رَبُّ هَذَا الشي‌ءِ؛ أَي مِلْكُه لَهُ، وكُلَّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا فهو رَبُّهُ، يقال: هُوَ رَبُّ الدَّابَّةِ، ورَبُّ الدَّارِ، وفُلَانَةُ رَبَّةُ البَيْتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الحِجَالِ، وفي حديث أَشْرَاطِ السَّاعَةِ «أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، ورَبَّهَا أَرادَ به المَوْلَى والسَّيِّدَ يَعْنِي أَنَّ الأَمَةَ تلِدُ لِسَيِّدِهَا وَلَدًا فَيَكُونُ كالمَوْلَى لَهَا لأَنَّه في الحَسَبِ كَأَبِيهِ، أَرَادَ أَنَّ السَّبْيَ يَكْثُرُ والنِّعْمَةَ تَظْهَرُ في النَّاسِ فَتَكْثُرُ السَّرارِي، وفي حديث إِجَابة الدَّعْوَةِ «اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ» أَي صَاحِبَهَا، وقيلَ المُتَمِّمَ لَهَا والزَّائِدَ في أَهْلِهَا والعَمَلِ بها والإِجَابَةِ لَهَا، وفي حديث أَبي هريرةَ «لَا يَقُلِ المَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ: رَبِّي» كَرِهَ أَنْ يَجْعَلَ مَالِكَهُ رَبًّا [له] لِمُشَارَكَةِ اللهِ في الرُّبُوبيَّة فَأَمَّا قوله تعالَى {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} فَإِنَّهُ خَاطَبَهُمْ عَلَى المُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ، وعلى ما كانُوا يُسَمُّونَهُمْ به، وفي ضَالَّةِ الإِبِلِ «حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» فإِن البَهَائِمَ غَيْرَ مُتَعَبّدَةٍ وَلَا مُخَاطَبَةٍ، فهي بمَنْزِلَةِ الأَمْوَالِ التي تَجُوزُ إِضَافَةُ مالِكِها إِليها، وقولُه تعالى {ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً}. فَادْخُلِي فِي عَبْدِي فِيمَنْ قَرَأَ به، مَعْنَاهُ ـ والله أَعْلَمْ ـ ارْجِعِي إِلى صَاحِبِكِ الذي خَرَجْتِ مِنْهُ، فادخُلِي فيهِ، وقال عزّ وجلّ {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ} قال الزجاج: إِنَّ العَزِيزَ صَاحِبِي أَحْسَنَ مَثْوَاي، قال: ويَجُوزُ أَنْ يكونَ: الله رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ، الجمع: أَرْبَابٌ ورُبُوبٌ.

والرَّبَّانِيُّ: العَالِمُ المُعَلِّمُ الذي يَغْذُو النَّاسَ بصِغَارِ العُلُومِ قبلَ كِبَارِهَا، وقال مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ بنُ الحَنَفِيَّةِ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ الله بنُ عَبَّاسٍ «اليوْمَ مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ»، ورُوِي عن عَلِيٍّ أَنَّه قَالَ «النَّاسُ ثَلاثَةٌ: عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ، وهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتباعُ كُلِّ نَاعِقٍ» والرَّبَّانِيُّ: العَالِمُ الرَّاسِخُ في العِلْمِ والدِّينِ، أَو العَالِمُ العَامِلُ المُعَلِّمُ، أَو العالِي الدَّرَجَةِ في العِلْمِ، وقيلَ: الرَّبَّانِيُّ: المُتَأَلِّهُ العَارِفُ باللهِ عَزَّ وجَلَ. ومُوَفّقُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي العَلَاءِ الرَّبَّانِيُّ المُقْرِئ كانَ شَيْخًا للصُّوفِيّةِ ببَعْلَبَكَّ لَقِيَه الذَّهَبِيُّ.

والرِّبِّيُّ والرَّبَّانِيُّ: الحَبْرُ بكَسْرِ الحَاء وفَتْحِها، ورَبُّ العِلْمِ ويقالُ: الرَّبَّانِيّ: الذي يَعْبُدُ الرَّبَّ، قال شيخُنَا: ويوجدُ في نُسخ غريبةٍ قديمةٍ بعد قوله «الحَبْرُ» ما نَصَّه: مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّبَّانِ، وفَعْلَانُ يُبْنَى مِنْ فَعِلَ مَكْسورِ العَيْنِ كَثِيرًا كعَطْشَانَ وسَكْرَانَ، ومِنْ فَعَلَ مَفْتُوحِ العَيْن قَلِيلًا كنَعْسَانَ، إلى هنا، أَوْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلى الرَّبِّ؛ أَي اللهِ تعالَى بزيادَةِ الأَلِف والنونِ للمُبَالَغَةِ، [في النسب] وقال سيبويه: زادُوا أَلفًا ونُونًا في الرَّبَّانِيِّ إِذا أَرَادُوا تَخْصِيصًا بعِلْمِ الرَّبِّ دُونَ غَيْرِه، كأَنَّ مَعْنَاهُ صاحبُ عِلْمِ بالرَّبِّ دونَ غيرِه من العُلُومِ، والرَّبَّانِيُّ* كقولِهِم إِلهِيٌّ، ونُونُه كلِحْيَانِيّ وشَعْرَانِيّ ورَقَبَانِيّ إذا خصَّ بِطُولِ اللِّحْيَةِ وكَثْرَةِ الشَّعْرِ وغِلَظِ الرَّقَبَةِ، فإِذا نَسَبُوا إلى الشَّعِر قالوا: شَعِريُّ، وإلى الرَّقَبَةِ قالُوا رَقَبِيٌّ و [إِلى اللّحْيَة] لِحْيِىّ، والرِّبِّيُّ المنسوب إِلى الرَّبّ، والرَّبَّانِيُّ: الموصوف بعِلْمِ الرَّبِّ، وفي التنزيل {كُونُوا رَبّانِيِّينَ} قال زِرُّ بنُ عَبْدِ اللهِ: أَي حُكَمَاءَ عُلَمَاءَ، قال أَبو عُبيدٍ: سمعتُ رجلًا عالِمًا بالكُتُب يقولُ: الرَّبَّانِيُّونَ: العُلَمَاءُ بالحَلَالِ والحَرَام، والأَمْرِ والنَّهْي، قال: والأَحْبَارُ: أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِأَنْبَاءِ الأُمَمِ، ومَا كَانَ ويَكُونُ، أَوْ هُوَ لَفْظَةٌ سِرْيَانِيَّةٌ أَوْ عِبْرَانِيَّةٌ، قاله أَبو عُبَيْد، وزَعَمَ أَنَّ العَربَ لا تعرفُ الرَّبَّانِيِّينَ وإِنَّما عَرَفَهَا الفُقَهَاءُ وأَهْلُ العِلْمِ.

وَطَالَتْ مَرَبَّتُهُ النَّاسَ ورِبَابَتُه، بالكَسْرِ أَي مَمْلَكَتُهُ قال عَلْقَمَة بنُ عَبَدَة:

وكُنْتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِلَيْكَ رِبَابَتِي *** وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوب

ويُرْوى: رَبُوبُ، بالفَتْحِ، قال ابن منظور: وعِنْدِي أَنَّه اسمٌ للجَمْع. وإِنَّه مَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبُوبَةِ أَي مَمْلُوكٌ والعِبَادُ مَرْبُوبُونَ لِلّه عَزَّ وجَلَّ؛ أَي مَمْلُوكُونَ.

ورَبَّهُ يَرُبُّه كان له رَبًّا.

وتَرَبَّبَ الرَّجُلَ والأَرْضَ: ادَّعَى أَنَّهُ رَبُّهُمَا.

ورَبَّ النَّاسَ يَرُبُّهُمْ: جَمَعَ، ورَبَّ السَّحَابُ المَطَرَ يَرُبُّهُ؛ أَي يَجْمَعُهُ ويُنَمِّيهِ، وفُلَانٌ مَرَبٌّ؛ أَي مَجْمَعٌ يَرُبُّ النَّاسَ ويَجْمَعُهُم.

ومن المجاز: رَبَّ المَعْرُوفَ والصَّنِيعَةَ والنِّعْمَةَ يَرُبُّهَا رَبًّا وَرِبَابًا ورِبَابَةً ـ حَكَاهُمَا اللِّحْيَانيّ ـ ورَبَّبَهَا: نَمَّاهَا وزَادَ هَا وأَتَمَّهَا وأَصْلَحَهَا.

ورَبَّ بالمَكَانِ: لَزِمَ قال:

رَبَّ بِأَرْضٍ لَا تَخَطَّاهَا الحُمُرْ

ومَرَبُّ الإِبِلِ: حَيْثُ لَزِمَتْهُ. ورَبَّ بالمَكَانِ، قال ابن دريد: أَقَامَ به، كَأَرَبَّ، في الكُلِّ، يقال أَرَبّتِ الإِبِلُ بمكَانِ كَذَا: لَزِمَتْهُ وأَقَامَتْ به، فهي إِبِلٌ مَرَابُّ: لَوَازِمُ، وأَرَبَّ فلانٌ بالمكان وأَلَبَّ، إِرْبَابًا وإِلْبَابًا، إِذا أَقَامَ به فلم يَبْرَحْهُ، وفي الحديث «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غِنًى مُبْطِرٍ وفَقْرٍ مُرِبٍّ» قال ابنُ الأَثِير: أَوْ قَالَ «مُلِبٍّ» أَي لَازِم غَيْرِ مُفَارِقٍ، من أَرَبَّ بالمَكَانِ وأَلَبَّ إِذا أَقَامَ به ولَزِمَه، وكُلُّ لازمٍ شَيْئًا مُرِبٌّ.

وأَرَبَّتِ الجَنُوبُ: دَامَتْ. ومن المجاز: أَرَبَّتِ السَّحَابَةُ: دَامَ مَطَرُهَا.

وأَرَبَّتِ النَّاقَةُ: لَزِمَتِ الفَحْلَ وأَحَبَّتْهُ.

وأَرَبَّتِ النَّاقَةُ بِوَلَدِهَا: لَزِمَتْ، وأَرَبَّتْ بالفَحْلِ: لَزِمَتْهُ وأَحَبَّتْهُ، وهِي مُرِبُّ، كذلك، هذه رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدٍ عن أَبي زيد.

ورَبَّ الأَمْرَ يَرُبُّهُ رَبًّا ورِبَابَةً: أَصْلَحَهُ ومَتَّنَهُ، أَنشد ابن الأَنباريّ:

يرُبُّ الذي يَأْتِي مِنَ العُرْفِ إِنَّهُ *** إِذَا سُئلَ المَعْرُوفَ زَادَ وتَمَّمَا

ومن المجاز: رَبَّ الدُّهْنَ: طَيَّبهُ وأَجَادَهُ، كَرَبَّبَه، وقال اللِّحْيَانيّ: رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُهُ باليَاسَمِينِ أَو بَعْضِ الرَّيَاحِينِ، ودُهْنٌ مُرَبَّبٌ، إِذا رُبِّبَ الحَبُّ الذي اتُّخِذَ منه بالطِّيبِ.

ورَبَّ القَوْمَ: سَاسَهُمْ؛ أَي كان فَوْقَهُمْ، وقال أَبو نصر: هو مِن الرُّبُوبِيَّةِ وفي حديث ابن عبّاس مع ابن الزُّبير «لأَنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ» أَي يَكُونُونَ عَلَيَّ أُمَرَاءَ وسَادَةً مُتَقَدِّمِينَ، يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ فإِنَّهُمْ إِلى ابنِ عبّاسٍ [في النَّسَبِ] أَقْرَبُ من ابنِ الزُّبَيْرِ.

وَرَبَّ الشَّيْ‌ءَ: مَلَكَهُ قال ابن الأَنْبَاريّ: الرَّبُّ يَنْقَسِمُ على ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، يَكُونُ الرَّبُّ: المَالِكَ، ويكونُ الرَّبُّ: السَّيِّدَ المُطَاعَ، ويكُونُ الرَّبُّ: المُصْلِحَ، وقولُ صَفْوَان [بن أمية]: «لأَنْ يَرُبَّنِي فُلَانٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي فُلَانٌ» أَي سَيِّدٌ يَمْلِكُنِي.

ورَبَّ فلانٌ نِحْيَهُ أَيِ الزِّقَّ يَرُّبُّهُ رَبًّا بالفَتْحِ ويُضَمُّ: رَبَّاهُ بالرُّبِّ أَي جَعَلَ فيه الرُّبَّ ومَتَّنَه به، وهُوَ نِحْيٌ مَرْبُوبٌ قال:

سَلالَهَا في أَدِيمٍ غَيْرِ مَرْبُوبِ

أَي غيرِ مُصْلَحٍ، وفي لسان العرب: رَبَبْتُ الزِّقَّ بالرُّبِّ، والحُبَّ بالقِيرِ والقَارِ أَرُبُّهُ رَبَّا أَي مَتَّنْتُهُ وقيلَ: رَبَبْتُه: دَهَنْتُهُ وأَصْلَحْتُه، قال عَمْرُو بن شَأْسٍ يخَاطِبُ امْرَأَته، وكانت تُؤْذِي ابْنَهُ عِرَارًا:

وإِنَّ عِرَارًا إِنْ يَكُنْ غَيْرَ وَاضِحٍ *** فَإِنِّي أُحِبُّ الجَوْنَ ذَا المَنْكِبِ العَمَمْ

فَإِنْ كُنْتِ مِنّي أَوْ تُرِيدِينَ صُحْبَتِي *** فكُونِي له كالسَّمْنِ رُبَّ لَهُ الأَدَمْ

أَرَادَ بالأَدَمِ النِّحْيَ، يقولُ لزوجته: كُونِي لولدِي عِرَارٍ كسَمْنٍ رُبَّ أَدِيمُه أَي طُلِيَ بِرُبِّ التَّمْرِ، لأَنَّ النِّحْيَ إِذَا أُصْلِحَ بالرُّبِّ طابتْ رَائِحَتُه، ومَنَعَ السمنَ [مِنْ غير] أَنْ يَفْسُدَ طَعْمُهُ أَو رِيحُه.

ورَبَّ وَلَدَهُ والصَّبِيَّ يَرُبُّهُ رَبًّا: رَبَّاهُ أَي أَحْسَنَ القِيام عليه وَوَلِيَهُ حَتَّى أَدْرَكَ أَي فارَقَ الطُّفُولِيَّةَ، كانَ ابنَه أَو لمْ يَكُنْ كَرَبَّبَه تَرْبِيبًا، وتَرِبَّةً، كتَحِلّةٍ عن اللحْيَانيّ وارْتَبَّه، وتَرَبَّبَهُ ورَبَّاهُ تَرْبِيَةً على تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ أَيضًا، وأَنشد اللحْيَانيّ:

تُرَبِّبُهُ مِنْ آلِ دُودانَ شَلَّةٌ *** تَرِبَّةَ أُمٍّ لَا تُضِيعُ سِخَالَهَا

ورَبْرَبَ الرَّجُلُ إِذَا رَبَّى يَتِيمًا، عن أَبي عمرو.

وفي الحديث «لَكَ نِعْمَةٌ تَرُبُّهَا؛ أَي تَحْفَظُهَا وتُرَاعِيهَا وتُرَبِّيَها كَمَا يُرَبِّي الرجلُ وَلَدَه، وفي حديث ابنِ ذِي يَزَن:

أُسْدٌ تُرَبِّبُ في الغَيْضَاتِ أَشْبَالا

أَي تُرَبِّي، وهو أَبْلَغُ منه، ومن تَرُبُّ، بالتَّكْرِيرِ. وقال حسان بن ثابت:

ولأَنْتِ أَحْسَنُ إِذْ بَرَزْتِ لَنَا *** يَوْمَ الخُرُوجِ بَسَاحَةِ القَصْرِ

مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ صَافِيةٍ *** مِمَّا تَرَبَّبَ حَائِرُ البَحْرِ

يَعْنِي الدُّرَّةَ التي يُرَبِّيهَا الصَّدَفُ في قَعْرِ المَاء وزَعَمَ ابنُ دريد أَنَّ رَبِبْته كسَمِعَ لغةٌ فيه قال: وكذلك كلُّ طِفْلٍ مِنَ الحيوان غيرِ الإنسان، وكان ينشد هذا البيت:

كَانَ لَنَا وهْوَ فَلُوٌّ نِرْبَبُهْ

كَسَرَ حرفَ المُضَارَعَةِ ليُعْلَمَ أَن ثَانِيَ الفِعْلِ المَاضِي مكسورٌ، كما ذهب إِليه سيبويهِ في هذا النحو، قال: وهي لغة هُذَيْلٍ في هذا الضَّرْبِ من الفِعْلِ، قلتُ: وهو قولُ دُكَيْنِ بنِ رَجَاءٍ الفُقَيْمِيِّ وآخِرُه:

مُجَعْثَنُ الخَلْقِ يَطِيرُ زَغَبُهْ

ومن المجاز: الصَّبِيُّ مَرْبُوبٌ وَرَبِيبٌ وكذلك الفرسُ.

ومن المجاز أَيضًا: ربت المرأَةُ صَبِيَّهَا: ضَرَبَتْ على جَنْبِهِ قليلًا حتى يَنَامَ، كذا في الأَسَاس والمَرْبُوبُ المُرَبَّى، وقولُ سلامةَ بنِ جَنْدَلٍ:

مِنْ كُلِّ حَتٍّ إِذَا ما ابْتَلَّ مَلْبَدُه *** صافِي الأَدِيمِ أَسِيلِ الخَدِّ يَعْبُوبِ

لَيْسَ بأَسْفَى وَلَا أَقْنَى ولا سَغِلٍ *** يُسْقَى دَوَاءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبُوبِ

يجوزُ أَن يكونَ أَراد بمَرْبُوب الصَّبِيَّ، وأَن يكونَ أَرادَ به الفَرَسَ، كذا في لسان العرب.

وعن اللِّحْيَانيِّ: رَبَّت الشَّاةُ تَرُبُّ رَبًّا إِذا وَضَعَتْ وقيل: إذا عَلِقَتْ، وقيل: لا فِعْلَ لِلرُّبَّى، وسيأْتي بيانها، وإِنما فرَّقَ المُصنِّفَ مَادَّةً وَاحِدَة في مواضعَ شَتَّى، كما هو صنيعُه. وقال شيخنا عند قوله: ورَبَّ: جَمَعَ وأَقَامَ، إِلى آخر العبارة: أَطْلَقَ المصنفُ في الفِعْلِ، فاقتضى أَنَّ المضارعَ مضمومه سواءٌ كان متعدِّيًا، كرَبَّهُ بمعَانِيه، أَو كان لازمًا كَرَبَّ إِذَا أَقَامَ كَأَرَبَّ، كما أَطلق بعضُ الصرفيين أَنه يقال من بَابَيْ قَتَل وضَرَبَ مُطْلَقًا سواءٌ كان لازمًا أَو متعديًا، والصوابُ في هذا الفِعْل إِجراؤُه على القواعد الصَّرفيّة، فالمتعدِّي منه كَرَبَّه: جَمَعَه، أَو رَبَّاه مضمومُ المضارع على القياس، واللازِمُ منه كَرَبَّ بالمَكَانِ إِذا أَقام مكسورٌ على القياس، وما عداه كلّه تخليطٌ من المصنف وغيرِه، أه.

والرَّبيبُ: المَرْبُوبُ والرَّبِيبُ: المُعاهَدُ، والرَّبِيبُ: المَلِكُ وبهما فُسِّرَ قَولُ امرئ القيس:

فَمَا قَاتَلُوا عَنْ رَبِّهِمْ ورَبِيبِهِمْ *** ولا آذَنُوا جَارًا فَيَظْعَنَ سَالِمَا

أَيِ المَلِكِ: وقيلَ، المُعَاهَدِ.

والرَّبِيبُ: ابنُ امْرأَةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ، كالرَّبُوبِ، وهو بمعنى مَرْبُوبٍ، ويقال لنفس الرجل: رَابٌّ.

والرَّبِيبُ أَيضًا زَوْجُ الأُمِّ لَهَا وَلَدٌ من غيرِه، ويقال لامرأَةِ الرجل إِذا كان له ولدٌ من غيرها رَبِيبَة، وذلك مَعْنَى رَابَّةٍ كالرَّابِّ، قال أَبو الحَسَنِ الرُّمّانِيُّ: هو كالشَّهِيدِ والشَّاهِدِ، والخَبِيرِ والخَابِرِ، وفي الحَديث «الرَّابُّ كَافِلٌ» وهو زَوْجُ أُمِّ اليَتِيمِ، وهو اسمُ فاعلٍ من رَبَّهُ يَرُبُّهُ؛ أَي تَكَفَّلَ بأَمْرِه، وقال مَعْنُ بن أَوْسٍ يذكر امرأَتَه وذَكَرَ أَرْضًا لَهَا:

فَإِنَّ بِهَا جَارَيْنِ لَنْ يَغْدِرَا بِهَا *** رَبِيبَ النَّبِيِّ وابْنَ خَيْرِ الخَلَائِفِ

يَعْنِي عُمَرَ بنَ أَبِي سَلَمَةَ، وهو ابنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، وعَاصِمَ بنَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وأَبُوهُ أَبُو سَلَمَةَ، وهو رَبِيبُ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، والأُنْثَى رَبِيبَةٌ، وقال أَحْمَدُ بن يحيى: القَوْم الذين اسْتُرْضِعَ فيهم النبيُّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم أَرِبَّاءُ النبيِّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم، كأَنَّه جَمْعُ رَبِيبٍ، فعيلٌ بمعنى فاعِل.

والرَّبِيبُ: جَدُّ الحُسَينِ بنِ إِبراهيمَ المُحَدِّث، عن إِسحاقَ البَرْمَكِيِّ، وعبدِ الوَهّابِ الأَنْمَاطِيِّ.

* وفَاتَهُ أَبو مَنْصُورٍ عبدُ الله بنُ عبدِ السلامِ الأَزَجِيُّ، لَقَبُه رَبِيبُ الدَّوْلَةِ، عن أَبي القاسِمِ بنِ بَيَّان، وعبدُ الله بنُ عبد الأَحَدِ بنِ الرَّبِيبِ المُؤَدِّب، عن السِّلَفِيّ، وكان صالحًا يُزَارُ ماتَ سنة 621 وابن الرَّبِيبِ المُؤَرِّخ، وداوودُ بن مُلاعب، يُعْرَفُ بابنِ الرَّبِيبِ أَحَدُ مَنِ انتهى إِليه عُلُوُّ الإِسْنَادِ بعد السِّتمائة.

والرِّبَابَةُ بالكَسْرِ: العَهْدُ والمِيثَاقُ، قال عَلْقَمَةُ بنُ عَبَدَةَ:

وكُنْتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِلَيْكَ رِبَابَتِي *** وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رَبُوب

كالرِّبَابِ بالكَسْرِ أَيضًا، قال ابن بَرِّيّ، قال أَبو عليٍّ الفارسي: أَرِبَّةٌ: جَمْعُ رِبَابٍ، وهو العَهْدُ، قال أَبو ذؤيب يَذْكُرُ حُمُرًا:

تَوَصَّلُ بالرُّكْبَانِ حِينًا وتُؤْلِفُ ال *** جِوَارَ ويُعْطِيهَا الأَمَانَ رِبَابُهَا

والرِّبَابُ: العَهْدُ الذي يَأْخُذُه صاحِبُهَا من الناسِ لإِجَارتِهَا، وقال شمرٌ: الرِّبَابُ في بَيْتِ أَبي ذُؤيب جمع رَبٍّ، وقال غيرُه: يقولُ: إِذَا أَجَارَ المُجِيرُ هذِهِ الحُمُر أَعْطى صَاحِبَهَا قِدْحًا لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا قد أُجِيرَتْ فلا يُتَعَرَّضُ لَهَا، كأَنَّهُ ذَهَبَ بالرِّبَابِ إِلى رِبَابَةِ سِهَامِ المَيْسِرِ. والرِّبابَةُ بالكَسْرِ جَمَاعَةُ السِّهَامِ أَو خَيْطٌ تُشَدُّ به السِّهَامُ أَوْ خِرْقَةٌ أَو جِلْدَةٌ تُشَدُّ أَو تُجْمَعُ فِيهَا السَهام أَو هي السُّلْفَةُ التي تُجْعَلُ فيها القِدَاحُ، شَبِيهَةٌ بالكِنَانَةِ يكونُ فيها السِّهَامُ، وقيل: هي شَبِيهَةٌ بالكِنَانَةِ تُجْمَعُ فيها سِهَامُ المَيْسِرِ قال أَبو ذُؤيب يَصِفُ حِمَارًا وأُتُنَهُ:

وكَأَنَّهُنَّ رِبَابَةٌ وكَأَنَّهُ *** يَسَرٌ يُفِيضُ عَلَى القِدَاحِ ويَصْدَعُ

وقيلَ: هي سُلْفَةٌ، بالضَّمِّ، هي جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ يُعْصَبُ بها؛ أَي تُلَفُّ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ الحُرْضَةِ وهو مُخْرِجُ القِدَاحِ أَي قِدَاحِ المَيْسِر، وإنما يفعلون ذلك لِئَلًا وفي بعض النسخ لِكَيْلَا يَجِدَ مَسَّ قِدْحٍ يَكُونُ له في صاحِبه هَوىً.

والرَّبِيبَةُ: الحَاضِنَةُ قال ثعلب: لأَنها تُصْلِحُ الشَّيْ‌ءَ وتَقُومُ به وتَجْمَعه. والرَّبِيبَةُ: بِنْتُ الزَّوْجَةِ قال الأَزهريّ: رَبِيبَةُ الرَّجُل: بِنْتُ امْرَأَتِه مِنْ غَيْرِه، وفي حديث ابن عباس «إنَّمَا الشَّرْطُ فِي الرَّبَائِبِ» يُرِيدُ بَنَاتِ الزَّوْجَاتِ من غيرِ أَزْوَاجِهِنَّ الذينَ معهنَّ، وقد تَقَدَّمَ طَرَفٌ من الكلام في الرَّبِيبِ.

والرَّبِيبَةُ: الشَّاةُ التي تُرَبَّى في البَيْتِ للَبَنِهَا، وغَنَمٌ رَبائِب: تُرْبَطُ قَرِيبًا مِنَ البُيُوتِ وتُعْلَفُ لَا تُسَامُ، وهي التي ذَكَرَ إِبراهيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّهُ لَا صَدَقَةَ فِيهَا، قال ابنُ الأَثير في حديث النَّخَعِيِّ «لَيْس فِي الرَّبَائِبِ صَدَقَةٌ» الرَّبَائِبُ: [الغنم] التي تكونُ في البَيْتِ وليستْ بسائمةٍ، واحدَتُهَا رَبِيبَةٌ بمعنى مَرْبُوبَة لأَنَّ صَاحبَهَا يَرُبُّهَا، وفي حديث عائشة «كان لنا جِيرانٌ مِن الأَنصارِ لهم ربَائِبُ، وكانوا يَبْعَثُونَ إلينا مرن أَلْبَانِهَا».

والرَّبَّةُ: كَعْبَةٌ كانت بنَجْرانَ لِمَذْحِج وبَنِي الحارث بن كَعْب، والرَّبَّةُ: هي اللَّاتُ، في حديث عُرْوَةَ بنِ مسعُودٍ الثَّقَفِيِّ لما أَسْلَمَ وَعَادَ إِلى قومِه دَخَلَ مَنزلَه فأَنْكَرَ قَوْمُه دُخُولَه قَبْلَ أَن يَأْتِيَ الرَّبَّةَ، يَعْنِي اللَّاتَ، وهي الصَّخْرَةُ التي كانت تَعْبُدُهَا ثَقِيفٌ بالطَّائِفِ، وفي حديث وَفْدِ ثَقِيفٍ «كَانَ لَهُم بيْتٌ يُسَمُّونَهُ الرَّبَّةَ يُضَاهُونَ بَيْتَ اللهِ، فلَمَّا أَسْلَمُوا هَدَمَهُ المُغِيرَةُ».

والرَّبَّةُ: الدَّارُ الضَّخْمَةُ يقال: دَارٌ رَبَّةٌ أَي ضَخْمَةٌ، قال حسّان بن ثابت:

وَفِي كُلِّ دَارٍ رَبَّةٍ خَزْرَجِيَّةٍ *** وأَوْسِيَّةٍ لِي في ذَرَاهُنَّ وَالِدُ

والرِّبَّةُ بالكَسْر: نَبَاتٌ أَو اسمٌ لِعِدَّةٍ مِنَ النَّبَاتِ لا تَهيجُ في الصَّيْفِ تَبْقَى خُضْرَتُهَا شِتَاءً وصَيْفًا، ومِنْهَا الحُلَّبُ، والرُّخَامَى والمَكْرُ والعَلْقَى، يقالُ لِكُلِّهَا رِبَّةٌ، أَو هي بَقْلَةٌ نَاعِمَةٌ، وجَمْعُهَا رِبَبٌ، كذا في التهذيب، وقيلَ: هو كُلُّ ما أَخْضَرَّ في القَيْظِ من جمع ضُرُوبِ النَّبَاتِ، وقيلَ: هِيَ من ضُرُوبِ الشَّجَرِ أَو النَّبْتِ، فَلَمْ يُحَدَّ، قال ذو الرُّمَّة يَصِفُ الثَّوْرَ الوَحْشِيَّ:

أَمْسَى بِوَهْبَينِ مُجْتَازًا لِمَرْتَعِهِ *** مِنْ ذِي الفَوَارِسِ يَدْعُو أَنْفَهُ الرِّبَبُ

والرِّبَّةُ: شَجَرَةٌ، أَو هِيَ شَجَرَةُ الخَرُّوبِ والرِّبَّةُ: الجَمَاعَةُ الكَثِيرَةُ الجمع: أَرِبَّةٌ أَو الرِّبَّةُ عَشَرَةُ آلَافٍ أَوْ نَحْوُهَا، والجَمْعُ رِبَابٌ ويُضَمُّ، عن ابن الأَنباريّ. والرُّبَّةُ بالضَّمِّ: الفِرْقَةُ مِنَ النَّاسِ، قِيلَ: هِيَ عَشَرَةُ آلَافٍ، قال يُونُسُ: رَبَّةٌ ورِبَابٌ كجَفْرَةٍ وجِفَارٍ. وقال خَالِدُ بْنُ جَنْبَةَ: الرُّبَّةُ: الخَيْرُ اللَّازِمُ، وقال «اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك رُبَّةَ عَيْشٍ مُبَارَكٍ، فقِيلَ لَهُ: ومَا رُبَّتُهُ قال: كَثْرَةُ العَيْشِ وطَثْرَتُهُ. والمَطَرُ يَرُبُّ النَّبَاتَ والثَّرَى ويُنَمِّيه.

والمَرَبُّ بالفَتحِ: الأَرْضُ الكَثِيرةُ الرِّبَّةِ، وهو النَّباتُ، أَو التي لا يَزَالُ بها ثَرىً، قال ذو الرُّمَّة:

خَنَاطِيلُ يَسْتَقْرِينَ كُلَّ قَرَارَةٍ *** مَرَبٍّ نَفَتْ عَنْهَا الغُثَاءَ الرَّوَائِسُ

كالمِرْبَابِ، بالكَسْرِ، والمَرَبَّةُ والمَرْبُوبَةُ، وقيل: المِرْبَابُ من الأَرضِينَ: التي كَثُرَ نَبَاتُهَا ونَاسُهَا، وكُلُّ ذلك من الجَمْع والمَرَبُّ: المَحَلُّ وَمَكَانُ الإِقَامَةِ والاجتماع.

والتَّرَبُّبُ: الاجتمَاعُ.

والمَرَبُّ: الرَّجُلُ يَجْمَعُ النَّاسَ ويَرُبُّهُمْ.

وفي لسان العرب: «وَمَكَانٌ مَرَبُّ، بالفتح؛ أَي مَجْمَعُ الناسَ، قال ذو الرمَّة:

بِأَوَّلَ ما هاجَتْ لَكَ الشَّوْقَ دِمْنَةٌ *** بِأَجْرَعَ مِحْلَالٍ مَرَبٍّ مُحَلَّلِ

والرُّبَّى كحُبْلَى: الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ، وإذَا ماتَ وَلَدُهَا أَيضًا فهي رُبَّى، وقِيلَ: رِبَابَهَا: ما بَيْنَهَا وبَيْنَ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتهَا، وقِيلَ: شَهْرَيْنِ وقال الِّلحْيَانيّ: الرُّبَّى: هِيَ الحَدِيثَةُ النِّتاجِ، من غير أَنْ يَحُدَّ وقْتًا، وقيل: هي التي يَتْبَعُهَا ولدُهَا، وفي حديث عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه «لَا تَأْخُذِ الأَكُولَةَ وَلَا الرُّبَّى وَلَا المَاخِضَ» قال ابن الأَثِير: هي التي تُرَبَّى في البَيْتِ [من الغنم] لأَجْلِ اللَّبَنِ، وقيل: هي القَرِيبَةُ العَهْدِ بالوِلَادَةِ، وفي الحديث أيضًا «مَا بَقِيَ في غَنَمِي إِلَّا فَحْلٌ أَوْ شَاةٌ رُبَّى» وقيلَ: الرُّبَّى مِنَ المَعْزِ، والرَّغُوُثُ مِنَ الضَّأْنِ، قاله أَبو زيد، وقال غيرُه: من المَعْزِ والضَّأْنِ جميعًا، ورُبَّمَا جاءَ في الإبِلِ أَيضًا، قال الأَصمعيّ: أَنْشَدَنَا مُنْتَجِعُ بنُ نَبْهَانَ:

حَنِينَ أُمِّ البَوِّ فِي رِبَابِهَا

والرُّبَّى: الإِحْسَانُ والنِّعْمَةُ نقله الصاغَانِيّ والرُّبَّى: الحَاجَةُ يقال: لِي عندَ فُلَانٍ رُبَّى، وعن أَبي عمرو: الرُّبَّى: الرَّابَّة والرُّبَّى: العُقْدَةُ المُحْكَمَةُ يقال في المثل «إنْ كُنْتَ بِي تَشُدُّ ظَهْرَكَ فَأَرْخِ مِنْ رُبَّى أَزْرِكَ» يقولُ: إِنْ عَوَّلْتَ عَلَيَّ فَدَعْنِي أَتْعَبْ، واسْتَرْخِ أَنْتَ واسْتَرِحْ الجمع: أَي جَمْعُ الرُّبَّى من المَعْزِ والضَّأْنِ رُبَابٌ بالضَّمِّ وهو نادِرٌ قاله ابنُ الأَثِير وغيرُه تَقُولُ: أَعْنُزٌ رُبَابٌ، قال سيبويه: قَالُوا: رُبَّى ورُبَابٌ، حَذَفُوا أَلِفَ التأْنيثِ وَبَنَوْهُ على هذا البِنَاءِ، كما أَلْقَوُا الهَاءَ مِنْ جَفْرَةٍ فقالُوا: جِفَارٌ إِلَّا أَنَّهُمْ ضَمُّوا أَوَّلَ هَذَا، كما قالوا: ظِئْرٌ وظُؤَارٌ ورِخْلٌ ورُخَالٌ، والمَصْدَرُ رِبَابٌ كَكِتَابٍ، وفي حديث شُرَيْحٍ «إنَّ الشَّاةَ تُحْلَبُ فِي رِبَابِهَا» وحَكَى اللِّحْيَانيُّ: غَنَمٌ رِبَابٌ، بالكَسْرِ، قال: وهي قَلِيلَةٌ، كذا في لسان العرب، وأَشَارَ له شيخُنَا، وفي حديث المُغِيرَةِ «حَمْلُهَا رِبَابٌ» رِبَابُ المَرْأَةِ: حِدْثَانُ وِلَادَتِهَا، وقيل: هو ما بَيْنَ أَنْ تَضَعَ إِلى أَنْ يَأْتِيَ عليها شَهْرَانِ، وقِيل: عِشْرُونَ يَوْمًا، يُرِيدُ أَنَّهَا تَحْمِلُ بعدَ أَنْ تَلِدَ بيَسِيرٍ، وذلك مَذْمُومٌ في النِّسَاءِ، وإِنَّمَا يُحْمَدُ أَنْ لا تَحْمِلَ بعد الوَضْعِ حتَّى يَتِمَّ رَضَاعُ وَلَدِهَا.

والإِرْبَابُ بالكَسْرِ: الدُّنُوُّ من كُلِّ شيْ‌ءٍ.

والرَّبَابُ بالفَتْحِ: السَّحَابُ الأَبْيَضُ وقيل: هو السَّحَابُ المُتَعَلِّقُ الذي تَرَاهُ كأَنَّهُ دُونَ السحابِ، قال ابن بَرِّيّ: وهذا القولُ هو المعروفُ، وقد يكونُ أَبْيضَ، وقد يكون أَسودَ واحدتُهُ بهاءٍ ومثلُهُ في المُخْتَار، وفي حديث النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم «أَنَّهُ نَظَرَ في اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ إِلَى قَصْرِ مِثْلَ الرَّبَابَةِ البَيْضَاءِ» قال أَبو عُبَيْد: الرَّبَابَةُ بالفَتْحِ: السَّحَابَةُ التي قد رَكِبَ بعضُها بعضًا وجَمْعُهَا: رَبَابٌ، وبها سُمِّيَتِ المَرْأَةُ الرَّبَابَ قال الشاعر:

سَقَى دَارَ هِنْدٍ حَيْثُ حَلَّ بِهَا النَّوَى *** مُسِفُّ الذُّرَى دَانِي الرَّبَابِ ثَخِينُ

وفي حديث ابن الزبيرِ «أَحْدَقَ بِكُمْ رَبَابُهُ» قال الأَصمعيّ: أَحْسَنُ بيتٍ قالته العرب في وصف الرَّبَابِ قولُ عبدِ الرحمنِ بنِ حسانَ، عَلَى ما ذَكَرَه الأَصمعيُّ في نِسْبَةِ البيتِ إِليه، قال ابن بَرِّيّ: ورَأَيْتُ مَنْ يَنْسُبُه لِعُرْوَةَ بن جَلْهَمَةَ المَازِنِيِّ:

إِذَا اللهُ لَمْ يُسْقِ إِلَّا الكِرَامَ *** فَأَسْقَى وُجُوهَ بَنِي حَنْبَلِ

أَجَشَّ مُلِثًّا غَزِيرَ السَّحَابِ *** هَزِيزَ الصَّلَاصِلِ والأَزْمَلِ

تُكَرْكِرُهُ خَضْخَضَاتُ الجَنُوبِ *** وتُفْرِغُه هَزَّةُ الشَّمْأَلِ

كَأَنَّ الرَّبَابَ دُوَيْنَ السَّحَابِ *** نعَامٌ تَعَلَّقَ بِالأَرْجُلِ

والرَّبَابُ: موضع بمَكَّةَ بالقُرْبِ من بِئْرِ مَيْمُونٍ، والرَّبَابُ أَيضًا: جَبَلٌ بين المَدِينَةِ وفَيْدٍ على طريقٍ كان يُسْلَكُ قديمًا يُذْكَرُ مَعَهُ جَبَلٌ آخرُ يقال له: خَوْلَة، وهما عن يَمينِ الطريقِ ويَسَارِه والرَّبَابُ مُحَدِّثٌ يَرْوِي عن ابن عَبّاس، وعنه تَمِيمُ ابن جُدَير، ذَكَرَه البُخَارِيّ، ورَبَابٌ عن مَكْحُولٍ الشاميِّ وعنه أَيوبُ بنُ موسى.

والرَّبَابُ: آلَةُ لَهْوٍ لَهَا أَوْتَارٌ يُضْرَبُ بِهَا، ومَمْدُودُ بنُ عبدِ اللهِ الوَاسِطِيّ الرَّبَابِيّ يُضْرَبُ بِه المَثَلُ في مَعْرِفَةِ المُوسِيقى بالرَّبَابِ مَاتَ ببغدَادَ في ذِي القَعْدَة سنة 638.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


40-تاج العروس (بعث)

[بعث]: بَعَثَه، كمَنَعَه يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه.

وبَعَثَ بِه: أَرسَلَه مع غَيْرِه، كابْتَعَثَه ابْتِعاثًا فانْبَعَثَ.

ومحمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسلّم خَيْرُ مَبْعُوثٍ ومُبْتَعَثٍ.

وَبَعَثَه لكذا، فانْبَعَثَ.

وفي حديثِ ابن زَمْعَةَ «انْبَعَثَ أَشْقَاهَا» يقال: انْبَعَثَ فُلان، لشَأْنِه، إِذا ثارَ ومَضَى ذاهِبًا لقضاءِ حاجَتِهِ.

وبَعَثَ النَّاقَةَ: أَثارَهَا فانْبَعَثَتْ: حَلَّ عِقَالَها، أَو كانَتْ بارِكَةً فهَاجَها.

وفي حديث حُذَيْفَة. إِنَّ لِلْفِتْنَةِ بَعَثَاتٍ ووَقَفَاتٍ، فمن اسْتطاع أَنْ يَموت في وَقَفَاتِها فلْيَفْعَلْ.

قوله: بَعَثاتٍ؛ أَي إِثارَاتٍ وتَهْيِيجاتٍ جَمعُ بَعْثةٍ، وكلّ شيْ‌ءٍ أَثَرْته فقدْ بَعَثْتَه، ومنه‌حديثُ عائِشةَ، رضي الله عنْهَا، «فبَعَثْنا البَعِيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَه».

وبَعَثَ فُلانًا مِن مَنامه فانْبَعَثَ: أَيْقظَه، وأَهَبَّهُ.

وفي الحديث: «أَتأَني اللَّيْلةَ آتِيَانِ، فابْتعثانِي» أَي أَيْقظانِي من نوْمي، وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ ما كان يَحْبِسُه عن التَّصَرُّفِ والانْبِعاث.

وفي الأَساس: بَعَثَهُ، وبَعْثرَهُ: أَثارَه، وعلى الأَمْرِ: أَثارَه. وتوَاصَوْا بالخَيْر، وتبَاعَثُوا عَليْهِ.

والبَعْثُ بفتح فسكون ويُحَرَّكُ وهو لغة فيه: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْوِ، وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا، والبَعْثُ يكونُ بَعْثًا للقوْم يُبْعَثُون إِلى وَجْه من الوجُوه، مثل السَّفْرِ والرَّكْب.

والبَعْثُ: الجَيْشُ، يقال: كنْتُ في بَعْثِ فُلانٍ؛ أَي في جَيْشِه الذي بُعث معه، الجمع: بُعُوثٌ، يقال: خَرَج في البُعُوثِ. [وهم] الجُنُودُ يُبْعَثُون إِلى الثُّغُور.

واعلم أَنّ البَعْث في كلام العَرَب على وَجْهَيْن: أَحدُهما: الإِرْسالُ، كقوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} معناه: أَرْسَلْنا.

والبَعْثُ: إِثارَةُ بارِكٍ، أَو قاعِدٍ.

والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياءُ من الله للمَوْتى، ومنه قولُه تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} أَي أَحْيَيْناكُم.

والبَعْثُ: النَّشْرُ، بَعَثَ المَوْتَى: نَشَرَهُم ليومِ البَعْثِ، وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُمْ بَعْثًا: نَشَرَهم، من ذلك، وفتح العَيْن في البَعْثِ كُلِّه لُغَةٌ.

ومن أَسْمَائِه عَزّ وجلّ الباعِثُ: هو الذي يَبْعَثُ الخَلْقَ؛ أَي يُحْيِيهم بعد المَوْتِ يومَ القِيَامَةِ.

والبَعِثُ ككَتِفٍ: المُتَهَجِّدُ السَّهْرَانُ كثيرُ الانْبِعاثِ من نَومه، وأَنشد الأَصمعيّ:

يا رَبِّ رَبِّ الأَرِقِ اللَّيْلَ البَعِثْ *** لم يُقْذِ عَيْنَيْهِ حِثَاثُ المُحْتَثِثْ

وبَعِثَ الرَّجُلُ كفَرحَ: أَرِقَ من نَوْمِهِ.

ورجل بَعْثٌ، بفتح فسكون، وبَعَثٌ، محرّكة، وبَعِثٌ، ككَتِف: لا تَزالُ هُمُومُه تُؤَرِّقُه وتَبْعَثُه من نَومه، قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:

تَعْدُو بأَشْعَثَ قَدْ وَهَى سِرْبالُه *** بَعْثٍ تُؤَرِّقُهُ الهُمُومُ فيَسْهَرُ

والجمْع أَبْعَاثٌ.

وانْبَعَثَ الشَّيْ‌ءُ، وتَبَعَّثَ: انْدَفَعَ.

وتَبَعَّثَ مِنّي الشِّعْرُ: انْبَعَث؛ كأَنَّه سَالَ، وفي بعض النسخ الصّحاح: كأَنَّه سارَ.

والبَعِيثُ: الجُنْدُ، جمعه بُعُثٌ.

وبَعِيثُك نِعْمَةٌ؛ أَي مَبْعُوثُكَ [الذي بَعَثْتَه إِلى الخَلق أَي أَرْسَلْتَه، فَعِيل بمعنى مفعول].

وَالبَعِيثُ: فرَسُ عَمْرِو بنِ مَعْدِيكَرِبَ الزُّبَيْدِيّ، وبِنْتُه الكامِلَةُ يأْتي ذِكْرُها.

وبَاعِثٌ، وبَعِيثٌ: اسمانِ.

والبَعِيثُ بنُ حُرَيْثٍ الحَنفِيّ والبَعِيثُ بنُ رِزَامٍ، هكذا في النُّسخ، وفي التَّكْملة: والبَعِيثُ: بَعِيثُ بني رِزَامٍ التَّغْلبِيّ.

وأَبُو مالكٍ البَعِيثُ، واسمه خِدَاشُ بنُ بَشيرٍ المُجَاشِعِيّ، هكذا في نسخَتنَا وفي بعضها بِشْر، ومثله في هامِش الصّحاح، وهو الصَّواب، وهو الذي هَجَاه جَرِير.

وفي التّكملة: والبَعِيثُ بنُ بِشِيرٍ راكبُ الأَسدِ السُّحَيْمِيّ، شُعَرَاءُ سُمِّيَ الأَخِير لِقَوْلِه ـ وهو من بني تميم:

تَبَعَّثَ مِنّي ما تَبَعَّثَ بَعْدَ مَا اسْ *** تَمَرَّ فُؤادي واسْتَمَرّ مَرِيرِي

قال ابنُ بَرِّيّ: وصوابه

... «واسْتَمَرّ عَزِيمِي

. والمُنْبَعِثُ على صيغة اسم الفاعل: رَجُلٌ من الصَّحابَةِ، وكان اسمُه مُضْطَجِعًا، فغَيَّرهُ النَّبِيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، تَفَاؤُلًا، وذلك في نَوْبةِ الطّائِف، وهو من عَبِيدِهِم، هَرَبَ كأَبِي بَكْرَةَ.

وبُعَاثٌ بالعَيْن المهملة وبالغَيْن المعجمة كغُرَاب، ويُثَلَّث: موضع بِقُربِ المَدينةِ على مِيلَيْنِ منها، كما في نسخة، وهذا لا يصحّ، وفي بعضها: على لَيْلَتَيْنِ من المدينة، وقد صَرّح به عِيَاضٌ، وابنُ قَرْقُول والفَيُّومِيّ، وأَهلُ الغَرِيبِ أَجمع، قال شيخنا: وجزَمَ الأَكثرُ بأَنّه ليس في بابه إِلا الضَّمّ كغُراب وفي المصباح: بُعَاث، كغُراب: موضعٌ بالمدينة، وتأْنيثه أَكثر، ويومُه م، معروف؛ أَي من أَيّامِ الأَوْسِ والخَزْرَجِ، بين المَبْعَث والهِجْرَةِ، وكان الظَّفَرُ للأَوْس.

قال الأَزهريّ: وَذَكَرَهُ ابن المُظَفَّر هذا في كتاب العَيْن، فجعله يوم بُغاث، وصَحَّفَه، وما كان الخَليلُ ـ رحِمَه الله ـ لِيَخْفَى عليه يومُ بُعاث، لأَنه من مشاهِيرِ أَيامِ العَربِ، وإِنما صَحّفه اللَّيْثُ، وعَزاه إِلى خَلِيلِ نَفْسِه، وهو لسانُه، واللهُ أَعلم.

وفي حديثِ عائِشَة رضِيَ اللهُ عنها، «وعِنْدَها جارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِما قِيلَ يومَ بُعَاثٍ» وهو هذا اليَوْم.

وبُعاثٌ: اسمُ حِصْنٍ للأَوْس.

قلت: وهكذا ذكره أَبو عليّ القالِي في العَيْنِ المُهْمَلة، كغُرَاب. وقال: هكذا سَمِعْناه من مشايخنا أَيضًا، وَهي عِبارَةُ ابنِ دُرَيْد بعَيْنِهَا، ووافقهُ البَكْرِيّ، وصاحِبُ المشارق، وحكى أَبو عُبَيْدَة فيه الإِعْجَام عن الخلِيل، وضبطه الأَصِيلِيّ بالوَجْهَيْنِ، وبالمُعْجَمَة عندَ القابِسِيّ، وهو خطأٌ.

قال شيخُنا: فهؤلاءِ كلّهم مُجْمِعُون على ضمّ الباءِ، ولا قائل بغير الضمّ، فقولُ المصنّف: ويُثلَّث، غير صحيح.

وفي حديثِ عُمرَ رضي ‌الله‌ عنه «لمّا صَالحَ نَصارَى الشَّامِ، كَتبُوا له؛ أَن لا نُحْدِث كَنيسَةً ولا قَلِيَّةً، ولا نُخْرِج سَعَانِينَ ولا بَاعُوثًا» البَاعُوثُ: اسْتِسْقاءُ النَّصَارَى وهو اسمٌ سُرْيَانيّ، وقيل: هو بالغيْنِ المُعْجَمَة والتّاءِ المنقوطة، فوقها نُقْطتان، وقد تقدّم الإِشارةُ إِليه.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

البَعْثُ: الرَّسولُ، والجمع البُعْثانُ.

والبَعْث: القوْمُ المُشْخَصُون، وفي حديث القِيامة: «يا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النّارِ» أَي المعبوثَ إِليها من أَهلِها، وهو من بابِ تسمية المَفْعُولِ بالمَصْدَر، وهو البعِيثَ، وجمعُ البَعْثِ بُعُوث، وجمع البَعِيثِ بُعُثٌ، قال:

ولكِنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَليْنا *** فصِرْنا بَيْن تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وَبَعَثه على الشَّيْ‌ءِ: حَمَله على فِعْلِه.

وبَعَثَ عَليْهم البَلاءَ: أَحَلَّهُ، وفي التَّنْزِيل {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وانْبَعَثَ في السَّيْرِ؛ أَي أَسْرَعَ.

وقُرِئ «يَا وَيْلنا مِنْ بَعْثِنا مِنْ مَرْقدِنا» أَي من بَعْثِ اللهِ إِيّانا من مَرْقدِنا.

والتَّبْعَاثُ: تَفْعَالٌ من بَعَثَه، إِذا أَثارَهُ، أَنْشدَ ابنُ الأَعْرَابيّ:

أَصْدَرَهَا عن كثْرَةِ الدَّآثِ *** صاحِبُ ليْلٍ خَرِشِ التَّبْعاثِ

وباعيثا: مَوضِعٌ معروف.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


41-تاج العروس (خرج)

[خرج]: خَرَجَ خُرُوجًا، نقيض دَخَلَ دُخُولًا ومَخْرَجًا بالفتح مَصدرٌ أَيضًا، فهو خارِجٌ، وخَرُوجٌ، وخَرَّاجٌ، وقد أَخْرَجَه، وخَرَجَ به.

والمَخْرَجُ أَيضًا: مَوْضِعُه أَي الخُرُوجِ يقال: خَرَجَ مَخْرَجًا حَسَنًا، وهذا مَخْرَجُه ويكون مَكانًا وزَمانًا، فإِن القاعدة أَنّ كلَّ فِعْلٍ ثُلاثيٍّ يكون مُضارعُه غيرَ مكسورٍ يأْتي منه المصدر والمَكَان والزَّمَان على المَفْعَل، بالفَتْح إِلّا ما شَذَّ كالمَطْلِع والمَشْرِقِ، مما جاءَ بالوَجْهَيْنِ، وما كان مضارِعُه مكسورًا ففيه تفصيلٌ: المَصْدَر بالفتح، والزّمانُ والمكانُ بالكسر، وما عدَاهُ شَذَّ، كما بُسِط في الصَّرْف ونَقلَه شيخنا.

والمُخْرَجُ بالضَّمِّ، قد يكون مَصْدَر قولِكَ أَخْرَجَهُ؛ أَي المصدر المِيميّ، وقد يكون اسْم المَفْعُولِ به على الأَصل واسْم المَكَانِ؛ أَي يَدُلُّ عليه، والزّمان أَيضًا، دالًّا على الوقْتِ، كما نَبَّه عليه الجوهريُّ وغيرُه وصرَّحَ به أَئمَّةُ الصّرْف، ومنه {أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} وقيل في {بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها} بالضَّمّ إِنّه مصدَرٌ أَو زَمانٌ أَو مَكَانٌ والأَوّل هو الأَوْجَهُ لِأَنَّ الفِعْلَ إِذَا جَاوَزَ الثَّلاثةَ رُبَاعِيًّا كان أَو خُمَاسِيًّا أَو سُداسيًّا فالمِيمُ منه مَضْمُومٌ، هكذا في النُّسخ، وفي نُسخ الصّحاح، وذلك الفِعْلُ المُتَجَاوِزُ عن الثَّلاثةِ سَوَاءٌ كان تجاوُزُه على جِهَةِ الأَصالةِ كدَحْرَج تَقُولُ هذا مُدَحْرَجُنَا أَو بالزّيادة كأَكْرَم وباقي أَبْنِيَةِ المَزِيد، فإِن ما زَاد على الثَّلاثةِ مَفعولُه بصيغةِ مُضارِعه المبنيِّ للمجهولِ، ويكون مَصْدَرًا ومكانًا وزمانًا قِيَاسِيًّا فاسمُ المَفْعولِ ممّا زادَ على الثَّلاثةِ بجميعِ أَنواعِه يُسْتَعْمَلُ على أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: مَفْعُولًا على الأَصْلِ، ومَصدرًا، وظَرْفًا بنَوعَيه، على ما قُرِّرَ في الصَّرْف.

والخَرْجُ: الإِتَاوَةُ تُؤْخذُ من أَموالِ النّاسِ كالخَرَاج، وهما واحدٌ لِشَي‌ءٍ يُخْرِجُه القَوْمُ في السَّنَةِ من مالِهم بقَدْرٍ مَعلومٍ.

وقال الزَّجَّاجُ: الخَرْجُ المَصْدَرُ. والخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ، وقد وَرَدَا معًا في القرآن، ويُضَمَّانِ، والفتح فيهما أَشهرُ، قال الله تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} قال الزَّجّاج: الخَرَاجُ: الْفَيْ‌ءُ، والخَرْجُ: الضَّرِيبَةُ والجِزْيَةُ، وقُرِئَ «أَمْ تَسْأَلُهُمُ خَرَاجًا» وقال الفَرَّاءُ: معناه أَم تَسأَلهم أَجْرًا على ما جِئْتَ به، فأَجْرُ رَبِّكَ وثَوابُه خَيْرٌ. وهذا الذي أَنكره شيخُنا في شَرْحِه وقال: ما إِخَالُه عَرَبيًّا، ثم قال: وأَمّا الخَرَاجُ الذي وَظَّفَه سيِّدُنا عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رضي ‌الله‌ عنه، علَى السَّواد وأَرْضِ الفَيْ‌ءِ، فإِن مَعناه الغَلَّةُ أَيضًا، لأَنه أَمَرَ بِمَساحةِ السَّوَادِ ودَفْعِها إِلى الفَلَّاحِين الذي كانُوا فيه على غَلَّة يُؤَدُّونَها كُلَّ سَنَةٍ، ولذلك سُمِّي خَرَاجًا، ثمّ قِيلَ بعدَ ذلك للبلادِ التي افتُتحَتْ صُلْحًا ووُظِّفَ ما صُولِحُوا علَيْه على أَراضِيهِم: خَرَاجِيَّةٌ، لأَن تلك الوَظِيفةَ أَشبَهَتِ الخَرَاجَ الذي أُلْزِمَ الفَلَّاحُونَ، وهو الغَلَّةُ، لأَن جُمْلَةَ مَعْنَى الخَراجِ الغَلَّةُ، وقيل لِلْجِزْيَةِ التي ضُرِبَتْ علَى رِقَابِ أَهلِ الذِّمَّة: خَرَاجٌ، لأَنه كالغَلَّة الوَاجبةِ عليهم.

وفي الأَساس: ويقال للجِزْيَةِ: الخَرَاجُ، فيقال: أَدَّى خَراجَ أَرْضِه، والذِّمِّيُ خَرَاجَ رَأْسِه.

وعن ابن الأَعْرَابيّ: الخَرْجُ على الرؤُوس، والخَرَاجُ، على الأَرضينَ.

وقال الرَّافِعيّ: أَصلُ الخَراجِ ما يَضْربُه السَّيِّدُ على عَبده ضَرِيبَةً يُؤَدِّيها إِليه، فيُسَمَّى الحاصلُ منه خَرَاجًا.

وقال القاضي: الخَراجُ اسمُ ما يَخْرُجُ من الأَرْض، ثم استُعْمل في مَنَافِع الأَملاك، كرَيع الأَرَضينَ وغَلَّةِ العَبِيدِ والحَيَوانات.

ومن المَجَاز: في حديث أَبي مُوسى «مثلُ الأُتْرُجَّةِ طَيِّبٌ رِيحُهَا، طَيِّبٌ خَرَاجُهَا» أَي طَعْمُ ثَمَرِهَا، تَشبِيهًا بالخَرَاجِ الذي يَقَعُ علَى الأَرَضِينَ وغيرِها.

وج الخَرَاجِ أَخْرَاجٌ وأَخَارِيجُ وأَخْرِجَةٌ.

ومن المجاز: خَرَجَت السَّماءُ خُرُوجًا: أَصْحَتْ وانْقَشَعَ عَنْهَا الغَيْمُ.

والخَرْجُ والخُرُوجُ: السَّحَابُ أَوَّلَ مَا يَنْشَأُ، وعن الأَصمعيّ: أَوَّل ما يَنْشَأُ السحابُ فهو نَشْ‌ءٌ، وعن الأَخفش: يُقَال للماءِ الذي يخْرُج من السَّحابِ: خَرْجٌ وخُرُوجٌ، وقيل: خُرُوجُ السَّحَابِ: اتِّسَاعُه وانْبِساطُه، قال أَبو ذُؤَيب:

إِذَا هَمَّ بالإِقْلاعِ هبَّتْ لَهُ الصَّبَا *** فَعاقَبَ نَشْ‌ءٌ بَعْدَها وخُرُوجُ

وفي التهذيب: خَرَجَت السَّماءُ خُرُوجًا إِذا أَصْحَتْ بعْدَ إِغَامَتها.

وقال هِمْيَانُ يَصفُ الإِبلَ ووُرُودَهَا:

فَصَبَّحَتْ جَابِيَةً صُهَارِجَا *** تَحْسَبُه لَوْنَ السَّمَاءِ خَارِجَا

يريد: مُصْحِيًا. والسّحَابَةُ تُخْرِجُ السَّحَابَة كما تُخْرِجُ الظَّلْمَ.

والخَرْجُ: خِلَافُ الدَّخْلِ.

والخَرْجُ: اسْمُ موضع باليَمَامَةِ.

والخُرْجُ بالضَّمِّ: الوِعَاءُ المَعْرُوفُ، عَرَبيٌّ، وهو جُوَالَقٌ ذو أَوْنَيْنِ وقيل مُعَرَّبٌ، والأَوّل أَصحُّ، كما نقلَه الجوهريُّ وغيرُهُ، والجمع: أَخْرَاجٌ، ويُجْمَع أَيضًا على خِرَجَةٍ، بكسْر ففتحٍ كجِحَرَةٍ، في جمع جُحْرٍ.

والخُرْجُ: وَادٍ لا مَنْفَذَ فيه، وهنالك دَارَةُ الخُرْجِ.

والخَرَجُ ـ بالتحريك ـ لَوْنَانِ مِنْ بَيَاضٍ وسَوادٍ، يقال:

كَبْشٌ أَخْرَجُ أَوْ ظَلِيمٌ أَخْرَجُ بَيِّنُ الخَرَجِ ونَعَامَةٌ خَرْجَاءُ، قال أَبو عَمرٍو: الأَخْرَجُ، من نَعْتِ الظَّلِيمِ في لَوْنِه، قال اللَّيْثُ: هو الذي لَوْنُ سَوادِهِ أَكْثَرُ مِن بَياضِه، كلَوْنِ الرَّمادِ، وجَبَلٌ أَخْرَجُ، كذلك.

وقَارَةٌ: خَرَجَاءُ: ذَاتُ لَوْنَيْنِ.

ونَعْجَةٌ خَرْجَاءُ، وهي السَّوْداءُ، البَيْضَاءُ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ أَوْ كِلْتَيهِمَا والخَاصِرَتَيْنِ، وسائرُهَا أَسْوَدُ.

وفي التهذيب: وشاةٌ خَرْجاءُ: بَيْضَاءُ المُؤَخَّرِ، نِصْفُهَا أَبْيَضُ والنِّصْف الآخَرُ لا يَضُرُّك [على] مَا كَانَ لَوْنُه، ويُقال: الأَخْرَجُ: الأَسْوَدُ فِي بَياضٍ والسَّوادُ الغَالِبُ.

والأَخْرَجْ مِن المِعْزَى: الذي نِصْفُه أَبْيَضُ ونِصْفُه أَسْودُ.

وفي الصّحاح: الخَرْجَاءُ من الشَّاءِ: التّي ابْيَضَّتْ رِجْلَاها مَعَ الخَاصِرَتَيْنِ، عن أَبي زيدٍ، وفَرَسٌ أَخْرَجُ: أَبْيَضُ البَطْنِ والجَنْبَينِ إِلى مُنْتَهَى الظَّهْرِ ولم يَصْعَدْ إِليه ولَوْنُ سائِرِه ما كان.

وقد اخْرَجَّ الظَّلِيمُ اخْرِجَاجًا، واخْرَاجَّ اخْرِيجَاجًا؛ أَي صارَ أَخْرَجَ.

وأَرْضٌ مُخَرَّجَةٌ كمُنَقَّشَة ـ هكذا في سائرِ النُّسخ المُصحّحة خِلافًا لشيخِنا، فإِنه صَوَّبَ حَذْفَ كافِ التَّشبيهِ، وجعل قولَه بعد ذلِك «نَبْتها» إِلخ بزيادةٍ في الشرح، وأَنت خبيرٌ بأَنّه تَكَلُّفٌ بل تَعَسُّف ـ أَي نَبْتُها فِي مَكَانٍ دُونَ مَكانٍ، وهكذا نَصُّ الجَوْهَرِيّ وغيرِه، ولم يُعَبِّرْ أَحدٌ بالتَّنْقِيش، فالصَّوابُ أَنه وَزْنٌ فَقَطْ.

ومن المَجَاز: عَامٌ مُخَرِّجٌ وفيه تَخْرِيجٌ؛ أَي خِصْبٌ وجَدْبٌ وعَامٌ أَخْرَجُ، كذلك، وأَرضٌ خَرْجَاءُ: فيها تَخْرِيجٌ، وعامٌ فيه تَخريجٌ إِذا أَنْبَتَ بعضُ المَواضِع ولمْ يُنْبِتْ بَعْضٌ.

قال شَمِرٌ: يقال: مَررْتُ على أَرضٍ مُخَرَّجة وفيها على ذلك أَرْتاعٌ. والأَرتاع أَماكِنُ أَصابَها مَطَرٌ فأَنبتَتِ البَقْلَ وأَمَاكنُ لم يُصِبْهَا مَطَرٌ، فتلكَ المُخَرَّجَةُ.

وقال بعضُهم: تَخْرِيجُ الأَرْضِ أَن يَكُونَ نَبْتُها في مَكَانٍ دُونَ مَكَانِ فتَرى بَيَاضَ الأَرْضِ في خُضْرَةِ النَّبَات.

والخَرِيجُ، كقَتِيلِ والخَرَاجُ، والتَّخْرِيجُ، كلُّه: لُعْبَةٌ لِفِتيان العَربِ، وقال أَبو حَنِيفَةَ: لُعْبَةٌ تُسَمَّى خَرَاجِ يُقَالُ لَهَا ـ وفي بعض النّسخ: فيها ـ خَرَاجِ خَرَاجِ، كقَطَامِ وقولُ أَبي ذُؤَيب الهُذليّ:

أَرِقْتُ لَهُ ذَاتَ العِشَاءِ كَأَنَّهُ *** مَخَارِيقُ يُدْعَى تَحْتَهُنَّ خَرِيجُ

والهاءُ في «له» تعود على بَرْقٍ ذَكرَه قَبْلَ البَيْتِ، شَبَّهَه بالمَخَارِيقِ، وهي جَمْعُ مِخْراقٍ، وهو المِنْدِيلُ يُلَفُّ لِيُضْرَبَ به، وقوله «ذَات العِشَاءِ» أَراد به السَّاعةَ التي فيها العِشَاءُ، أَرادَ صَوتَ اللّاعبينَ، شَبَّه الرَّعْدَ بها، قال أَبو عَلِيٍّ: لا يقال خَرِيجٌ، وإِنّما المعروف خَراجِ، غيرَ أَن أَبا ذُؤَيب احتاجَ إِلى إِقامةِ القافيةِ، فأَبدل الياءَ مكان الأَلف.

وفي التهذيب: الخَرَاجُ والخَرِيجُ: مُخَارَجَةٌ لُعْبَةٌ لِفِتيان العرب.

قال الفَرُّاءُ: خَرَاج اسمُ لُعبَةٍ لهم معروفةٍ، وهو أَن يُمْسِكَ أَحدُهم شَيْئًا بِيَدِه ويقولَ لسائِرهم: أَخْرِجُوا ما في يدِي.

قال ابنُ السِّكِّيت: [يقال]: لَعِبَ الصِّبْيَانُ خَرَاجِ، بكسر الجيم، بمنْزِلة دَرَاك وقَطَامِ.

والخُرَاجُ كالغُرَابِ: وَرَمٌ يَخْرُج بالبَدَن مِنْ ذَاتِه، والجمعُ أَخْرِجَةٌ وخِرْجَانٌ.

وفي عبارة بعضهم: الخُرَاجُ: وَرَمُ قَرْحٍ يَخْرُجِ بِدَابَّةٍ أَوْ غَيْرِها مِن الحَيَوانِ.

وفي الصّحاح: هو ما يَخْرُجُ فِي البَدَنِ مِن القُرُوح.

ويقال رَجُلٌ خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ كَهُمَزَةٍ أَي كثيرُ الخُرُوجِ والوُلُوجِ والخَارِجِيّ مَنْ يَسُودُ. ويَشْرُفُ بِنَفْسِه مِن غَيْرِ أَنْ يَكُونَ له أَصْلٌ قَدِيمٌ، قال كُثَيِّرٌ:

أَبَا مَرْوَانَ لَسْتَ بِخَارِجِيٍّ *** ولَيْسَ قَدِيمُ مَجْدِكَ بِانْتِحَالِ

وبَنُو الخَارِجِيَّة قَبيلةٌ مَعْرُوفَةٌ، يُنْسَبُون إِلى أُمِّهم، والنِّسْبَةُ إِليهم خَارِجِيٌّ، قال ابنُ دُريد: وأَحْسَبُهَا مِن بني عَمْرِو بن تَميمٍ.

وقولهم «أَسرَعُ مِن نِكاحِ أُمّ خَارِجَةَ» هي امْرَأَةٌ مِنْ بَجِيلَةَ وَلَدَتْ كَثِيرًا مِن القَبَائلِ، هكذا في النُّسخ، وفي بعضٍ: في قبائلَ مِن العربِ كَانَ يُقَالُ لَهَا: خِطْبٌ، فتَقُولُ: نِكْحٌ، بالكسر فيهما، وقد تقدّم في حرف الباءِ، يَشْكُرَ بن عَدْوَانَ بْنِ عَمْرِو بنِ قَيْسِ عَيْلَانَ، ويقال: خَارِجَةُ بن عَدْوَانَ.

ومن المجاز: خَرَّجت الرَّاعِيَةُ المَرْتَعَ، وتَخْرِيجُ الرَّاعِيَةِ المَرْعَى: أَنْ تَأَكُلَ بَعْضًا وتَتْرُكَ بَعْضًا، وفي اللّسان: وخَرَّجَتِ الإِبِلُ المَرْعَى: أَبقَتْ بَعْضَه وأَكلَتْ بَعْضَه.

وقال أَبو عُبَيْدةَ: من صِفَات الخَيْلِ الخَرُوجُ، كصَبور، فَرَسٌ يَطُولُ عُنُقُه فيَغْتَالُ بِعُنُقِه وفي اللسان: بطولها كُلَّ عِنَانٍ جُعِلَ في لِجَامِه، وكذلك الأُنثى بغير هاءٍ، وأَنشد:

كُلّ قَبَّاءَ كالهِرَاوَةِ عَجْلَى *** وخَرُوجٍ تَغْتَالُ كُلَّ عِنَانِ

والخَرُوجُ نَاقَةٌ تَبْرُكُ نَاحِيَةً مِن الإِبل، وهي من الإِبلِ المِعْنَاقُ المُتَقَدِّمَة، الجمع: خرُجٌ، بضمَّتينِ.

وقوله عزّ وجلّ: {ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} بالضَّمِّ أَي يومَ يَخرجُ الناسُ مِن الأَجداثِ، وقال أَبو عُبيدة: {يَوْمُ الْخُرُوجِ}: اسمُ يَوْمِ القِيَامَةِ، واستشهد بقولِ العَجَّاجِ:

أَلَيْسَ يوْمٌ سُمِّيَ الخُرُوجَا *** أَعْظَمَ يَوْمٍ رَجَّةً رَجُوجَا

وقال أَبو إِسحاق في قوله تعالى: {يَوْمُ الْخُرُوجِ} أَي يَوْم يُبعَثون فيخرجُون من الأَرْض، ومثله قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ}.

وقال الخليلُ بنُ أَحمد: الخُرُوجُ: الأَلِفُ الَّتي بَعْدَ الصِّلَةِ في الشِّعْر، وفي بعض الأُمّهات: في القافية، كقول لبيد:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فمُقَامُهَا

فالقافِيَةُ هي الميم، والهاءُ بعد الميم هي الصِّلَةُ، لأَنها اتّصلَتْ بالقَافِيَة، والأَلِفُ التي بعد الهاءِ هي الخُرُوجُ.

قال الأَخْفَشُ: تَلْزَمُ القَافِيَةَ بعد الرَّوِيِّ الخُرُوجُ، ولا يكون إِلَّا بحرْفِ اللِّينِ، وسبب ذلك أَن هاءَ الإِضمار لَا يَخْلُو مِن ضَمٍّ أَو كَسْرٍ أَو فَتْح، نحو ضَرَبَه، ومررت بِهِ، ولَقيتُها، والحَركاتُ إِذا أَشْبِعَتْ لم يَلْحَقْها أَبدًا إِلّا حُرُوفُ اللِّينِ، وليستِ الهَاءُ حَرْفَ لِينٍ، فيجوزُ أَن تَتْبَعَ حَرَكَةَ هَاءِ الضَّمِيرِ، هذا أَحدُ قَوْلَيِ ابنِ جِنِّي، جَعَلَ الخُروجَ هو الوَصْلَ، ثم جعلَ الخُرُوجَ غيرَ الوَصْلِ، فقال: الفَرْقُ بين الخُروجِ والوَصْلِ أَنَّ الخُرُوجَ أَشدُّ بُروزًا عَن حَرْفِ الرَّوِيّ، واكْتِنَافًا مِنَ الوَصْلِ، لأَنه بَعدَه، ولذلك سُمِّيَ خُروجًا، لأَنه بَرَزَ وخَرَجَ عن حَرفِ الرَّوِيّ، وكُلَّمَا تَراخَى الحَرْفُ فِي القافِيَةِ وَجَبَ له أَن يَتَمَكَّنَ في السّكُونِ واللِّينِ لأَنّه مَقْطَعٌ لِلوَقْفِ والاستراحةِ وفَناءِ الصَّوْتِ وحُسُورِ النَّفسِ، ولَيْسَت الهاءُ في لِينِ الأَلِف والواوِ والباءِ، لأَنهنّ مُستطِيلاتٌ مُمتَدَّاتٌ. كذا في اللسان.

ومن المجاز: فُلانٌ خَرَجَتْ خَوَارِجُه، إِذا ظَهَرَتْ نَجَابَتُهُ وتَوَجَّهَ لإِبْرَامِ الأُمورِ وإِحْكَامِهَا وعَقَلَ عَقْلَ مِثْلِه بَعْدَ صِباهُ.

وأَخْرَجَ الرَّجُلُ: أَدَّى خَرَاجَهُ؛ أَي خَراجَ أَرْضِه، وكذا الذِّمِّيُ خَرَاجَ رَأْسِه، وقد تَقدَّم.

وأَخْرَجَ إِذا اصْطادَ الخُرْجَ ـ بالضّمّ ـ مِن النَّعامِ، الذَّكَرُ أَخْرَجُ، والأُنْثى خَرْجَاءُ.

وفي التّهذيب: أَخْرَجَ، إِذا تَزَوَّجَ بِخِلَاسِيَّةٍ، بكسرِ الخاءِ المعجمة، وبعد السين المهملة ياءُ النِّسْبَة.

ومن المجاز: أَخْرَجَ، إِذا مَرَّ بهِ عَامٌ ذُو تَخْرِيجٍ؛ أَي نِصْفُه خِصْبٌ ونِصْفُه جَدْبٌ.

وأَخْرَجَتِ الرَّاعِيَةُ، إِذا أَكلَتْ بَعْضَ المَرْتَعِ وتَرَكَتْ بَعْضَه، ويقال أَيضًا خَرَّجَتْ تَخْرِيجًا وقد تَقدَّم.

والاسْتِخْراجُ والاخْتِراجُ: الاسْتِنْبَاطُ، وفي حديثِ بَدْر «فاخْتَرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قِرْبَةٍ» أَي أَخْرَجَهَا، وهو افْتَعَلَ منه.

واخْتَرجَه واسْتَخْرَجَه: طَلَبَ إِليه أَو مِنْه أَن يَخْرُجَ.

ومن المَجَاز: الخُرُوجُ: خُرُوجُ الأَدِيبِ ونَحْوِه، يقال: خَرَجَ فُلانٌ فِي العِلْمِ والصِّنَاعَةِ خُرُوجًا: نَبَغَ، وخَرَّجَه في الأَدَبِ تَخْرِيجًا، فتَخَرَّجَ هو، قال زُهَيْرٌ يَصِف خَيْلًا:

وخَرَّجَهَا صَوَارِخَ كُلَّ يَوْمٍ *** فَقَدْ جَعَلَتْ عَرائِكُهَا تَلِينُ

قال ابنُ الأَعرابيّ: مَعْنى خَرَّجَها: أَدَّبَها كما يُخَرِّجُ المُعَلِّمُ تِلميذَه.

ومن المجاز: هُو خَرِيجُ مَال، كأَمِيرٍ، وخِرِّيج مالٍ كعِنِّينٍ، بمعنى مَفْعُولٍ إِذا دَرَّبَه في الأُمورِ.

ومن المجاز: نَاقَةٌ مُخْتَرِجَةٌ إِذا خَرَجَتْ على خِلْقَة الجَمَلِ البُخْتِيِّ، وفي الحديث: أَنَّ الناقة التي أَرْسَلَهَا اللهُ تعالى آيةً لقومِ صالح عليه‌السلام، وهم ثمود، كانت مُخْتَرجَةً قال: ومعنى المُخْتَرجَة أَنها جُبِلَت على خِلْقَةِ الجملِ، وهي أَكبرُ منه وأَعْظَمُ.

والأَخْرَجُ: المُكَّاءُ، للَوْنِه.

والأَخْرَجَانِ: جَبَلَانِ، معروف أَي معروفان.

وجَبَلٌ أَخْرَجٌ، وقَارَةٌ خَرْجَاءُ، وقد تقَدّم.

وأَخْرَجَةُ: بِئْرٌ احْتُفِرَتْ في أَصْلِ أَحَدِهِما، وفي التهذيب: للعرب بِئْرٌ احْتُفِرَتْ في أَصْلِ جَبَلٍ أَخْرَجَ، يسَمُّونَها أَخْرَجَةُ، وبِئرٌ أُخرى احْتُفِرَتْ في أَصلِ جبَلٍ أَسْوَدَ يُسمّونها أَسْوَدَةُ، اشْتَقُّوا لهما اسمَيْنِ من نَعْتِ الجَبَلَيْنِ.

وعن الفَرّاءِ: أَخْرَجَةُ: اسمُ ماءٍ، وكذلك أَسْوَدَةُ، سُمِّيَتا بجَبَلَيْنِ، يقال لأَحدِهِمَا: أَسوَدُ، وللآخَرِ أَخْرَجُ.

وخَرَاجِ، كقَطامِ: فَرَسُ جُرَيْبَةَ بنِ الأَشْيَمِ الأَسَدِيّ.

ومن المجاز: خَرَّجَ الغلامُ اللَّوْحَ تَخْرِيجًا إِذا كَتَبَ بَعْضًا، وتَرَكَ بَعْضًا.

وفي الأَساس: إِذا كتبْتَ كِتَابًا، فتَرَكْتَ مواضِعَ الفُصُولِ والأَبوابِ، فهو كِتابٌ مُخَرَّجٌ.

ومن المجاز: خَرَّجَ العَمَلَ تَخْريجًا، إِذا جَعَلَه ضُرُوبًا وأَلْوَانًا يُخالفُ بعضُه بعْضًا.

والمُخَارَجَةُ: المُنَاهَدَةُ بالأَصابع، وهو أَن يُخْرِجَ هذا من أَصابِعِه ما شاءَ، والآخرُ مِثْلَ ذلك، وكذلك التّخارُجُ بها، وهو التَّناهُدُ.

والتَّخَارُجُ أَيضًا: أَنْ يَأْخُذَ بعضُ الشُّرَكَاءِ الدّارَ، وبعضُهُم الأَرْضَ قاله عبد الرَّحمن بن مَهْدِيّ: وفي حديث ابنِ عبّاس أَنه قال: «يتَخَارَجُ الشَّرِيكانِ وأَهلُ المِيرَاثِ» قال أَبو عُبَيْدٍ: يقول: إِذا كان المَتاعُ بين وَرَثَةٍ لم يقْتَسِمُوه، أَو بينَ شُرَكاءَ، وهو في يَدِ بعْضِهِم دُونَ بَعْضِ، فلا بَأْسَ أَنْ يَتَبايَعُوهُ وإِن لم يَعْرِفْ كلُّ واحدٍ نَصِيبَه بِعَيْنِهِ ولم يَقْبِضْه، قال: ولو أَراد رجلٌ أَجنبيٌّ أَن يَشتريَ نَصيبَ بعضِهِم لم يَجُزْ حتّى يَقْبِضَه البائعُ قبلَ ذلك.

قال أَبو منصور: وقد جاءَ هذا عن ابنِ عبَّاس مُفَسّرًا على غيرِ ما ذكرَه أَبو عُبيدٍ. وحدَّث الزُّهْريُّ بسَندِه عن ابنِ عبَّاس قال: ولا بَأْسَ أَن يَتَخَارَجَ القَوْمُ في الشَّرِكَة تكونُ بينهم فيأْخُذَ هذا عَشْرَةَ دَنانيرَ نَقْدًا ويأْخُذَ هذا عَشْرَةَ دَنانيرَ دَيْنًا.

والتَّخارُجُ تَفاعُلٌ من الخُرُوج، كأَنَّه يَخْرُجُ كلُّ واحدٍ مِن شَرِكَته عن مِلْكِه إِلى صاحِبه بالبَيْع، قال: ورواه الثَّوْرِيُّ عن ابنِ عَبّاس في شَرِيكَيْنِ: لا بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَا. يَعْنِي العَيْنَ والدَّيْنَ.

ومن المَجَاز رَجُلٌ خَرَّاجٌ وَلَّاجٌ أَي كَثِيرُ الظَّرْفِ ـ بالفتح فالسّكون ـ والاحْتِيالِ، وهو قَوْلُ زَيْدِ بنِ كُثْوَةَ.

وقال غَيرُه: خَرّاجٌ وَلّاجٌ، إِذا لم يُسْرِعْ في أَمرٍ لا يَسْهُلُ له الخُرُوجُ منه إِذا أَراد ذلك.

والخَارُوجُ: نَخْلٌ، م؛ أَي معروف، وفي اللسان: وخَارَوجٌ: ضَرْبٌ من النَّخْل.

وخَرَجَةُ، مُحَرَّكةً: ماءٌ والذي في اللِّسان وغيره: وخَرْجَاءُ: اسمُ رَكِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، قلت: وهو غَيْرُ الخَرْجَاءِ التي تَقدَّمتْ.

وعُمَرُ بنُ أَحمْدَ بنِ خُرْجَةَ، بالضّمِّ، مُحَدِّثٌ.

والخَرْجَاءُ: مَنْزِلٌ بينَ مَكَّةَ والبَصْرَةِ به حِجَارَةٌ سُودٌ وبِيضٌ، وفي التهذيب سُمِّيَتْ بذلك، لأَنَّ في أَرضِهَا سَوادًا وبَياضًا إِلى الحُمْرَةِ.

وخَوَارِجُ المَالِ: الفَرَسُ الأُنْثَى، والأَمَة، والأَتَانُ.

وفي التهذيب: الخَوَارِجُ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الأَهْوَاءِ لَهُم مَقَالَةٌ على حِدَةٍ، انتهى، وهم الحَرُورِيَّةُ، والخَارِجِيَّةُ طائفةٌ منهم، وهم سَبْعُ طَوَائِفَ، سُمُّوا بِه لِخُرُوجِهِمْ عَلَى، وفي نسخَة: عن النَّاسِ، أَو عن الدِّينِ، أَو عن الحَقَّ، أَو عن عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه بعدَ صِفِّينَ، أَقوالٌ.

وقَوْلُه صلَّى اللهُ تعالَى عليه وسَلَّمَ: «الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» خَرَّجَه أَربابُ السُّنَنِ الأَربعةُ، وقال التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ، وحَكَى البَيْهَقِيُّ عنه أَنه عَرَضَه على شَيْخِه الإِمام أَبي عبدِ الله البُخَارِيّ فكأَنّه أَعجَبَهَ، وحَقَّقَ الصَّدْرُ المَنَاوِيُّ تَبَعًا للدَّارَقُطْنِيّ وغيرِه أَنّ طَرِيقَهُ التي أَخْرجَه منها التِّرمِذِيُّ جَيّدة، وأَنّها غيرُ الطَّرِيقِ التي قال البُخَارِيّ في حديثها إِنه مُنْكَرٌ، وتلك قِصَّةٌ مُطَوَّلَةَ، وهذا حديثٌ مُخْتَصرٌ، وخَرَّجَه الإِمامُ أَحمد في المُسْنَد، والحَاكِمُ في المُسْتَدْرَكِ، وغيرُ واحدٍ عن عائشةَ، رضي ‌الله‌ عنها، وقال الجَلالُ في التَّخريج: هذا الحَديثُ صَحَّحَه التِّرمذيّ، وابنُ حِبَّانَ، وابنُ القَطَّانِ، والمُنْذِرِيُّ، والذَّهَبِيُّ، وضعَّفَه البُخَاريّ، وأَبو حاتمٍ وابنُ حَزْمٍ، وجَزَم في مَوْضع آخَرَ بصِحَّتِه، وقال: هو حديثٌ صَحِيحٌ أَخرجَه الشَّافعيُّ وأَحمدُ وأَبو دَاوُودَ والتِّرمِذِيّ والنَّسَائِيّ وابنُ مَاجَهْ وابنُ حِبَّانَ، من حَديثِ عائشةَ، رضي ‌الله‌ عنها، قال شيخُنا: وهو من كلام النُّبُوَّة الجامعُ، واتَّخَذه الأَئمّةُ المُجْتَهِدُون والفقهاءُ الأَثْباتُ المُقَلِّدُونَ قاعدةً من قواعِدِ الشَّرْعِ، وأَصْلًا من أُصول الفِقْه، بَنَوْا عليه فُرُوعًا واسِعَةً مبسوطةً، وأَورَدُوهَا في الأَشباه والنظائر، وجَعلوها كقاعدةِ: الغُرْمُ بِالغَنْمِ، وكِلاهُما مِن أَصولِه المُحرَّرةِ، وقد اخْتلفَتْ أَنظارُ الفُقَهَاءِ في ذلك، والأَكثرُ على ما قالَه المُصَنِّف، وقد أَخذَه هو من دَواوِينِ الغَريبِ. قال أَبو عُبَيْدُ وغيرُه من أَهل العلم: معنَى الخَرَاج بالضَّمان أَي غَلَّةُ العَبْدِ لِلْمُشْتَرِي بِسَبَبِ أَنَّه فِي ضَمَانِهِ وذلِك بأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا ويَسْتَغِلَّه زَمَانًا، ثم يَعْثُرَ منه أَي يَطّلعَ، عَلَى عَيْب دَلَّسَهُ البائعُ ولمْ يَطَّلِعْ عليه، فَلَه رَدُّهُ أَي العَبْدِ على البائعِ والرُّجوعُ عليه بالثَّمَنِ جَمِيعِه، وأَمَّا الغَلَّةُ التي اسْتَغَلَّهَا المُشْتَرِي مِن العَبْدِ فَهِي لهُ طَيِّبَةٌ لأَنّه كانَ في ضَمانِه، ولوْ هلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِه.

وفسَّره ابنُ الأَثير فقال: يُرِيد بالخَرَاجِ ما يَحْصُلُ من غَلَّة العَيْنِ المُبْتَاعَةِ، عبْدًا كانَ أَو أَمَةً أَوْ مِلْكًا، وذلك أَن يَشْتَرِيَه فيَستغِلَّه زَمَانًا، ثم يَعْثُرَ مِنه على عَيْبٍ قدِيمٍ لم يُطْلِعْه البائعُ عليه أَو لم يَعْرِفه فله رَدُّ العَيْنِ المَبيعةِ وأَخْذُ الثَّمنِ، ويكون للمُشْتَرِي ما استَغَلَّه، لأَنّ المَبيعَ لو كان تَلِفَ في يَدِه لكانَ من ضَمانه ولم يكن له على البائعِ شي‌ءٌ. والباءُ في قوله «بالضّمان» متعلّقة بمحذوفٍ تقديرُه: الخَراجُ مُسْتَحِقٌّ بالضَّمانِ أَي بِسَبَبِه، وهذا مَعْنَى قَوْلِ شُرَيْحٍ لرجُلَيْنِ احْتكَما إِليه في مِثْلِ هذا، فقال للمشتريْ: رُدَّ الدَّاءَ بِدَائِه ولك الغَلَّةُ بالضَّمانِ، معناهُ: رُدَّ ذَا العَيْبِ بعَيْبهِ وما حَصَلَ في يَدِك من غَلَّته فهو لَكَ.

ونقلَ شيخُنَا عن بعض شُرَّاحِ المَصابِيح: أَي الغَلَّةُ بِإِزاءِ الضَّمانِ؛ أَي مُسْتَحَقَّةٌ بسببِه، فمن كانَ ضَمانُ المَبِيع عليه كان خَرَاجُه له، وكما أَنْ المَبِيع لو تَلِفَ أَو نَقَصَ في يَدِ المُشْتَرِي فهو في عُهدَتِه وقد تَلِفَ ما تَلِفَ في مِلْكِه ليس على بائِعه شَيْ‌ءٌ، فكذا لو زادَ وحَصَل منه غَلَّةُ، فهو له لا للبائع إِذا فُسِخَ البَيْعُ بنحْوِ عَيْبٍ، فالغُنْمُ لمَن عليه الغُرْمُ.

ولا فَرْقَ عند الشافِعِيَّة بين الزَّوائد مِنْ نَفْسِ المَبِيع، كالنَّتاجِ، والثَّمَرِ، وغيرِها، كالغَلَّةِ.

وقال الحَنَفِيَّةُ: إِنْ حَدثَت الزَّوائدُ قبلَ القَبْضِ تَبِعَت الأَصْلَ، وإِلَّا فإِنْ كانتْ من عَيْنِ المَبيعِ، كوَلَدِ وثَمَرٍ مَنَعَتِ الرَّدَّ، وإِلَّا سُلِّمَتْ للمُشْتَرِي.

وقال مالِكٌ: يُرَدُّ الأَوْلادُ دُونَ الغَلّةِ مُطلقًا.

وفيه تَفاصيلُ أُخرى في مُصَنَّفَات الفُرُوعِ مِن المَذَاهِبِ الأَربعةِ.

وقال جماعةٌ: الباءُ للمُقَابَلَةِ، والمُضَافُ مَحْذُوفٌ، والتقديرُ: بَقَاءُ الخَرَاجِ في مُقَابَلَةِ الضَّمانِ؛ أَي مَنَافِعُ المَبِيعِ بَعْدَ القَبْضِ تَبْقَى للمُشْتَري في مُقَابَلَةِ الضَّمانِ اللَّازِم عليه بتلَفِ المَبِيعِ، وهو المُرَاد بقولهم: الغُنْمُ بِالْغُرْمِ. ولذلك قالوا: إِنه مِن قَبِيلهِ.

وقال العَلَّامَة الزَّرْكَشِيُّ في قواعده: هو حَدِيثٌ صَحِيحٌ، ومعناه: ما خَرَجَ مِن الشَّيْ‌ءِ مِن عَيْنٍ أَو مَنفعةٍ أَو غَلَّةٍ فهو للمشترِي عِوَضَ ما كانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَمانِ المِلْكِ، فإِنه لو تَلِفَ المَبِيعُ كان في ضَمَانِه، فالغَلَّةُ له لِيَكُونَ الغُنْمُ في مُقَابَلةِ الغُرْمِ.

وخَرْجَانُ بالفتح ويُضَمُّ؛ مَحَلَّةٌ بِأَصْفَهَانَ بينها وبين جُرْجَانَ، بالجيم، كذا في المراصد وغيره. ومنها أَبو الحَسَن عَليُّ بنُ أَبي حامدٍ، رَوَى عن أَبي إِسحاقَ إِبراهيمَ بنِ مُحمّدِ بنِ حَمْزَةَ الحَافِظِ، وعنه أَبو العَبَّاس أَحمدُ بنُ عبدِ الغَفَّار بن عَلِيّ بنِ أَشْتَةَ الكَاتِبُ الأَصبهانِيُّ، كذا في تكْملة الإِكْمال للصَّابونيّ.

* وبقي على المصنّف من المادة أُمورٌ غَفلَ عنها.

ففي حديثِ سُوَيدِ بنِ غَفلَةَ «دَخَلَ علَى عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه، في يومِ الخُرُوج، فإِذا بين يديه فَاثُورٌ عليه خُبْزُ السَّمْراءِ، وصَحِيفةٌ فيها خَطيفَةٌ» يومَ الخُروجِ، يُريدُ يومَ العِيدِ، ويقال له يَوْمُ الزِّينةِ، ومثله في الأَساس وخبزُ السَّمْرَاءِ: الخُشْكَارُ.

وقول الحُسَيْن بنُ مُطَيرٍ:

مَا أَنْسَ لَا أَنْسَ إِلَّا نَظْرَةً شَغَفَتْ *** فِي يَوْمِ عِيدٍ ويَوْمُ العِيدِ مَخْرُوجُ

أَراد: مخروجٌ وفيه، فحذف.

واسْتُخْرِجَت الأَرْضُ: أُصْلِحَتْ للزِّراعةِ أَو الغِرَاسةِ، عن أَبي حَنيفةَ.

وخَارِجُ كلِّ شَيْ‌ءٍ: ظاهِرُه، قال سيبويه: لا يُستَعمَل ظَرفًا إِلَّا بالحَرْفِ لأَنَّه مُخَصَّصٌ، كاليَدِ والرِّجْلِ.

وقال عُلماءُ المَعْقُولِ: له مَعنيانِ: احدهُما حَاصِلُ الأَمْرِ، والثاني، الحَاصِل بإِحدَى الحَوَاسِّ الخَمْسِ، والأَوَّلُ أَعَمُّ مُطْلَقًا، فإِنهم قد يَخُصُّونَ الخَارِجَ بالمَحْسوسِ.

والخَارِجِيَّةُ: خَيْلٌ لا عِرْقَ لها في الجَوْدَةِ، فتَخْرُج سَوَابِقَ وهي مع ذلك جِيَادٌ، قال طُفَيلٌ:

وعَارَضْتُها رَهْوًا عَلَى مُتَتَابِع *** شَدِيدِ القُصَيْرَى خَارِجِيٍّ مُجَنَّبِ

وقيل: الخَارِجِيُّ: كُلُّ ما فَاقَ جِنْسَه ونَظائرَه، قاله ابن جِنِّي في سرِّ الصِّناعةِ.

ونقل شيخُنا عن شفاءِ الغليل ما نَصُّه: وبهذَا يَتِمُّ حُسْنُ قول ابن النَّبِيه:

خُذُوا حِذْرَكُمْ مِنْ خَارِجِيِّ عِذَارِهِ *** فَقَدْ جَاءَ زَحْفًا فِي كَتِيبَتِهِ الخَضْرَا

وفَرَسٌ خَرُوجٌ: سابِقٌ في الحَلْبَةِ.

ويقال: خَارَجَ فُلانٌ غُلامَه، إِذا اتَّفقَا على ضَرِيبةٍ يَرُدُّهَا العَبْدُ على سَيِّدِه كُلَّ شَهْرٍ، ويَكْونُ مُخَلًّى بَيْنَه وبَيْن عَمَلِه، فيُقال: عَبْدٌ مُخَارَجٌ، كذا في المُغرِب واللسان.

وثَوْبٌ أَخْرَجُ: فيه بَيَاضٌ وحُمْرَةٌ من لَطْخِ الدَّمِ، وهو مُسْتَعَارٌ، قال العجَّاج:

إِنَّا إِذا مُذْكِى الحُروبِ أَرَّجَا *** ولَبِسَتْ لِلْمَوْتِ ثَوْبًا أَخْرَجَا

وهذا الرَّجَز في الصّحاح:

ولَبِسَتْ لِلْمَوْتِ جُلًّا أَخْرَجَا

وفسّره فقال: لَبِسَتِ الحُرُوبُ جُلًّا فيه بَيَاضٌ وحُمْرَةٌ.

والأَخْرَجَةُ: مَرْحَلَةٌ مَعروفةٌ، لَوْنُ أَرْضِهَا سَوَادٌ وبَيَاضٌ إِلى الحُمْرَة.

والنُّجُومُ تُخَرِّجُ لَوْنَ اللَّيْلِ، فَيتَلَوَّنُ بلَوْنينِ مِن سوادِه وبَياضِها قال:

إِذا اللَّيْلُ غَشَّاهَا وخَرَّجَ لَوْنَهُ *** نُجُومٌ كأَمْثَالِ المَصابِيحِ تَخْفِقُ

ويقال: الأَخْرَجُ: الأَسْودُ في بياض والسَّوادُ الغَالِبُ.

والأَخْرَجُ: جَبَلٌ مَعْروفٌ، لِلَوْنِه، غَلَبَ ذلِك عليه، واسمُه الأَحْوَلُ.

الإِخْرِيجُ: نَبْتٌ.

والخَرْجَاءُ: مَاءَةٌ احْتَفَرَها جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ في طَرِيق حَاجِّ البَصْرَةِ، كما في المراصِد، ونقلَه شيخُنا.

وَوَقعَ في عِبَارَاتِ الفُقَهَاءِ: فُلانٌ خَرَجَ إِلى فُلانٍ مِن دَيْنِه؛ أَي قَضَاه إِيَّاهُ.

والخُرُوجُ عند أَئمّة النَّحْو، هو النَّصْبُ على المفعولِيّة، وهو عِبارَةُ البَصْريّينَ، لأَنّهم يَقُولُون في المفعول هو مَنْصُوبٌ علَى الخُروجِ؛ أَي خُروجِه عن طَرَفَيِ الإِسْنَادِ وعُمْدَتِه، وهو كقولهم له: فَضْلَةٌ، وهو مُحتاجٌ إِليه، فاحفظْه.

وتَدَاوَلَ الناسُ استعمالَ الخُرُوجِ والدُّخولِ في مَعْنَى قُبْحِ الصَّوْتِ وحُسْنِه إِلّا أَنَّه عامِّيٌّ رَذْلٌ، كذا في شفاءِ الغَليل.

وفي الأَساس: ما خَرَجَ إِلَّا خَرْجَةً واحدةً، وما أَكْثَرَ خَرجَاتِك، وتَاراتِ خُروجِك، وكنتُ خارِجَ الدَّار، و [خَارِجَ] البَلدِ.

ومن المجاز: فُلانٌ يَعرِف مَوَالِجَ الأُمورِ ومَخَارِجَهَا؛ أَي مَوَارِدَهَا ومَصَادِرَهَا.

والمُسَمَّى بخَارِجَةَ من الصحابةِ كثيرٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


42-تاج العروس (حضر)

[حضر]: حَضَرَ، كَنَصَرَ وعَلِمَ، حُضُورًا وحِضَارَةً، أطلق في المصدرين وقَضِيَّة اصْطِلاحِه أَن يكونَا بالفَتْح، وليس كذلك، بَلِ الأَوَّلُ مَضْمُومٌ والثاني مَفْتوحٌ، ضِدّ غَابَ. والحُضُورُ: ضِدُّ المَغِيب والغِيْبَةِ.

قال شَيخُنَا: واللُّغَةُ الأُولَى هي الفَصِيحَةُ المشْهُورَةُ، ذَكَرَها ثَعْلَبٌ في الفَصِيحِ وغيره، وأَوردَهَا أَئمّة اللُّغَةِ قاطِبةً.

وأَمّا الثانيةُ فأَنكَرَهَا جَمَاعةٌ وأَثبتَها آخرونَ، ولا نِزاعَ في ذلك. إِنّما الكلامُ في ظاهِر كلامِ المُصَنِّف أَو صَريحِه فإِنَّه يَقتَضِي أَنَّ حَضِرَ كعَلمَ، مضارعه على قياسِ ماضيه فيكونُ مَفْتُوحًا كيَعْلَم، ولا قائِلَ به، بل كُلُّ مَنْ حَكَى الكَسْرَ صرَّحَ بأَنّ المضارع لا يَكُونُ على قياسِه، انتهى.

وفي اللسان: قال اللَّيْثُ: يقال: حَضَرَتِ الصّلاةُ، وأَهْلُ المَدِينَة يقولون: حَضِرَتْ، وكلّهم يقول: تَحْضَر.

وقال شَمِرٌ: حَضِرَ القاضِيَ امرأَةٌ، [تَحْضَر] قال: وإِنما أُندِرَت التَّاءُ لوُقوعِ القاضِي بين الفِعْل والمَرْأَة.

قال الأَزهَرِيّ: واللّغَة الجَيّدة حَضَرَت تَحْضُر، بالضَّمّ.

قال الجَوْهَرِيُّ: قال الفَرّاءُ: وأَنشدَنَا أَبو ثَرْوَانَ العُكْلِيُّ لجرِيرٍ على لُغَة حَضِرَت:

ما مَنْ جَفانا إِذَا حاجاتُنا حَضِرَتْ *** كَمَنْ له عِنْدنا التَّكْرِيمُ واللَّطَفُ

قال الفَرّاءُ: وكُلُّهُم يقولون تَحضُر بالضَّمِّ.

وفي المصباح: وحَضِرَ فلانٌ، بالكَسْر، لُغَة، واتّفَقُوا على ضَمِّ المُضَارع مُطْلَقًا، وكان قِيَاسُ كَسْرِ المَاضِي أَن يُفْتَح المُضَارع، لكن استُعْمِل المَضْمُوم مع كَسْر الماضي شُذُوذًا، ويُسَمَّى تَداخُلَ اللُّغَتَيْن، انتهَى.

وقال الَّلبْليّ في شَرْح الفَصِيح حَضَرَنِي قَومٌ، وحَضِرَنِي، بكسر الضّاد، حَكاه ابنُ خالَوَيه عن أَبي عَمْرٍو، وحكاه أَيضًا القَزَّاز عن أَبي الحَسَن، وحَكَاه يَعْقُوب عن الفَرَّاءِ، وحكاه أَيضًا الجَوْهَرِيُّ عنه.

وقال الزّمخشَرِيّ عن الخَليل: حَضِرَ، بالكسر، فإِذا انتهَوْا إِلى المستقبل قالوا يَحضُر، بالضّمّ، رُجُوعًا إِلى الأَصل، ومثله فَضِل يَفْضُلُ.

قال شيخنا: وقد أَوضحْتُه في شَرْح نَظْم الفَصِيح، وأَوضَحْتُ أَن هذا من النظائر، فيزاد على نَعِمَ وفَضِلَ.

ويُسْتَدرك به قولُ ابنِ القُوطِيَّة أَنَّه لا ثالِثَ لهُمَا، والكَسْرُ الذي ذكره الجماهيرُ حكاه ابن القَطّاع أَيضًا في أَفعاله، كاحْتَضَرَ وتَحَضَّرَ، ويُعَدَّى.

ويُقَالُ: حَضرَه وحَضِرَه، والمصدَر كالمَصْدَر، وهو شاذٌّ، وتَحضَّرَه واحْتَضَره.

ويقال: أَحْضَرَ الشَّيْ‌ءَ وأَحْضَرَه إِيَّاهُ، وكَانَ ذلك بحضرته، مُثَلَّثَة الأَوَّلِ. الأَولَى نَقَلَها الجوهرِيّ، والكَسْرُ والضَّمُّ لغتان عن الصَّاغانِيّ وحَضَره وحَضَرَته، مُحَرَّكَتَيْنِ ومَحْضَرِه، كلّ ذلك بِمَعْنًى واحد.

قال الجَوْهَرِيّ: حَضْرَةُ الرَّجلِ: قُرْبُه وفِنَاؤُه. وفي حديث عَمْرِو بنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيّ: «كُنّا بحَضْرةِ ماءٍ» أَي عنده. وكلَّمْتُه بحَضْرةِ فُلانٍ، وبمَحْضَرٍ منه؛ أَي بمَشْهَد منه.

قال شيخُنا: وأَصْل الحَضْرَة مَصْدَرٌ بمعنى الحُضُور، كما صَرَّحوا به، ثمّ تَجَوَّزوا به تَجَوُّزًا مَشْهُورًا عن مَكَانِ الحُضُور نَفْسِه، ويُطْلَق على كُلِّ كَبِيرٍ يَحْضُره عنده النَّاسُ، كقَولِ الكُتَّابِ أَهْلِ التَّرسُّل والإِنشاءِ: الحَضْرةُ العَالِيَةُ تَأْمُر بكَذَا، والمَقَامُ ونَحْوُه. وهو اصطِلاحُ أَهلِ التَّرسُّل، كما أَشار إِليه الشِّهَاب في مَواضِعَ من شَرْحِ الشِّفَاءِ.

وهو حاضِرٌ، مِنْ قَوْمٍ حُضَّرٍ حُضُورٍ. ويقال: إِنه ليَعْرِفُ مَنْ بحَضْرتِه ومَنْ بعَقْوَتِه.

وفي التّهْذِيب: الحَضْرَة: قُرْبُ الشَّيْ‌ءِ. تقول: كُنْتُ بحَضْرةِ الدّارِ. وأَنْشَدَ اللَّيْثُ.

فَشَلَّتْ يَدَاه يوْمَ يَحْمِلُ رَايَةً *** إِلى نَهْشَلٍ والقَوْمُ حَضْرةَ نَهْشَلِ

ويقال: رَجُلٌ حَسَنُ الحُضْرَة بالكسْرِ وبالضَّمِّ أَيضًا، كما في المُحْكَم إِذَا حَضَرَ بِخَيْرٍ. وفُلانٌ حَسَنُ المَحْضَرِ إِذا كان مِمّن يَذْكُر الغائِبَ بخَيْرٍ.

والحَضَرُ، مُحَرَّكَةً، والحَضْرَةُ، بفتح فسكون، والحَاضرةُ والحِضَارَة، بالكسر عن أَبي زَيْد ويُفْتَح، عن الأَصمَعِيّ: خِلَافُ البَادِيَة والبَدَاوَة والبَدْوِ.

والحِضَارَةُ، بالكسر، الإِقامَةُ في الحَضَرِ، قالَه أَبو زيد. وكان الأَصمعِيُّ يقول: الحَضَارة بالفَتْح. قَالَ القُطامِيُّ:

فَمَنْ تَكُنِ الحَضَارَةُ أَعْجَبَتْه *** فَأَيَّ رِجَالِ بَادِيَةٍ تَرَانَا

والحاضِرَة والحَضْرَةُ والحَضَرُ، هي المُدُنُ والقُرَى والرِّيفُ، سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّ أَهلَها حَضَروا الأَمْصَارَ ومَسَاكِنَ الدِّيَارِ الّتي يَكُونُ لهم بِها قَرَارٌ. والبادِيةُ يمكن أَن يَكُونَ اشتقاقُها من بَدَا يَبْدُو؛ أَي بَرَزَ وظَهَرَ، ولكنَّه اسمٌ لَزِمَ ذلكَ الموْضِعَ خاصَّةً دون ما سوَاه.

والحَضْرُ، بفَتْح فَسُكُون: بلد قديمٌ مذكورٌ في شِعْر القدماءِ، بإِزاءِ مسْكِنٍ. قال محمّدُ بنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: بحِيال تَكْرِيتَ بين دِجْلَةَ والفُرات. قلْت: ولم يذْكر المؤلف «مَسْكِنَ» في س ك ن وهو في مُعْجَم أَبِي عُبيد، كمَسْجِد: صُقع بالعِرَاق، قُتِل فيه مُصعَبُ بنُ الزُّبيْر، فليُنْظَر.

بَناهُ السّاطِرُونَ المَلِكُ من مُلُوك العَجَم الّذي قَتلَه سابُور ذُو الأَكْتافِ. وفيه يقول أَبو دُواد الإِيادِيّ:

وَرَأَى المَوْتَ قد تَدَلَّى مِن الحَضْ *** ر على رَبِّ أَهْلِه السَّاطِرُونِ

وقيل: هو الحَضَر، محرَّكةً، بالجزِيرة، وقيل بناحِيَةِ الثَّرْثارِ بنَاه السَّاطِرُونُ.

والحَضْرُ: رَكَبُ الرَّجُل والمَرْأَةِ؛ أَي فَرْجُهُما.

والحَضْرُ: التَّطْفِيلُ، عن ابن الأَعرابِيّ، والحَضْرُ: شَحْمَةٌ في المَأْنَةِ، هكذا في النُّسخ بالمِيم، وفي اللِّسَان: في العَانة وفَوْقَها.

والحُضْر، بالضَّمّ: ارتِفاعُ الفَرَسِ في عَدْوِه، كالإِحْضَارِ. وقال الأَزهرِيُّ: الحُضْرُ والحِضَارُ: من عَدْوِ الدّوَابّ، والفِعْل الإِحضارُ. وفي الحديث «أَنّه أَقطعَ الزُّبيْرَ حُضْرَ فَرَسِه بأَرضِ المَدِينة». وفي حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ «فانْطلقْتُ مُسْرِعًا أَو مُحضِرًا فأَخَذتُ بِضَبعِه». وقال كُرَاع: أَحْضَر الفَرَسُ إِحْضَارًا وحُضْرًا، وكذلك الرَّجُل.

وعندي أَنَّ الحُضْرَ الاسمُ. والإِحضار المَصْدَر.

والفَرَسُ مِحْضِيرٌ، كمِنْطِيقٍ، لا مِحْضَارٌ كمِحْرَاب، وهو من النّوادِر، كذا في الصّحاح وجامع القَزَّاز وشُرُوح الفَصِيح، أَو لُغَيَّةٌ. والَّذِي في المُحْكَم: جَوازُ مِحْضِير ومِحْضَار على حَدٍّ سَواءٍ، ونَصُّه: وفرسٌ مِحْضِيرٌ، الذَّكَرُ والأَنْثَى سَواءٌ، وفَرسٌ مِحْضِيرٌ ومِحْضَارٌ، بغير هاءٍ للأُنَثى، إِذا كان شَدِيدَ الحُضْرِ، وهو العَدْوُ. وفي الجَمْهَرة لابنِ دُرَيْد: فَرَسٌ مِحْضَارٌ: شَدِيدٌ العَدْوِ.

والحَضُرُ، ككَتِفٍ ونَدُسٍ: الَّذِي يَتَحَيَّنُ طَعَامَ النَّاسِ حَتَّى يَحْضُرَه، وهو الطُّفَيْلِيّ، وفِعْلُه الحَضْر، وقد تقدَّم.

ومن المَجَاز: الحَضُرُ، كنَدُسٍ: الرَّجُلُ ذُو البَيَانِ والفِقْهِ، لِاسْتِحْضاره مَسَائِلَه، ويُقَال: إِنّه لحَضُرٌ بالنّوادر وبالجَواب، وحاضِرٌ.

والحَضِرُ ككَتِفٍ: الّذِي لا يُرِيدُ السَّفَر. والذي في التَّهْذِيب وغَيْرِه: ورَجلٌ حَضِرٌ: لا يَصْلُحُ للسَّفَرِ. أَو رَجلٌ حَضِرٌ. حَضَرِيٌّ نقلَه الصَّاغانِيّ عن الفَرَّاءِ؛ أَي من أَهْلِ الحاضِرَةِ.

وفي التَّهْذِيب: المَحْضَرُ عند العرب: المَرْجِعُ إِلَى أَعْدَادِ المِيَاهِ. والمُنْتَجَعُ: المَذْهَبُ في طَلبِ الكَلَإِ. وكُلُّ مُنْتَجَعٍ مَبْدىً وجَمْعه مَبَادٍ. ويقال للمَنَاهِلِ: المَحَاضِرُ للاجتماعِ والحُضُورِ عليها. والمَحْضَرُ: خَطٌّ يُكْتَبُ في واقِعَة خُطُوط الشُّهُودِ في آخِرِه بِصِحَّةِ ما تَضَمَّنَه صَدْرُهُ.

قال شيخُنَا: وهو اصطِلاح حادِثٌ للشُّهُود الَّذِين أَحْدثَهُم القُضَاةُ في الزَّمَن الأَخِيرِ، فعَدُّه من اللُّغَة ممَّا لا مَعْنَى له، والظَّاهِرُ أَنَّ عَطْفَ السِّجِلِّ بعدَه عليه، وعَدَّه من معانِي المَحْضَر، من هذا القَبيلِ، فتأَمَّل.

قُلتُ: أَما تَفْسِيره بما يُكتَب في واقِعَة حالٍ فكَمَا قَالَ: لا يَكاد يُوجدُ في لُغَةِ العَرَب الفُصْحَى. وأَما تَفْسِيرُه بما بَعْدَه وهو السِّجِلّ فقد سُمِعَ عن العَرَب، وذكره ابنُ سِيدَه وغيرُه، فلا يُنكَر عليه.

والمَحْضَرُ: القَوْمُ الحُضُورُ؛ أَي الحَاضِرين النَّازلين على المِيَاه تَجَوُّزًا، والمَحْضَرُ: السِّجِلُّ الَّذِي يُكْتب.

والمَحْضَرُ: المَشْهَدُ للقَوْم.

والمَحْضَرُ: قرية بأَجأَ، لبَنِي طَيّئِ.

ومَحْضَرَةُ: مَاءٌ لِبَنِي عِجْل بنِ لُجَيْمٍ بَيْنَ طَرِيقَيِ الكُوفَة والبَصْرَةِ إِلَى مَكَّةَ، زِيدَتْ شَرَفًا.

وحَاضُوراءُ: مَاءٌ، قال شيخُنَا: هو من الأَوْزَانِ الغَرِيبَة، حتّى قيل لا ثانِيَ له غيرَ عَاشُورَاءَ. وأَنكَره جماعَةٌ وقالوا: عاشُورَاءُ لا ثَانِيَ لَهُ. وأَما تَاسُوعَاءُ فيَأْتي أَنَّهُ مُوَلَّد، والله أَعلمُ. وقيل: إِنَّ حَاضُورَاءَ بَلدٌ بنَاه صالِحٌ، عليه‌السلام، والذين آمنوا به، ونَجّاها الله من العذاب ببرَكتِه.

وفي المَرَاصِد أَنَّه بالصَّاد المُهْمَلَة، ويقال: بالضَّاد المُعْجَمَة بغير أَلِف، فتَأَمَّلْ.

والحَضِيرَةُ، كسَفِينَة: مَوْضِعُ التَّمْرِ، وأَهلُ الفَلْحِ يُسَمُّونها الصُّوبَةَ، وتُسَمَّى أَيضًا الجُرْنَ والجَرِينَ. وذَكره المُصَنِّف أَيضًا في الصّادِ المُهْمَلة، وقد تَقَدَّمَتْ الإِشارةُ إِليه.

والحَضِيرَةُ: جَمَاعَةُ القَوْمِ، وبه فَسَّر بعضٌ قولَ سَلْمَى بنْت مَجْدَعَةَ الجُهَنِيَّة تمدَحُ رَجُلًا، وقيل تَرْثِيه:

يَرِدُ المِيَاهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً *** وِرْدَ القَطَاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

أَوِ الحَضِيرَةُ مِنَ الرِّجَالِ: الأَربعَةُ أَو الخَمْسَةُ أَو الثَّمَانِيَة أَو التِّسْعَةُ، وفي بعض النُّسخ: السَّبْعَة، بتَقْدِيم السِّين على المُوحَّدة، والصّوابُ الأُوَلى. أَو الْعَشَرَةُ فمَن دُونَهم، وقيل: السَّبْعَة أَو الثّمانِية، وقيل: الأَربعَة والخمسة يَغْزُونَ. أَو هُم النَّفَرُ يُغْزَى بِهِم.

وقال أَبو عُبَيْد في بَيْت الجُهَنِيَّة: الحَضِيرةُ: ما بين سَبْعة رجالٍ إِلى ثمانية، والنَّفِيضَة الواحِدُ وهم الّذِي يَنْفُضُون، وروى سَلَمَة عن الفَرَّاءِ قال: حَضِيرةُ النّاس وهي الجَمَاعَة، ونَفِيضَتُهم وهي الجَمَاعة.

وقال شَمِرٌ في قوله: حَضِيرةً ونَفِيضَةً قال: حَضِيرة يَحضُرها النّاسُ، يَعْني المياهَ، ونَفِيضَة: ليس عَلَيْهَا أَحَد، حَكَى ذلك عن ابن الأَعْرَابيّ. ورُوِيَ عن الأَصْمَعِيّ: الحَضِيرَةُ: الَّذينَ يَحْضُرُون المِيَاهَ، والنَّفِيضَة الّذينَ يَتقدَّمون الخَيلَ؛ وهم الطَّلائِع.

قال الأَزهريّ: وقولُ ابنِ الأَعرابِيِّ أَحسنُ.

قال ابنُ بَرِّيّ: النفِيضَةُ: جماعةٌ يُبْعَثُونَ ليَكْشِفُوا هل ثَمَّ عدوٌّ أَو خَوْفٌ، والتُّبَّع: الظِّلُّ. واسمَأَلَّ: قَصُرَ، وذلك عند نِصْفِ النَّهَار وقبلَه.

سَبّاقُ عَادِيَةِ ورأْسُ سَرِيَّةٍ *** ومُقَاتِلٌ بطَلٌ وهَادٍ مِسْلَعُ

واسمُ المَرْثِيِّ أَسْعَدُ، وهو أَخُو سَلْمَى، ولهذا تَقولُ بعد البَيْت:

أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ للرِّماحِ دَرِيئَةً *** هَبَلَتْكَ أُمُّك أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟

وجمْعُ الحَضِيرَةِ الحَضَائِرُ. قال أَبو ذُؤَيب الهُذَلِيّ:

رِجَالُ حُرُوبٍ يَسْعَرُونَ وحَلْقَةٌ *** من الدّارِ لا تَمْضِي عليها الحَضائِرُ

وفي المُحْكَم: قال الفارِسِيُّ: والحَضِيرَةُ: مُقَدَّمَةُ الجَيْشِ.

والحَضِيرَة: ما تُلْقِيهِ المَرْأَةُ مِنْ وِلَادِهَا، وحَضِيرةُ النَّاقَةِ: ما أَلْقَتْه بعْدَ الوِلادَةِ. وقال أَبو عُبَيْدَة: الحَضِيرَة لِفَافةُ الوَلدِ. والحَضِيرَةُ: انْقِطَاعِ دَمِهَا. والحَضِيرُ جَمْعُهَا؛ أَي الحَضِيرَةِ، بإِسقاط الهاءِ، أَو الحَضِيرُ: دَمٌ غَلِيظٌ يَجْتَمِع في السَّلَى. والحَضِيرُ: ما اجْتَمَعَ في الجُرْح من [جاسِئَةِ] المَادّةِ، وفي السَّلَى من السُّخْدِ، ونحْو ذلِك.

والمُحَاضَرَةُ: المُجَالَدَةُ، والمُحَاضَرَة المُجَاثَاةُ.

وحاضَرْتُه: جاثَيْتُه عِنْدَ السُّلْطَانِ، وهو كالمُغالَبة والمُكَاثَرة.

المُحَاضَرَةُ: أَنْ يَعْدُوَ مَعَك، وقال اللَّيْثُ: هو أَن يُحَاضِرَك إِنسانٌ بحَقِّك فيذهَبَ به مُغالَبةً أَو مُكابَرَةً. وقال غيرُه: المُحَاضَرَةُ والمُجَالَدَةُ أَنْ يُغَالِبَكَ عَلَى حَقِّك فَيَغْلِبَك عليه ويَذْهَبَ به.

وحَضَارِ، كقَطَامِ؛ أَي مَبْنِيّة مُؤَنَّثَة مَجْرُورَة: نَجْمٌ يَطلُع قبْلَ سُهَيْل فيَظُنّ النّاسُ به أَنَّه سُهَيْلٌ، وهو أَحد المُحْلِفَيْنِ، قاله ابنُ سِيدَه.

وفي التَّهذيب، قال أَبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ: يقال: طَلَعَت حَضَارِ والوَزْنُ، وهما كَوْكَبَانِ يَطْلُعانِ قبل سُهَيْلٍ، فإِذا طَلَعَ أَحدُهما ظُنَّ أَنّه سُهَيْلٌ، للشَّبَه وكَذلِكَ الوَزْنُ إِذا طَلَع، وهما مُحْلِفَانِ عند العرب، سُمِّيَا مُحْلِفَيْن لاخْتِلافِ النّاظِرِين لَهُمَا إِذا طَلَعَا، فيَحْلف أَحدُهما أَنّه سُهَيْل، ويَحْلِف الآخَرُ أَنّه ليس بسُهَيْل. وقال ثَعْلب: حَضَارِ نَجمٌ خَفِيُّ في بُعْدٍ، وأَنشد:

أَرَى نَارَ لَيْلَى بالعَقِيقِ كأَنَّهَا *** حَضَارِ إِذَا مَا أَعرَضَت وفُرُودُها

الفُرُودُ: نُجومٌ تَخْفَى حَولَ حَضَارِ، يُرِيد أَنّ النَّارَ تَخْفَى لبعْدِها كهذا النَّجْمِ الّذِي يَخْفَى في بُعْدٍ.

وحَضْرَمَوتُ بفَتْح فَسُكُون وقد تُضَمُّ المِيمُ، مثال عَنْكَبُوت، عن الصَّاغانِيّ: د، بل إِقليم واسعٌ مُشْتَمِلٌ على بِلادٍ وقُرًى ومِيَاهٍ وجِبالٍ وأَودِيَةٍ باليَمَن، حَرَسَهُ الله تعالى، طُولُها مَرْحَلتانِ أَو ثَلاثٌ إِلى قَبْرِ هُودٍ عليه‌السلام. كذا في تارِيخ العَلَّامَة مُحَدِّثِ الدِّيارِ اليَمَنِيَّة عبدُ الرَّحْمن بن الدَّيْبَع.

وقال القزْوِينيّ في عَجائِبِ المَخْلُوقَاتِ: حَضْرَمَوْتُ: ناحِيَةٌ باليَمَن، مُشْتَمِلَةٌ على مَدِينَتَينِ، يقال لهما شِبَامُ وتَرِيمُ، وهي بلاد قديمة، وبها القَصْر المَشِيد. وأَطالَ في وَصْفها. ونقل شَيخُنا عن تَفْسِير أَبِي الحَسَن البَكريّ في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها} قال: يُسْتَثْنَى من ذلك أَهْلُ حَضْرَمَوْت، لأَنَّهُم أَهلُ ضَنْك وشِدَّة، وهي تُنْبِتُ الأَولياءَ كما تُنْبِت البَقْلَ، وأَهلُها أَهلُ رِيَاضة، وبها نَخْلٌ كثير، وأَغلَبُ قُوتِهم التَّمْر.

وفي مَراصِد الاطِّلاع: حَضْرَموتُ، اسْمَانِ مُرَّكبان، ناحِيَةٌ واسعَةٌ في شَرْقِيّ عَدَنَ بقُربِ البَحْر، وحَوْلَها رِمَالٌ كثيرَةٌ تُعْرَفُ بالأَحْقَافِ، وقيل: هي مِخْلافٌ باليَمَن، وقال جَماعَة: سُمِّيَتْ حَضْرَمَوْت لأَنَّ صالِحًا عليه‌السلام لَمَّا حَضَرَهَا مَاتَ.

قال شيخُنَا: والمعرُوف أَنَّهَا باليَمَن، كما مَرَّ عن جَماعَة، وبذلك صَرَّحَ في الرَّوْضِ المِعْطار وقال: بِهَا قَبْرُ هُودٍ عَلَيْه السَّلامُ، وجَزَمَ بذلك الشِّهَاب في العِنَايَة أَثْناءَ سُورَةِ الحَجِّ، ولا يُعرف غيرُه. وأَغْرَبَ صاحِبُ البَحْر فقال: إِنَّهَا بالشَّام وبها قَبْرُ صالِحٍ عليه‌السلام.

قلتُ: وعِنْدِي أَنَّه تَصحّف عليه شِبَامُ التي هي إِحْدَى مَدِينَتَيْهَا، كما مَرَّ عن الشَّيْبانِيّ، بالشَّامِ القُطرِ المعروفِ لأَنَّه لا يُعْرَفُ بالشَّام مَوْضِعٌ يقال له حَضْرمَوْت قدِيمًا ولا حديثًا.

وفي الصّحاح: حَضْرمَوتُ: اسمُ قَبِيلَة أَيضًا، من وَلَد حِمْيَرَ بْنِ سَبَأَ، كذا في الرَّوْض، وقيل: هو عامِرُ بنُ قَحْطَانَ، وقيل: هو ابْن قَحْطَانَ بْنِ عَامِرٍ. قال شيخُنَا: وهَل الأَرْضُ سُمِّيَت باسْمِ القَبِيلَةِ أَو بالعَكْسِ أَو غَيْرِ ذلِك؟ فيه خِلافٌ.

وفي الصّحاح: وهما اسْمَانِ جُعِلَا واحدًا، إِن شِئتَ بنَيْتَ الاسم الأَوَّل على الفَتْحِ وأَعْرَبْتَ الثَّانيَ إِعرابَ ما لَا يَنْصَرِف. يُقَالُ: هذَا حَضْرَمَوْتُ، ويُضَافُ الأَوَّلُ إِلى الثّانِي فَيُقَالُ: حَضْرُمَوْتٍ، بضَمِّ الرَّاءِ، أَعْربْت حَضْرًا وخَفضْتَ مَوتًا، وكذلك القَوْلُ في سَامّ أَبْرصَ ورامَهُرْمُز، وإِنْ شِئْتَ لا تُنَوِّنُ الثَّانِيَ قال شيخُنَا: واقتصَر في اللُّبَابِ على وَجْهَيْن، فقال: هُمَا اسمانِ جُعِلَا واحِدًا، فإِن شِئْتَ بنَيْتَ الأَوّل على الفَتْح وأَعربْتَ الثانِيَ إِعرابَ ما لا يَنْصرِف، وإِن شِئتَ بَنَيْتَهُمَا لتَضَمُّنِهما مَعنَى حَرْفِ العَطْف، كخَمْسَةَ عَشَرَ.

والتَّصْغِيرُ حُضَيْرُمَوْتِ، تُصَغِّر الصَّدْرَ منهما. وكذلك الجَمْع تَقُولُ: فُلانٌ من الحَضَارِمَة، والنِّسْبَة إِليه حَضْرَمِيٌّ، وسيأْتي للمُصَنِّف في المِيمِ.

ونَعْلٌ حَضْرَمِيَّةٌ: مُلَسَّنَةٌ. وفي حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٌ: «أَنّه كان يَمْشِي في الحَضْرَمِيِّ» هو النَّعْلُ المَنْسُوبَةُ إِلى حَضْرَمَوْت المُتَّخَذَة بها. وحُكِي عن الكِسَائِيّ: نَعْلَانِ حَضْرَمُوتِيَّتَانِ؛ أَي على الأَصل من غير حَذْفِ، والذي في نَوادِر الكِسَائِيّ يُقَال: أَتَانَا بنَعْلَين حَضْرَمَوْتِيَّتَيْن، فتأَمَّلْ.

وحَضُورٌ، كصَبُورٍ: جَبَلٌ فيه بَلَدٌ عامِرٌ أَ و: د، باليَمَنِ في لِحْفِ ذلك الجَبلِ، وقال غامِدٌ:

تَغَمَّدْتُ شَرًّا كانَ بَيْنَ عشيرَتِي *** فأَسْمانِيَ القَيْلُ الحَضُورِيُّ غامِدَا

وفي حديث عائِشَةَ رضي ‌الله‌ عنها: «كُفِّنَ رسولُ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم في ثَوْبَيْنِ حَضُورِيَّينِ» هما منسوبان إِلى حَضُورَ قريَةِ باليَمَن، قاله ابنُ الأَثيرِ.

وفي الروض أَنَّ أَهلَ حَضُور قَتَلوا شُعَيْبَ بنَ ذِي مَهْدَم، نَبِيٌّ أُرسِلَ إِلَيْهم وقَبْرُه بِضينٍ، جَبَل باليمن قال وليْسَ هو شُعَيْبًا الأَوَّلَ صاحب مَدْيَن وهو ابْنُ صَيْفِي ويُقَالُ فيه ابنُ صَيْفُون.

قلتُ: وشَدَّ صاحِبُ المَرَاصد حَيْثُ قَالَ: إِنَّه من أَعمَال زَبِيد وأَنه يُرْوَى بالأَلف المَمْدودَة. وفي حِمْيَر حَضُورُ بنُ عَدِيِّ بن مالِكِ بن زَيْد بن سَلام بن زُرْعَة وهو حِمْيَر الأَصْغَر.

والحَاضِرُ: خِلَافُ البَادِي، وقد تَقَدَّم في أَوَّل التَّرجَمَةِ، فهو تَكرَارٌ. والحَاضِر أَيْضًا: الحَيُّ العَظِيمُ، أَو القَوْم، وقال ابنُ سِيدَه: الحَيُّ إِذا حَضَرُوا الدَّارَ الَّتي بها مُجْتَمَعُهُم.

قال:

في حاضِرٍ لَجِبٍ باللَّيْلِ سامِرُه *** فيه الصَّواهِلُ والرّايَاتُ والعَكَرُ

فصار الحاضرُ اسمًا جامِعًا كالحاجِّ والسَّامِرِ والجامِلِ ونَحْوِ ذلِك. قال الجوهريّ: هو كَمَا يُقالُ حاضرُ طَيّئِ وهو جَمْعٌ، كما يُقَال: سامِرٌ للسُّمَّارِ، وحاجٌّ للحُجَّاج: قال حَسّان:

لنا حاضِرٌ فَعْمٌ وبادٍ كأَنَّهُ *** قَطِينُ الإِلهِ عِزَّةً وتَكَرُّمَا

وفي حديث أُسامَةَ: «وقد أَحَاطُوا بحاضِرٍ فَعْمٍ».

وفي التَّهْذِيبِ، العربُ تقول: حيٌّ حاضِرٌ، بغير هَاءٍ، إِذا كانوا نازِلين على ماءٍ عِدٍّ. يقال: حاضِرُ بَنِي فُلانٍ على ماءِ كَذَا وكَذَا، ويقال للمُقيم على المَاءِ: حاضِرٌ، وجمعه حُضُورٌ، وهو ضِدّ المُسَافِر، وكذلك يقال للمُقيم: شاهِدٌ وخافِضٌ، وفُلانٌ حاضرٌ بموضِع كذا؛ أَي مُقِيمٌ به، وهؤلاءُ قومٌ حُضَّارٌ، إِذا حَضَرُوا المياهَ، ومَحاضِرُ. قال لَبِيد:

فالوَادِيَانِ وكُلُّ مَغْنًى مِنْهُمُ *** وعَلَى المِيَاهِ مَحَاضِرٌ وخِيَامُ

قال: وحَضَرَةٌ، مثل كافِرٍ وكَفَرةٍ، وكُلُّ مَنْ نَزَل على ماءٍ عِدٍّ ولم يَتَحَوَّل عنه شِتاءً ولا صيفًا فهو حاضرٌ، سواءٌ نَزَلوا في القُرَى والأَرْيَاف والدُّور المَدَرِيَّة، أَو بَنَوُا الأَخْبِيَةَ على المِيَاه فَقَرُّوا بها ورَعَوْا ما حواليها مِنَ المَاءِ والْكَلإِ.

وقال الخَطَّابيّ: إِنّما جَعَلوا الحاضِرَ اسمًا للمَكَان المَحْضُور، يقال: نَزلْنَا حاضِرَ بَنِي فُلانٍ، فهو فاعِلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وفي الحديث: «هِجْرَةُ الحاضِرِ» أَي المكان المَحْضُور.

والحَاضِرُ: حَبْلٌ مِنْ حِبَال الدَّهْنَاءِ السَّبْعةِ، يقال له: حَبْلُ الحاضِرِ، وعِنْدَه حَفَر سَعْدُ بنُ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ تَمِيمٍ بحِذَاءِ العَرَمَةِ. والحَاضِرُ: قرية، بقِنَّسْرينَ، وهو موضع الإِقامَةِ على الماءِ من قِنَّسْرِينَ. قال عِكْرِشَةُ الضَّبِّيُّ يَرثي بَنيه:

سَقَى الله أَجْداثًا وَرَائِي تَرَكْتُها *** بحاضِرِ قِنَّسْرِينَ من سَبَلِ القَطْرِ

وسيأتي في «ق ن س ر».

والحَاضِرُ مَحَلَّةٌ عَظِيمَةٌ بظَاهِر حَلَبَ، منها الإِمامُ وَلِيُّ الدّينِ محمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بن خَلِيلِ بْنِ هِلَالٍ الحاضِريُّ الحَنَفِيُّ، وُلِدَ سنة 775 بحَلَب، ووالِدُه العَلَّامةُ عِزُّ الدِّين أَبُو البَقَاءِ مُحَمَّدُ بنُ خَلِيلٍ، رَوَى عنه ابن الشّحْنَة.

والحَاضِرَةُ: خِلَافُ البَادِيَة، وقد تقَدَّم في أَوّل التَّرْجَمَة، فهو تَكرار. والحَاضِرَةُ: أُذُنُ الفِيلِ، عَن ابْنِ الأَعْرَابِيّ.

وأَبُو حَاضِرٍ صَحَابِيٌّ لا يُعْرَفُ اسْمُهُ، رَوَى عنه أَبو هُنَيْدةَ، أَخرجه ابنُ مَنْدَه. وأَبو حاضِرٍ أُسَيْدِيٌّ موصُوفٌ بالجَمَالِ الفَائِقِ. وأَبو حاضِرٍ: كُنيَة بِشْر بن أَبِي خَازِم ومنَ المَجَاز: يقال: عُسٌّ ذُو حَوَاضِرَ، جمْع حاضِرَة، مَعْنَاه ذو آذانٍ.

ومِنَ المَجَازِ قَوْلُ العَرَبِ: اللَّبَنُ مَحْضُور ومُحْتَضَر فغَطِّه؛ أَي كَثِيرُ الآفَةِ، يَعْنِي تَحْضُرُه، كذا في النسخِ.

ونص التهذيب: تحتضره الجِنُّ والدَّوابُّ وغيرُها من أَهْل الأَرض، رواه الأَزهريّ عن الأَصمَعِيّ، والكُنُفُ مَحْضُورَة كَذلك؛ أَي تَحضُرها الجِنُّ والشَّياطِينُ وفي الحَدِيث «أَنَّ هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرة». وقَولُه تَعالَى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} أَي أَن يُصِيبَنِي الشّياطِينُ بِسُوءٍ.

ويُقَالُ: حَضَرْنَا عَنْ مَاءِ كَذَا أَي تَحَوَّلْنَا عَنْه، وهو مَجَاز.

وأَنْشد ابنُ دُرَيْد لقَيْسِ بن العَيْزارَة:

إِذَا حَضَرَتْ عنه تَمَشَّتْ مَخَاضُها *** إِلى السِّرِّ يَدْعوها إِليها الشَّفَائِعُ

وحَضَار كسَحَابٍ: جَبَل بَيْنَ اليَمَامَةِ والبَصْرَةِ وإِلَى اليَمَامَة أَقربُ.

والحَضَارُ: الهِجَانُ أَو الحُمْرُ مِنَ الإِبِلِ.

وفي الصّحاح: الحِضَارُ من الإِبِل: الهِجَانُ: قال أَبُو ذُؤَيْب يَصِفُ الخَمْر:

فما تُشْتَرَى إِلَّا بِرِبْحٍ سِبَاؤُهَا *** بَنَاتُ المَخَاضِ شُومُها وحِضَارُهَا

شُومُها: سُودُهَا. يقول: هذه الخَمْر لا تُشْتَرَى إِلّا بالإِبِل السُّودِ منها والبِيضِ.

وفي التهذيب: الحِضَارُ مِنَ الإِبِل: البِيضُ اسم جامِع كالهِجَانِ ومِثْلُه قَوْلُ شَمِرٍ، كما سيأْتِي، فقولُ المُصَنِّف: أَو الحُمرُ مِنَ الإِبل مَحَلّ تَأَمُّلٍ، ويُكْسَرُ، الفَتْح نَقَلَه الصّاغانِيّ. لا واحِدَ لَهَا، أَو الواحِدُ والجَمْعُ سَوَاءٌ. قال ابنُ مَنْظُور: وفيه عِنْد النَّحْوِيِّين شَرْحٌ، وذلك أَنَّه قد يَتَّفِق الواحِدُ والجَمْع على وَزْنٍ واحدٍ، إِلَّا أَنَّك تُقَدِّر البِنَاءَ الّذِي يكون للجَمْعِ غَيْرَ البِنَاءِ الّذِي يَكُونُ للواحدِ، وعلى ذلك قالوا: ناقةٌ هِجَانٌ ونُوق هِجَانٌ، فهِجَانٌ الَّذِي هو جَمْع يُقدَّر على فِعال الَّذِي هو جَمعٌ مثل ظِرَافٍ، والَّذِي يكونُ من صِفَة المُفرد تُقَدِّره مُفرَدًا مثل كِتاب، فالكَسْرَة في أَوَّل مُفْرَدِه غيرُ الكَسرةِ الّتي في أَول جَمْعِه، وكذلك ناقَةٌ حِضَارٌ ونُوقٌ حِضَارٌ، وكذلك الفُلْك، فإِنَّ ضَمَّتَه إِذا كان مُفرَدًا غَيْرُ الضَّمَّة التِي تَكُونُ فيه إِذا كان جَمْعًا، كقولِه تَعَالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} فهو بإِزاءِ ضَمَّة القُفْل فإِنّه واحِدٌ.

وقولُه تَعالَى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} فضَمَّتُه بإِزاءِ ضَمَّة الهَمْزة في أُسْد، فهذه تُقدِّرها بأَنَّهَا فُعْلٌ التي تكونُ جَمْعًا، وفي الأَول تُقَدِّرها فُعْلًا الَّتي هي للمُفْردِ.

والحِضَارُ، بالكَسْرِ: الخَلُوقُ بوَجْه الجَارِيَة، وقال الأُمَوِي: نَاقَةٌ حِضَارٌ: جَمَعَتْ قُوَّة ورُحْلَةً، يَعْنِي: جوْدَةَ سَيْرٍ. ونَصّ الأَزهَرِيّ: المَشْي، بدل السَّيْر. وقال شَمِرٌ: لم أَسْمَع الحِضَارَ بهذا المَعْنَى، إِنّمَا الحِضَار بِيضُ الإِبل، وأَنْشد بَيْت أَبي ذُؤَيْب: «شُومُها وحِضَارُها». أَي سُودُهَا وبِيضُها.

وحَضَّارَة، كجَبَّانَة، د، باليَمَنِ، نَقَلَه الصَّاغانِيّ. والحُضَارُ، كغُرَابٍ: دَاءٌ للإِبِل، نقله الصَّاغانِيّ.

ومَحْضُورَاءُ، بالمَدّ، عن الفَرّاءِ، ويُقْصَر، عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ: مَاءٌ لبَنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ.

والحَضْرَاءُ مِن النُّوقِ وغَيْرِهَا: المُبَادِرةُ في الأَكْلِ والشُّرْبِ، نَقَلَه الصَّاغانِيّ.

وعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: الحُضُر، كعُنُقٍ: الرَّجُلُ الوَاغِلُ الرّاشِن، وهو الشَّوْلَقِيُّ، قلت: وهو الطُّفَيْلِيّ.

وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر بْنِ سِمَاكٍ الأَوْسِيُّ، كزُبَيْر: صَحَابِيٌّ كُنْيَتُه أَبو يَحْيَى، له ذِكْر في تارِيخ دِمَشْق، وبِنْتُه هِنْد لها صُحْبةٌ، وابنُه يَحْيَى له رُؤْيةٌ، ويُقَال لِأَبِيهِ حُضَيْرُ الكَتَائِبِ.

والّذي في التّهذيب وغيرِه: وحُضَيْرُ الكَتائِبِ: رَجُلٌ من سَادَاتِ العَرَبِ.

ومن المَجَازِ: احْتُضِرَ المَرِيضُ وحُضِرَ، بالضَّمّ؛ أَي مَبْنِيًّا للمَفْعُولِ، إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ ونَزَلَ به، وهو مُحتَضَر ومَحْضُورٌ. وفي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ؛ أَي يَحْضُرُونَ حُظُوظَهُم مِنَ الماءِ وتَحْضُرُ النَّاقَةُ حَظَّهَا مِنْه، والقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ في التّفَاسِيرِ.

ومَحَاضِرُ، بالفتح على صِيغَةِ الجَمْع، هكذا هو مَضْبُوطٌ في نُسْخَتِنَا ابنُ المُوَرِّع بالتَّشْدِيد على صيغَةِ اسمِ الفاعِلِ: مُحَدِّثٌ مُسْتَقِيمُ الحَدِيثِ لا مُنْكَرَ له، كَذَا قاله الذَّهَبِيّ.

وشَمْسُ الدِّين أَبو عبْدِ الله الحَضَائرِيُّ فَقِيهٌ بَغْدادِيٌّ، قال الذّهَبِيُّ: قَدِم علينا مِن بَغْدَادَ.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

في الحَدِيث: «أَنَّى تَحْضُرُنِي مِنَ الله حاضِرَةٌ» أَرادَ الملائِكَةَ الَّذِين يَحْضُرُونَه. وحاضرَةٌ: صِفَةُ طائِفَةٍ أَو جَماعَةٍ.

وفي حَدِيثِ [صلاةِ] الصُّبْحِ: «فإِنَّها مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ»؛ أَي تَحْضُرها ملائِكَةُ اللَّيْلِ والنَّهَارِ.

واسْتَحْضَرْتُه فأَحْضَرنِيهِ. وهو من حاضِرِي المَلِك.

وحَضَارِ بمعنَى احضُرْ.

والمُحَاضَرَة: المُشَاهَدَةُ.

وبَدَوِيٌّ يَتَحَضَّرُ وحَضَرِيٌّ يَتَبَدَّى.

وحَضَرَه الهَمُّ واحْتَضَرَه وتَحَضَّرَه، وهو مَجاز.

وفي الحَدِيث: «والسَّبْتُ أَحْضَرُ إِلا أَنّ لَهُ أَشْطُرًا»؛ أَي هو أَكثَرُ شَرًّا إِلَّا أَنَّ له خَيْرًا مع شَرِّه، وهو أَفْعَلُ من الحُضُور. قال ابنُ الأَثِير: ورُوِيَ بالخاءِ المُعْجَمة، وقيل: هُو تَصْحِيف.

وفي الحَدِيث: «قُولُوا مَا يَحْضُرُكم» أَي ما هو حاضِرٌ عِنْدَكُم موجودٌ ولا تَتَكَلَّفُوا غَيْرَه.

ومن المجاز: حَضَرَت الصَّلاةُ. وأَحْضِرْ ذِهْنَك.

وكُنْتُ حَضْرَةَ الأَمْرِ، وكذا حَضَرْت الأَمْرَ بخَيْر، إِذا رَأَيْتَ فيه رَأْيًا صَوَابًا [وكفيتَهَ]. وإِنه لحَضِيرٌ: لا يزال يحْضُرُ الأُمورَ بخَيْرٍ. ويقال: جَمَعَ الحَضْرةَ يُرِيدُ بناءَ دَار، وهي عُدَّة البنَاءِ من نحْو آجُرٍّ وجصٍّ. وهو حاضِرٌ بالجَوَاب وبالنّوادِر. وغَطِّ إِناءَك بحَضْرة الذُّبَاب. وكُلُّ ذلِك مَجَاز.

ويُقَال للرَّجُل يُصيبُه الَّلمَمُ والجُنُونُ: فُلانٌ مُحْتَضَرٌ. ومنه قَولُ الرّاجِز:

وانْهَمْ بدَلْوَيْكَ نَهِيمَ المُحْتَضَرْ *** فقد أَتَتْكَ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرْ

والمُحْتَضِر: الّذي يَأْتِي الحَضَر. وحَضَارٌ: اسم للثَّورِ الأَبيضِ.

واحْتَضَر الفَرَسُ، إِذا عَدَا، واسْتَحْضَرْتُه: أَعْدَيْتُه.

وفي الحَدِيث ذِكْر حَضِيرٍ، كأَمِيرٍ، وَهُو قَاعٌ فيه مَزَارِعُ يَسِيل عليه فَيْضُ النَّقِيعِ ثمّ يَنْتَهِي إِلى مُزْجٍ، وبَيْن النَّقِيع والمَدِينةِ عشْرُونَ فَرْسَخًا.

والحَضَار، كسَحَابٍ، الأَبيَضُ. ومِثْلُ قَطَامِ اسمٌ لِلأَمْر؛ أَي احْضُر.

والحَضُرُ، بالفَتْح: الّذِي يتَعَرَّض لطَعَامِ القَوْم وهو غَنِيٌّ عَنْه.

وفي الأَساس: وحَضْرَمَ في كَلَامِه: لم يُعْرِبْه. وفي أَهْل الحَضَرِ الحَضْرَمَةُ كأَنَّ كلامَه يُشْبِه كلامَ أَهلِ حَضْرَمَوْت؛ لأَنَّ كلامهم لَيْسَ بِذاك، أَو يُشْبِه كَلامَ أَهلِ الحَضَر، والمِيمُ زائِدَة. انتهى.

وقد سَمَّت حاضِرًا ومُحَاضِرًا وحُضَيْرًا.

والحَضِيرِيَّةُ: مَحَلَّة ببَغْدَادَ من الجَانِب الشَّرْقِيّ، منها أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّب بن سَعِيدٍ الصَّبَّاغ الحَضِيرِيُّ، كان صَدُوقًا، كَتَب عنه أَبو بَكْر الخَطِيب وغَيرُه. وأَبُو الطَّيِّب عَبْدُ الغَفّار بن عبدِ الله بْنِ السِّرِيّ الواسطيُّ الحَضِيريُّ أَدِيبٌ، عن أَبي جَعْفَر الطَّبَرِيِّ، وعنه أَبو العَلاءِ الواسِطِيُّ وغَيْرُه.

والحَضَر، مُحَرَّكةً في شِعْر القُدمَاءِ، قال أَبو عُبَيْد: وأُراهُ أَرادوا به حَضُورًا أَو حَضْرَمَوْت، وكِلَاهُمَا يَمان.

قلت: والصَّوابُ أَنَّه البَلَد الّذي بَنَاه السَّاطِرُونُ، وقد تقدّم ذِكْره، وهكذا ذَكره السَّمعانيّ وغيره.

ومُنْيَةُ الحَضَرِ، مُحَرَّكةً: قريةٌ قُرْبَ المَنْصُورَة بالدَّقَهْلِيّة، وقد دخَلْتُها.

وأَبو بِشْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحمَدَ بْنِ حاضرٍ الحاضِريُّ الطُّوسِيُّ، تَرجَمَه الحاكمُ في تَارِيخِه. وحَضَارُ بن حَرْب بن عامر جَدُّ أَبي مُوسى الأَشعريّ رضي ‌الله‌ عنه.

وبَيْتُ حَاضِرٍ: قَرْيَةٌ قُرْبَ صَنْعَاءِ اليَمَن، ومنها الشَّرِيفُ سِرَاجُ الدين الحاضِرِيُّ، واسمُه عبدُ الله بْنُ الحَسَن، ذَكَرَه المَلِكُ الأَشْرَفُ الغَسَّانيّ في الأَنْسَاب.

والشَّمْس محمّد الحضاوريّ: فَقِيهٌ يَمَنِيّ.

وحَاضرُ بْنُ أَسَدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَمْرٍو في الأَزْدِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


43-تاج العروس (فجر)

[فجر]: الفَجْرُ: ضَوْءُ الصَّبَاحِ، وهُوَ حُمْرَةُ الشَّمْسِ في سَواد اللَّيْل، وهُمَا فَجْرَانِ: أَحدُهُمَا المُسْتَطيل، وهو الكاذِبُ الذي يُسَّمى ذَنَب السِّرْحَان؛ والآخَرُ المُسْتَطِيرُ، وهو الصّادِقُ المُنْتَشرُ في الأُفُق الّذي يُحَرِّم الأَكْلَ والشُّرْبَ على الصائم. ولا يكون الصُّبْحُ إِلَّا الصَّادِق. وقال الجوهريّ: الفَجْرُ: في آخِرِ اللَّيْلِ كالشَّفَق في أَوَّلِه.

قال ابنُ سيدَه: وقد انْفَجَرَ الصُّبْحُ، وتَفَجَّرَ، وانْفَجَرَ عنه اللَّيْلُ. وأَفْجَرُوا: دَخَلُوا فِيهِ؛ أَي الصُّبْحِ، كما تقولُ: أَصْبَحُوا، من الصُّبْحِ، وأَنشَد الفارِسِيّ:

فما أَفْجَرَتْ حَتَّى أَهَبَّ بسُدْفَةٍ *** عَلاجِيمُ عَيْنُ ابْنَيْ صُبَاحٍ تُثَيرُها

وفي كَلام بعضهم: كُنْتُ أَحُلُّ إِذا أَسْحَرْتُ، وأَرْحَلُ إِذا أَفْجَرْتُ. وفي الحدِيث: «أُعَرِّس إِذا أَفْجَرْتُ، وأَرْتَحِلُ إِذا أَسْفَرْتُ»؛ أَي أَنْزلُ للنَّوْمِ والتَّعْريسِ إِذا قَرُبْتُ من الفَجْر، وأَرْتَحِلُ إِذا أَضاءَ.

وقال ابنُ السِّكِّيت: أَنْتَ مُفْجِرٌ، من ذلك الوَقْت إِلى طُلُوعِ الشَّمْس.

وحَكَى الفارسيُّ: طَرِيقٌ فَجْرٌ: وَاضحُ.

والفِجَارُ، ككتَاب: الطُّرُقُ مِثْل الفِجَاج.

والفَجْر: تَفْجيرُك الماءَ.

وانْفَجَرَ الماءُ والدَّمُ ونَحْوُهُمَا من السَّيّال، وتَفَجَّرَ: سالَ وانْبَعَثَ. وفَجَرَه هُوَ يَفْجُرُه، بالضَّم، فَجْرًا فانْفَجَر؛ أَي بَجَسَهُ فانْبَجَسَ. وفَجَّرَهُ تَفْجِيرًا: شُدِّدَ للكَثْرة.

والمَفْجَرُ والمَفْجَرَةُ: مُنْفَجَرُهُ من الحَوْض وغَيْره. وفي الصّحاحِ: مَوْضِعُ تَفَتُّحِ المَاءِ كالفُجْرَةِ، بِالضّمّ.

والمَفْجَرَةُ: أَرْضٌ تَطْمَئنُّ وتَنْفَجِرُ. وعِبَارَةُ المُحْكَم: فَتَنْفَجِر فيها أَوْدِيَةٌ، والجَمْعُ المَفَاجِرُ. ومَفَاجِرُ الوَادِي: مَرَافِضُه حَيْثُ يَرْفَضُّ إِليه السَّيْلُ.

وفجْرَةُ الوَادِي ـ إِطْلاقُه يَقْتَضِي أَنْ يكونَ بالفَتْح، والصَّوابُ أَنّه بالضَّمّ ـ: مُتَّسَعُه الّذي يَنْفَجِرُ إِليه الماءُ، كثُجْرَتِهِ.

ومن المَجَاز: انْفَجَرَت عَلَيْهِمُ الدَّوَاهِي: أَتَتْهم منْ كلِّ وَجْهٍ كثيرةً بَغْتَةً. وكذا انْفَجَرَ عليهم العَدُوُّ، إِذا جاءَهُم بَغْتَةً بكَثْرَةٍ، كما في الأَساس واللّسان.

وأَصل الفَجْر الشَّقُّ، ثمّ اسْتُعْمِلَ في الانْبعاثِ في المَعَاصِي والمَحَارِمِ والزِّنَا ورُكُوب كُلِّ أَمرٍ قَبِيح منْ يَمِين كاذبَة أَو كَذِب، كالفُجُور فيهما كقُعُود.

فَجَرَ الرَّجُلُ بالمَرْأَة يَفْجُر فُجُورًا: زَنَى، والمَرْأَةُ: زَنَتْ، فهو فَجُورٌ كصَبُور، وفاجُورٌ، نَقَلَه الصّاغَانيّ، من قَوْم فُجُرٍ، بضَمَّتَيْن، وامْرَأَةٌ فَجُورٌ أَيضًا، مِنْ نِسْوَة فُجُرٍ، ورَجُلٌ فاجِرٌ، من قوم فُجَّار وفَجَرَة، كطُلّاب وطَلَبَة، وفي الحَدِيث: «إِنّ التُّجّارَ يُبْعَثُون يَوْمَ القيَامَة فُجّارًا إِلّا مَنِ اتَّقَى الله».

والفَجَرُ، بالتَّحْريك: العَطَاءُ والكَرَمُ والجُودُ والمَعْروفُ، قال أَبو ذُؤَيْب:

مَطاعِيمُ للضَّيْف حينَ الشِّتا *** ءِ شُمُّ الأُنُوف كَثِيرُو الفَجَرْ

وقال أَبو عُبَيْدَة: الفَجَرُ: الجُودُ الوَاسعُ، والكَرَمُ، من التَّفَجُّرِ في الخَيْرِ، وقال عَمْرُو بن امْرِئ القَيْسِ يُخَاطبُ مالِكَ بنَ العَجْلان:

خَالَفْتَ في الرَّأْيِ كُلَّ ذِي فَجَرٍ *** والحَقُّ ـ يا مالِ ـ غَيْرُ ما تَصِفُ

هكذا صوابُ إِنْشَاده كما قالَه ابن بَرّيّ. والفَجَرُ:

المَالُ، عن كُرَاع. والفَجَرُ: كَثْرَتُهُ، قال أَبو مِحْجَن الثَّقَفيُّ:

فَقَدْ أَجُودُ ومَا مَالي بذِي فَجَرٍ *** وأَكْتُمُ السِّرَّ فيه ضَرْبَةُ العُنُقِ

وقد تَفَجَّرَ بالكَرَم وانْفَجَرَ.

قال ابنُ القَطّاع: وفَجِرَ الرَّجُلُ فَجَرًا؛ أَي كفَرِحَ: تَكرَّمَ.

والفَاجِرُ: المُتَمَوِّلُ؛ أَي الكَثِيرُ المالِ، وهو على النَّسَب، والفاجرُ: السّاحِرُ، نقله الصاغانيّ.

وكقَطَامِ: اسْمٌ للفُجُور.

ويُقَال للمَرْأَة: يا فَجَارِ كقَطَامِ، وهو اسمٌ مَعْدُولٌ عن الفاجِرَةِ يُريدُ يا فاجرَةُ، قال النَّابِغَةُ:

أَنَّا اقْتَسمْنَا خُطَّتَيْنَا بَيْنَنَا *** فحَمَلْتُ بَرَّةَ واحْتَمَلْتَ فَجَارِ

قال ابنُ جِنّي: فَجَارِ مَعْدُولَةٌ عن فَجْرَةَ، وفَجْرَةُ عَلَمٌ غير مَصْرُوفٍ، كما أَنّ بَرّةَ كذلك. قال وقَوْلُ سيبويه إِنّها معدولة عنه الفَجْرَة تفسيرٌ على طريقِ المَعْنَى لا عَلَى طَرِيق اللَّفْظ.

وأَفْجَرَهُ. وَجَدَهُ فاجِرًا. وفَجَرَ الرجُلُ يَفْجُر فُجُورًا. فَسَقَ، وفَجَرَ أَيضًا: كَذَبَ [وكَذَّبَ]، زاد ابنُ القَطّاع: وأَرَابَ. وأَصْلُه المَيْلُ، والفَّاجِرُ: المائلُ.

وقال أَبو ذُؤَيْب:

ولا تُخْنُوا عَلَيَّ ولا تَشِطُّوا *** بِقَوْل الفَجْرِ إِنَّ الفَجْرَ حُوبُ

أَرادَ بالفَجْر الكَذِبَ، ويُسَمَّى الكاذِبُ فاجرًا لمَيْله عن القَصْد.

وفَجَرَ فُجُورًا، عَصَى وخالَفَ، وبه فَسَّرَ ثعلب قَوْلَهم في الدُّعاءِ: «ونَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ» فَقَال: مَن يَعْصيكَ ومَنْ يُخَالِفُكَ. ومنه‌حديثُ عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَهُ في الجهَاد، فمَنَعَهُ لِضعْفِ بَدَنه، فقال له: «إِنْ أَطْلَقْتَنِي وإِلَّا فَجَرْتُك»؛ أَي عَصَيْتُك وخالَفْتُك ومَضَيْتُ إِلى الغَزْوِ.

وقال المؤرّج: فَجَرَ الرَّجُلُ مِنْ مَرَضِه: بَرَأَ؛ وفَجَرَ: كَلَّ بَصَرُه، وفَجَرَ أَمْرُهُم: فَسَدَ.

ومن المَجَاز: فَجَرَ الراكِبُ يَفْجُرُ فُجُورًا: مالَ عَنْ سَرْجِه. وفَجَرَ عن الحَقِّ: عَدَلَ، ومنه قولُهم: «كَذَبَ وفَجَرَ». وفي حديث عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه: اسْتَحْمَلَهُ أَعرابِيّ وقال: إِنَّ ناقَتِي قد نَقِبَتْ. فقال لَهُ: كَذَبْتَ. ولم يَحْمِلْه.

فقال:

أَقْسَمَ بالله أَبو حَفْصٍ عُمَرْ: *** مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ ولا دَبَرْ

فاغْفِرْ لَهُ اللهُمَّ إِنْ كانَ فَجَرْ

أَي كَذبَ ومالَ عن الصِّدْق.

وقال الشاعر:

قَتَلْتُم فَتًى لا يَفْجُرُ الله عامِدًا *** ولا يَجْتَويهِ جارُه حِينَ يُمْحِلُ

أَي لا يَفْجُرُ أَمْرَ الله؛ أَي لا يَمِيلُ عنه ولا يَتْرُكُه.

وأَيّامُ الفِجَار، بالكَسْر، كانت بعُكَاظَ، تَفاجَرُوا فيها واسْتَحَلُّوا كلَّ حُرْمَةٍ، كذا في الأَساس. وفي الصّحاح: الفِجَارُ: يَوْمٌ من أَيَّامِ العَرَب، وهي أَرْبَعةُ أَفْجِرَةٍ: فِجَارُ الرَّجُلِ، وفِجَارُ المَرْأَةِ، وفِجَارُ القِرْدِ، وفِجَارُ البَرّاضِ.

قلتُ: والأَخِيرُ هو الوَقْعَةُ العُظْمَى، نُسِبَت إِلى البَرّاضِ بن قَيْسٍ الذي قَتَلَ عُرْوَةَ الرَّحّالَ، وإِنَّمَا سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّهَا كانَتْ في الأَشْهُرِ الحُرُم، وكانتْ بَيْنَ قُرَيش ومَنْ مَعَهَا من كِنَانَةَ، وبَيْنَ قَيْسِ عَيْلانَ في الجاهِليّة، وكانَت الدَّبْرَةُ؛ أَي الهَزيمَةُ، على قيْس. فَلَمَّا قاتَلُوا فيها قالُوا: قد فَجَرْنا، فسُمِّيَتْ لِذلكَ فِجَارًا، وهو مَصْدَرُ فاجَرَ مُفاجَرَةً وفِجَارًا: ارْتَكَبَ الفُجُورَ، كما حَقَّقَه السُّهَيْلِي في الرَّوْض. وفِجَارَاتُ العَرَبِ: مُفَاخَرَاتُهَا.

وقد حَضَرَهَا النبيُّ صلى الله تعالَى عليه وسلَّم، وهو ابنُ عِشْرِينَ سنةً، وفي الحَدِيث: «كنْتُ أَنْبُلُ على عُمُومَتِي يَوْمَ الفِجَارِ، ورَمَيْتُ فيه بأَسْهُم، وما أُحِبُّ أَنِّي لم أَكُنْ فَعَلْتُ». وفي رِوايَة: «كُنْتُ أَيّامَ الفِجَارِ أَنْبُلُ على عُمُومَتِي».

وذُو فَجَرٍ، مُحَرَّكَة: موضع، قال بَشِيرُ بنُ النِّكْث:

حَيْثُ تَرَاءَى مَأْسَلٌ وذُو فَجَرْ *** يَقْمَحْنَ من حِبَّتِهِ ما قَدْ نَثَرْ

والفُجَيْرَة، كجُهَيْنةَ: موضع.

ويقالُ: رَكِبَ فلانٌ فَجْرَةَ وفَجَارِ مَمْنُوعةً من الصَرْفِ؛ أَي كَذَبَ وفَجَرَ.

وعن ابن الأَعرابِيّ: أَفْجَرَ الرَّجُلُ، إِذا جاءَ بالفَجَرِ؛ أَي بالمالِ الكَثِيرِ. وأَفْجَرَ، إِذا كَذَبَ، وأَفْجَرَ، إِذا زَنَى، وأَفْجَرَ، إِذا كَفَرَ، وأَفْجَرَ، إِذا عَصَى بفَرْجِه، وأَفْجَرَ، إِذا مالَ عن الحَقِّ. الأَخيرُ ليس من قَوْلِ ابنِ الأَعرابيّ، بل أَلْحَقَه الصاغانيّ من كَلامِ غَيْره. وأَفْجَرَ اليَنْبُوعَ: أَنْبَطَهُ؛ أَي أَخْرَجَهُ.

والمُتَفَجِّر، بكسر الجيم: فَرَسُ الحارِثِ بنِ وَعْلَةَ كأَنَّهُ يَتَفَجَّرُ بالعَرَق.

وقال الهَوازِنيُّ: الافْتِجارُ في الكَلامِ: اخْتِراقُه من غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَهُ من أَحَد وَيَتَعَلَّمَه، وأَنشد:

نازِعِ القَوْمَ إِذا نازَعْتَهُمْ *** بأَريب أَوْ بحَلّافٍ أَبَلّ

يَفْتَجِرُ القَوْلَ ولم يَسْمَعْ بِهِ *** وَهْوَ إِنْ قِيلَ: اتَّقِ الله، احْتَفَلْ

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

فَجَّرَه، إِذا نَسَبَه للفُجُور، كفَسَّقَهُ وكَفَّرَهُ. ومنه‌حَدِيثُ ابنِ الزُّبَيْر: «فَجَّرتَ بنَفْسِكَ».

وقال المُؤَرّج: فَجَرَ الرَّجُلُ: أَخْطَأَ في الجَوَاب. وفَجَرَ، إِذا رَكِبَ رَأْسَه فمَضَى غيرَ مُكْتَرِثٍ.

وقال ابنُ شُمَيْل: الفُجُور: الرُّكُوب إِلى ما لا يَحِلُّ.

وحَلَفَ فلانٌ على فَجْرَةٍ، واشتمل على فَجْرَةٍ، إِذا رَكبَ أَمرًا قَبِيحًا من يَمِينٍ كاذبَة أَو زِنًى أَو كَذِبٍ.

والفَاجِرُ: المُكذِّبُ، لِمَيْله عن الصِدْقِ والقَصْدِ. وعن ابنِ الأَعرابيّ: الفاجِرُ: الساقطُ عن الطّرِيق.

وفي حديث عائشَة رَضِي الله عنها: «يا لَفُجَرَ»، معدولٌ عن فاجِر للمُبَالَغَة، ولا يُسْتَعْمَلُ إِلّا في النِّداءِ غالِبًا.

وسِرْنا في مُنْفَجَرِ الرَّمْلِ: وهو طَريقٌ يكونُ فيه، وهو مَجازٌ.

والفَجرُ، محرَّكة: يُكْنَى به عَنْ غَمَرَاتِ الدُّنْيَا. ومنه‌حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي ‌الله‌ عنه: «لأَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُكُم فتُضْرَبَ عُنقُه خَيْرٌ له من أَنْ يَخُوض في غَمَرَاتِ الدُّنْيَا، يا هادِيَ الطَّرِيقِ جُرْتَ، إِنّمَا هو الفَجْرُ أَو البَحْر» يقولُ: إِن انْتَظَرْتَ حتى يُضِي‌ءَ لك الفَجْرُ أَبْصَرْتَ قَصْدَك، وإِن خَبَطْتَ الظَّلْمَاءَ ورَكِبْتَ العَشْواءَ هَجَمَا بِكَ على المَكْرُوه.

فضَرَب الفجرَ والبَحْرَ مَثَلًا لغَمَراتِ الدُّنْيَا. وقد تَقدّم البَحْرُ في مَوْضِعه.

* تتمة:

اختُلف في مَعْنَى قولِه تعالَى: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ} فقيلَ: أَي يَقُولُ: سَوْفَ أَتُوبُ. ويُقَال: يُكْثِرُ الذُّنُوبَ ويُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ. وقيل: يُسَوِّف بالتَّوْبَة ويُقَدِّم الأَعمالَ السَّيِّئَةَ. وقِيلَ: لِيَكْفُرَ بما قُدّامَه من البَعْثِ. وقال المؤرِّج: أَي لِيَمْضِيَ أَمامَه راكِبًا رَأْسَه. وقِيل: ليُكذِّبَ بما أَمَامَهُ من البَعْثِ والحِسَابِ والجَزَاءِ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


44-تاج العروس (نظر)

[نظر]: نَظرَهُ، كنَصَرَهُ وسَمِعَه، هكذا في الأُصول المُصَحَّحة، ووُجِد في النَّسخة التي شرحَ عليها شيخُنَا: كضَرَبَه، بدل: كنَصَرَه، فأَقَام النَّكِيرَ على المُصَنِّف وقال: هذا لا يُعْرَف في شي‌ءٍ من الدَّواوِين ولا رَواه أَحدٌ من الرَّاوِين، بل المعروفُ نَظَر ككَتَب، وهو الذي مُلئَ به القُرْآنُ وكَلامُ العَرَب. ولو عَلِم شَيْخُنا أَنّ نُسْخَتَه محرّفة لم يَحْتَجْ إِلى إِيراد ما ذكرَه. وفي المحكم: نَظَرَه يَنْظُره، ونَظَرَ إِليه نَظَرًا، محرّكةً، قال اللَّيْث: ويجوز تخفيف المَصْدَر، تحْمِله على لفْظ العامَّة من المَصادِر، ومَنْظَرًا، كمَقْعَد، ونَظَرانًا، بالتَّحْرِيك، ومَنْظَرَةً، بفتح الأَوّل والثّالِث، وتَنْظَارًا، بالفَتْح. قال الحُطَيْئةُ:

فمالَكَ غَيْرُ تَنْظَارٍ إِلَيْهَا *** كما نَظَرَ اليَتِيمُ إِلى الوَصِيِّ

تَأَمَّلَهُ بعَيْنِه، هكذا فسّره الجَوْهَرِيّ. وفي البَصَائر: والنَّظَر أَيضًا تَقْلِيبُ البَصِيرةِ لإِدْرَاك الشيْ‌ءِ ورُؤْيته وقد يُرادُ به التأَمُّل والفَحْص، وقد يُرادُ به المَعْرِفةُ الحاصلَةُ بعد الفَحْص. وقوْلُه تعالى: {انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ} أَي تأَمَّلُوا. واستعمال النَّظَر في البَصَر أَكثرُ استِعْمَالًا عند العامَّة، وفي البَصِيرَة أَكثر عند الخاصّة. ويقال: نَظَرتُ إِلى كذا، إِذا مَدَدْتَ طَرْفَك إِليه، رَأَيْتَه أَو لم تَرَه، ونَظَرتُ، إِذا رَأَيْتَه وتَدَبَّرْتَه، ونَظَرتُ في كذا: تأَمَّلْتُه، كتَنَظَّرَه، وانْتَظَرَه كذلِك، كما سيأْتي. ونَظَرتِ الأَرْضُ: أَرَتِ العَيْنَ نَبَاتَهَا، نقله الصاغَانيّ، وهو مَجاز. وفي الأَسَاس: نَظَرَتِ الأَرْضُ بعَيْن وبِعَيْنَين: ظَهَرَ نَبَاتُهَا. ونَظَر لَهُم؛ أَي رَثَى لهُم وأَعَانَهُمْ، نقله الصّاغَانِيّ، وهو مَجاز، ونَظَرَ بَيْنَهُم؛ أَي حَكَمَ.

والنَّاظرُ: العَيْنُ نَفْسُهَا، أَو هو النُّقْطَةُ السَّوْداءُ الصّافِيَة التي في وَسط سَوادِ العَيْن وبها يَرَى النّاظرُ ما يُرَى، أَو البَصَرُ نَفْسُه، وقيل: النّاظِر في العَيْن كالمِرآة التي إِذا استقبلْتَها أَبصرتَ فيها شَخصَك، أَو عِرْقٌ في الأَنْفِ وفيه ماءُ البَصَرِ قاله ابن سِيدَه، وقيل: النّاظر: عَظْمٌ يَجْرِي من الجَبْهَة إِلى الخَيَاشِيمِ، نقله الصّاغانيّ. والنّاظِران: عِرْقانِ على حَرْفَيِ الأَنْفِ يَسِيلان من المُؤْقَيْن، وقيل: هما عِرقَانِ في العَيْن يَسْقِيَان الأَنْفَ، وقيل: هما عِرْقَانِ في مَجْرَى الدَّمْع على الأَنْفِ من جانِبَيْه، وهو قَول أَبي زَيْد. وقال ابنُ السِّكِّيت: هُمَا عِرْقانِ مُكْتَنِفَا الأَنْفِ، وأَنشد لجَرِير:

وأَشْفِي من تَخَلُّجِ كلّ جِنٍّ *** وأَكْوِي النَّاظِرَيْنِ من الخُنَانِ

وقال آخر:

ولقد قَطَعْتُ نواظِرًا أَوْجَمْتُهَا *** مِمّنْ تَعَرَّضَ لي من الشُّعَراءِ

وقال عُتَيْبَةُ بن مِرْدَاس:

قَلِيلَةُ لَحْمِ النَّاظِرَيْنِ يَزِينُهَا *** شَبَابٌ ومَخْفُوضٌ من العَيْشِ بارِدُ

وَصفَ محبوبَته بأَسالةِ الخدِّ وقِلّة لَحمه، وهو المُسْتحَبّ.

ومن المَجَاز: تَناظَرَت النَّخْلتانِ، إِذا نَظرَتِ الأُنْثَى منهُمَا إِلى الفَحْلِ، وفي بعض النَّسخ: إِلى الفُحَّالِ فلمْ يَنْفَعْهَا تَلْقِيحٌ حتى تُلْقَحَ منه. قال ابن سِيدَه: حكَى ذلك أَبو حَنِيفَة.

والمَنْظَرُ والمَنْظَرَةُ: مَا نَظَرْتَ إِليه فأَعْجَبَك أَو ساءَكَ.

وفي التهذيب: المَنْظَرَةُ: مَنْظَرُ الرّجل إِذا نَظرْتَ إِليه فأَعْجَبَك. وامرأَةٌ حَسَنَةُ المَنْظَر والمَنْظَرَةِ. ويقال: إِنّه لذو مَنْظَرَة بلا مَخْبَرَة. ويقال مَنْظَرُهُ خَيرٌ من مَخْبَرِه: ورجلٌ مَنْظَرِيٌّ، ومَنْظَرَانِيٌّ الأَخِيرَة على غَيْر قِياس: حَسَنُ المَنْظَر. ورجلٌ مَنْظَرَانِيٌّ مَخْبَرَانِيٌّ.

ويُقَال: إِنّ فلانًا لفِي مَنْظَرٍ ومُسْتَمَع، وفي رِيٍّ ومَشْبَع؛ أَي فيما أَحَبَّ النَظرَ إِليه والاستماعَ.

ومن المَجَاز: رجلٌ نَظُورٌ كصبُور، ونَظُورَةٌ، بزيادة الهاءِ، ونَاظُورَةٌ ونَظِيرَةٌ، الأَخيرة كسَفِينَة: سَيِّدٌ يُنْظَرُ إِليه، للوَاحِد والجَمْع والمُذَكَّر والمُؤَنَّث. قال الفَرَّاءُ: يُقَال: فلانٌ نَظُورَةُ قَومِه ونَظِيرَةُ قَومه، وهو الذي يَنْظُر إِليه قَومُه فيمْتَثِلون ما امْتثلَه، وكذلك: هو طَرِيقَتُهم، بهذا المعنَى.

أَوْ قَدْ تُجْمَع النَّظِيرَة والنَّظُورَةُ على نَظَائرَ.

وناظِرُ: قَلْعةٌ بخُوزِسْتَانَ، نقله الصاغَانيّ.

ومن المَجاز: رجلٌ سَدِيدُ النَّاظِرِ؛ أَي بَرِي‌ءٌ من التُّهَمَة يَنْظُر بملْ‌ءِ عَيْنَيْهِ. وفي الأَساس: بَرِي‌ءُ السّاحَةِ ممّا قُذِفَ به.

وبنُو نَظَرَى، كجَمَزَى، وقد تُشَدّد الظّاءُ: أَهلُ النَّظَرِ إِلى النِّساءِ والتَّغَزُّلِ بهِنَّ، ومنه قولُ الأَعْرَابِيّة لبَعْلِهَا: مُرَّ بي على بَنِي نَظَرَى، ولا تَمُرَّ بي على بَنَاتِ نَقَرَى؛ أَي مُرَّ بي على الرِّجَال الذين يَنظرون إِليَّ فأُعْجِبهم وأَرُوقُهم، ولَا تُمَرَّ بي على النّساءِ الَّلائِي يَنْظُرْنَنِي، فيَعِبْنَنِي حَسَدًا، ويُنَقِّرْن عن عُيُوبِ مَن مَرَّ بهنّ. حكاه ابنُ السِّكِّيت.

والنَّظَرُ، محرَّكَة: الفِكْرُ في الشَّيْ‌ءِ تُقَدِّرُه وتَقِيسُه، وهو مَجَازٌ. والنَّظَرُ: الانْتِظَارُ، يُقَال: نَظَرْت فلانًا وانْتَظَرْتُه، بمعنًى وَاحدٍ، فإِذا قُلت، انتظَرْتُ فلم يُجَاوِزْك فِعلُك، فمعناه: وَقَفتُ وتَمَهَّلْت، ومنه قَوْلُه تعالى: {انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وفي حديث أَنَس: «نَظَرْنَا النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم ذاتَ لَيْلَة حتى كان شَطْرُ اللَّيْل». يُقَال: نَظَرْتُه وَانْتَظَرْتُه، إِذا ارْتَقَبْت حُضورَه. وقولُه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} أَي مُنتظِرة. وقال الأَزهريّ: وهذا خَطَأٌ، لأَنَّ العَربَ لا تقول نَظَرْت إِلى الشَّيْ‌ءِ بمعنى انْتَظَرْتُه، إِنّمَا تقول نَظَرْتُ فلانًا؛ أَي انتظرتُه، ومنه قَوْلُ الحُطَيْئَةِ:

وقد نَظَرْتُكُم أَبْناءَ صادِرَةٍ *** للْوِرْدِ طالَ بها حَوْزِي وتَنْسَاسِي

وإِذا قلتَ: نَظَرْتُ إِليه، لم يكن إِلّا بالعَيْن، وإِذا قلتَ: نَظَرْتُ في الأَمْرِ، احتملَ أَن يكون تَفَكُّرًا وتَدَبُّرا بالقَلْب.

ومن المَجَاز: النَّظَرُ: هم الحَيُّ المُتَجَاوِرُون يَنْظُرُ بعضُهُم لبَعْض. يقال: حَيٌّ حِلَالٌ ونَظَرٌ. والنَّظَرُ: التَّكَهُّنُ، ومنه‌الحَدِيثُ: «أَنّ عبدَ الله بن عبد المُطَّلِبِ مَرَّ بامرأَة كانَت تَنْظُر وتَعْتَافُ، فدَعَتْه إِلى أَن يَسْتَبْضِعَ منها وله مائةٌ من الإِبل» تَنْظُر؛ أَي تَتَكَهَّن وهو نَظرٌ بفِرَاسة وعِلْم، واسمها كاظِمَةُ بنتُ مُرٍّ، وكانَت مُتَهَوِّدَةً، وقيل: هي أُختُ وَرَقَةَ بنِ نَوْفَلٍ.

والنَّظَر: الحُكْمُ بَيْنَ القَوْمِ. والنَّظَرُ: الإِعَانَةُ، ويُعَدَّى باللام، وهذانِ قد ذكرَهما المُصنِّف آنِفًا، والفِعْلُ في الكُلّ كنَصَرَ، فإِنّه قال: ولهم: أَعانَهُم، وبَيْنَهُم: حَكمَ، فهو تكرارٌ كما لا يَخْفَى.

ومن المَجَاز: النَّظُورُ كصَبُور: مَنْ لا يُغْفِلُ النَّظَرَ إِلى مَنْ أَهَمَّهُ، وفي اللّسَان: إِلى ما أَهَمَّه. وفي الأَسَاس: من لا يَغْفَل عن النَّظَر فيما أَهَمَّه.

والمَنَاظِرُ: أَشْرَافُ الأَرْض، لأَنّه يُنْظَر منها، والمَنَاظرُ: موضع في البَرِّيَّةِ الشامِيَّة قُرْبَ عُرْضَ. وأَيضًا: موضع قُرْبَ هِيتَ. قال عَدِيُّ بنُ الرِّقاع:

وثَوَى القِيَام على الصُّوَى وتَذاكَرَا *** ماءَ المَنَاظِرِ قُلْبها وأَضَاهَا

وتَنَاظَرا: تَقَابَلَا، ومنه تناظَرَتِ الدّارَان، ودُورُهُم تَتَناظَرُ.

والناظُورُ والنّاظِرُ: النّاطُورُ، بالطاءِ، وهي نَبَطِيّة. وابْنُ النّاظُورِ مَرَّ ذِكرُه في ن ط ر، وانْظُرْنِي؛ أَي اصْغَ إِلَيّ، ومنه قوله عزّ وجلّ: {وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا} ونَظَرَه وانْتَظَرَه وتَنَظَّرَهُ: تَأَنَّى عليه، قال عُرْوَةُ بن الوَرْد:

إِذا بَعُدُوا لا يأْمَنُون اقْترابَه *** تَشَوُّفَ أَهْلِ الغَائِبِ المُتَنَظَّرِ

والنَّظِرَة، كفَرِحَة: التَّأْخيرُ في الأَمْر، قال الله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ} وقرأَ بعضُهُم: «فنَاظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَة» كقوله عزّ وجلّ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ} أَي تَكْذِيبٌ. وقال اللَّيْثُ: يقال: اشتريتهُ منه بنَظِرَةٍ وإِنْظَارٍ.

والتَّنَظُّر: تَوَقُّعُ الشَّيْ‌ءِ. وقال ابنُ سِيدَه: هو تَوقُّعُ مَا تَنْتَظِرُه.

ونَظَرَهُ نَظْرًا: بَاعَهُ بنَظِرَةٍ وإِمْهَالٍ، واسْتَنْظَرَه: طَلَبَهَا؛ أَي النَّظِرَة منه واسْتَمْهَلَه. وأَنْظَرَهُ: أَخَّرَه، قال الله تَعَالَى: {قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} أَي أَخِّرْني. ويُقَال: بِعْتُ فُلانًا فأَنْظَرْتُه؛ أَي أَمْهَلْته، والاسمُ النَّظِرَة، وفي الحَديث: كنتُ أُبَايعُ النَّاسَ فكُنتُ أُنْظِرُ المُعْسِرَ»؛ أَي أَمْهِلُه.

والتَّنَاظُرُ: التَّرَاوُضُ في الأَمْر. ونَظِيرُك: الذي يُرَاوِضُك وتُنَاظِرُه.

ومن المَجاز: النَّظِيرُ، كأَمير، والمُنَاظِرُ: المِثْلُ والشَّبِيه في كلِّ شي‌ءٍ، يقال: فلانٌ نَظِيرُكَ؛ أَي مِثْلُك، لأَنّه إِذا نَظرَ إِليهما النّاظرُ رآهما سواءً، كالنِّظْر، بالكَسْر، حكاه أَبو عبيدة، مثل النِّد والنَّدِيد، وأَنشد لعَبْد يَغُوثَ بن وَقّاصٍ الحارثيّ:

أَلَا هلْ أَتَى نِظْري مُلَيْكَةَ أَنَّني *** أَنا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عليه وعَادِيَا

وقد كُنْتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِلَ الْ *** مَطِيِّ وأَمْضِي حَيثُ لاحَيَّ ماضِيَا

الجمع: نُظَرَاءُ، وهي نَظِيرَتُها، وهُنَّ نَظَائرُ، كما في الأَساس.

والنَّظْرَةُ، بالفَتْح: العَيْبُ، يقال: رجلٌ فيه نَظْرَةٌ؛ أَي عَيْب، ومَنْظُورٌ: مَعْيُوبٌ. والنَّظْرَة: الهَيْبَةُ عن ابن الأَعرابيّ. والنَّظْرَةُ: سُوءُ الهَيْئَة. وقال أَبو عَمْرو: النَّظْرَة: الشُّنْعَة والقُبْح. يقال: إِنّ في هذه الجَاريةِ لَنَظْرَةً، إِذا كانت قَبيحَةً. والنَّظْرَة: الشُّحُوب، وأَنْشَد الرِّياشيُّ:

لقَدْ رَابَني أَنَّ ابنَ جَعْدَةَ بادِنٌ *** وفي جِسْم لَيْلَى نَظْرَةٌ وشُحُوبُ

والنَّظْرَة: الغَشْيَةُ أَو الطّائفُ من الجِنِّ، وقد نُظِرَ، كعُنِيَ، فهو منظورٌ: أَصابَتْه غَشْيَةٌ أَو عَيْنٌ، وفي الحديث أَنَّ النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم رأَى جاريَةً فقال: «إِنَّ بها نَظْرَةً فاسْتَرْقُوا لها».

قيل: معناه إِن بها إِصابةَ عَيْنٍ من نَظَرِ الجِنّ إِليهَا، وكذلك بها سَفْعَة. والنَّظْرَة: الرَّحْمَةُ، عن ابن الأَعرابيّ، وهو مَجاز. وفي البصائر: ونَظَرُ الله إِلى عِبَاده هو إِحسانُه إِليهم وإِفاضَة نِعَمه عليهم، قال الله تعالى: {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} وفي الصّحيحين: «ثلاثَةٌ {لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}: شَيْخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائِلٌ مُتَكَبِّرٌ».

وفي النّهَايَة لابن الأَثير: أَنّ النَّظَرَ هُنَا الاخْتيارُ والرَّحْمَةُ والعَطْف؛ لأَنّ النَّظَرَ في الشّاهد دليلُ المحَبَّة، وتَرْكُ النّظَرِ دَليلُ البُغْضِ والكَرَاهَة.

ومَنْظُورُ بنُ حَبَّةَ أَبو سِعْرٍ راجزٌ، وقد تقدَّم ذِكرُه في س موضع ر أَيضًا، وحَبَّةُ: اسم أُمُّهُ وأَبوه مَرْثَد، والذي في اللّسَان أَنّ منظورًا اسمُ جِنّيٍّ وحَبَّةَ اسمُ امرَأَة عَلِقَها هذا الجِنّيّ، فكانت تُطَبِّبُ بما يُعَلّمها، وفيهمَا يَقُولُ الشّاعر:

ولَوْ أَنَّ مَنْظُورًا وحَبَّةَ أَسْلَمَا *** لنَزْعِ القَذَى لَمْ يُبْرِئا لِي قَذَاكُمَا

وقد تقدّم ذلك في ح ب ب أَيضًا. ومَنْظُورُ بنُ سَيَّارٍ: رَجُلٌ معروف أَي مَعْرُوف. قلت: وهو مَنْظُورُ بن زَبَّان بن سَيَّارِ بن العُشَرَاءِ من بني فَزَارَة، وقد ذكرَ في موضع ش ر.

ونَاظِرَةُ: جَبلٌ أَو ماءٌ لبني عَبْس بأَعْلَى الشَّقِيق أَو: موضع، قالَهُ ابنُ دُرَيْد، وقيل: ناظِرَة وشَرْجٌ: ماءَانِ لِعَبْس، قال الأَعْشَى:

شَاقَتْك مِنْ أَظْعانِ لَيْ *** لَى يَوْمَ ناظِرَةٍ بَوَاكِرْ

وقال جرير:

أَمَنْزِلَتَيْ سَلْمَى بناظرَةَ اسْلَمَا *** وما رَاجَعَ العِرْفَانَ إِلَّا تَوَهُّمَا

كأَنَّ رُسُومَ الدَّارِ رِيشُ حَمَامَةٍ *** مَحَاهَا البِلَى واسْتَعْجَمَتْ أَنْ تَكَلَّمَا

ونَوَاظِرُ: آكَامٌ بأَرْض باهِلَةَ، قال ابنُ أَحْمَر الباهليّ:

وصَدَّتْ عَنْ نوَاظرَ واستَعَنَّتْ *** قَتامًا هَاجَ عَيْفيًّا وآلَا

والمَنْظُورَةُ من النّسَاءِ: المَعِيبَةُ، بهَا نَظْرَةٌ؛ أَي عَيْب.

والمَنْظُورَة: الدَّاهِيَة، نقله الصاغَانيّ.

ومن المَجَاز: فَرَسٌ نَظَّارٌ، كشَدّاد: شَهْمٌ حَديدُ الفُؤَادِ طامِحُ الطَّرْفِ، قال:

مُحَجَّلٌ لاح له حمَارُ *** نابِي المَعَدَّيْنِ وَأَى نَظَّارُ

وبَنُو النَّظَّار: قَوْمٌ من عُكْلٍ، وهم بنو تَيْم وعَديٍّ وثَوْر بني عَبْد مَنَاة بن أُدّ بن طابخَةَ، حَضَنَتْهم أَمَةٌ لهم يقال لها عُكْلٌ فغَلبتْ عليهم. وسيأْتي في مَوْضعه، منها الإِبلُ النَّظَّاريَّة، قال الرّاجز:

يَتْبَعْنَ نَظّاريّةً سَعُومَا

السَّعْم: ضَرْب من سَيْر الإِبلِ، أَو النَّظَّارُ: فَحْلٌ من فُحُولِ الإِبل، في اللّسَان: من فُحُول العَرَب. قال الرّاجز:

يَتْبَعْنَ نَظَّارِيَّةً لم تُهْجَمِ

أَي ناقَةً نَجيبة من نِتَاجِ النَّظَّار. وقال جَريرٌ:

والأَرْحَبيّ وجَدُّها النَّظّارُ

ولم تُهجَم: لم تُحْلَب.

والنَّظَّارَةُ: القَوْمُ يَنْظُرون إِلى الشَّيْ‌ءِ كالمَنْظَرَة، يقولُون: خَرَجْت مع النَّظَارَة. والنَّظَارة، بالتَّخْفيف بمعنى التَّنَزُّه لَحْنٌ يَستَعْملُه بعضُ الفُقَهَاءِ في كُتُبُهم، والصّواب فيه التشديد.

ويقال: نَظَارِ، كقَطَام؛ أَي انْتَظِرْ، اسْمٌ وُضِعَ مَوضعَ الأَمْر.

والمِنْظَارُ، بالكَسْر: المِرْآةُ يُرَى فيها الوَجهُ، ويُطْلَق أَيضًا على ما يُرَى منه البَعيدُ قريبًا، والعامَّة تُسَمِّيه النَّظَّارَةَ. والنَّظَائِرُ: الأَفَاضِلُ والأَمَاثِلُ لاشْتَباه بَعْضِهم ببعض في الأَخْلاق والأَفْعَال والأَقْوَال. والنَّظِيرَةُ والنَّظُورَة: الطَّليعة، نقله الصاغَانيّ، ويُجْمَعَان على نَظَائرَ.

وناظَرَهُ: صارَ نَظيرًا له في المُخَاطبة. وناظَرَ فُلَانًا بفُلان: جَعَلَه نَظيرَه، ومنه قَوْل الزُّهْريّ محمّد بن شِهَاب: لا تُنَاظِرْ بكتَاب الله ولا بكَلام رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم، وفي رواية ولا بسُنَّة رسول الله صلى ‌الله‌ عليه‌ وسلم. قال أَبُو عُبَيْد: أَي لا تَجْعَل شَيْئًا نَظِيرًا لهما، فتَدعهما وتأْخُذ به، يقول. لا تَتَّبعْ قَولَ قائلٍ مَنْ كَانَ وتَدَعهما له. وفي الأَساس: أَي لا تُقَابِلْ به ولا تَجعلْ مثْلًا له، قال أَبو عُبَيْد: أَو مَعْنَاهُ لا تَجْعَلْهُمَا مَثَلًا لشي‌ءٍ لغَرَض، هكذا في سَائر النُّسخ والصّواب: لشي‌ءٍ يَعْرِضُ، وهو مِثْلُ قَولِ إِبراهيم النَّخَعيّ: كانُوا يكرهُون أَن يَذْكُروا الآيَةَ عند الشي‌ءِ يَعْرِض من أَمر الدّنْيَا، كقَوْل القَائل للرجُل: جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى لِمُسَمًّى بمُوسَى إِذا جَاءَ في وَقْتٍ مَطْلُوب، الذي يُريد صاحبُه، هذا وما أَشبَهه من الكلام ممّا يَتَمَثَّل به الجَهَلَةُ من أُمُور الدُّنْيَا، وفي ذلك ابتذالٌ وامْتهَان قال الأَزْهَريُّ: والأَوّل أَشْبَهُ.

ومن المَجَاز: يقال: مَا كَان هذا نَظِيرًا لهذا ولقد أُنْظِرَ به، كما يُقَال: ما كَان خَطِيرًا وقد أُخْطِرَ به.

وقال الأَصْمعيّ: عَدَدْتُ إِبلَهُم نَظَائرَ؛ أَي مَثْنَى مَثْنَى، وعَددتُها جَمَارًا، إِذا عَدَدْتَهَا وأَنت تَنْظُر إِلى جمَاعتها.

والنِّظَارُ، ككِتَاب: الفِراسَةُ، ومنه قَوْلُ عَديٍّ: لم تُخْطئْ نِظَارَتي؛ أَي فِرَاستي.

وامرَأَةٌ سُمْعُنَّةٌ نُظْرُنَّة، بضمّ أَوَّلْهمَا وثَالثهما، وبكَسْر أَوَّلْهما، وفَتْح ثالثهما، وبكَسْر أَوَّلْهمَا وثالثهمَا، كلاهما بالتَّخْفيف حكَاهُمَا يَعْقُوب وَحدَه. قال: وهي التي إِذا تَسَمَّعَتْ أَو تَنَظَّرَتْ فلم تَرَ شَيْئًا تَظَنَّتْهُ تَظَنِّيًا.

وأَنْظُورُ في قَوْله؛ أَي الشّاعر:

الله يُعْلَمُ أَنَّا في تَقَلُّبنا *** يومَ الفرَاق إِلى إِخْوَانِنا صُورُ

وأَنَّني حَيْثُ ما يَثْنِي الهَوَى بَصَرِي *** منْ حَيْثُمَا سلَكُوا أَدْنُوا فأَنْظُورُ

لُغَةٌ في أَنْظُر لبعض العَرب، كذا نقله الصّاغَانيّ عن ابن دُرَيْد في التّكْملَة ونَصُّه:

حتَّى كَأَنَّ الهَوى من حَيْثُ أَنْظُورُ

والذي صرّحَ به اللَّبْليّ في بُغْيَة الآمال أَنّ زيادة الواو هُنَا حدثتْ من إِشباع الضّمّة، وذكرَ له نظائرَ.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

يقولُون: دُورُ آلِ فُلان تَنْظُر إِلى دُورِ آل فلانٍ؛ أَي هي بإِزائِها ومُقَابلة لها. وهو مَجاز.

ويقول القائل للمُؤَمِّلِ يرجوه: إِنّمَا نَنْظُر إِلى الله ثمّ إِليك؛ أَي إِنّمَا أَتوقّع فَضْلَ الله ثمّ فضْلَك، وهو مَجاز.

وتقول: عُيَيْنَتِي نُوَيْظِرَةٌ إِلى الله ثم إِليكم. وهو مَجاز.

وأَنْظَر إِنْظَارًا: انْتَظَرَ، قالَهُ الزَّجَّاجُ في تَفْسير قوله تعالى: على قراءَة من قَرَأَ بالقَطْع، قال، ومنه قولُ عَمْرو بن كُلْثُوم:

أَبَا هنْدٍ فلا تَعْجَلْ عَلَيْنَا *** وأَنْظِرْنَا نُخَبِّرْكَ اليَقينَا

وقال الفرّاءُ: تقولُ العَرَبُ أَنْظِرْني؛ أَي انْتَظِرْني قليلًا.

ويقول المتكلِّم لمَن يُعْجِلُه: أَنْظِرْني أَبْتَلِعْ رِيقِي؛ أَي أَمْهِلْني.

والمُنَاظَرَة: أَنْ تُنَاظِرَ أَخاكَ في أَمْرٍ إِذا نَظرتُمَا فيه معًا كيف تَأْتيَانه. وهو مَجاز. والمُنَاظَرَة: المُبَاحَثَةُ والمُبارَاة في النَّظَر، واسْتِحْضَارُ كلِّ ما يَراه ببَصيرَته.

والنَّظَر: البَحْثُ وهو أَعمُّ من القِيَاس، لأَن كلّ قِياس نَظَرٌ، وليس كُلّ نَظرٍ قياسًا. كذا في البصائر. ويُقَال، إِنّ فلانًا لفي مَنْظَرٍ ومُسْتَمَع؛ أَي فيما أَحَبَّ النَّظَرَ إِليه والاستماعَ. وهو مَجاز. ويُقَال: لقد كُنْتَ عن هذا المَقَام بمَنْظَرٍ؛ أَي بمَعْزِل فيما أَحْبَبْت. قال أَبو زُبَيْدٍ يُخَاطِب غلامًا قد أَبَقَ فقُتِلَ:

قد كُنْتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ *** عن نَصْرِ بَهْرَاءَ غَيرَ ذِي فَرَسِ

والنَّظْرَةُ، بالفَتْح: اللَّمْحة بالعجَلَة، ومنه الحَدِيث: «لا تُتْبع النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فإِنّ لك الأُولَى وليستْ لك الآخرَةُ».

وقال بعض الحكماءِ مَن لم تَعْمل نَظْرَتُه لم يعْمل لِسَانُه.

معناه: أَن النَّظْرَة إِذا خَرجَت بإِنْكَارِ القَلبِ عَمِلَتْ في القَلْب وإِذا خَرجتْ بإِنكارِ العَيْن دُونَ القَلْب لم تَعْمَل؛ أَي مَن لمْ يَرْتَدِع بالنَّظَرِ إِليه من ذَنْبٍ أَذْنَبَه لم يَرْتَدِع بالقَوْل.

وقال الجَوْهَريّ وغَيرُه: ونَظَر الدَّهْرُ إِلى بني فُلانٍ فأَهْلكَهم، قال ابنُ سيده: هو على المَثَل، قال: ولسْتُ منه على ثِقَة.

والمَنْظَرَة: مَوْضِع الرَّبِيئَة، ويَكُون في رأْسِ جَبَلٍ فيه رَقيبٌ يَنظر العدوَّ ويَحرُسُه. وقال الجوهريّ: المَنْظَرةُ: المَرْقَبَةُ. قلْتُ: وإِطلاقُها على مَوْضعٍ من البَيْت يكونُ مُستَقِلًّا عامِّيٌّ. والمَنْظَرَةُ: قَرْيَةٌ بمصر.

ونَظَر إِليك الجبَلُ: قَابَلَك. وإِذا أَخَذْتَ في طَريقِ كَذَا فَنَظَرَ إِليكَ الجَبلُ فخُذْ عن يمينِهِ أَو يَسَاره. وهو مَجاز.

وقوله تَعَالَى: {وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} ذَهبَ أَبو عُبَيْد إِلى أَنّه أَراد الأَصْنَامَ؛ أَي تُقابِلُك وليس هُنالك نَظَرٌ، لكنْ لمَّا كان النَظَرُ لا يكُون إِلّا بمقَابَلَةٍ حَسُنَ. وقال: {وَتَراهُمْ} وإِن كَانَت لا تَعْقِل، لأَنهم يضعونها مَوْضع مَنْ يَعقِل.

يقال: هو يَنظر حَوْلَه، إِذا كان يُكْثِرُ النَّظَرَ.

ورجلٌ مَنْظُورٌ: مَعِينٌ. وسيِّدٌ مَنْظُورٌ: يُرْجى فَضْلُه وتَرمُقه الأَبصارُ، وهذا مَجاز.

وفي الحديث: «مَنْ ابْتَاع مُصَرَّاةً فهو بخَيْرِ النَّظَرَيْن»؛ أَي خَيرِ الأَمْرَيْن، له إِمْسَاكُ المَبِيع أَوردّه، أَيُّهُمَا كان خَيْرًا له واختارَهُ فَعَلَه.

وأَنْظَرَ الرجلَ: باع منه الشَّيْ‌ءَ بنَظِرة. ويقول أَحدُ الرَّجُلَيْن لصاحبه: بَيْعٌ. فيقول: نِظْرٌ. بالكَسْر؛ أَي أَنْظِرْني حتى أَشتِريَ منك.

وتَنَظَّرْه: انْتَظِرْه في مُهْلَةٍ.

وجَيْشٌ يُنَاظِرُ أَلْفًا أَي يُقَاربُه وهو مجاز.

ونَظَائِرُ القُرآنِ: سُوَرُ المُفَصَّل سُمِّيَت لاشْتِباه بعضِهَا بعضًا في الطُّول.

والنَّاظِر: الأَمينُ الذِي يَبْعثُه السُّلْطَانُ إِلى جماعةِ قَريةٍ ليَسْتَبْرِئ أَمْرَهُم.

وبينَنَا نَظَرٌ؛ أَي قَدْرُ نَظَرٍ في القُرْب، وهو مَجاز.

وفي الحَديث في صِفة الكَبْش: «ويَنْظُر في سَوَادٍ» أَي أَسْوَد ما يلي العيْنَ منه، وقيل أَراد سَوادَ الحَدقةِ قال كُثَيّر:

وعَنْ نَجْلَاءَ تَدْمَعُ في بَيَاضٍ *** إِذا دَمَعَتْ وتَنْظُر في سَوَادِ

يريد أَن خَدَّهَا أَبْيَضُ وحَدَقَتَهَا سَوداءُ.

ويقال: انْظُرْ لي فُلانًا؛ أَي اطْلُبْه لي، وهو مَجاز.

ونَظَرْتُ الشي‌ءَ: حَفِظْتُه، عن ابن القَطَّاع.

وضَربْنَاهم بنَظَرٍ، ومِن نَظَرٍ؛ أَي أَبْصَرْناهم، وهو مَجاز.

والنَّظَر: الاعْتبَار. قال شيخُنَا: وهو مُرَادُ المُتَكلِّمين عند الإِطْلاق.

ونَظَرُ بن عبد الله أَميرُ الحَاجّ، رَوى [ابن] السَّمْعَانيّ عنه، عن ابن البَطِر.

والنّظَّارُ بن هاشم الشّاعر، من بني حَذْلَم.

والعَلاءُ بن محمّد بن مَنْظُور، من بني نَصْر بن قُعَيْن، وَلِيَ شُرْطَة الكُوفَة.

ومَنْظَرَةُ الرَّيحانِيِّين ببغداد، استحدَثَها المُسْتَظْهِر بالله العبَّاسيُ، وكانَ بَنَاهَا سنة 507.

وَمَنْظُور بنُ رَواحة: شاعرٌ وجَدُّه خَنْثَرُ بنُ الأَضْبَط الكلابيّ، مشهورٌ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


45-تاج العروس (عجز)

[عجز]: العَجْز، مُثَلَّثةً، والعَجز، كنَدُس وكَتِف، خَمْس لُغَات، والضم لَغَتَان في العَجُز، كنَدُس، مثل عَضْد وعَضُد وعَضِدٍ، بمعنى مُؤخَّر الشَّيْ‌ءِ أَي آخِره، يُذَكَّر ويُؤنَّث، قال أَبو خِرَاشٍ يَصِف عُقَابًا:

بَهِيمًا غَيْرَ أَن العَجْزَ منها *** تَخَالُ سَرَاتَه لَبَنًا حَلِيبَا

وقال الهيثَمِيُّ: هي مُؤَنَّثَة فقط. والعَجُز: ما بَعْد الظَّهْر منه، وجَمِيعُ تِلْك اللُّغَات تُذكَّر وتُؤَنَّث، الجمع: أَعجازٌ، لا يُكَسّر على غيرِ ذلك. وحكى اللِّحْيَانِيُّ: إِنَّهَا لَعَظِيمةُ الأَعجاز، كأَنَّهُم جَعلوا كُلَّ جُزْءٍ منه عَجُزًا ثمّ جَمَعُوا على ذلك، وفي كلام بَعْضِ الحُكَمَاءِ: لا تُدَبِّروا أَعجَازَ أُمورٍ قد وَلَّت صُدُورُهَا، يقول: إِذا فاتَك أَمرٌ فلا تُتْبِعْه نَفْسَك مُتَحسِّرًا على ما فاتَ، وتَعَزَّ عنه مُتَوَكِّلًا على الله عَزَّ وجلّ. قال ابنُ الأَثِير: يُحرِّضُ على تَدَبُّر عَواقبِ الأُمورِ قبلَ الدّخولِ فيها، ولا تُتْبَع عند فَوَاتِهَا وتَوَلِّيها.

والعَجْزُ، بالفَتْح: نَقِيضُ الحَزْم.

والعجُوزُ والمَعْجِزُ والمَعْجِزَةُ، قال سِيبَوَيْه: كَسْر الجِيم من المَعْجز على النّادر، وتُفْتَح جيمُهُمَا. في الأَوّل على القِيَاس، لأَنّه مَصْدر والعَجَزَانُ، مُحَرَّكةَ، والعُجُوز، بالضّمّ، كقُعُود: الضَّعف وعَدمُ القُدْرَةِ. وفي المُفردات للرّاغب، والبَصَائِر، وغيرهما: العَجْز أَصلُه التّأَخّر عن الشي‌ءِ وحُصُولُه عند عَجُزِ الأَمر أَي مُؤخّره كما ذُكِرَ في الدُّبُر، وصار في العُرْف اسمًا للقُصُور عن فِعْلِ الشيْ‌ءِ وهو ضِدّ القُدْرة. وفي حديث عُمَر: «لا تُلِثُّوا بدار مَعْجزَة أَي لا تُقِيمُوا ببلدة تَعْجِزُون فيها عن الاكْتِسَاب والتَّعَيُّشِ، رُوِي بفَتْح الجِيم وكسرها. والفِعْلُ كضَرَبَ وسَمِعَ، الأَخِيرُ حكاه الفَرَّاءُ. قال ابنُ القَطّاع: إِنه لغَة لبَعْض قَيْس.

قلت: قال غيرُه: إِنّهَا لُغَة رَدِيئة. وسَيَأْتي في المُسْتَدْركات. يقال: عَجَز عن الأَمر وعَجِز، يَعْجِز ويَعْجَز عَجْزًا وعُجُوزًا وعَجَزَانًا، فهو عاجزُ، من قَوْم عَوَاجِزَ، قال الصّاغانيّ: وهُذَيْل وَحدَها تَجْمَع العاجِز من الرِّجال عَوَاجِز، وهو نَادِر، وعَجزَت، المَرْأَةُ، كنَصَر وكَرُم، تَعجُز عَجْزًا، بالفَتْح، وعُجُوزًا بالضّمِّ، اي صارَت عَجُوزًا، كعَجَّزت تَعْجِيزًا، فهي مُعَجِّز، والاسم العَجْز وقال يونس: امرأة مُعَجِّزة: طَعَنت في السِّنِّ، وبَعْضُهُم يقول: عَجَزَت، بالتَّخْفِيف.

وعَجِزَت المَرْأَةُ، كفَرِح. تَعْجَز عَجَزًا، بالتَّحْرِيك، وعُجْزًا، بالضّمّ: عَظُمَت عَجِيزَتُهَا؛ أَي عَجُزُهَا، كعُجِّزَت، بالضّمّ؛ أَي على ما لم يُسَمّ فاعِلُه، تَعْجِيزًا، قاله يُونُس، لغة في عَجِزَت بالكَسْر.

والعَجِيزَة، كسَفِينة، خاصّة بها، ولا يُقَال للرَّجل إِلاّ على التَّشْبِيه. والعَجُز لهما جميعًا، ومن ذلك‌

حَدِيثُ البَرَاءِ أَنه رَفعَ عَجِيزَته في السُّجُود.

قال ابنُ الأَثِير: العَجِيزَة:

العَجُزُ، وهي للمَرْأَة خاصّةً، فاستَعَارَهَا للرَّجُل.

وأَيّامُ العَجُوزِ سَبْعَة، ويقال لها أَيضًا: أَيّامُ العَجُز، كعَضُد، لأَنها تأتي في عَجُزِ الشِّتَاءِ، نقلَه شَيْخُنَا عن مَنَاهِج الفكر للورّاق، قال: وصَوّبه بعضُهم واستَظْهر تَعْلِيله، لكن الصّحِيح أَنها بالواو كما في دَوَاوِين اللّغَة قاطِبَة، وهي سَبْعَة أَيّام، كما قاله أَبو الغَوْث. وقال ابن كُنَاسَة: هي من نَوْء الصَّرْفَةِ، وهي صِنٌّ، بالكَسْر، وصِنَّبْر، كجِرْدَحْل، ووَبْرٌ، بالفَتْح، والآمِرُ والمُؤْتَمِرُ والمُعَلِّل، كمُحَدِّث، ومُطْفِئُ الجَمْرِ أَو مُكْفِئُ الظَّعْنِ، وعَدّهَا الجَوْهَريّ خَمْسَة: ونصُّه: وأَيّام العَجُوزِ عند العَرَب خمسَة: صِنّ وصِنَّبْر وأُخَيُّهُمَا وَبْر ومُطْفِئُ الجَمْر ومُكْفِئُ الظَّعْن. فأَسْقَط الآمِر والمُؤْتَمر، قال شَيْخُنا: ومنهمُ من عدَّ مُكْفِئَ الظَّعْن ثامِنًا، وعليه جَرَى الثَّعَالِبِيّ في المُضَاف والمنسوب. قال الجَوْهَرِي: وأَنشد أَبو الغَوْث لابنِ أَحمَرَ:

كُسِعَ الشِّتَاءُ بسَبْعَةٍ غُبْرِ *** أَيّامِ شَهْلَتِنَا من الشَّهْرِ

فإِذا انقَضَت أَيامُهَا ومَضَتْ *** صِنٌّ وصِنَّبْرٌ مَعَ الوَبْرِ

وبآمِرٍ وأَخِيه مُؤْتَمِرٍ *** ومُعَلِّلٍ وبِمُطْفئِ الجَمْرِ

ذَهَبَ الشِّتَاءُ مُوَلّيًا عَجِلًا *** وأَتَتْكَ وَاقدَةٌ من النَّجْر

قال بن بَرِّيّ: هذِه الأَبْيَات ليست لابنِ أَحمَر، وإِنّمَا هي لأَبِي شِبْلٍ عُصْمٍ البُرْجُميّ كذا ذَكره ثعلب عن ابنِ الأَعرابِيّ. قال شَيْخُنا: وأَحسنُ ما رأَيْتُ فيها قَوْلُ الشّيخ ابنِ مَالِك:

سأَذْكُر أَيَّامَ العَجُوز مُرَتِّبًا *** لهَا عَدَدًا نَظْمًا لَدَى الكُلّ مُسْتَمِرْ

صِنٌّ وصِنَّبْر ووَبْرٌ مُعَلِّلٌ *** ومُطْفِئُ جَمْرٍ آمِرٌ ثمّ مُؤْتَمِرْ

قال شَيْخُنَا: وعَدَّها الأَكْثَرُ من الكَلام المُوَلَّد، ولهُمْ في تَسْمِيَتها تَعْلِيلات، ذَكَر أَكثرَها المُرْشِدُ في بَراعَة الاستِهْلال.

والعَجُوزُ، كصَبُور، قد أَكثر الأَئمّةُ والأُدباءُ في جمع مَعانِيه كَثْرَةً زائدَةَ، ذكرَ المُصَنّف منها سَبْعَةً وسَبْعِين مَعْنًى.

ومن عَجَائِب الاتّفاق أَنَّه حكم أَوّل العَجُوز وآخره، وهما العَيْن والزّاي وهما بالعَدَد المَذْكور. وقال في البَصائِر: وللعَجُوز معانٍ تُنِيف على الثَّمَانِين، ذَكَرتُهَا في القاموس وغَيْره من الكُتُب المَوْضُوعة في اللغة. قلت: ولعلّ ما زاد على السَّبْعَة والسَّبْعِين ذَكَرَه في كِتاب آخر وقد رَتَّبها المُصَنِّف على حُرُوف التَّهَجّي، ومنها على أَسْمَاءِ الحَيَوَانِ‌ أَربعةَ عَشَر وهي: الأَرنَبُ والأَسَدُ والبَقَرةُ والثَّورُ والذّئبُ والذِّئْبَة والرَّخَم والرَّمَكَة والضَّبعُ وعَانَةُ الوَحْش والعَقْربُ والفَرَسُ والكَلْبُ والنَّاقَةُ، وما عَدَا ذلك ثَلاثَةٌ وسِتُّون، وقَدْ تَتَبَّعْت كَلَامَ الأَدَبَاءِ فاسْتَدْرَكْتُ على المُصنّف بِضْعًا وعِشْرِين مَعْنًى، منها على أَسماءِ الحَيَوَان ما يُسْتَدْرَك على الجَلالِ السّيوطِيّ في العنوان، فإِنّه أَورد ما ذكرَه المصنّف مُقلِّدًا له، واسْتَدْرَك عليه بوَاحِد، وسَنُورد ما اسْتَدْرَكنا به بعد استيفاءِ ما أَوردَه المصنّف.

فمِن ذلك في حَرْف الأَلف: الإِبْرَةُ والأَرضُ والأَرنَبُ والأَسَدُ والأَلْفُ من كُلِّ شَيْ‌ءٍ.

ومن حرف الباءِ الموحّدة البِئْرُ والبَحْرُ والبَطَلُ والبَقَرَةُ، وهذِه عن ابنِ الأَعرابيّ.

ومن حَرْفِ التَّاءِ المُثَنَّاة الفوقيّة: التّاجِرُ والتُّرْسُ والتَّوْبَةُ.

ومن حَرْفِ الثَّاءِ المُثَلَّثَة: الثَّوْرُ.

ومن حرف الجيم: الجَائِعُ والجَعْبَةُ والجَفْنَةَ والجُوعُ وجَهَنَّمُ.

ومن حَرْف الحَاءِ المُهْمَلَة: الحَرْبُ والحَرْبَةُ والحُمَّى.

ومن حَرْفِ الخَاءِ المُعْجَمَة: الخِلافَةُ والخَمْر العَتِيقُ، وقال الشاعِر:

ليته جَامُ فِضّة من هَدَايَا *** هُ سِوَى ما بِه الأَمِيرُ مُجِيزِي

إِنّمَا أَبْتَغِيه للعَسَل المَمْ *** زُوجِ بالمَاءِ لا لِشُرْبِ العَجُوزِ

وهو مَجاز، كما صرح به الزمخشريّ. والعَجُوزِ: الخَيْمَة.

ومن حرف الدّال المُهْمَلَة: دَارَةُ الشَّمْسِ، والدَّاهِيَةُ، والدِّرْع للمَرْأَة، والدُّنْيَا، وفي الأَخِير مَجاز.

ومن حَرْف الذَّالِ المُعْجَمَة: الذِّئبُ والذِّئْبَةُ.

ومن حَرْف الرّاءِ: الرّايَةُ والرَّخَم والرِّعْشَةُ وهي الاضْطِرَاب، والرِّمَكَة، ورَمْلَةٌ، م؛ أَي معروفة بالدَّهْنَاءِ، قال الشاعر يَصِف دَارًا:

على ظَهْرِ جَرْعاءِ العَجُوز كأَنَّهَا *** دَوَائرُ رَقْمٍ في سَرَاةِ قِرَامِ

وبين الرَّمَكَة والرَّملة جِنَاسُ تَصْحِيف.

ومن حَرْفِ السِّين: السَّفِينَةُ، والسَّمَاءُ، والسَّمْنُ، والسَّمُومُ والسَّنَة.

ومن حَرْفِ الشِّينِ المُعْجَمة: شجر، م؛ أَي معروف، والشَّمْس، والشَّيْخُ الهَرِم، الأَخِير نقله الصاغانِيّ، والشّيخَة الهَرِمَة، وسُمِّيَا بذلك لعَجْزِهما عن كَثِير من الأُمور، ولا تقل عَجُوزَة، بالهَاءِ، أَو هي لُغَيَّة رَدِيئَة قليلة.

الجمع: عَجَائِزُ، وقد صَرَّح السُّهَيليّ في الرّوض في أَثناءِ بَدْرٍ أَن عَجَائِز إِنما هو جَمع عَجُوزة، كرَكُوبة، وَأَيَّده بوُجُوه.

وعُجُزٌ، بضَمَّتَيْن وقد يُخَفّف فيقال عُجْز، بالضّم، ومنه‌ الحديث: «إِيّاكم والعُجُزَ العُقُرَ». وفي آخر: «الجَنَّةُ لا يَدْخلها العُجُزُ». ومن حَرْفِ الصَّادِ المُهْمَلَة: الصَّحِيفَة والصَّنْجَةُ والصَّومَعَةُ ومن حرف الضّاد المعجمة: ضَرْبٌ من الطِّيب وهو غَيْرُ الْمِسْك، والضَّبُعُ.

ومن حرف الطاءِ المهملة: الطَّرِيقُ، وطَعامٌ يُتَّخَذُ من نبات بحْريّ.

ومن حَرْفِ العَيْنِ المهملة: العاجِز، كصَبُورٍ وصابرٍ، والعافيةَ، وعانَةُ الوَحْشِ، والعَقْرَب.

ومن حَرْف الفاءِ: الفَرَسُ، والفِضَّةُ ومن حرف القاف: القِبْلَةُ، ذكرَه صاحِبَا اللِّسَانِ والتَّكْمِلَةِ، والْقِدْرُ، بالكَسْر، والقَرْيَة، والقَوْسُ، والقِيَامَة ومن حَرْفِ الكَافِ الكَتِيبَةُ والكَعْبَةُ، وهي أَخَصُّ من القِبْلَة التي تقدّمت، والكَلْبُ، هو الحَيَوان المَعْرُوف، وظَنّ بَعضُهُم بأَنّه مِسْمَارٌ في السَّيْف، وسَيَأْتِي.

ومن حَرْفِ المِيمِ: المَرْأَة للرجُل، شابَّةً كَانَتْ أَو‌ عَجُوزًا ونصّ عِبارَة الأَزهَرِيّ: والعَربُ تَقول لامرأَةِ الرّجل وإِن كانَت شابَّةً: هي عَجُوزُه، وللزَّوج وإِن حَدَثًا، هو شَيخُهَا، والمُسَافِرُ، والمِسْكُ. وقال ابنُ الأَعرابيّ: الكَلْبُ: مِسْمَارٌ في مَقْبِض السَّيْفِ ومعه آخَرُ يقال له: العَجُوزُ. قال الصاغَانيّ: هذا هو الصَّحِيح، والمَلِكُ، ككَتِف، ومَنَاصِبُ القِدْرِ، وهي الحِجَارَة التي تُنْصَب عليها الْقِدْر.

ومن حرف النّون: النّارُ، والنّاقَةُ، والنَّخْلَةُ، وقال اللَّيْث: نَصْلُ السَّيْفِ، وأَنشد لأَبِي المِقْدَام:

وعَجُوزٍ رأَيْتُ في فَمِ كَلْبٍ *** جُعِل الكَلْبُ للأَمِير حَمَالا

ومن حرف الواو الوِلَايَة.

ومن حَرِف اليَاءِ التَّحْتِيَّة: اليَدُ اليُمْنَى. هذا آخِرُ ما ذكره المصنّف.

وأَما الذي استدركناه عليه فهي: المَنِيَّةُ، والنَّمِيمَةُ، وضَرْبٌ من التَّمْر، وجَرْوُ الكَلْبِ، والغُرَابُ، واسمُ فَرَسٍ بعَيْنه، ويُقَال لها: كحيلَةُ العَجُوز، والتحكّم، والسيفُ، وهذِه عن الصاغَانِيّ، والكِنَانَةُ، واسم نَبَاتٍ، والمُؤَاخَذَةُ بالعِقَاب، والمُبَالَغَة في العَجْز، والثَّوْبُ، والسِّنَّور، والكَفُّ، والثُّعلب، والذَّهب، والرّمْل، والصَّحْفة، والآخِرة، والأَنْف، والعَرَج، والحُبُّ، والخَصْلةُ الذَّميمَةُ.

قال شَيْخُنَا: وقد أَكثرَ الأُدباءُ في جمع هذِه المَعانِي في قَصَائِدَ كَثِيرةٍ حَسَنَةٍ لم يَحْضُرْني منها وَقْتَ تَقْيِيدِ هذِه الكلماتِ إِلا قَصِيدَةٌ واحدةٌ للشَّيْخ يُوسُف بنِ عِمْرَان الحَلَبيّ يمدَح قاضِيًا جَمَع فيها فأَوْعَى، وإِن كان في بعض تراكيبها تَكَلُّفُ وهي هذِه:

لِحَاظٌ دونها غُولُ العَجُوزِ *** وشَكَّتْ ضعْفَ أَضعافِ العَجُوزِ

الأولى المنية، والثانية الإبرة‌

لِحَاظُ رَشًا لها أَشْرَاكُ جَفْنٍ *** فكَمْ قَنَصَت مِثَالي من عَجُوزِ

الأسد‌

وكمْ أَصْمَتْ ولم تَعرِف مُحِبًّا *** كما الكُسَعِيّ في رَمْي العَجُوزِ

حمار الوحش‌

وكمْ فتَكَتْ بقَلْبي ناظِرَاه *** كما فَتَكَت بشَاةٍ من عَجُوزِ

الذئب‌

وكم أَطفَى لَمَاهُ العَذْبُ قَلْبًا *** أَضَرَّ به اللهيبُ من العَجُوزِ

الخمر‌

وكم خَبَلٍ شَفَاه الله منه *** كذا جِلْدُ العَجُوزِ شِفَا العَجُوزِ

الأول الضَّبُع والثاني الكَلَب‌

إِذا ما زارَ نَمَّ عليه عَرْفٌ *** وقد تَحْلُو الجَبَائِبُ بالعَجُوزِ

النميمة‌

رَشَفْت من المَراشِف منه ظَلْمًا *** أَلذّ جَنَّى وأَحْلَى من عَجُوزِ

أَراد به ضربًا من التمر جيِّدًا‌

وجَدْتُ الثَّغْرَ عند الصُّبْح منه *** شَذَاه دُونَه نَشْرُ العَجوزِ

المسك‌

أَجُرّ ذُيُولَ كِبْرٍ إِن سَقَانِي *** برَاحَتِه العَجُوزَ على العَجُوزِ

الأول الخمر، والثاني المَلك‌

برُوحِي من أُتاجِر في هَوَاه *** فأُدْعَى بينَ قَوْمي بالعَجُوزِ

التاجر‌

مُقِيمٌ لم أَحُلْ في الحَيِّ عنه *** إِذا غَيَرِي دَعَوْه بالعَجوزِ

المسافر‌

جَرَى حُبِّيه مَجْرَى الرّوح مِنِّي *** كجَرْي المَاءِ في رُطَبِ العَجوزِ

النخلة‌

وأَخَرَس حُبّه منّي لِسَانِي *** وقد أَلقَى المَفَاصِلَ في العَجوزِ

الرعشة‌

وصيَّرنِي الهَوى من فَرْطِ سُقْمِي *** شَبيهَ السِّلْكِ في سَمِّ العَجوزِ

الإبرة‌

عَذُولِي لا تَلُمْني في هَواه *** فلستُ بسامعٍ نَبْحَ العَجُوزِ

الكلب‌

تَرُومُ سُلوَّه منِّي بجهْدٍ *** سُلُوِّى دُونَه شَيْبُ العَجوز

الغراب‌

كلامُك بارِدٌ من غير مَعْنًى *** يُحَاكِي بَرْدَ أَيَّام العَجُوز

الأيام السبعة‌

يَطُوفُ القَلْبُ حَوْلَ ضِيَاه حُبًّا *** كما قد طافَ حَجٌّ بالعَجُوز

الكعبة شرفها الله تعالى‌

له من فَوْق رُمح القَدِّ صُدْغٌ *** نَضِيرٌ مِثلُ خافِقَةِ العَجُوز

الراية‌

وخَصْرٌ لم يَزَلْ يُدْعَى سَقِيمًا *** وعن حَمْل الرَّوادِف بالعَجُوز

مبالغة في العاجز‌

بلَحْظِي قد وَزَنْت البوصَ منه *** كما البَيْضَاءُ تُوزَن بالعَجُوزِ

الصنْجة‌

كأَنّ عِذَارَه والخَدَّ منه *** عَجُوزٌ قد تَوَارَتْ من عَجُوزِ

الأول الشَمس، والثاني دَارَةُ الشَّمسِ‌

فهذا جَنَّتي لا شَكَّ فيه *** وهذا نارُه نَارُ العَجُوزِ

جهنم‌

ترَاه فوقَ وَرْدِ الخَدِّ منه *** عَجُوزًا قَد حَكَى شَكْلَ العَجُوزِ

الأول المسك، والثاني العقرب‌

على كلِّ القُلُوبِ له عَجُوزٌ *** كذا الأَحباب تَحْلُو بالعَجُوزِ

التحكم‌

دُموعِي في هَواه كنِيلِ مِصْرٍ *** وأَنفاسِي كأَنْفاسِ العَجُوزِ

النار‌

يَهُزّ من القَوَامِ اللَّدْنِ رُمْحًا *** ومن جَفْنَيْه يَسْطُو بالعَجُوزِ

السيف‌

ويَكْسِر جَفْنَه إِن رامَ حَرْبًا *** كَذاكَ السَّهْمُ يفعَلُ في العَجوزِ

الحرب‌

رَمَى عن قَوْسِ حاجِبِه فُؤادِي *** بنَبْلٍ دُونها نَبْلُ العَجُوزِ

الكنانة‌

أَيا ظَبْيًا له الأَحشَا كِنَاسٌ *** ومَرْعًى لا النَّضيرُ من العَجوزِ

النبات‌

تُعَذّبُنِي بأَنْوَاعِ التَّجافِي *** ومِثْلِي لا يُجَازَى بالعَجوزِ

المعاقبة‌

فقُرْبُك دوَن وَصْلك لي مُضِرٌّ *** كذا أَكْلُ العَجُوز بلا عَجوزِ

الأول النبت، والثاني السَّمن‌

وهَيْفا من بَنَاتِ الرُّومِ رُودٍ *** بعَرْف وِصالِهَا مَحْضُ العَجُوزِ

العافية‌

تَضُرُّ بها المَنَاطِقُ إِن تَثنَّتْ *** ويُوهِي جِسمَها مَسُّ العَجُوزِ

الثَّوب‌

عُتُوَّا في الهَوَى قَذَفَت فُؤَادِي *** فمَنْ شَامَ العَجُوزَ من العَجُوزِ

الأول النار، والثاني السِّنور‌

وتُصْمِي القَلبَ إِن طَرَفَتْ بطَرْفٍ *** بلا وَتَرٍ وسَهْم من عَجوزِ

القوس‌

كأَنّ الشُّهْبَ في الزّرقَا دِلَاصٌ *** وبَدْرُ سَمائِهَا نَفسُ العَجُوزِ

التُّرس‌

وشَمْسُ الأُفْقِ طَلْعَةُ مَن أَرانا *** عَطاءَ البَحْرِ منه في العَجوزِ

الكَفّ‌

تَوَدّ يسَارَه سُحْبُ الغَوَادِي *** وفَيْضُ يَمِينِه فَيْضُ العَجُوزِ

البحر‌

أَجلُّ قُضَاةِ أَهلِ الأَرْض فَضْلًا *** وأَقْلَاهمْ إِلى حُبِّ العَجُوزِ

الدنيا‌

كمال الدِّين لَيْثٌ في اقْتِنَاص الْ *** مَحامدِ والسِّوَى دونَ العَجوزِ

الثعلب‌

إِذا ضَنَّ الغَمَامُ على عُفَاةٍ *** سَقاهمْ كَفُّه مَحْضَ العَجُوزِ

الذهب‌

وكَمْ وَضَعَ العَجُوزَ على عَجُوزٍ *** وكم هَيّا عَجُوزًا في عَجُوزِ

الأول القدر، والثاني المنصب الذي توضع عليه، والثالث الناقة، والرابع الصفحة‌

وكَمْ أَرْوَى عُفَاةً من نَدَاهُ *** وأَشبَع مَنْ شَكَا فَرْطَ العَجُوزِ

الجوع‌

إِذا ما لاطَمَت أَمواجُ بَحْرٍ *** فلم تَرْوَ الظُّماةُ من العَجُوزِ

الركيَّة‌

أَهالِي كُلّ مِصْر عنه تثْنِي *** كذا كُلّ الأَهَالِي من عَجُوزِ

القرية‌

مَدَى الأَيامِ مُبْتَسِمًا تَراهُ *** وقد يَهَبُ العَجُوزَ من العَجُوزِ

الأول الألف، والثاني البقر‌

تَردَّى بالتُّقَى طِفْلًا وكَهْلًا *** وشَيْخًا مِن هَوَاه في العَجُوزِ

الآخرة‌

وطابَ ثَنَاؤُه أَصْلًا وفَرْعًا *** كما قد طَابَ عَرْفٌ من عَجُوزِ

المسك، وإن تقدّم فبعيد‌

إِذَا ضَلَّت أُناسٌ عن هُدَاهَا *** فيَهْدِيهَا إِلى أَهْدَى عَجُوزِ

الطريق‌

ويَقْظَانَ الفُؤَادِ تَرَاهُ دَهْرًا *** إِذا أَخَذَ السِّوَى فَرْطُ العَجُوزِ

السَّنَة‌

وأَعْظَمَ ماجِدٍ لُوِيَت عليه ال *** خَناصِرُ بالفَضَائِل في العَجُوزِ

الشمس‌

أَيَا مَولًى سَمَا في الفَضْل حتّى *** تَمنَّتْ مِثْلَه شُهُبُ العَجُوزِ

السماء‌

إِذا طاشَتْ حُلُومُ ذَوِي عُقُولٍ *** فحِلْمُكَ دونَه طَوْدُ العَجُوزِ

الأَرض‌

فكَمْ قد جاءَ مُمْتَحِنٌ إِليكُم *** فَأُرْغمَ منه مُرتَفِعُ العَجُوزِ

الأنف‌

إِلى كَرَمٍ فإِن سابَقْتَ قَوْمًا *** سَبقْتَهمُ على أَجْرَى عَجُوزِ

الفرس‌

ففَضْلُك ليس يُحْصِيه مَدِيحٌ *** كما لَمْ يُحْصَ أَعْدَادُ العَجُوزِ

الرمل‌

مكَانَتُكُم على هَامِ الثُّرَيَّا *** ومَنْ يَقْلاكَ راضٍ بالعَجُوزِ

الصومعة‌

رَكِبْتَ إِلى المَعَالي طِرْفَ عَزْمٍ *** حَمَاهُ الله من شَيْنِ العَجُوزِ

العَرَج قال شَيخُنَا: وكنت رأَيتُ أَوّلًا قَصِيدَةً أُخْرَى كهذِه للعَلاّمة جَمَالِ الدِّين مُحَمّدِ بنِ عيسى بن أَصبَعَ الأَزْدِيّ اللّغويّ أَوَّلها:

أَلَا تُبْ عن مُعَاطَاةِ العَجُوزِ *** ونَهْنِه عن مُوَاطَأَة العجُوزِ

ولا تَرْكَبْ عَجُوزًا في عَجُوزٍ *** ولا رَوعٍ لا تَكُ بالعَجُوزِ

وهي طَوِيلة. والعَجُوزُ الأَوّل: الخَمْر، والثّاني: المَرْأَة المُسِنّة، والثّالِث: الخَصْلة الذَّمِيمَة، والرَّابِع الحُبّ.

والخَامِس: العَاجِزُ، وهي أَعظَم انْسِجَاما وأَكْثرُ فوائدَ من هذِه، ومن أَدرَكَهَا فليَلْحَقها. وهناك قصائد غيرهَا لم تبلُغ مَبْلغَها.

والعِجْزَةُ، بالكَسْر: آخِرُ وَلَدِ الرَّجُل، كذا في الصّحاح، قال:

واستَبْصَرتْ في الحَيِّ أَحْوَى أَمرَدَا *** عِجْزَةَ شَيْخَيْن يُسَمَّى مَعْبَدَا

يقال: فُلانٌ عِجْزَةُ وَلَدِ أَبَوَيْه؛ أَي آخِرُهم، وكذلك كِبْرَةُ وَلدِ أَبوَيْه. والمُذَكَّر والمُؤَنَّث في ذلك سَواءٌ، ويقال: وُلِدَ لِعِجْزَةٍ؛ أَي بعدَ ما كَبِر أَبواه. ويقال له أَيضًا: ابنُ العِجْزَة، ويُضَمُّ، عن ابنِ الأَعرابيّ، كما نَقله الصاغانيّ.

والعَجْزَاءُ: العَظِيمَةُ العَجُزِ من النّساءِ، وقد عَجِزَت، كفَرِحَ، وقيل: هي التي عَرُضَ بَطنُهَا وثَقُلَت مَأْكَمَتُهَا فعَظُمَ عَجُزُها، قال:

هَيْفَاءُ مُقبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرةً *** تَمَّتْ فليس يُرَى في خَلْقِهَا أَوَدُ

والعَجْزَاءُ، رَمْلَةٌ مرتَفِعَةٌ، وفي المُحْكَم: حَبْلٌ من الرَّمْل مُنْبِتٌ، وفي التَّهْذِيب لابن القطّاع: عَجِزَت الرَّمْلَةُ، كفَرِح: ارتَفَعَت. وفي التَّهْذِيب: العَجْزَاءُ من الرِّمال: حَبْلٌ مرتَفِعٌ كأَنَّه جَلَد ليس بِرُكَامِ رَمل، وهو مَكْرُمة للنَّبْت، والجَمْع العُجْز، لأَنه نَعَت لتلك الرَّملةِ.

والعَجْزاءُ من العِقْبَان: القَصِيرةُ الذَّنَبِ، وهي التي في ذَنَبِهَا مَسْحٌ؛ أَي نَقْصٌ وقِصَرٌ، كما قيل للذِّئْب: أَزَلُّ، وقيل: هي الَّتِي في ذَنَبِهَا رِيشَةٌ بَيْضَاءُ أَو رِيشَتَانِ، قاله ابنُ دُرَيْد، وأَنشد للأَعْشَى:

وكأَنَّمَا تَبِعَ الصِّوَارَ بشَخْصِهَا *** عَجْزَاءُ تَرزُقُ بالسُّلَيِّ عِيَالَهَا

قال وقال آخَرُون: بل هي الشَّدِيدَةُ دَائِرَةِ الكَفِّ، وهي الإِصْبَع المُتَأَخرةُ منه، وقيل: عُقَاب عجزاءُ: بمُؤَخَّرها بَيَاض أَو لَوْنٌ مُخَالِف.

والعِجَازُ، ككِتَاب: عَقَبٌ يُشَدّ به مَقْبِضُ السَّيْفِ.

والعِجَازَةُ، بهاءٍ: ما يُعَظَّم به العَجِيزَةُ، وهي شي‌ءٌ يُشْبِه الوِسَادَةَ تَشُدُّه المَرْأَةُ على عَجُزِهَا لتُحْسَب عَجْزَاءَ، ولَيْسَتْ بها، كالإِعْجَازةِ، نقله الصّاغَانيّ.

والعِجَازَةُ: دائِرَةُ الطَّائِر، وهي الإِصْبعُ الّتِي وَراءَ أَصابِعه.

وأَعجَزه الشي‌ءُ: فَاتَه وسَبَقَه، ومنه قَولُ الأَعشَى:

فذَاك ولم يُعْجِز من المَوْتِ رَبَّه *** ولكنْ أَتاه المَوْتُ لا يَتأَبَّقُ

وقال الليث: أَعْجَزَنِي فُلانٌ، إِذا عَجَزْت عن طَلَبه وإِدْراكِه. وأَعجزَ فُلانًا: وَجَدَه عاجِزًا. وفي التَّكْمِلَة أَعجَزَه: صَيَّره عَاجِزًا؛ أَي عن إِدْراكِه واللُّحُوقِ به.

والتَّعْجِيزُ: التَّثْبِيطُ، وبه فسّر قول مَنْ قرأَ: والذين سَعَوا في آياتِنَا مُعَجِّزِين أَي مُثَبِّطين عن النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم مَنِ اتَّبَعَه، وعن الإِيمانِ بالآيات. والتَّعْجِيزُ: النِّسْبَةُ إِلى العَجْزِ وقد عَجَّزه، ويقال: عَجَّزَ فُلانٌ رَأْيَ فلانٍ، إِذَا نَسَبَه إِلى قِلّةِ الحَزْمِ، كأَنه نَسَبَه إِلى العَجْز.

ومُعْجِزَةُ النَّبِيّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم: ما أَعْجَزَ به الخَصْمَ عِنْدَ التَّحَدِّي، والهَاءُ للمُبَالَغَة، والجَمْع مُعْجِزَاتٌ.

والعَجْزُ بالفتح: مَقْبِض السَّيْف لغة في العَجْس، هكذا نقله الصاغانيّ وسيأْتِي في السِّين.

والعَجَزُ: داءٌ في عَجُزِ الدَّابَّة فتَثْقُل لذلك، الذَّكَر أَعجَزُ والأُنثى عَجْزَاءُ، ومُقْتَضَى سِيَاقِه في العِبَارَة أَنَّ العَجْز، بالفَتْح، وليس كذلك، بل هو بالتَّحْرِيك، كما ضَبَطه الصّاغَانِيّ، فليُتَنَبَّه لذلك.

وتَعْجُزُ، كتَنْصُر: من أَعلامِهِنَّ؛ أَي النساءِ.

وابنُ عُجْزَةَ، بالضَّمّ: رَجل من بني لِحْيَانَ بنِ هُذَيْلٍ، نَقَله الصاغانِيّ، وقد جاءَ ذِكْرُه في أَشعار الهُذَلِيّين.

ومن المَجَاز: بَنَاتُ العَجْز: السِّهَامُ. والعَجْزُ: طائرٌ يَضرِب إِلى الصُّفْرة يُشبِه صَوتُه نُبَاحَ الكَلْبِ الصَّغِيرِ، يأْخذ السَّخْلَةَ فَيطِير بها، ويَحْتَمل الصَّبِيّ الذي له سَبْعُ سِنينَ وقيل: هو الزُّمَّج، وقد ذُكِر في موضِعه، وجمْعه عِجْزَانٌ، بالكَسْر، كذا في اللّسَان وذكره الصاغَانِيّ مُخْتَصَرًا، وقَلّدَه المُصَنّف في عَطْفِه على بَنَات العَجْز، فيَظُنّ الظّانّ أَنّ اسمَ الطّائر بَناتُ العَجْز، وليس كذلك، وإِنما هو العَجْزُ، وقد وقعَ في هذا الوَهم الجَلالُ في دِيوَان الحَيوان حَيْث قال: وبَنَاتُ العَجْز: طائر. ولم يُنَبّه عليه، ولم يذكر المُصَنِّف الجَمْعَ، مع أَن الصّاغانيّ ذَكَرَه وضَبَطَه.

والعَجِيزُ، كأَمِير: الذِي لَا يأْتِي النِّسَاءَ، بالزَّاي والرّاءِ جَمِيعًا، هكَذَا في الصّحاح.

قلْت: والعَجِيسُ أَيضًا كما سيأْتي في السين بهذا المعنى. وقال أَبو عُبَيْد في باب العِنِّين: العَجِيرُ بالرَّاءِ: الذِي لا يَأْتي النّسَاءَ. قال الأَزهَرِيّ: وهذا هو الصَّحِيح.

ولم يُنَبّه عليه المُصنّف هنا، وقد ذُكِرَ العَجِيرُ في موضعه، وسبقَ الكلامُ هناك.

والمَعْجُوز: الذي أُلِحَّ عليه في المسْأَلَةِ، كالمَشْفُوهِ والمَعرُوكِ والمَنْكُودِ، عن ابنِ الأَعْرَابيّ. قلْت: وكذلك المَثْمُود، وقد ذُكِرَ في مَوْضِعه.

وأَعْجَازُ النَّخْل: أَصُولُها. ويقال: رَكِبَ في الطَّلَب أَعجازَ الإِبِلِ. أَي رَكِبَ الذُّلَّ والمَشَقَّةَ والصَّبْرَ، وبَذَلَ المَجْهُودَ في طَلَبِهِ لا يُبَالِي باحْتِمَال طُولِ السُّرَى، وبه فُسِّر‌ قَولُ سَيّدنَا عَلِيّ رضي ‌الله‌ عنه: «لنا حَقٌّ إِن نُعْطَه نَأْخُذْه وإِن نُمْنَعْه نَركَبْ أَعجازَ الإِبلِ وإِن طال السُّرَى» قاله ابنُ الأَثِير. وأَنْكَرَه الازْهَرِيّ وقال: لم يَرِد به ذلِك ولكِنّه ضَرَبَ أَعجازَ الإِبل مَثَلًا لتقدُّم غَيْرِه عليه وتأْخِيرِه إِيّاه عن‌ حَقّه، زاد ابنُ الأَثير، عن حَقّه الذِي كان يَراه له وتَقَدّم غيره، وأَصلُه أَنّ الرّاكِبَ إِذا اعْرَوْرَى البَعِيرَ رَكِب عَجُزَه من أَجَل السَّنام فلا يَطْمَئنّ ويَحْتَمِل المَشقّة. وهذا نقله الصّاغَانيّ.

وعَجُزُ هَوازِنَ كعَضُدٍ: بَنُو نَصْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ بكْر بن هَوَازنَ، ومنهم بنو دُهْمَانَ وبنو نَسّانَ وبَنُو جُشَمَ بنِ بَكْر بن هَوَازِنَ، كأَنَّهُم آخِرُهم.

والمُعَاجِز كمُحَارِبٍ: الطَّرِيقُ، لأَنَّه يُعيِي صاحِبَه لطُولِ السُّرَى فيه.

وعَاجَزَ فُلانٌ مُعَاجَزَةً: ذَهبَ فلم يُوصَلْ إِليه. وفي الأَساس: عاجَزَ، إِذا سَبَق فلم يُدْرَكْ. وعاجَزَ فُلانًا: سابَقَه فعَجَزَه، كنَصَره؛ أَي فسَبَقَه، ومنه المَعْجُوز بمَعْنَى المَثْمُود، حَقَّقه الزّمَخْشرِيّ، وقد ذُكِر قريبًا. وعَاجَزَ إِلى ثِقَةٍ: مَالَ إِلَيْهِ: ويُقَال: فُلانٌ يُعَاجِز عن الحَقِّ إِلى البَاطِل؛ أَي يَلْجَأُ إِليه، وكذلك يُكارِزُ مُكارَزةً، كما يأْتي.

وتَعَجَّزْتُ البَعِيرَ: رَكِبْتُ عَجُزَه، نحو تَسَنَّمتُه وتَذَرَّيْته.

وقَوْلُه تَعَالى في سُورَة سَبَأَ: {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا} مُعاجِزِينَ؛ أَي يُعَاجِزُونَ الأَنبياءَ وأَولِيَاءَهم؛ أَي يُقَاتِلُونَهم ويُمَانِعُونَهم لِيُصُيِّرُوهم إِلى العَجْز عن أَمْرِ الله تَعَالى وليس يُعْجِز الله جلّ ثَنَاؤُه خَلْقٌ في السَّمَاءِ ولا في الأَرض ولا مَلْجَأَ منه إِلا إِليه، وهذا قولُ ابنِ عَرَفَةَ، أَو مُعاجِزِينَ: مُعَانِدِين، وهو يَرجِع إِلى قول الزّجّاج الآتي ذِكرُه، وقيل في التَّفْسِير: مُسَابِقِين، مِن عاجَزَه، إِذا سابَقَه، وهو قَرِيب من المُعَانَدَة، أَو معناه ظَانّين أَنّهم يُعْجِزُونَنَا، لأَنهم ظَنّوا أَنّهُم لا يُبعَثُون، وأَنه لا جَنَّة ولا نار، وهو قَوْل الزّجّاج، وهذا في المعنَى كقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا}. قلْت: وقرِئ مُعَجِّزين، بالتَّشْدِيد، والمعنى مُثَبِّطين، وقد تقدّم ذلك، وقيل: يَنْسُبون مَنْ تَبع النبيَّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم إِلى العَجْز، نحو جَهَّلْتُه وسَفَّهْتُه وأَما قوله تعالى: {وَما أَنْتُمْ} بِمُعْجِزِينَ {فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} قال الفَراءُ: يقول القَائِل: كيف وَصَفَهم بأَنَّهُم لا يُعجِزُون في الأَرض ولا في السَّماءِ ولَيْسُوا في أَهْلِ السَّمَاءِ، فالمَعْنَى ما أَنتم بمُعْجِزين في الأَرض ولا مَنْ في السّماءِ بمُعْجِز. وقال الأَخْفَش: المَعْنَى لا يُعْجِزُونَنا هَرَبًا في الأَرض ولا في السّماءِ. قال الأَزهريّ: وقَوْلُ الفَرّاءِ أَشْهرُ في المَعْنَى.

* وممّا يُسْتَدْرَك عليه:

رجُلٌ عَجِزٌ وعَجُزٌ، ككَتِف ونَدُس: عاجِزٌ. وامرأَة عاجِزٌ: عاجِزَة عن الشي‌ءِ، عن ابن الأَعْرَابِيّ. والعَجَز، محرّكَة، جمْع عَاجِز، كخَدَمٍ وخَادِمٍ. ومنه‌ حَدِيثُ الجَنَّة: «لا يَدخُلُني إِلا سَقَطُ النّاسِ وعَجَزُهم» يُرِيدُ الأَغْبِيَاءَ العَاجِزِين في أُمُور الدّنيا.

وفَحْل عَجِيزٌ: عَاجِزٌ عن الضِّرَاب كعَجِيس، قال ابنُ دُرَيْد: فَحْلَ عَجِيزٌ وعَجِيسٌ، إِذا عَجَز عن الضِّراب.

وأَعجَزَه الشَّي‌ءُ: عَجَزَ عنه. وأَعْجَزَه وعَاجَزَه: جَعَلَه عاجِزًا، وهذِه عن البَصَائِر. وعَاجَزَ القَوْمُ: تَركُوا شَيْئًا وأَخَذُوا في غَيْرِه.

والعَجُزُ في العَرُوض: حَذْفُك نون فاعِلَاتنْ لمُعَاقَبَتِهَا أَلفَ فاعِلن، هكذا عَبّرَ الخَليل عنه، ففَسَّر الجَوْهَرَ الذِي هو العَجُزُ بالعَرضَ الذي هو الحَذْف، وذلك تَقْرِيب منه وإِنما الحَقِيقَة أَن يَقُول: العَجُز: النون المحذُوفَة من فَاعِلَاتُنْ، لمُعَاقَبَة أَلِف فَاعِلنْ، أَو يقول: التَّعْجِيز: حَذْفُ نون فاعِلَاتنْ، لمُعَاقَبَة أَلف فاعلنْ، وهذا كلّه إِنما هو في المَدِيد. وعَجُزُ بَيْتِ الشِّعر خِلاف صَدْرِه. وعَجَّز الشاعِرُ: جاءَ بعَجُزِ البَيْت. وامرأَة مُعَجِّزة: عَظِيمَةُ العَجُز، وجمع العَجِيزَة العَجِيزَات، ولا يَقُولُون عَجَائِزُ مَخَافَة الالْتِبَاس.

وقَال ثَعْلَب: سَمعتُ ابنَ الأَعْرَابيّ يقول: لا يقال: عَجِزَ الرجُلُ، بالكَسْر، إِلا إِذا عَظُم عَجُزُه، وقال رجُلٌ من رَبِيعَةَ ابن مَالِك: إِن الحَقَّ بِقَبَلٍ، فمَنْ تَعَدَّاه ظَلَمَ، ومن قَصَّر عنه عَجَز، ومن انْتَهَى إِليه اكْتَفَى. قال: لا أَقُول عَجِزَ إِلاّ مِنَ العَجِيزَة، ومن العَجْز عَجَزَ، وقوله بقَبَل؛ أَي وَاضِحٌ لك‌ حَيْث تَرَاه، وهو مِثْلُ قَوْلِهِم: الحَقُّ عَارِي، وقد تَقَدَّم في أَول المَادَّة أَن عَجِزَ، بالكَسْر، من العَجْز، لُغَة بَعْض قَيْس كما نَقَلَه ابنُ القَطّاع عن الفرّاءِ.

والمِعْجَزُ، كمنبَر الجَفْنة، ذكره الجوهَرِي في «ق موضع ر».

وعِجْز القوْس وعَجْزُهَا: ومَعْجِزُها: مَقْبِضُها، حكاه يَعْقُوبُ في المُبْدَل، ذَهَب إِلى أَنَّ زايَه بَدَلٌ من سِينِه. وقال أَبُو حَنِيفَة: هو العَجْز والعِجْز، ولا يُقَال: مَعْجز.

وعَجْزُ السِّكِّين: جُزْأَتُهَا عن أَبِي عُبَيْد.

ويقال: اتَّقِ الله في شَبِيبَتِك وعُجْزِك، بالضّمّ؛ أَي بعدما تَصِير عَجُوزًا.

ونَوَى العَجُوزِ: ضَرْبٌ من النَّوَى هَشٌّ تأْكُله العَجُوزُ لِلِينه، كما قالوا: نَوَى العَقُوقِ.

والْمِعْجَزَة، بالكَسْر: المِنْطَقَة، في لُغَة اليمن، سُمِّيَت لأَنّهَا تَلِي عَجُزَ المُتَنَطِّق بها. ويقال: عَجِّزْ دَابَّتَك؛ أَي ضَعْ عليها الحَقِيبَةَ، نقله الصاغانِيّ.

والْمِعْجَازُ، كمِحْرَاب: الدائِمُ العَجْز، وأَنْشَد في الحماسة لبَعْضِهم:

وحَارَب فيها ياسرٌ حين شَمَّرتْ *** من القدم معْجَازٌ لَئِيمٌ مُكَاسِرُ

وذو المِعْجَزَة، بالكَسْر، رجلٌ من أَتباع كِسْرَى وَفَد على النبيّ صلى ‌الله‌ عليه‌وسلم فوهب له مِعْجَزة فسُمّي بذلك.

وابنُ أَبي العَجَائِز هو أَبو الحُسَيْن محمّدُ بن عبد الله بن عبد الرحمن الدِّمشْقِيّ الأَزديّ. توفِّي بدمشق سنة 468 وكان ثِقةً.

والقَاضي أَبو عَبْدِ الله محمّدُ بنُ عبد الرحيم بن أَحمد بن العَجُوز الكُتَاميّ السَّبتيّ، ولِيَ قَضَاءَ فاس، توفِّي سنة 474 وأَبو بَكْر محمدُ بنُ بشّار بن أَبي العَجُوز العَجُوزِيّ البغداديّ، عن ابن هشام الرّفاعيّ مات سنة 311.

ومن المَجاز: ثوبٌ عاجز، إِذا كان قَصِيرًا. ولا يَسَعُنِي شي‌ءٌ ويَعْجِز عنك. وجَاءُوا بِجَيْش تَعْجِز الأَرضُ عنه.

وعَجَز فُلانٌ عن الأَمْرِ إِذا كَبِر، كذا في الأَساس.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


46-تاج العروس (نفض)

[نفض]: نَفَضَ الثَّوْبَ يَنْفُضُهُ نَفْضًا، وكذا الشَّجر: حرَّكَهُ لِيَنْتَفِضَ، قال ذُو الرُّمَّةِ:

كَأَنَّمَا نَفَضَ الأَحْمَالَ ذَاوِيةً *** على جَوَانِبِه الفِرْصَادُ والعِنَبُ

وقال ابنُ سِيدَه: نَفَضَهُ يَنْفُضُهُ نَفْضًا، فانْتَفَضَ.

وفي الصّحاح: نَفضَتِ الإِبِلُ: نُتِجَتْ، وهذِه عن ابن دُريْدٍ، زادَ في اللِّسَانِ: كأَنْفَضَت، قال الصّاغَانِيُ: ويُرْوَى على هذِه اللُّغَةِ قَوْلُ ذي الرُّمَّةِ يَصِفُ فَحْلًا:

سِبَحْلًا أَبا شَرْخَيْنِ أَحْيَا بَنَاتِه *** مقَالِيتُهَا فهْيَ اللُّبَابُ الحَبَائسُ

كِلَا كَفْأَتَيْهَا تَنْفُضانِ ولم يَجِدْ *** له ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتاجَيْنِ لامِسُ

له؛ أَي للفحْلِ، ورَواه الجَوْهرِيُّ «لهَا» وهو غَلَطٌ، قال: ويُرَوْى تُنْفِضَانِ؛ أَي من أَنْفَضَت. ومُقْتَضَى عِبَارَةِ اللِّسانِ أَنَّه يُرْوى: تَنْفُضَانِ؛ أَي من نَفَضَت، وتُنْفَضَانِ، مبنيًّا للمجْهُولِ، من نَفَضت. قال: ومَنْ رَوَى «تُنْفَضَانِ» فمَعْنَاه تُسْتَبْرآنِ، من قَوْلِك: نَفَضْتُ المكَانَ، إِذا نَظَرْتَ إِلى جَمِيعِ ما فِيهِ حتَّى تَعْرِفَه. ومن رَوَى تَنْفُضَان فمَعْنَاهُ: كُلُّ واحِدٍ من الكفْأَتَيْنِ تُلْقِي مَا في بَطْنِهَا من أَجِنَّتِهَا. ثُمَّ ظاهِرُ كَلامِ الزَّمَخْشَرِيِّ في الأَساسِ أَنّه من المَجَاز.

ومن المَجَازِ أَيْضًا: نَفَضَتِ المَرْأَةُ كَرِشَها، إِذا كَثُرَ وَلَدُها، وهي نَفُوضٌ: كَثِيرةُ الولَدِ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

ومن المجَازِ: نَفَضَ القَوْمُ، إِذا ذَهَبَ زَادُهُم وفَنِيَ، كأَنْفَضَ.

ونَفَضَ الزَّرْعُ سبَلًا: خَرجَ آخِرُ سُنْبُلِهِ.

ونَفَضَ الكَرْمُ: تَفَتَّحَتْ عَنَاقِيدُهُ.

ومن المَجَازِ: نَفَضَ المَكَانَ يَنْفُضُهُ نَفْضًا، إِذا نَظَر إِلى جَمِيعِ ما فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ، نقله الجَوْهَرِيُّ، وأَنشدَ قولَ زُهَيْرٍ يصف بَقَرَةً فقدَتْ وَلدَها:

وَتَنْفُضُ عنها غَيْبَ كُلِّ خَمِيلَةٍ *** وتَخْشَى رُمَاةَ الغَوْثِ من كُلِّ مَرْصَدِ

تَنْفُضُ؛ أَي تَنْظُر هَلْ تَرى فيه مَا تَكْرَهُ أَم لا، والغَوْثُ: قَبِيلةٌ من طَيِّئ.

وفي حَدِيثِ أَبِي بَكْر والغار: «أَنا أَنْفُضُ لك ما حَوْلَك» ‌أَي أَحْرُسُك وأَطُوفُ هل أَرَى طالِبًا.

ورَجُلٌ نَفُوضٌ للمَكانِ: مُتَأَمِّلٌ له، كاسْتَنْفَضَه وتَنَفَّضَهُ، نقَلَه الجَوْهرِيُّ.

واسْتَنْفَضَ القَوْمَ: تَأَمَّلَهُم، وقولُ العُجَيْرِ السَّلُولِيِّ:

إِلى مَلِكٍ يَسْتَنْفِضُ القَوْمَ طَرْفُه *** له فَوْقَ أَعْوَادِ السَّرِيرِ زَئِيرُ

يقول: يَنْظُرُ إِلَيْهِم فيَعْرِفُ مَنْ بيَدِهِ الحَقُّ مِنْهُم. وقِيلَ: معناه أَنَّه يُبْصِرُ في أَيِّهم الرأْيُ، وأَيّهم بخلاف ذلك، واسْتَنْفَضَ الطَرِيقَ كذلِكَ.

ومن المجَاز: نَفَضَ الصِّبْغُ نُفُوضًا: ذَهَبَ بَعْضُ لَوْنِهِ، قال ابنُ شُمَيْلٍ: إِذا لُبِسَ الثَّوْبُ الأَحْمَرُ أَو الأَصْفَرُ فذَهَب بعضُ لَوْنِه قِيلَ: قد نَفَضَ صِبْغُهُ نَفْضًا، قال ذُو الرُّمَّة:

كَسَاكَ الَّذِي يَكْسُو المَكَارِمَ حُلَّةً *** من المَجْدِ لا تبْلَى بَطِيئًا نُفُوضُهَا

وفي حَدِيثِ قَيْلَةَ: «مُلَاءَتَانِ كَانَتَا مَصْبُوغَتَيْن وقد نَفَضَتَا»؛ أَي نَصَلَ لَوْنُ صِبْغِهما، ولم يَبْقَ إِلاَّ الأَثَرُ.

ومن المَجَاز: نَفَضَ السُّوَرَ: قَرَأَهَا، قال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: النَّفْضُ: القِرَاءَةُ، وفلانٌ يَنْفُضُ القُرآن كُلَّه ظَاهِرًا؛ أَي يَقْرَؤُه.

والنُّفَاضَةُ، بالضَّمِّ: نُفاثَةُ السِّواكِ وضُوازَتُه، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.

وقالَ غَيْرُه: النُّفَاضَةُ: مَا سَقَطَ من المَنْفُوضِ إِذا نُفِضَ، كالنُّفَاضِ، بالضَّمِّ، ويُكْسَرُ. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: نُفَاضَةُ كَلِّ شَيْ‌ءٍ: ما نَفَضْتَهُ فسَقَطَ منه، وكذلِكَ هو من الوَرَقِ، قالوا: نُفَاضٌ من وَرَقٍ، وأَكْثَر ذلِكَ في وَرقِ السَّمُرِ خاصّةً، يُجْمَعُ ويُخْبَطُ في ثَوْب.

والنِّفْضُ، بالكَسرِ: خُرْءُ النَّحْلِ في العَسّالَةِ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ وأَبي حَنِيفَة.

أَوْ: ما ماتَ منه فِيهَا، نقله الصَّاغَانيُّ.

أَو النِّفْضُ: عَسلٌ يُسَوِّسُ فيُؤْخَذُ فيُدَقُّ فيُلْطَخُ به مَوْضِعُ النَّحْلِ مع الآسِ فيَأْتِيه النَّحْلُ فيُعَسِّلُ فيه، أَو هو بالقافِ، وهذَا هو الصَّوابُ، وهكَذَا روَاه الهَجَرِيُّ، وأَمَا الفَاءُ فتَصْحِيفٌ.

والنَّفَضُ، بالتَّحْرِيكِ: المَنْفُوضُ، وهو: ما سَقَطَ من الوَرَقِ والثَّمَرِ، وهو فَعَلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ، كالقَبَضِ بمعنى المَقْبُوضِ، والهَدَمِ بمعنَى المَهْدُومِ.

والنَّفَضُ أَيضًا: ما تَسَاقَطَ من حَبّ العِنَبِ حِينَ يُوجَدُ بعضُه في بَعْضٍ، وفي اللِّسَانِ: حين يَأْخُذُ بعضُهُ ببَعْضٍ.

والمِنْفَضُ، كمِنْبَرٍ: المِنْسَفُ، وهو وِعَاءٌ يُنْفَضُ فيه التَّمْرُ.

والمِنْفَاضُ: المرأَةُ الكَثِيرَةُ الضَّحِكِ، نقله ابنُ عبّادٍ هكذَا، أَوْ هِيَ بالصّادِ المُهْمَلَةِ، وهو الصّوابُ، وقد ذُكِرَ في مَوْضِعِه.

ومن المَجَازِ: النَّافِضُ: حُمَّى الرِّعْدَةِ، وفي الصّحاح: النَّافِضُ من الحُمَّى: ذاتُ الرِّعْدَة، قال ابنُ سِيدَه مُذَكَّرٌ. ويُقَال: نَفَضَتْه، وأَخَذَتْهُ حُمَّى بِنَافِضٍ، بزيادَةِ الحَرْفِ، وهو الأَعْلَى وحُمَّى نَافِضٍ، بالإِضَافة، وقد يُقَال: حُمَّى نافِضٌ، فيُوصَفُ به، وفي حديث الإِفك: «فأَخَذَتْهَا حُمَّى بنَافِضٍ» ‌أَي برِعْدَةٍ شَدِيدَةٍ، كأَنَّهَا نَفَضَتْهَا؛ أَي حَرَّكَتْهَا.

وقال الأَصْمَعِيّ: إِذَا كَانَت الحُمَّى نافِضًا قِيلَ: نَفَضَتْهُ الحُمَّى فهو مَنْفُوضٌ.

والنُّفضَةُ، كبُسْرَةٍ، ورُطَبَةٍ، والنُّفَضَاءُ، كالعُرَوَاءِ: رِعْدَةُ النَّافِضِ.

وقال البَرَاءُ بنُ مالكٍ، رضِيَ الله عنه، يومَ اليَمَامَةِ لخَالدِ بِن الوَلِيدِ، رضي ‌الله‌ عنه: «طِدْنِي إِلَيْك» وكان تُصِيبُهُ عُرَوَاءُ مثلُ النُّفَضَةِ حتّى يُقَطَّر.

ذَكَر الجَوْهَرِيُّ الأَولَى والثّالِثَةَ، ونقل الصّاغَانِيُّ الثَّانِيةَ، وبها رُوِيَ الحَدِيثُ، والاسْمُ: النَّفَاضُ، كسحابٍ.

وقال ابنُ الأَعْرابِيّ: النَّفَائِضُ: الإِبِلُ الَّتِي تَنْفُض؛ أَي تَقْطَعُ الأَرْضَ ومن المَجَازِ: أَنْفَضُوا: أَرْمَلُوا، أَو أَنْفَضُوا: هَلَكَتْ أَمْوالُهُمْ، وأَنْفَضُوا: فَنِيَ زَادُهُم، وهو بِعَيْنِه معنَى أَرْمَلُوا، وعبارة الصّحاحِ: أَنْفَضَ القَوْمُ: هَلَكَت أَمْوَالُهم، وأَنْفَضُوا أَيضًا، مثل أَرْمَلُوا: فَنِيَ زَادُهم. وفي المُحْكَم: أَنْفَضَ القَومُ نَفِد طَعَامُهم وزَادُهم، مثل أَرْمَلُوا، قالَ أَبو المُثَلَّمِ:

لَهُ ظَبْيَةٌ ولهُ عُكَّةٌ *** إِذَا أَنْفَضَ الزّاد لم تُنْفِضِ

والَّذِي قَرَأْتُه في الدِّيوان:

«إِذا أَنْفَضَ الحَيُّ»...

ويُرْوَى: «لم يُنْفِضِ.

وفي الحَدِيث: «كُنَّا في سَفَرٍ فأَنْفَضْنَا» أَي، فَنِيَ زَادُنا، كأَنَّهم نَفَضُوا مَزاوِدَهم لخُلُوِّها، وهو مِثْلُ أَرْمَلَ وأَقْفَرَ.

أَو أَنْفَضُوا زَادَهُم: أَفْنَوْهُ وأَنْفَدُوه، قاله ابنُ دُرَيْدٍ، وجَعَلَه مُتَعَدِّيًا، والاسمُ: النّفاضُ، كسَحَابٍ وغُرَابٍ، الفَتْحُ عن ثَعْلَبٍ، وكانَ يَقُولُ: هو الجدْبُ، ومنه المَثَلُ: النُفَاضُ يُقَطِّرُ الجَلَب»، فعَلَى قولِ منْ قال: النُّفَاضُ: فَنَاءُ الزّادِ، يقولُ في مَعْنَى المَثَلِ: إِذا ذَهَبَ طَعَامُ القَوْمِ أَو مِيرَتهُم قَطرُوا إِبِلَهم الَّتِي كانُوا يَضِنُّونَ بها، فجَلَبُوها للبَيْعِ، فبَاعُوها واشْتَرَوْا بثَمَنِهَا مِيرَةً. وعلَى قوْلِ ثَعْلَبٍ: أَي إِذا جَاءَ الجَدْبُ جُلِبَت الإِبِلُ قِطَارًا قِطَارًا لِلْبَيْعِ، ومآلُهما وَاحِدٌ.

وأَنْفَضَت الجُلَّةُ: نُفِضَ جميع ما فِيها من التَّمْرِ.

وانْتَفَضَ الكَرْمُ: نَضُرَ وَرَقُه، قال أَبو النَّجْمِ:

وانْشَقَّ عن فُطْحٍ سَوَاءٍ عُنْصُلُهْ *** وانْتفَضَ البَرْوقُ سُودًا فُلْفُلُهْ

وانْتَفَضَ الذَّكَرَ: اسْتَبْرَأَهُ ممّا فيه من بَقِيَّةِ البوْلِ، ومنه‌ حدِيثُ ابنِ عُمَرَ: «أَنَّه كان يَمُرُّ بالشَّعْبِ من مُزْدَلِفَةَ فيَنْتَفِضُ ويَتَوضَأُ»، كاسْتَنْفَضَهُ.

والنِّفَاضُ، ككِتَابٍ: إِزارٌ للصِّبْيَانِ، قاله الجَوْهَرِيُّ، وأَنشدَ للرّاجِزِ:

جارِيَةٌ بَيْضَاءُ في نِفَاضِ *** تَنْهَضُ فيه أَيَّمَا انْتِهَاضِ

كنَهَضانِ البَرْقِ ذِي الإِيماضِ

وقال ابنُ عَبّادٍ: يُقَالُ: أَتَانَا وما علَيْهِ من نِفَاض؛ أَي شَي‌ء من الثِّيَابِ، وجَمْعُه النُّفُضُ.

والنِّفَاض: بِساطٌ يَنْحَتُّ عليه وَرَقُ السَّمُرِ ونَحْوِه، وذلِك أَنْ يُبْسَطَ له ثُوْبٌ، ثمّ يُخْبَطُ بالعَصَا، فذلِك الثَّوْبُ نِفَاضٌ.

وج: نُفُضٌ، بضَمَّتين.

والنِّفَاضُ أَيضًا: ما انْتَفَضَ عليهِ من الوَرَقِ، كالأَنافِيضِ، نقله الصّاغانِيُّ، ووَاحِدَةُ الأَنَافِيضِ أَنْفُوضَةٌ.

وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: الأَنَافِيضُ: ما تَسَاقَطَ من الثَّمَرِ في أُصولِ الشَّجَرِ.

ومن المَجاز: النُّفُوضُ: البُرْءُ من المَرَضِ، وقد نَفَضَ من مَرَضِه.

والنَّفِيضَةُ، كسَفِينَةٍ: نحو الطَّلِيعَة، نَقَلَه الجَوْهَريُّ.

قال: والنَّفَضَةُ، مُحَرَّكَةً: الجَمَاعَةُ يُبْعَثُون في الأَرْضِ مُتَجسِّسِينَ؛ لِيَنْظُرُوا هلْ فيهَا عَدُوٌّ أَمْ لا، زاد اللَّيْث: أَو خوف، وأَنْشَدَ الجَوْهَريُّ لسَلْمَى الجُهَنِيَّةِ تَرْثِي أَخاها أَسْعَدَ، قال ابنُ برِّيّ: صوابُه سُعْدَى الجُهَنِيَّة، قلتُ: وهي سُعْدَى بِنْتُ الشَّمَرْدَلِ:

يَرِدُ المِيَاهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً *** وِرْدَ القَطَاةِ إِذَا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

تَعْنِي إِذَا قَصُرَ الظِّلُ نِصْفَ النَّهَارِ. والجمْعُ: النَّفَائضُ.

قلتُ: وحَضِيرَةً ونَفِيضَةً منصوبانِ على الحالِ، والمَعْنَى: أَنَّه يَغْزُو وحْدَه في مَوْضِع الحَضِيرَةِ والنَّفِيضةِ، وقد تقَدّم أَيضًا في «ح ض ر».

واسْتَنْفَضَهُ، واسْتَنْفَضَ ما عنده، أَي: اسْتَخْرَجَهُ، قال رُؤْبَةُ:

صَرَّحَ مَدْحِي لكَ واسْتِنْفَاضِي *** سَيْبَ أَخٍ كالغَيْثِ ذي الرِّيَاضِ

واسْتَنْفَضَ: بَعَثَ النَّفِيضَةَ أَي الطَّلِيعَةَ، كما في الصّحاحِ. وفي الأَسَاس واللِّسَان: اسْتَنْفَضَ القومُ: بَعَثُوا النَّفَضَةَ الَّذِينَ يَنْفُضُون الطُّرُقَ.

واسْتَنْفَضَ بالحَجَرِ: اسْتَنْجَى، ومنه‌ الحَدِيثُ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضُ بها» ‌أَي أَسْتَنْجِي بها، وهو من نَفْضِ الثَّوْبِ؛ لأَنَّ المُسْتَنْجِيَ يَنْفُضُ عن نَفْسِه الأَذَى بالحَجَر؛ أَي يُزِيلُه ويَدْفَعُه.

وقال أَبو ذُؤَيْبٍ يصفُ المَفَاوِزَ:

على طُرُقٍ كنُحورِ الرِّكا *** بِ تَحْسبُ آرَامَهُنَّ الصُّرُوحَا

بِهِنَّ نَعامٌ بنَاه الرِّجَا *** لُ تُلْقِي النَّفائِضُ فيه السَّرِيحَا

قال الجَوْهَرِيُّ: هذا قولُ الأَصْمَعِيِّ، وهكذا رواه أَبو عَمْرو النَّفائضُ، بالفَاءِ، إِلاّ أَنَّهُ قال في تَفْسِيرها: إِنَّهَا الإِبِلُ الهَزْلَى، أَو هي الإِبِلُ الَّتِي تَقْطَعُ الأَرْضَ، وهو قوْل ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وقد تَقدَّم ذلِكَ بعَيْنِه قَرِيبًا، فذِكْرُه ثَانِيًا تَكْرارٌ.

أَو النَّفائِضُ: الَّذِين يَضْرِبُونَ بالحَصَى هَلْ وَراءَهُمْ مَكْرُوهٌ أَوْ عَدُوٌّ. وأَراد بالسَّرِيحِ نِعَالَ النَّفائِضِ؛ أَي أَنَّهَا قد تَقَطَّعَتْ، وقال الأَخْفَشُ: تَقَطَّعتْ تِلْك السُّيُورُ حتّى يُرْمَى بها، من بُعْدِ هذِه الطُّرُق، ويُرْوَى: «فيها السَّرِيحا»، أَي: في الطُّرُقِ، «وفيه» ذَهَبَ إِلى معْنَى الطَّرِيقِ.

ومن المَجَازِ: يقولُون: إِذَا تَكَلَّمْتَ نهَارًا فانْفُضْ؛ أَي الْتَفِتْ هَلْ تَرَى مَنْ تَكْرَهُ، وإِذَا تَكَلَّمْتَ لَيْلًا فاخْفِضْ؛ أَي اخْفِض الصَّوْتَ.

والنِّفِّيضَى، كالخِلِّيفَى، وكالزِّمِكَّى وكجَمَزَى: الحرَكَةُ والرِّعْدَةُ، كما في العُبَابِ.

* وممّا يُسْتَدْرك عليه:

نَفَّضَه تَنْفِيضًا: نَفَضه، شُدِّدَ للمُبَالَغَةِ.

والنَّفْضُ، بالفَتْح: أَن تَأْخُذَ بيَدِكَ شَيْئًا فَتَنْفُضَه تُزَعْزِعُه وتُتَرْتِرُه وتَنْفُض التُّرَابَ عنه.

ونَفَضُ العِضَاهِ: خَبَطُها.

وما طاحَ من حَمْلِ الشَجَرِ فهو نَفَضٌ، وفي المُحكَمِ: النَّفَضُ: ما طَاحَ من حَمْلِ النَّخْلِ وتَساقَط في أُصُولِه من الثَّمَرِ.

والنَّفْضُ، بالفَتْح، من قُضْبَانِ الكَرْمِ: بعد ما يَنْضُرُ الوَرَقُ، وقَبْلَ أَن تَتَعَلَّق حَوَالِقُه، وهو أَغَضُّ ما يكون وأَرْخَصُه، والوَاحِدَةُ نَفْضَةٌ.

والْإِنْفَاضُ: المَجَاعةُ والحَاجَةُ: ويُقَال: نَفَضْنَا حَلَائِبَنَا نَفْضًا، واسْتَنْفَضْنَاها، وذلِكَ إِذَا اسْتَقْصَوْا عَلَيْهَا في حَلْبِهَا، فلمْ يَدَعُوا في ضُرُوعِهَا شيئًا من اللَّبَنِ.

وقال ابنُ شُمَيْلٍ: قَوْمٌ نَفَضٌ، مُحَرَّكَةً؛ أَي نَفَضُوا زادهُم.

ونُفُوضُ الأَرْضِ: نَبَائِثُها.

والنَّفِيضَةُ: الجَماعَة، وقيل: الرَّبِيئَةُ، وقيل: المِيَاهُ ليس عليها أَحَدٌ، عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ.

والنُّفْضَةُ، بالضّمّ: المَطْرَة تُصِيبُ القِطْعَةَ من الأَرْضِ وتُخْطِئُ القطْعَةَ. نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

وقال ابنُ عَبّادٍ: النُّفَّاضُ، كرُمّانٍ: شَجَرَةٌ إِذا أَكَلَها الغَنَمُ ماتَتْ منه.

والمِنْفَضُ، والْمِنْفَاضُ: كِسَاءٌ يَقَعُ عليه النَّفَضُ، نقله الزَّمَخْشَرِيُّ.

وانْتَفَضَ فُلانٌ من الرِّعْدَة، وانْتَفَضَ الفَرَسُ.

وفُلانٌ يسْتَنْفِضُ طَرْفُهُ القَوْمَ؛ أَي يُرْعِدُهم بهَيْبَتِه.

ودَجَاجَةٌ مُنْفِضٌ: نَفضَت بَيْضَها وكَلّت.

وانْتفَضَ الفَصِيلُ ما في الضَّرْعِ: امْتَكَّهُ.

ونَفَضَ الطَّرِيقَ نَفْضًا: طَهَّرَه من اللُّصُوص والدُّعَّارِ.

وقام يَنْفُضُ الكَرَى.

ويُقَال: نَفَضَ الأَسْقامَ عنه واستْصَحَّ؛ أَي اسْتَجْلب صِحَّتُهُ.

وخَرجَ فلانٌ نَفِيضَةً؛ أَي نَافِضًا للطَّرِيق حافِظًا له، وكُلّ ذلِك مَجاز.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


47-تاج العروس (قذف)

[قذف]: قَذَفَ بالحِجارَةِ يَقْذِفُ بالكسرِ قَذْفًا: رمى بِها يُقالُ: هُم بَيْنَ حاذِفٍ وقاذِفٍ، فالحاذِفُ بالعَصا، والقاذِفُ بالحِجارةِ، نقله الجَوْهَرِيُّ، ويُقالُ أَيضًا: بين حاذٍ وقاذٍ، على التَّرخِيمِ.

وَقال اللَّيْثُ: القَذْفُ: الرَّمْيُ بالسَّهْمِ والحَصَى والكَلامِ وَكُلِّ شَي‌ءٍ، وقَوْلُه تعالَى: {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلّامُ الْغُيُوبِ} قال الزَّجّاجُ: مَعْناه: يَأْتِي بالحَقِّ، ويَرْمِي بالحَقِّ، كما قالَ تَعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ} وقولُه تَعالَى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} قال الزَّجّاجُ: كانوا يَرْجُمُون الظُّنُون أَنَّهم يُبْعَثُون.

وقَذَفَ المُحْصَنَةَ يَقْذِفُها قَذْفًا: رَماهَا كما في الصِّحاحِ، زادَ غَيْرُه: بزَنْيَةٍ وهو مَجازٌ، وقِيلَ: قَذَفَها: سَبَّها، وفي حَدِيثِ هِلالِ بنِ أُمَيَّةَ «أَنّه قَذَفَ امْرَأَتَه بِشَرِيكٍ» فأَصْلُ القَذْفِ: الرَّمْيُ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في السَّبِّ ورَمْيِها بالزِّنا، أو ما كانَ مَعْناهُ، حَتَّى غَلَبَ عَلَيه.

وقَذَفَ فُلانٌ: إذا قاءَ.

ومن المَجازِ نَوًى قَذَفٌ، وِنيَّةٌ قَذَفٌ، وفَلاةٌ قَذَفٌ، مُحَرّكَةً، وقُذُفٌ بضَمَّتَيْنِ كصَدَفٍ وصُدُوفٍ، وطَنَفٍ وَطُنُفٍ، وقَذُوفٌ كصَبُورٍ: أي بَعِيدَةٌ تَقاذَفُ بمَنْ يَسْلُكُها، وَأَنْشَدَ أَبو عُبَيْدٍ:

وَشَطَّ وَلْيُّ النَّوَى إنَّ النَّوَى قَذَفٌ *** تَيّاحَةٌ غَرْبَةٌ بالدّارِ أَحْيانًا

وَكَذلِكَ سَبْسَبٌ قَذَفٌ، ومَنْزِلٌ قَذَفٌ.

أَو نِيَّةٌ قَذَفٌ، مُحَرَّكَةً فقَطْ نقله الجوهريُّ.

والقَذِيفُ كأَمِيرٍ: سَحابَةٌ تَنْشَأُ من قِبَلِ العَيْنِ نقله ابنُ عَبّادٍ.

والقَذِيفَةُ بهاءٍ: كُلُّ ما يُرْمَى بِهِ قال المُزَرِّدُ:

قَذِيفَةُ شَيْطانٍ رَجِيمٍ رَمَى بها *** فصارَتْ ضَواةً في لَهازِمِ ضِرْزِمِ

وبَلْدَةٌ قَذُوفٌ: طَرُوحٌ؛ لبُعْدِها نقَلَه الجوهريُّ.

ورَوْضُ القِذافِ، ككِتابٍ: موضع عن ابنِ دُرَيْدٍ قالَ:

عَرَكْرَكٌ مُهْجِرُ الضُّوبانِ أَوَّمَهُ *** رَوْضُ القِذافِ رَبِيعًا أيَّ تَأْوِيمِ

وَقال ذُو الرُّمَّةِ:

جادَ الرَّبِيعُ له رَوْضَ القِذافِ إلى *** قَوَّيْن وانْعَدَلَتْ عنهُ الأَصارِيمُ

والقِذافُ أَيْضًا: ما قَبَضْتَ بيَدِكَ مِمّا يَمْلَأُ الكَفَّ، فرَمَيْتَ بهِ قالَه النَّضْرُ، قال: ويُقالُ: نِعْمَ الجُلْمُودُ القِذافَ هذا، قال: ولا يُقالُ للحَجَرِ نفسِه: نِعْمَ القِذافُ.

أَو: هو ما أَطقْتَ حَمْلَه بيَدِكَ ورَمَيْتَه قال أَبو خَيْرَةَ: قال رُؤْبَةُ يُخاطِبُ ابْنَه العَجّاج:

وهو لأَعْدائِكَ ذُو قِرافِ *** قَذّافَةٌ بحَجَرِ القِذافِ

وناقَةٌ قاذِفٌ، وقِذافٌ، وقُذُفٌ ككِتابِ وعُنُقٍ والذي في النّوادِرِ لأَبِي عمرٍو: ناقَةٌ قِذافٌ وقَذُوفٌ وقُذُفٌ، وهي التي تَتَقَدَّمُ من سُرْعَتِها وتَرْمِي بنَفْسِها أَمامَ الإِبِلِ في سَيْرِها، قال الكُمَيْتُ يمدحُ أَبانَ بنَ الوَليدِ البَجَلِيَّ:

جَعَلْتُ القِذافَ لِلَيْلِ التَّمامِ *** إلى ابن الوَلِيدِ أَبانٍ سِبارَا

والمِقْذَفُ، والمِقْذافُ كمِنْبَرٍ ومِحْرابٍ: المِجْدافُ للسَّفِينَةِ عن أَبي عمرٍو.

والقَذّافُ كشَدّادٍ: المِيزانُ* قاله ابنُ الأَعرابيِّ وقال ثَعْلَبٌ: هو المنْجَنِيقُ نقله اللّيْثُ وابنُ الزُبَيْدِيّ.

وقال أَبو خَيْرَةَ: القَذّافُ الذي يُرْمَى بِهِ الشّي‌ءُ فيَبْعُدُ، الواحِدَةُ قَذّافَةٌ وقد خالَفَ اصْطِلاحَه هنا، وأَنشَدَ:

لمّا أَتانِي الثَّقَفيُّ الفَتّانْ *** فنَصَبُوا قَذّافَةً لا بَلْ ثِنْتانْ

ويُقال: بَيْنَهُم قِذِّيفَى، كخِلِّيفَى: أي سِبابٌ، ورَمْيٌ بالحِجارَةِ.

والقُذْفَةُ، بالضمِّ الشُّرْفَةُ، أو ما أَشْرَفَ من رُؤُوسِ الجِبالِ قال أَبو عُبَيْدةَ: وبه شُبِّهَت الشُّرَفُ ج: قِذافٌ وَقُذَفٌ، وقُذُفٌ، وقُذُوفاتٌ كبِرامِ وغُرَفٍ، وكَتَبٍ وقُرُباتٍ جمع بُرْمَةٍ وغُرْفَةٍ وكتابٍ وقُرْبَةٍ، اقْتَصَر الجَوْهَريُّ على الثانِي والأَخِيرِ، وأَنْشَدَ لامْرئِ القَيْسِ:

مُنِيفًا تَزِلُّ الطَّيْرُ عن قُذُفاتِه *** يظَلُّ الضبابُ فَوْقَه قَدْ تَعَصَّرَا

وَأَنْشَد أَبو عَمرٍو قَوْلَ ابنِ مُقْبِلٍ يَصِفُ وَعِلًا:

عَوْدًا أَحَمَّ القَرَا أُزْمُولَةً وَقِلًا *** على تُراثِ أَبِيهِ يَتْبَعُ القُذَفَا

قال ابنُ بَرِّي: ويُرْوَى: «القَذَفا» وقد ضَعَّفَه الأَعْلمُ، قال ابنُ بَرِّيّ: ومِثْلُه لِبشْرِ بنِ أَبِي خازِمٍ:

وَصَعْبٌ تَزِلُّ الطَّيْرُ عن قُذُفاتِه *** لحافاتِه بانٌ طِوالٌ وعَرْعَرُ

وَفي الحَدِيثِ: «أَنَّه صَلّى في مَسْجِدٍ فيه قُذُفاتٌ» وفي الحَدِيثِ: كانَ ابنُ عُمَرَ والَّذِي في المُصَنَّفِ لأَبِي عُبَيْدٍ «أنَّ عُمَرَ رضي ‌الله‌ عنه كانَ لا يُصَلَي في مَسْجِدٍ فيه قِذافٌ» وَنَصُّ أَبِي عُبَيْدٍ: «فيه قُذُفاتٌ» هكذا يُحَدِّثُونَه، ورَواه غيرُ أَبِي عُبَيْدٍ «قِذافٌ» كما هو للمُصَنِّفِ، وكِلاهُما قد رُوِيَ، قال ابنُ الأَثِيرِ: القِذافُ: جمعُ قُذْفةٍ، وهي الشُّرْفَةُ، كبُرْمَةٍ وَبرامٍ، وبُرْقَةٍ وبِراقٍ، وقالَ ابنُ بَرِّي: قُذُفاتٌ صحيحٌ، لأَنَّه جَمْعُ سَلامةٍ كغُرْفَةٍ وغُرُفاتٍ، وجمعُ التَّكْسِير قُذَفٌ، كغُرَفٍ وقَوْلُ الأَصْمَعِيِّ: إِنَّما هو قُذَفٌ كغُرَفٍ وأَصْلُها قُذْفَةٌ، وهي الشُّرَفُ ليسَ بشَيْ‌ءٍ قال ابنُ بَرِّيّ: الأَوَّلُ الوَجْهُ؛ لِصحَّةِ الرِّوايَةِ، ووُجودِ النَّظِيرِ.

وقال الأَصْمَعِيّ: القُذُفُ، كعُنُق وجَبَلٍ: المَوْضِعُ الذي زُلَّ عَنْه وهُوِيَ، وقال ابنُ عَبّادٍ: القُذُفُ: الجانِبُ، كالقُذْفِ والقُذْفَةِ، بضَمِّهما وهو مجازٌ.

وقُذُفَا النَّهْرِ، والوادِي بضَمَّتَيْنِ، وزادَ في بعضِ النُّسَخ ويُحَرَّكُ وسَقط من بَعْضٍ: ناحِيَتاهُ وهو مَجازٌ ج: قَذَفاتٌ مُحرّكَةٌ وقِذافٌ بالكَسْر، وقُذُفٌ بضمَّتَيْنِ، قال النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ ـ رضي ‌الله‌ عنه يصفُ مَنْهَلًا ـ:

طَلِيعَةُ قَوْمٍ أو خَمِيسٌ عَرَمْرَمٌ *** كَسَيْلِ الأَتِيِّ ضَمَّهُ القُذُفانِ

وَقال اللَّيْثُ: القُذَفُ: النَّواحِي.

وقَرَبٌ قَذّافٌ، كشَدّادٍ بمنزلةِ بَصْباص كما في العُبابِ، وَهو مجازٌ، ولكنه لم يَضْبِطْه بالتّشْدِيدِ.

والمُقَذَّفُ كمُعَظَّمٍ: المُلعَّنُ وبه فُسِّربيتُ زُهَيْرٍ:

لَدَى أَسَدٍ شاكِي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ *** له لِبَدٌ أَظْفارُهُ لم تُقَلَّمِ

وقِيلَ: المُقَذَّفُ: من رُمِيَ باللَّحْمِ رَمْيًا فصارَ أَغْلَبَ. والتَّقاذُفُ: التَّرامِي يُقالُ: تَقاذَفُوا بالحِجارَةِ: إذا تَرَامَوْا بها.

وَمن المَجازِ: تَقاذَفَتْ بهِمُ المَرامِي، والرِّكابُ تَتَقاذَفُ بهم، والبَعِيرُ يَتَقاذَفُ في سَيْرِه: أي يَتَرامَى فيه.

والتَّقاذُف: سُرْعةُ رَكْضِ الفَرَسِ، وفَرَسٌ مُتَقاذِفٌ سَرِيعُ الرَّكْضِ، قاله اللَّيْثُ، وهو مجازٌ، وأَنشد لجَرِيرٍ يَصِفُ فَرَسًا:

مُتَقاذِفٌ تَئِقٌ كأَنَّ عِنانَهُ *** عَلِقٌ بأَجْرَدَ من جُذُوعِ أَوالِ

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

انْقَذَفَ الشَّيْ‌ءُ: مُطاوِعُ قَذَف، أَنشَدَ اللَّحْيانِيُّ:

فقَذَفَتْها فأَبَتْ لا تَنْقَذِفْ

وَقَذَفَه به: أصابَه، وقَذَفَه بالكَذِبِ كَذلِك.

وَتَقاذَفُوا بالأَراجِيزِ: تَشاتمُوا بها. وَالقَذِيفَةُ، كسَفِينَةٍ: السَّبُّ. وَقَوْلُ النّابِغَةِ:

مَقْذُوفةٍ بدَخِيسِ النَّحْضِ بازِلُها *** له صَرِيفٌ صَريفَ القَعْوِ بالمَسَدِ

: أي مَرْمِيَّةٌ باللَّحْمِ، يُقال: قُذِفَت النّاقَةُ باللَّحْمِ قَذْفًا، وَلُدِسَتْ به لَدْسًا، كأَنَّها رُمِيَتْ به رَمْيًا، فأَكْثَرَتْ منه.

وَمَنْزِلٌ قَذِيفٌ كأَمِيرٍ: بَعِيدٌ، نَقَلَه الجَوْهريُّ.

وَالقَذّافُ، ككَتّانٍ: المَرْكَبُ، عن ابنِ الأَعرابيِّ.

وَأَقْذافُ، ككَتّانٍ: المَرْكَبُ، عن ابنِ الأَعرابيِّ.

وَأَقْذافُ القَصْرِ: شُرُفاتُه.

وَناقَةٌ مُتقاذِفَةٌ: سَرِيعَةٌ.

وسَيْرٌ مُتَقاذِفٌ: سَريعٌ، قال النّابغَةُ الجَعْدِيُّ:

بحَيَّ هَلًا يُزْجُونَ كُلَّ مَطِيَّةٍ *** أَمامَ المَطايَا سَيْرُها المُتَقاذِفُ

وَالقِذافُ: سُرْعَةُ السَّيْرِ.

وَالقَذُوفُ، والقِذافُ من القِسِيِّ: المُبْعِدُ السَّهْمِ، حَكاه أَبو حَنِيفَةَ، قال عَمْرُو بنُ بَراء:

ارْمِ سَلامًا وأَبا الغَرّافِ *** وعاصِمًا عَنْ مَنْعَةٍ قِذافِ

وَقالَ ابنُ بَرِّيّ: القَذَافُ، كسَحابٍ: الماءُ القَلِيلُ، ومنه المَثَل: «نَزافِ نَزافِ، لم يَبْقَ غيْرُ قَذافِ» وقد تَقَدَّمَ قَرِيبًا.

وَمن المَجاز: البَحْرُ يَقْذِفُ بالجَواهِرِ، وهو قَذّافٌ باللُّؤْلُؤِ.

وَفُلانٌ يَقْذِفُ بنَفْسِه المَقاذِفَ: أي المَهالِكَ.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


48-تاج العروس (درك)

[درك]: الدَّرَكُ محرَّكةً اللّحاقُ وقد أدْرَكَهُ إذا لَحِقَهُ وهو اسمٌ من الإِدْرَاكِ. وفي الصِّحاحِ: الإِدْرَاكُ اللّحُوقُ يقالُ: مَشَيْتُ حتى أَدْرَكْتُه وعشْتُ حتى أَدْرَكْتُ زَمَانَه.

ورجُلٌ دَرَّاكٌ كثيرُ الإِدْرَاكِ؛ قالَ الجَوْهَرِيُّ: وقلَّما يَجِي‌ءُ فَعَّال من أَفْعَلَ يُفْعِل إلَّا أنَّهم قد قالُوا حَسَّاس دَرّاك لُغَةٌ أَو ازْدِوَاجٌ. وقالَ غيرُه: ولم يجئ فَعَّال من أَفْعَلَ إلَّا دَرَّاكٌ من أَدْرَكَ، وجَبَّارٌ من أَجْبَره على الحُكْمِ أَكْرَهَه وسَآر من قَوْلِه أَسْأَر في الكأْسِ إذا أَبْقَى فيها سُوْرًا من الشَّرابِ وهي البَقِيَّةُ، وحَكَى اللَّحْيَانيُّ: رجُلٌ مُدْرِكَةٌ بالهاءِ سريعُ الإدْرَاكِ. وقال غيرُه: رجُلٌ مدْرِكٌ أيضًا أي كثيرُ الإِدْرَاكِ.

قالَ ابنُ بَرِّي: وشاهِدُ دَرَّاك قَوْلُ قَيْسِ بنِ رفَاعَة:

وصاحِبُ الوَتْرِ ليسَ الدهْر مُدْرِكَهُ *** عنْدي وإِني لدَرَّاكٌ بأَوْتارِ

وتَدارَكُوا تَلاحَقُوا أي لَحِقَ آخِرُهُم أَوَّلَهُم والدِّراكُ ككِتابٍ لَحاقُ الفَرَسِ الوَحْشَ وغيْرُها. يقالُ: فَرَسٌ دَرَكَ الطّريدَةَ يُدْرِكُها كما قالُوا: فَرَسٌ قَيْدُ الأَوَابدِ أي أَنَّهُ يُقَيِّدها.

والدِّراكُ إتْباعُ الشي‌ءِ بعضِهِ على بعضٍ في الأشْياءِ كُلِّها وهو المُدَارَكَةُ؛ وقد تَدَارَك. يقالُ: دَارَك الرجُلُ صَوْتَه أي تابَعَه. والمُتَدَارِكُ من القَوَافي والحُروفِ المتحرِّكَةِ ما اتَّفَقَ متحرِّكانِ بعدَهُما ساكِنٌ مِثْل فَعُو وأشْباه ذلِكَ؛ قالَهُ اللَّيْثُ.

وفي المُحْكَم، المُتَدَارِكُ مِنَ الشِّعْرِ: كُلُّ قافِيَة تَوالى فيها حَرْفانِ مُتَحرِّكانِ بينَ ساكنَيْنِ كمُتَفاعِلُنْ وومُسْتَفْعِلُنْ ومَفَاعِلُنْ وفَعَلْ إذا اعتمد على حرفٍ ساكِنٍ نحو فَعولُنْ فَعَلْ فاللامُ من فَعَلْ ساكنَةٌ، وفُلْ إذا اعْتَمدَ على حرفٍ متحرِّكٍ نحو فعولُ فُلْ، اللامُ من فُلْ ساكِنَةٌ والواو من فَعُولُ ساكِنَةٌ، سمِّي بذلِكَ لِتَوالي حَرَكَتيْن فيها، وذلِكَ أنَّ الحَرَكَات كما قدَّمنا من آلاتِ الوصْلِ وأَمَارَاتِه، ف كأنَّ بَعْضَ الحَرَكاتِ أدْرَكَ بَعْضًا ولم يَعُقْهُ عنه اعْتِراضُ ساكِنٍ بين المُتَحرِّكَيْنِ هذا نصّ ابن سِيْدَه في المُحْكَمِ. قالَ الصَّاغَانيُّ: ومِثَالُه قَوْل امْرِئِ القَيْسِ:

قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبِيْبٍ ومَنْزِلِ *** بسِقْطِ اللِّوَى بَيْن الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ

والتَّدْريكُ من المَطَرِ أنْ يُدَارِكَ القَطْرُ كأَنَّه يُدْرِكُ بعضُه بعضًا، عن ابنِ الأَعْرَابيِّ وأَنْشَدَ أَعْرَابيٌّ يخاطِبُ ابْنَه:

وَا بِأَبِي أَرْواحُ نَشْرِ فِيكا *** كأَنَّه وهْنٌ لمن يَدْرِيكا

إذا الكَرَى سِنَاتهِ يُغْشِيكا *** رِيْحَ خُزَامَى وُلِّيَ الرَّكِيْكا

أَقْلَعَ لمَّا بَلَغَ التَّدْرِيكا

واسْتَدْرَكَ الشي‌ءَ بالشي‌ءِ إذا حاوَلَ إدْرَاكَه به واسْتَعْمل هذا الأَخْفَش في أَجْزاءِ العُروضِ لأنَّه لم ينْقِص من الجزءِ شي‌ءٌ فيَسْتَدْرِكه.

وأدْرَكَ الشي‌ءُ إدْراكًا بَلَغَ وقْتَه وانْتَهَى ومنه أَدْرَك التَّمر والقِدْر إذا بَلَغَت إنَاها. وأدْرَكَ الشي‌ءُ أيضًا إذا فَنِيَ حَكَاه شَمِرٌ عن اللَّيْثِ قالَ: ولم أَسْمَعْه لغيرِه، وبه أَوَّل قَوْله تعالَى: بلْ أَدْرَكَ عِلْمُهم أي فَنِيَ عِلْمُهم في الآخِرَةِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا غيرُ صحيحٍ في لغَةِ العَرَبِ، وما عَلِمْتُ أَحَدًا قالَ: أَدْرك الشي‌ءُ إذا فَنِيَ فلا يعرَّجُ على هذا القَوْلِ، ولكنْ يقالُ: أَدْرَكَتِ الثِّمارُ إذا بَلَغَتْ إناهَا وانْتَهَى نُضْجها.

قُلْتُ: وهذا الذي أَنْكَرَه الأَزْهَريُّ على اللّيْثِ فقَدْ أَثْبَتَه غيرُ واحِدٍ من الأَئِمَّةِ وكَلَامُ العَرَبِ لا يَأْبَاهُ فإنَّ إنْتِهاءَ كلَّ شيْ‌ءٍ بحسبِه فإذا قالُوا: أَدْرَكَ الدَّقيقُ فبأَيِّ شي‌ءٍ يفَسَّرُ أَيقالُ إنَّه مِثْلُ إدرَاكِ الثّمار والقِدْر وإنَّما يقالُ انْتَهَى إلى آخِرِه ففَنِيَ.

قالَ ابنُ جني في الشَّواذِ: أَدْرَكْت الرَّجُلَ وادَّرَكْته وادَّرَك الشي‌ءُ إذا تَتَابَعَ ففَنِيَ وبه فسَّر قَوْله تعالَى: {إِنّا لَمُدْرَكُونَ}. وأَيْضًا فإنَّ الثِّمارَ إذا أَدْرَكَتْ فَقَد عُرِّضَتْ للفَناءِ وكذلِكَ القدر وكلُّ شي‌ءٍ. انْتَهَى إلى حدِّهِ فالفَنَاءُ من لوازِمِ معْنَى الإِدْرَاكِ، ويُؤَيِّد ذلِكَ تَفْسِيرُ الحَسَنِ للآيةِ على ما يَأْتِي فتأَمَّلْ.

وقَوْلُه تعالَى: {حَتّى إِذَا ادّارَكُوا} فِيها جَمِيعًا أصلُهُ تَدَارَكوا فأُدْغِمَتْ التاءُ في الدَّالِ واجْتُلِبَت الأَلِفُ ليَسْلَم السكُون. وقَوْلُه تعَالَى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ،} بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ قال الحَسَنُ فيما رُوِيَ عنه: أي جَهِلوا عِلْمَها ولا عِلْمَ عندَهُم من أمْرِها كذا في النسخِ وفي بعضِ الأُصُولِ: في أمْرِها. قال ابنُ جني في المحتسب: مَعْناه أَسْرَع وخَفُّ فلم يثْبتْ ولم تَطْمئِنّ لليَقِين به قَدَم.

قُلْتُ: فهذا التَّفْسِير تأْيِيدٌ نَقَلَه شَمِرٌ عن اللَّيْثِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: قَرَأَ شُعْبَة ونافِعٌ: «بَلِ ادّارَكَ»، وقَرَأَ أَبُو عَمرو: بل أَدْرَك، وهي قرَاءَةُ مجاهِدٍ وأَبي جَعْفَرٍ المَدَنيّ، ورُوِيَ عن ابنِ عَبَّاس أَنَّه قَرَأ: «بلى أَأَدْرَك عِلْمُهم»، يُسْتَفهم ولا يُشَدَّد، فأَمَّا مَنْ قَرَأَ {بَلِ ادّارَكَ} فإنَّ الفَرَّاءَ قالَ: معْنَاهُ لغَةً في تَدَارَك أي تَتَابَعَ عِلْمُهُم في الآخِرَةِ، يُرِيدُ بعلمِ الآخِرَةِ تَكُون أَوْ لا تَكُون، ولذلِكَ قالَ: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ}، قالَ: وهي في قَرَاءَةِ أَبيٍّ أَم تَدَارَكَ، والعَرَبُ تجْعَلُ بَلْ مَكَانَ أَمْ، وأَمْ مكانَ بَلْ إذا كانَ أَوَّلَ الكَلِمَةِ اسْتِفْهامٌ مِثْل قَوْلِ الشاعِرِ:

فو الَّله ما أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ *** أَم البُومُ أَمْ كلٌّ إليَّ حَبِيبُ

مَعْنَى أَمْ بَلْ؛ وقالَ أَبُو مَعَاذٍ النحويُّ: ومَنْ قَرَأَ بَلْ أَدْرَكَ، و {بَلِ ادّارَكَ} فمعْنَاهُما واحِدٌ، يقولُ: هُم عُلَمَاءُ في الآخِرَةِ كقَوْلِه تعالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا}، ونَحْو ذلِكَ. قالَ السَّدِيُّ في تفْسِيرِه، قالَ اجْتَمَعَ عِلْمُهُم في الآخِرةِ ومعْنَاهَا عنْدَه أي عَلِمُوا في الآخِرَةِ أَنَّ الذي كانُوا يُوعَدُون به حَقٌّ وأَنْشَدَ للأَخْطَلِ:

وأَدْرَكَ عِلْمي في سُوَاءَة أَنَّها *** تقيمُ على الأَوْتار والمَشْرَبِ الكَدْرِ

أي أَحَاطَ عِلْمِي بها أَنَّها كذلِكَ. قالَ: والقَوْلُ في تفْسِيرِ أَدْرَكَ وادّارَكَ ما قالَ السَّدِيُّ وذَهَبَ إليه أَبُو معاذٍ النحويُّ وأَبُو سَعِيْدٍ، والذي قالهُ الفَرَّاءُ في مَعْنَى تَدَارَك أي تَتَابَعَ عِلْمُهُم في الآخِرَةِ أَنَّها تكُونُ أَوْلا تكُونُ ليسَ بالبَيِّنِ، إنَّما المعْنَى أَنَّه تَتَابَع عِلْمُهُم في الآخِرَةِ وتَواطَأَ حِيْن حَقَّت القيامَةُ وخَسِرُوا بَانَ لهم صِدْقُ ما وُعِدُوا حِيْن لا ينْفَعُهم ذلِكَ العِلْمُ، ثم قالَ جلَّ وعزَّ: بَلْ هُمُ اليَوْمَ في شكٍّ من عِلْمِ الآخِرَةِ {بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} أي جَاهِلُون، والشَّك في أَمْرِ الآخِرَةِ كفرٌ. وقالَ شَمِرٌ: هذه الكَلِمَةُ فيها أَشْيَاء، وذلِكَ أَنَّا وجَدْنا الفِعْلَ اللازِمَ والمُتَعَدي فيها في أَفْعَلَ وتَفَاعَلَ وافْتَعَل

واحِدًا، وذلِكَ أَنَّك تقولُ أَدْرَكَ الشي‌ءَ وأَدْرَكْتُه وتَدَارَك القومُ وادَّارَكوا وادَّرَكُوا إذا أَدْرَكَ بعضُهم بعضًا. ويقالُ: تَدَاركتُه وادَّارَكْتُه وادَّرَكْتُه، وأَنْشَدَ:

تَدَاركتُما عَبْسًا وذُبْيان بعْدَ ما *** تفانَوْا ودَقُّوا بينهم عِطْر مَنْشِمِ

وقالَ ذُو الرُّمَّةِ:

خَزامى اللوى هبت له الريح بعد ما *** علا نورها مَجَّ الثَّرَى المُتَدارِك

فهذا لازِمٌ. وقالَ الطرمَّاحُ:

فلمَّا ادَّرَكْنَا هُنَّ أَبْدَيْنَ للهَوَى

وهذا متعدٍّ. وقالَ اللهُ تعالَى في اللَّازِمِ: «بَلِ ادّارَكَ عِلْمُهُمْ». قالَ شَمِرٌ: وسَمِعْتُ عَبْد الصَّمَدِ يحدِّث عن الثوريِّ في قولِهِ تعالَى هذا، قالَ مجاهِدٌ: أَمْ تَواطَأَ عِلْمُهُم في الآخِرَةِ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا يوافقُ قَوْلَ السَّدِيِّ لأَنَّ مَعْنَى تَواطَأَ تحقَّقَ واتَّفَقَ حِيْنَ لا يَنْفَهم، لا على أَنَّه تَواطَأَ بالحَدْسِ كما ظنَّه الفرَّاءُ؛ قالَ: وأَمَّا ما رُويَ عن ابنِ عَبَّاس أَنَّه قالَ: بلى آأَدْرَكَ عِلْمُهُم في الآخِرَةِ فإِنَّه إنْ صحَّ اسْتِفْهامٌ فيه ردٌّ وتهكُّمٌ، ومَعْنَاه لم يُدْرِكْ عِلْمهم في الآخِرَةِ، ونَحْو ذلِكَ رَوَى شعْبةُ عن أَبي حَمْزَة عن ابنِ عَبَّاس في تفْسِيرِه؛ ومِثْلُه قَوْلُه تعَالَى: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}؛ معْنَى أَمْ أَلِف الاسْتِفْهام كأَنَّه قالَ أَله البَناتِ ولكُم البَنُون، اللَّفظُ لفظُ الاسْتِفْهام ومعْنَاهُ الردّ والتكْذِيب لَهُم.

والدَّرَكُ يُحَرَّكُ ويُسَكَّنُ هكذا هو في الصِّحاحِ والعُبَابِ ولا قلق في العبارَةِ كما قالَهُ شَيْخُنَا؛ والضبْطُ عنْدَه وإنْ كانَ راجِعًا لأَولِ الكَلِمَةِ فإنَّه لمَّا عَدَا التسْكِين فإِنَّه في الأَوَّلِ لا يتصور بَلْ هو على كلِّ حالٍ راجعٌ للوَسَطِ، ومِثْلُ هذا لا يُحْتاجُ التَّنْبِيه عَلَيه. بَقي أَنَّه لو قالَ: والدَّرْكُ: ويُحَّرَّكُ على مقْتَضَى اصْطِلاحِه فاتَهُ أَرْجَحِيَّة التَّحْرِيكِ كما نَصُّوا عليه فتأَمَّلْ التَّبِعَةُ يقالُ: ما لَحِقَك من دَرَكٍ فعليَّ خلاصُه، يُرْوَى بالوَجْهَين. وفي الأَساسِ: ما أَدْرَكه من دَرَكٍ فعليَّ خلاصُه وهو اللَّحَقُ من التَّبِعَةِ أي ما يَلْحَقُه منها؛ وشاهِدُ التَّحْرِيك قَوْلُ رُؤْبَة:

ما بعدنا من طلب ولا دَرَك

ومنه ضَمَانُ الدَّركِ في عهْدةِ البَيْعِ.

والدَّرَكُ: أَقْصَى قَعْرِ الشي‌ءِ يُرْوَى بالوَجْهَين كما في المُحْكَم؛ زَادَ في التَّهْذِيبِ: كالبحرِ ونَحْوه. وقالَ شَمِرٌ: الدَّرَكُ: أَسْفَل كلِّ شي‌ء ذِي عُمْقٍ كالرَّكِيَّةِ ونحْوِها. وقالَ أَبُو عَدْنانٍ: دَرَكُ الرَّكِيَّةِ قَعْرُها الذي أُدْرِكَ فيها الماءُ؛ وبهذا تَعْلم أَنَّ قَوْلَ شَيْخِنَا وتفْسِيرَه بقَوْلِه: أَقْصَى قعْرِ الشي‌ءِ غيرُ مَعْرُوفٍ، وعِبَارَتَه غيرُ دَالَّةٍ على معْنًى صحيحٍ غيرُ وجيهٍ فتأَمَّلْ.

وقالَ المُصَنِّفْ في البصائِرِ: الدَّرَكُ اسمٌ في مقابَلَةِ الدَّرَجِ بمَعْنَى أَنَّ الدَّرَجَ مراتب باعتبارِ الصّعُودِ والدرك مراتب اعتبارًا بالهُبوطِ ولهذا عَبَّرُوا عن مَنَازِلِ الجنَّةِ بالدَّرَجاتِ وعن منازِلِ جَهَنَّم بالدَّرَكاتِ الجمع: أَدْرَاكٌ هو جَمْعٌ للمُحَرَّكِ والسَّاكِن، وهو في الأَوَّلِ كثيرٌ مقيسٌ، وفي الثاني نادِرٌ، ويُجْمَعُ أَيْضًا على الدَّرَكاتٍ وهي مَنَازلُ النارِ، نَعُوذُ باللهِ تعالَى منها. وقالَ ابنُ الأَعْرَابىِّ: الدَّرْكُ: الطَّبَقُ من أَطْباقِ جهنَّم، ورُوِيَ عن ابنِ مَسْعودٍ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنه أَنَّه قالَ: الدَّرْكُ الأَسْفَلُ تَوابِيتُ من حديدٍ تصَفَّدُ عليهم في أَسْفلِ النارِ؛ وقالَ أَبُو عُبَيْدَة: جهنَّمُ دَرَكَاتٌ أي مَنَازل وطَبَقَات، وقَوْلُه تعالَى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ} قَرَأَ الكُوفِيُّون غَيْر الأَعْشَى والبرجميّ بسكونِ الرَّاءِ، والبَاقُون بفَتْحِها.

والدَّرَكُ بالتَّحرِيكٍ حَبْلٌ يُوَثَّقُ في طَرَفِ الحَبْلِ الكَبير ليكونَ هو الذي يَلي الماءَ ولا يعفَن الرِّشاءُ عنْدَ الاسْتِقاءِ كما في المُحْكمِ. وقالَ الأَزْهَرِيُّ: هو الحَبْلُ الذي يُشَدُّ به العَرَاقي ثم يُشَدُّ الرِّشاءُ فيه وهو مَثْنى. وقالَ الجَوْهَرِيُّ: قطْعَةُ حَبْلٍ يُشَدُّ في طرفِ الرِّشاءِ إلى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ ليكونَ هو الذي يَلِي الماءَ فلا يعفَن الرِّشاءُ، ومِثْلُه في العُبَابِ.

والدِّرْكَةُ بالكسر حَلْقَةُ الوَتَرِ التي تَقَعُ في الفُرْضَةِ وهي أَيْضًا سَيْرٌ يوصَلُ بِوَتَرِ القَوْسِ العربيَّةِ. وقالَ اللّحْيَانيُّ: الدِّرْكَةُ: قِطْعَةٌ توصَلُ في الحِزَامِ إذا قَصُرَ وكذلِكَ في الحَبْلِ إذا قَصُرَ ويُقالُ: لا بارَكَ اللهُ تعالى فيه ولا دَارَكَ ولا تارَكَ إتْباعٌ كُلّه بمعْنًى.

ويومُ الدَّرَكِ مُحَرَّكَةً من أَيامِهِم، قالَ ابنُ دُرَيْدٍ: أحْسَبَهُ كانَ بين الأَوْسِ والخَزْرَجِ. والمُدَارِكَةُ هي المرْأَةُ التي لا تَشْبَعُ من الجِمَاعِ فكأنَّ شَهْوَتَها تَتْبَعُ بَعْضَها بَعْضًا.

والمُدْرِكَةُ كمُحْسِنَةٍ ماءَةٌ لبَني يَرْبوعٍ كذا في العُبَابِ، وقالَ نَصْر في كتابِه: هي لبَنِي زنباع من بني كلابٍ. وقالَ ابنُ عَبَّادٍ: وتُسَمَّى الحَجْمَةُ بين الكَتفَيْنِ المُدْرِكَةُ ومُدْرِكَةُ بنُ الياسَ بن مُضَر اسْمُه عَمْروٍ ولَقَّبَه بها أَبُوه لمَّا أَدْرَك الإِبِلَ وقد ذُكِرَ في «خ ن بلد ف».

ودَرَّاك كشَدَّادٍ اسمُ رجُلٍ.

ومُدْرِكٌ كمُحْسِنٍ فَرَسٌ لكُلْثوم بن الحارثِ وهو مُدْرِكُ بن الحازيّ. ومُدْرِكُ بنُ زِيادٍ الفَزَارِيُّ، قَبْرُهُ بقَرْية زادية من الغوْطَة له حدِيثٌ من طريقِ بنته، ومُدْرِكُ بنُ الحارِثِ الأزدي الغَامِديّ له رُؤْبةٌ رَوَى عنه الوليدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمن الجرشيّ، ومُدْرِكُ الغفارِيُّ أبو الطُّفَيْلِ حدِيْثُه عنْدَ أَوْلادِهِ، وهو غَيْرُ أَبي الطُّفَيْلِ اللَّيْثِيِّ من الصَّحَابةِ صحابِيُّونَ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهم.

ومُدْرِكُ بنُ عَوْفٍ البجلِيّ ومُدْرِكُ بنُ عَمَّارٍ مُخْتَلَفٌ في صُحْبَتِهِما؛ فابنُ عَوْف رَوَى عن عُمَرَ، وعَنْه قَيْسُ بنُ أَبي حازِم وهذا لم يَخْتَلِفوا فيه، وإنَّما اختَلَفُوا في ابن عمار قالُوا: الأَظْهَر أنه مُدْرِكُ بنُ عمارة بن عَقبَة بن أَبي مُعِيْطٍ وأنَّه تابِعِيٌّ، ثم رأيت ابنُ حَبَّان ذكَرَهما في ثقات التابِعِيْن، وقالَ في ابنِ عَمَارَة عِدَادُه في أَهْلِ الكُوفَةِ رَوَى عن ابنِ أَبي أَوْفَى وعنه يونُس بنُ أَبي إسْحق، ومُدْرِكُ بنُ سَعْدٍ مُحَدِّثٌ، وفَاتَه من التَّابِعِين: مُدْرِك بن عَبْدِ اللهِ ومُدْرِك أَبُو زيادٍ مولى عليٍّ، ومُدْرِك بن شَوْذَب الطاهِرِيّ، ومُدْرِك بن مُنِيْب ذَكَرَهم ابنُ حبَّان في الثَّقَاتِ؛ وفي الضّعَفاءِ مُدْرِك الطفاويّ عن حميد الطَّويل ومُدرِك القُهُنْدُزيّ عن أَبي حَنِيْفَة، ومُدْرِك بن عَبْدِ اللهِ أَبُو خالِدٍ، ومُدْرِك الطَّائيُّ، ومُدْرِك أَبُو الحَجَّاج ذَكَرَهم الحافِظُ الذّهَبيُّ، وخالِدُ بنُ دُرَيْكٍ كزُبَيْرٍ تابِعِيٌّ شامِيٌّ.

ودِرَاكٌ ككِتَابٍ اسمُ كَلْبٍ قالَ الكُمَيْت يَصِفُ الثورَ والكِلَابَ:

فاخْتَلَّ حِضْنَيْ دِرَاكٍ وانْثَنَى حَرِجًا *** لزَارِعٍ طَعْنَةٌ في شِدْقها نَجَل

أَي في جانِبِ الطَّعْنةِ سعةٌ. وزَارِع أَيْضًا اسمُ كَلْبٍ وقَدْ ذُكِرَ في مَوْضِعِه.

وقالُوا: دَرَاك كقَطامِ أي أَدْرِكْ مِثْلُ تَرَاكٍ بمعْنَى اتْرُكْ وهو اسمٌ لفِعْلِ الأَمْرِ وكُسِرَت الكافُ لاجْتِمَاعِ السَّاكِنين لأَنَّ حقَّها السّكون للأَمْر. قالَ ابنُ بَرِّي: جَاءَ دَرَاكَ ودَرَّاك وفَعَال وفَعَّال إنَّما هو من فعْلٍ ثلاثيٍّ ولم يُسْتَعْمل منه فِعْلٌ ثلاثيٌّ، وإنْ كانَ قد اسْتُعْمِل منه الدّرْكُ، قالَ جَحْدَرُ بنُ مالِكٍ الحَنْظَلِيُّ يخاطِبُ الأَسَدَ:

لَيْثٌ ولَيْثٌ في مَجالٍ ضنكِ *** كِلَاهما ذو أَنَف ومَحْكِ

وبَطْشةٍ وصَوْلَةٍ وفَتْكِ *** إِن يَكْشِف اللهُ قِناع الشَّكِ

بظَفَرٍ من حاجتِي ودَرْكِ *** فذا أَحَقُّ مَنْزِل برك

قالَ أَبُو سَعِيدٍ: وزَادَني هفَّان في هذا الشِّعْر:

الذِّئب يَعْوِي والغُرابُ يَبْكِي

والدَّرِيكة: كسَفِينَةٍ الطَّريدَةُ ومنه فَرَسٌ دَرَك الطَّرِيدة وقَدْ تَقَدَّمَ.

ودَرَكاتُ النارِ مُحرَّكةً مَنازِلُ أَهلِها جَمْع دَرَك محرَّكةً وقَدْ تَقَدَّمَ تفْسِيرُ ذلِكَ قريبًا.

* وممَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه: تَدَارَك الثَّرَيان أي أَدْرَك ثَرَى المَطَرِ ثَرَى الأَرْض.

وقالَ اللّيْثُ: الدَّرَكُ إِدْرَاك الحاجَةِ ومَطْلبِه. يقالُ: بكِّرْ فَفيهِ دَرَك، ويُسَكَّنُ وشاهِدُ قَوْل حَجْدَرٍ السَّابق.

وأدْرَكْتُه ببَصرِي رَأَيْتُه.

وأدْرَك الغلامُ بَلَغَ أَقْصَى غايَةِ الصّبَا. واسْتَدْرَكَ ما فَاتَ وتَدَارَكه بمعْنًى. واسْتَدْرَك عَلَيْه قَوْلَه أَصْلَحَ خَطَأَه ومنه المُسْتَدْرَك للحَاكِمِ على البُخَارِي.

وقالَ اللّحْيَانيُّ: المُتَدَارِكَة غَيْرُ المِتَوَاتِرَة. المُتَوَاتِرُ: الشي‌ءُ الذي يكونُ هُنَيْئةً ثم يجي‌ءُ الآخَر فإذا تَتَابَعَت فليْسَتْ مُتَوَاتِرة، وهي مُتَدَارِكة مُتَواتِرَة.

وطَعَنَهُ طَعْنًا دِرَاكًا وشَرِبَ شربًا دِرَاكًا وضربٌ دِرَاكٌ: مُتَتَابعٌ.

وأَدْرَكَ ماءُ الرَّكِيَّة إدْرَاكًا عن أَبي عَدْنان، أي وَصَلَ إلى دَرْكِها أي قَعْرِها.

وقالَ الأَزْهَرِيُّ: وسَمِعْتُ بعضَ العَرَبِ يقولُ للحَبْلِ الذي يعلَّقُ في حَلْقةِ التَّصْديرِ فيُشَدُّ به القَتَبُ الدَّرَكَ والتَّبْلِغَةَ.

وقالَ أَبُو عَمْروٍ: والتَّدْرِيكُ أَنْ تعلَّقَ الحَبْل في عُنُقِ الأُخر إذا قَرَنْته إليه.

وادَّرَكَه بمعْنَى أَدْرَكه، ومنه قَوْلُه تعَالَى: إنَّا لمُدَّركون بالتَّشْديدِ وهي قرَاءَةُ الأَعْرَجِ وعُبَيْد بن عُمَير نَقَلَه ابنُ جني.

وأَدْرَكَ بَلَغَ عِلْمه أَقْصَى الشي‌ءِ ومنه المدركات الخَمْس والمَدَارِك الخَمْسِ يعْنِي الحَوَاس الخَمْس، وقَوْلُه تعالى: {لا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى} أي لا تخاف أَنْ يدْرِكَكَ فرْعَون ولا تَخْشَاه؛ ومن قَرَأَ لا تخف فمعْنَاه لا تَخَفْ أَنْ الغَرَقَ؛ وقَوْلُه تعالَى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}، منهم مَنْ حَمَلَ ذلِكَ على البَصَرِ الذي هو الجارِحَةُ، ومنهم مَنْ حَمَلَه على البَصِيرةِ أي لا تُحِيطُ حَقِيْقة الذَّات المُقَدَّسةِ. والتَّدَارك في الإغَاثَةِ والنعْمَةِ أَكْثَر ومنه قَوْلُ الشاعِرِ:

تَدَارَكَني من عَثْرةِ الدّهرِ قاسمُ *** بما شاء من معرُوفِهِ المتداركِ

وتَدَارَكَت الْأَخْبار تَلَاحَقَتْ وتَقَاطَرَتْ. والحُسَيْنُ بنُ طاهِر بن دُركٍ بالضمِ المُؤَدِّبُ الدُّركيّ رَوَى عن الصفار وابن السَّمَّاكِ سَمِعَ منه ابن برهان سَنَة 380.

ودَارَك كهَاجَر من قُرَى أَصْبَهان منها الحَسَنُ بنُ محمَّدٍ الدَّارَكِيُّ رَوَى عنه عُثْمانُ بنُ أَحْمد بن شبل الدَّيْنُورِيُّ ويَعْمُر بنُ بشْرٍ الدَّارَكانيّ من قُرَى مر وصاحِبُ ابن المبَارَك. ودَوْرَك كنَوْفَل مدِينَةٌ من أَعْمالِ ملْطية وقد تكْسَرُ الراءُ هكذا ضَبَطَها المحب ابن الشحنة. ويقالُ له: مدرك ودراكة أي حاسة زائدة.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


49-تاج العروس (أين)

[أين]: الأَيْنُ: الإِعْياءُ والتَّعَبُ؛ قالَ كعْبٌ، رضِيَ اللهُ تعالى عنه:

فيها على الأَيْنِ إرْقالٌ وتَبْغيلُ

قالَ أَبو زيْدٍ: لا يُبْنى منه فِعْلٌ، وقد خُولِفَ فيه؛ كما في الصِّحاحِ.

وقالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لا فِعْل له. وقالَ الليْثُ: لا يشتَقُّ منه فِعْل إلَّا في الشِّعْر.

وقالَ ابنُ الأعْرابيِّ: آنَ يَئِينُ أَيْنًا مِن الإِعْياءِ؛ وأَنْشَدَ:

إنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ

قالَ: إنَّا أَي أَعْيَينا.

* قُلْتُ: ووَجَدْتُ في هامِشِ الصِّحاحِ ما نَصّه: قالَ الأَصْمعيُّ: يصرَّفُ الأَيْنِ، وأَبو زيْدٍ لا يصرِّفُه قالَ أَبو محمدٍ: لم يصرَّفِ الأَيْن إلَّا في بيتٍ واحِدٍ وهو:

قد قلت للصَّباحِ والهَواجِرِ *** إنَّا ورَبَّ القُلُص الضِّوامِرِ

الصّباحُ: التي يقالُ لها ارْتَحل فقد أَصْبَحْنا، والهَواجِرُ التي يقالُ له سِرْ فقدِ اشْتَدَّتِ الهاجِرَةُ إنَّا مِنَ الأَيْنِ.

والأَيْنُ: الحيَّةُ، مثْلُ الأَيْمِ، نونُه بَدَلٌ من اللامِ.

وقالَ ابنُ السِّكِّيتْ: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكرُ مِن الحيَّاتِ.

وقالَ أَبو خَيْرَةَ: الأُيونُ والأُيومُ: جماعَةٌ.

والأَيْنُ: الرَّجلُ والحِمْلُ؛ عن اللحْيانيِّ.

والأَيْنُ: الحِينُ.

والأَيْنُ: مَصْدَرُ آنَ يَئِينُ؛ أَي حانَ. يقالُ: آنَ لكَ أَنْ تَفْعَلَ كذا يَئِينُ أيْنًا؛ عن أَبي زيْدٍ؛ أَي حانَ، مثْلُ أَنَى لكَ وهو مَقْلوبٌ منه؛ وأَنْشَدَ ابنُ السِّكِّيت:

أَلَمَّا يَئِنْ لي أَنْ تُجَلَّى عِمايَتي *** وأُقْصِرَ عن لَيْلى؟ بَلَى قد أَنى لِيا

فجمَعَ بينَ اللُّغَتَيْن؛ كذا في الصِّحاحِ.

وآنَ* أَيْنُكَ، ويُكْسَرُ، وعلى الفتْحِ اقْتَصَرَ الجوْهرِيُّ؛ ونَقَلَه ابنُ سِيْدَه.

وآنَ آنُكَ؛ أَي حانَ حِينُكَ.

وفي المُحْكَم: أَنَّ آنَ أَيْنًا لُغَةٌ في أَنى، وليسَ بمقْلُوب عنه لوُجودِ المَصْدرِ.

* قُلْتُ: وقد عَقَدَ له ابنُ جنِّي، رحِمَه اللهُ تعالَى، بابًا في الخَصائِصِ قالَ: بابٌ في الأَصْلَيْن يَتَقارَبَانِ في التَّرْكِيبِ بالتَّقْدِيمِ والتَّأْخِيرِ، وإن قصرَ أَحَدُهما عن تصرّف صاحِبِه كانَ أَوْسَعهما تصرُّفًا أَصْلًا لصاحِبِه، وذلِكَ كقوْلِهم: أَنى الشي‌ءُ يأْنَى، وآنَ يَئِينُ، فآنَ مَقْلوبٌ عن أَنى لوُجودِ مَصْدَر أنى يأَنَى وهو الإِناءُ، ولا تَجِد لآنَ مَصْدرًا، كذا قالَهُ الأَصْمَعيُّ فأمَّا الأَيْنُ فليسَ مِن هذا في شي‌ءٍ إنَّما الأَيْنُ الإِعْياءُ والتَّعَبُ، فلمَّا تقدَّمَ آنَ المَصْدَر الذي هو أَصْلٌ للفِعْل عُلِمَ أَنَّه مَقْلوبٌ عن أَنى يأْنَى إناءً؛ غَيْر أنَّ أَبا زيْدٍ، رحِمَه اللهُ حَكَى لآنَ مَصْدرًا وهو الأَيْنُ، فإن كانَ الأَمْرُ كذلِكَ فهُما إذًا مُتَساوِيان وليسَ أَحَدهما أَصْلًا لصاحِبِه، ا ه.

وجَزَمَ السّهيليّ في الرَّوْض بأَنَّ آنَ مَقْلوبٌ مِن أَنّى مُسْتدلَّا بقَوْلِهم: آناء اللّيْلِ واحِدُه أنى وأنى وانى.

فالنُّون قيل في كلِّ هذا وفيمَا صرف منه.

وقالَ البَكْرِيُّ، رحِمَه اللهُ تعالَى في شرْحِ أَمالِي القالِي: آنَ أنّى: حانَ، وآنَ أَصْلُه الواوُ، ولكنَّه مِن بابِ يَفْعل كوَلِيَ يَلِي، وجاءَ المَصْدرُ بالياءِ ليطردَ على فِعْلِه.

قالَ شيْخُنا، رحِمَه اللهُ تعالى: قَوْلُه كوَلِيَ يَلِي ودَعْوى كَوْنه واويًّا فيه نَظَرٌ ظاهِرٌ ومُخالفَةٌ للقِياسِ.

وأَيْنَ: سؤالٌ عن مكانٍ إذا قلْتَ: أَيْنَ زَيْدٌ فإنَّما تَسْأَلُ عن مكانِهِ؛ كما في الصِّحاحِ. وهي مُغْنيةٌ عن الكَلامِ الكَثيرِ والتَّطْويلِ، وذلِكَ أَنَّك إذا قلْتَ أَيْنَ بَيْتُك؟ أَغْناكَ ذلِكَ عن ذِكْرِ الأَماكِنِ كلِّها، وهو اسمٌ لأنَّكَ تقولُ مِن أَيْنَ.

قالَ اللِّحْيانيُّ: هي مُؤَنَّثَة وإنْ شِئْتَ ذكَّرْتَ.

وقالَ اللّيْثُ: الأيْنُ: وَقْتٌ مِن الأمْكِنَةِ، تقولُ: أَيْنَ فلانٌ فيكونُ مُنْتَصبًا في الحالاتِ كلِّها ما لم تَدْخُلْه الألِفُ واللامُ.

وقالَ الزجَّاجُ: أَيْنَ وكيفَ حَرْفانِ يُسْتَفْهَمُ بهما، وكانَ حقُّهما أَنْ يكونَا مَوْقوفَيْن، فحُرِّكا لاجْتِماعِ السَّاكِنَيْن، ونُصِبا ولم يُخْفَضا من أَجْلِ الياءِ، لأَنَّ الكَسْرَةَ على الياءِ تَثْقُل والفتْحةُ أَخَفُّ.

وقالَ الأَخْفَش في قوْلِه تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتى}، في حَرْف ابنِ مَسْعودٍ أَينَ أَتَى.

وأَيَّانَ، ويُكْسَرُ، مَعْناهُ: أَيُّ حِينٍ، وهو سُؤالٌ عن زَمانٍ مِثْل مَتى. قالَ اللهُ تعالى: {أَيّانَ مُرْساها}.

والكَسْرُ: لُغَةٌ لبَني سُلَيْم، حَكَاها الفرَّاءُ، وبه قَرَأَ السُّلَميُّ: إيَّانَ يُبْعَثونَ؛ كذا في الصِّحاحِ؛ وقد حَكَاها الزجَّاجُ أَيضًا.

وفي المحتسبِ لابنِ جنِّي: يَنْبَغي أنْ يكونَ أَيَّانَ من لَفْظِ أَيّ لا مِن لَفْظِ أَي، لأَمْرَيْن: أَحَدُهما: أنَّ أَيْنَ مَكانٌ، وأَيَّانَ زَمانٌ، والآخر قلَّة فعال في الأَسْماءِ مع كثر فعلان، فلو سمّيت رَجُلًا بأَيَّان لم تَصْرفْه لأَنَّه كحمدان، ولسْنَا نَدَّعِي أَنَّ أَيا يحسنُ اشْتِقاقها، أَو الاشْتِقاقُ منها، لأَنَّها مَبْنيَّةٌ كالحَرْفِ، أَو أنَّها مع هذا اسم، وهي اخْتُ أَيَّان وقد جازَتْ فيها الإِمالَةُ التي لا حَظّ للْحُرُوفِ فيها، وإنَّما الإمالَةُ للأَفْعالِ وفي الأسْماءِ إذا كانتْ ضَرْبًا من التَّصَرّفِ، فالحَرْف لا تصرف فيه أَصْلًا، ومَعْنى أَي أنَّها بعضٌ من كلِّ، فهي تَصْلُحُ للأَزْمِنَةِ صَلاحها لغيرِها إذا كانَ التَّبْعِيضُ شامِلًا لذلِكَ كُلّه؛ قالَ أُمَيَّةُ:

والناسُ راثَ عليهم أمرُ يَوَمَهُم *** فكُلّهُمْ قائلٌ للدّينِ أَيّانا

فإن سميت بأَيَّانَ سَقَطَ الكَلامُ في حسن تَصْرِيفِها للحاقِها بالتّسْمِيةِ ببَقِيَّة الأَسْماءِ المُتَصرِّفَة.

وأَبو بكْرٍ أَحمدُ بنُ محمدِ بنِ أَبي القاسِم بنِ أَيَّانَ الدُّشْتِيُّ: مُحَدِّثٌ مُتَأَخِّرٌ، حدَّثَ عن أَبي القَاسِمِ بنِ رَواحَةَ، وسَمِعَ الكثيرَ بإفادَةِ خالِهِ محْمود الدُّشْتِي، قالَهُ الحافِظُ.

والآنُ: اسمُ الوَقْتِ الذي أَنْتَ فيه، فهُما عنْدَه مُتَرادِفان. وقالَ الأَنْدَلسِيُّ في شرْحِ المُفصَّل: الزَّمانُ ما لَهُ مقْدارٌ، ويَقْبَل التَّجزِئةَ.

والآنَ: لا مقْدَار له، وهو اسمُ الوَقْتِ الحاضِرِ المُتَوَسّط بينَ الماضِي والمُسْتَقْبلِ؛ قالَهُ الجوْهرِيُّ؛ وهو ظَرْفٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَقَعَ مَعْرِفَةً ولم تدْخُلْ عليه أَلْ للتَّعْرِيفِ، لأَنَّه ليسَ له ما يَشْرَكُهُ.

قالَ ابنُ جنِّي في قوْلِه تعالَى: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}؛ الذي يدلُّ على أنَّ اللامَ في الآنَ زائِدَةٌ أَنَّها لا تَخْلو إمَّا أَنْ تكونَ للتَّعْرِيفِ كما يظنُّ مُخالفُنا، أَو أَنْ تكونَ لغَيْرِ التّعْريفِ كما نقولُ، فالذي يدلُّ على أنَّها لغَيْرِ التَّعْريفِ أَنَّا اعْتَبَرْنا جَمِيعَ ما لامُه للتَّعْرِيفِ، فإذا إسقاطُ لامِه جَائِز فيه، وذلك نحو رَجُل والرَّجُل وغُلامَ والغُلام، ولم يقُولُوا افْعَلْه آنَ كما قالوا افْعَلْه الآنَ، فدلَّ هذا على أنَّ اللامَ ليْسَتْ فيه للتَّعْريفِ بل هي زائِدَة كما يُزادُ غيْرُها مِنَ الحُرُوفِ.

وقد أَطالَ الاحْتِجاج على زِيادَةِ اللام وأَنَّها ليْسَتْ للتَّعْرِيفِ بما هو مَذكُورٌ في الخَصائِصِ والمُحتسبِ.

وقالَ في آخِرِه: وهذا رأَيُ أَبي عليٍّ، رحِمَه اللهُ تعالى، وعنه أَخَذْتَه، وهو الصَّوابُ.

قالَ الجَوْهرِيُّ: ورُبَّما فَتَحُوا اللَّامَ وحَذَفُوا الهَمْزَتَيْنِ.

قالَ ابنُ بَرِّي: يعْنِي الهَمْزَة التي بَعْدَ اللامِ لنقْلِ حَرَكَتِها على اللامِ وحَذْفِها، ولمَّا تَحرَّكَتِ اللامُ سَقَطَتْ هَمْزَةُ الوَصْلِ الدَّاخِلَة على اللامِ كقوْلِهِ أَنْشَدَه الأَخْفَش:

وقد كُنْتَ تُحْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً *** فَبُحْ لَانَ منْها بالذِي أَنْتَ بائِحُ

قالَ ابنُ بَرِّي: ومثْلُه قَوْل الآخر:

أَلَا يا هِنْدُ هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ *** أَرَثَّ لَانَ وَصْلُكِ أَم جَديدُ؟

وقالَ أَبو المِنْهالِ:

حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ لانْ *** إنَّ بَنِي فَزارَةَ بنِ ذُبْيانْ

قد طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإِنْسانْ *** مُشَنَّإِ سُبْحان رَبِّي الرحمنْ

أَنَا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ *** ليس عليَّ حَسَبي بضُؤْلانْ

وفي التَّهذِيبِ: قالَ الفَرَّاءُ: الآن حرفٌ بُنِيَ على الألِفِ واللامِ ولم يُخْلَعا منه، وتُرِك على مَذْهَب الصفةِ لأنَّه صفَةٌ في المعْنَى واللَّفْظِ، قالَ: وأَصْلُ الآنَ أَوَان حُذِفَ منها الأَلِفُ وغُيِّرتْ واوُها إلى الألفِ كما قالوا في الرَّاحِ الرّياح؛ فجعلَ الرَّاحَ والآنَ مَرَّةً على جَهَةِ فَعَلٍ، ومَرَّةً على جَهَةِ فَعالٍ، كما قالوا زَمَن وزَمَان، قالوا: وإن شِئْتَ جَعَلْتَ الآنَ أَصْلها مِن قوْلِكَ آنَ لكَ أَنْ تَفْعَل، أَدْخَلتَ عليها الألفَ واللامَ ثم تركْتَها على مَذْهَب فَعَلَ، فأَتاها النَّصبُ مِنْ نَصْبِ فَعَل؛ قالَ: وهو وَجْهٌ جَيِّد.

* وَمِمَّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ:

قالَ أَبو عَمْرو: أَتَيْتُه آنِئةً بعْدَ آنِئةٍ بمعْنَى آوِنةٍ، ذكَرَه المصنِّفُ في أَوَنَ.

وقالَ ابنُ شُمَيْل: وهذا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وما جئتا إلَّا أَوانَ الآنَ، بنَصْبِ الآنَ فيهما.

وفي حدِيثِ ابنِ عُمَرَ، رضِيَ اللهُ عنهما: «ثم قالَ: اذْهَبْ بهذه تَلآنَ مَعَك».

قالَ أَبو عُبَيْدٍ: قالَ الأُمويُّ: يريدُ الآنَ وهي لُغَةٌ مَعْروفةٌ تُزادُ التاءُ في الآنَ وفي حِينٍ ويحذِفونَ الهَمْزَةَ الأُولى، يقالُ: تَلانَ وتَحينَ، وسَيَأْتي للمصنِّفِ، رحِمَه اللهُ في «ت ل ن»؛ وأَمَّا قوْلُ حُمَيْد بن ثور:

وأَسْماء ما أَسْماءُ لَيْلَة أَدْلَجَتْ *** إلَيَّ وأَصْحابي بأَيْنَ وأَيْنَما

فإنَّه جَعَلَ أَيْنَ علمًا للبُقْعة مجرَّدًا عن مَعْنَى الاسْتِفامِ، فمَنَعها الصَّرْف للتَّأْنِيثِ والتَّعْريفِ.

والأَيْنُ: شَجَرٌ حِجازِيٌّ؛ قالتِ الخَنْساءُ:

تَذَكَّرْتُ صَخْرًا أَنْ تَغَنَّتْ حَمامةٌ *** هَتُوفٌ على غُصنٍ من الأيْنِ تَسْجَعُ

وأَيُّونٌ، كتَنُّورٍ: قَرْيةٌ بالرَّيِّ، منها: سهلُ بنُ الحَسَنِ ابنِ محمدٍ الأَيونيُّ.

والأَيْنُ: ناحِيَةٌ مِن نواحِي المَدينَةِ متنزهة؛ عن نَصْر.

تاج العروس-مرتضى الزَّبيدي-توفي: 1205هـ/1791م


50-المصباح المنير (طلع)

طَلَعَتْ الشَّمْسُ طُلُوعًا مِنْ بَابِ قَعَدَ وَمَطْلِعًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَكُلُّ مَا بَدَا لَك مِنْ عُلُوٍّ فَقَدْ طَلَعَ عَلَيْكَ وَطَلَعْتُ الْجَبَلَ طُلُوعًا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ أَيْ عَلَوْتُهُ وَطَلَعْتُ فِيهِ رَقَيْتُهُ وَأَطْلَعْتُ زَيْدًا عَلَى كَذَا مِثْلُ أَعْلَمْتُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى فَاطَّلَعَ عَلَى افْتَعَلَ أَيْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ وَعَلِمَ بِهِ وَالْمُطَّلَعُ مُفْتَعَلٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مَوْضِعُ الِاطِّلَاعِ مِنْ الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ إلَى الْمُنْخَفِضِ وَهَوْلُ الْمُطَّلَعِ مِنْ ذَلِكَ شَبَّهَ مَا يُشْرِفُ عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِذَلِكَ وَالطَّلِيعَةُ الْقَوْمُ يُبْعَثُونَ أَمَامَ الْجَيْشِ يَتَعَرَّفُونَ طِلْعَ الْعَدُوِّ بِالْكَسْرِ أَيْ خَبَرَهُ وَالْجَمْعُ طَلَائِعُ.

وَالطَّلْعُ بِالْفَتْحِ مَا يَطْلُعُ مِنْ النَّخْلَةِ ثُمَّ يَصِيرُ ثَمَرًا إنْ كَانَتْ أُنْثَى وَإِنْ كَانَتْ النَّخْلَةُ ذَكَرًا لَمْ يَصِرْ ثَمَرًا بَلْ يُؤْكَلُ طَرِيًّا وَيُتْرَكُ عَلَى النَّخْلَةِ أَيَّامًا مَعْلُومَةً حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَيْءٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الدَّقِيقِ

وَلَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ فَيُلْقَحُ بِهِ الْأُنْثَى وَأَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ بِالْأَلِفِ أَخْرَجَتْ طَلْعَهَا فَهِيَ مُطْلِعٌ وَرُبَّمَا قِيلَ مُطْلِعَةٌ وَأَطْلَعَتْ أَيْضًا طَالَتْ.

المصباح المنير-أبوالعباس الفيومي-توفي: 770هـ/1369م


51-لسان العرب (ربب)

ربب: الرَّبُّ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وَلَهُ الرُّبوبيَّة عَلَى جَمِيعِ الخَلْق، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ المُلوكِ والأَمْلاكِ.

وَلَا يُقَالُ الربُّ فِي غَيرِ اللهِ، إِلّا بالإِضافةِ، قَالَ: وَيُقَالُ الرَّبُّ، بالأَلِف وَاللَّامِ، لغيرِ اللهِ؛ وَقَدْ قَالُوهُ فِي الجاهلية للمَلِكِ؛ قَالَ الْحَرِثُ بْنُ حِلِّزة:

وَهُوَ الرَّبُّ، والشَّهِيدُ عَلى يَوْمِ ***الحِيارَيْنِ، والبَلاءُ بَلاءُ

والاسْم: الرِّبابةُ؛ قَالَ:

يَا هِنْدُ أَسْقاكِ، بِلَا حِسابَهْ، ***سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبابهْ

والرُّبوبِيَّة: كالرِّبابة.

وعِلْمٌ رَبُوبيٌّ: منسوبٌ إِلى الرَّبِّ، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ.

وَحَكَى أَحمد بْنُ يَحْيَى: لَا وَرَبْيِكَ لَا أَفْعَل.

قَالَ: يريدُ لَا وَرَبِّكَ، فأَبْدَلَ الباءَ يَاءً، لأَجْلِ التَّضْعِيفِ.

وربُّ كلِّ شيءٍ: مالِكُه ومُسْتَحِقُّه؛ وَقِيلَ: صاحبُه.

وَيُقَالُ: فلانٌ رَبُّ هَذَا الشيءِ أَي مِلْكُه لَهُ.

وكُلُّ مَنْ مَلَك شَيْئًا، فَهُوَ رَبُّه.

يُقَالُ: هُوَ رَبُّ الدابةِ، وربُّ الدارِ، وفلانٌ رَبُّ البيتِ، وهُنَّ رَبَّاتُ الحِجالِ؛ وَيُقَالُ: رَبٌّ، مُشَدَّد؛ ورَبٌ، مخفَّف؛ وأَنشد الْمُفَضَّلُ:

وَقَدْ عَلِمَ الأَقْوالُ أَنْ ليسَ فوقَه ***رَبٌ، غيرُ مَنْ يُعْطِي الحُظوظَ، ويَرْزُقُ

وَفِي حَدِيثِ أَشراط السَّاعَةِ: «وأَن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّها»، أَو رَبَّتَها.

قَالَ: الرَّبُّ يُطْلَق فِي اللُّغَةِ عَلَى المالكِ، والسَّيِّدِ، والمُدَبِّر، والمُرَبِّي، والقَيِّمِ، والمُنْعِمِ؛ قَالَ: وَلَا يُطلَق غيرَ مُضافٍ إِلّا عَلَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وإِذا أُطْلِق عَلَى غيرِه أُضِيفَ، فقيلَ: ربُّ كَذَا.

قَالَ: وَقَدْ جاءَ فِي الشِّعْر مُطْلَقًا عَلَى غيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ بالكثيرِ، وَلَمْ يُذْكَر فِي غَيْرِ الشِّعْر.

قَالَ: وأَراد بِهِ فِي هَذَا الحديثِ المَوْلَى أَو السيِّد، يَعْنِي أَن الأَمَةَ تَلِدُ لسيِّدها ولَدًا، فَيَكُونُ كالمَوْلى لَهَا، لأَنَّه فِي الحَسَب كأَبيه.

أَراد: أَنَّ السَّبْي يَكْثُر، والنِّعْمة تظْهَر فِي النَّاسِ، فتكثُر السَّراري.

وَفِي حَدِيثِ إِجابةِ المُؤَذِّنِ: «اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدعوةِ»أَي صاحِبَها؛ وَقِيلَ: المتَمِّمَ لَها، والزائدَ فِي أَهلها والعملِ بِهَا، والإِجابة لَهَا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا يَقُل المَمْلوكُ لسَيِّده: ربِّي»؛ كَرِهَ أَن يَجْعَلَ مَالِكَهُ رَبًّا لَهُ، لمُشاركَةِ اللَّهِ فِي الرُّبُوبيةِ؛ فأَما قَوْلُهُ تعالى: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}؛ فإِنه خاطَبَهم عَلَى المُتَعارَفِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى مَا كَانُوا يُسَمُّونَهم بِهِ؛ وَمِنْهُ قولُ السامِرِيّ: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ؛ أي الَّذِي اتَّخَذْتَه إِلهًا.

فأَما الْحَدِيثُ فِي ضالَّةِ الإِبل: حَتَّى يَلْقاها رَبُّها؛ فإِنَّ البَهائم غَيْرُ مُتَعَبَّدةٍ وَلَا مُخاطَبةٍ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الأَمْوالِ الَّتِي تَجوز إِضافةُ مالِكِيها إِليها، وجَعْلُهم أَرْبابًا لَهَا.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «رَبُّ الصُّرَيْمة ورَبُّ الغُنَيْمةِ».

وَفِي حَدِيثِ عروةَ بْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لمَّا أَسْلَم وعادَ إِلى قَوْمِهِ»، دَخل مَنْزِلَهُ، فأَنكر قَومُه دُخُولَه، قبلَ أَن يأْتِيَ الربَّةَ، يَعْنِي اللَّاتَ، وَهِيَ الصخرةُ الَّتِي كَانَتْ تَعْبُدها ثَقِيفٌ بالطائفِ.

وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ ثَقِيفٍ: «كَانَ لَهُمْ بَيْتٌ يُسَمُّونه الرَّبَّةَ»، يُضاهِئُونَ بِهِ بَيْتَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمَّا أَسْلَمُوا هَدَمَه المُغِيرةُ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً}، فادْخُلي في عَبْدي؛ فِيمَنْ قرأَ بِهِ، فَمَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم: ارْجِعِي إِلى صاحِبِك الَّذِي خَرَجْتِ مِنْهُ، فادخُلي فِيهِ؛ والجمعُ أَربابٌ ورُبُوبٌ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: إِن الْعَزِيزَ صاحِبِي أَحْسَنَ مَثْوايَ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ: اللهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ.

والرَّبِيبُ: المَلِكُ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:

فَمَا قاتلُوا عَنْ رَبِّهم ورَبِيبِهم، ***وَلَا آذَنُوا جَارًا، فَيَظْعَنَ سالمَا

أَي مَلِكَهُمْ.

ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبًّا: مَلَكَه.

وطالَتْ مَرَبَّتُهم الناسَ ورِبابَتُهم أَي مَمْلَكَتُهم؛ قَالَ علقمةُ بْنُ عَبَدةَ:

وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِي، ***وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي، فَضِعتُ، رُبوبُ

ويُروى رَبُوب؛ وَعِنْدِي أَنه اسْمٌ لِلْجَمْعِ.

وإِنه لَمَرْبُوبٌ بَيِّنُ الرُّبوبةِ أَي لَمَمْلُوكٌ؛ والعِبادُ مَرْبُوبونَ للهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَي مَمْلُوكونَ.

ورَبَبْتُ القومَ: سُسْتُهم أَي كنتُ فَوْقَهم.

وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: هُوَ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لأَنْ يَرُبَّنِي فُلَانٌ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي فُلَانٌ؛ يَعْنِي أَن يكونَ رَبًّا فَوْقِي، وسَيِّدًا يَمْلِكُنِي؛ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ صَفْوانَ بنِ أُمَيَّةَ، أَنه قَالَ يومَ حُنَيْنٍ، عِنْدَ الجَوْلةِ الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ أَبو سفيانَ: غَلَبَتْ واللهِ هَوازِنُ؛ فأَجابه صفوانُ وَقَالَ: بِفِيكَ الكِثْكِثُ، لأَنْ يَرُبَّنِي رجلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّني رجلٌ مِنْ هَوازِنَ.

ابْنُ الأَنباري: الرَّبُّ يَنْقَسِم عَلَى ثَلَاثَةِ أَقسام: يَكُونُ الرَّبُّ المالِكَ، وَيَكُونُ الرَّبُّ السّيدَ المطاع؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا}، أَي سَيِّدَه؛ وَيَكُونُ الرَّبُّ المُصْلِحَ.

رَبَّ الشيءَ إِذا أَصْلَحَه؛ وأَنشد:

يَرُبُّ الَّذِي يأْتِي منَ العُرْفِ أَنه، ***إِذا سُئِلَ المَعْرُوفَ، زادَ وتَمَّما

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: «لأَن يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي، أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَرُبَّنِي غيرُهم»؛ أي يَكُونُونَ عليَّ أُمَراءَ وَسَادَةً مُتَقَدِّمين، يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ، فإِنهم إِلى ابنِ عباسٍ فِي النَّسَبِ أَقْرَبُ مِنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

يُقَالُ: رَبَّهُ يَرُبُّه أَي كَانَ لَهُ رَبًّا.

وتَرَبَّبَ الرَّجُلَ والأَرضَ: ادَّعَى أَنه رَبُّهما.

والرَّبَّةُ: كَعْبَةٌ كَانَتْ بنَجْرانَ لِمَذْحِج وبني الحَرث بْنِ كَعْب، يُعَظِّمها الناسُ.

ودارٌ رَبَّةٌ: ضَخْمةٌ؛ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

وَفِي كلِّ دارٍ رَبَّةٍ، خَزْرَجِيَّةٍ، ***وأَوْسِيَّةٍ، لِي فِي ذراهُنَّ والِدُ

ورَبَّ ولَدَه والصَّبِيَّ يَرُبُّهُ رَبًّا، ورَبَّبَه تَرْبِيبًا وتَرِبَّةً، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: بِمَعْنَى رَبَّاه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لكَ نِعْمةٌ تَرُبُّها»»؛ أي تَحْفَظُها وتُراعِيها وتُرَبِّيها، كَمَا يُرَبِّي الرَّجُلُ ولدَه؛ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يَزَنَ: «أُسْدٌ تُرَبِّبُ، فِي الغَيْضاتِ، أَشْبالا

أَي تُرَبِّي، وَهُوَ أَبْلَغ مِنْهُ وَمِنْ تَرُبُّ، بِالتَّكْرِيرِ الَّذِي فِيهِ.

وتَرَبَّبَه، وارْتَبَّه، ورَبَّاه تَرْبِيَةً، عَلَى تَحْويلِ التَّضْعيفِ، وتَرَبَّاه، عَلَى تَحْوِيلِ التَّضْعِيفِ أَيضًا: أَحسَنَ القِيامَ عَلَيْهِ، وَوَلِيَه حَتَّى يُفارِقَ الطُّفُولِيَّةَ، كَانَ ابْنَه أَو لَمْ يَكُنْ؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ:

تُرَبِّبُهُ، مِنْ آلِ دُودانَ، شَلّةٌ ***تَرِبَّةَ أُمٍّ، لَا تُضيعُ سِخَالَها

وَزَعَمَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَنَّ رَبِبْتُه لغةٌ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ طِفْل مِنَ الْحَيَوَانِ، غَيْرَ الإِنسان؛ وَكَانَ يُنْشِدُ هَذَا الْبَيْتَ:

كَانَ لَنَا، وهْوَ فُلُوٌّ نِرْبَبُهْ

كَسَرَ حَرْفَ المُضارعةِ ليُعْلَم أَنّ ثَانِيَ الْفِعْلِ الْمَاضِي مَكْسُورٌ، كَمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ فِي هَذَا النَّحْوِ؛ قَالَ: وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ فِي هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْفِعْلِ.

والصَّبِيُّ مَرْبُوبٌ ورَبِيبٌ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ؛ والمَرْبُوب: المُرَبَّى؛ وَقَوْلُ سَلامَة بْنِ جَنْدَلٍ:

لَيْسَ بأَسْفَى، وَلَا أَقْنَى، وَلَا سَغِلٍ، ***يُسْقَى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ، مَرْبُوبِ

يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِمَرْبُوبٍ: الصَّبِيَّ، وأَن يَكُونَ أَراد بِهِ الفَرَس؛ وَيُرْوَى: مربوبُ أَي هُوَ مَرْبُوبٌ.

والأَسْفَى: الخفيفُ الناصِيَةِ؛ والأَقْنَى: الَّذِي فِي أَنفِه احْديدابٌ؛ والسَّغِلُ: المُضْطَرِبُ الخَلْقِ؛ والسَّكْنُ: أَهلُ الدَّارِ؛ والقَفِيُّ والقَفِيَّةُ: مَا يُؤْثَرُ بِهِ الضَّيْفُ والصَّبِيُّ؛ وَمَرْبُوبٌ مِنْ صِفَةِ حَتٍّ فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:

مِنْ كلِّ حَتٍّ، إِذا مَا ابْتَلَّ مُلْبَدهُ، ***صافِي الأَديمِ، أَسِيلِ الخَدِّ، يَعْبُوب

الحَتُّ: السَّريعُ.

واليَعْبُوب: الفرسُ الكريمُ، وَهُوَ الواسعُ الجَرْي.

وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحيى للقَوْمِ الَّذِينَ اسْتُرْضِعَ فِيهِمُ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِبَّاءُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأَنه جمعُ رَبِيبٍ، فَعِيلٍ بِمَعْنَى

فَاعِلٍ؛ وقولُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ:

ولأَنْتِ أَحسنُ، إِذْ بَرَزْتِ لَنَا ***يَوْمَ الخُروجِ، بِساحَةِ القَصْرِ،

مِن دُرَّةٍ بَيْضاءَ، صافيةٍ، ***مِمَّا تَرَبَّب حائرُ البحرِ

يَعْنِي الدُّرَّةَ الَّتِي يُرَبِّيها الصَّدَفُ فِي قَعْرِ الماءِ.

والحائرُ: مُجْتَمَعُ الماءِ، ورُفع لأَنه فَاعِلُ تَرَبَّبَ، والهاءُ العائدةُ عَلَى مِمَّا محذوفةٌ، تَقْدِيرُهُ مِمَّا تَرَبَّبه حائرُ البحرِ.

يُقَالُ: رَبَّبَه وتَرَبَّبَه بِمَعْنًى: والرَّبَبُ: مَا رَبَّبَه الطّينُ، عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد: فِي رَبَبِ الطِّينِ وَمَاءٍ حائِر والرَّبِيبةُ: واحِدةُ الرَّبائِب مِنَ الْغَنَمِ الَّتِي يُرَبّيها الناسُ فِي البُيوتِ لأَلبانها.

وغَنمٌ ربائِبُ: تُرْبَطُ قَريبًا مِن البُيُوتِ، وتُعْلَفُ لَا تُسامُ، وَهِيَ الَّتِي ذَكَر إبراهيمُ النَّخْعِي أَنه لَا صَدَقةَ فِيهَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير فِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: «لَيْسَ فِي الرَّبائبِ صَدَقةٌ».

الرَّبائبُ: الغَنَمُ الَّتِي تكونُ فِي البَيْتِ، وَلَيْسَتْ بِسائمةٍ، وَاحِدَتُهَا رَبِيبَةٌ، بِمَعْنَى مَرْبُوبَةٍ، لأَن صاحِبَها يَرُبُّها.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ لَنَا جِيرانٌ مِن الأَنصار لَهُمْ رَبائِبُ»، وَكَانُوا يَبْعَثُونَ إِلينا مِن أَلبانِها.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: «لَا تَأْخُذِ الأَكُولَة، وَلَا الرُّبَّى، وَلَا الماخضَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ الَّتِي تُرَبَّى فِي الْبَيْتِ مِنَ الْغَنَمِ لأَجْل اللَّبن؛ وَقِيلَ هِيَ الشاةُ القَريبةُ العَهْدِ بالوِلادة، وَجَمْعُهَا رُبابٌ، بِالضَّمِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيضًا:

مَا بَقِيَ فِي غَنَمِي إِلّا فَحْلٌ، أَو شاةٌ رُبَّى.

والسَّحَابُ يَرُبُّ المَطَر أَي يَجْمَعُه ويُنَمِّيهِ.

والرَّبابُ، بِالْفَتْحِ: سَحابٌ أَبيضُ؛ وَقِيلَ: هُوَ السَّحابُ، واحِدَتُه رَبابةٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ السَّحابُ المُتَعَلِّقُ الَّذِي تَرَاهُ كأَنه دُونَ السَّحاب.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ المَعْرُوفُ، وَقَدْ يَكُونُ أَبيضَ، وَقَدْ يَكُونُ أَسْودَ.

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنه نَظَرَ فِي الليلةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ إِلى قَصْرٍ مِثْلِ الرَّبابةِ البَيْضاء».

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الرَّبابةُ، بِالْفَتْحِ: السَّحابةُ الَّتِي قَدْ رَكِبَ بعضُها بَعْضًا، وَجَمْعُهَا رَبابٌ، وَبِهَا سُمِّيَتِ المَرْأَةُ الرَّبابَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

سَقَى دارَ هِنْدٍ، حَيْثُ حَلَّ بِها النَّوَى، ***مُسِفُّ الذُّرَى، دَانِي الرَّبابِ، ثَخِينُ

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رضي اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَحْدَقَ بِكُم رَبابه».

قَالَ الأَصمعي: أَحسنُ بَيْتٍ، قَالَتْهُ الْعَرَبُ فِي وَصْفِ الرَّبابِ، قولُ عبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّان، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الأَصمعي فِي نِسْبَةِ الْبَيْتِ إِليه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ورأَيت مَنْ يَنْسُبُه لعُروة بنَ جَلْهَمَةَ المازِنيّ:

إِذا اللهُ لَمْ يُسْقِ إِلّا الكِرام، ***فَأَسْقَى وُجُوهَ بَنِي حَنْبَلِ

أَجَشَّ مُلِثًّا، غَزيرَ السَّحاب، ***هَزيزَ الصَلاصِلِ والأَزْمَلِ

تُكَرْكِرُه خَضْخَضاتُ الجَنُوب، ***وتُفْرِغُه هَزَّةُ الشَّمْأَلِ

كأَنَّ الرَّبابَ، دُوَيْنَ السَّحاب، ***نَعامٌ تَعَلَّقَ بالأَرْجُلِ

وَالْمَطَرُ يَرُبُّ النباتَ والثَّرى ويُنَمِّيهِ.

والمَرَبُّ:

الأَرضُ الَّتِي لَا يَزالُ بِهَا ثَرًى؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

خَناطِيلُ يَسْتَقْرِينَ كلَّ قرارَةٍ، ***مَرَبٍّ، نَفَتْ عَنْهَا الغُثاءَ الرّوائسُ

وَهِيَ المَرَبَّة والمِرْبابُ.

وَقِيلَ: المِرْبابُ مِنَ الأَرضِين الَّتِي كَثُرَ نَبْتُها ونَأْمَتُها، وكلُّ ذَلِكَ مِنَ الجَمْعِ.

والمَرَبُّ: المَحَلُّ، ومكانُ الإِقامةِ والاجتماعِ.

والتَّرَبُّبُ: الاجْتِماعُ.

ومَكانٌ مَرَبٌّ، بِالْفَتْحِ: مَجْمَعٌ يَجْمَعُ الناسَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

بأَوَّلَ مَا هاجَتْ لكَ الشَّوْقَ دِمْنةٌ، ***بِأَجرَعَ مِحْلالٍ، مَرَبٍّ، مُحَلَّلِ

قَالَ: وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ للرّبابِ: رِبابٌ، لأَنهم تَجَمَّعوا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سُمُّوا رَبَابًا، لأَنهم جاؤُوا برُبٍّ، فأَكلوا مِنْهُ، وغَمَسُوا فِيهِ أَيدِيَهُم، وتَحالفُوا عَلَيْهِ، وَهُمْ: تَيْمٌ، وعَدِيٌّ، وعُكْلٌ.

والرِّبابُ: أَحْياء ضَبّةَ، سُمُّوا بِذَلِكَ لتَفَرُّقِهم، لأَنَّ الرُّبَّة الفِرقةُ، وَلِذَلِكَ إِذا نَسَبْتَ إِلى الرِّباب قُلْتَ: رُبِّيٌّ، بِالضَّمِّ، فَرُدَّ إِلى وَاحِدِهِ وَهُوَ رُبَّةٌ، لأَنك إِذا نَسَبْتَ الشيءَ إِلى الْجَمْعِ رَدَدْتَه إِلى الْوَاحِدِ، كَمَا تَقُولُ فِي المساجِد: مَسْجِدِيٌّ، إِلا أَن تَكُونَ سَمَّيْتَ بِهِ رَجُلًا، فَلَا تَرُدَّه إِلى الْوَاحِدِ، كَمَا تَقُولُ فِي أَنْمارٍ: أَنْمارِيٌّ، وَفِي كِلابٍ: كِلابِيٌّ.

قَالَ: هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ، وأَما أَبو عُبَيْدَةَ فإِنه قَالَ: سُمُّوا بِذَلِكَ لتَرابِّهِم أَي تَعاهُدِهِم؛ قَالَ الأَصمعي: سُمُّوا بِذَلِكَ لأَنهم أَدخلوا أَيديهم فِي رُبٍّ، وتَعاقَدُوا، وتَحالَفُوا عَلَيْهِ.

وَقَالَ ثَعْلَبٌ: سُموا رِبابًا، بِكَسْرِ الراءِ، لأَنهم تَرَبَّبُوا أَي تَجَمَّعوا رِبَّةً رِبَّةً، وَهُمْ خَمسُ قَبائلَ تَجَمَّعوا فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً؛ ضَبَّةُ، وثَوْرٌ، وعُكْل، وتَيْمٌ، وعَدِيٌّ.

وَفُلَانٌ مَرَبٌّ أَي مَجْمعٌ يَرُبُّ الناسَ ويَجْمَعُهم.

ومَرَبّ الإِبل: حَيْثُ لَزِمَتْه.

وأَرَبَّت الإِبلُ بِمَكَانِ كَذَا: لَزِمَتْه وأَقامَتْ بِهِ، فَهِيَ إِبِلٌ مَرابُّ، لَوازِمُ.

ورَبَّ بِالْمَكَانِ، وأَرَبَّ: لَزِمَه؛ قَالَ:

رَبَّ بأَرضٍ لَا تَخَطَّاها الحُمُرْ وأَرَبَّ فُلَانٌ بِالْمَكَانِ، وأَلَبَّ، إِرْبابًا، وإِلبابًا إِذا أقامَ بِهِ، فَلَمْ يَبْرَحْه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إِني أَعُوذُ بِكَ مِنْ غِنًى مُبْطِرٍ، وفَقْرٍ مُرِبٍّ».

وَقَالَ ابْنُ الأَثير: أَو قَالَ: مُلِبٍّ، أَي لازِمٍ غَيْرِ مُفارِقٍ، مِن أَرَبَّ بالمكانِ وأَلَبَّ إِذا أَقامَ بِهِ ولَزِمَه؛ وَكُلُّ لازِمِ شيءٍ مُرِبٌّ.

وأَرَبَّتِ الجَنُوبُ: دامَت.

وأَرَبَّتِ السَّحابةُ: دامَ مَطَرُها.

وأَرَبَّتِ الناقةُ أَي لَزِمَت الفحلَ وأَحَبَّتْه.

وأَرَبَّتِ الناقةُ بِوَلَدِهَا: لَزِمَتْه وأَحَبَّتْه؛ وَهِيَ مُرِبٌّ كَذَلِكَ، هَذِهِ رِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ عَنْ أَبي زَيْدٍ.

ورَوْضاتُ بَنِي عُقَيْلٍ يُسَمَّيْن: الرِّبابَ.

والرِّبِّيُّ والرَّبَّانِيُّ: الحَبْرُ، ورَبُّ العِلْم، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يَعْبُد الرَّبَّ، زِيدت الأَلف وَالنُّونُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّسَبِ.

وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: زَادُوا أَلفًا وَنُونًا فِي الرَّبَّاني إِذا أَرادوا تَخْصِيصًا بعِلْم الرَّبِّ دُونَ غَيْرِهِ، كأَن مَعْنَاهُ: صاحِبُ عِلْمٍ بالرَّبِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ العُلوم؛ وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ شَعْرانِيٌّ، ولِحْيانِيٌّ، ورَقَبانِيٌّ إِذا خُصَّ بِكَثْرَةِ الشَّعْرِ، وَطُولِ اللِّحْيَة، وغِلَظِ الرَّقبةِ؛ فإِذا نَسَبُوا إِلى الشَّعر، قَالُوا: شَعْرِيٌّ، وإِلى الرَّقبةِ قَالُوا: رَقَبِيٌّ، وإِلى اللِّحْيةِ: لِحْيِيٌّ.

والرَّبِّيُّ: مَنْسُوبٌ إِلى الرَّبِّ.

والرَّبَّانِيُّ: الْمَوْصُوفُ بِعِلْمِ الرَّبِّ.

ابْنُ الأَعرابي: الرَّبَّانِيُّ الْعَالِمُ المُعَلِّم، الَّذِي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ الْعِلْمِ قبلَ كِبارها.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ لَمّا ماتَ عبدُ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: اليومَ ماتَ رَبّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّة.

ورُوي عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: الناسُ ثلاثةٌ: عالِمٌ ربَّانيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبيلِ نَجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتباعُ كلِّ نَاعِقٍ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلى الرَّبِّ، بِزِيَادَةِ الأَلف وَالنُّونِ لِلْمُبَالَغَةِ؛ قَالَ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الرَّبِّ، بِمَعْنَى التربيةِ، كَانُوا يُرَبُّونَ المُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها.

والرَّبَّانِيُّ: الْعَالِمُ الرَّاسِخُ فِي العِلم وَالدِّينِ، أَو الَّذِي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللهِ، وَقِيلَ: العالِم، العامِلُ، المُعَلِّمُ؛ وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّ: الْعَالِي الدَّرجةِ فِي العِلمِ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا عَالِمًا بالكُتب يَقُولُ: الرَّبَّانِيُّون العُلَماءُ بالحَلال والحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي.

قَالَ: والأَحبارُ أَهلُ الْمَعْرِفَةِ بأَنْباءِ الأُمَم، وَبِمَا كَانَ وَيَكُونُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَحْسَب الكلمَة لَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ، إِنما هِيَ عِبْرانية أَو سُرْيانية؛ وَذَلِكَ أَن أَبا عُبَيْدَةَ زَعَمَ أَن الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الرَّبَّانِيّين؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما عَرَفَها الْفُقَهَاءُ وأَهل الْعِلْمِ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ لِرَئِيسِ المَلَّاحِينَ رُبَّانِيٌّ؛ وأَنشد:

صَعْلٌ مِنَ السَّامِ ورُبَّانيُ ورُوي عَنْ زِرِّ بْنِ عبدِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ تعالى: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}، قَالَ: حُكَماءَ عُلَماءَ.

غَيْرُهُ: الرَّبَّانيُّ المُتَأَلِّه، العارِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ وَفِي التَّنْزِيلِ: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ}.

والرُّبَّى، عَلَى فُعْلى، بِالضَّمِّ: الشَّاةُ الَّتِي وضعَت حَدِيثًا، وَقِيلَ: هِيَ الشَّاةُ إِذا وَلَدَتْ، وإِن ماتَ ولدُها فَهِيَ أَيضًا رُبَّى، بَيِّنةُ الرِّبابِ؛ وَقِيلَ: رِبابُها مَا بَيْنها وَبَيْنَ عِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ وِلادتِها، وَقِيلَ: شَهْرَيْنِ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الْحَدِيثَةُ النِّتاج، مِن غَيْرِ أَنْ يَحُدَّ وَقْتًا؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَتْبَعُها ولدُها؛ وَقِيلَ: الرُبَّى مِنَ المَعز، والرَّغُوثُ مِنَ الضأْن، وَالْجَمْعُ رُبابٌ، بِالضَّمِّ، نَادِرٌ.

تَقُولُ: أَعْنُزٌ رُبابٌ، وَالْمَصْدَرُ رِبابٌ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ قُرْبُ العَهْد بِالْوِلَادَةِ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: الرُّبَّى مِنَ الْمَعَزِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنَ الْمَعَزِ والضأْن جَمِيعًا، وَرُبَّمَا جاءَ فِي الإِبل أَيضًا.

قَالَ الأَصمعي: أَنشدنا مُنْتَجع ابن نَبْهانَ:

حَنِينَ أُمِّ البَوِّ فِي رِبابِها قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالُوا رُبَّى ورُبابٌ، حَذَفُوا أَلِف التأْنيث وبَنَوْه عَلَى هَذَا البناءِ، كَمَا أَلقوا الهاءَ مِنْ جَفْرة، فَقَالُوا جِفارٌ، إِلَّا أَنهم ضَمُّوا أَوَّل هَذَا، كَمَا قَالُوا ظِئْرٌ وظُؤَارٌ، ورِخْلٌ ورُخالٌ.

وَفِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ: «أَنَّ الشاةَ تُحْلَبُ فِي رِبابِها».

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: غَنَمٌ رِبابٌ، قَالَ: وَهِيَ قَلِيلَةٌ.

وَقَالَ: رَبَّتِ الشاةُ تَرُبُّ رَبًّا إِذا وَضَعَتْ، وَقِيلَ: إِذا عَلِقَتْ، وَقِيلَ: لَا فِعْلَ للرُّبَّى.

والمرأَةُ تَرْتَبُّ الشعَر بالدُّهْن؛ قَالَ الأَعشى:

حُرَّةٌ، طَفْلَةُ الأَنامِل، تَرْتَبُّ ***سُخامًا، تَكُفُّه بخِلالِ

وكلُّ هَذَا من الإِصْلاحِ والجَمْع.

والرَّبِيبةُ: الحاضِنةُ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: لأَنها تُصْلِحُ الشيءَ، وتَقُوم بِهِ، وتَجْمَعُه.

وَفِي حَدِيثِ المُغِيرة: «حَمْلُها رِبابٌ».

رِبابُ المرأَةِ: حِدْثانُ وِلادَتِها، وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ أَن تَضَعَ إِلى أَن يأْتي عَلَيْهَا شَهْرَانِ، وَقِيلَ: عِشْرُونَ يَوْمًا يُرِيدُ أَنها تَحْمِلُ بَعْدَ أَن تَلِد بِيَسِيرٍ، وَذَلِكَ مَذْمُوم فِي النساءِ، وإِنما يُحْمَد أَن لَا تَحْمِل بَعْدَ الْوَضْعِ، حَتَّى يَتِمَّ رَضاعُ وَلَدِهَا.

والرَّبُوبُ والرَّبِيبُ: ابْنُ امرأَةِ الرَّجُلِ مِن غَيْرِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى مَرْبُوب.

وَيُقَالُ للرَّجل نَفْسِه: رابٌّ.

قَالَ مَعْنُ بْنُ أَوْس، يَذْكُرُ امرأَته، وذكَرَ أَرْضًا لَهَا:

فإِنَّ بِهَا جارَيْنِ لَنْ يَغْدِرا بِهَا: ***رَبِيبَ النَّبيِّ، وابنَ خَيْرِ الخَلائفِ

يَعْنِي عُمَرَ بْنَ أَبي سَلَمة، وَهُوَ ابنُ أُمِّ سَلَمةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعاصِمَ بن عمر ابن الخَطَّاب، وأَبوه أَبو سَلَمَة، وَهُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ والأُنثى رَبِيبةٌ.

الأَزهري: رَبِيبةُ الرَّجُلِ بنتُ امرأَتِه مِنْ غَيْرِهِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «إِنما الشَّرْطُ فِي الرَّبائبِ»؛ يُرِيدُ بَناتِ الزَّوْجاتِ مِنْ غَيْرِ أَزواجِهن الَّذِينَ مَعَهُنَّ.

قَالَ: والرَّبِيبُ أَيضًا، يُقَالُ لِزَوْجِ الأُم لَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ.

وَيُقَالُ لامرأَةِ الرَّجُلُ إِذا كَانَ لَهُ ولدٌ مِنْ غَيْرِهَا: رَبيبةٌ، وَذَلِكَ مَعْنَى رابَّةٍ ورابٍّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الرَّابُّ كافِلٌ»؛ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ اليَتيم، وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، مِن رَبَّه يَرُبُّه أَي إِنه يَكْفُل بأَمْرِه.

وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: «كَانَ يَكْرَهُ أَن يتزوَّج الرجلُ امرأَةَ رابِّه»، يَعْنِي امرأَة زَوْج أُمِّه، لأَنه كَانَ يُرَبِّيه.

غَيْرُهُ: والرَّبيبُ والرَّابُّ زوجُ الأُم.

قَالَ أَبو الْحَسَنِ الرُّمَّانِيُّ: هُوَ كالشَّهِيدِ، والشاهِد، والخَبِير، والخابِرِ.

والرَّابَّةُ: امرأَةُ الأَبِ.

وَرَبَّ المعروفَ والصَّنِيعةَ والنِّعْمةَ يَرُبُّها رَبًّا ورِبابًا ورِبابةً، حَكَاهُمَا اللِّحْيَانِيُّ، ورَبَّبها: نَمَّاها، وزادَها، وأَتَمَّها، وأَصْلَحَها.

ورَبَبْتُ قَرابَتَهُ: كَذَلِكَ.

أَبو عَمْرٍو: رَبْرَبَ الرجلُ، إِذا رَبَّى يَتيمًا.

وَرَبَبْتُ الأَمْرَ، أَرُبُّهُ رَبًّا ورِبابةً: أَصْلَحْتُه ومَتَّنْتُه.

ورَبَبْتُ الدُّهْنَ: طَيَّبْتُه وأَجدتُه؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: رَبَبْتُ الدُّهْنَ: غَذَوْتُه بالياسَمينِ أَو بَعْضِ الرَّياحِينِ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ فِيهِ رَبَّبْتُه.

ودُهْنٌ مُرَبَّبٌ إِذا رُبِّبَ الحَبَّ الَّذِي اتُّخِذَ مِنْهُ بالطِّيبِ.

والرُّبُّ: الطِّلاءُ الخاثِر؛ وَقِيلَ: هُوَ دبْسُ كُلِّ ثَمَرَة، وَهُوَ سُلافةُ خُثارَتِها بَعْدَ الِاعْتِصَارِ والطَّبْخِ؛ وَالْجَمْعُ الرُّبُوبُ والرِّبابُ؛ وَمِنْهُ: سقاءٌ مَرْبُوبٌ إِذا رَبَبْتَه أَي جَعَلْتَ فِيهِ الرُّبَّ، وأَصْلَحتَه بِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: رُبُّ السَّمْنِ والزَّيْتِ: ثُفْلُه الأَسود؛ وأَنشد:

كَشائطِ الرُّبِّ عليهِ الأَشْكَلِ

وارْتُبَّ العِنَبُ إِذا طُبِخَ حَتَّى يَكُونَ رُبًّا يُؤْتَدَمُ بِهِ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: وَرَبَبْتُ الزِّقَّ بالرُّبِّ، والحُبَّ بالقِير والقارِ، أَرُبُّه رَبًّا ورُبًّا، ورَبَّبْتُه: متَّنْتُه؛ وَقِيلَ: رَبَبْتُه دَهَنْتُه وأَصْلَحْتُه.

قَالَ عَمْرُو بْنُ شأْس يُخاطِبُ امرأَته، وَكَانَتْ تُؤْذِي ابْنَهُ عِرارًا:

فَإِنَّ عِرارًا، إِن يَكُنْ غيرَ واضِحٍ، ***فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ، ذَا المَنْكِبِ العَمَمْ

فإِن كنتِ مِنِّي، أَو تُريدينَ صُحْبَتي، ***فَكُوني لَهُ كالسَّمْنِ، رُبَّ لَهُ الأَدَمْ

أَرادَ بالأَدَم: النِّحْي.

يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: كُوني لوَلدي عِرارًا كَسَمْنٍ رُبَّ أَديمُه أَي طُلِيَ برُبِّ التَّمْرِ، لأَنَّ النِّحْي، إِذا أُصْلِحَ بالرُّبِّ، طابَتْ رائحتُه، ومَنَعَ السمنَ مِن غَيْرِ أَن يفْسُد طَعْمُه أَو رِيحُه.

يُقَالُ: رَبَّ فُلَانٌ نِحْيه يَرُبُّه رَبًّا إِذا جَعل فِيهِ الرُّبَّ ومَتَّنه بِهِ، وَهُوَ نِحْيٌ مَرْبُوب؛ وَقَوْلُهُ:

سِلاءَها فِي أَديمٍ، غيرِ مَرْبُوبِ

أَي غَيْرِ مُصْلَحٍ.

وَفِي صِفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كأَنَّ عَلَى صَلَعَتِهِ الرُّبَّ مِنْ مسْكٍ أَو عَنْبرٍ.

الرُّبُّ: مَا يُطْبَخُ مِنَ التَّمْرِ، وَهُوَ الدِّبْسُ أَيضًا.

وإِذا وُصِفَ الإِنسانُ بحُسْنِ الخُلُق، قِيلَ: هُوَ السَّمْنُ لَا يَخُمُّ.

والمُربَّبَاتُ: الأَنْبِجاتُ، وَهِيَ المَعْمُولاتُ بالرُّبِّ، كالمُعَسَّلِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِالْعَسَلِ؛ وَكَذَلِكَ المُرَبَّياتُ، إِلا أَنها مِنَ التَّرْبيةِ، يُقَالُ: زَنْجَبِيلٌ مُرَبًّى ومُرَبَّبٌ.

والإِربابُ: الدُّنوُّ مِن كُلِّ شيءٍ.

والرِّبابةُ، بِالْكَسْرِ، جماعةُ السِّهَامِ؛ وَقِيلَ: خَيْطٌ تُشَدُّ بِهِ السهامُ؛ وَقِيلَ: خِرْقةٌ تُشَدُّ فِيهَا؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ السُّلْفةُ الَّتِي تُجْعَلُ فِيهَا القِداحُ، شَبِيهَةٌ بالكِنانة، يَكُونُ فِيهَا السِّهَامُ؛ وَقِيلَ هِيَ شَبِيهَةٌ بالكنانةِ، يُجْمَعُ فِيهَا سهامُ المَيْسرِ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب يَصِفُ الْحِمَارَ وأُتُنَه:

وكأَنهنَّ رِبابةٌ، وكأَنه ***يَسَرٌ، يُفِيضُ عَلَى القِداح، ويَصْدَعُ

والرِّبابةُ: الجِلدةُ الَّتِي تُجْمع فِيهَا السِّهامُ؛ وَقِيلَ: الرِّبابةُ: سُلْفَةٌ يُعْصَبُ بِهَا عَلَى يَدِ الرَّجُل الحُرْضَةِ، وَهُوَ الَّذِي تُدْفَعُ إِليه الأَيسارُ للقِداح؛ وإِنما يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِكَي لَا يَجِدَ مَسَّ قِدْحٍ يَكُونُ لَهُ فِي صاحِبِه هَوًى.

والرِّبابةُ والرِّبابُ: العَهْدُ والمِيثاقُ؛ قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدةَ:

وكنتُ امْرَأً أَفْضَتْ إِليكَ رِبابَتِي، ***وقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ، رُبُوبُ

وَمِنْهُ قِيلَ للعُشُور: رِبابٌ.

والرَّبِيبُ: المُعاهَدُ؛ وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ إمرِئِ الْقَيْسِ:

فَمَا قاتَلوا عَنْ رَبِّهِم ورَبِيبِهِمْ وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: أَرِبَّةٌ جَمْعُ رِبابٍ، وَهُوَ العَهْدُ.

قَالَ أَبو ذؤَيب يَذْكُرُ خَمْرًا:

تَوَصَّلُ بالرُّكْبانِ، حِينًا، وتُؤْلِفُ ***الجِوارَ، ويُعْطِيها الأَمانَ رِبابُها

قَوْلُهُ: تُؤْلِفُ الجِوار أَي تُجاوِرُ فِي مَكانَيْنِ.

والرِّبابُ: العَهْدُ الَّذِي يأْخُذه صاحِبُها مِنَ النَّاسِ لإِجارتِها.

وجَمْعُ الرَّبِّ رِبابٌ.

وَقَالَ شَمِرٌ: الرِّبابُ فِي بَيْتِ أَبي ذؤَيب جَمْعُ رَبٍّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقُولُ: إِذا أَجار المُجِيرُ هَذِهِ الخَمْر أَعْطَى صاحِبَها قِدْحًا ليَعْلَموا أَنه قَدْ أُجِيرَ، فَلَا يُتَعَرَّض لَهَا؛ كأَنه ذُهِبَ بالرِّبابِ إِلى رِبابةِ سِهامِ المَيْسِر.

والأَرِبَّةُ: أَهلُ المِيثاق.

قَالَ أَبو ذُؤَيب:

كَانَتْ أَرِبَّتَهم بَهْزٌ، وغَرَّهُمُ ***عَقْدُ الجِوار، وَكَانُوا مَعْشَرًا غُدُرا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: يَكُونُ التَّقْدِيرُ ذَوِي أَرِبَّتِهِم؛ وبَهْزٌ: حَيٌّ مِنْ سُلَيْم؛ والرِّباب: العُشُورُ؛ وأَنشد بَيْتَ أَبي ذؤَيب:

وَيُعْطِيهَا الأَمان رِبَابُهَا

وَقِيلَ: رِبابُها أَصحابُها.

والرُّبَّةُ: الفِرْقةُ مِنَ النَّاسِ، قِيلَ: هِيَ عَشَرَةُ آلافٍ أَو نَحْوُهَا، وَالْجَمْعُ رِبابٌ.

وَقَالَ يُونُسُ: رَبَّةٌ ورِبابٌ، كَجَفْرَةٍ وجِفار، والرَّبَّةُ كالرُّبَّةِ؛ والرِّبِّيُّ وَاحِدُ الرِّبِّيِّين: وَهُمُ الأُلُوف مِنَ النَّاسِ، والأَرِبَّةُ مِن الجَماعاتِ: وَاحِدَتُهَا رَبَّةٌ.

وَفِي التنزيلِ الْعَزِيزِ: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ؛ قَالَ الفراءُ: الرِّبِّيُّونَ الأُلوف.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ أَحمد بْنُ يَحْيَى: قَالَ الأَخفش: الرِّبيون مَنْسُوبُونَ إِلى الرَّبِّ.

قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: يَنْبَغِي أَن تُفْتَحَ الراءُ، عَلَى قَوْلِهِ، قَالَ: وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْفَرَّاءِ مِنَ الرَّبَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: رِبِّيُّون، بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ.

وَقِيلَ: الرِّبِّيُّونَ الْعُلَمَاءُ الأَتقياءُ الصُّبُر؛ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ جميلٌ.

وَقَالَ أَبو طَالِبٍ: الرِّبِّيُّونَ الْجَمَاعَاتُ الْكَثِيرَةُ، الْوَاحِدَةُ رِبِّيٌّ.

والرَّبَّانيُّ: الْعَالِمُ، وَالْجَمَاعَةُ الرَّبَّانِيُّون.

وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الرَّبَّانِيُّون الأُلوفُ، والرَّبَّانِيُّون: العلماءُ.

قرأَ الْحَسَنُ: رُبِّيُّون، بِضَمِّ الرَّاءِ.

وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَبِّيُّون، بِفَتْحِ الراءِ.

والرَّبَبُ: الماءُ الْكَثِيرُ الْمُجْتَمِعُ، بِفَتْحِ الراءِ والباءِ، وَقِيلَ: العَذْب؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

والبُرَّةَ السَمْراء والماءَ الرَّبَبْ

وأَخَذَ الشيءَ بِرُبَّانه ورَبَّانِه أَي بأَوَّله؛ وَقِيلَ: برُبَّانِه: بجَمِيعِه وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا.

وَيُقَالُ: افْعَلْ ذَلِكَ الأَمْرَ بِرُبَّانه أَي بِحِدْثانِه وطَراءَتِه وجِدَّتِه؛ وَمِنْهُ قِيلَ: شاةٌ رُبَّى.

ورُبَّانُ الشَّبابِ: أَوَّله؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

وإِنَّما العَيْشُ بِرُبَّانِه، ***وأَنْتَ، مِنْ أَفنانِه، مُفْتَقِر

ويُروى: مُعْتَصِر؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

خَلِيلُ خَوْدٍ، غَرَّها شَبابُه، ***أَعْجَبَها، إِذْ كَبِرَتْ، رِبابُه

أَبو عَمْرٍو: الرُّبَّى أَوَّلُ الشَّبابِ؛ يُقَالُ: أَتيته فِي رُبَّى شَبابِه، ورُبابِ شَبابِه، ورِبابِ شَبابِه، ورِبَّان شَبابه.

أَبو عُبَيْدٍ: الرُّبَّانُ مِنْ كُلِّ شيءٍ حِدْثانُه؛ ورُبّانُ الكَوْكَب: مُعْظَمُه.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الرَّبَّانُ، بِفَتْحِ الراءِ: الجماعةُ؛ وَقَالَ الأَصمعي: بِضَمِّ الراءِ.

وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبة: الرُّبَّةُ الخَير اللَّازِمُ، بِمَنْزِلَةِ الرُّبِّ الَّذِي يَلِيقُ فَلَا يَكَادُ يَذْهَبُ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُك رُبَّةَ عَيْشٍ مُبارَكٍ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا رُبَّةُ عَيْشٍ؟ قَالَ: طَثْرَتَهُ وكَثْرَتُه.

وَقَالُوا: ذَرْهُ بِرُبَّان؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

فَذَرْهُمْ بِرُبّانٍ، وإِلّا تَذَرْهُمُ ***يُذيقُوكَ مَا فِيهِمْ، وإِن كَانَ أَكثرا

قَالَ وَقَالُوا فِي مَثَلٍ: إِن كنتَ بِي تَشُدُّ ظَهْرَك، فأَرْخِ، بِرُبَّانٍ، أَزْرَكَ.

وَفِي التَّهْذِيبِ: إِن كنتَ بِي تشدُّ ظَهْرَكَ فأَرْخِ، مِن رُبَّى، أَزْرَكَ.

يَقُولُ: إِن عَوّلْتَ عَليَّ فَدَعْني أَتْعَبْ، واسْتَرْخِ أَنتَ واسْتَرِحْ.

ورُبَّانُ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ: اسْمُ رَجُلٍ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه سُمي بِذَلِكَ.

والرُّبَّى: الحاجةُ، يُقَالُ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ رُبَّى.

والرُّبَّى: الرَّابَّةُ.

والرُّبَّى: العُقْدةُ المُحْكَمةُ.

والرُّبَّى: النِّعْمةُ والإِحسانُ.

والرِّبَّةُ، بالكسرِ: نِبْتةٌ صَيْفِيَّةٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ كُلُّ مَا اخْضَرَّ، فِي القَيْظِ، مِن جَمِيعِ ضُروب النَّبَاتِ؛ وَقِيلَ: هُوَ ضُروب مِنَ الشَّجَرِ أَو النَّبْتِ فَلَمْ يُحَدَّ، وَالْجَمْعُ الرِّبَبُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ، يَصِفُ الثَّوْرَ الْوَحْشِيَّ:

أَمْسَى، بِوَهْبِينَ، مُجْتازًا لِمَرْتَعِه، ***مِن ذِي الفَوارِسِ، يَدْعُو أَنْفَه الرِّبَبُ

والرِّبَّةُ: شَجَرَةٌ؛ وَقِيلَ: إِنها شَجَرَةُ الخَرْنُوب.

التَّهْذِيبُ: الرِّبَّةُ بَقْلَةٌ ناعمةٌ، وَجَمْعُهَا رِبَبٌ.

وَقَالَ: الرِّبَّةُ اسْمٌ لِعدَّةٍ مِنَ النَّبَاتِ، لَا تَهِيج فِي الصَّيْفِ، تَبْقَى خُضْرَتُها شِتَاءً وصَيْفًا؛ وَمِنْهَا: الحُلَّبُ، والرُّخَامَى، والمَكْرُ، والعَلْقى، يُقَالُ لَهَا كُلِّهَا: رِبَّةٌ.

التَّهْذِيبُ: قَالَ النَّحْوِيُّونَ: رُبَّ مِن حُرُوفِ المَعاني، والفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ كَمْ، أَنَّ رُبَّ لِلتَّقْلِيلِ، وكَمْ وُضِعت لِلتَّكْثِيرِ، إِذا لَمْ يُرَدْ بِهَا الاسْتِفهام؛ وَكِلَاهُمَا يَقَعُ عَلَى النَّكِرات، فيَخْفِضُها.

قَالَ أَبو حَاتِمٍ: مِنْ الخطإِ قَوْلُ الْعَامَّةِ: رُبَّما رأَيتُه كَثِيرًا، ورُبَّما إِنما وُضِعَت لِلتَّقْلِيلِ.

غَيْرُهُ: ورُبَّ ورَبَّ: كَلِمَةُ تَقْلِيلٍ يُجَرُّ بِهَا، فَيُقَالُ: رُبَّ رجلٍ قَائِمٍ، ورَبَّ رجُلٍ؛ وَتَدْخُلُ عَلَيْهِ التَّاءُ، فَيُقَالُ: رُبَّتَ رجل، ورَبَّتَ رجل.

الْجَوْهَرِيُّ: ورُبَّ حرفٌ خَافِضٌ، لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى النَّكِرَةِ، يشدَّد وَيُخَفَّفُ، وَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ التَّاءُ، فَيُقَالُ: رُبَّ رَجُلٍ، ورُبَّتَ رَجُلٍ، وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ مَا، ليُمْكِن أَن يُتَكَلَّم بِالْفِعْلِ بَعْدَهُ، فَيُقَالُ: رُبما.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ رَبَّما، بالفتح، وكذلك رُبَّتَما ورَبَّتَما، ورُبَتَما وَرَبَتَما، وَالتَّثْقِيلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَكثر فِي كَلَامِهِمْ، وَلِذَلِكَ إِذا صَغَّر سِيبَوَيْهِ رُبَّ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى رُبَّما يَوَدُّ، ردَّه إِلى الأَصل، فَقَالَ: رُبَيْبٌ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قرأَ الْكِسَائِيُّ وأَصحاب عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ: رُبَّما يودُّ، بِالتَّثْقِيلِ، وقرأَ عاصِمٌ وأَهلُ الْمَدِينَةِ وزِرُّ بْنُ حُبَيْش: رُبَما يَوَدُّ، بِالتَّخْفِيفِ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قَالَ إِنَّ رُبَّ يُعنى بِهَا التَّكْثِيرُ، فَهُوَ ضِدُّ مَا تَعرِفه الْعَرَبُ؛ فإِن قَالَ قَائِلٌ: فلمَ جَازَتْ رُبَّ فِي قوله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا؛ وَرُبَّ لِلتَّقْلِيلِ؟ فَالْجَوَابُ فِي هَذَا: أَن الْعَرَبَ خُوطِبَتْ بِمَا تَعْلَمُهُ فِي التَّهْدِيدِ.

وَالرَّجُلُ يَتَهَدَّدُ الرَّجُلَ، فَيَقُولُ لَهُ: لَعَلَّكَ سَتَنْدَم عَلَى فِعْلِكَ، وَهُوَ لَا يَشُكُّ فِي أَنه يَنْدَمُ، وَيَقُولُ: رُبَّما نَدِمَ الإِنسانُ مِن مِثْلِ مَا صَنَعْتَ، وَهُوَ يَعلم أَنَّ الإِنسان يَنْدَمُ كَثِيرًا، ولكنْ مَجازُه أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مِمَّا يُوَدُّ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَحوال الْعَذَابِ، أَو كَانَ الإِنسان يَخَافُ أَن يَنْدَمَ عَلَى الشيءِ، لوجَبَ عَلَيْهِ اجْتِنابُه؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنه عَلَى مَعْنَى التَّهْدِيدِ قوله: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ رُبَّما ورُبَّ: أَن رُبَّ لَا يَلِيهِ غَيْرُ الِاسْمِ، وأَما رُبَّما فإِنه زِيدَتْ مَا، مَعَ رُبَّ، ليَلِيَها الفِعْلُ؛ تَقُولُ: رُبَّ رَجُلٍ جاءَني، وَرُبَّمَا جاءَني زَيْدٌ، ورُبَّ يَوْمٍ بَكَّرْتُ فِيهِ، ورُبَّ خَمْرةٍ شَرِبْتُها؛ وَيُقَالُ: رُبَّمَا جاءَني فُلَانٌ، وَرُبَّمَا حَضَرني زَيْدٌ، وأَكثرُ مَا يَلِيهِ الْمَاضِي، وَلَا يَلِيه مِن الغابرِ إِلَّا مَا كَانَ مُسْتَيْقَنًا، كَقَوْلِهِ تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}، و {وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، كأَنه قَدْ كَانَ فَهُوَ بِمَعْنَى مَا مَضَى، وإِن كَانَ لَفْظُهُ مُسْتَقْبَلًا.

وَقَدْ تَلي رُبَّمَا الأَسماءَ وَكَذَلِكَ رُبَّتَمَا؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:

ماوِيّ يَا رُبَّتَما غارةٍ ***شَعْواءَ، كاللَّذْعَةِ بالمِيسَمِ

قَالَ الْكِسَائِيُّ: يَلْزَمُ مَن خَفَّف، فأَلقى إِحدى الباءَين، أَن يَقُولَ رُبْ رَجُلٍ، فيُخْرِجَه مُخْرَجَ الأَدوات، كَمَا تَقُولُ: لِمَ صَنَعْتَ؟ ولِمْ صَنَعْتَ؟ وبِأَيِّمَ جِئْتَ؟ وبِأَيِّمْ جِئْتَ؟ وَمَا أَشبه ذَلِكَ؛ وَقَالَ: أَظنهم إِنما امْتَنَعُوا مِنْ جَزْمِ الباءِ لِكَثْرَةِ دُخُولِ التاءِ فِيهَا فِي قَوْلِهِمْ: رُبَّتَ رَجُلٍ، ورُبَتَ رَجُلٍ.

يُرِيدُ الْكِسَائِيُّ: أَن تاءَ التأْنيث لَا يَكُونُ مَا قَبْلَهَا إِلَّا مَفْتُوحًا، أَو فِي نِيَّةِ الْفَتْحِ، فَلَمَّا كَانَتْ تاءُ التأْنيث تَدْخُلُهَا كَثِيرًا، امْتَنَعُوا مِنْ إِسكان مَا قَبْلَ هاءِ التأْنيث، وَآثَرُوا النَّصْبَ، يَعْنِي بِالنَّصْبِ: الْفَتْحَ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَقَالَ لِي الْكِسَائِيُّ: إِنْ سَمِعتَ بِالْجَزْمِ يَوْمًا، فَقَدْ أَخبرتك.

يُرِيدُ: إِن سَمِعْتَ أَحدًا يَقُولُ: رُبْ رَجُلٍ، فَلَا تُنْكِرْه، فإِنه وَجْهُ الْقِيَاسِ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَلَمْ يقرأْ أَحد رَبَّما، بِالْفَتْحِ، وَلَا رَبَما.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الْعَرَبُ تَزِيدُ فِي رُبَّ هَاءً، وَتَجْعَلُ الهاءَ اسْمًا مَجْهُولًا لَا يُعرف، ويَبْطُل معَها عملُ رُبَّ، فَلَا يُخْفَضُ بِهَا مَا بَعْدَ الهاءِ، وإِذا فَرَقْتَ بَيْنَ كَمِ الَّتِي تَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ بشيءٍ، بَطَلَ عَمَلُها؛ وأَنشد:

كائِنْ رَأَبْتُ وَهايا صَدْعِ أَعْظُمِه، ***ورُبَّه عَطِبًا، أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ

نَصَبَ عَطِبًا مِن أَجل الهاءِ الْمَجْهُولَةِ.

وَقَوْلُهُمْ: رُبَّه رَجُلًا، ورُبَّها امرأَةً، أَضْمَرت فِيهَا الْعَرَبُ عَلَى غَيْرِ تقدّمِ ذِكْر، ثُمَّ أَلزَمَتْه التَّفْسِيرَ، وَلَمْ تَدَعْ أَنْ تُوَضِّح مَا أَوْقَعت بِهِ الالتباسَ، ففَسَّروه بِذِكْرِ النَّوْعِ الَّذِي هُوَ قَوْلُهُمْ رَجُلًا وامرأَة.

وَقَالَ ابْنُ جِنِّي مَرَّةً: أَدخلوا رُبَّ عَلَى الْمُضْمَرِ، وَهُوَ عَلَى نِهَايَةِ الِاخْتِصَاصِ؛ وَجَازَ دُخُولُهَا عَلَى الْمَعْرِفَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لمُضارَعَتِها النَّكِرَة، بأَنها أُضْمِرَت عَلَى غَيْرِ تَقَدُّمِ ذِكْرٍ، وَمِنْ أَجل ذَلِكَ احْتَاجَتْ إِلى التَّفْسِيرِ بِالنَّكِرَةِ الْمَنْصُوبَةِ، نَحْوُ رَجُلًا وامرأَةً؛ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمُضْمَرُ كَسَائِرِ الْمُضْمَرَاتِ لَمَا احْتَاجَتْ إِلى تَفْسِيرِهِ.

وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ: رُبَّه رَجُلًا قَدْ رأَيت، ورُبَّهُما رَجُلَيْنِ، ورُبَّهم رِجَالًا، ورُبَّهنَّ نِسَاءً، فَمَن وَحَّد قَالَ: إِنه كِنَايَةٌ عَنْ مَجْهُولٍ، ومَن لَمْ يُوَحِّد قَالَ: إِنه رَدُّ كَلَامٍ، كأَنه قِيلَ لَهُ: مَا لكَ جَوَارٍ؟ قَالَ: رُبَّهُنّ جَوارِيَ قَدْ مَلَكْتُ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


52-لسان العرب (بعث)

بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثًا: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ بِهِ: أَرسله مَعَ غَيْرِهِ.

وابْتَعَثَه أَيضًا أَي أَرسله فانْبعَثَ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يَصِفُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، شَهِيدُك يومَ الدِّينِ، وبَعِيثُك نعْمة؛ أَي مَبْعُوثك الَّذِي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ زَمْعَة: «انْبَعَثَ أَشْقاها»؛ يُقَالُ: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إِذا ثَارَ ومَضَى ذَاهِبًا لِقَضَاءِ حاجَته.

والبَعْثُ: الرسولُ، وَالْجَمْعُ بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو.

والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، وَيُقَالُ: هُمُ البَعْثُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ.

وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ ابْتَعَثْنا الشامَ عِيرًا إِذا أَرسَلوا إِليها رُكَّابًا لِلْمِيرَةِ.

وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ: «يَا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ»؛ أي المَبْعُوث إِليها مِنْ أَهلها، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ.

وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثًا: وجَّهَهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ البَعْثُ والبَعِيثُ، وَجَمْعُ البَعْثِ: بُعُوث؛ قَالَ:

ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَلَيْنَا، ***فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ

وَجَمْعُ البَعِيثِ: بُعُثٌ.

والبَعْثُ: يَكُونُ بَعْثًا لِلْقَوْمِ يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مِثْلَ السَّفْر والرَّكْب.

وَقَوْلُهُمْ: كنتُ فِي بَعْثِ فلانٍ أَي فِي جَيْشِهِ الَّذِي بُعِثَ مَعَهُ.

والبُعُوثُ: الجُيوش.

وبَعَثَه عَلَى الشَّيْءِ: حَمَلَهُ عَلَى فِعْله.

وبَعَثَ عَلَيْهِمُ البَلاء: أَحَلَّه.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}.

وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ عَبْدَ المَلِك خَطَبَ فَقَالَ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ مُسلِمَ بْنَ عُقْبة، فَقَتلَكم يَوْمَ الحَرَّة.

وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع.

وبَعَثَه مِنْ نَوْمه بَعَثًا، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني»أَي أَيقَظاني مِنْ نَوْمِي.

وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ مَا كَانَ يَحْبِسُه عَنِ التَّصَرُّف والانْبِعاثِ.

وانْبَعَثَ فِي السَّيْر أَي أَسْرَع.

ورجلٌ بَعِثٌ: كَثِيرُ الانْبِعاثِ مِنْ نَوْمِهِ.

وَرَجُلٌ بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لَا تَزَالُ هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه مِنْ نَوْمِهِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر:

تَعْدُو بأَشْعَثَ، قَدْ وَهَى سِرْبالُه، ***بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ

وَالْجَمْعُ: أَبْعاث: وَفِي التنزيل: قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

هَذَا وَقْفُ التَّمام، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النُّشور.

وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وَهَذَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، والخَبَرُ مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ؛ وَقُرِئَ: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟

أَي مِن بَعْثِ اللَّهِ إِيَّانا مِنْ مَرْقَدِنا.

والبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِرْسال، كَقَوْلِهِ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى}؛ مَعْنَاهُ أَرسلنا.

والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تَقُولُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار.

والبَعْثُ أَيضًا: الإِحْياء مِنَ اللَّهِ للمَوْتى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ:} أَي أَحييناكم.

وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم لِيَوْمِ البَعْثِ.

وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثًا: نَشَرَهم؛ مِنْ ذَلِكَ.

وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْبَعَثِ كُلُّهُ لُغَةٌ.

وَمِنْ أَسمائه عَزَّ وَجَلَّ: الباعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كَانَ بَارِكًا فَهاجَهُ.

وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: «إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ»، فَمَنِ اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ فِي وَقَفاتِها فَلْيَفعل.

قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جَمْعُ بَعْثَةٍ.

وكلُّ شَيْءٍ أَثَرْته فَقَدْ بَعَثْته؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَهُ.

والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذَلِكَ: أَنشد ابْنُ الأَعرابيّ:

أَصْدَرها، عَنْ كَثْرَةِ الدَّآثِ، ***صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ

وتَبَعَّثَ مِنِّي الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ.

ويومُ بُعاثٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ، كَانَ فِيهِ حَرْبٌ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرج فِي الجَاهلية، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسحاق فِي كِتَابَيْهِمَا؛ قَالَ الأَزهري: وذكَرَ ابْنُ المُظَفَّر هَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وَمَا كَانَ الخليلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لِيَخفَى عَلَيْهِ يومُ بُعاثٍ، لأَنه مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وإِنما صحَّفه الليثُ وَعَزَاهُ إِلى الخَليل نفسِه، وَهُوَ لسانُه، وَاللَّهُ أَعلم.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيانِ بِمَا قِيل يومَ بُعَاثٍ»؛ هُوَ هَذَا الْيَوْمُ.

وبُعاثٌ: اسْمُ حِصن للأَوْس.

وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسْمَانِ.

والبَعِيثُ: اسْمُ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، اسْمُهُ خِدَاشُ بْنُ بَشيرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبو مَالِكٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

تَبَعَّثَ مِنِّي ما تَبَعَّثَ، بعد ما اسْتَمرَّ ***فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبة وَغَيْرُهُ: واستَمَرَّ عَزِيمي، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنه قَالَ الشِّعْرَ بعد ما أَسَنَّ وكَبِرَ.

وَفِي حَدِيثِعُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا صالَحَ نصارَى الشَّامِ، كَتَبُوا لَهُ؛ إِنَّا لَا نُحْدِثُ كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرِج سَعانِينَ، وَلَا بَاعُوثًا؛ الباعوثُ للنَّصارى: «كَالِاسْتِسْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ»، وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ.

وباعِيثا: موضع معروف.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


53-لسان العرب (خرج)

خرج: الخُروج: نَقِيضُ الدُّخُولِ.

خَرَجَ يَخْرُجُ خُرُوجًا ومَخْرَجًا، فَهُوَ خارِجٌ وخَرُوجٌ وخَرَّاجٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ وخَرَجَ بِهِ.

الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَكُونُ المَخْرَجُ موضعَ الخُرُوجِ.

يُقَالُ: خَرَجَ مَخْرَجًا حَسَنًا، وَهَذَا مَخْرَجُه.

وأَما المُخْرَجُ فَقَدْ يَكُونُ مصدرَ قَوْلِكَ أَخْرَجَه، والمفعولَ بِهِ واسمَ الْمَكَانِ وَالْوَقْتِ، تَقُولُ: أَخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَهَذَا مُخْرَجُه، لأَن الْفِعْلَ إِذا جَاوَزَ الثَّلَاثَةَ فَالْمِيمُ مِنْهُ مَضْمُومَةٌ، مِثْلُ دَحْرَجَ، وَهَذَا مُدَحْرَجُنا، فَشُبِّهَ مُخْرَجٌ بِبَنَاتِ الأَربعة.

والاستخراجُ: كَالِاسْتِنْبَاطِ.

وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ: «فاخْتَرَجَ تَمَراتٍ مِنْ قِرْبةٍ»أَي أَخْرَجَها، وَهُوَ افْتَعَلَ مِنْهُ.

والمُخارَجَةُ: المُناهَدَةُ بالأَصابع.

والتَّخارُجُ: التَّناهُدُ؛ فأَما قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُطَيْرٍ:

مَا أَنْسَ، لَا أَنْسَ مِنْكُمْ نَظْرَةً شَغَفَتْ، ***فِي يَوْمِ عيدٍ، ويومُ العيدِ مَخْرُوجُ

فإِنه أَراد مخروجٌ فِيهِ، فَحَذَفَ؛ كَمَا قَالَ فِي هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:

والعينُ هاجِعَةٌ والرُّوح مَعْرُوجُ أَراد مَعْرُوجٌ بِهِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}؛ أَي يَوْمَ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنَ الأَجداث.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: يومُ الخُروجِ مِنْ أَسماء يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ واستشهدَ بِقَوْلِ الْعَجَّاجِ:

أَلَيسَ يَوْمٌ سُمِّيَ الخُرُوجا، ***أَعْظَمَ يَوْمٍ رَجَّةً رَجُوجا؟

أَبو إِسحاق فِي قَوْلِهِ تعالى: {يَوْمُ الْخُرُوجِ} أَي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَيَخْرُجُونَ مِنَ الأَرض.

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تعالى: {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ}.

وَفِي حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ عَفَلَةَ: «دَخَلَ عليَّ عليٌّ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي يَوْمِ الخُرُوج، فإِذا بَيْنَ يَدَيْهِ فاتُورٌ عَلَيْهِ خُبْزُ السَّمْراء وصحفةٌ فِيهَا خَطِيفَةٌ.

يَوْم الخُروجِ؛ يُرِيدُ يَوْمَ الْعِيدِ، وَيُقَالُ لَهُ يَوْمُ الزِّينَةِ وَيَوْمُ الْمَشْرِقِ.

وخُبْزُ السَّمْراءِ: الخُشْكارُ، كَمَا قِيلَ لِلُّبابِ الحُوَّارَى لِبَيَاضِهِ.

واخْتَرَجَهُ واسْتَخْرجَهُ: طَلَبَ إِليه أَو مِنْهُ أَن يَخْرُجَ.

وناقَةٌ مُخْتَرِجَةٌ إِذا خَرَجَتْ عَلَى خِلْقَةِ الجَمَلِ البُخْتِيِّ.

وَفِي حَدِيثِ قِصَّةٍ: «أَن النَّاقَةَ الَّتِي أَرسلها اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، آيَةً لِقَوْمِ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُمْ ثَمُودُ، كَانَتْ مُخْتَرَجة»، قَالَ: وَمَعْنَى المختَرَجة أَنها جُبلت عَلَى خِلْقَةِ الْجَمَلِ، وَهِيَ أَكبر مِنْهُ وأَعظم.

واسْتُخْرِجَتِ الأَرضُ: أُصْلِحَتْ لِلزِّرَاعَةِ أَو الغِراسَةِ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

وخارجُ كلِّ شيءٍ: ظاهرُه.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُستعمل ظَرْفًا إِلا بِالْحَرْفِ لأَنه مَخْصُوصٌ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:

عَلى حِلْفَةٍ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا، ***وَلَا خارِجًا مِن فِيِّ زُورُ كلامِ

أَراد: وَلَا يَخْرُجُ خُرُوجًا، فَوَضَعَ الصِّفَةَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ لأَنه حَمَلَهُ عَلَى عَاهَدْتُ.

والخُروجُ: خُروجُ الأَديب وَالسَّائِقِ وَنَحْوِهِمَا يُخَرَّجُ فيَخْرُجُ.

وخَرَجَتْ خَوارجُ فُلَانٍ إِذا ظهرتْ نَجابَتُهُ وتَوَجَّه لإِبرام الأُمورِ وإِحكامها، وعَقَلَ عَقْلَ مِثْلِه بَعْدَ صِبَاهُ.

والخارِجِيُّ: الَّذِي يَخْرُجُ ويَشْرُفُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَن يَكُونَ لَهُ قَدِيمٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:

أَبا مَرْوانَ لَسْتَ بِخارِجيٍّ، ***وَلَيْسَ قَديمُ مَجْدِكَ بانْتِحال

والخارِجِيَّةُ: خَيْل لَا عِرْقَ لَهَا فِي الجَوْدَة فَتُخَرَّجُ سوابقَ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جِيادٌ؛ قَالَ طُفَيْلٌ:

وعارَضْتُها رَهْوًا عَلَى مُتَتَابِعٍ، ***شَديدِ القُصَيْرى، خارِجِيٍّ مُجَنَّبِ

وَقِيلَ: الخارِجِيُّ كُلُّ مَا فَاقَ جِنْسَهُ وَنَظَائِرَهُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ صِفَاتِ الْخَيْلِ الخَرُوجُ، بِفَتْحِ الْخَاءِ، وَكَذَلِكَ الأُنثى، بِغَيْرِ هاءٍ، وَالْجَمْعُ الخُرُجُ، وَهُوَ الَّذِي يَطول عُنُقُهُ فَيَغْتالُ بِطُولِهَا كلَّ عِنانٍ جُعِلَ فِي لِجَامِهِ؛ وأَنشد:

كُلُّ قَبَّاءَ كالهِراوةِ عَجْلى، ***وخَروجٍ تَغْتالُ كلَّ عِنانِ

الأَزهري: وأَما قَوْلُ زُهَيْرٍ يَصِفُ خَيْلًا:

وخَرَّجَها صَوارِخَ كلَّ يَوْمٍ، ***فَقَدْ جَعَلَتْ عَرائِكُها تَلِينُ

فَمَعْنَاهُ: أَن مِنْهَا مَا بِهِ طِرْقٌ، وَمِنْهَا مَا لَا طِرْقَ بِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَى خَرَّجَها أَدَّبها كَمَا يُخَرِّجُ الْمُعَلِّمُ تِلْمِيذَهُ.

وفلانٌ خَرِيجُ مالٍ وخِرِّيجُه، بِالتَّشْدِيدِ، مِثْلُ عِنِّينٍ، بِمَعْنَى مَفْعُولٍ إِذا دَرَّبَهُ وعَلَّمَهُ.

وَقَدْ خَرَّجَهُ فِي الأَدبِ فَتَخَرَّجَ.

والخَرْجُ والخُرُوجُ: أَوَّلُ مَا يَنْشَأُ مِنَ السَّحَابِ.

يُقَالُ: خَرَجَ لَهُ خُرُوجٌ حَسَنٌ؛ وَقِيلَ: خُرُوجُ السَّحَاب اتِّساعُهُ وانْبِساطُه؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:

إِذا هَمَّ بالإِقْلاعِ هَبَّتْ لَهُ الصَّبا، ***فَعَاقَبَ نَشْءٌ بعْدها وخُرُوجُ

الأَخفش: يُقَالُ لِلْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ السَّحاب: خَرْجٌ وخُرُوجٌ.

الأَصمعي: يُقَالُ أَوَّل مَا يَنْشَأُ السحابُ، فَهُوَ نَشْءٌ.

التَّهْذِيبُ: خَرَجَت السَّمَاءُ خُروجًا إِذا أَصْحَتْ بَعْدَ إِغامَتِها؛ وَقَالَ هِمْيان يَصِفُ الإِبل وَوُرُودَهَا:

فَصَبَّحَتْ جابِيَةً صُهارِجَا؛ ***تَحْسَبُه لَوْنَ السَّماءِ خارِجَا

يُرِيدُ مُصْحِيًا؛ والسحابةُ تُخْرِجُ السحابةَ كَمَا تُخْرِجُ الظَّلْمَ.

والخَرُوجُ مِنَ الإِبل: المِعْناقُ الْمُتَقَدِّمَةُ.

والخُرَاجُ: ورَمٌ يَخْرُجُ بِالْبَدَنِ مِنْ ذَاتِهِ، وَالْجَمْعُ أَخْرِجَةٌ وخِرْجَانٌ.

غَيْرُهُ: والخُرَاجُ ورَمُ قَرْحٍ يَخْرُجُ بِدَابَّةٍ أَو غَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانِ.

الصِّحَاحُ: والخُرَاجُ مَا يَخْرُجُ فِي الْبَدَنِ مِنَ القُرُوح.

والخَوَارِجُ: الحَرُورِيَّةُ؛ والخَارِجِيَّةُ: طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَزِمَهُمْ هَذَا الاسمُ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ النَّاسِ.

التَّهْذِيبُ: والخَوَارِجُ قومٌ مِنْ أَهل الأَهواء لَهُمْ مَقالَةٌ عَلَى حِدَةٍ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: «يَتَخَارَجُ الشَّريكانِ وأَهلُ الْمِيرَاثِ»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَقُولُ إِذا كَانَ الْمَتَاعُ بَيْنَ وَرَثَةٍ لَمْ يَقْتَسِمُوهُ أَو بَيْنَ شُرَكَاءَ، وَهُوَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، فَلَا بأْس أَن يَتَبَايَعُوهُ، وإِن لَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ؛ قَالَ: وَلَوْ أَراد رَجُلٌ أَجنبي أَن يَشْتَرِيَ نَصِيبَ بَعْضِهِمْ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَدْ جاءَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مفسَّرًا عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرَ أَبو عُبَيْدٍ.

وحدَّث الزُّهْرِيُّ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا بأْس أَن يَتَخَارَج القومُ فِي الشَّرِكَةِ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فيأْخذ هَذَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ نَقْدًا، ويأْخذ هَذَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ دَيْنًا.

والتَّخارُجُ: تَفاعُلٌ مِنَ الخُروج، كأَنه يَخْرُجُ كلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِكَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ إِلى صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ؛ قَالَ: وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي شَرِيكَيْنِ: لَا بأْس أَن يَتَخَارَجَا؛ يَعْنِي العَيْنَ والدَّيْنَ؛ وَقَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: التَّخَارُجُ أَن يأْخذ بَعْضُهُمُ الدَّارَ وَبَعْضُهُمُ الأَرض؛ قَالَشَمِرٌ: قُلْتُ لأَحمد: سُئِلَ سُفْيَانُ عَنْ أَخوين وَرِثَا صَكًّا مِنْ أَبيهما، فَذَهَبَا إِلى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَتَقَاضَيَاهُ؛ فَقَالَ: عِنْدِي طَعَامٌ، فَاشْتَرِيَا مِنِّي طَعَامًا بِمَا لَكُمَا عليَّ، فَقَالَ أَحد الأَخوين: أَنا آخُذُ نَصِيبِي طَعَامًا؛ وَقَالَ الْآخَرُ: لَا آخُذُ إِلّا دَرَاهِمَ، فأَخذ أَحدهما مِنْهُ عَشَرَةَ أَقفرة بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا بِنَصِيبِهِ؛ قَالَ: جَائِزٌ، وَيَتَقَاضَاهُ الْآخَرُ، فإِن تَوَى مَا عَلَى الْغَرِيمِ، رَجَعَ الأَخ عَلَى أَخيه بِنِصْفِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَخذ، وَلَا يَرْجِعُ بِالطَّعَامِ.

قَالَ أَحمد: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إِذا كَانَ قَدْ رَضِيَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعلم.

وتَخَارَجَ السَّفْرُ: أَخْرَجُوا نَفَقَاتِهِمْ.

والخَرْجُ والخَرَاجُ، واحدٌ: وَهُوَ شَيْءٌ يُخْرِجُه القومُ فِي السَّنَةِ مِن مَالِهِمْ بقَدَرٍ مَعْلُومٍ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الخَرْجُ الْمَصْدَرُ، والخَرَاجُ: اسمٌ لِمَا يُخْرَجُ.

والخَرَاجُ: غَلَّةُ الْعَبْدِ والأَمة.

والخَرْجُ والخَراج: الإِتاوَةُ تُؤْخذ مِنْ أَموال النَّاسِ؛ الأَزهري: والخَرْجُ أَن يؤَدي إِليك العبدُ خَرَاجَه أَي غَلَّتَهُ، والرَّعِيَّةُ تُؤَدِّي الخَرْجَ إِلى الوُلاةِ.

وَرُوِيَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه قَالَ: الخَرَاجُ بِالضَّمَانِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهل الْعِلْمِ: مَعْنَى الْخَرَاجِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَلَّةُ الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ الرجلُ فيستغلُّه زَمَانًا، ثُمَّ يَعْثُرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ البائعُ وَلَمْ يُطْلِعْهُ عَلَيْهِ، فَلَهُ رَدُّ الْعَبْدِ عَلَى الْبَائِعِ والرجوعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، والغَّلةُ الَّتِي اسْتَغَلَّهَا الْمُشْتَرِي مِنَ الْعَبْدِ طَيِّبَةٌ لَهُ لأَنه كَانَ فِي ضَمَانِهِ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ.

وَفَسَّرَ ابْنُ الأَثير قَوْلَهُ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ؛ قَالَ: يُرِيدُ بِالْخَرَاجِ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ الْعَيْنِ الْمُبْتَاعَةِ، عَبْدًا كَانَ أَو أَمة أَو مِلْكًا، وَذَلِكَ أَن يَشْتَرِيَهُ فَيَسْتَغِلَّهُ زَمَانًا، ثُمَّ يَعْثُرُ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ، فَلَهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ وأَخذ الثَّمَنِ، وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا اسْتَغَلَّهُ لأَن الْمَبِيعَ لَوْ كَانَ تلفَ فِي يَدِهِ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ؛ وَبَاءَ بِالضَّمَانِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِالضَّمَانِ أَي بِسَبَبِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ شُرَيْحٍ لِرَجُلَيْنِ احْتَكَمَا إِليه فِي مِثْلِ هَذَا، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: رُدَّ الداءَ بِدَائِهِ وَلَكَ الغلةُ بِالضَّمَانِ.

مَعْنَاهُ: رُدَّ ذَا الْعَيْبَ بِعَيْبِهِ، وَمَا حَصَلَ فِي يَدِكَ مِنْ غَلَّتِهِ فَهُوَ لَكَ.

وَيُقَالُ: خَارَجَ فلانٌ غلامَه إِذا اتَّفَقَا عَلَى ضَرِيبَةٍ يَرُدُّها العبدُ عَلَى سَيِّدِهِ كلَّ شَهْرٍ وَيَكُونُ مُخَلًّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمَلِهِ، فَيُقَالُ: عبدٌ مُخَارَجٌ.

ويُجْمَعُ الخَراجُ، الإِتَاوَةُ، عَلَى أَخْراجٍ وأَخَارِيجَ وأَخْرِجَةٍ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}.

قَالَ الزَّجَّاجُ: الخَرَاجُ الفَيْءُ، والخَرْجُ الضَّريبَةُ وَالْجِزْيَةُ؛ وَقُرِئَ: أَم تَسْأَلُهُمْ خَرَاجًا.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ.

مَعْنَاهُ: أَمْ تسأَلهم أَجرًا عَلَى مَا جِئْتَ بِهِ، فأَجر رَبِّكَ وَثَوَابُهُ خيرٌ.

وأَما الخَرَاجُ الَّذِي وَظَّفَهُ عمرُ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى السَّوَادِ وأَرضِ الفَيْء فإِن مَعْنَاهُ الْغَلَّةُ أَيضًا، لأَنه أَمر بِمَسَاحَةِ السَّوَادِ وَدَفَعَهَا إِلى الْفَلَّاحِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِيهِ عَلَى غَلَّةٍ يُؤَدُّونَهَا كُلَّ سَنَةٍ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ خَراجًا، ثُمَّ قِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْبِلَادِ الَّتِي افْتُتِحَتْ صُلْحًا وَوَظَّفَ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ عَلَى أَراضيهم: خَرَاجِيَّةٌ لأَن تِلْكَ الْوَظِيفَةَ أَشبهت الْخَرَاجَ الَّذِي أُلزم بِهِ الفلَّاحون، وَهُوَ الْغَلَّةُ، لأَن جُمْلَةَ مَعْنَى الْخَرَاجِ الْغَلَّةُ؛ وَقِيلَ لِلْجِزْيَةِ الَّتِي ضُرِبَتْ عَلَى رِقَابِ أَهل الذِّمَّة: خَرَاجٌ لأَنه كَالْغَلَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ.

ابْنُ الأَعرابي: الخَرْجُ عَلَى الرُّؤُوسِ، والخَرَاجُ عَلَى الأَرضين.

وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «مثلُ الأُتْرُجَّةِ طَيِّبٌ رِيحُها، طَيِّبٌ خَرَاجُها»أَي طَعْمُ ثَمَرِهَا، تَشْبِيهًا بالخَرَاجِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى الأَرضين وَغَيْرِهَا.

والخُرْجُ: مِنَ الأَوعية، معروفٌ، عربيٌّ، وَهُوَ هَذَا الْوِعَاءُ، وَهُوَ جُوالِقٌ ذُو أَوْنَيْنِ، وَالْجَمْعُ أَخْراجٌ وخِرَجَةٌ مثلُ جُحْرٍ وجِحَرَة.

وأَرْضٌ مُخَرَّجَةٌ أَي نَبْتُها فِي مكانٍ دُونَ مكانٍ.

وتَخْريجُ الرَّاعِيَةِ المَرْتَعَ: أَن تأْكل بعضَه وَتَتْرُكَ بَعْضَهُ.

وخَرَّجَت الإِبلُ المَرْعَى: أَبقت بَعْضَهُ وأَكلت بَعْضَهُ.

والخَرَجُ، بِالتَّحْرِيكِ: لَوْنانِ سوادٌ وَبَيَاضٌ؛ نَعَامَةٌ خَرْجَاءُ، وظَلِيمٌ أَخْرَجُ بَيِّنُ الخَرَجِ، وكَبْشٌ أَخْرَجُ.

واخْرَجَّتِ النعامةُ اخْرِجاجًا، واخْرَاجَّتِ اخْرِيجاجًا أَي صَارَتْ خَرْجاءَ.

أَبو عَمْرٍو: الأَخْرَجُ مِنْ نَعْتِ الظَّلِيم فِي لَوْنِهِ؛ قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ الَّذِي لَوْنُ سَوَادِهِ أَكثر مِنْ بَيَاضِهِ كَلَوْنِ الرَّمَادِ.

التَّهْذِيبُ: أَخْرَجَ الرجلُ إِذا تَزَوَّجَ بِخِلاسِيَّةٍ.

وأَخْرَجَ إِذا اصْطادَ الخُرْجَ، وَهِيَ النَّعَامُ؛ الذَّكَرُ أَخْرَجُ والأُنثى خَرْجاءُ، وَاسْتَعَارَهُ الْعَجَّاجُ لِلثَّوْبِ فَقَالَ:

إِنَّا، إِذَا مُذْكِي الحُرُوبِ أَرَّجا، ***ولَبِسَتْ، للْمَوتِ، ثَوبًا أَخْرَجا

أَي لَبِسَتِ الْحُرُوبُ ثَوْبًا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ مِنْ لَطْخِ الدَّمِ أَي شُهِّرَتْ وعُرِفَتْ كَشُهْرَةِ الأَبلق؛ وَهَذَا الرَّجَزُ فِي الصِّحَاحِ:

وَلَبِسَتْ لِلْمَوْتِ جُلًّا أَخرجا وَفَسَّرَهُ فَقَالَ: لَبِسَتِ الْحُرُوبُ جُلًّا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ.

وعامٌ فِيهِ تَخْرِيجٌ أَي خِصْبٌ وجَدْبٌ.

وعامٌ أَخْرَجُ: فِيهِ جَدْبٌ وخِصْبٌ؛ وَكَذَلِكَ أَرض خَرْجَاءُ وَفِيهَا تَخرِيجٌ.

وعامٌ فِيهِ تَخْرِيجٌ إِذا أَنْبَتَ بعضُ الْمَوَاضِعِ وَلَمْ يُنْبِتْ بَعْضٌ.

وأَخْرَجَ: مَرَّ بِهِ عامٌ نصفُه خِصبٌ وَنِصْفُهُ جَدْبٌ؛ قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ مَرَرْتُ عَلَى أَرض مُخَرَّجة وَفِيهَا عَلَى ذَلِكَ أَرْتاعٌ.

والأَرتاع: أَماكن أَصابها مَطَرٌ فأَنبتت الْبَقْلَ، وأَماكن لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ، فَتِلْكَ المُخَرَّجةُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَخْرِيجُ الأَرض أَن يَكُونَ نَبْتُهَا فِي مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، فَتَرَى بَيَاضَ الأَرض فِي خُضْرَةِ النَّبَاتِ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ خَرَّجَ الغلامُ لَوْحَه تخْريجًا إِذا كَتَبَهُ فَتَرَكَ فِيهِ مَوَاضِعَ لَمْ يَكْتُبْهَا؛ والكتابٌ إِذا كُتب فَتُرِكَ مِنْهُ مَوَاضِعُ لَمْ تُكْتَبْ، فَهُوَ مُخَرَّجٌ.

وخَرَّجَ فلانٌ عَمَله إِذا جَعَلَهُ ضُرُوبًا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

والخَرْجاءُ: قَرْيَةٌ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، سمِّيَت بِذَلِكَ لأَن فِي أَرضها سَوَادًا وَبَيَاضًا إِلى الْحُمْرَةِ.

والأَخْرَجَةُ: مَرْحَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، لَوْنُهَا ذَلِكَ.

وَالنُّجُومُ تُخَرِّجُ اللَّوْنَ فَتَلَوَّن بِلَوْنَيْنِ مِنْ سَوَادِهِ وَبَيَاضِهَا؛ قَالَ:

إِذا اللَّيْلُ غَشَّاها، وخَرَّج لَوْنَهُ ***نُجُومٌ، كأَمْثالِ المصابيحِ، تَخْفِقُ

وجَبَلٌ أَخْرَجُ، كَذَلِكَ.

وقارَةٌ خَرْجَاءُ: ذاتُ لَوْنَيْنِ.

ونَعْجَةٌ خَرْجاءٌ: وَهِيَ السَّوْدَاءُ البيضاءُ إِحدى الرِّجْلَيْنِ أَو كِلْتَيْهِمَا وَالْخَاصِرَتَيْنِ، وسائرُها أَسودُ.

التَّهْذِيبُ: وشاةٌ خَرْجاءُ بَيْضَاءُ المُؤَخَّرِ، نَصْفُهَا أَبيض وَالنِّصْفُ الْآخَرُ لَا يَضُرُّكَ مَا كَانَ لَوْنُهُ.

وَيُقَالُ: الأَخْرَجُ الأَسْوَدُ فِي بَيَاضٍ، والسوادُ الغالبُ.

والأَخْرَجُ مِنَ المِعْزَى: الَّذِي نَصِفُهُ أَبيض وَنَصِفُهُ أَسود.

الْجَوْهَرِيُّ: الخَرْجاءُ مِنَ الشَّاءِ الَّتِي ابْيَضَّتْ رِجْلَاهَا مَعَ الْخَاصِرَتَيْنِ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.

والأَخْرَجُ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ لِلَوْنِهِ، غَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَاسْمُهُ الأَحْوَلُ.

وفرسٌ أَخْرَجُ: أَبيض الْبَطْنِ وَالْجَنْبَيْنِ إِلى مُنْتَهَى الظَّهْرِ وَلَمْ يُصْعَدْ إِليه، ولَوْنُ سَائِرِهِ مَا كَانَ.

والأَخْرَجُ: المُكَّاءُ، لِلَوْنِهِ.

والأَخْرَجانِ: جَبَلَانِ مَعْرُوفَانِ، وأَخْرَجَةُ: بِئْرٌ احْتُفِرَتْ فِي أَصل أَحدهما؛ التَّهْذِيبُ: وَلِلْعَرَبِ بِئْرٌ احْتُفِرَتْ فِي أَصل جبلٍ أَخْرَجَ يُسَمُّونَهَا أَخْرَجَةَ، وَبِئْرٌ أُخرى احْتُفِرَتْ فِي أَصل جَبَلٍ أَسْوَدَ يُسَمُّونَهَا أَسْوَدَةَ، اشْتَقُّوا لَهُمَا اسْمَيْنِ مِنْ نَعْتِ الْجَبَلَيْنِ.

الفراءُ: أَخْرَجَةُ اسْمُ ماءٍ وَكَذَلِكَ أَسْوَدَةُ؛ سُمِّيَتَا بِجَبَلَيْنِ، يُقَالُ لأَحدهما أَسْوَدُ وَلِلْآخَرِ أَخْرَجُ.

وَيُقَالُ: اخْترَجُوه، بِمَعْنَى استخرجُوه.

وخَرَاجِ والخَرَاجُ وخَرِيجٌ والتَّخْريجُ، كلُّه: لُعْبةٌ لِفِتْيَانِ الْعَرَبِ.

وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الخَرِيجُ لُعْبَةٌ تُسَمَّى خَرَاجِ، يُقَالُ فِيهَا: خَراجِ خَرَاجِ مِثْلُ قَطامِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب الْهُذَلِيِّ:

أَرِقْتُ لَهُ ذَاتَ العِشَاءِ، كأَنَّهُ ***مَخَارِيقُ، يُدْعَى تَحْتَهُنَّ خَرِيجُ

وَالْهَاءُ فِي لَهُ تَعُودُ عَلَى بَرْقٍ ذَكَرَهُ قَبْلَ الْبَيْتِ، شَبَّهَهُ بِالْمَخَارِيقِ وَهِيَ جَمْعُ مِخْرَاقٍ، وَهُوَ المِنْديلُ يُلَفُّ ليُضْرَبَ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: ذاتَ العِشاءِ أَراد بِهِ السَّاعَةَ الَّتِي فِيهَا العِشاء، أَراد صَوْتَ اللَّاعِبِينَ؛ شَبَّهَ الرَّعْدَ بِهِ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: لَا يُقَالُ خَرِيجٌ، وإِنما الْمَعْرُوفُ خَراجِ، غَيْرَ أَن أَبا ذُؤَيْبٍ احْتَاجَ إِلى إِقامة الْقَافِيَةِ فأَبدل الياءَ مَكَانَ الأَلف.

التَّهْذِيبُ: الخَرَاجُ والخَرِيجُ مُخَارجة: لُعْبَةٌ لِفِتْيَانِ الأَعراب.

قال الفراء: خَرَاجِ اسْمُ لُعْبَةٍ لَهُمْ مَعْرُوفَةٌ، وَهُوَ أَن يُمْسِكَ أَحدهم شَيْئًا بِيَدِهِ، وَيَقُولَ لِسَائِرِهِمْ: أَخْرِجُوا مَا فِي يَدِي؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَعِبَ الصِّبْيَانُ خَرَاجِ، بِكَسْرِ الْجِيمِ، بِمَنْزِلَةِ دَرَاكِ وقَطَامِ.

والخَرْجُ: وادٍ لَا مَنفذ فِيهِ، ودارَةُ الخَرْجِ هُنَالِكَ.

وبَنُو الخَارِجِيَّةِ: بَطْنٌ مِنَ الْعَرَبِ يُنْسَبُونَ إِلى أُمّهم، وَالنِّسْبَةُ إِليهم خارِجِيٌّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسبها مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ.

وخارُوجٌ: ضَرْبٌ مِنَ النَّخل.

قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد: الخُرُوجُ الأَلف الَّتِي بَعْدَ الصِّلَةِ فِي الْقَافِيَةِ، كَقَوْلِ لَبِيدٍ:

عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فَمُقَامُها """"فَالْقَافِيَةُ هِيَ الْمِيمُ، وَالْهَاءُ بَعْدَ الْمِيمِ هِيَ الصِّلَةُ، لأَنها اتَّصَلَتْ بِالْقَافِيَّةِ، والأَلف الَّتِي بَعْدَ الْهَاءِ هِيَ الخُرُوجُ؛ قَالَ الأَخفَش: تَلْزَمُ الْقَافِيَةُ بَعْدَ الرَّوِيِّ الْخُرُوجَ، وَلَا يَكُونُ إِلا بِحَرْفِ اللِّينِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَن هَاءَ الإِضمار لَا تَخْلُو مِنْ ضَمٍّ أَو كَسْرٍ أَو فَتْحٍ نَحْوَ: ضَرَبَهُ، وَمَرَرْتُ بِهِ، وَلَقِيتُهَا، وَالْحَرَكَاتُ إِذا أُشبعت لَمْ يَلْحَقْهَا أَبدًا إِلا حُرُوفُ اللِّينِ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ حَرْفَ لِينٍ فَيَجُوزُ أَن تَتْبَعَ حَرَكَةَ هَاءِ الضَّمِيرِ؛ هَذَا أَحد قَوْلَيِ ابْنِ جِنِّي، جَعَلَ الْخُرُوجَ هُوَ الْوَصْلَ، ثُمَّ جَعَلَ الْخُرُوجَ غَيْرَ الْوَصْلِ، فَقَالَ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْخُرُوجِ وَالْوَصْلِ أَن الْخُرُوجَ أَشد بُرُوزًا عَنْ حَرْفِ الرَّوِيِّ وَاكْتِنَافًا مِنَ الْوَصْلِ لأَنه بَعْدَهُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ خُرُوجًا لأَنه بَرَزَ وَخَرَجَ عَنْ حَرْفِ الرَّوِيِّ، وَكُلَّمَا تَرَاخَى الْحَرْفُ فِي الْقَافِيَةِ وَجَبَ لَهُ أَن يَتَمَكَّنَ فِي السُّكُونِ وَاللِّينِ، لأَنه مَقْطَعٌ لِلْوَقْفِ وَالِاسْتِرَاحَةِ وَفَنَاءِ الصَّوْتِ وَحُسُورِ النَّفَسِ، وَلَيْسَتِ الْهَاءُ فِي لِينِ الأَلف وَالْيَاءِ وَالْوَاوِ، لأَنهن مُسْتَطِيلَاتٌ مُمْتَدَّاتٌ.

والإِخْرِيجُ: نَبْتٌ.

وخَرَاجِ: فَرَسُ جُرَيْبَةَ بْنِ الأَشْيَمِ الأَسدي.

والخَرْجُ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِالْيَمَامَةِ.

والخَرْجُ: خِلافُ الدَّخْلِ.

وَرَجُلٌ خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ مِثَالُ هُمَزة أَي كَثِيرُ الْخُرُوجِ وَالْوُلُوجِ.

زَيْدُ بْنُ كَثْوَةَ: يُقَالُ فلانٌ خَرَّاجٌ وَلّاجٌ؛ يُقَالُ ذَلِكَ عِنْدَ تأْكيد الظَّرْفِ وَالِاحْتِيَالِ.

وَقِيلَ: خَرّاجٌ وَلّاجٌ إِذا لَمْ يُسْرِعْ فِي أَمر لَا يَسْهُلْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إِذا أَراد ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُمْ: أَسْرَعُ مِنْ نِكاحِ أُمِّ خارجَةَ، هِيَ امرأَة مِنْ بَجِيلَةَ، وَلَدَتْ كَثِيرًا فِي قبائلَ مِنَ الْعَرَبِ، كَانُوا يَقُولُونَ لَهَا: خِطْبٌ فَتَقُولُ: نِكْحٌ وخارجةُ ابْنُهَا، وَلَا يُعْلَمُ مِمَّنْ هُوَ؛ وَيُقَالُ: هُوَ خَارِجَةُ بْنُ بَكْرِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوانَ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ عَيْلانَ.

وخَرْجاءُ: اسمُ رَكِيَّة بِعَيْنِهَا.

وخَرْجٌ: اسم موضع بعينه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


54-لسان العرب (برزخ)

برزخ: البَرْزَخُ: مَا بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ، وَفِي الصِّحَاحِ: الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ.

والبَرْزَخُ: مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَبْلَ الْحَشْرِ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ إِلى الْبَعْثِ، فَمَنْ مَاتَ فَقَدْ دَخَلَ البَرْزَخَ.

وَفِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ عَنْ

أَبي سَعِيدٍ: «فِي بَرْزَخِ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»؛ قَالَ: البَرْزَخُ مَا بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ حَاجِزٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}؛ قَالَ: البَرْزَخُ مِنْ يَوْمِ يَمُوتُ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُ.

وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «أَنه صَلَّى بِقَوْمٍ فأَسْوَى بَرْزَخًا»؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: قَوْلُهُ فأَسْوَى بَرْزَخًا أَجْفَلَ وأَسْقَط؛ قَالَ: والبَرْزَخ مَا بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَيِّتِ: هُوَ فِي بَرْزخ لأَنه بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فأَراد بالبَرْزَخ مَا بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسقط عليٌّ مِنْهُ ذَلِكَ الْحَرْفَ إِلى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ انْتَهَى إِليه مِنَ الْقُرْآنِ.

وبَرازِخُ الإِيمان: مَا بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ أَول الإِيمان وَآخِرِهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْوَسْوَسَةَ»، فَقَالَ: تِلْكَ بَرازِخُ الإِيمانِ؛ يُرِيدُ مَا بَيْنَ أَوّله وَآخِرِهِ، وأَوَّلُ الإِيمان الإِقرار بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَآخِرُهُ إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ.

والبَرازخ جَمْعُ بَرْزَخ، وَقَوْلُهُ تعالى: {بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيانِ}؛ يَعْنِي حَاجِزًا مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَقِيلَ: أَي حَاجِزٌ خَفِيٌّ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} أَي حَاجِزًا.

قَالَ: وَالْبَرْزَخُ وَالْحَاجِزُ والمُهْلَة مُتَقَارِبَاتٌ فِي الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنك تَقُولُ بَيْنَهُمَا حاجزٌ أَن يَتزاوَرا، فَتَنْوِي بِالْحَاجِزِ المسافةَ الْبَعِيدَةَ، وَتَنْوِي الأَمر الْمَانِعَ مِثْلَ الْيَمِينِ وَالْعَدَاوَةِ، فَصَارَ الْمَانِعُ فِي الْمَسَافَةِ كَالْمَانِعِ مِنَ الْحَوَادِثِ، فوَقَعَ عليها البَرْزَخُ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


55-لسان العرب (جرد)

جرد: جَرَدَ الشيءَ يجرُدُهُ جَرْدًا وجَرَّدَهُ: قشَره؛ قَالَ:

كأَنَّ فداءَها، إِذْ جَرَّدُوهُ ***وَطَافُوا حَوْله، سُلَكٌ يَتِيمُ

وَيُرْوَى حَرَّدُوهُ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وسيأْتي ذِكْرُهُ.

واسمُ مَا جُرِدَ مِنْهُ: الجُرادَةُ.

وجَرَدَ الجِلْدَ يَجْرُدُه جَرْدًا: نَزَعَ عَنْهُ الشَّعْرَ، وَكَذَلِكَ جَرَّدَه؛ قَالَ طَرَفَةُ:

كسِبْتِ الْيَمَانِيِّ قِدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ

وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَجْرَدُ لَا شَعْرَ عَلَيْهِ.

وثَوْبٌ جَرْدٌ: خَلَقٌ قَدْ سَقَطَ زِئْبِرُهُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بَيْنَ الْجَدِيدِ والخَلَق؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ للرِّماحِ دَرِيئَةً؟ ***هَبِلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟

أَي لَا تَرْقَع الأَخْلاق وتَتركْ أَسعدَ قَدْ خَرَّقته الرِّمَاحُ فأَيُّ ***تُصِلحُ بَعْدَهُ.

والجَرْدُ: الخَلَقُ مِنَ الثِّيَابِ، وأَثْوابٌ جُرُودٌ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:

فَلَا تَبْعَدَنْ تَحْتَ الضَّريحةِ أَعْظُمٌ ***رَميمٌ، وأَثوابٌ هُناكَ جُرودُ

وشَمْلَةٌ جَرْدَةٌ كَذَلِكَ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:

وأَشْعَثَ بَوْشِيٍّ، شَفَيْنا أُحاحَهُ ***غَدَاتَئِذٍ، فِي جَرْدَةٍ، مُتَماحِلِ

بَوْشِيٌّ: كَثِيرُ الْعِيَالِ.

متماحِلٌ: طَوِيلٌ: شَفَيْنَا أُحاحَهُ أَي قَتَلْناه.

والجَرْدَةُ، بِالْفَتْحِ: البُرْدَةُ المُنْجَرِدَةُ الخَلَقُ.

وانْجَرَدَ الثوبُ؛ أي انسَحَق ولانَ، وَقَدْ جَرِدَ وانْجَرَدَ؛ وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا جَرْدُ هَذِهِ القَطِيفَةِ»؛ أي الَّتِي انجَرَدَ خَمَلُها وخَلَقَتْ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: «قَالَتْ لَهَا امرأَة: رأَيتُ أُمي فِي الْمَنَامِ وَفِي يَدِهَا شَحْمَةٌ وَعَلَى فَرْجِها جُرَيْدَةٌ»، تَصْغِيرُ جَرْدَة، وَهِيَ الخِرْقة الْبَالِيَةُ.

والجَرَدُ مِنَ الأَرض: مَا لَا يُنْبِتُ، وَالْجَمْعُ الأَجاردُ.

والجَرَدُ: فضاءٌ لَا نَبْتَ فِيهِ، وَهَذَا الِاسْمُ لِلْفَضَاءِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ وأَنه يأْتي الْمَاءَ لَيْلًا فَيَشْرَبُ:

يَقْضِي لُبَانَتَهُ بالليلِ، ثُمَّ إِذا ***أَضْحَى، تَيَمَّمَ حَزْمًا حَوْلهُ جَرَدُ

والجُرْدَةُ، بِالضَّمِّ: أَرض مسْتوية متجرِّدة.

ومكانٌ جَرْدٌ وأَجْرَدُ وجَرِدٌ، لَا نَبَاتَ بِهِ، وفضاءٌ أَجْرَدُ.

وأَرض جَرْداءُ وجَرِدَةٌ، كَذَلِكَ، وَقَدْ جَرِدَتْ جَرَدًا وجَرَّدَها القحطُ تَجْريدًا.

والسماءُ جَرْداءُ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَيْم مِنْ صَلَع.

وَفِي حَدِيثِ أَبي مُوسَى: «وَكَانَتْ فِيهَا أَجارِدُ أَمْسَكَتِ الماءَ»أَي مواضعُ منْجَرِدَة مِنَ النَّبَاتِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «تُفْتَتحُ الأَريافُ فَيَخْرُجُ إِليها الناسُ، ثُمَّ يَبْعَثُون إِلى أَهاليهم إِنكم فِي أَرض جَرَديَّة»؛ قِيلَ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلى الجَرَدِ، بِالتَّحْرِيكِ، وَهِيَ كُلُّ أَرض لَا نَبَاتَ بِهَا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي حَدْرَدٍ: «فَرَمَيْتُهُ عَلَى جُرَيداءِ مَتْنِهِ»أَي وَسَطِهِ، وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَفَا المنْجَرِد عَنِ اللَّحْمِ تصغيرُ الجَرْداء.

وَسَنَةٌ جارودٌ: مُقْحِطَةٌ شَدِيدَةُ المَحْلِ.

ورجلٌ جارُودٌ: مَشؤُومٌ، مِنْهُ، كأَنه يَقْشِر قَوْمَهُ.

وجَرَدَ القومَ يجرُدُهُم جَرْدًا: سأَلهم فَمَنَعُوهُ أَو أَعطَوْه كَارِهِينَ.

والجَرْدُ، مُخَفَّفٌ: أَخذُك الشيءَ عَنِ الشيءِ حَرْقًا وسَحْفًا، ولذلك سمي المشؤوم جَارُودًا، والجارودُ العَبْدِيُّ: رجلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَاسْمُهُ بِشْرُ بنُ عَمْرٍو مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَسُمِّيَ الجارودَ لأَنه فَرَّ بِإِبِلِه إِلى أَخواله مِنْ بَنِي شَيْبَانَ وبإِبله دَاءٌ، فَفَشَا ذَلِكَ الدَّاءُ فِي إِبل أَخواله فأَهلكها؛ وَفِيهِ يَقُولُ الشَّاعِرُ:

لَقَدْ جَرَدَ الجارودُ بكرَ بنَ وائِلِ وَمَعْنَاهُ: شُئِمَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: استأْصل مَا عِنْدَهُمْ.

وَلِلْجَارُودِ حَدِيثٌ، وَقَدْ صَحِبَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَقُتِلَ بِفَارِسَ فِي عَقَبَةِ الطِّينِ.

وأَرض جَرْداءُ: فَضَاءٌ وَاسِعَةٌ مَعَ قِلَّةِ نَبْتٍ.

وَرَجُلٌ أَجْرَدُ: لَا شَعْرَ عَلَى جَسَدِهِ.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه أَجرَدُ ذُو مَسْرَبةٍ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الأَجرد الَّذِي لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ شَعْرٌ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وإِنما أَراد بِهِ أَن الشَّعْرَ كَانَ فِي أَماكن مِنْ بَدَنِهِ كَالْمَسْرَبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ، فإِن ضدَّ الأَجْرَد الأَشعرُ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ شَعْرٌ.

وَفِي حَدِيثِ صِفَةِ أَهل الْجَنَّةِ: «جُرْدٌ مُرْدٌ مُتَكَحِّلون»، وخَدٌّ أَجْرَدُ، كَذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: «أَنه أَخرج نَعْلَيْنِ جَرْداوَيْن فَقَالَ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»؛ أي لَا شَعْرَ عَلَيْهِمَا.

والأَجْرَدُ مِنَ الخيلِ والدوابِّ كلِّها: القصيرُ الشعرِ حَتَّى يُقَالَ إِنه لأَجْرَدُ الْقَوَائِمِ.

وَفَرَسٌ أَجْرَدُ: قَصِيرُ الشَّعْرِ، وَقَدْ جَرِدَ وانْجَرَدَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الدَّوَابِّ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ العِتْق والكَرَم؛ وَقَوْلُهُمْ: أَجردُ الْقَوَائِمِ إِنما يُرِيدُونَ أَجردُ شَعْرِ الْقَوَائِمِ؛ قَالَ:

كأَنَّ قتودِي، والقِيانُ هَوَتْ بِهِ ***مِنَ الحَقْبِ، جَردَاءُ الْيَدَيْنِ وثيقُ

وَقِيلَ: الأَجردُ الَّذِي رقَّ شَعْرُهُ وَقَصُرَ، وَهُوَ مَدْحٌ.

وتَجَرَّد مِنْ ثَوْبِهِ وانجَرَدَ: تَعرَّى.

سِيبَوَيْهِ: انْجَرَدَ لَيْسَتْ لِلْمُطَاوَعَةِ إِنما هِيَ كَفَعَلْتُ كَمَا أَنَّ افتَقَرَ كضَعُفَ، وَقَدْ جَرَّده مِنْ ثَوْبِهِ؛ وَحَكَى الفارسيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ: جَرَّدهُ مِنْ ثَوْبِهِ وجرَّده إِياه.

وَيُقَالُ أَيضًا: فُلَانٌ حسنُ الجُرْدةِ والمجرَّدِ والمتجرَّدِ كَقَوْلِكَ حَسَنُ العُريةِ والمعَرّى، وَهُمَا بِمَعْنًى.

والتجريدُ: التَّعْرِيَةُ مِنَ الثِّيَابِ.

وتجريدُ السَّيْفِ: انْتِضَاؤُهُ.

والتجريدُ: التشذيبُ.

والتجرُّدُ: التعرِّي.

وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ أَنورَ المتجرِّدِ

أَي مَا جُرِّدَ عَنْهُ الثِّيَابُ مِنْ جَسَدِهِ وكُشِف؛ يُرِيدُ أَنه كَانَ مُشْرِقَ الْجَسَدِ.

وامرأَة بَضَّةُ الجُرْدةِ والمتجرِّدِ والمتجرَّدِ، وَالْفَتْحُ أَكثر، أَي بَضَّةٌ عِنْدَ التجرُّدِ، فالمتجرَّدِ عَلَى هَذَا مَصْدَرٌ؛ وَمِثْلُ هَذَا فُلَانٌ رجلُ حَرْبٍ أَي عِنْدَ الْحَرْبِ، وَمَنْ قَالَ بَضَّةُ المتجرِّد، بِالْكَسْرِ، أَراد الجسمَ.

التَّهْذِيبُ: امرأَةٌ بَضَّةُ المتجرَّدِ إِذا كَانَتْ بَضَّةَ البَشَرَةِ إِذا جُرِّدَتْ مِنْ ثَوْبِهَا.

أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ مُسْتَحْييًا وَلَمْ يَكُنْ بالمنبسِطِ فِي الظُّهُورِ: مَا أَنتَ بمنجَرِدِ السِّلْكِ.

والمتجرِّدةُ: اسْمُ امرأَةِ النعمانِ بْنِ المنذِر مَلِكَ الحَيرةِ.

وَفِي حَدِيثِ الشُّراةِ: «فإِذا ظَهَرُوا بَيْنَ النَّهْرَينِ لَمْ يُطاقوا ثُمَّ يَقِلُّون حَتَّى يَكُونَ آخرهُم لُصوصًا جرَّادين»أَي يُعْرُون الناسَ ثِيَابَهُمْ ويَنْهَبونها؛ وَمِنْهُ حَدِيثُالْحَجَّاجِ؛ قَالَ لأَنس: لأُجَرِّدَنَّك كَمَا يُجَرَّدُ الضبُأَي لأَسْلُخَنَّك سلخَ الضبِّ، لأَنه إِذا شُوِيَ جُرِّدَ مِنْ جِلْدِهِ، وَيُرْوَى: لأَجْرُدَنَّك، بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ.

والجَرْدُ: أَخذ الشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ عَسْفًا وجَرْفًا؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ الجارودُ وَهِيَ السَّنَةُ الشَّدِيدَةُ المَحْل كأَنها تُهْلِكُ النَّاسَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «وَبِهَا سَرْحةٌ سُرَّ تحتَها سَبْعُونَ نَبِيًّا لَمْ تُقْتَلْ وَلَمْ تُجَرَّدْ»أَي لَمْ تُصِبْهَا آفَةٌ تُهْلِكُ ثَمرها وَلَا وَرَقَهَا؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ جُرِدَتِ الأَرضُ، فَهِيَ مَجْرُودَةٌ إِذا أَكلها الجرادُ.

وجَرَّدَ السيفَ مِنْ غِمْدِهِ: سَلَّهُ.

وتجرَّدَتِ السُّنْبُلَةُ وانجَرَدَتْ: خَرَجَتْ مِنْ لَفَائِفِهَا، وَكَذَلِكَ النَّورُ عَنْ كِمامِهِ.

وَانْجَرَدَتِ الإِبِلُ مِنْ أَوبارها إِذا سَقَطَتْ عَنْهَا.

وجَرَّدَ الكتابَ والمصحفَ: عَرَّاه مِنَ الضَّبْطِ وَالزِّيَادَاتِ وَالْفَوَاتِحِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ قرأَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَستعيذ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ: جَرِّدوا القرآنَ لِيَرْبُوَ فِيهِ صَغِيرُكُمْ وَلَا يَنْأَى عَنْهُ كَبِيرُكُمْ، وَلَا تَلبِسوا بِهِ شَيْئًا لَيْسَ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَعْنَاهُ لَا تَقْرِنُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الأَحاديث الَّتِي يَرْوِيهَا أَهل الْكِتَابِ لِيَكُونَ وَحْدَهُ مُفْرَدًا، كأَنه حثَّهم عَلَى أَن لَا يَتَعَلَّمَ أَحد مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ غَيْرَهُ، لأَن مَا خَلَا الْقُرْآنِ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى إِنما يُؤْخَذُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُمْ غَيْرُ مأْمونين عَلَيْهَا؛ وَكَانَ إِبراهيم يَقُولُ: أَراد بِقَوْلِهِ جَرِّدوا القرآنَ مِنَ النَّقْط والإِعراب وَالتَّعْجِيمِ وَمَا أَشبهها، وَاللَّامُ فِي ليَرْبُوَ مِنْ صِلَةِ جَرِّدوا، وَالْمَعْنَى اجْعَلُوا الْقُرْآنَ لِهَذَا وخُصُّوه بِهِ واقْصُروه عَلَيْهِ، دُونَ النِّسْيَانِ والإِعراض عَنْهُ لينشأَ عَلَى تَعْلِيمِهِ صِغَارُكُمْ وَلَا يَبْعُدَ عَنْ تِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ كِبَارُكُمْ.

وتجرَّدَ الحِمارُ: تقدَّمَ الأُتُنَ فَخَرَجَ عَنْهَا.

وتجَرَّدَ الفرسُ وانجرَدَ: تقدَّم الحَلْبَةَ فَخَرَجَ مِنْهَا وَلِذَلِكَ قِيلَ: نَضَا الفرسُ الخيلَ إِذا تَقَدَّمَهَا، كأَنه أَلقاها عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يَنْضُو الإِنسانُ ثوبَه عَنْهُ.

والأَجْرَدُ: الَّذِي يَسْبِقُ الخيلَ ويَنْجَرِدُ عَنْهَا لِسُرْعَتِهِ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّيٍّ.

ورجلٌ مُجْرَد، بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ: أُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وتجَرَّدَ الْعَصِيرُ: سَكَنَ غَلَيانُه.

وخمرٌ جَرداءُ: منجردةٌ مِنْ خُثاراتها وأَثفالها؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ؛ وأَنشد لِلطِّرِمَّاحِ:

فَلَمَّا فُتَّ عَنْهَا الطينُ فاحَتْ، ***وصَرَّح أَجْرَدُ الحَجَراتِ صَافِي

وتجَرَّدَ للأَمر: جَدَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ تجَرَّد فِي سَيْرِهِ وانجَرَدَ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: شَمَّرَ فِي سَيْرِهِ.

وانجرَدَ بِهِ السيرُ: امتَدَّ وَطَالَ؛ وإِذا جَدَّ الرَّجُلُ فِي سَيْرِهِ فَمَضَى يُقَالُ: انجرَدَ فَذَهَبَ، وإِذا أَجَدَّ فِي الْقِيَامِ بأَمر قِيلَ: تجَرَّد لأَمر كَذَا، وتجَردَّ لِلْعِبَادَةِ؛ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ: تجرَّدُوا بِالْحَجِّ وإِن لَمْ تُحرِموا.

قَالَ إِسحاق بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لأَحمد مَا قَوْلُهُ تجَرَّدوا بِالْحَجِّ؟ قَالَ: تَشَبَّهوا بِالْحَاجِّ وإِن لَمْ تَكُونُوا حُجَّاجًا، وَقَالَ إِسحاق بْنُ إِبراهيم كَمَا قَالَ؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: جَرَّدَ فُلانٌ الحَجَّ وتجَرَّدَ بِالْحَجِّ إِذا أَفرده وَلَمْ يُقْرِنْ.

والجرادُ: مَعْرُوفٌ، الواحدةُ جَرادة تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَيْسَ الجرادُ بِذَكَرٍ لِلْجَرَادَةِ وإِنما هُوَ اسْمٌ لِلْجِنْسِ كَالْبَقَرِ وَالْبَقَرَةِ وَالتَّمْرِ وَالتَّمْرَةِ وَالْحَمَامِ وَالْحَمَامَةِ وَمَا أَشبه ذَلِكَ، فحقُّ مُذَكَّرِهِ أَن لَا يَكُونُ مؤنثُه مِنْ لَفْظِهِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ الواحدُ المذكرُ بِالْجَمْعِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قِيلَ هُوَ سِرْوَةٌ ثُمَّ دَبَى ثُمَّ غَوْغاءُ ثُمَّ خَيْفانٌ ثُمَّ كُتْفانُ ثُمَّ جَراد، وَقِيلَ: الْجَرَادُ الذَّكَرُ وَالْجَرَادَةُ الأُنثى؛ وَمِنْ كَلَامِهِمْ: رأَيت جَرادًا عَلَى جَرادةٍ كَقَوْلِهِمْ: رأَيت نَعَامًا عَلَى نَعَامَةٍ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَذَلِكَ موضوعٌ عَلَى مَا يُحَافِظُونَ عَلَيْهِ، وَيَتْرُكُونَ غيرَه بِالْغَالِبِ إِليه مِنْ إِلزام المؤَنث العلامةَ المشعرةَ بالتأْنيث، وإِن كَانَ أَيضًا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاسِعًا كَثِيرًا، يَعْنِي المؤَنث الَّذِي لَا عَلَامَةَ فِيهِ كَالْعَيْنِ والقدْر والعَناق وَالْمُذَكَّرَ الَّذِي فِيهِ علامةُ التأْنيث كَالْحَمَامَةِ والحَيَّة؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ الأَصمعي إِذا اصفَرَّت الذكورُ وَاسْوَدَّتِ الإِناثُ ذَهَبَ عَنْهُ الأَسماء إِلا الجرادَ يَعْنِي أَنه اسْمٌ لَا يُفَارِقُهَا؛ وَذَهَبَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْجَرَادِ إِلى أَنه آخِرُ أَسمائه كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ أَعرابي: تَرَكْتُ جَرَادًا كأَنه نَعَامَةٌ جَاثِمَةٌ.

وجُردت الأَرضُ، فَهِيَ مجرودةٌ إِذا أَكل الجرادُ نَبْتَها.

وجَرَدَ الجرادُ الأَرضَ يَجْرُدُها جَرْدًا: احْتَنَكَ مَا عَلَيْهَا مِنَ النَّبَاتِ فَلَمْ يُبق مِنْهُ شَيْئًا؛ وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ جَرادًا بِذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما مَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرضٌ مجرودةٌ، مِنَ الْجَرَادِ، فَالْوَجْهُ عِنْدِي أَن يَكُونَ مَفْعُولَةً مِنْ جَرَدَها الجرادُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِلْآخَرِ أَن يَعْنِيَ بِهَا كثرةَ الْجَرَادِ، كَمَا قَالُوا أَرضٌ موحوشةٌ كثيرةُ الْوَحْشِ، فَيَكُونُ عَلَى صِيغَةِ مَفْعُولٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ إِلا بِحَسَبِ التَّوَهُّمِ كأَنه جُردت الأَرض أَي حَدَثَ فِيهَا الْجَرَادُ، أَو كأَنها رُميَتْ بِذَلِكَ، فأَما الجرادةُ اسْمُ فَرَسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُرَحْبيل، فإِنما سُمِّيَتْ بِوَاحِدِ الْجَرَادِ عَلَى التَّشْبِيهِ لَهَا بِهَا، كَمَا سَمَّاهَا بَعْضُهُمْ خَيْفانَةً.

وجَرادةُ العَيَّار: اسْمُ فُرَسٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

والجَرَدُ: أَن يَشْرَى جِلْدُ الإِنسان مِنْ أَكْلِ الجَرادِ.

وجُردَ الإِنسانُ، بِصِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، إِذا أَكل الجرادَ فَاشْتَكَى بطنَه، فَهُوَ مجرودٌ.

وجَرِدَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، جَرَدًا، فَهُوَ جَرِدٌ: شَرِيَ جِلْدُه مِنْ أَكل الجرادِ.

وجُرِدَ الزرعُ: أَصابه الجرادُ.

وَمَا أَدري أَيُّ الجرادِ عارَه أَي أَيُّ النَّاسِ ذَهَبَ بِهِ.

وَفِي الصِّحَاحِ: مَا أَدري أَيُّ جَرادٍ عارَه.

وجَرادَةُ: اسمُ امرأَةٍ ذَكَرُوا أَنها غَنَّتْ رِجَالًا بَعَثَهُمْ عَادٌ إِلى الْبَيْتِ يَسْتَسْقُونَ فأَلهتهم عَنْ ذَلِكَ؛ وإِياها عَنَى ابْنُ مُقْبِلٍ بِقَوْلِهِ:

سِحْرًا كَمَا سَحَرَتْ جَرادَةُ شَرْبَها، ***بِغُرورِ أَيامٍ ولَهْوِ ليالِ

والجَرادَتان: مُغَنِّيَتَانِ لِلنُّعْمَانِ؛ وَفِي قِصَّةِ أَبي رِغَالٍ: فَغَنَّتْهُ الجرادَتان.

التَّهْذِيبُ: وَكَانَ بِمَكَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَيْنَتَانِ يُقَالُ هُمَا الْجَرَادَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِحُسْنِ الصَّوْتِ وَالْغِنَاءِ.

وخيلٌ جَرِيدَةٌ: لَا رَجَّالَةَ فِيهَا؛ وَيُقَالُ: نَدَبَ القائدُ جَريدَةً مِنَ الْخَيْلِ إِذا لَمْ يُنْهِضْ مَعَهُمْ رَاجِلًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ عَيْرًا وأُتُنَه:

يُقَلِّبُ بالصَّمَّانِ قُودًا جَريدةً، ***تَرامَى بِهِ قِيعانُهُ وأَخاشِبُه

قَالَ الأَصمعي: الجَريدةُ الَّتِي قَدْ جَرَدَها مِنَ الصِّغار؛ وَيُقَالُ: تَنَقَّ إِبلًا جَرِيدَةً أَي خِيَارًا شِدَادًا.

أَبو مَالِكٍ: الجَريدةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْخَيْلِ.

والجاروديَّةُ: فِرَقَةٌ مِنَ الزَّيْدِيَّةِ نُسِبُوا إِلى الْجَارُودِ زِيَادِ بْنِ أَبي زِيَادٍ.

وَيُقَالُ: جَريدة مِنَ الْخَيْلِ لِلْجَمَاعَةِ جُرِّدَتْ مِنْ سَائِرِهَا لِوَجْهٍ.

والجَريدة: سَعفة طَوِيلَةٌ رَطْبَةٌ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: هِيَ رَطْبَةً سفعةٌ وَيَابِسَةً جريدةٌ؛ وَقِيلَ: الْجَرِيدَةُ لِلنَّخْلَةِ كَالْقَضِيبِ لِلشَّجَرَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلى اشْتِقَاقِ الْجَرِيدَةِ فَقَالَ: هِيَ السَّعَفَةُ الَّتِي تُقَشَّرُ مِنْ خُوصِهَا كَمَا يُقَشَّرُ الْقَضِيبُ مِنْ وَرَقِهِ، وَالْجَمْعُ جَريدٌ وجَرائدُ؛ وَقِيلَ: الْجَرِيدَةُ السعَفة مَا كَانَتْ، بِلُغَةِ أَهل الْحِجَازِ؛ وَقِيلَ: الْجَرِيدُ اسْمُ وَاحِدٍ كَالْقَضِيبِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالصَّحِيحُ أَن الْجَرِيدَ جَمْعُ جَرِيدَةٍ كَشَعِيرٍ وَشَعِيرَةٍ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «ائْتني بِجَرِيدَةٍ».

وَفِي الْحَدِيثِ: «كُتِبَ الْقُرْآنُ فِي جَرائدَ»، جَمْعُ جَرِيدَةٍ؛ الأَصمعي: هُوَ الجَريد عِنْدَ أَهل الْحِجَازِ، وَاحِدَتُهُ جَرِيدَةٌ، وَهُوَ الْخُوصُ وَالْجُرْدَانُ.

الْجَوْهَرِيُّ: الْجَرِيدُ الَّذِي يُجْرَدُ عَنْهُ الْخُوصُ وَلَا يُسَمَّى جَرِيدًا مَا دَامَ عَلَيْهِ الْخُوصُ، وإِنما يُسَمَّى سَعَفًا.

وَكُلُّ شَيْءٍ قَشَرْتَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَدْ جَرَدْتَهُ عَنْهُ، وَالْمَقْشُورُ: مَجْرُودٌ، وَمَا قُشِرَ عَنْهُ: جُرادة.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الْقُلُوبُ أَربعة: قَلْبٌ أَجرَدُ فِيهِ مثلُ السِّرَاجِ يُزْهِرُ»أَي لَيْسَ فِيهِ غِلٌّ وَلَا غِشٌّ، فَهُوَ عَلَى أَصل الْفِطْرَةِ فَنُورُ الإِيمان فِيهِ يُزهر.

ويومٌ جَريد وأَجْرَدُ: تَامٌّ، وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

وعامٌ جَريد أَي تَامٌّ.

وَمَا رأَيته مُذْ أَجْرَدانِ وجَريدانِ ومُذْ أَبيضان: يريدُ يَوْمَيْنِ أَو شَهْرَيْنِ تَامَّيْنِ.

والمُجَرَّدُ والجُردانُ، بِالضَّمِّ: الْقَضِيبُ مِنْ ذَوَاتِ الْحَافِرِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الذَّكَرُ مَعْمُومًا بِهِ، وَقِيلَ هُوَ فِي الإِنسان أَصل وَفِيمَا سِوَاهُ مُسْتَعَارٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ:

إِذا رَوِينَ عَلَى الخِنْزِير مِنْ سَكَرٍ، ***نادَيْنَ: يَا أَعظَمَ القِسِّين جُرْدانا

الْجَمْعُ جَرادين.

والجَرَدُ فِي الدَّوَابِّ: عَيْبٌ مَعْرُوفٌ، وَقَدْ حُكِيَتْ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ جَرِدَ جَرَدًا.

قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الجَرَدُ وَرَمٌ فِي مؤَخر عُرْقُوبِ الْفَرَسِ يَعْظُمُ حَتَّى يمنعَه المشيَ والسعيَ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ أَسمعه لِغَيْرِهِ وَهُوَ ثِقَةٌ مأْمون.

والإِجْرِدُّ: نَبْتٌ يَدُلُّ عَلَى الكمأَة، وَاحِدَتُهُ إِجْرِدَّةٌ؛ قَالَ:

جَنَيْتُها مِنْ مُجْتَنىً عَويصِ، ***مِنْ مَنْبِتِ الإِجْرِدِّ والقَصيصِ

النَّضِرُ: الإِجْرِدَّ بَقْلٌ يُقَالُ لَهُ حَبٌّ كأَنه الْفُلْفُلُ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِجْرِدٌ، بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، مِثْلُ إِثمد، وَمَنْ ثُقِّلَ، فَهُوَ مِثْلُ الإِكْبِرِّ، يُقَالُ: هُوَ إِكْبِرُّ قَوْمِهِ.

وجُرادُ: اسْمُ رَمَلَةٍ فِي الْبَادِيَةِ.

وجُراد وجَراد وجُرادَى: أَسماء مَوَاضِعَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعَرَبِ: تَرَكْتُ جَرادًا كأَنها نَعَامَةٌ بَارِكَةٌ.

والجُراد والجُرادة: اسْمُ رَمْلَةٍ بأَعلى الْبَادِيَةِ.

وَالْجَارِدُ وأُجارد، بِالضَّمِّ: مَوْضِعَانِ أَيضًا، وَمِثْلُهُ أُباتر.

والجُراد: مَوْضِعٌ فِي دِيَارِ تَمِيمٍ.

يُقَالُ: جَرَدُ القَصِيم وَالْجَارُودُ وَالْمَجْرَدُ وَجَارُودٌ أَسماء رِجَالٍ.

ودَرابُ جِرْد: مَوْضِعٌ.

فأَما قَوْلُ سِيبَوَيْهِ: فَدِرَابُ جِرْدَ كَدَجَاجَةٍ وَدِرَابُ جِرْدَيْنِ كَدَجَاجَتَيْنِ فإِنه لَمْ يُرِدْ أَن هُنَالِكَ دِرَابَ جِرْدين، وإِنما يُرِيدُ أَن جِرْد بِمَنْزِلَةِ الْهَاءِ فِي دَجَاجَةٍ، فَكَمَا تَجِيءُ بِعَلَمِ التَّثْنِيَةِ بَعْدَ الْهَاءِ فِي قَوْلِكَ دَجَاجَتَيْنِ كَذَلِكَ تَجِيءُ بِعَلَمِ التَّثْنِيَةِ بَعْدَ جِرْدَ، وإِنما هُوَ تَمْثِيلٌ مِنْ سِيبَوَيْهِ لَا أَن دِرَابَ جِرْدَيْنِ مَعْرُوفٌ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

تدلَّى عَلَيْهَا بَيْنَ سِبٍّ وخَيْطَةٍ ***بِجَرْداءَ، مِثْلِ الوَكْفِ يَكْبُو غُرابُها

يَعْنِي صَخْرَةً مَلْسَاءَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ يَصِفُ مُشْتَارًا لِلْعَسَلِ تَدَلَّى عَلَى بُيُوتِ النَّحْلِ.

وَالسَّبُّ: الْحَبْلُ.

وَالْخَيْطَةُ: الْوَتِدُ.

وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهَا تَعُودُ عَلَى النَّحْلِ.

وَقَوْلُهُ: بِجَرْدَاءَ يُرِيدُ بِهِ صَخْرَةً مَلْسَاءَ كَمَا ذُكِرَ.

وَالْوَكْفُ: النَّطْعُ شَبَّهَهَا بِهِ لِمَلَاسَتِهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ: يَكْبُو غُرَابُهَا أَي يَزْلَقُ الْغُرَابُ إِذا مَشَى عَلَيْهَا؛ التَّهْذِيبُ: قَالَ الرِّيَاشِيُّ أَنشدني الأَصمعي فِي النُّونِ مَعَ الْمِيمِ:

أَلا لَهَا الوَيْلُ عَلَى مُبين، ***عَلَى مُبِينٍ جَرَدِ القَصِيم

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِحَنْظَلَةَ بْنِ مُصْبِحٍ، وأَنشد صَدْرَهُ: يَا رِيَّها اليومَ عَلَى مُبين

مُبِينُ: اسْمُ بِئْرٍ، وَفِي الصِّحَاحِ: اسْمُ مَوْضِعٍ بِبِلَادِ تَمِيمٍ.

والقَصِيم: نَبْتٌ.

والأَجاردة مِنَ الأَرض: مَا لَا يُنْبِتُ؛ وأَنشد فِي مِثْلِ ذَلِكَ:

يطعُنُها بخَنْجَرٍ مِنْ لَحْمٍ، ***تَحْتَ الذُّنابى فِي مكانٍ سُخْن

وَقِيلَ: القَصيم مَوْضِعٌ بِعَيْنِهِ مَعْرُوفٌ فِي الرِّمَالِ الْمُتَّصِلَةِ بِجِبَالِ الدَّعْنَاءِ.

وَلَبَنٌ أَجْرَدُ: لَا رَغْوَةَ لَهُ؛ قَالَ الأَعشى:

ضَمِنَتْ لَنَا أَعجازَه أَرماحُنا، ***مِلءَ المراجِلِ، والصريحَ الأَجْرَدا

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


56-لسان العرب (تجر)

تجر: تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْرًا وتِجَارَةً؛ بَاعَ وَشَرَى، وَكَذَلِكَ اتَّجَرَ وَهُوَ افْتَعَل، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى الخَمَّار قَالَ الأَعشى:

ولَقَدْ شَهِدْتُ التَّاجِرَ ***الأُمَّانَ، مَوْرُودًا شَرَابُهْ

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ».

قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنَ التِّجَارَةِ لأَنه يَشْتَرِي بِعَمَلِهِ الثَّوَابَ وَلَا يَكُونُ مِنَ الأَجر عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لأَن الْهَمْزَةَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ وإِنما يُقَالُ فِيهِ يأْتَجِرُ.

الْجَوْهَرِيُّ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي بَائِعَ الْخَمْرِ تَاجِرًا؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

ولَقَدْ أَروحُ عَلَى التِّجَارِ مُرَجَّلًا، ***مَذِلًا بِمالي، لَيِّنًا أَجْيادي

أَي مَائِلًا عُنُقي مِنَ السُّكْرِ.

ورجلٌ تاجِرٌ، وَالْجَمْعُ تِجارٌ، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ، وتُجَّارٌ وتَجْرٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وصَحْبٍ؛ فأَما قَوْلُهُ:

إِذا ذُقْتَ فَاهَا قلتَ: طَعمُ مُدامَةٍ ***مُعَتَّقَةٍ، مِمَّا يَجِيءُ بِهِ التُّجُرْ

فَقَدْ يَكُونُ جَمْعَ تِجَارٍ، عَلَى أَن سِيبَوَيْهِ لَا يَطْرُدُ جَمْعَ الْجَمْعِ؛ وَنَظِيرُهُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ قِرَاءَةُ مَنْ قرأَ: فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ؛ قَالَ: هُوَ جَمْعُ رهانٍ الَّذِي هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ وَحَمَلَهُ أَبو عليُّ عَلَى أَنه جَمْعُ رَهْن كَسَحْل وسُحُلٍ، وإِنما ذَلِكَ لِمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ مِنَ التَّحْجِيرِ عَلَى جَمْعِ الْجَمْعِ إِلا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ التُّجُرُ فِي الْبَيْتِ مِنْ بَابِ: " أَنا ابنُ ماويَّةَ إِذْ جَدَّ النَّقُرْ عَلَى نَقْلِ الْحَرَكَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ التُّجُرُ جَمْعُ تَاجِرٍ كَشَارِفٍ وشُرُفٍ وَبَازِلٍ وبُزُلٍ، إِلا أَنه لَمْ يُسْمَعْ إِلا فِي هَذَا الْبَيْتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن التُّجَّار يُبعثون يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وبَرَّ وصَدَقَ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: سَمَّاهُمْ فُجَّارًا لِمَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنَ الأَيمان الْكَاذِبَةِ وَالْغَبَنِ وَالتَّدْلِيسِ وَالرِّبَا الَّذِي لَا يَتَحَاشَاهُ أَكثرهم أَو لَا يَفْطِنُونَ لَهُ، وَلِهَذَا قَالَ فِي تَمَامِهِ: إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ؛ وَقِيلَ: أَصل التَّاجِرِ عِنْدَهُمُ الخمَّار يَخُصُّونَهُ بِهِ مِنْ بَيْنِ التُّجَّارِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" أَبي ذَرٍّ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَن التَّاجِرَ فَاجِرٌ "؛ والتَّجْرُ: اسمٌ لِلْجَمْعِ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ؛ وَقَوْلُ الأَخطل:

كَأَنَّ فَأْرَةَ مِسْكٍ غارَ تاجِرُها، ***حَتَّى اشْتَراها بِأَغْلَى بَيْعِهِ التَّجِرُ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه عَلَى التَّشْبِيهِ كَطَهِرٍ فِي قَوْلِ الْآخَرِ: خَرَجْت مُبَرَّأً طَهِرَ الثِّيابِ "وأَرضَ مَتْجَرَةٌ: يُتَّجَرُ إِليها؛ وَفِي الصِّحَاحِ: يَتَّجِرُ فِيهَا.

وَنَاقَةٌ تَاجِرٌ: نَافِقَةٌ فِي التِّجَارَةِ وَالسُّوقِ؛ قَالَ النَّابِغَةُ: " عِفَاءٌ قِلاصٍ طَارَ عَنْهَا تَواجِر "وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي ضِدِّهَا كَاسِدَةٌ.

التَّهْذِيبُ: الْعَرَبُ تَقُولُ نَاقَةٌ تَاجِرَةٌ إِذا كَانَتْ تَنْفُقُ إِذا عُرِضَتْ عَلَى الْبَيْعِ لِنَجَابَتِهَا، وَنُوقٌ تَوَاجِرُ؛ وأَنشد الأَصمعي: " مَجَالِحٌ فِي سِرِّها التَّواجِرُ "وَيُقَالُ: ناقةٌ تاجِرَةٌ وأُخرى كَاسِدَةٌ.

ابْنُ الأَعرابي: تَقُولُ الْعَرَبُ إِنه لَتَاجِرٌ بِذَلِكَ الأَمر أَي حَاذِقٌ؛ وأَنشد:

لَيْسَتْ لِقَوْمِي بالكَتِيفِ تِجارَةٌ، ***لكِنَّ قَوْمِي بالطِّعانِ تِجَارُ

وَيُقَالُ: رَبِحَ فلانٌ فِي تِجارَتِهِ إِذا أَفْضَلَ، وأَرْبَحَ إِذا صَادَفَ سُوقًا ذاتَ رِبْحٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


57-لسان العرب (حضر)

حضر: الحُضورُ: نَقِيضُ المَغيب والغَيْبةِ؛ حَضَرَ يَحْضُرُ حُضُورًا وحِضَارَةً؛ ويُعَدَّى فَيُقَالُ: حَضَرَه وحَضِرَه.

يَحْضُرُه، وَهُوَ شَاذٌّ، وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ.

وأَحْضَرَ الشيءَ وأَحْضَرَه إِياه، وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرةِ فلان وحِضْرَتِه وحُضْرَتِه وحَضَرِه ومَحْضَرِه، وكلَّمتُه بِحَضْرَةِ فُلَانٍ وبمَحْضَرٍ مِنْهُ أَي بِمَشْهَدٍ مِنْهُ، وَكَلَّمْتُهُ أَيضًا بِحَضَرِ فُلَانٍ، بِالتَّحْرِيكِ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: بِحَضَرِ فُلَانٍ، بِالتَّحْرِيكِ.

الْجَوْهَرِيُّ: حَضْرَةُ الرَّجُلِ قُرْبهُ وفِناؤه.

وَفِي حَدِيثِ عمرو ابن سَلِمَة.

الجَرْمِيِّ: كُنَّا بِحَضْرَةِ ماءٍ "أَي عِنْدَهُ؛ وَرَجُلٌ حاضِرٌ وَقَوْمٌ حُضَّرٌ وحُضُورٌ.

وإِنه لحَسنُ الحُضْرَةِ والحِضْرَةِ إِذَا حَضَرَ بِخَيْرٍ.

وَفُلَانٌ حَسَنُ المَحْضَرِ إِذا كَانَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الغائبَ بِخَيْرٍ.

أَبو زَيْدٍ: هُوَ رَجُلٌ حَضِرٌ إِذا حَضَرَ بِخَيْرٍ.

وَيُقَالُ: إِنه لَيَعْرِفُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ ومَنْ بِعَقْوَتِه.

الأَزهري: الحَضْرَةُ قُرْبُ الشَّيْءِ، تَقُولُ: كنتُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:

فَشَلَّتْ يَدَاهُ يومَ يَحْمِلُ رايَةً ***إِلى نَهْشَلٍ، والقومُ حَضْرَة نَهْشَلِ

وَيُقَالُ: ضَرَبْتُ فُلَانًا بِحَضْرَةِ فُلَانٍ وبمَحْضَرِه.

اللَّيْثُ: يُقَالُ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وأَهل الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: حَضِرَتْ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ تَحْضَرُ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ حَضِرَ القاضِيَ امرأَةٌ تَحْضَرُ؛ قَالَ: وإِنما أُنْدِرَتِ التَّاءُ لِوُقُوعِ الْقَاضِي بَيْنَ الْفِعْلِ والمرأَة؛ قَالَ الأَزهري: وَاللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ حَضَرَتْ تَحْضُرُ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ تَحْضُرُ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وأَنشدنا أَبو ثَرْوانَ العُكْلِيُّ لِجَرِيرٍ عَلَى لُغَةِ حَضِرَتْ:

مَا مَنْ جَفانا إِذا حاجاتُنا حَضِرَتْ، ***كَمَنْ لَنَا عندَه التَّكْريمُ واللَّطَفُ

والحَضَرُ: خلافُ البَدْوِ.

والحاضِرُ: خِلَافُ الْبَادِي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يَبِعْ حاضِرٌ لِبادٍ»؛ الْحَاضِرُ: الْمُقِيمُ فِي المُدُنِ والقُرَى، وَالْبَادِي: الْمُقِيمُ بِالْبَادِيَةِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَن يأْتي البَدَوِيُّ الْبَلْدَةَ وَمَعَهُ قُوتٌ يَبْغِي التَّسارُعَ إِلى بَيْعِهِ رَخِيصًا، فَيَقُولُ لَهُ الحَضَرِيُّ: اتْرُكْهُ عِنْدِي لأُغالِيَ فِي بَيْعِهِ، فَهَذَا الصَّنِيعُ مُحَرَّمٌ لِمَا فِيهِ مِنَ الإِضرار بِالْغَيْرِ، وَالْبَيْعُ إِذا جَرَى مَعَ الْمُغَالَاةِ مُنْعَقِدٌ، وَهَذَا إِذا كَانَتِ السِّلْعَةُ مِمَّا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِليها كالأَقوات، فإِن كانت لا تَعُمُّ أَو كَثُرَتِ الأَقواتُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهَا فَفِي التَّحْرِيمِ تردُّد يُعَوَّلُ فِي أَحدهما عَلَى عُمُومِ ظَاهِرِ النَّهْيِ وحَسْمِ بابِ الضِّرارِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مَعْنَى الضَّرُورَةِ.

وَقَدْ جَاءَ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه سُئِلَ لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ: لَا يَكُونُ لَهُ سِمْسارًا "؛ وَيُقَالُ: فُلَانٌ مَنْ أَهل الْحَاضِرَةِ وَفُلَانٌ مَنْ أَهل الْبَادِيَةِ، وَفُلَانٌ حَضَرِيٌّ وَفُلَانٌ بَدَوِيٌّ.

والحِضارَةُ: الإِقامة فِي الحَضَرِ؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ.

وَكَانَ الأَصمعي يَقُولُ: الحَضارَةُ، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ الْقُطَامِيُّ:

فَمَنْ تَكُنِ الحَضَارَةُ أَعْجَبَتْه، ***فأَيَّ رجالِ بادِيَةٍ تَرانَا

وَرَجُلٌ حَضِرٌ: لَا يَصْلُحُ لِلسَّفَرِ.

وَهُمْ حُضُورٌ أَي حاضِرُونَ، وَهُوَ فِي الأَصل مَصْدَرٌ.

والحَضَرُ والحَضْرَةُ والحاضِرَةُ: خِلَافُ الْبَادِيَةِ، وَهِيَ المُدُنُ والقُرَى والرِّيفُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَن أَهلها حَضَرُوا الأَمصارَ ومَساكِنَ الديار التي لا يَكُونُ لَهُمْ بِهَا قَرارٌ، وَالْبَادِيَةُ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ اشتقاقُ اسمِها مِنْ بَدا يَبْدُو أَي بَرَزَ وَظَهَرَ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لَزِمَ ذَلِكَ الموضعَ خَاصَّةً دونَ مَا سِوَاهُ؛ وأَهل الحَضَرِ وأَهل البَدْوِ.

والحاضِرَةُ والحاضِرُ: الحَيُّ الْعَظِيمُ أَو القومُ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الحَيُّ إِذا حَضَرُوا الدارَ الَّتِي بِهَا مُجْتَمَعُهُمْ؛ قَالَ:

فِي حاضِرٍ لَجِبٍ بالليلِ سامِرُهُ، ***فيهِ الصَّواهِلُ والرَّاياتُ والعَكَرُ

فَصَارَ الْحَاضِرُ اسْمًا جَامِعًا كالحاجِّ والسَّامِرِ والجامِل "وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ كَمَا يُقَالُ حاضِرُ طَيِءٍ، وَهُوَ جَمْعٌ، كَمَا يُقَالُ سامِرٌ للسُّمَّار وحاجٌّ للحُجَّاج؛ قَالَ حَسَّانُ:

لَنَا حاضِرٌ فَعْمٌ وبادٍ، كَأَنَّهُ ***قطِينُ الإِلهِ عِزَّةً وتَكَرُّما

وَفِي حَدِيثِ أُسامة: «وَقَدْ»، أَحاطوا بِحَاضِرٍ فَعْمٍ.

الأَزهري: الْعَرَبُ تَقُولُ حَيٌّ حاضِرٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، إِذا كَانُوا نَازِلِينَ عَلَى ماءٍ عِدٍّ، يُقَالُ: حاضِرُ بَنِي فلانٍ عَلَى ماءِ كَذَا وَكَذَا، وَيُقَالُ لِلْمُقِيمِ عَلَى الْمَاءِ: حاضرٌ، وَجَمْعُهُ حُضُورٌ، وَهُوَ ضِدُّ الْمُسَافِرِ، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْمُقِيمِ: شاهدٌ وخافِضٌ.

وَفُلَانٌ حاضِرٌ بِمَوْضِعِ كَذَا أَي مُقِيمٌ بِهِ.

وَيُقَالُ: عَلَى الْمَاءِ حاضِرٌ وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ حُضَّارٌ إِذا حَضَرُوا الْمِيَاهَ، ومَحاضِرُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:

فالوادِيانِ وكلُّ مَغْنًى مِنْهُمُ، ***وَعَلَى المياهِ مَحاضِرٌ وخِيامُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى بَيْتٍ قَبْلَهُ وَهُوَ:

أَقْوَى وعُرِّيَ واسِطٌ فَبِرامُ، ***مِنْ أَهلِهِ، فَصُوائِقٌ فَخُزامُ

وَبَعْدَهُ:

عَهْدِي بِهَا الحَيَّ الجميعَ، وفيهمُ، ***قبلَ التَّفَرُّقِ، مَيْسِرٌ ونِدامُ

وَهَذِهِ كُلُّهَا أَسماء مَوَاضِعَ.

وَقَوْلُهُ: عَهْدِي رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْحَيُّ مَفْعُولٌ بِعَهْدِي وَالْجَمِيعُ نَعْتُهُ، وفيهم قبل التفرق ميسر: جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَقَدْ سَدَّتْ مَسَدَّ خَبَرِ المبتدإِ الَّذِي هُوَ عَهْدِي عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: عَهْدِي بِزَيْدٍ قَائِمًا؛ وَنِدَامِ: يَجُوزُ أَن يَكُونُ جَمْعُ نَدِيمٍ كَظَرِيفٍ وَظِرَافٍ وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ جَمْعَ نَدْمَانَ كَغَرْثَانَ وَغِرَاثٍ.

قَالَ: وحَضَرَةٌ مِثْلُ كَافِرٍ وكَفَرَةٍ.

وَفِي حَدِيثِ آكِلِ الضَّبِّ: «أَنَّى تَحضُرُنِي منَ اللهِ حاضِرَةٌ»؛ أَراد الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَحْضُرُونَهُ.

وحاضِرَةٌ: صِفَةُ طَائِفَةٍ أَو جَمَاعَةٍ.

وَفِي حَدِيثِ الصُّبْحِ: «فإِنها مَشْهُودَة مَحْضُورَةٌ»؛ أي يَحْضُرُهَا مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

وحاضِرُو المِياهِ وحُضَّارُها: الْكَائِنُونَ عَلَيْهَا قَرِيبًا مِنْهَا لأَنهم يَحْضُرُونها أَبدًا.

والمَحْضَرُ: المَرْجِعُ إِلى الْمِيَاهِ.

الأَزهري: المحضَر عِنْدَ الْعَرَبِ الْمَرْجِعُ إِلى أَعداد الْمِيَاهِ، والمُنْتَجَعُ: المذهبُ فِي طَلَبِ الكَلإِ، وَكُلُّ مُنْتَجَعٍ مَبْدًى، وَجَمْعُ المَبْدَى مَبادٍ، وَهُوَ البَدْوُ؛ والبادِيَةُ أَيضًا: الَّذِينَ يَتَبَاعَدُونَ عَنْ أَعداد الْمِيَاهِ ذَاهِبِينَ فِي النُّجَعِ إِلى مَساقِط الْغَيْثِ وَمَنَابِتِ الكلإِ.

والحاضِرُون: الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إِلى المَحاضِرِ فِي الْقَيْظِ وَيَنْزِلُونَ على الماء العِدِّ ولا يفارقونه إِلى أَن يَقَعَ رَبِيعٌ بالأَرض يملأُ الغُدْرانَ فَيَنْتَجِعُونَهُ، وَقَوْمٌ ناجِعَةٌ ونواجِعُ وبادِيَةٌ وبوادٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

وَكُلُّ مَنْ نَزَلَ عَلَى ماءٍ عِدٍّ وَلَمْ يَتَحَوَّلْ عَنْهُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، فَهُوَ حَاضِرٌ، سَوَاءٌ نَزَلُوا فِي القُرَى والأَرْياف والدُّورِ المَدَرِيَّة أَو بَنَوُا الأَخْبِيَةَ عَلَى الْمِيَاهِ فَقَرُّوا بِهَا ورَعَوْا مَا حَوَالَيْهَا مِنَ الكلإِ.

وأَما الأَعراب الَّذِينَ هُمْ بَادِيَةٌ فإِنما يَحْضُرُونَ الْمَاءَ العِدَّ شُهُورَ الْقَيْظِ لِحَاجَةِ النَّعَمِ إِلى الوِرْدِ غِبًّا ورَفْهًا وافْتَلَوُا الفَلَوَات المُكْلِئَةَ، فإِن وَقَعَ لَهُمْ رَبِيعٌ بالأَرض شَرِبُوا مِنْهُ فِي مَبْدَاهُمْ الَّذِي انْتَوَوْهُ، فإِن استأْخر القَطْرُ ارْتَوَوْا عَلَى ظُهُورِ الإِبل بِشِفاهِهِمْ وَخَيْلِهِمْ مِنْ أَقرب ماءٍ عِدٍّ يَلِيهِمْ، وَرَفَعُوا أَظْماءَهُمْ إِلى السِّبْعِ والثِّمْنِ والعِشْرِ، فإِن كَثُرَتْ فِيهِ الأَمطار والْتَفَّ العُشْبُ وأَخْصَبَتِ الرياضُ وأَمْرَعَتِ البلادُ جَزَأَ النَّعَمُ بالرَّطْبِ وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمَاءِ، وإِذا عَطِشَ المالُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَرَدَتِ الغُدْرانَ والتَّناهِيَ فشربتْ كَرْعًا وَرُبَّمَا سَقَوْها مِنَ الدُّحْلانِ.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الجَرْمِيّ: «كُنَّا بحاضِرٍ يَمُرُّ بِنَا الناسُ»؛ الحاضِرُ: القومُ النُّزُولُ عَلَى مَاءٍ يُقِيمُونَ بِهِ وَلَا يَرْحَلُونَ عَنْهُ.

وَيُقَالُ للمَناهِل: المَحاضِر لِلِاجْتِمَاعِ وَالْحُضُورِ عَلَيْهَا.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: رُبَّمَا جَعَلُوا الحاضِرَ اسْمًا لِلْمَكَانِ الْمَحْضُورِ.

يُقَالُ: نَزَلْنَا حاضِرَ بَنِي فُلَانٍ، فَهُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «هِجْرَةُ الحاضِرِ»؛ أَي الْمَكَانُ الْمَحْضُورُ.

وَرَجُلٌ حَضِرٌ وحَضُرٌ: يَتَحَيَّنُ طَعَامَ النَّاسِ حَتَّى يَحْضُرَهُ.

الأَزهري عَنِ الأَصمعي: الْعَرَبُ تَقُولُ: اللَّبَنُ مُحْتَضَرٌ ومَحْضُورٌ فَغَطِّهِ أَي كَثِيرُ الْآفَةِ يَعْنِي يَحْتَضِرُه الْجِنُّ وَالدَّوَابُّ وَغَيْرُهَا مِنْ أَهل الأَرض، والكُنُفُ مَحْضُورَةٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن هَذِهِ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ»؛ أَي يحضُرها الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}؛ أَي أَن تُصِيبَنِي الشَّيَاطِينُ بِسُوءٍ.

وحُضِرَ الْمَرِيضُ واحْتُضِرَ إِذا نَزَلَ بِهِ الموتُ؛ وحَضَرَنِي الهَمُّ واحْتَضَرَنِي وتَحَضَّرَنِي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرَ الأَيامَ وَمَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ثُمَّ قَالَ: والسَّبْتُ أَحْضَرُ إِلا أَن له أَشْطُرًا»؛ أَي هُوَ أَكثر شَرًّا، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ الحُضُورِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: حُضِرَ فُلَانٌ واحْتُضِرَ إِذا دَنَا مَوْتُهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَرُوِيَ بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ: هُوَ تَصْحِيفٌ، وَقَوْلُهُ: إِلا أَن لَهُ أَشْطُرًا أَي خَيْرًا مَعَ شَرِّهِ؛ وَمِنْهُ: حَلَبَ الدهرَ أَشْطُرَهُ أَي نَالَ خَيْرَهُ وشَرَّه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «قُولُوا مَا يَحْضُرُكُمْ»؛ أَي مَا هُوَ حَاضِرٌ عِنْدَكُمْ مَوْجُودٌ ولا تتكلفوا غَيْرَهُ.

والحَضِيرَةُ: مَوْضِعُ التَّمْرِ، وأَهل الفَلْحِ.

يُسَمُّونها الصُّوبَةَ، وَتُسَمَّى أَيضًا الجُرْنَ والجَرِينَ.

والحَضِيرَةُ: جَمَاعَةُ الْقَوْمِ، وَقِيلَ: الحَضِيرَةُ مِنَ الرِّجَالِ السبعةُ أَو الثمانيةُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ أَو شِهَابٌ ابْنُهُ:

رِجالُ حُرُوبٍ يَسْعَرُونَ، وحَلْقَةٌ ***مِنَ الدَّارِ، لَا يأْتي عَلَيْهَا الحضائِرُ

وَقِيلَ: الحَضِيرَةُ الأَربعة وَالْخَمْسَةُ يَغْزُونَ، وَقِيلَ: هُمُ النَّفَرُ يُغْزَى بِهِمْ، وَقِيلَ: هُمُ الْعَشَرَةُ فَمَنْ دُونَهُمْ؛ الأَزهري: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي قَوْلِ سَلْمَى الجُهَنِيَّةِ تَمْدَحُ رَجُلًا وَقِيلَ تَرْثِيهِ:

يَرِدُ المِياهَ حَضِيرَةً ونَفِيضَةً، ***وِرْدَ القَطاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

اخْتُلِفَ فِي اسْمِ الْجُهَنِيَّةِ هَذِهِ فَقِيلَ: هِيَ سَلْمَى بِنْتُ مَخْدَعَةَ الْجُهَنِيَّةُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْجَاحِظُ: هِيَ سُعْدَى بِنْتُ الشَّمَرْدَل الْجُهَنِيَّةُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الحَضِيرَةُ مَا بَيْنَ سَبْعَةِ رِجَالٍ إِلى ثَمَانِيَةٍ، والنَّفِيضَةُ: الْجَمَاعَةُ وَهُمُ الَّذِينَ يَنْفُضُونَ.

وَرَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: حَضِيرَةُ النَّاسِ ونَفِيضَتُهم الجماعَةُ.

قَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً، قَالَ: حَضِيرَةٌ يَحْضُرُهَا النَّاسُ يَعْنِي الْمِيَاهَ وَنَفِيضَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا أَحد؛ حُكِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَنَصْبُ حَضِيرَةً وَنَفِيضَةً عَلَى الْحَالِ أَي خَارِجَةً مِنَ الْمِيَاهِ؛ وَرُوِيَ عَنِ الأَصمعي: الْحَضِيرَةُ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْمِيَاهَ، وَالنَّفِيضَةُ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ الْخَيْلَ وَهُمُ الطَّلَائِعُ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ ابْنِ الأَعرابي أَحسن.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النَّفِيضَةُ جَمَاعَةٌ يُبْعَثُونَ لِيَكْشِفُوا هَلْ ثَمَّ عَدُوٌّ أَو خَوْفٌ.

والتُّبَّعُ: الظِّلُّ.

واسْمَأَلَّ: قَصُرَ، وَذَلِكَ عِنْدَ نِصْفِ النَّهَارِ؛ وَقَبْلَهُ:

سَبَّاقُ عادِيةٍ ورأْسُ سَرِيَّةٍ، ***ومُقاتِلٌ بَطَلٌ وَهادٍ مِسْلَعُ

المِسْلَعُ: الَّذِي يَشُقُّ الْفَلَاةَ شَقًّا، وَاسْمُ المَرْثِيِّ أَسْعَدُ وَهُوَ أَخو سَلْمَى؛ وَلِهَذَا تَقُولُ بَعْدَ الْبَيْتِ:

أَجَعَلْتَ أَسْعَدَ لِلرِّماحِ دَرِيئَةً، ***هَبَلَتْكَ أُمُّكَ أَيَّ جَرْدٍ تَرْقَعُ؟

الدَّرِيئَةُ: الحَلْقَةُ الَّتِي يُتَعَلَّمُ عَلَيْهَا الطَّعْنُ؛ وَالْجَمْعُ الْحَضَائِرُ؛ قَالَ أَبو شِهَابٍ الْهُذَلِيُّ:

رِجالُ حُرُوبٍ يَسْعَرُونَ، وحَلْقَةٌ ***مِنَ الدَّارِ، لَا تَمْضِي عَلَيْهَا الحضائِرُ

وَقَوْلُهُ رِجَالٌ بَدَلٌ مِنْ مَعْقِلٍ فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ وَهُوَ:

فَلَوْ أَنهمْ لَمْ يُنْكِرُوا الحَقَّ، لَمْ يَزَلْ ***لَهُمْ مَعْقِلٌ مِنَّا عَزيزٌ وناصِرُ

يَقُولُ: لَوْ أَنهم عَرَفُوا لَنَا مُحَافَظَتَنَا لَهُمْ وذبَّنا عَنْهُمْ لَكَانَ لَهُمْ مِنَّا مَعْقِلٌ يلجؤُون إِليه وَعِزٌّ يَنْتَهِضُونَ بِهِ.

والحَلْقَةُ: الجماعة.

وقوله: لَا تَمْضِي عَلَيْهَا الْحَضَائِرُ أَي لا تَجُوزُ الْحَضَائِرُ عَلَى هَذِهِ الْحَلْقَةِ لِخَوْفِهِمْ مِنْهَا.

ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ الْفَارِسِيُّ حَضيرَة الْعَسْكَرِ مُقَدِّمَتُهُمْ.

والحَضِيرَةُ: مَا تُلْقِيهِ المرأَة مِنْ وِلادِها.

وحَضِيرةُ النَّاقَةِ: مَا أَلقته بَعْدَ الْوِلَادَةِ.

والحَضِيرَةُ: انْقِطَاعُ دَمِهَا.

والحَضِيرُ: دمٌ غَلِيظٌ يَجْتَمِعُ فِي السَّلَى.

والحَضِيرُ: مَا اجْتَمَعَ فِي الجُرْحِ مِنْ جاسِئَةِ المادَّةِ، وَفِي السَّلَى مِنَ السُّخْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

يُقَالُ: أَلقت الشاةُ حَضِيرتَها، وَهِيَ مَا تُلْقِيهِ بَعْدَ الوَلَدِ مِنَ السُّخْدِ والقَذَى.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: الحَضِيرَةُ الصَّاءَةُ تَتْبَعُ السَّلَى وَهِيَ لِفَافَةُ الْوَلَدِ.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ يُصِيبُهُ اللَّمَمُ والجُنُونُ: فُلَانٌ مُحْتَضَرٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:

وانْهَمْ بِدَلْوَيْكَ نَهِيمَ المُحْتَضَرْ، ***فَقَدْ أَتتكَ زُمَرًا بَعْدَ زُمَرْ

والمُحْتَضِرُ: الَّذِي يأْتي الحَضَرَ.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لأُذُنِ الْفِيلِ: الحاضِرَةُ وَلِعَيْنِهِ الْحُفَاصَةُ.

وَقَالَ: الحَضْرُ التَّطْفِيلُ وَهُوَ الشَّوْلَقِيُّ وَهُوَ القِرْواشُ والواغِلُ، والحَضْرُ: الرَّجُلُ الواغِلُ الرَّاشِنُ.

والحَضْرَةُ: الشِّدَّةُ.

والمَحْضَرُ: السِّجِلُّ.

والمُحاضَرَةُ: الْمُجَالَدَةُ، وَهُوَ أَن يُغَالِبَكَ عَلَى حَقِّكَ فَيَغْلِبَكَ عَلَيْهِ وَيَذْهَبَ بِهِ.

قَالَ اللَّيْثُ: المُحاضَرَةُ أَن يُحاضِرَك إِنسان بِحَقِّكَ فَيَذْهَبَ بِهِ مُغَالَبَةً أَو مُكَابَرَةً.

وحاضَرْتُه: جَاثَيْتُهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَهُوَ كَالْمُغَالَبَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ.

وَرَجُلٌ حَضْرٌ: ذُو بَيَانٍ.

وَتَقُولُ: حَضَارِ بِمَعْنَى احْضُرْ، وحَضَارِ، مَبْنِيَّةٌ مُؤَنَّثَةٌ مَجْرُورَةٌ أَبدًا: اسْمُ كَوْكَبٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ نَجْمٌ يَطْلُعُ قَبْلَ سُهَيْلٍ فَتَظُنُّ النَّاسُ بِهِ أَنه سُهَيْلٌ وَهُوَ أَحد المُحْلِفَيْنِ.

الأَزهري: قَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يُقَالُ طَلَعَتْ حَضَارِ والوَزْنُ، وَهُمَا كَوْكَبَانِ يَطْلُعانِ قَبْلَ سُهَيْلٍ، فإِذا طَلَعَ أَحدهما ظُنَّ أَنه سُهَيْلٌ للشبه، وكذلك الوزن إِذا طَلَعَ، وَهُمَا مُحْلِفانِ عِنْدَ الْعَرَبِ، سُمِّيَا مُحْلِفَيْنِ لاخْتِلافِ النَّاظِرِينَ لَهُمَا إِذا طَلَعَا، فَيَحْلِفُ أَحدهما أَنه سُهَيْلٌ وَيَحْلِفُ الْآخَرُ أَنه لَيْسَ بِسُهَيْلٍ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: حَضَارِ نَجْمٌ خَفِيٌّ فِي بُعْدٍ؛ وأَنشد:

أَرَى نارَ لَيْلَى بالعَقِيقِ كأَنَّها ***حَضَارِ، إِذا مَا أَعْرَضَتْ، وفُرُودُها

الفُرُودُ: نُجُومٌ تَخْفَى حَوْلَ حَضَارِ؛ يُرِيدُ أَن النَّارَ تُخْفَى لِبُعْدِهَا كَهَذَا النَّجْمِ الَّذِي يَخْفَى فِي بُعْدٍ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَما مَا كَانَ آخِرُهُ رَاءً فَإِنَّ أَهل الحجاز وبني تَمِيمٍ مُتَّفِقُونَ فِيهِ، وَيَخْتَارُ فِيهِ بَنُو تَمِيمٍ لُغَةَ أَهل الْحِجَازِ، كَمَا اتَّفَقُوا فِي تَرَاكِ الْحِجَازِيَّةِ لأَنها هِيَ اللُّغَةُ الأُولى القُدْمَى، وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَن إِجْناحَ الأَلف أَخفُعَلَيْهِمْ يَعْنِي الإِمالةَ لِيَكُونَ الْعَمَلُ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ، فَكَرِهُوا تركَ الخِفَّةِ وَعَلِمُوا أَنهم إِن كَسَرُوا الرَّاءَ وَصَلُوا إِلى ذَلِكَ وأَنهم إِن رَفَعُوا لَمْ يَصِلُوا؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَرْفَعَ وَتَنْصِبَ مَا كَانَ فِي آخِرِهِ الرَّاءُ، قَالَ: فَمِنْ ذَلِكَ حَضَارِ لِهَذَا الْكَوْكَبِ، وسَفَارِ اسْمُ مَاءٍ، وَلَكِنَّهُمَا مُؤَنَّثَانِ كماوِيَّةَ؛ وَقَالَ: فكأَنَّ تِلْكَ اسْمُ الْمَاءَةِ وَهَذِهِ اسْمُ الْكَوْكَبَةِ.

والحِضارُ مِنَ الإِبل: الْبَيْضَاءُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَفِي الصِّحَاحِ: الحِضارُ مِنَ الإِبل الهِجانُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ يَصِفُ الْخَمْرَ:

فَمَا تُشْتَرَى إِلَّا بِرِبْحٍ، سِباؤُها ***بَناتُ المَخاضِ: شُؤمُها وحِضارُها

شُومُهَا: سُودُهَا؛ يَقُولُ: هَذِهِ الْخَمْرُ لَا تُشْتَرَى إِلا بالإِبل السُّودِ مِنْهَا وَالْبِيضِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالشُّومُ بِلَا هَمْزٍ جَمْعُ أَشيم وَكَانَ قِيَاسُهُ أَن يُقَالَ شِيمٌ كأَبيض وبِيضٍ، وأَما أَبو عَمْرٍو الشَّيْباني فَرَوَاهُ شِيمُهَا عَلَى الْقِيَاسِ وَهُمَا بِمَعْنًى، الواحدُ أَشْيَمُ؛ وأَما الأَصمعي فَقَالَ: لَا وَاحِدَ لَهُ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي: يَجُوزُ أَن يُجْمَعَ أَشْيَمُ عَلَى شُومٍ وَقِيَاسُهُ شِيمٌ، كَمَا قَالُوا نَاقَةً عَائِطٌ لِلَّتِي لَمْ تَحْمِلْ وَنُوقٌ عُوط وعِيط، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ إِن الْوَاحِدَ مِنَ الحِضَارِ والجمعَ سَوَاءٌ فَفِيهِ عِنْدُ النَّحْوِيِّينَ شَرْحٌ، وَذَلِكَ أَنه قَدْ يَتَّفِقُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ عَلَى وَزْنٍ وَاحِدٍ إِلا أَنك تُقَدِّرُ الْبِنَاءَ الَّذِي يَكُونُ لِلْجَمْعِ غَيْرِ الْبَنَاءِ الَّذِي يَكُونُ لِلْوَاحِدِ، وَعَلَى ذَلِكَ قَالُوا نَاقَةٌ هِجانٌ وَنُوقٌ هِجانٌ، فَهِجَانٌ الَّذِي هُوَ جَمْعٌ يُقَدَّرُ عَلَى فِعَالٍ الَّذِي هُوَ جمعٌ مِثْلُ ظِرافٍ، وَالَّذِي يَكُونُ مِنْ صِفَةِ الْمُفْرَدِ تُقَدِّرُهُ مُفْرَدًا مِثْلَ كِتَابٍ، وَالْكَسْرَةُ فِي أَول مُفْرَدِهِ غَيْرُ الْكَسْرَةِ الَّتِي فِي أَوَّل جَمْعِهِ، وَكَذَلِكَ نَاقَةٌ حِضار وَنُوقٌ حِضار، وَكَذَلِكَ الضَّمَّةُ فِي الفُلْكِ إِذا كَانَ المفردَ غَيْرُ الضَّمَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْفُلْكِ إِذا كَانَ جَمْعًا، كَقَوْلِهِ تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}؛ هَذِهِ الضَّمَّةُ بإِزاء ضَمَّةِ الْقَافِ فِي قَوْلِكَ القُفْل لأَنه وَاحِدٌ، وأَما ضَمَّةُ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}: فَهِيَ بإِزاء ضَمَّةِ الْهَمْزَةِ فِي أُسْدٍ، فَهَذِهِ تُقَدِّرُهَا بأَنها فُعْلٌ الَّتِي تَكُونُ جَمْعًا، وَفِي الأَوَّل تُقَدِّرُهَا فُعْلًا الَّتِي هِيَ لِلْمُفْرَدِ.

الأَزهري: والحِضارُ مِنَ الإِبل الْبِيضُ اسْمٌ جَامِعٌ كالهِجانِ؛ وَقَالَ الأُمَوِيُّ: نَاقَةٌ حِضارٌ إِذا جَمَعَتْ قُوَّةً ورِحْلَةً يَعْنِي جَوْدَةَ الْمَشْيِ؛ وَقَالَ شِمْرٌ: لَمْ أَسمع الحِضارَ بِهَذَا الْمَعْنَى إِنما الحِضارُ بِيضُ الإِبل، وأَنشد بَيْتَ أَبي ذُؤَيْبٍ شُومُها وحِضارُها أَي سُودُهَا وَبِيضُهَا.

والحَضْراءُ مِنَ النُّوقِ وَغَيْرِهَا: المُبادِرَةُ فِي الأَكل وَالشُّرْبِ.

وحَضارٌ: اسْمٌ لِلثَّوْرِ الأَبيض.

والحَضْرُ: شَحْمَةٌ فِي الْعَانَةِ وَفَوْقَهَا.

والحُضْرُ والإِحْضارُ: ارْتِفَاعُ الْفَرَسِ فِي عَدْوِه؛ عَنِ الثَّعْلَبِيَّةِ، فالحُضْرُ الِاسْمُ والإِحْضارُ الْمَصْدَرُ.

الأَزهري: الحُضْرُ والحِضارُ مِنْ عَدْوِ الدَّوَابِّ وَالْفِعْلُ الإِحْضارُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" وُرُودِ النَّارِ: ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بأَعمالهم كَلَمْحِ الْبَرْقِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كحُضْرِ الْفَرَسِ "؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ" أَنه أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ حُضْرَ فَرَسِهِ بأَرض الْمَدِينَةِ "؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" كعبِ بْنِ عُجْرَةَ: فانطلقتُ مُسْرِعًا أَو مُحْضِرًا فأَخذتُ بِضَبُعِهِ.

وَقَالَ كُرَاعٌ: أَحْضَرَ الفرسُ إِحْضَارًا وحُضْرًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وَعِنْدِي أَن الحُضْرَ الِاسْمُ والإِحْضارَ المصدرُ.

واحْتَضَرَ الفرسُ إِذا عَدَا، واسْتَحْضَرْتُه: أَعْدَيْتُه؛ وَفَرَسٌ مِحْضِيرٌ، الذَّكَرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَفَرَسٌ مِحْضِيرٌ ومِحْضارٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ للأُنثى، إِذا كَانَ شَدِيدَ الحُضْرِ، وَهُوَ العَدْوُ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ مِحْضار، وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ، وَهَذَا فَرَسٌ مِحْضير وَهَذِهِ فَرَسٌ مِحْضِيرٌ.

وحاضَرْتُهُ حِضارًا: عَدَوْتُ مَعَهُ.

وحُضَيْرُ الكتائِب: رجلٌ مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ، وَقَدْ سَمَّتْ حاضِرًا ومُحاضِرًا وحُضَيْرًا.

والحَضْرُ: مَوْضِعٌ.

الأَزهري: الحَضْرُ مَدِينَةٌ بُنِيَتْ قَدِيمًا بَيْنَ دِجْلَةَ والفُراتِ.

والحَضْرُ: بلد بإِزاء مَسْكِنٍ.

وحَضْرَمَوْتُ: اسْمُ بَلَدٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَقَبِيلَةٌ أَيضًا، وَهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا وَاحِدًا، إِن شِئْتَ بَنَيْتَ الِاسْمِ الأَول عَلَى الْفَتْحِ وأَعربت الثَّانِي إِعراب ما لا يَنْصَرِفُ فَقُلْتَ: هَذَا حَضْرَمَوْتُ، وإِن شِئْتَ أَضفت الأَول إِلى الثَّانِي فَقُلْتَ: هَذَا حَضْرُمَوْتٍ، أَعربت حَضْرًا وَخَفَضْتَ مَوْتًا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي سَامِّ أَبْرَص ورَامَهُرْمُز، وَالنِّسْبَةُ إِليه حَضْرَمِيُّ، وَالتَّصْغِيرُ حُضَيْرُمَوْتٍ، تُصَغِّرُ الصَّدْرَ مِنْهُمَا؛ وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ تَقُولُ: فُلَانٌ مِنَ الحَضارِمَةِ.

وَفِي حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: «أَنه كَانَ يَمْشِي فِي الحَضْرَمِيِ»؛ هُوَ النَّعْلُ الْمَنْسُوبَةُ إِلى حَضْرَمَوْتَ المتخذة بها.

وحَضُورٌ: جَبَلٌ بِالْيَمَنِ أَو بَلَدٌ بِالْيَمَنِ، بِفَتْحِ الْحَاءِ؛ وَقَالَ غَامِدٌ:

تَغَمَّدْتُ شَرًّا كَانَ بَيْنَ عَشِيرَتِي، ***فَأَسْمَانِيَ القَيْلُ الحَضُورِيُّ غامِدَا

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عنها: «كُفِّنَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبَيْنِ حَضُورِيَّيْن»؛ هُمَا مَنْسُوبَانِ إِلى حَضُورٍ قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ.

وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ حَضِيرٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ، قَاعٌ يَسِيلُ عَلَيْهِ فَيْضُ النَّقِيع، بالنون.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


58-لسان العرب (فجر)

فجر: الفَجْر: ضَوْءُ الصَّبَاحِ وَهُوَ حُمْرة الشَّمْسِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، وَهُمَا فَجْرانِ: أَحدهما المُسْتطيل وَهُوَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحان، وَالْآخَرُ المُسْتطير وَهُوَ الصَّادِقُ المُنتَشِر فِي الأُفُقِ الَّذِي يُحَرِّم الأَكل وَالشُّرْبَ عَلَى الصَّائِمِ وَلَا يَكُونُ الصبحُ إِلا الصادقَ.

الْجَوْهَرِيُّ: الفَجْر فِي آخِرِ اللَّيْلِ كالشَّفَقِ فِي أَوله.

ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدِ انْفَجَر الصُّبْحُ وتَفَجَّر وانْفَجَر عَنْهُ الليلُ.

وأَفْجَرُوا: دَخَلُوا فِي الفَجْر كَمَا تَقُولُ: أَصبحنا، مِنَ الصُّبْحِ؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ:

فَمَا أَفْجَرَتْ حَتَّى أَهَبَّ بسُدْفةٍ ***عَلاجيمُ، عَيْنُ ابْنَيْ صُباحٍ تُثيرُها

وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ: كُنْتُ أَحُلّ إِذا أَسحرْت، وأَرْحَلُ إِذا أَفْجَرْت.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أُعَرّسُ إِذا أَفْجَرْت، وأَرْتَحِل إِذا أَسْفَرْت»أَي أَنزل لِلنَّوْمِ وَالتَّعْرِيسِ إِذا قَرُبْتُ مِنَ الْفَجْرِ، وأَرتحل إِذا أَضاء.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: أَنت مُفْجِرٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلى أَن تَطْلُعَ الشَّمْسُ.

وَحَكَى الْفَارِسِيُّ: طريقٌ فَجْرٌ وَاضِحٌ: والفِجار: الطُّرُقُ مِثْلُ الفِجاج.

ومُنْفَجَرُ الرَّمْلِ: طَرِيقٌ يَكُونُ فِيهِ.

والفَجْر: تَفْجيرُكَ الْمَاءَ، والمَفْجَرُ: الْمَوْضِعُ يَنْفَجِرُ مِنْهُ.

وانْفَجَر الماءُ والدمُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ السَّيَّالِ وتَفَجَّرَ: انْبَعَثَ سَائِلًا.

وفَجَرَه هُوَ يَفْجُره، بِالضَّمِّ، فَجْرًا فانْفَجَرَ أَي بَجَسه فانْبَجَس.

وفَجَّره: شُدّد لِلْكَثْرَةِ؛ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ: «فَجَّرْت بِنَفْسِكَ»أَي نَسَبْتَهَا إِلى الفُجورِ كَمَا يُقَالُ فَسَّقْته وكَفَّرْته.

والمَفْجَرةُ والفُجْرةُ، بِالضَّمِّ: مُنْفَجَر الْمَاءِ مِنَ الْحَوْضِ وَغَيْرِهِ، وَفِي الصِّحَاحِ: مَوْضِعُ تَفَتُّح الْمَاءِ.

وفَجْرَة الْوَادِي: مُتَّسعه الَّذِي يَنْفَجِرُ إِليه الْمَاءُ كثُجْرَته.

والمَفْجَرة: أَرض تَطْمَئِنُّ فَتَنْفَجِرُ فِيهَا أَوْدِية.

وأَفْجَرَ يَنْبُوعًا مِنْ مَاءٍ أَي أَخرجه.

ومَفاجر الْوَادِي: مَرَافضه حَيْثُ يرفضُّ إِليه السَّيْلُ.

وانْفَجَرَتْ عَلَيْهِمُ الدَّوَاهِي: أَتتهم مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَثِيرَةً بَغْتة؛ وانْفَجَر عَلَيْهِمُ القومُ، وَكُلُّهُ عَلَى التَّشْبِيهِ.

والمُتَفَجِّر: فرس الحرث بْنِ وَعْلَةَ كأَنه يَتَفَجَّرُ بِالْعَرَقِ.

والفَجَر: الْعَطَاءُ وَالْكَرَمُ وَالْجُودُ وَالْمَعْرُوفُ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:

مَطاعيمُ للضَّيْفِ حِينَ الشِّتاءِ، ***شُمُّ الأُنوفِ، كثِيرُ والفَجَرْ

وَقَدْ تَفَجَّرَ بالكَرم وانْفَجَرَ.

أَبو عُبَيْدَةَ: الفَجَر الْجُودُ الْوَاسِعُ وَالْكَرَمُ، مِنَ التَّفَجُّرِ فِي الْخَيْرِ؛ قَالَ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الأَنصاري يُخَاطِبُ مَالِكَ بْنَ الْعَجْلَانِ:

يَا مالِ، والسَّيِّدُ المُعَمَّمُ قَدْ ***يُبْطِرُه، بَعْدَ رأْيهِ، السَّرَفُ

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا، وأَنت بِمَا ***عِندك راضٍ، والرأْي مختلفُ

يَا مالِ، والحَقُّ إِن قَنِعْتَ بِهِ، ***فالحقُّ فِيهِ لأَمرِنا نَصَفُ

خالفتَ فِي الرأْي كلَّ ذِي فَجَرٍ، ***والحقُّ، يَا مالِ، غيرُ مَا تَصِفُ

إِنَّ بُجَيْرًا مَوْلًى لِقَوْمِكُمُ، ***والحَقُّ يُوفى بِهِ ويُعْتَرَفُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَبَيْتُ الِاسْتِشْهَادِ أَورده الْجَوْهَرِيُّ:

خالفتَ فِي الرأْي كلَّ ذِي فَجَرٍ، ***والبَغْيُ، يَا مالِ، غيرُ مَا تَصفُ

قَالَ: وَصَوَابُ إِنشاده: وَالْحَقُّ، يَا مَالِ، غَيْرُ مَا تَصِفُ "قَالَ: وَسَبَبُ هَذَا الشِّعْرِ أَنه كَانَ لِمَالِكِ بْنِ العَجْلان مَوْلى يُقَالُ لَهُ بُجَيْر، جَلَسَ مَعَ نَفَرٍ مِنَ الأَوْس مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَتَفَاخَرُوا، فَذَكَرَ بُجَيْر مَالِكَ بْنَ الْعَجْلَانِ وَفَضَّلَهُ عَلَى قَوْمِهِ، وَكَانَ سَيِّدَ الحيَّيْنِ فِي زَمَانِهِ، فَغَضِبَ جَمَاعَةٌ مِنْ كَلَامِ بُجير وَعَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَوس يُقَالُ لَهُ سُمَيْر بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أَحد بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَتَلَهُ، فَبَعَثَ مَالِكٌ إِلى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَن ابْعَثُوا إِليَّ بسُمَيْر حَتَّى أَقتله بَمَوْلايَ، وإِلا جَرَّ ذَلِكَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا، فَبَعَثُوا إِليه: إِنا نُعْطِيكَ الرِّضَا فَخُذْ مِنَّا عَقْله، فَقَالَ: لَا آخُذُ إِلا دِيَةَ الصَّريحِ، وَكَانَتْ دِيَةُ الصَّريح ضِعْفَ دِيَةِ المَوْلى، وَهِيَ عَشْرٌ مِنَ الإِبل، ودِيةُ الْمَوْلَى خَمْسٌ، فَقَالُوا لَهُ: إِن هَذَا مِنْكَ اسْتِذْلَالٌ لَنَا وبَغْيٌ عَلَيْنَا، فأَبى مَالِكٌ إِلا أَخْذَ دِيَةِ الصَّرِيحِ، فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْحَرْبُ إِلى أَن اتَّفَقُوا عَلَى الرِّضَا بِمَا يَحْكُمُ بِهِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ، فَحَكَمَ بأَن يُعْطى دِيَةَ الْمَوْلَى، فأَبى مَالِكٌ، ونَشِبَت الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ.

ابْنُ الأَعرابي: أَفْجَر الرجلُ إِذا جَاءَ بالفَجَرِ، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ، وأَفْجَرَ إِذا كَذَبَ، وأَفْجَرَ إِذا عَصَى، وأَفْجَرَ إِذا كَفَرَ.

والفَجَرُ: كَثْرَةُ الْمَالِ؛ قَالَ أَبو مِحْجن الثَّقَفِيُّ:

فَقَدْ أَجُودُ، وَمَا مَالي بِذِي فَجَرٍ، ***وأَكْتُم السرَّ فِيهِ ضَرْبَةُ العُنُقِ

وَيُرْوَى: بِذِي فَنَعٍ، وَهُوَ الْكَثْرَةُ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.

والفَجَر: الْمَالُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.

والفَاجِرُ: الْكَثِيرُ المالِ، وَهُوَ عَلَى النَّسَبِ.

وفَجَرَ الإِنسانُ يَفْجُرُ فَجْرًا وفُجورًا: انْبَعَثَ فِي الْمَعَاصِي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن التُّجَّار يُبْعثون يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ»؛ الفُجَّار: جَمْعُ فاجِرٍ وَهُوَ المْنْبَعِث فِي الْمَعَاصِي وَالْمَحَارِمِ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي العُمْرة: «كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشهر الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجورِ»أَي مِنْ أَعظم الذُّنُوبِ؛ وَقَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ:

وَلَا تَخْنُوا عَلَيَّ وَلَا تَشِطُّوا ***بقَوْل الفَجْرِ، إِنَّ الفَجْر حُوبُ

يُرْوَى: الفَجْر والفَخْر، فَمَنْ قَالَ الفَجْر فَمَعْنَاهُ الْكَذِبُ، وَمَنْ قَالَ الفَخر فَمَعْنَاهُ التَّزَيُّد فِي الْكَلَامِ.

وفَجَرَ فُجُورًا أَي فَسَقَ.

وفَجَر إِذا كَذَبَ، وأَصله الْمَيْلُ.

والفاجرُ: الْمَائِلُ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

قَتَلْتُم فَتًى لَا يَفْجُر اللهَ عَامِدًا، ***وَلَا يَحْتَويه جارُه حِينَ يُمْحِلُ

أَي لَا يَفْجُر أَمرَ اللَّهِ أَي لَا يَمِيلُ عَنْهُ وَلَا يَتْرُكُهُ.

الْهَوَازِنِيُّ: الافْتِجارُ فِي الْكَلَامِ اخْتِراقُه مِنْ غَيْرِ أَن تَسْمعه مِنْ أَحد فَتَتَعَلَّمَهُ؛ وأَنشد:

نازِعِ القومَ، إِذا نازَعْتَهُمْ، ***بأَرِيبٍ أَو بِحَلَّافٍ أَبَلْ

يَفْجُرُ القولَ وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ، ***وَهُوَ إِنْ قيلَ: اتَّقِ اللهَ، احْتَفَلْ

وفَجَرَ الرجلُ بالمرأَة يَفْجُر فُجورًا: زَنَا.

وفَجَرَت المرأَة: زَنَتْ.

وَرَجُلٌ فاجِرٌ مِنْ قَوْمٍ فُجَّارٍ وفَجَرَةٍ، وفَجورٌ مِنْ قَوْمٍ فُجُرٍ، وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ}؛ أَي يَقُولُ سَوْفَ أَتوب؛ وَيُقَالُ: يُكْثرُ الذنوبَ وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه يسوِّف بِالتَّوْبَةِ وَيُقَدِّمُ الأَعمال السَّيِّئَةَ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعلم، ليَكْفُر بِمَا قُدَّامَهُ مِنَ الْبَعْثِ.

وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ: فَجَرَ إِذا رَكِبَ رأْسه فَمَضَى غَيْرَ مُكْتَرِثٍ.

قَالَ: وَقَوْلُهُ لِيَفْجُرَ، لِيَمْضِيَ أَمامه رَاكِبًا رأْسه.

قَالَ: وفَجَرَ أَخطأَ فِي الْجَوَابِ، وفَجَرَ مِنْ مَرَضِهِ إِذا برأَ، وفَجَرَ إِذا كلَّ بصرُه.

ابْنُ شُمَيْلٍ: الفُجورُ الرُّكُوبُ إِلى مَا لَا يَحِلُّ.

وَحَلَفَ فُلَانٌ عَلَى فَجْرَةَ وَاشْتَمَلَ عَلَى فَجْرَةَ إِذا رَكِبَ أَمرًا قَبِيحًا مِنْ يَمِينٍ كَاذِبَةٍ أَو زِنًا أَو كَذِبٍ.

قَالَ الأَزهري: فالفَجْرُ أَصله الشَّقُّ، وَمِنْهُ أُخِذَ فَجْرُ السِّكْرِ، وَهُوَ بَثْقُه، وَيُسَمَّى الفَجْرُ فَجْرًا لانْفِجارِه، وَهُوَ انْصِدَاعُ الظُّلْمَةِ عَنْ نُورِ الصُّبْحِ.

والفُجورُ: أَصله الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ؛ قَالَ لَبِيدٌ يُخَاطِبُ عَمَّهُ أَبا مَالِكٍ:

فقلتُ: ازْدَجِرْ أَحْناءَ طَيْرِكَ، واعْلَمَنْ ***بأَنك، إِنْ قَدَّمْتَ رِجْلَكَ، عاثِرُ

فأَصْبَحْتَ أَنَّى تأْتِها تَبْتَئِسْ بِهَا، ***كِلا مَرْكَبَيها، تحتَ رِجْلِكَ، شاجِرُ

فإِن تَتَقَدَّمْ تَغْشَ مِنْهَا مُقَدَّمًا ***غَلِيظًا، وإِن أَخَّرْتَ فالكِفْلُ فاجِرُ

يَقُولُ: مَقْعد الرَّدِيفِ مَائِلٌ.

وَالشَّاجِرُ: الْمُخْتَلِفُ.

وأَحْناءَ طَيرِك أَي جَوَانِبَ طَيْشِكَ.

وَالْكَاذِبُ فاجرٌ وَالْمُكَذِّبُ فاجرٌ وَالْكَافِرُ فاجرٌ لِمَيْلِهِمْ عَنِ الصِّدْقِ وَالْقَصْدِ؛ وَقَوْلُ الأَعرابي لِعُمَرَ: " فَاغْفِرْ لَهُ، اللهمَّ، إِن كَانَ فَجَرْ أَي مَالَ عَنِ الْحَقِّ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ: أَي ليُكَذِّبَ بِمَا أَمامه مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ.

وَقَوْلُ النَّاسِ فِي الدُّعَاءِ: ونَخْلَع وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُك؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: مَنْ يَفْجُرُك مَنْ يَعْصِيكَ وَمَنْ يُخَالِفُكَ، وَقِيلَ: مَنْ يَضَعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَن رَجُلًا استأْذنه فِي الْجِهَادِ فَمَنَعَهُ لِضَعْفِ بَدَنِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِن أَطلقتني وإِلا فَجَرْتُكَ»؛ قَوْلُهُ: وإِلا فَجَرْتُكَ؛ أي عَصَيْتُكَ وَخَالَفْتُكَ وَمَضَيْتُ إِلى الغَزْوِ، يُقَالُ: مَالَ مِنْ حَقٍّ إِلى بَاطِلٍ.

ابْنُ الأَعرابي: الفَجُور والفاجِرُ الْمَائِلُ وَالسَّاقِطُ عَنِ الطَّرِيقِ.

وَيُقَالُ للمرأَة: يَا فَجارِ" مَعْدُولٌ عَنِ الفاجِرةِ، يُرِيدُ: يَا فاجِرةُ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: «يَا لَفُجَر»هُوَ مَعْدُولٌ عَنْ فاجِرٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلا فِي النِّدَاءِ غَالِبًا.

وفَجارِ: اسْمٌ للفَجْرَة والفُجورِ مِثْلُ قَطامِ، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:

إِنا اقْتَسَمْنا خُطَّتَيْنا بَيْنَنَا: ***فَحَمَلْتُ بَرَّةَ، واحتملتَ فَجارِ

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي: فَجارِ مَعْدُولَةٌ عَنْ فَجْرَةَ، وفَجْرَةُ عَلَمٌ غَيْرُ مَصْرُوفٍ، كَمَا أَن بَرَّةَ كَذَلِكَ؛ قَالَ: وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ إِنها مَعْدُولَةٌ عَنِ الفَجْرَةِ تَفْسِيرٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَعْنَى لَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ أَن سِيبَوَيْهِ أَراد أَن يعرِّف أَنه مَعْدُولٌ عَنْ فَجْرَةَ عَلَمًا فَيُرِيكَ ذَلِكَ فَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْعَلَمِيَّةِ الْمُرَادِ إِلى لَفْظِ التَّعْرِيفِ فِيهَا الْمُعْتَادِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عدلتَ عَنْ بَرَّةَ قُلْتَ بَرَارِ كَمَا قُلْتَ فَجارِ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنهم عَدَلُوا حَذام وقَطام عَنْ حَاذِمَةَ وَقَاطِمَةَ، وَهُمَا عَلَمَانِ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَن تَكُونَ فَجارِ معدولة عن فَجْرَةَ عَلَمًا أَيضًا.

وأَفْجَرَ الرجلَ: وَجَدَهُ فاجِرًا.

وفَجَرَ أَمرُ الْقَوْمِ: فَسَدَ.

والفُجور: الرِّيبة، وَالْكَذِبُ مِنَ الفُجُورِ.

وَقَدْ رَكِبَ فُلَانٌ فَجْرَةَ وفَجارِ، لَا يُجْرَيان، إِذا كَذَبَ وفَجَرَ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِياكم وَالْكَذِبَ فإِنه مَعَ الفُجُورِ، وَهُمَا فِي النَّارِ»؛ يُرِيدُ الْمَيْلَ عَنِ الصِّدْقِ وأَعمال الْخَيْرِ.

وأَيامُ الفِجارِ: أَيامٌ كَانَتْ بَيْنَ قَيْسٍ وَقُرَيْشٍ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كُنْتُ أَيام الفِجارِ أَنْبُلُ عَلَى عُمُومَتِي»، وَقِيلَ: أَيام الفِجارِ أَيام وَقَائِعَ كَانَتْ بَيْنَ الْعَرَبِ تَفَاجَرُوا فِيهَا بعُكاظَ فاسْتَحَلُّوا الحُرُمات.

الْجَوْهَرِيُّ: الفِجارُ يَوْمٌ مِنْ أَيام الْعَرَبِ، وَهِيَ أَربعة أَفْجِرَةٍ كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ ومَن مَعَهَا مِنْ كِنانَةَ وَبَيْنَ قَيْس عَيْلان فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَتِ الدَّبْرة عَلَى قَيْسٍ، وإِنما سَمَّتْ قُرَيْشٌ هَذِهِ الْحَرْبَ فِجارًا لأَنها كَانَتْ فِي الأَشهر الْحُرُمِ، فَلَمَّا قَاتَلُوا فِيهَا قَالُوا: قَدْ فَجَرْنا فَسُمِّيَتْ فِجارًا.

وفِجاراتُ الْعَرَبِ: مُفَاخَرَاتُهَا، وَاحِدُهَا فِجارٌ.

والفِجاراتُ أَربعة: فِجار الرَّجُلِ، وفِجار المرأَة، وفِجار القِرْد، وفِجار البَرَّاضِ، وَلِكُلِّ فِجار خَبَرٌ.

وفَجَرَ الراكبُ فُجورًا: مَالَ عَنْ سَرْجِهِ.

وفَجَرَ أَيْضًا: مَالَ عَنِ الْحَقِّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: كَذَبَ وفَجَرَ؛ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اسْتَحْمَلَه أَعرابي وَقَالَ: إِن نَاقَتِي قَدْ نَقِبتْ»، فَقَالَ لَهُ: كذبتَ، وَلَمْ يَحْمِلْهُ، فَقَالَ:

أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبو حَفْصٍ عُمَرْ: ***مَا مَسَّها مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ،

فَاغْفِرْ لَهُ، اللهمَّ، إِن كَانَ فَجَرْ أَي كَذَبَ وَمَالَ عَنِ الصِّدْقِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لأَن يُقَدَّمَ أَحدُكم فتُضْرَب عُنُقُه خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَن يَخُوض غَمَراتِ الدُّنْيَا، يَا هَادِيَ الطَّرِيقِ جُرْتَ، إِنما هُوَ الفَجْر أَو الْبَحْرُ»؛ يَقُولُ: إِنِ انْتَظَرْتَ حَتَّى يُضِيءَ لَكَ الفجرُ أَبْصَرْتَ قَصْدَكَ، وإِن خَبَطت الظَّلْمَاءَ وَرَكِبْتَ العَشْواء هَجَمَا بِكَ عَلَى الْمَكْرُوهِ؛ يَضْرِبُ الفَجْر وَالْبَحْرَ مَثَلًا لِغَمَرَاتِ الدُّنْيَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ البحرُ فِي موضعه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


59-لسان العرب (نظر)

نظر: النَّظَر: حِسُّ الْعَيْنِ، نَظَره يَنْظُره نَظَرًا ومَنْظَرًا ومَنْظَرة ونَظَر إِليه.

والمَنْظَر: مَصْدَرُ نَظَر.

اللَّيْثُ: الْعَرَبُ تَقُولُ نَظَرَ يَنْظُر نَظَرًا، قَالَ: وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْمَصْدَرِ تَحْمِلُهُ عَلَى لَفْظِ الْعَامَّةِ مِنَ الْمَصَادِرِ، وَتَقُولُ نَظَرت إِلى كَذَا وَكَذَا مِنْ نَظَر الْعَيْنِ ونَظَر الْقَلْبِ، وَيَقُولُ الْقَائِلُ للمؤمَّل يَرْجُوهُ: إِنما نَنْظُر إِلى اللَّهِ ثُمَّ إِليك أَي إِنما أَتَوَقَّع فَضْلَ اللَّهِ ثُمَّ فَضْلك.

الْجَوْهَرِيُّ: النَّظَر تأَمُّل الشَّيْءِ بِالْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ النَّظَرانُ، بِالتَّحْرِيكِ، وَقَدْ نَظَرت إِلى الشَّيْءِ.

وَفِي حَدِيثِ عِمران بْنِ حُصَين قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: النَّظَر إِلى وَجْهِ عَلَى عِبادة»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ مَعْنَاهُ أَن عَلِيًّا، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، كَانَ إِذا بَرَزَ قَالَ النَّاسُ: لَا إِله إِلا اللَّهُ مَا أَشرفَ هَذَا الْفَتَى لَا إِله إِلا اللَّهُ مَا أَعلمَ هَذَا الْفَتَى لَا إِله إِلا اللَّهُ مَا أَكرم هَذَا الْفَتَى؛ أي مَا أَتْقَى، لَا إِله إِلا اللَّهُ مَا أَشْجَع هَذَا الْفَتَى فَكَانَتْ رُؤْيَتُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، تحملُهم عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ.

والنَّظَّارة: الْقَوْمُ ينظُرون إِلى الشَّيْءِ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}.

قَالَ أَبو إِسحق: قِيلَ مَعْنَاهُ وأَنتم تَرَوْنَهم يغرَقون؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ وأَنتم مُشاهدون تَعْلَمُونَ ذَلِكَ وإِن شَغَلهم عَنْ أَن يَروهم فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَاغِلٌ.

تَقُولُ الْعَرَبُ: دُور آلِ فُلَانٍ تنظُر إِلى دُور آلِ فُلَانٍ أَي هِيَ بإِزائها ومقابِلَةٌ لَهَا.

وتَنَظَّر: كنَظَر.

وَالْعَرَبُ تَقُولُ: دَارِي تنظُر إِلى دَارِ فُلَانٍ، ودُورُنا تُناظِرُ أَي تُقابِل، وَقِيلَ: إِذا كَانَتْ مُحاذِيَةً.

وَيُقَالُ: حَيٌّ حِلالٌ ونَظَرٌ أَيمُتَجَاوِرُونَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

التَّهْذِيبُ: وناظِرُ العَيْنِ النُّقْطَةُ السَّوْدَاءُ الصَّافِيَةُ الَّتِي فِي وَسَطِ سَوَادِ الْعَيْنِ وَبِهَا يَرَى النَّاظِرُ مَا يَرَى، وَقِيلَ: النَّاظِرُ فِي الْعَيْنِ كَالْمِرْآةِ إِذا اسْتَقْبَلْتَهَا أَبصرت فِيهَا شَخْصَكَ.

والنَّاظِرُ فِي المُقْلَةِ: السوادُ الأَصغر الَّذِي فِيهِ إِنْسانُ العَيْنِ، وَيُقَالُ: العَيْنُ النَّاظِرَةُ.

ابْنُ سِيدَهْ: والنَّاظِرُ النُّقْطَةُ السَّوْدَاءُ فِي الْعَيْنِ، وَقِيلَ: هِيَ الْبَصَرُ نَفْسُهُ، وَقِيلَ: هِيَ عِرْقٌ فِي الأَنف وَفِيهِ مَاءُ الْبَصَرِ.

وَالنَّاظِرَانِ: عِرْقَانِ عَلَى حَرْفَيِ الأَنف يَسِيلَانِ مِنَ المُوقَين، وَقِيلَ: هُمَا عِرْقَانِ فِي الْعَيْنِ يَسْقِيَانِ الأَنف، وَقِيلَ: النَّاظِرَانِ عِرْقَانِ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ عَلَى الأَنف مِنْ جَانِبَيْهِ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّاظِرَانِ عِرْقَانِ مُكْتَنِفَا الأَنف؛ وأَنشد لجرير:

وأَشْفِي مِنْ تَخَلُّجِ كُلِّ جِنٍّ، ***وأَكْوِي النَّاظِرَيْنِ مِنَ الخُنَانِ

وَالْخُنَانُ: دَاءٌ يأْخذ النَّاسَ والإِبل، وَقِيلَ: إِنه كَالزُّكَامِ؛ قَالَ الْآخَرُ:

وَلَقَدْ قَطَعْتُ نَواظِرًا أَوْجَمْتُها، ***مِمَّنْ تَعَرَّضَ لِي مِنَ الشُّعَراءِ

قَالَ أَبو زَيْدٍ: هُمَا عِرْقَانِ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ عَلَى الأَنف مِنْ جَانِبَيْهِ؛ وَقَالَ عُتَيْبَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَيُعْرَفُ بِابْنِ فَسْوة:

قَلِيلَة لَحْمِ النَّاظِرَيْنِ، يَزِينُها ***شَبَابٌ ومخفوضٌ مِنَ العَيْشِ بارِدُ

تَناهَى إِلى لَهْوِ الحَدِيثِ كأَنها ***أَخُو سَقْطَة، قَدْ أَسْلَمَتْهُ العَوائِدُ

وَصَفَ مَحْبُوبَتَهُ بأَسالة الْخَدِّ وَقِلَّةِ لَحْمِهِ، وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ.

وَالْعَيْشِ الْبَارِدِ: هُوَ الهَنِيُّ الرَّغَدُ.

وَالْعَرَبُ تُكَنِّي بالبَرْدِ عَنِ النَّعِيمِ وبالحَرِّ عَنِ البُؤسِ، وَعَلَى هَذَا سُمِّيَ النَّوْمُ بَرْدًا لأَنه رَاحَةٌ وتَنَعُّمٌ.

قَالَ اللَّهُ تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا وَلا شَرابًا}؛ قِيلَ: نَوْمًا؛ وَقَوْلُهُ: تَنَاهَى أَي تَنْتَهِي فِي مَشْيِهَا إِلى جَارَاتِهَا لِتَلْهُوَ مَعَهُنَّ، وَشَبَّهَهَا فِي انْتِهَارِهَا عِنْدَ الْمَشْيِ بِعَلِيلٍ سَاقِطٍ لَا يُطِيقُ النُّهُوضَ قَدْ أَسلمته الْعَوَائِدُ لِشِدَّةِ ضَعْفِهِ.

وتَناظَرَتِ النَّخْلَتَانِ: نَظَرَتِ الأُنثى مِنْهُمَا إِلى الفُحَّالِ فَلَمْ يَنْفَعْهُمَا تَلْقِيحٌ حَتَّى تُلْقَحَ مِنْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَى ذَلِكَ أَبو حَنِيفَةَ.

والتَّنْظارُ: النَّظَرُ؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:

فَمَا لَكَ غَيْرُ تَنْظارٍ إِليها، ***كَمَا نَظَرَ اليَتِيمُ إِلى الوَصِيِ

والنَّظَرُ: الِانْتِظَارُ.

يُقَالُ: نَظَرْتُ فُلَانًا وانْتَظَرْتُه بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فإِذا قُلْتَ انْتَظَرْتُ فَلَمْ يُجاوِزْك فِعْلُكَ فَمَعْنَاهُ وَقَفْتُ وَتَمَهَّلْتُ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}، قُرِئَ: انْظُرُونا وأَنْظِرُونا "بِقَطْعِ الأَلف، فَمَنْ قرأَ انْظُرُونا، بِضَمِّ الأَلف، فَمَعْنَاهُ انْتَظِرُونا، وَمَنْ قرأَ أَنْظِرُونا فَمَعْنَاهُ أَخِّرُونا؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قِيلَ مَعْنَى أَنْظِرُونا انْتَظِرُونا أَيضًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:

أَبا هِنْدٍ فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْنَا، ***وأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقِينا

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ أَنْظِرْني أَي انْتَظِرْني قَلِيلًا، وَيَقُولُ الْمُتَكَلِّمُ لِمَنْ يُعْجِلُه: أَنْظِرْني أَبْتَلِع رِيقِي أَي أَمْهِلْنِي.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}؛ الأُولى بِالضَّادِ والأُخرى بالظاءِ؛ قَالَ أَبو إِسحق: يَقُولُ نَضِرَت بِنَعِيم الْجَنَّةِ والنَّظَرِ إِلى رَبِّهَا.

وَقَالَ اللَّهُ تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}؛ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: وَمَنْ قَالَ إِن مَعْنَى قَوْلِهِ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ" يَعْنِي مُنْتَظِرَةً فَقَدْ أَخطأَ، لأَن الْعَرَبَ لَا تَقُولُ نَظَرْتُ إِلى الشَّيْءِ بِمَعْنَى انْتَظَرْتُهُ، "إِنما تَقُولُ نَظَرْتُ فُلَانًا أَي انْتَظَرْتُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْحُطَيْئَةِ:

وَقَدْ نَظَرْتُكُمُ أَبْناءَ صَادِرَةٍ ***لِلْوِرْدِ، طَالَ بِهَا حَوْزِي وتَنْساسِي

وإِذا قُلْتَ نَظَرْتُ إِليه لَمْ يَكُنْ إِلا بِالْعَيْنِ، وإِذا قُلْتَ نَظَرْتُ فِي الأَمر احْتَمَلَ أَن يَكُونَ تَفَكُّرًا فِيهِ وَتَدَبُّرًا بِالْقَلْبِ.

وَفَرَسٌ نَظَّارٌ إِذا كَانَ شَهْمًا طامِحَ الطَّرْفِ حدِيدَ القلبِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ أَبو نُخَيْلَةَ: " يَتْبَعْنَ نَظَّارِيَّةً لَمْ تُهْجَمِ "نَظَّارِيَّةٌ: نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ مِنْ نِتاجِ النَّظَّارِ، وَهُوَ فَحْلٌ مِنْ فُحُولِ الْعَرَبِ؛ قَالَ جَرِيرٌ: " والأَرْحَبِيّ وجَدّها النَّظَّار "لَمْ تُهْجَم: لَمْ تُحْلَبْ.

والمُناظَرَةُ: أَن تُناظِرَ أَخاك فِي أَمر إِذا نَظَرْتُما فِيهِ مَعًا كَيْفَ تأْتيانه.

والمَنْظَرُ والمَنْظَرَةُ: مَا نَظَرْتَ إِليه فأَعجبك أَو سَاءَكَ، وَفِي التَّهْذِيبِ: المَنْظَرَةُ مَنْظَرُ الرَّجُلِ إِذا نَظَرْتَ إِليه فأَعجبك، وامرأَة حَسَنَةُ المَنْظَرِ والمَنْظَرة أَيضًا.

وَيُقَالُ: إِنه لَذُو مَنْظَرَةٍ بِلَا مَخْبَرَةٍ.

والمَنْظَرُ: الشَّيْءُ الَّذِي يُعْجِبُ النَّاظِرَ إِذا نَظَرَ إِليه ويَسُرُّه.

وَيُقَالُ: مَنْظَرُه خَيْرٌ مِنْ مَخْبَرِه.

وَرَجُلٌ مَنْظَرِيٌّ ومَنْظَرانيٌّ، الأَخيرة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ: حَسَنُ المَنْظَرِ؛ وَرَجُلٌ مَنْظَرانيٌّ مَخْبَرانيّ.

وَيُقَالُ: إِن فُلَانًا لَفِي مَنْظَرٍ ومُستَمَعٍ، وَفِي رِيٍّ ومَشْبَع، أَي فِيمَا أَحَبَّ النَّظَرَ إِليه وَالِاسْتِمَاعَ.

وَيُقَالُ: لَقَدْ كُنْتُ عَنْ هَذَا المَقامِ بِمَنْظَرٍ أَي بمَعْزَل فِيمَا أَحْبَبْتَ؛ وَقَالَ أَبو زيد يُخَاطِبُ غُلَامًا قَدْ أَبَقَ فَقُتِلَ:

قَدْ كنتَ فِي مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ، ***عَنْ نَصْرِ بَهْرَاءَ، غَيرَ ذِي فَرَسِ

وإِنه لسديدُ النَّاظِرِ أَي بَرِيءٌ مِنَ التُّهْمَةِ يَنْظُرُ بمِلءِ عَيْنَيْهِ.

وَبَنُو نَظَرَى ونَظَّرَى: أَهلُ النَّظَرِ إِلى النِّسَاءِ والتَّغَزُّل بِهِنَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعرابية لِبَعْلِهَا: مُرَّ بِي عَلَى بَني نَظَرَى، وَلَا تَمُرَّ بِي عَلَى بَنَاتِ نَقَرَى، أَي مُرَّ بِي عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِليّ فأُعجبهم وأَرُوقُهم وَلَا يَعِيبُونَني مِنْ وَرَائِي، وَلَا تَمُرَّ بِي عَلَى النِّسَاءِ اللَّائِي يَنْظُرْنَنِي فيَعِبْنَني حَسَدًا ويُنَقِّرْنَ عَنْ عُيُوبِ مَنْ مَرَّ بِهِنَّ.

وامرأَة سُمْعُنَةٌ نُظْرُنَةٌ وسِمْعَنَةٌ نِظْرَنة، كِلَاهُمَا بِالتَّخْفِيفِ؛ حَكَاهُمَا يَعْقُوبُ وَحْدَهُ: وَهِيَ الَّتِي إِذا تَسَمَّعَتْ أَو تَنَظَّرَتْ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَظَنَّتْ.

والنَّظَرُ: الْفِكْرُ فِي الشَّيْءِ تُقَدِّره وَتَقِيسُهُ مِنْكَ.

والنَّظْرَةُ: اللَّمْحَة بالعَجَلَة؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فإِن لَكَ الأُولى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخرةُ».

والنَّظْرَةُ: الهيئةُ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَعْمَلْ نَظَرُه لَمْ يَعْمَلْ لسانُه؛ وَمَعْنَاهُ أَن النَّظْرَةَ إِذا خرجت بإِبكار الْقَلْبِ عَمِلَتْ فِي الْقَلْبِ، وإِذا خَرَجَتْ بإِنكار الْعَيْنِ دُونَ الْقَلْبِ لَمْ تَعْمَلْ، وَمَعْنَاهُ أَن مَنْ لَمْ يَرْتَدِعْ بِالنَّظَرِ إِليه مِنْ ذَنْبٍ أَذنبه لَمْ يَرْتَدِعْ بِالْقَوْلِ.

الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: ونَظَرَ الدَّهْرُ إِلى بَنِي فُلَانٍ فأَهلكهم؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هُوَ عَلَى المَثَلِ، قَالَ: ولستُ مِنْهُ عَلَى ثِقَةٍ.

والمَنْظَرَةُ: مَوْضِعُ الرَّبِيئَةِ.

غَيْرُهُ: والمَنظَرَةُ مَوْضِعٌ فِي رأْس جَبَلٍ فِيهِ رَقِيبٌ يَنْظُرُ العدوَّ يَحْرُسُه.

الْجَوْهَرِيُّ: والمَنظَرَةُ المَرْقَبَةُ.

ورجلٌ نَظُورٌ ونَظُورَةٌ وناظُورَةٌ ونَظِيرَةٌ: سَيِّدٌ يُنْظَر إِليه، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

الْفَرَّاءُ: يُقَالُ فُلَانٌ نَظُورةُ قَوْمِهِ ونَظِيرَةُ قومهِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْظُرُ إِليه قَوْمُهُ فَيَمْتَثِلُونَ مَا امْتَثَلَهُ، وَكَذَلِكَ هُوَ طَرِيقَتُهم بِهَذَا الْمَعْنَى.

وَيُقَالُ: هُوَ نَظِيرَةُ الْقَوْمِ وسَيِّقَتُهم أَي طَلِيعَتُهم.

والنَّظُورُ: الَّذِي لَا يُغْفِلُ النَّظَرَ إِلى مَا أَهمه.

والمَناظِر: أَشرافُ الأَرضِ لأَنه يُنْظَرُ مِنْهَا.

وتَناظَرَتِ الدَّارانِ: تَقَابَلَتَا.

ونَظَرَ إِليك الجبلُ: قَابَلَكَ.

وإِذا أَخذت فِي طَرِيقِ كَذَا فَنَظَر إِليك الجبلُ فَخُذْ عَنْ يَمِينِهِ أَو يَسَارِهِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}؛ ذَهَبَ أَبو عُبَيْدٍ إِلى أَنه أَراد الأَصنام أَي تُقَابِلُكَ، وَلَيْسَ هُنَالِكَ نَظَرٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ النَّظَرُ لَا يَكُونُ إِلا بمقابلةٍ حَسُنَ وَقَالَ: وَتَرَاهُمْ، وإِن كَانَتْ لَا تَعْقِلُ لأَنهم يَضَعُونَهَا مَوْضِعَ مَنْ يَعْقِلُ.

والنَّاظِرُ: الْحَافِظُ.

وناظُورُ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَغَيْرِهِمَا: حَافِظُه؛ وَالطَّاءُ نَبَطِيَّة.

وَقَالُوا: انْظُرْني أَيِ اصْغ إِليَّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا}.

والنَّظْرَةُ: الرحمةُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}؛ أَي لَا يَرْحَمُهُمْ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن اللَّهَ لَا يَنْظُر إِلى صُوَرِكم وأَموالكم وَلَكِنْ إِلى قُلُوبِكُمْ وأَعمالكم»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: مَعْنَى النَّظَرِ هَاهُنَا الإِحسان وَالرَّحْمَةُ والعَطْفُ لأَن النَّظَرَ فِي الشَّاهِدِ دَلِيلُ الْمَحَبَّةِ، وَتَرْكَ النَّظَرِ دَلِيلُ الْبُغْضِ وَالْكَرَاهَةِ، ومَيْلُ الناسِ إِلى الصُّوَرِ الْمُعْجِبَةِ والأَموال الْفَائِقَةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يَتَقَدَّسُ عَنْ شِبْهِ الْمَخْلُوقِينَ، فَجَعَلَ نَظَرَهُ إِلى مَا هُوَ للسِّرِّ واللُّبِّ، وَهُوَ الْقَلْبُ وَالْعَمَلُ؛ وَالنَّظَرُ يَقَعُ عَلَى الأَجسام وَالْمَعَانِي، فَمَا كَانَ بالأَبصار فَهُوَ للأَجسام، وَمَا كَانَ بِالْبَصَائِرِ كَانَ لِلْمَعَانِي.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنِ ابتاعَ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ»أَي خَيْرِ الأَمرين لَهُ: إِما إِمساك الْمَبِيعِ أَو ردُّه، أَيُّهما كَانَ خَيْرًا لَهُ وَاخْتَارَهُ فَعَلَه؛ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْقِصَاصِ: " مَنْ قُتل لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ "؛ يَعْنِي الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ؛ أَيُّهُما اخْتَارَ كَانَ لَهُ؛ وَكُلُّ هَذِهِ معانٍ لَا صُوَرٌ.

ونَظَرَ الرجلَ يَنْظُرُهُ وانْتَظَرَه وتَنَظَّرَه: تَأَنى عَلَيْهِ؛ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الوَرْدِ:

إِذا بَعُدُوا لَا يأْمَنُونَ اقْتِرابَهُ، ***تَشَوُّفَ أَهلِ الغائبِ المُتَنَظَّرِ

وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:

وَلَا أَجْعَلُ المعروفَ حلَّ أَلِيَّةٍ، ***وَلَا عِدَةً فِي النَّاظِرِ المُتَغَيَّبِ

فَسَّرَهُ فَقَالَ: النَّاظِرُ هُنَا عَلَى النَّسَبِ أَو عَلَى وَضْعِ فَاعِلٍ مَوْضِعَ مَفْعُولٍ؛ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ، ومَثَّلَه بِسِرٍّ كَاتِمٍ أَي مَكْتُومٍ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَكَذَا وَجَدْتُهُ بِخَطِّ الحَامِضِ، بِفَتْحِ الْيَاءِ، كأَنه لَمَّا جَعَلَ فَاعِلًا فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ اسْتَجَازَ أَيضًا أَن يَجْعَلَ مُتَفَعَّلًا فِي مَوْضِعِ مُتَفَعِّلٍ وَالصَّحِيحُ المتَغَيِّب، بِالْكَسْرِ.

والتَّنَظُّرُ: تَوَقُّع الشَّيْءِ.

ابْنُ سِيدَهْ: والتَّنَظُّرُ تَوَقُّعُ مَا تَنْتَظِرُهُ.

والنَّظِرَةُ، بِكَسْرِ الظَّاءِ: التأْخير فِي الأَمر.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}، وقرأَ بَعْضُهُمْ: فناظِرَةٌ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ}؛ أَي تكذيبٌ.

وَيُقَالُ: بِعْتُ فُلَانًا فأَنْظَرْتُه أَي أَمهلتُه، والاسم منه النَّظِرَةُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِنَظِرَةٍ وإِنْظارٍ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}؛ أَي إِنظارٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كنتُ أُبايِعُ النَّاسَ فكنتُ أُنْظِر المُعْسِرَ»؛ الإِنظار: التأْخير والإِمهال.

يُقَالُ: أَنْظَرْتُه أُنْظِره.

ونَظَرَ الشيءَ: بَاعَهُ بِنَظِرَة.

وأَنْظَرَ الرجلَ: بَاعَ مِنْهُ الشَّيْءَ بِنَظِرَةٍ.

واسْتَنْظَره: طَلَبَ مِنْهُ النَّظرَةَ واسْتَمْهَلَه.

وَيَقُولُ أَحد الرَّجُلَيْنِ لِصَاحِبِهِ: بيْعٌ، فَيَقُولُ: نِظْرٌ أَي أَنْظِرْني حَتَّى أَشْتَرِيَ مِنْكَ.

وتَنَظَّرْه أَي انْتَظِرْهُ فِي مُهْلَةٍ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: «نَظَرْنا النبيَّ»، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، ذاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ الليلِ.

يُقَالُ: نَظَرتُهُ وانْتَظَرْتُه إِذا ارْتَقَبْتَ حضورَه.

وَيُقَالُ: نَظَارِ مِثْلُ قَطامِ كَقَوْلِكَ: انْتَظِرْ، اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الأَمر.

وأَنْظَرَه: أَخَّرَهُ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.

والتَّناظُرُ: التَّراوُضُ فِي الأَمر.

ونَظِيرُك: الَّذِي يُراوِضُك وتُناظِرُهُ، وناظَرَه مِنَ المُناظَرَة.

والنَّظِيرُ: المِثْلُ، وَقِيلَ: الْمِثْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

وَفُلَانٌ نَظِيرُك أَي مِثْلُك لأَنه إِذا نَظَر إِليهما النَّاظِرُ رَآهُمَا سَوَاءً.

الْجَوْهَرِيُّ: ونَظِيرُ الشَّيْءِ مِثْلُه.

وَحَكَى أَبو عُبَيْدَةَ: النِّظْر والنَّظِير بِمَعْنًى مِثْلَ النِّدِّ والنَّدِيدِ؛ وأَنشد لِعَبْدِ يَغُوثَ بْنِ وَقَّاصٍ الحارِثيِّ:

أَلا هَلْ أَتى نِظْرِي مُلَيْكَةَ أَنَّني ***أَنا الليثُ، مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعادِيا؟

وَقَدْ كنتُ نَحَّارَ الجَزُورِ ومُعْمِلَ الْمَطِيِّ، ***وأَمْضِي حيثُ لَا حَيَّ ماضِيَا

وَيُرْوَى: عِرْسِي مُلَيْكَةَ بَدَلَ نِظْرِي مُلَيْكَةَ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ نَظِيرَةُ قَوْمِهِ ونَظُورَةُ قَوْمِهِ لِلَّذِي يُنْظَر إِليه مِنْهُمْ، وَيُجْمَعَانِ عَلَى نَظَائِرَ، وجَمْعُ النَّظِير نُظَرَاءُ، والأُنثى نَظِيرَةٌ، وَالْجَمْعُ النَّظائر فِي الْكَلَامِ والأَشياء كُلُّهَا.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَقَدْ عرفتُ النَّظائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ» صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ بِهَا عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ المُفَصَّل، يَعْنِي سُوَرَ الْمُفَصَّلِ، سُمِّيَتْ نَظَائِرَ لِاشْتِبَاهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ فِي الطُّول.

وَقَوْلُ عَديّ: لَمْ تُخطِئْ نِظارتي أَي لَمْ تُخْطِئْ فِراسَتي.

والنَّظائِرُ: جَمْعُ نَظِيرة، وَهِيَ المِثْلُ والشِّبْهُ فِي الأَشكال، الأَخلاق والأَفعال والأَقوال.

وَيُقَالُ: لَا تُناظِرْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا بِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهُ "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد لَا تَجْعَلْ شَيْئًا نَظِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا لِكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَدَعَهُمَا وتأْخذ بِهِ؛ يَقُولُ: لَا تَتْبَعْ قَوْلَ قَائِلٍ مَنْ كَانَ وَتَدَعَهُمَا لَهُ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَيَجُوزُ أَيضًا فِي وَجْهٍ آخَرَ أَن يَجْعَلَهُمَا مَثَلًا لِلشَّيْءِ يَعْرِضُ مِثْلَ قَوْلِ إِبراهيم النَّخَعِيِّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَن يَذْكُرُوا الْآيَةَ عِنْدَ الشَّيْءِ يَعْرِضُ مِنْ أَمر الدُّنْيَا، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِلرَّجُلِ إِذا جَاءَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ صاحبُه: جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى، هذا وَمَا أَشبهه مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ: والأَوّل أَشبه.

وَيُقَالُ: ناظَرْت فُلَانًا أَي صِرْتُ نَظِيرًا لَهُ فِي الْمُخَاطَبَةِ.

وناظَرْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ أَي جَعَلْتُهُ نَظِيرًا لَهُ.

وَيُقَالُ لِلسُّلْطَانِ إِذا بَعَثَ أَمينًا يَسْتبرئ أَمْرَ جماعةِ قريةٍ: بَعث ناظِرًا.

وَقَالَ الأَصمعي: عَدَدْتُ إِبِلَ فُلَانٍ نَظائِرَ أَي مَثْنَى مَثْنَى، وَعَدَدْتُهَا جَمَارًا إِذا عَدَدْتَهَا وأَنت تَنْظُرُ إِلى جَمَاعَتِهَا.

والنَّظْرَةُ: سُوءُ الْهَيْئَةِ.

وَرَجُلٌ فِيهِ نَظْرَةٌ أَي شُحُوبٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ: " وَفِي الهامِ مِنْهَا نَظْرَةٌ وشُنُوعُ "قَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّظْرَةُ الشُّنْعَةُ والقُبْحُ.

ويقال: إِن فِي هَذِهِ الْجَارِيَةِ لَنَظْرَةً إِذا كَانَتْ قَبِيحَةً.

ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ فِيهِ نَظْرَةٌ ورَدَّةٌ أَي يَرْتَدُّ النَّظَرُ عَنْهُ مِنْ قُبْحِهِ.

وَفِيهِ نَظْرَةٌ أَي قُبْحٌ؛ وأَنشد الرِّياشِيُّ:

لَقَدْ رَابَني أَن ابْنَ جَعْدَةَ بادِنٌ، ***وَفِي جِسْمِ لَيْلى نَظْرَةٌ وشُحُوبُ

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأَى جَارِيَةً فَقَالَ: إِن بِهَا نَظْرَةً فاسْتَرْقُوا لَهَا»؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِن بِهَا إِصابة عَيْنٍ مِنْ نَظَرِ الجِنِّ إِليها، وَكَذَلِكَ بِهَا سَفْعَةٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ}؛ قَالَ أَهل اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ بُلُوغَهُ وإِدراكه.

وَفِي الْحَدِيثُ: «أَن عَبْدَ اللَّهِ أَبا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بامرأَة تَنْظُرُ وتَعْتافُ، فرأَتْ فِي وَجْهِهِ نُورًا فَدَعَتْهُ إِلى أَن يَسْتَبْضِعَ مِنْهَا وتُعْطِيَهُ مِائَةً مِنَ الإِبل فأَبى»، قَوْلُهُ: تَنْظُرُ أَي تَتَكَهَّنُ، وَهُوَ نَظَرُ تَعَلُّمٍ وفِراسةٍ، وَهَذِهِ المرأَة هِيَ كاظمةُ بنتُ مُرٍّ، وَكَانَتْ مُتَهَوِّدَةً قَدْ قرأَت الْكُتُبَ، وَقِيلَ: هِيَ أُختُ ورَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ.

والنَّظْرَةُ: عَيْنُ الْجِنِّ.

والنَّظْرَةُ: الغَشْيَةُ أَو الطَّائِفُ مِنَ الْجِنِّ، وَقَدْ نُظِرَ.

وَرَجُلٌ فِيهِ نَظْرَةٌ أَي عيبٌ.

والمنظورُ: الَّذِي أَصابته نَظْرَةٌ.

وَصَبِيٌّ مَنْظُورٌ: أَصابته الْعَيْنُ.

والمنظورُ: الَّذِي يُرْجَى خَيْرُه.

وَيُقَالُ: مَا كَانَ نَظِيرًا لِهَذَا وَلَقَدْ أَنْظَرْتُه، وَمَا كَانَ خَطِيرًا وَلَقَدْ أَخْطَرْتُه.

ومَنْظُورُ بْنُ سَيَّارٍ: رجلٌ.

ومَنْظُورٌ: اسمُ جِنِّيٍّ؛ قَالَ:

وَلَوْ أَنَّ مَنْظُورًا وحَبَّةَ أَسْلما ***لِنَزْعِ القَذَى، لَمْ يُبْرِئا لِي قَذَاكُما

وحَبَّةُ: اسْمُ امرأَة عَلِقَها هَذَا الْجِنِّيُّ فَكَانَتْ تَطَبَّبُ بِمَا يُعَلِّمُها.

وناظِرَةُ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ أَو مَوْضِعٌ.

ونَواظِرُ: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:

وصَدَّتْ عَنْ نَواظِرَ واسْتَعَنَّتْ ***قَتَامًا، هاجَ عَيْفِيًّا وَآلَا

وَبَنُو النَّظَّارِ: قَوْمٌ مِنْ عُكْلٍ، وإِبل نَظَّاريَّة: مَنْسُوبَةٌ إِليهم؛ قَالَ الرَّاجِزُ: " يَتْبَعْنَ نَظَّارِيَّة سَعُومَا السَّعْمُ: ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الإِبل.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


60-لسان العرب (عجز)

عجز: العَجْزُ: نَقِيضُ الحَزْم، عَجَز عَنِ الأَمر يَعْجِزُ وعَجِزَ عَجْزًا فِيهِمَا؛ وَرَجُلٌ عَجِزٌ وعَجُزٌ: عاجِزٌ.

ومَرَةٌ عاجِزٌ: عاجِزَةٌ عَنِ الشَّيْءِ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وعَجَّز فلانٌ رَأْيَ فُلَانٍ إِذا نَسَبَهُ إِلى خِلَافِ الحَزْم كأَنه نَسَبَهُ إِلى العَجْز.

وَيُقَالُ: أَعْجَزْتُ فُلَانًا إِذا أَلفَيْتَه عاجِزًا.

والمَعْجِزَةُ والمَعْجَزَة: العَجْزُ.

قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ المَعْجِزُ والمَعْجَزُ، الْكَسْرُ عَلَى النَّادِرِ وَالْفَتْحُ عَلَى الْقِيَاسِ لأَنه مَصْدَرٌ.

والعَجْزُ: الضَّعْفُ، تَقُولُ: عَجَزْتُ عَنْ كَذَا أَعْجِز.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ: «وَلَا تُلِثُّوا بِدَارِ مَعْجِزَة» أَي لَا تُقِيمُوا بِبَلْدَةٍ تَعْجِزُون فِيهَا عَنِ الِاكْتِسَابِ وَالتَّعَيُّشِ، وَقِيلَ بالثَّغْر مَعَ الْعِيَالِ.

والمَعْجِزَةُ، بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا، مَفْعِلَةٌ مِنَ العَجْز: عَدَمُ الْقُدْرَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «كلُّ شيءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى العَجْزُ والكَيْسُ، وَقِيلَ: أَراد بالعَجْز تَرْكَ مَا يُحبُّ فِعْلَهُ بالتَّسويف وَهُوَ عَامٌّ فِي أُمور الدُّنْيَا وَالدِّينِ».

وَفِي حَدِيثِ الْجَنَّةِ: «مَا لِي لَا يَدْخُلُني إِلَّا سَقَطُ النَّاسِ وعَجَزُهُم»؛ جَمْعُ عاجِزٍ كخادِمٍ وخَدَم، يُرِيدُ الأَغْبِياءَ العاجِزِين فِي أُمور الدُّنْيَا.

وَفَحْلٌ عَجِيزٌ: عَاجِزٌ عَنِ الضِّراب كعَجِيسٍ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْد: فَحْلٌ عَجِيزٌ وعَجِيسٌ إِذا عَجَز عَنِ الضِّراب؛ قَالَ الأَزهري وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الْعَنِينِ: هُوَ العَجِير، بِالرَّاءِ، الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَجِيز الَّذِي لَا يأْتي النِّسَاءَ، بِالزَّايِ وَالرَّاءِ جَمِيعًا.

وأَعْجَزَه الشيءُ: عَجَزَ عَنْهُ.

والتَّعْجِيزُ: التَّثْبِيط، وَكَذَلِكَ إِذا نَسَبْتَهُ إِلى العَجْز.

وعَجَّزَ الرجلُ وعاجَزَ: ذَهَبَ فَلَمْ يُوصَل إِليه.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ سَبَأٍ: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ ظانِّين أَنهم يُعْجِزُوننا لأَنهم ظَنُّوا أَنهم لَا يُبعثون وأَنه لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَقِيلَ فِي التَّفْسِيرِ: مُعاجزين مُعَانِدِينَ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلى الأَوّل، وَقُرِئَتْ مُعَجِّزين، وتأْويلها أَنهم يُعَجِّزُون مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويُثَبِّطُونهم عَنْهُ وَعَنِ الإِيمان بِالْآيَاتِ وَقَدْ أَعْجَزهم.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ}؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُ الْقَائِلُ كَيْفَ وَصَفَهُمْ بأَنهم لَا يُعْجِزُونَ فِي الأَرض وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَيْسُوا فِي أَهل السَّمَاءِ؟ فَالْمَعْنَى مَا أَنتم بمُعْجِزِينَ فِي الأَرض وَلَا مَنْ فِي السَّمَاءِ بمُعْجِزٍ، وَقَالَ أَبو إِسحق: مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، مَا أَنتم بمُعْجِزِين فِي الأَرض وَلَا لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَ الأَخفش: مَعْنَاهُ مَا أَنتم بمُعْجِزِين فِي الأَرض وَلَا فِي السَّمَاءِ أَي لَا تُعْجِزُوننا هَرَبًا فِي الأَرض وَلَا فِي السَّمَاءِ، قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ أَشهر فِي الْمَعْنَى وَلَوْ كَانَ قَالَ: وَلَا أَنتم لَوْ كُنْتُمْ فِي السَّمَاءِ بمُعْجِزِينَ لَكَانَ جَائِزًا، وَمَعْنَى الإِعْجاز الفَوْتُ والسَّبْقُ، يُقَالُ: أَعْجَزَني فُلَانٌ أَي فَاتَنِي؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الأَعشى:

فَذاكَ وَلَمْ يُعْجِزْ مِنَ الموتِ رَبَّه ***وَلَكِنْ أَتاه الموتُ لَا يَتَأَبَّقُ

وَقَالَ اللَّيْثُ: أَعْجَزَني فُلَانٌ إِذا عَجَزْتَ عَنْ طَلَبِهِ وإِدراكه.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مُعاجِزِينَ} أَي يُعاجِزُون الأَنبياءَ وأَولياءَ اللَّهِ أَي يُقَاتِلُونَهُمْ ويُمانِعُونهم ليُصَيِّروهم إِلى العَجْزِ عَنْ أَمر اللَّهِ، وَلَيْسَ يُعْجِزُ اللهَ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ، خَلْقٌ فِي السَّمَاءِ وَلَا فِي الأَرض وَلَا مَلْجَأَ مِنْهُ إِلا إِليه؛ وَقَالَ أَبو جُنْدب الْهُذَلِيُّ:

جعلتُ عُزَانَ خَلْفَهُم دَلِيلًا ***وفاتُوا فِي الحجازِ ليُعْجِزُوني

وَقَدْ يَكُونُ أَيضًا مِنَ العَجْز.

وَيُقَالُ: عَجَزَ يَعْجِزُ عَنِ الأَمر إِذا قَصَرَ عَنْهُ.

وعاجَزَ إِلَى ثِقَةٍ: مالَ إِلَيْهِ.

وعاجَزَ القومُ: تَرَكُوا شَيْئًا وأَخذوا فِي غَيْرِهِ.

وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُعاجِزُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ أَي يلجأُ إِلَيْهِ.

وَيُقَالُ: هُوَ يُكارِزُ إِلَى ثِقَةٍ مُكارَزَةً إِذَا مَالَ إِلَيْهِ.

والمُعْجِزَةُ: وَاحِدَةُ مُعْجِزات الأَنبياء، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.

وأَعْجاز الأُمور: أَواخِرُها.

وعَجْزُ الشَّيْءِ وعِجْزُه وعُجْزُه وعَجُزُه وعَجِزُه: آخِرُهُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ قَالَ أَبو خِراش يَصِفُ عُقابًا:

بَهِيمًا، غيرَ أَنَّ العَجْزَ مِنْهَا ***تَخالُ سَرَاتَه لَبَنًا حَلِيبا

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مُؤَنَّثَةٌ فَقَطْ.

والعَجُز: مَا بَعْدُ الظَّهْرِ مِنْهُ، وَجَمِيعُ تِلْكَ اللُّغَاتِ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ أَعجاز، لَا يُكَسَّر عَلَى غَيْرِ ذلك.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنها لَعَظِيمَةُ الأَعْجاز كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ عَجُزًا، ثُمَّ جَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ.

وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: لَا تُدَبِّرُوا أَعْجازَ أُمور قَدْ وَلَّت صُدورُها؛ جَمْعُ عَجُزٍ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ، يُرِيدُ بِهَا أَواخر الأُمور وَصُدُورَهَا؛ يَقُولُ: إِذا فاتَكَ أَمرٌ فَلَا تُتْبِعه نفسَك مُتَحَسِّرًا عَلَى مَا فَاتَ وتَعَزَّ عَنْهُ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُحَرِّض عَلَى تَدَبُّر عَوَاقِبِ الأُمور قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا وَلَا تُتْبَع عِنْدَ تَوَلِّيها وَفَوَاتِهَا.

والعَجُزُ فِي العَرُوض: حَذْفُكَ نُونَ [فَاعِلَاتُنْ] لِمُعَاقَبَتِهَا أَلف [فَاعِلُنْ] هَكَذَا عَبَّرَ الْخَلِيلُ عَنْهُ فَفَسَّرَ الجَوْهر الَّذِي هُوَ العَجُز بالعَرَض الَّذِي هُوَ الْحَذْفُ وَذَلِكَ تَقْرِيبٌ مِنْهُ، وإِنما الْحَقِيقَةُ أَن تَقُولَ العَجُز النُّونُ الْمَحْذُوفَةُ مِنْ [فَاعِلَاتُنْ] لِمُعَاقَبَةِ أَلف [فَاعِلُنْ] أَو تَقُولَ التَّعْجيز حَذْفُ نُونٍ [فَاعِلَاتُنْ] لِمُعَاقَبَةِ أَلف [فَاعِلُنْ] وَهَذَا كُلُّهُ إِنما هُوَ فِي الْمَدِيدِ.

وعَجُز بَيْتِ الشِّعْرِ: خِلَافُ صَدْرِهِ.

وعَجَّز الشاعرُ: جَاءَ بعَجُز الْبَيْتِ.

وَفِي الْخَبَرِ: أَن الكُمَيْت لَمَّا افْتَتَحَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي أَولها: " أَلا حُيِّيتِ عَنَّا يَا مَدِينا أَقام بُرْهة لَا يَدْرِي بِمَا يُعَجِّز عَلَى هَذَا الصَّدْرِ إِلى أَن دَخَلَ حمَّامًا وَسَمِعَ إِنسانًا دَخَلَهُ، فسَلَّم عَلَى آخَرَ فِيهِ فأَنكر ذَلِكَ عَلَيْهِ فَانْتَصَرَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَهُ فَقَالَ: وَهَلْ بأْسٌ بِقَوْلِ المُسَلِّمِينَ؟ فاهْتَبلَها الكُمَيْتُ فَقَالَ: وَهَلْ بأْسٌ بِقَوْلِ مُسَلِّمِينا؟ "وأَيامُ العَجُوز عِنْدَ الْعَرَبِ خَمْسَةُ أَيام: صِنّ وصِنَّبْر وأُخَيُّهُما وَبْرٌ ومُطْفِئُ الجَمْر ومُكْفِئُ الظَّعْن؛ قَالَ ابْنُ كُناسَة: هِيَ مِنْ نَوْءِ الصَّرْفَة، وَقَالَ أَبو الغَوْث: هِيَ سَبْعَةُ أَيام؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:

كُسِعَ الشِّتاءُ بِسَبْعَةٍ غُبْرِ ***أَيَّامِ شَهْلَتِنا مِنَ الشَّهْرِ

فإِذا انْقَضَتْ أَيَّامُها، ومَضتْ ***صِنٌّ وصِنِّبْرٌ مَعَ الوَبْرِ

وبآمِرٍ وأَخيه مُؤْتَمِرٍ ***ومُعَلِّلٍ وبِمُطْفِئِ الجَمْرِ

ذهبَ الشِّتاء مُوَلِّيًا عَجِلًا ***وأَتَتْكَ واقِدَةٌ مِنَ النَّجْرِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذِهِ الأَبيات لَيْسَتْ لِابْنِ أَحمر وإِنما هِيَ لأَبي شِبْلٍ الأَعرابي؛ كَذَا ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وعَجِيزَةُ المرأَة: عَجُزُها، وَلَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِلا عَلَى التَّشْبِيهِ، والعَجُزُ لَهُمَا جَمِيعًا.

وَرَجُلٌ أَعْجَزُ وامرأَة عَجْزاءُ ومُعَجِّزَة: عَظِيمَا العَجِيزَةِ، وَقِيلَ: لَا يُوصَفُ بِهِ الرجلُ.

وعَجِزَت المرأَة تَعْجَزُ عَجَزًا وعُجْزًا، بِالضَّمِّ: عَظُمَتْ عَجِيزَتُها، وَالْجَمْعُ عَجِيزاتٌ، وَلَا يَقُولُونَ عَجائِز مَخَافَةَ الِالْتِبَاسِ.

وعَجُزُ الرَّجُلِ: مؤَخَّره، وَجَمْعُهُ الأَعْجاز، وَيَصْلُحُ لِلرَّجُلِ والمرأَة، وأَما العَجِيزَةُ فعَجِيزَة المرأَة خَاصَّةً.

وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنه رَفَعَ عَجِيزَته فِي السُّجُودِ»؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَجِيزَة العَجُز وَهِيَ للمرأَة خَاصَّةً فَاسْتَعَارَهَا لِلرَّجُلِ.

قَالَ ثَعْلَبٌ: سَمِعْتُ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: لَا يُقَالُ عَجِزَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، إِلا إِذا عَظُمَ عَجُزُه.

والعَجْزاء: الَّتِي عَرُض بطنُها وثَقُلَت مَأْكَمَتُها فَعَظُمَ عَجُزها؛ قَالَ:

هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً ***تَمَّتْ، فَلَيْسَ يُرَى فِي خَلْقِها أَوَدُ

وتَعَجَّزَ البعيرَ: ركِبَ عَجُزَه.

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ: لَنَا حقٌّ إِن نُعْطَهُ نأْخذه وإِن نُمْنَعْه نَرْكَبْ أَعْجازَ الإِبل وإِن طَالَ السُّرى "؛ أَعْجاز الإِبل: مَآخِيرُهَا وَالرُّكُوبُ عَلَيْهَا شَاقٌّ؛ مَعْنَاهُ إِن مُنِعْنا حَقَّنَا رَكِبْنَا مَرْكَب الْمَشَقَّةِ صَابِرِينَ عَلَيْهِ وإِن طَالَ الأَمَدُ وَلَمْ نَضْجَر مِنْهُ مُخِلِّين بِحَقِّنَا؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ يُرِدْ عليٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِقَوْلِهِ هَذَا ركوبَ الْمَشَقَّةِ وَلَكِنَّهُ ضَرَبَ أَعْجاز الإِبل مَثَلًا لِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وتأْخيره إِياه عَنْ حَقِّهِ، وَزَادَ ابْنُ الأَثير: عَنْ حَقِّهِ الَّذِي كَانَ يَرَاهُ لَهُ وَتُقُدِّمَ غَيْرُهُ وأَنه يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ، وإِن طَالَ أَمَدُه، فَيَقُولُ: إِن قُدِّمْنا للإِمامة تَقَدَّمْنَا، وإِن مُنِعْنا حَقَّنَا مِنْهَا وأُخِّرْنا عَنْهَا صَبَرْنَا عَلَى الأُثْرَة عَلَيْنَا، وإِن طَالَتِ الأَيام؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقِيلَ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ وإِن نُمْنَعْه نَبْذُل الْجُهْدَ فِي طَلَبِهِ، فِعْلَ مَنْ يَضْرِبُ فِي ابْتِغَاءِ طَلِبَتِه أَكبادَ الإِبل، وَلَا نُبَالِي بِاحْتِمَالِ طُولِ السُّرى، قَالَ: وَالْوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ لأَنه سَلَّم وَصَبَرَ عَلَى التأَخر وَلَمْ يُقَاتِلْ، وإِنما قَاتَلَ بَعْدَ انْعِقَادِ الإِمامة لَهُ.

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ رَبِيعَةِ بْنِ مَالِكٍ: إِن الْحَقَّ بِقَبَلٍ، فَمَنْ تَعُدَّاهُ ظلَم، وَمَنْ قَصَّر عَنْهُ عَجَزَ، وَمَنِ انْتَهَى إِليه اكْتَفَى؛ قَالَ: لَا أَقول عَجِزَ إِلَّا مِنَ العَجِيزَة، وَمِنَ العَجْز عَجَز.

وَقَوْلُهُ بِقَبَلٍ أَي واضحٌ لَكَ حَيْثُ تَرَاهُ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ إِن الْحَقَّ عَارِي وعُقاب عَجْزاءُ: بِمُؤَخَّرِهَا بَيَاضٌ أَو لَوْنٌ مُخَالِفٌ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي فِي ذَنَبها مَسْح أَي نَقْصٌ وَقَصْرٌ كَمَا قِيلَ للذنَب أَزَلُّ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي فِي ذَنْبِهَا رِيشَةٌ بَيْضَاءُ أَو رِيشَتَانِ، وَقِيلَ: هِيَ الشَّدِيدَةُ الدَّائِرَةُ؛ قَالَ الأَعشى:

وكأَنّما تَبِعَ الصِّوارُ، بِشَخْصِها ***عَجْزاءَ تَرْزُقُ بالسُّلَيِّ عِيالَها

والعَجَزُ: دَاءٌ يأْخذ الدَّوَابَّ فِي أَعْجازِها فَتَثْقُلُ لِذَلِكَ، الذَّكَرُ أَعْجَزُ والأُنثى عَجْزاءُ.

والعِجازَة والإِعْجازَة: مَا تُعَظِّم بِهِ المرأَةُ عَجِيزَتَها، وَهِيَ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِالْوِسَادَةِ تَشُدُّهُ المرأَة عَلَى عَجُزِها لِتُحْسَبَ أَنها عَجْزاءُ.

والعِجْزَةُ وَابْنُ العِجْزَةِ: آخِرُ وَلَدِ الشَّيْخِ، وَفِي الصِّحَاحِ: العِجْزَةُ، بِالْكَسْرِ، آخرُ وَلَدِ الرَّجُلِ.

وعِجْزَةُ الرَّجُلِ: آخِرُ وَلَدٍ يُولَدُ لَهُ؛ قَالَ:

واسْتَبْصَرَتْ فِي الحَيِّ أَحْوى أَمْرَدا ***عَجِزَةَ شَيْخَينِ يُسَمَّى مَعْبَدا

يُقَالُ: فُلَانٌ عِجْزَةُ وَلَدِ أَبويه أَي آخِرُهُمْ، وَكَذَلِكَ كِبْرَةُ وَلَدِ أَبويه، وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.

وَيُقَالُ: وُلِدَ لِعِجْزَةٍ أَي بَعْدَمَا كَبِر أَبواه.

والعِجازَةُ: دائرة الطَّائِرِ، وَهِيَ الأُصبع المتأَخرة.

وعَجُزُ هَوازِنَ: بَنُو نَصْر بْنِ مُعَاوِيَةَ وَبَنُو جُشَمِ ابن بَكْرٍ كأَنه آخِرُهُمْ.

وعِجْزُ الْقَوْسِ وعَجْزها ومَعْجِزُها: مَقْبِضها؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ فِي الْمُبْدَلِ، ذَهَبَ إِلى أَن زَايَهُ بَدَلٌ مِنْ سِينِهِ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ العَجْز والعِجْز وَلَا يُقَالُ مَعْجِز، وَقَدْ حَكَيْنَاهُ نَحْنُ عَنْ يَعْقُوبَ.

وعَجْز السِّكِّينِ: جُزْأَتُها؛ عَنْ أَبي عُبَيْدٍ.

والعَجُوز والعَجُوزة مِنَ النِّسَاءِ: الشَّيْخَة الهَرِمة؛ الأَخيرة قَلِيلَةٌ، وَالْجَمْعُ عُجُز وعُجْز وعَجائز، وَقَدْ عَجَزَت تَعْجِزُ وتَعْجُزُ عَجْزًا وعُجوزًا وعَجَّزَتْ تُعَجِّزُ تَعْجِيزًا: صَارَتْ عَجُوزًا، وَهِيَ مُعَجِّز، وَالِاسْمُ العُجْز.

وَقَالَ يُونُسُ: امرأَة مُعَجِّزة طَعَنَتْ فِي السِّنِّ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَجَزَت، بِالتَّخْفِيفِ.

قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لامرأَة الرَّجُلِ وإِن كَانَتْ شَابَّةً: هِيَ عَجُوزُهُ، وَلِلزَّوْجِ وإِن كَانَ حَدَثًا: هُوَ شَيْخُها، وَقَالَ: قُلْتُ لامرأَة مِنَ الْعَرَبِ: حَالِبِي زوجكِ، فَتَذَمَّرَتْ وَقَالَتْ: هَلَّا قلتَ حَالِبِي شَيْخَكِ؟ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ عَجُوز وللمرأَة عَجُوز.

وَيُقَالُ: اتَّقِي اللَّهَ فِي شَبِيبَتِكِ وعُجْزِك أَي بَعْدَمَا تَصِيرِينَ عَجُوزًا.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تَقُلْ عَجُوزَة وَالْعَامَّةُ تَقُولُهُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِن الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا العُجُز»؛ وَفِيهِ: " إِياكم والعُجُزَ العُقُرَ "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العُجُز جَمْعُ عَجُوز وعَجُوزة، وَهِيَ المرأَة الْكَبِيرَةُ المسنَّة، والعُقُر جَمْعُ عاقِرٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا تَلِدُ.

ونَوى العَجُوزِ: ضَرْبٌ مِنَ النَّوَى هَشٌّ تأْكله العَجُوزُ لِلينِه كَمَا قَالُوا نَوى العَقُوقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

والعَجُوز: الْخَمْرُ لِقَدَمِهَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَيْتَهُ جامُ فِضَّةٍ من هَداياهُ ***سِوى مَا بِهِ الأَمِيرُ مُجِيزِي

إِنما أَبْتَغِيهِ للعَسَلِ المَمْزُوجِ ***بالماءِ، لَا لِشُرْبِ العَجُوزِ

وَفِي التَّهْذِيبِ: يُقَالُ لِلْخَمْرِ إِذا عَتَقَتْ عَجُوز.

والعَجُوز: القِبْلة.

والعَجُوز: الْبَقَرَةُ.

والعَجُوز: نَصْل السَّيْفِ؛ قَالَ أَبو المِقْدام:

وعَجُوز رأَيتُ فِي فَمِ كَلْبٍ ***جُعِلَ الكلبُ للأَمِيرِ حَمالا

الكلبُ: مَا فَوْقَ النَّصْلِ مِنْ جَانِبَيْهِ، حَدِيدًا كَانَ أَو فِضَّةً، وَقِيلَ: الْكَلْبُ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السَّيْفِ، وَقِيلَ: هُوَ ذُؤابَتُه.

ابْنُ الأَعرابي: الْكَلْبُ مِسْمَارُ مَقْبِض السَّيْفِ، قَالَ: وَمَعَهُ الْآخَرُ يُقَالُ لَهُ العَجُوز.

والعَجْزاءُ: حَبْل مِنَ الرَّمْلِ مُنْبِت، وَفِي التَّهْذِيبِ: العَجْزاءُ مِنَ الرِّمَالِ حَبْل مُرْتَفِعٌ كأَنه جَلَدٌ لَيْسَ بِرُكام رَمْلٍ وَهُوَ مَكْرُمَة لِلنَّبْتِ، وَالْجَمْعُ العُجْز لأَنه نَعْتٌ لِتِلْكَ الرَّمْلَةِ.

والعَجُوز: رَمْلَةٌ بالدَّهْناء؛ قَالَ يَصِفُ دَارًا:

عَلَى ظَهْرِ جَرْعاءِ العَجُوزِ، كأَنها ***دَوائرُ رَقْمٍ فِي سَراةِ قِرامِ

وَرَجُلٌ مَعْجُوزٌ ومَشْفُوهٌ ومَعْرُوكٌ ومَنْكُودٌ إِذا أُلِحَّ عَلَيْهِ فِي المسأَلة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

والعَجْزُ: طَائِرٌ يَضْرِبُ إِلى الصُّفرة يُشْبه صوتُه نُباح الْكَلْبِ الصَّغِيرِ يأْخذ السَّخْلَة فَيَطِيرُ بِهَا وَيَحْتَمِلُ الصَّبِيَّ الَّذِي لَهُ سَبْعُ سِنِينَ، وَقِيلَ: الزُّمَّجُ، وَجَمْعُهُ عِجْزان.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحبُ كِسْرى فَوَهَبَ لَهُ مِعْجَزَةً فسُمِّيَ ذَا المِعْجَزَة»، هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ، المِنْطَقَة بِلُغَةِ الْيَمَنِ؛ قَالَ: وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنها تَلِي عَجُزَ المُتَنَطِّق بِهَا، وَاللَّهُ أَعلم.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


61-لسان العرب (نفض)

نفض: النَّفْضُ: مَصْدَرُ نفَضْتُ الثوبَ والشجَرَ وَغَيْرَهُ أَنْفُضُه نَفْضًا إِذا حرَّكْتَه ليَنْتَفِضَ، ونَفَّضْتُه شُدِّد لِلْمُبَالَغَةِ.

والنَّفَضُ، بِالتَّحْرِيكِ: مَا تَساقَط مِنَ الْوَرَقِ والثَّمَر وَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مفْعُول كالقَبَضِ بِمَعْنَى المَقْبُوضِ.

والنَّفَضُ: مَا وقَع مِنَ الشَّيْءِ إِذا نَفَضْتَه.

والنَّفْضُ: أَن تأْخذ بِيَدِكَ شَيْئًا فتَنْفُضَه تُزَعْزِعُه وتُتَرْتِرُه وتَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ.

ابْنُ سِيدَهْ: نَفَضَه يَنْفُضُه نَفضًا فانْتَفَضَ.

والنُّفاضةُ والنُّفاضُ، بِالضَّمِّ: مَا سَقَطَ مِنَ الشَّيْءِ إِذا نُفِضَ وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْوَرَقِ، وَقَالُوا نُفاضٌ مِنْ وَرَقٍ كَمَا قَالُوا حالٌ مِنْ ورَق، وأَكثر ذَلِكَ فِي وَرَقِ السَّمُرِ خَاصَّةً يُجْمَعُ ويُخْبَط فِي ثَوْبٍ.

والنَّفَضُ: مَا انْتَفَضَ مِنَ الشَّيْءِ.

ونَفَضُ العِضاهِ: خَبَطُها.

وَمَا طاحَ مِنْ حَمْلِ الشجرةِ، فَهُوَ نَفَضٌ.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والنَفَضُ مَا طاحَ مِنْ حَمْلِ النَّخْلِ وتساقَط فِي أُصُولِه مِنَ الثمَر.

والمِنْفَضُ: وِعَاءٌ يُنْفَضُ فِيهِ التمْر.

والمِنْفَضُ: المِنْسَفُ.

ونَفَضَتِ المرأَةُ كَرِشَها، فَهِيَ نَفُوضٌ: كَثِيرَةُ الولدِ.

والنَّفْضُ: مِنْ قُضْبانِ الكَرْمِ بعد ما يَنْضُرُ الورَق وَقَبْلَ أَن تَتَعَلَّقَ حَوالِقُه، وَهُوَ أَغَضُّ مَا يَكُونُ وأَرْخَصُه، وَقَدْ انْتَفَضَ الكَرْمُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَالْوَاحِدَةُ نَفْضةٌ، جَزْمٌ.

وَتَقُولُ: انْتَفَضَتْ جُلَّةُ التَّمْرِ إِذا نفضْتَ مَا فِيهَا مِنَ التَّمر.

ونفَضُ الشجرةِ: حِينَ تَنْتَفِضُ ثمرَتُها.

والنَّفَضُ: مَا تساقَط مِنْ غَيْرِ نَفْضٍ في أُصُول الشجر من أَنْواع الثمَر.

وأَنْفَضَتْ جلةُ التَّمْرِ: نُفِضَ جميعُ مَا فِيهَا.

والنَّفَضَى: الحركةُ.

وَفِي حَدِيثِ قَيْلةَ: «مُلاءَتانِ كَانَتَا مَصْبُوغَتَينِ وَقَدْ نفَضَتا»؛ أي نصَلَ لونُ صِبْغِهما وَلَمْ يَبْقَ إِلا الأَثَرُ.

والنّافِضُ: حُمَّى الرِّعْدَةِ، مُذَكَّرٌ، وَقَدْ نَفَضَتْه وأَخذته حُمَّى نافِضٍ وحُمَّى نافِضٌ وحُمَّى بنافِضٍ، هَذَا الأَعْلى، وَقَدْ يُقَالُ حُمَّى نافِضٌ فَيُوصَفُ بِهِ.

الأَصمعي: إِذا كَانَتِ الحُمّى نافِضًا قِيلَ نفَضَتْهُ فَهُوَ مَنْفُوضٌ.

والنُّفْضةُ، بِالضَّمِّ: النُّفَضاء وَهِيَ رِعْدةُ النّافِضِ.

وَفِي حَدِيثِ الإِفك: «فأَخذتها حُمَّى بِنافِضٍ»أَي برِعْدةٍ شديدةٍ كأَنها نفَضَتْها؛ أي حرَّكَتْها.

والنُّفَضةُ: الرِّعدةُ.

وأَنْفَضَ القومُ: نَفِدَ طعامُهم وزادُهم مِثْلُ أَرْمَلوا؛ قَالَ أَبو المُثَلَّم:

لَهُ ظَبْيَةٌ وَلَهُ عُكَّةٌ، ***إِذا أَنْفَضَ القومُ لَمْ يُنْفِضِ

وَفِي الْحَدِيثِ: «كُنَّا فِي سَفَرٍ فأَنْفَضْنا»أَي فَنِيَ زادُنا كأَنهم نفَضُوا مَزاوِدَهم لِخُلُوِّها، وَهُوَ مثْلُ أَرملَ وأَقْفَرَ.

وأَنْفَضُوا زادَهم: أَنْفَدُوه، وَالِاسْمُ النُّفاضُ، بِالضَّمِّ.

وَفِي الْمَثَلِ: النُّفاضُ يُقَطِّرُ الجَلَبَ؛ يَقُولُ: إِذا ذَهَبَ طعامُ القومِ أَو مِيرتُهم قَطَّرُوا إِبلَهم الَّتِي كَانُوا يَضِنُّون بِهَا فَجَلَبُوها لِلْبَيْعِ فباعُوها واشْتَرَوا بِثَمَنِهَا مِيرةً.

والنُّفاضُ: الجَدْبُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: النُّفاضُ يُقَطِّرُ الجَلَبَ، وَكَانَ ثَعْلَبٌ يَفْتَحُهُ وَيَقُولُ: هُوَ الجَدْبُ، يَقُولُ: إِذا أَجْدَبُوا جَلَبُوا الإِبل قِطارًا قِطارًا لِلْبَيْعِ.

والإِنْفاضُ: المَجاعةُ وَالْحَاجَةُ.

وَيُقَالُ: نَفَضْنا حَلائبَنا نَفْضًا واسْتَنْفَضْناها استِنْفاضًا، وَذَلِكَ إِذا اسْتَقْصَوْا عَلَيْهَا فِي حَلبها فَلَمْ يَدَعُوا فِي ضُروعها شَيْئًا مِنَ اللَّبَنِ.

ونفَضَ القومُ نَفْضًا: ذَهَبَ زادُهم.

ابْنُ شُمَيْلٍ: وَقَوْمٌ نَفَضٌ أَي نفَضُوا زادَهم.

وأَنْفَضَ القومُ أَي هَلَكَتْ أَموالُهم.

ونفَضَ الزّرْعُ سبَلًا: خَرَجَ آخِر سُنْبُله.

ونفَض الكَرْمُ: تَفَتَّحتْ عَناقِيدُه.

والنَّفَضُ: حَبُّ العِنب حِينَ يأْخذ بعضُه بِبَعْضٍ.

والنَّفَضُ: أَغَضُّ مَا يَكُونُ مِنْ قُضْبَانِ الْكَرَمِ.

ونُفُوضُ الأَرض: نَبائِثُها.

ونفَض المكانَ يَنْفُضُه نَفْضًا واسْتَنْفَضَه إِذا نَظَرَ جَمِيعَ مَا فِيهِ حَتَّى يَعْرِفَهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ يَصِفُ بَقَرَةً فَقَدَتْ وَلَدَهَا:

وتَنْفُضُ عَنْهَا غَيْبَ كلِّ خَمِيلةٍ، ***وتخشَى رُماةَ الغَوْث مِنْ كلِّ مَرْصَدِ

وتنفُض أَي تَنْظُرُ هَلْ تَرَى فِيهِ مَا تَكْرَهُ أَم لَا.

والغَوْث: قَبِيلَةٌ مِنْ طيِءٍ.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْغَارِ: «أَنا أَنْفُضُ لَكَ مَا حوْلَك»أَي أَحْرُسُكَ وأَطُوفُ هَلْ أَرى طَلبًا.

وَرَجُلٌ نَفُوضٌ لِلْمَكَانِ: مُتَأَمِّلٌ لَهُ.

واسْتَنْفَضَ القومَ: تأَمّلهم؛ وَقَوْلُ العُجَيْر السَّلُولي:

إِلى مَلِك يَسْتَنْفِضُ القومَ طَرْفُه، ***لَهُ فَوْقَ أَعْوادِ السَّرِيرِ زَئيرُ

يَقُولُ: يَنْظُرُ إِليهم فَيَعْرِفُ مَنْ بِيَدِهِ الْحَقُّ مِنْهُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنه يُبْصِرُ فِي أَيّهم الرأْيُ وأَيّهم بِخِلَافِ ذَلِكَ.

واسْتَنْفَضَ الطريقَ: كَذَلِكَ.

واسْتِنْفاضُ الذكَر وإِنْفاضُه: اسْتِبْراؤه مِمَّا فِيهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «ابْغنِي أَحْجارًا أَسْتَنْفِضُ بِهَا»أَي أَسْتَنْجي بِهَا، وَهُوَ مِنْ نَفْضِ الثوبِ لأَن المُسْتَنْجي يَنْفُضُ عَنْ نفْسِه الأَذى بِالْحَجَرِ أَي يُزِيلُه ويَدْفَعُه؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنه كَانَ يَمُرُّ بالشِّعْبِ مِنْ مُزْدَلِفةَ فيَنْتَفِضُ ويَتوضأ.

اللَّيْثُ: يُقَالُ اسْتَنْفَضَ مَا عِنْدَهُ أَي اسْتخرجه؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ: " صَرَّحَ مَدْحي لكَ واسْتِنْفاضِي "والنَّفِيضةُ: الَّذِي يَنْفُضُ الطريقَ.

والنَّفَضةُ: الَّذِينَ يَنْفُضون الطريقَ.

اللَّيْثُ: النفَضة، بِالتَّحْرِيكِ، الْجَمَاعَةُ يُبْعثون فِي الأَرض مُتَجَسِّسين لِيَنْظُرُوا هَلْ فِيهَا عَدُوٌّ أَو خَوْفٌ، وَكَذَلِكَ النفيضةُ نَحْوَ الطَّلِيعة؛ وَقَالَتْ سَلْمى الجُهَنِيّةُ تَرْثِي أَخاها أَسْعد، وَقَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُهُ سُعْدى الْجُهَنِيَّةُ:

يَرِدُ المِياهَ حَضِيرةً ونَفِيضةً، ***وِرْدَ القَطاةِ، إِذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

يَعْنِي إِذا قصُر الظِّلُّ نِصْفَ النَّهَارِ، وحَضِيرةً ونَفِيضةً مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ، وَالْمَعْنَى أَنه يَغْزُو وَحْدَهُ فِي مَوْضِعِ الحضِيرةِ والنفِيضةِ؛ كَمَا قَالَ الْآخَرُ: " يَا خَالِدًا أَلْفًا ويُدْعى وَاحِدًا وَكَقَوْلِ أَبي نُخَيْلةَ:

أَمُسْلِمُ إِنِّي يَا ابْنَ كلِّ خَلِيفةٍ، ***وَيَا واحِدَ الدُّنيا، وَيَا جَبَلَ الأَرْضِ

أَي أَبوك وَحْدَهُ يَقُومُ مَقام كُلِّ خَلِيفَةٍ، وَالْجَمْعُ النَّفائضُ؛ قَالَ أَبو ذؤَيب يَصِفُ المَفاوِزَ:

بِهنَّ نَعامٌ بَناه الرِّجالُ، ***تُلْقي النَّفائضُ فِيهِ السَّرِيحا

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبو عَمْرٍو بِالْفَاءِ إِلا أَنه قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنها الهَزْلى مِنَ الإِبل.

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النعامُ خَشَبَاتٌ يُسْتَظَلّ تَحْتَهَا، والرِّجالُ الرَّجّالة، والسَّرِيحُ سُيورٌ تُشدّ بِهَا النِّعال، يُرِيدُ أَنّ نِعالَ النَّفائضِ تقطَّعت.

الْفَرَّاءُ: حَضيِرةُ الناسِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، ونفِيضَتُهم وَهِيَ الْجَمَاعَةُ.

ابْنُ الأَعرابي: حَضِيرةٌ يحضُرها الناسُ، ونفِيضةٌ ليس عليه أَحَد.

وَيُقَالُ: إِذا تكلَّمت لَيْلًا فاخْفِضْ، وإِذا تَكَلَّمْتَ نَهَارًا فانْفُضْ أَي التَفِت هَلْ تَرَى مَنْ تَكْرَهُ.

واسْتَنْفَض القومُ: أَرْسلوا النِّفَضةَ، وَفِي الصِّحَاحِ: النَّفِيضةَ.

ونفَضَتِ الإِبلُ وأَنْفَضَتْ: نُتِجَتْ كلُّها؛ قَالَ ذُو الرُّمّة:

تَرَى كَفْأَتَيْها تَنْفُضانِ وَلَمْ يَجِد، ***لَهَا ثِيلَ سَقْبٍ فِي النِّتاجَيْنِ، لامِسُ

رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ: تَنْفُضانِ وتُنْفِضانِ، وَرُوِيَ كِلا كَفْأَتَيْها تُنْفَضانِ، وَمَنْ رَوَى تُنْفَضانِ فَمَعْنَاهُ تُسْتَبْرآن مِنْ قَوْلِكَ نفَضْتُ المكانَ إِذا نَظَرْتَ إِلى جَمِيعَ مَا فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَه، وَمَنْ رَوَى تَنْفُضانِ أَو تُنْفِضانِ فَمَعْنَاهُ أَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الكَفْأَتين تُلقي مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ أَجنَّتها فَتُوجِدُ إِناثًا لَيْسَ فِيهَا ذَكَرٌ، أَراد أَنها كلَّها مآنيثُ تُنْتَجُ الإِناثَ وَلَيْسَتْ بِمَذَاكِيرَ.

ابْنُ شُمَيْلٍ: إِذا لُبس الثوبُ الأَحمر أَو الأَصفر فَذَهَبَ بَعْضُ لَوْنِهِ قِيلَ: قَدْ نفَضَ صِبْغُه نَفْضًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

كَساكَ الَّذِي يَكْسُو المَكارِم حُلَّةً ***مِنَ المَجْد لَا تَبْلى، بَطِيئًا نُفوضُها

ابْنُ الأَعرابي: النُّفاضةُ ضُوازةُ السِّواك ونُفاثَتُه.

والنُّفْضةُ: المَطْرةُ تُصِيبُ القِطْعةَ مِنَ الأَرض وتُخْطِئُ القِطعة.

التَّهْذِيبُ: ونُفوضُ الأَمْرِ رَاشَانُهَا، وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ، إِنما هِيَ أَشْرافُها.

والنِّفاضُ، بِالْكَسْرِ: إِزارٌ مِنْ أُزُر الصِّبيان؛ قَالَ:

جارِية بَيْضاء فِي نِفاضِ، ***تَنْهَضُ فِيهِ أَيَّما انْتِهاضِ

وَمَا عَلَيْهِ نِفاضٌ أَي ثَوْبٌ.

والنِّفْضُ: خُرْء النَّحْل؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.

ابْنُ الأَعرابي: النَّفْضُ التحْريكُ، والنَّفْضُ تَبَصُّرُ الطَّرِيقِ، والنَّفْضُ القراءةُ؛ يُقَالُ: فُلَانٌ يَنْفُضُ القرآنَ كلَّه ظَاهِرًا أَي يقرؤه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


62-لسان العرب (سوع)

سوع: السَّاعَةُ: جُزْءٌ مِنْ أَجزاء اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْجَمْعُ ساعاتٌ وساعٌ؛ قَالَ الْقَطَامِيُّ:

وكُنّا كالحَرِيقِ لَدَى كِفاح، ***فَيَخْبُو سَاعَةً ويَهُبُّ ساعَا

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَيْتِ: وَكُنَّا كالحَريقِ أَصابَ غَابًا وَتَصْغِيرُهُ سُوَيْعَةٌ.

وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مَعًا أَربع وَعِشْرُونَ سَاعَةً، وإِذا اعْتَدَلَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَجَاءَنَا بَعْدَ سَوْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَبَعْدَ سُواع أَي بَعْدَ هَدْءٍ مِنْهُ أَو بَعْدَ سَاعَةٍ.

والساعةُ: الْوَقْتُ الْحَاضِرُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ}؛ يَعْنِي بِالسَّاعَةِ الْوَقْتَ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ الْقِيَامَةُ فَلِذَلِكَ تُرِكَ أَن يُعَرَّف أَيُّ ساعةٍ هِيَ، فإِن سُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ سَاعَةً فعَلى هَذَا، وَالسَّاعَةُ: الْقِيَامَةُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السَّاعَةُ اسْمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَصْعَقُ فِيهِ العِبادُ والوقتِ الَّذِي يُبْعَثُونَ فِيهِ وَتَقُومُ فِيهِ الْقِيَامَةُ، سُمِّيَتِ سَاعَةً لأَنها تَفْجَأُ النَّاسَ فِي سَاعَةٍ فَيَمُوتُ الْخُلُقُ كُلُّهُمْ عِنْدَ الصَّيْحَةِ الأُولى الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ.

وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ السَّاعَةِ، وَشُرِحَتْ أَنها السَّاعَةُ، وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.

وَالسَّاعَةُ فِي الأَصل تُطْلَقُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحدهما أَن تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ جُزْءٌ مِنْ أَربعة وَعِشْرِينَ جُزْءًا هِيَ مَجْمُوعُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَالثَّانِي أَن تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ جُزْءٍ قَلِيلٍ مِنَ النَّهَارِ أَو اللَّيْلِ.

يُقَالُ: جَلَسْتُ عِنْدَكَ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ أَي وَقْتًا قَلِيلًا مِنْهُ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِاسْمِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى السَّاعَةِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ الْوَقْتُ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ الْقِيَامَةُ، يُرِيدُ أَنها سَاعَةً خَفِيفَةً يَحْدُثُ فِيهَا أَمر عَظِيمٌ فَلِقِلَّةِ الْوَقْتِ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ سَمَّاهَا سَاعَةً.

وساعةٌ سوْعاءُ أَي شَدِيدةٌ كَمَا يُقَالُ لَيْلةٌ لَيْلاءُ.

وساوَعَه مُساوَعةً وسِواعًا: استأْجَره الساعةَ أَو عَامَلَهُ بِهَا.

وعامَلَه مُساوَعة أَي بِالسَّاعَةِ أَو بِالسَّاعَاتِ كَمَا يُقَالُ عَامَلَهُ مُياوَمةً مِنَ اليَوْمِ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهُمَا إِلا هَذَا.

والسّاعُ والسّاعةُ: المَشَقَّةُ.

وَالسَّاعَةُ: البُعْدُ؛ وَقَالَ رَجُلٌ لأَعرابية: أَين مَنْزِلُكِ؟ فَقَالَتْ:

أَمَّا عَلَى كَسْلانَ وانٍ فَساعةٌ، ***وأَمَّا عَلَى ذِي حاجةٍ فَيَسِيرُ

حَكَى الأَزهري عَنِ ابْنِ الأَعرابي قَالَ: السُّواعِيُّ مأْخوذ مِنَ السُّواعِ وَهُوَ المذْيُ وَهُوَ السُّوَعاءُ، قَالَ: وَيُقَالُ سُعْ سُعْ إِذا أَمرته أَن يَتَعَهَّد سُوَعاءَه.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ لِرُؤْبَةَ: مَا الوَدْيُ؟ فَقَالَ: يُسَمَّى عِنْدَنَا السُّوَعاءَ.

وَحُكِيَ عَنْ شَمِرٍ: السُّوَعاءُ مَمْدُودٌ المذْي الَّذِي يَخْرُجُ قَبْلَ النُّطْفَةِ، وَقَدْ أَسْوَعَ الرجلُ وأَنْشَرَ إِذا فَعَلَ ذَلِكَ.

والسُّوَعاءُ، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ: المَذْي، وَقِيلَ: الوَدْيُ، وَقِيلَ القَيْءُ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فِي السُّوَعاءِ الوُضوءُ»؛ فَسَّرَهُ بِالْمَذْيِ وَقَالَ: هُوَ بِضَمِّ: السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ.

وساعَتِ الإِبلُ سَوْعًا: ذَهَبَتْ فِي المَرْعَى وَانْهَمَلَتْ، وأَسَعْتُها أَنا.

وَنَاقَةٌ مِسْياعٌ: ذَاهِبَةٌ فِي الْمَرْعَى، قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً طَلَبًا لِلْخِفَّةِ مَعَ قُرْبِ الْكَسْرَةِ حَتَّى كأَنهم توهَّموها عَلَى السِّينِ.

وأَسَعْتُ الإِبل أَي أَهْمَلْتُها فَساعَتْ هِيَ تَسُوعُ سَوْعًا، وساعَ الشيءُ سَوْعًا: ضاعَ، وَهُوَ ضائِعٌ سائِعٌ، وأَساعَه أَضاعَه؛ وَرَجُلٌ مُسِيعٌ مُضِيعٌ وَرَجُلٌ مِضْياعٌ مِسْياعٌ لِلْمَالِ، وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِلشَّاعِرِ:

وَيْلُ أُمّ أَجْيادَ شاة شاةَ مُمْتَنِحٍ ***أَبي عِيالٍ، قَلِيلِ الوَفْرِ، مِسْياعِ

أُم أَجياد: اسْمُ شَاةٍ وصَفَها بِغُزْرِ اللَّبَن.

وَشَاةً مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الساعةُ الهَلْكَى والطاعةُ المُطِيعُون والجاعةُ الجِياعُ.

وسُواعٌ: اسْمُ صَنَم كَانَ لهَمْدان، وَقِيلَ: كَانَ لِقَوْمِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ صَارَ لهُذَيْل وَكَانَ بِرُهاط يَحُجُّون إِليه؛ قَالَ الأَزهري: سُواعٌ اسْمُ صَنَمٍ عُبِدَ زَمَنَ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَغَرَّقَه اللَّهُ أَيام الطُّوفان وَدَفَنَهُ، فَاسْتَثَارَهُ إِبليس لأَهل الْجَاهِلِيَّةِ فَعَبَدُوهُ.

ويَسُوعُ: اسْمٌ من أَسماء الجاهلية.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


63-لسان العرب (طلع)

طلع: طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْفَجْرُ وَالنُّجُومُ تَطْلُعُ طُلُوعًا ومَطْلَعًا ومَطْلِعًا، فَهِيَ طالِعةٌ، وَهُوَ أَحَد مَا جَاءَ مِنْ مَصادرِ فَعَلَ يَفْعُلُ عَلَى مَفْعِلٍ، ومَطْلَعًا، بِالْفَتْحِ، لُغَةٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْكَسْرُ الأَشهر.

والمَطْلِعُ: الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، وَهُوَ قوله: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ، وأَما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هِيَ حَتَّى مَطْلِعِ الْفَجْرِ}، فإِن الْكِسَائِيَّ قرأَها بِكَسْرِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عُبَيْدٍ عَنْ أَبي عَمْرٍو بِكَسْرِ اللَّامِ، وَعُبَيْدٌ أَحد الرُّوَاةِ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْيَزِيدِيُّ عَنْ أَبي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ: هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ، بِفَتْحِ اللَّامِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وأَكثر الْقُرَّاءِ عَلَى مطلَع، قَالَ: وَهُوَ أَقوى فِي قِيَاسِ الْعَرَبِيَّةِ لأَن المطلَع، بِالْفَتْحِ، هُوَ الطُّلُوعُ والمطلِع، بِالْكَسْرِ، هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطْلُعُ مِنْهُ، إِلا أَن الْعَرَبَ تَقُولُ طَلَعَتِ الشَّمْسُ مطلِعًا، فَيَكْسِرُونَ وَهُمْ يُرِيدُونَ الْمَصْدَرَ، وَقَالَ: إِذا كَانَ الْحَرْفُ مِنْ بَابِ فعَل يفعُل مِثْلَ دَخَلَ يَدْخُلُ وَخَرَجَ يَخْرُجُ وَمَا أَشبهها آثَرَتِ الْعَرَبُ فِي الِاسْمِ مِنْهُ وَالْمَصْدَرُ فَتْحُ الْعَيْنِ، إِلا أَحرفًا مِنَ الأَسماء أَلزموها كَسْرَ الْعَيْنِ فِي مَفْعِلٍ، مِنْ ذَلِكَ: المسجِدُ والمَطْلِعُ والمَغْرِبُ والمَشْرِقُ والمَسْقِطُ والمَرْفِقُ والمَفْرِقُ والمَجْزِرُ والمسْكِنُ والمَنْسِكُ والمَنْبِتُ، فَجَعَلُوا الْكَسْرَ عَلَامَةً لِلِاسْمِ وَالْفَتْحَ عَلَامَةً لِلْمَصْدَرِ، قَالَ الأَزهري: وَالْعَرَبُ تَضَعُ الأَسماء مَوَاضِعَ الْمَصَادِرِ، وَلِذَلِكَ قرأَ مَنْ قرأَ: هِيَ حَتَّى مطلِع الْفَجْرِ "، لأَنه ذَهَب بالمطلِع، وإِن كَانَ اسْمًا، إِلى الطُّلُوعِ مِثْلِ المَطْلَعِ، وَهَذَا قَوْلُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ، وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: مَنْ قرأَ مطلِع الْفَجْرِ، بِكَسْرِ اللَّامِ، فَهُوَ اسْمٌ لِوَقْتِ الطُّلُوعِ، قَالَ ذَلِكَ الزَّجَّاجُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَحسبه قَوْلَ سِيبَوَيْهِ.

والمَطْلِعُ والمَطْلَعُ أَيضًا: مَوْضِعُ طُلُوعِهَا.

وَيُقَالُ: اطَّلَعْتُ الْفَجْرَ اطِّلاعًا أَي نَظَرْتُ إِليه حِينَ طلَع؛ وَقَالَ: " نَسِيمُ الصَّبا مِنْ حيثُ يُطَّلَعُ الفَجْرُ وآتِيكَ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْه الشمسُ أَي طلَعت فِيهِ.

وَفِي الدُّعَاءِ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا تَطْلُع بِنَفْسِ أَحد مِنَّا "؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي لَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنَّا مَعَ طُلُوعها، أَراد: وَلَا طَلَعَتْ فَوَضَعَ الْآتِي مِنْهَا مَوْضِعَ الْمَاضِي، وأَطْلَعَ لُغَةٌ فِي ذَلِكَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ: " كأَنه كَوْكَبُ غَيْمٍ أَطْلَعا "وطِلاعُ الأَرضِ: مَا طَلعت عَلَيْهِ الشمسُ.

وطِلاعُ الشَّيْءِ: مِلْؤُه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عُمَرَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنه قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: لَوْ أَنَّ لِي طِلاعَ الأَرضِ ذَهَبًا "؛ قِيلَ: طِلاعُ الأَرض مِلْؤُها حَتَّى يُطالِعَ أَعلاه أَعْلاها فَيُساوِيَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «جَاءَهُ رَجُلٌ بِهِ بَذاذةٌ تعلو عَنْهُ الْعَيْنُ، فَقَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ طِلاعِ الأَرض ذَهَبًا»أَي مَا يَمْلَؤُها حَتَّى يَطْلُع عَنْهَا وَيَسِيلَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ يَصِفُ قَوْسًا وغَلَظَ مَعْجِسها وأَنه يملأُ الْكَفَّ:

كَتُومٌ طِلاعُ الكَفِّ لَا دُونَ مِلْئِها، ***وَلَا عَجْسُها عَنْ مَوْضِعِ الكَفِّ أَفْضَلا

الكَتُوم: القَوْسُ الَّتِي لَا صَدْعَ فِيهَا وَلَا عَيْبَ.

وَقَالَ اللَّيْثُ: طِلاعُ الأَرضِ فِي قَوْلِ عُمَرَ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشمسُ مِنَ الأَرض، وَالْقَوْلُ الأَوَّل، وَهُوَ قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ: وطَلَعَ فُلَانٌ عَلَيْنَا مِنْ بَعِيدٍ، وطَلْعَتُه: رُؤْيَتُه.

يُقَالُ: حَيَّا اللَّهُ طَلْعتك.

وطلَع الرجلُ عَلَى الْقَوْمِ يَطْلُع وتَطَلَّع طُلُوعًا وأَطْلَع: هَجَمَ؛ الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ.

وطلَع عَلَيْهِمْ: أَتاهم.

وطلَع عَلَيْهِمْ: غَابَ، وَهُوَ مِنَ الأَضْداد.

وطَلعَ عَنْهُمْ: غَابَ أَيضًا عَنْهُمْ.

وطَلْعةُ الرجلِ: شخْصُه وَمَا طلَع مِنْهُ.

وتَطَلَّعه: نَظَرَ إِلى طَلْعَتِه نَظَرَ حُبٍّ أَو بِغْضةٍ أَو غَيْرِهِمَا.

وَفِي الْخَبَرِ عَنْ بَعْضِهِمْ: " أَنه كَانَتْ تَطَلَّعُه الْعَيْنُ صُورَةً.

وطَلِعَ الجبلَ، بِالْكَسْرِ، وطلَعَه يَطْلَعُه طُلُوعًا: رَقِيَه وعَلاه.

وَفِي حَدِيثِ السُّحور: «لَا يَهِيدَنَّكُمُ الطالِعُ»، يَعْنِي الْفَجْرَ الكاذِب.

وطَلَعَتْ سِنُّ الصَّبِيِّ: بَدَتْ شَباتُها.

وكلُّ بادٍ مِنْ عُلْوٍ طالِعٌ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «هَذَا بُسْرٌ قَدْ طَلَعَ اليَمَن» أَي قَصَدَها مِنْ نجْد.

وأطْلَعَ رأْسه إِذا أَشرَف عَلَى شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ اطَّلَعَ وأَطْلَعَ غيرَه واطَّلَعَه، وَالِاسْمُ الطَّلاعُ.

واطَّلَعْتُ عَلَى باطِنِ أَمره، وَهُوَ افْتَعَلْتُ، وأَطْلَعَه عَلَى الأَمر: أَعْلَمَه بِهِ، وَالِاسْمُ الطِّلْعُ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ ذِي يزَن: «قَالَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَطْلَعْتُك طِلْعَه»أَي أَعْلَمْتُكَه؛ الطِّلع، بِالْكَسْرِ: اسْمٌ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى الشَّيْءِ إِذا عَلِمَه.

وطَلعَ عَلَى الأَمر يَطْلُع طُلُوعًا واطَّلَعَ عَلَيْهِمُ اطِّلاعًا واطَّلَعَه وتَطَلَّعَه: عَلِمَه، وطالَعَه إِياه فَنَظَرَ مَا عِنْدَهُ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ ذُرَيْحٍ:

كأَنَّكَ بِدْعٌ لمْ تَرَ الناسَ قَبْلَهُمْ، ***ولَمْ يَطَّلِعْكَ الدَّهْرُ فِيمَنْ يُطالِعُ

وَقَوْلُهُ تعالى: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ}؛ القرَّاء كُلُّهُمْ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إِلا مَا رَوَاهُ حُسَيْنٌ الجُعْفِيّ عَنْ أَبي عَمْرٍو أَنه قرأَ: " هَلْ أَنتم مُطْلِعونِ "، سَاكِنَةَ الطَّاءِ مَكْسُورَةَ النُّونِ، فأُطْلِعَ، بِضَمِّ الأَلف وَكَسْرِ اللَّامِ، عَلَى فأُفْعِلَ؛ قَالَ الأَزهري: وَكَسْرُ النُّونِ فِي مُطْلِعونِ "شَاذٌّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَجمعين وَوَجْهُهُ ضَعِيفٌ، وَوَجْهُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى هَلْ أَنتم مُطْلِعِيّ وَهَلْ أَنتم مُطْلِعوه، بِلَا نُونٍ، كَقَوْلِكَ هَلْ أَنتم آمِرُوهُ وآمِرِيَّ؛ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:

هُمُ القائِلونَ الخَيْرَ والآمِرُونَه، ***إِذا مَا خَشُوا مِنْ مُحْدَثِ الأَمْرِ مُعْظَما

فَوَجْهُ الْكَلَامِ وَالْآمِرُونَ بِهِ، وَهَذَا مِنْ شَوَاذِّ اللُّغَاتِ، وَالْقِرَاءَةُ الْجَيِّدَةُ الْفَصِيحَةُ: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ، وَمَعْنَاهَا هَلْ تُحِبُّونَ أَن تَطَّلِعُوا فَتَعْلَمُوا أَين مَنْزِلَتُكُمْ مِنْ مَنْزِلَةِ أَهل النَّارِ، فاطَّلَعَ المُسْلِمُ فرأَى قَرِينَه فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ أَي فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ، وقرأَ قَارِئٌ: هَلْ أَنتم مُطْلِعُونَ "، بِفَتْحِ النُّونِ، فأُطْلِعَ فَهِيَ جَائِزَةٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَهِيَ بِمَعْنَى هَلْ أَنتم طالِعُونَ ومُطْلِعُونَ؛ يُقَالُ: طَلَعْتُ عَلَيْهِمْ واطَّلَعْتُ وأَطْلَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

واسْتَطْلَعَ رأْيَه: نَظَرَ مَا هُوَ.

وطالَعْتُ الشَّيْءَ أَياطَّلَعْتُ عَلَيْهِ، وطالَعه بِكُتُبه، وتَطَلَّعْتُ إِلى وُرُودِ كتابِكَ.

والطَّلْعةُ: الرؤيةُ.

وأَطْلَعْتُك عَلَى سِرِّي، وَقَدْ أَطْلَعْتُ مِنْ فَوْقِ الْجَبَلِ واطَّلَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وطَلَعْتُ فِي الْجَبَلِ أَطْلُعُ طُلُوعًا إِذا أَدْبَرْتَ فِيهِ حَتَّى لَا يَرَاكَ صاحبُكَ.

وطَلَعْتُ عَنْ صَاحِبِي طُلُوعًا إِذا أَدْبَرْتَ عَنْهُ.

وطَلَعْتُ عَنْ صَاحِبِي إِذا أَقْبَلْتَ عَلَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ.

وَقَالَ أَبو زَيْدٍ فِي بَابِ الأَضداد: طَلَعْتُ عَلَى الْقَوْمِ أَطلُع طُلُوعًا إِذا غِبْتَ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَرَوْكَ، وطلَعت عَلَيْهِمْ إِذا أَقبلت عَلَيْهِمْ حَتَّى يَرَوْكَ.

قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: طَلَعْتُ عَلَى الْقَوْمِ إِذا غِبْتَ عَنْهُمْ صَحِيحٌ، جَعَلَ عَلَى فِيهِ بِمَعْنَى عَنْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ}؛ مَعْنَاهُ عَنِ النَّاسِ وَمِنَ النَّاسِ، قَالَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهل اللُّغَةِ أَجمعون.

وأَطْلَعَ الرَّامِي أَيْ جازَ سَهْمُه مِنْ فَوْقِ الغَرَض.

وَفِي حَدِيثِ كِسْرَى: «أَنه كان يسجُد للطالِعِ»؛ هُوَ مِنَ السِّهام الَّذِي يُجاوِزُ الهَدَفَ ويَعْلُوه؛ قَالَ الأَزهري: الطالِع مِنَ السِّهَامِ الَّذِي يقَعُ وراءَ الهَدَفِ ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِسِ؛ قَالَ المَرَّارُ:

لَها أَسْهُمٌ لَا قاصِراتٌ عَنِ الحَشَى، ***وَلَا شاخِصاتٌ، عَنْ فُؤادي، طَوالِعُ

أَخبر أَنَّ سِهامَها تُصِيبُ فُؤادَه وَلَيْسَتْ بِالَّتِي تقصُر دُونَهُ أَو تُجَاوِزُهُ فتُخْطِئُه، وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنه كَانَ يَسْجُدُ لِلطَّالِعِ أَي أَنه كَانَ يَخْفِضُ رأْسه إِذا شخَص سهمُه فَارْتَفَعَ عَنِ الرَّمِيّةِ وَكَانَ يطأْطئ رأْسه لِيَقُومَ السَّهْمُ فَيُصِيبُ الْهَدَفَ.

والطَّلِيعةُ: الْقَوْمُ يُبعثون لمُطالَعةِ خَبَرِ الْعَدُوِّ، وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ فِيهِ سَوَاءٌ.

وطَلِيعةُ الْجَيْشِ: الَّذِي يَطْلُع مِنَ الْجَيْشِ يُبعث لِيَطَّلِعَ طِلْعَ الْعَدُوِّ، فَهُوَ الطِّلْعُ، بِالْكَسْرِ، الِاسْمُ مِنْ الاطّلاعِ.

تَقُولُ مِنْهُ: اطَّلِعْ طِلْعَ الْعَدُوِّ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَانَ إِذا غَزا بَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلائِعَ»؛ هم الْقَوْمُ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ ليَطَّلِعُوا طِلْع الْعَدُوِّ كالجَواسِيسِ، وَاحِدُهُمْ طَلِيعةٌ، وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، والطلائِعُ: الْجَمَاعَاتُ؛ قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ الرَّبِيئةُ والشَّيِّفةُ والبَغِيَّةُ بِمَعْنَى الطَّلِيعةِ، كُلُّ لَفْظَةٍ مِنْهَا تَصْلُحُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ.

وامرأَة طُلَعةٌ: تُكْثِرُ التَّطَلُّعَ.

ويقال: امرأَة طُلَعةٌ قُبَعةٌ، تَطْلُع تَنْظُرُ سَاعَةً ثُمَّ تَخْتَبئُ.

وَقَوْلُ الزِّبْرِقانِ بْنِ بَدْرٍ: إِن أَبْغَضَ كنائِني إِليَّ الطُّلَعةُ الخُبَأَةُ أَي الَّتِي تَطْلُعُ كَثِيرًا ثُمَّ تَخْتَبِئُ.

وَنَفْسٌ طُلَعةٌ: شَهِيّةٌ مُتَطَلِّعةٌ، عَلَى الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ؛ وَحَكَى الْمُبَرِّدُ أَن الأَصمعي أَنشد فِي الإِفراد:

وَمَا تَمَنَّيْتُ مِنْ مالٍ وَلَا عُمُرٍ ***إِلَّا بِمَا سَرَّ نَفْسَ الحاسِدِ الطُّلَعَهْ

وَفِي كَلَامِ الْحَسَنِ: إِنَّ هَذِهِ النفوسَ طُلَعةٌ فاقْدَعوها بالمواعِظِ وإِلا نَزَعَتْ بكم إِلى شَرِّ غايةٍ "؛ الطُّلَعةُ، بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ: الكثيرة التطلّع إِلى الشيء أَي أَنها كَثِيرَةُ الميْل إِلى هَوَاهَا تَشْتَهِيهِ حَتَّى تُهْلِكَ صَاحِبَهَا، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، وَالْمَعْرُوفُ الأَوَّل.

وَرَجُلٌ طَلَّاعُ أَنْجُدٍ: غالِبٌ للأُمور؛ قَالَ:

وَقَدْ يَقْصُرُ القُلُّ الفَتَى دونَ هَمِّه، ***وَقَدْ كانَ، لَوْلَا القُلُّ، طَلَّاعَ أَنْجُدِ

وَفُلَانٌ طَلَّاعُ الثَّنايا وطَلَّاعُ أَنْجُدٍ إِذا كَانَ يَعْلُو الأُمور فيَقْهَرُها بِمَعْرِفَتِهِ وتَجارِبِه وجَوْدةِ رأْيِه، والأَنْجُد: جَمْعُ النَّجْدِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، "وَكَذَلِكَ الثَّنِيَّةُ.

وَمِنْ أَمثال الْعَرَبِ: هَذِهِ يَمِينٌ قَدْ طَلَعَتْ فِي المَخارِمِ، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي تَجْعل لِصَاحِبِهَا مَخْرَجًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:

وَلَا خَيْرَ فِي مالٍ عَلَيْهِ أَلِيّةٌ، ***وَلَا فِي يَمِينٍ غَيْرِ ذاتِ مَخارِمِ

والمَخارِمُ: الطُّرُقُ فِي الْجِبَالِ، وَاحِدُهَا مَخْرِمٌ.

وتَطَلَّعَ الرجلَ: غَلَبَه وأَدْرَكَه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

وأَحْفَظُ جارِي أَنْ أُخالِطَ عِرسَه، ***ومَوْلايَ بالنَّكْراءِ لَا أَتَطَلَّعُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَيُقَالُ تَطالَعْتَه إِذا طَرَقْتَه ووافَيْتَه؛ وَقَالَ:

تَطالَعُني خَيالاتٌ لِسَلْمَى، ***كَمَا يَتَطالَعُ الدَّيْنَ الغَرِيمُ

وَقَالَ: كَذَا أَنْشَدَهُ أَبو عَلِيٍّ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ يَتَطَلَّعُ لأَن تَفاعَلَ لَا يَتَعَدَّى فِي الأَكثر، فَعَلَى قَوْلِ أَبي عَلِيٍّ يَكُونُ مِثْلَ تَخاطأَتِ النَّبْلُ أَحشاءَه، ومِثْلَ تَفاوَضْنا الْحَدِيثَ وتَعاطَيْنا الكأْسَ وتَباثَثْنا الأَسْرارَ وتَناسَيْنا الأَمر وتَناشَدْنا الأَشْعار، قَالَ: وَيُقَالُ أَطْلَعَتِ الثُّرَيَّا بِمَعْنَى طَلَعَتْ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

كأَنَّ الثُّرَيَّا أَطْلَعَتْ، فِي عِشائِها، ***بوَجْهِ فَتاةِ الحَيِّ ذاتِ المَجاسِدِ

والطِّلْعُ مِنَ الأَرَضِينَ: كلُّ مطمئِنٍّ فِي كلِّ رَبْوٍ إِذا طَلَعْتَ رأَيتَ مَا فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ يُقَالُ: أَطْلِعْني طِلْعَ أَمْرِكَ.

وطِلْعُ الأَكَمَةِ: مَا إِذا عَلَوْتَه مِنْهَا رأَيت مَا حَوْلَهَا.

وَنَخْلَةٌ مُطْلِعةٌ: مُشْرِفةٌ عَلَى مَا حَوْلَهَا طالتِ النخيلَ وَكَانَتْ أَطول مِنْ سَائِرِهَا.

والطَّلْعُ: نَوْرُ النَّخْلَةِ مَا دامَ فِي الكافُور، الْوَاحِدَةُ طَلْعةٌ.

وطَلَعَ النخلُ طُلوعًا وأَطْلَعَ وطَلَّعَ: أَخرَج طَلْعَه.

وأَطْلَعَ النخلُ الطَّلْعَ إِطْلاعًا وطَلَعَ الطَّلْعُ يَطْلُعُ طُلُوعًا، وطَلْعُه: كُفُرّاه قَبْلَ أَن يَنْشَقَّ عَنِ الغَرِيضِ، والغَرِيضُ يُسَمَّى طَلْعًا أَيضًا.

وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي عَنِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ أَنه قَالَ: ثَلَاثَةٌ تُؤْكَلُ فَلَا تُسْمِنُ: وَذَلِكَ الجُمَّارُ والطَّلْعُ والكَمْأَةُ؛ أَراد بالطَّلْع الغَرِيض الَّذِي يَنْشَقُّ عَنْهُ الْكَافُورُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُرَى مِنْ عِذْقِ النَّخْلَةِ.

وأَطْلَعَ الشجرُ: أَوْرَقَ.

وأَطْلَعَ الزرعُ: بَدَا، وَفِي التَّهْذِيبِ: طَلَعَ الزرعُ إِذا بدأَ يَطْلُع وظهَر نباتُه.

والطُّلَعاءُ مِثالُ الغُلَواء: القَيْءُ، وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الطَّوْلَعُ الطُّلَعاءُ وَهُوَ القيْءُ.

وأَطْلَعَ الرجلُ إِطْلاعًا: قاءَ.

وقَوْسٌ طِلاعُ الكَفِّ: يملأُ عَجْسُها الْكَفَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيْتُ أَوس بْنِ حَجَرٍ: كَتُومٌ طِلاعُ الكفِّ ***وَهَذَا طِلاعُ هَذَا أَي قَدْرُه.

وَمَا يَسُرُّني بِهِ طِلاعُ الأَرض ذَهَبًا، وَمِنْهُ قَوْلُ

الْحَسَنِ: لأَنْ أَعْلم أَنِّي بَرِيءٌ مِنَ النِّفاقِ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ طِلاعِ الأَرض ذَهَبًا.

وَهُوَ بِطَلْعِ الوادِي وطِلْعِ الْوَادِي، بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، أَي نَاحِيَتِهِ، أُجري مَجْرَى وزْنِ الْجَبَلِ.

قَالَ الأَزهري: نَظَرْتُ طَلْعَ الْوَادِي وطِلْعَ الْوَادِي، بِغَيْرِ الْبَاءِ، وَكَذَا الاطِّلاعُ النَّجاةُ، عَنْ كُرَاعٍ.

وأَطْلَعَتِ السماءُ بِمَعْنَى أَقْلَعَتْ.

والمُطَّلَعُ: المَأْتى.

وَيُقَالُ: مَا لِهَذَا الأَمر مُطَّلَعٌ وَلَا مُطْلَعٌ أَي مَا لَهُ وَجْهٌ وَلَا مَأْتًى يُؤْتى إِليه.

وَيُقَالُ: أَين مُطَّلَعُ هَذَا الأَمر أَي مَأْتاه، وَهُوَ مَوْضِعُ الاطِّلاعِ مِنْ إِشْرافٍ إِلى انْحِدارٍ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنه قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: «لَوْ أَنَّ لِي مَا فِي الأَرض جَمِيعًا لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ المُطَّلَعِ»؛ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْقِفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَو مَا يُشْرِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَمر الْآخِرَةِ عَقِيبَ الْمَوْتِ، فشبه بالمُطَّلَعِ الَّذِي يُشْرَفُ عَلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ عالٍ.

قَالَ الأَصمعي: وَقَدْ يَكُونُ المُطَّلَعُ المَصْعَدَ مِنْ أَسفل إِلى الْمَكَانِ الْمُشْرِفِ، قَالَ: وَهُوَ مِنَ الأَضداد.

وَفِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ: " لِكُلِّ حرْف حَدٌّ وَلِكُلِّ حدٍّ مُطَّلَعٌ "أَي لِكُلِّ حدٍّ مَصْعَدٌ يَصْعَدُ إِليه مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ.

والمُطَّلَعُ: مَكَانُ الاطِّلاعِ مِنْ مَوْضِعٍ عَالٍ.

يُقَالُ: مُطَّلَعُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ مَكَانِ كَذَا أَي مأْتاه ومَصْعَدُه؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:

مَا سُدَّ مِنْ مَطْلَعٍ ضاقَت ثَنِيَّتُه، ***إِلَّا وَجَدْت سَواءَ الضِّيقِ مُطَّلَعا

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ حدٍّ مُنْتَهكًا يَنْتَهِكُه مُرْتَكِبُه أَي أَنَّ اللَّهَ لَمْ يحرِّم حُرْمةً إِلَّا عَلِمَ أَنْ سَيَطْلُعُها مُسْتَطْلِعٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ لِكُلِّ حدٍّ مَطْلَعٌ بِوَزْنِ مَصْعَدٍ وَمَعْنَاهُ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِجَرِيرٍ:

إِنِّي، إِذا مُضَرٌ عليَّ تحَدَّبَتْ، ***لاقَيْتُ مُطَّلَعَ الجبالِ وُعُورا

قَالَ اللَّيْثُ: والطِّلاعُ هُوَ الاطِّلاعُ نفسُه فِي قَوْلُ حُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:

فكانَ طِلاعًا مِنْ خَصاصٍ ورُقْبةً، ***بأَعْيُنِ أَعْداءٍ، وطَرْفًا مُقَسَّما

قَالَ الأَزهري: وَكَانَ طِلاعًا أَي مُطالَعةً.

يُقَالُ: طالَعْتُه طِلاعًا ومُطالَعةً، قَالَ: وَهُوَ أَحسن مِنْ أَن تَجْعَلَهُ اطِّلاعًا لأَنه الْقِيَاسُ فِي الْعَرَبِيَّةِ.

وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}؛ قَالَ الفراءُ: يَبْلُغُ أَلَمُها الأَفئدة، قَالَ: والاطِّلاعُ والبُلوغُ قَدْ يَكُونَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَتَى طَلَعْتَ أَرْضنا أَي مَتَى بَلَغْت أَرضنا، وَقَوْلُهُ تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ، تُوفي عَلَيْهَا فَتُحْرِقُها مِنِ اطَّلعت إِذا أَشرفت؛ قَالَ الأَزهري: وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ أَحب إِليَّ، قَالَ: وإِليه ذَهَبَ الزَّجَّاجُ.

وَيُقَالُ: عَافَى اللَّهُ رَجُلًا لَمْ يَتَطَلَّعْ فِي فِيكَ أَي لَمْ يتعقَّب كَلَامَكَ.

أَبو عَمْرٍو: مِنْ أَسماء الْحَيَّةِ الطِّلْعُ والطِّلُّ.

وأَطْلَعْتُ إِليه مَعْروفًا: مِثْلُ أَزْلَلْتُ.

وَيُقَالُ: أَطْلَعَني فُلان وأَرْهَقَني وأَذْلَقَني وأَقْحَمَني أَي أَعْجَلَني.

وطُوَيْلِعٌ: مَاءٌ لَبَنِي تَمِيمٍ بالشَّاجِنةِ ناحِيةَ الصَّمَّانِ؛ قَالَ الأَزهري: طُوَيْلِعٌ رَكِيَّةٌ عادِيَّةٌ بِنَاحِيَةِ الشَّواجِنِ عَذْبةُ الماءِ قَرِيبَةُ الرِّشاءِ؛ قَالَ ضَمْرَةُ ابن ضَمْرَةَ:

وأَيَّ فَتًى وَدَّعْتُ يومَ طُوَيْلِعٍ، ***عَشِيَّةَ سَلَّمْنا عَلَيْهِ وسَلَّما

فَيا جازيَ الفِتْيانِ بالنِّعَمِ اجْزِه ***بِنُعْماه نُعْمَى، واعْفُ إِنْ كَانَ مُجْرِما

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


64-لسان العرب (قذف)

قذف: قذَفَ بِالشَّيْءِ يَقْذِف قَذْفًا فانْقَذَف: رَمَى.

والتَّقاذُفُ: التَّرَامِي؛ أَنشد اللِّحْيَانِيُّ: " فقَذَفْتُها فأَبَتْ لَا تَنْقذِفْ وَقَوْلُهُ تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}؛ " قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ يأْتي بِالْحَقِّ ويرْمي بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ}.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ}؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: كَانُوا يَرْجُمون الظُّنون أَنهم يُبْعَثون.

وقَذَفَه بِهِ: أَصابه، وقَذَفَه بِالْكَذِبِ كَذَلِكَ.

وقَذَفَ الرَّجُل أَي قَاءَ.

وقَذَفَ المُحْصَنَةَ أَي سَبَّها.

وَفِي حَدِيثِ هِلَالِ بْنِ أُميّة: «أَنه قَذَفَ امرأَته بِشَريكٍ»؛ القَذْف هَاهُنَا رَمْيُ المرأَة بِالزِّنَا أَو مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وأَصله الرّمْيُ ثُمَّ استُعْمل فِي هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى غَلب عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «وَعِنْدَهَا قَيْنَتان تغَنِّيان بِمَا تَقاذَفَتْ بِهِ الأَنْصارُ يوْمَ بُعاثَ»أَي تَشاتَمتْ فِي أَشعارها وأَراجيزها الَّتِي قالتْها فِي تِلْكَ الحَرْب.

والقَذْف: السَّبُّ وَهِيَ القَذيفة.

والقَذْفُ بِالْحِجَارَةِ: الرَّمْيُ بِهَا.

يُقَالُ: هُمْ بَيْنَ حاذِفٍ وقاذِفٍ وحاذٍ وقاذٍ عَلَى التَّرْخِيمِ، فالحاذفُ بِالْحَصَى، وَالْقَاذِفُ بِالْحِجَارَةِ.

ابْنُ الأَعرابي: القَذْف بِالْحَجَرِ والحَذْف بِالْحَصَى.

اللَّيْثُ: القذْف الرَّمْيُ بالسَّهْم والحَصى وَالْكَلَامِ وَكُلِّ شَيْءٍ.

ابْنُ شُمَيْلٍ: القِذافُ مَا قَبَضْتَ بيَدك مِمَّا يَمْلأُ الْكَفَّ فرَمَيْتَ بِهِ.

قَالَ: وَيُقَالُ نِعْم جُلْمود القِذاف هَذَا.

قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلْحَجَرِ نفسِه نِعْم القِذاف.

أَبو خَيْرة: القِذافُ مَا أَطَقْتَ حَمْلَهُ بِيَدك ورمَيْته؛ قَالَ رُؤْبَةُ:

وَهُوَ لأَعْدائِك ذُو قِرافِ، ***قَذّافة بِحَجَر القِذافِ

والقَذَّافة والقَذَّاف جَمْعٌ: هُوَ الَّذِي يُرْمى بِهِ الشيءُ فَيَبْعُدُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَمَّا أَتاني الثَّقَفِيُّ الفَتَّانْ، ***فنَصَبوا قَذَّافةً بلْ ثِنْتانْ

والقَذَّاف: المَنْجَنِيقُ وَهُوَ الْمِيزَانُ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.

والقَذيفة: شَيْءٌ يُرْمى بِهِ؛ قَالَ المُزَرِّد:

قَذيفةُ شَيْطانٍ رَجيمٍ رَمى بِهَا، ***فصارَتْ ضَواةً فِي لهَازِمِ ضِرْزم

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنِي خَشِيتُ أَن يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا» أَي يلقيَ ويُوقعَ.

والقَذْفُ: الرَّمْيُ بقُوَّة.

وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ: «فتَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِساء الْمُشْرِكِينَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فتَتَقَصَّفُ»، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:

مَقْذوفةٍ بدَخِيسِ النَّحْض بازلُها، ***لَهُ صَريف صَريفَ القَعْو بالمَسَد

أَي مَرْميّة بِاللَّحْمِ.

وَرَجُلٌ مُقَذَّفُ أَي كَثِيرُ اللَّحْمِ كأَنه قُذِف بِاللَّحْمِ قَذْفًا.

يُقَالُ: قُذِفَت الناقةُ بِاللَّحْمِ قَذْفًا ولُدِسَتْ بِهِ لَدْسًا كأَنها رُمِيَتْ بِهِ رَمْيًا فأَكْثَرَتْ مِنْهُ؛ والمُقَذَّف: المُلَعَّن فِي بَيْتِ زُهَيْرٍ وَهُوَ:

لَدى أَسَدٍ شَاكِي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ، ***لَهُ لِبَدٌ، أَظْفارُه لَمْ تُقَلَّمِ

وَقِيلَ: المُقَذَّف الَّذِي قَدْ رُمِيَ بِاللَّحْمِ رَمْيًا فَصَارَ أَغْلَبَ.

وَيُقَالُ: بَيْنَهُمْ قِذِّيفَى أَي سِبابٌ ورَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ أَيضًا.

وَمَفَازَةٌ قَذَفٌ وقُذُفٌ وقَذُوفٌ: بَعِيدَةٌ.

وَبَلْدَةٌ قَذُوفٌ أَي طَروحٌ لبُعْدها، وسَبْسَبٌ كَذَلِكَ.

وَمَنْزِلٌ قَذَفٌ وقَذِيفٌ أَي بَعِيدٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:

وشَطَّ وَلْيُ النَّوى، إنَّ النَّوى قَذَفٌ، ***تَيَّاحةٌ غَرْبَةٌ بِالدَّارِ أَحْيانا

أَبو عَمْرٍو: المِقْذَفُ والمِقذَاف مِجْذاف السَّفِينَةِ، "والقَذَّاف المَرْكَب.

والقُذْفُ والقُذْفَةُ: النَّاحِيَةُ، وَالْجَمْعُ قِذَافٌ.

اللَّيْثُ: القُذَف النَّوَاحِي، وَاحِدَتُهُا قُذْفَةٌ.

غَيْرُهُ: قَذَفا الْوَادِي وَالنَّهْرِ جَانِبَاهُ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:

طَلِيعَةُ قَومٍ أَو خَميسٌ عَرَمْرَمٌ، ***كَسَيْلِ الأَتيّ ضَمَّه القَذَفانِ

الْجَوْهَرِيُّ: القُذْفَةُ وَاحِدَةُ القُذَف والقُذُفاتِ، وَهِيَ الشُّرَف؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: شَاهِدُ القُذَف قَوْلُ ابْنُ مُقْبل:

عَوْدًا أَحَمَّ القَرَا أُزْمُولةً وقِلًا، ***عَلَى تُراثِ أَبيه يَتْبَعُ القُذَفا

قَالَ: وَيُرْوَى القَذَفا "، وَقَدْ ضعَّفه الأَعلم.

ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: وقُذُفاتُ الْجِبَالِ وقُذَفها مَا أَشْرَفَ مِنْهَا، وَاحِدَتُهُا قُذْفةٌ، وَهِيَ الشُّرَف؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وكُنْتُ إِذَا مَا خِفْتُ يَوْمًا ظُلامَةً، ***فإنَّ لَهَا شِعْبًا بِبُلْطَةِ زَيْمَرَا

مُنِيفًا تَزِلُّ الطَّيْرُ عَنْ قُذُفاتِه، ***يَظَلُّ الضَبابُ فَوْقَه قَدْ تَعَصَّرا

وَيُرْوَى نِيافًا تَزِلُّ الطَّيرُ.

والنِّياف: الطَّوِيلِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لبِشر بْنِ أَبي خَازِمٍ:

وصَعْب تَزِلُّ الطيرُ عَنْ قُذُفاتِه، ***لِحافاتِه بانٌ طوالٌ وعَرْعَر

وكلُّ ما أَشرف من رؤوس الْجِبَالِ، فَهِيَ القُذُفات.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قُذُفات».

والأَقْذَاف: كالقُذُفَات.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قُذُفاتٌ»؛ هَكَذَا يُحَدِّثونه؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قُذُفاتٌ صَحِيحٌ لأَنه جَمْعُ سَلَامَةٍ كغُرْفة وغُرُفات، وَجَمْعُ التَّكَسِيرِ قُذَفٌ كغُرَف، وكِلاهما قَدْ رُوِي، " ورُوِي: فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قِذَاف "؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ جَمْعُ قُذْفَة، وَهِيَ الشُّرْفَة كبُرْمَةٍ وبِرام وبُرْقة وبِراقٍ، وَقَالَ الأَصمعي: إِنَّمَا هِيَ قُذَفٌ وأَصلها قُذْفَة، وَهِيَ الشُّرَف، قَالَ: والأَول الْوَجْهُ لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَوُجُودِ النَّظِيرِ.

وَنَاقَةٌ قِذَافٌ وقَذُوفٌ وقُذُفٌ: وَهِيَ الَّتِي تَتقدَّم مِنْ سُرْعتها وتَرمي بِنَفْسِهَا أَمام الإِبل فِي سَيْرِهَا؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:

جَعَلْتُ القِذَافَ لِلَيْلِ التَّمام ***إِلَى ابْنِ الوَليد أبانٍ سِبارا

قَالَ: جعلتُ نَاقَتِي هَذِهِ لِهَذَا اللَّيْلِ حَشْوًا.

وَنَاقَةٌ قِذَافٌ ومُتَقَاذِفَةٌ: سَرِيعَةٌ، وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ.

وفرسٌ مُتَقَاذِفٌ: سَريع العَدْوِ.

وسَير مُتَقَاذِفٌ: سَرِيعٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

بِحَيَّ هَلَا يُزْجونَ كلَّ مَطِيَّةٍ، ***أَمام المَطايا سَيرُها المُتَقَاذِفُ

والقِذَافُ: سُرعة السَّير.

والقَذُوف والقَذَّاف مِنَ القِسِيّ، كِلَاهُمَا: الْمُبْعِدُ السهمَ؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ بَراء:

ارْمِ سَلامًا وأَبا الغَرَّافِ، ***وعاصِمًا عَنْ مَنْعَةٍ قَذَّافِ

ونِيَّةٌ قَذَفٌ، بِالتَّحْرِيكَ، وَفَلَاةٌ قَذَفٌ وقُذُفٌ أَيضًا مِثْلُ صَدَفٍ وصُدُف وطَنَفٍ وطُنُفٍ أَي بَعِيدَةُ تَقاذَفُ بمَنْ يَسْلُكها؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: نِيَّة قَذَفٌ، بِالتَّحْرِيكَ، وَوَقَعَ فِي أُخرى نِيَّةٌ قَذَفٌ، " بِالنُّونِ وَالْيَاءِ.

ورَوْضُ القِذافِ: مَوْضِعٌ.

ابْنُ بَرِّيٍّ: والقَذاف الْمَاءُ الْقَلِيلُ.

وَفِي الْمَثَلِ: نَزافِ نزافِ لَمْ يَبْقَ غيرُ قَذاف، وَذَلِكَ لأَن امرأَة كَانَتْ تُحمَّق فأَتت عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ فرأَت غَيْلَمةً فأَلْبَسَتها حُلِيَّهَا، فانْسابَتِ الغَيْلمة فِي الْبَحْرِ، فَقَالَتْ لِجَوَارِيهَا: نزافِ نزافِ أَي انْزِفْنَ الْبَحْرَ لَمْ يَبق غيرُ قَذافٍ أَي قَلِيلٍ.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


65-لسان العرب (درك)

درك: الدَّرَكُ: اللحَاق، وَقَدْ أَدركه.

وَرَجُلٌ دَرَّاك: مُدْرِك كثير الإِدْراك، وقلما يَجِئْ فَعَّال مِنْ أَفْعَلَ يُفْعِل إِلَّا أَنهم قَدْ قَالُوا حَسَّاس دَرّاك، لُغَةٌ أَو ازْدِوَاجٌ، وَلَمْ يَجِئْ فَعَّال مِنْ أَفْعَلَ إلَّا دَرَّاك مِنْ أَدْرَك، وجَبّار مِنْ أَجبره عَلَى الْحُكْمِ أَكرهه، وسَأْآر مِنْ قَوْلِهِ أَسأَر فِي الكأْس إِذا أَبقى فِيهَا سؤْرًا مِنَ الشَّرَابِ وَهِيَ الْبَقِيَّةُ، وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ مُدْرِكةٌ، بِالْهَاءِ، سَرِيعُ الإِدْراكِ، ومُدْرِكةُ: اسْمُ رَجُلٍ مُشْتَقٌّ مِنَ ذَلِكَ.

وتَدَاركَ القومُ: تَلَاحَقُوا أَي لَحِق آخرُهم أَولَهم.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا}؛ وأَصله تَدَاركوا فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَاجْتُلِبَتِ الأَلف لِيَسْلَمَ السُّكُونُ.

وتَدَارك الثَّرَيان أَي أَدرك ثَرَى الْمَطَرِ ثَرَى الأَرض.

اللَّيْثُ: الدَّرَك إِدْرَاكُ الْحَاجَةِ ومَطْلبِه.

يُقَالُ: بَكِّرْ فَفِيهِ دَرَك.

والدَّرَك: اللَّحَقُ مِنَ التَّبِعَةِ، وَمِنْهُ ضَمَانُ الدَّرَكِ فِي عُهْدَةِ الْبَيْعِ.

والدَّرَك: اسْمٌ مِنَ الإِدْراك مِثْلَ اللَّحَق.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَعوذ بِكَ مِنْ دَرْك الشَّقاء»؛ الدَّرْك: اللَّحاق وَالْوُصُولُ إِلى الشَّيْءِ، أَدركته إِدْراكًا وَدَرَكًا وَفِي الْحَدِيثِ: «لَوْ قَالَ إِن شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا لَهُ فِي حَاجَتِهِ».

والدَّرَك: التَّبِعةُ، يُسَكَّنُ وَيُحَرَّكُ.

يُقَالُ: مَا لَحِقك مِنْ دَرَكٍ فعليَّ خلاصُه.

والإِدْراكُ: اللُّحُوقُ.

يُقَالُ: "مَشَيْتُ حَتَّى أَدْرَكته وعِشْتُ حَتَّى أَدْرَكْتُ زَمَانَهُ.

وأَدْرَكْتُه بِبَصَرِي أَي رأَيته وأَدْرَكَ الغلامُ وأَدْرَكَ الثمرُ أَي بَلَغَ، وَرُبَّمَا قَالُوا أَدْرَكَ الدَّقِيقُ بِمَعْنَى فَنِيَ.

واستَدْرَكْت مَا فَاتَ وَتَدَارَكْتُهُ بِمَعْنًى.

وَقَوْلُهُمْ: دَرَاكِ أَي أَدْرِكْ، وَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلِ الأَمر، وَكُسِرَتِ الْكَافُ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ لأَن حَقَّهَا السُّكُونُ للأَمر؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: جَاءَ دَرَاك ودَرَّاك وفَعَال وفَعَّال إِنما هُوَ مِنْ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْهُ فِعْلٌ ثُلَاثِيٌّ، وإِن كَانَ قَدِ اسْتُعْمِلَ مِنْهُ الدَّرْكُ؛ قَالَ جَحْدَر بْنُ مَالِكٍ الْحَنْظَلِيُّ يُخَاطِبُ الأَسد:

لَيْثٌ ولَيْثٌ فِي مَجالٍ ضنكِ، ***كِلَاهُمَا ذُو أَنَف ومَحْكِ

وبَطْشةٍ وصَوْلةٍ وفَتْك، ***إِن يَكْشِف اللَّهُ قِناع الشَّكِّ

بظَفَرٍ مِنْ حَاجَتِي ودَرْك، ***فَذَا أَحَقُّ مَنْزِل بتَرْكِ

قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَزَادَنِي هَفَّانُ فِي هَذَا الشِّعْرِ: الذِّئْبُ يَعْوي والغُراب يَبْكي قَالَ الأَصمعي: هَذَا كَقَوْلِ ابْنِ مُفَرِّغ:

الريحُ تَبْكي شَجْوَها، ***والبرقُ يَضحك فِي الغَمَامة

قَالَ: ثُمَّ قَالَ جَحْدَرٌ أَيضًا فِي ذَلِكَ:

يَا جُمْلُ إِنكِ لَوْ شهِدْتِ كَرِيهتي، ***فِي يَوْمِ هَيْجٍ مُسْدِفٍ وعَجاجِ،

وتَقَدُّمِي لِلَيْثِ أَرْسُف نَحْوَهُ، ***كَيْما أُكابِرَه عَلَى الأَحْرَاجِ

قَالَ: وَقَالَ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي دَرَّاك:

وَصَاحِبُ الوَتْرِ لَيْسَ الدَّهْرَ مُدْرِكَهُ ***عِنْدِي، وإِني لدَرَّاكٌ بأَوْتارِ

والدِّراك: لَحَاقُ الفرسِ الوحْشَ وَغَيْرَهَا.

وَفَرَسٌ دَرَك الطَّريدة يُدْرِكها كَمَا قَالُوا فَرَسٌ قَيْدُ الأَوَابِدِ أَي أَنه يُقَيِّدها.

والدَّرِيكة: الطَّريدةُ.

والدِّراك: اتِّبَاعُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ عَلَى بعضٍ فِي الأَشياء كُلِّهَا، وَقَدْ تَدَارك، والدِّراك: المُداركة.

يُقَالُ: دَارَك الرَّجُلَ صَوْتُهُ أَي تَابَعَهُ.

وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: المُتَدَارِكة غير المُتَوَاتِرة.

المُتَواتِرُ: الشيءُ الَّذِي يَكُونُ هُنَيَّةً ثُمَّ يجيءُ الْآخَرُ، فَإِذَا تَتَابَعَتْ فَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرة، هِيَ مُتَداركة مُتَوَاتِرَةٌ.

اللَّيْثُ: المُتَدَارِك مِنَ القَوَافي وَالْحُرُوفِ الْمُتَحَرِّكَةِ مَا اتَّفَقَ مُتَحَرِّكَانِ بَعْدَهُمَا سَاكِنٌ مِثْلُ فَعُو وأَشباه ذَلِكَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والمُتَدَارِكُ مِنَ الشِّعْر كُلُّ قَافِيَةٍ تَوَالَى فِيهَا حَرْفَانِ مُتَحَرِّكَانِ بَيْنَ سَاكِنَيْنِ، وَهِيَ متفاعِلُنْ وَمُسْتَفْعِلُنْ ومفاعِلُنْ، وفَعَلْ إِذا اعْتَمَدَ عَلَى حَرْفٍ سَاكِنٍ نَحْوَ فَعُولُنْ فَعَلْ، فَاللَّامُ مِنْ فَعَلْ سَاكِنَةٌ، وفُلْ إِذا اعْتَمَدَ عَلَى حَرْفٍ مُتَحَرِّكٍ نَحْوَ فَعُولُ فُلْ، اللَّامُ مِنْ فُلْ سَاكِنَةٌ وَالْوَاوُ مِنْ فَعُولُ سَاكِنَةٌ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَوَالِي حَرَكَتَيْنِ فِيهَا، وَذَلِكَ أَن الْحَرَكَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا مِنْ آلَاتِ الْوَصْلِ وأَماراته، فكأنَّ بَعْضَ الْحَرَكَاتِ أَدرك بَعْضًا وَلَمْ يَعُقْه عَنْهُ اعْتِرَاضُ السَّاكِنِ بَيْنَ الْمُتَحَرِّكَيْنِ.

وطَعَنَهُ طَعْنًا دِراكًا وشرِب شُرْبًا دِراكًا، وَضَرْبٌ دِراكٌ: مُتَتَابِعٌ.

والتَّدْرِيكُ: مِنَ الْمَطَرِ: أَن يُدَارِكَ القَطْرُ كَأَنَّهُ يُدْرِك بعضُه بَعْضًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد أَعرابي يُخَاطِبُ ابنه: " وَا بِأَبي أَرْواحُ نَشْرِ فِيكا،

كأَنه وهْنٌ لِمَنْ يَدْرِيكا ***إِذا الكَرى سنَاتِهِ يُغْشِيكا،

رِيحَ خُزامَى وُلِّيَ الرَّكِيكا، ***أَقْلَعَ لمَّا بَلَغَ التَّدْرِيكا

واسْتَدْرَك الشيءَ بالشيءِ: حَاوَلَ إِدْراكه بِهِ، وَاسْتَعْمَلَ هَذَا الأَخفش فِي أَجزاء الْعَرُوضِ فَقَالَ: لأَنه لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْجُزْءِ شَيْءٌ فَيَسْتَدْرِكَهُ.

وأَدْرَكَ الشيءُ: بَلَغَ وَقْتُهُ وَانْتَهَى.

وأَدْرَك أَيضًا: فَنِيَ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ}؛ رُوِيَ" عَنِ الْحَسَنِ أَنه قَالَ: جَهِلُوا عِلْمَ الْآخِرَةِ أَي لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ فِي أَمر الْآخِرَةِ.

التَّهْذِيبُ: وَقَوْلُهُ تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ}؛ قرأَ" شَيْبَةُ وَنَافِعٌ بَلِ ادَّرَاك وقرأَ أَبو عَمْرٍو بَلْ أَدْرَكَ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ مُجَاهِدٍ وأُبي جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ: بَلى آأَدْرَك عِلْمُهُمْ، يَسْتَفْهِمُ وَلَا يُشَدِّدُ، فأَما مَنْ قرأَ بَلِ ادَّارَكَ فَإِنَّ الْفَرَّاءَ قَالَ: مَعْنَاهُ لُغَةً تَدَارَك أَي تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، يُرِيدُ بِعِلْمِ الْآخِرَةِ تَكُونُ أَو لَا تَكُونُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ، قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبيّ أَم تَدارَكَ، وَالْعَرَبُ تجعَل بَلْ مَكَانَ أَم وأَم مَكَانَ بَلْ إِذا كَانَ فِي أَول الْكَلِمَةِ اسْتِفْهَامٌ مثل قول الشاعر:

فو الله مَا أَدْرِي، أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ، ***أَم البُومُ، أَم كلٌّ إِليَّ حَبِيبُ

مَعْنَى أَم بَلْ؛ وَقَالَ أَبو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: وَمَنْ قرأَ" بَلْ أَدْرَك وَمَنْ قرأَ بَلِ ادَّارَكَ "فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، يَقُولُ: هُمْ عُلَمَاءٌ فِي الْآخِرَةِ كَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا}، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، قَالَ: اجْتَمَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَمَعْنَاهَا عِنْدَهُ أَي عَلِمُوا فِي الْآخِرَةِ أَن الَّذِي كَانُوا يوعَدُون بِهِ حَقٌّ؛ وأَنشد للأَخطل:

وأَدْرَكَ عِلْمي فِي سُوَاءَة أَنها ***تُقِيمُ عَلَى الأَوْتار والمَشْرَب الْكَدَرِ

أَي أَحاط عِلْمِي بِهَا أَنها كَذَلِكَ.

قَالَ الأَزهري: وَالْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ أَدْرَكَ وادَّارَكَ وَمَعْنَى الْآيَةِ مَا قَالَ السُّدِّيُّ وَذَهَبَ إِليه أَبو مُعَاذٍ وأَبو سَعِيدٍ، وَالَّذِي قَالَهُ الْفَرَّاءُ فِي مَعْنَى تَدَارَكَ أَي تتَابع عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ أَنها تَكُونُ أَو لَا تَكُونُ لَيْسَ بالبَيِّنِ، إِنما الْمَعْنَى أَنه تتَابع عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وتواطأَ حِينَ حَقَّت الْقِيَامَةُ وَخَسِرُوا وَبَانَ لَهُمْ صِدْقُ مَا وُعِدُوا، حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ الْعِلْمُ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: بَلْ هُمْ الْيَوْمَ فِي شَكٍّ مِنْ عِلْمِ الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُون، أَي جَاهِلُونَ، والشَّك فِي أَمر الْآخِرَةِ كُفْرٌ.

وَقَالَ شَمِرٌ فِي قَوْلِهِ تعالى: {بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ}؛ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِيهَا أَشياء، وَذَلِكَ أَنا وَجْدَنَا الْفِعْلَ اللَّازِمَ وَالْمُتَعَدِّيَ فِيهَا فِي أَفْعَلَ وتَفَاعَلَ وافْتَعَلَ وَاحِدًا، وَذَلِكَ أَنك تَقُولُ أَدْرَكَ الشيءَ وأَدْرَكْتُه وتَدَارك القومُ وادَّارَكوا وادَّرَكُوا إِذا أَدرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

وَيُقَالُ: تَدَاركتُه وادَّارَكْتُه وادَّرَكْتُه؛ وأَنشد:

تَدَاركتُما عَبْسًا وذُبْيان بعد ما ***تفانَوْا، ودَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْر مَنْشِمِ

وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: مَجَّ النَّدَى المُتَدارِكِ "فَهَذَا لَازِمٌ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ: " فَلَمَّا ادَّرَكْناهُنَّ أَبدَيْنَ للهَوَى وَهَذَا مُتَعَدٍّ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللَّازِمِ: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ.

قَالَ شَمِرٌ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ يُحَدِّثُ عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ "قَالَ مُجَاهِدٌ: أَم تواطأَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ السُّدِّيِّ لأَن مَعْنَى تواطأَ تَحَقَّقَ وَاتَّفَقَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُمْ، لَا عَلَى أَنه تواطأَ بالحَدْس كَمَا ظَنَّهُ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ شَمِرٌ: وَرُوِيَ لَنَا حَرْفٌ عَنِ ابْنِ الْمُظَفَّرِ قَالَ وَلَمْ أَسمعه لِغَيْرِهِ ذَكَرَ أَنه قَالَ أَدْرَكَ الشيءُ إِذا فَنِيَ، فإِن صَحَّ فَهُوَ فِي التَّأْوِيلِ فَنِيَ علمُهم فِي مَعْرِفَةِ الْآخِرَةِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحدًا قَالَ أَدْرك الشيءُ إِذا فَنِيَ فَلَا يُعَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَلَكِنْ يُقَالُ أَدْرَكتِ الثِّمار إِذا بَلَغَتْ إِناهَا وَانْتَهَى نُضْجها؛ وأَما مَا رُوِيَ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قرأَ بَلَى آأَدْرَكَ عِلْمهم فِي الْآخِرَةِ "، فَإِنَّهُ إِن صَحَّ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ رَدٌّ وَتَهَكُّمٌ، وَمَعْنَاهُ لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبي حَمْزَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}؛ مَعْنَى أَم أَلف الِاسْتِفْهَامِ كأَنه قَالَ أَله الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ، اللَّفْظُ لَفْظُ الِاسْتِفْهَامِ وَمَعْنَاهُ الرَّدُّ وَالتَّكْذِيبُ لَهُمْ، وَقَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتعالى: {لَا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى}؛ أَي لَا تَخَافُ أَن يُدْرِكَكَ فرعونُ وَلَا تَخْشَاهُ، وَمَنْ قرأَ" لَا تَخَفْ فَمَعْنَاهُ لَا تَخَفْ أَن يُدْرِكَكَ وَلَا تخشَ الْغَرَقَ.

والدَّرْكُ والدَّرَكُ: أَقصى قَعْر الشَّيْءِ، زَادَ التَّهْذِيبُ: كَالْبَحْرِ وَنَحْوِهِ.

شَمِرٌ: الدَّرَكُ أَسفل كُلِّ شَيْءٍ ذِي عُمْق كالرَّكِيَّة وَنَحْوِهَا.

وَقَالَ أَبو عَدْنَانَ: يُقَالُ أَدْرَكوا مَاءَ الرَّكيّة إِدراكًا، ودَرَك الرَّكِيَّة قَعْرُهَا الَّذِي أُدرِكَ فِيهِ الْمَاءُ، والدَّرَكُ الأَسفل فِي جَهَنَّمَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا: أَقصى قَعْرِهَا، وَالْجَمْعُ أَدْرَاك.

ودَرَكاتُ النارِ: مَنَازِلُ أَهلها، وَالنَّارُ دَرَكات وَالْجَنَّةُ دَرَجَاتٌ، وَالْقَعْرُ الْآخِرُ دَرْك ودَرَك، والدَّرَك إِلى أَسفل والدَّرَجُ إِلى فَوْقٍ، وَفِي الْحَدِيثِ ذُكِرَ الدَّرَك الأَسفل مِنَ النَّارِ، بِالتَّحْرِيكِ وَالتَّسْكِينِ، وَهُوَ وَاحِدُ الأَدْراك وَهِيَ مَنَازِلُ فِي النَّارِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا.

التَّهْذِيبُ: والدَّرَكُ وَاحِدٌ مِنْ أَدْرَاك جَهَنَّمَ مِنَ السَّبْعِ، والدَّرْكُ لُغَةٌ فِي الدَّرَك.

الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}، يُقَالُ: أَسفل دَرَجِ النَّارِ.

ابْنُ الأَعرابي: الدَّرْك الطَّبَقُ مِنْ أَطباق جَهَنَّمَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنه قَالَ: الدَّرْكُ الأَسفل توابِيتُ مِنْ حَدِيدٍ تصَفَّدُ عَلَيْهِمْ فِي أَسفل النَّارِ "؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: جَهَنَّمُ دَرَكاتٌ أَي مَنَازِلُ وأَطباق، وَقَالَ غَيْرُهُ: الدَّرَكات بَعْضُهَا تَحْتَ بَعْضٍ قَالَ الأَزهري: والدَّرَجات مَنَازِلُ ومَرَاقٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، فالدَّرَكات ضِدُّ الدَّرَجات.

وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ: «أَنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَما كَانَ يَنْفَعُ عَمَّك مَا كَانَ يَصْنَعُ بِكَ؟ كَانَ يَحْفَظُكَ ويَحْدَب عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَقَدْ أُخْرِجَ بِسَبَبِي مِنْ أَسفل دَرَك مِنَ النَّارِ فَهُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، مَا يَظُنُّ أَن أَحدًا أَشدُّ عَذَابًا مِنْهُ، وَمَا فِي النَّارِ أَهون عَذَابًا مِنْهُ»؛ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا دَلَّ عَلَى أَن أَسفل الدَّرَكِ أَشدُّ الْعَذَابِ لِجَعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِياه ضِدًّا للضَّحضاح أَو كَالضِّدِّ لَهُ، والضَّحضاح أُريد بِهِ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلُ الْمَاءِ الضَّحْضَاحِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الغَمْر؛ وَقِيلَ لأَعرابي: إِن فُلَانًا يَدَّعِي الْفَضْلَ عَلَيْكَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ أَطول مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ مَا بَلَغَ فَضْلِي وَلَوْ وَقَعَ فِي ضَحْضاح لغَرِقَ؛ أي لَوْ وَقَعَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ مِيَاهِ شَرَفي وَفَضْلِي لَغَرِقَ فِيهِ.

قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ لِلْحَبْلِ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي حَلْقةِ التَّصْديرِ فَيُشَدُّ بِهِ القَتَبُ الدَّرَكَ والتَّبْلِغَةَ، وَيُقَالُ لِلْحَبَلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ العَرَاقي ثُمَّ يُشَدّ الرِّشاءُ فِيهِ وَهُوَ مَثْنِيُّ الدَّرَكُ.

الْجَوْهَرِيُّ: والدَّرَك، بِالتَّحْرِيكِ، قِطْعَةُ حَبْلٍ يُشَدُّ فِي طَرَفِالرِّشاءِ إِلى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَاءَ فَلَا يعفَن الرِّشاءُ.

ابْنُ سِيدَهْ: والدَّرَك حَبْلٌ يُوَثَّقُ فِي طَرَفِ الْحَبْلِ الْكَبِيرِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْمَاءَ فَلَا يعفَن الرِّشَاءُ عِنْدَ الِاسْتِقَاءِ.

والدِّرْكةُ: حَلْقة الوَتَرِ الَّتِي تَقَعُ فِي الفُرْضة وَهِيَ أَيضًا سَيْرٌ يوصَلُ بوَتَر القَوْس الْعَرَبِيَّةِ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الدِّرْكة الْقِطْعَةُ الَّتِي تُوصَلُ فِي الْحَبْلِ إِذا قَصُر أَو الحِزام.

وَيُقَالُ: لَا بارَك اللَّهُ فِيهِ وَلَا دارَك وَلَا تارَك، إِتباع كُلُّهُ بِمَعْنًى.

وَيَوْمُ الدَّرَكِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَيامهم.

ومُدْرِك ومُدْرِكَةُ: اسْمَانِ.

ومُدْرِكةُ: لَقَبُ عَمْرِو بْنِ إِلياس بْنِ مُضَر، لَقَّبَهُ بِهَا أَبوه لَمَّا أَدرك الإِبل.

ومُدْرك بْنُ الْجَازِيِّ: فَرَسٌ لكُلْثوم بن الحرث.

ودِراكٌ: اسْمُ كَلْبٍ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَصِفُ الثَّوْرَ وَالْكِلَابَ:

فاخْتلَّ حِضْنَيْ دِراكٍ وانْثَنى حرِجًا، ***لزارعٍ طَعْنَةٌ فِي شِدْقها نَجَلُ

أَي فِي جَانِبِ الطَّعْنَةِ سِعَةٌ.

وَزَارِعٌ أَيضًا: اسم كلب.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


66-لسان العرب (حلل)

حلل: حَلَّ بِالْمَكَانِ يَحُلُّ حُلولًا ومَحَلًّا وحَلًّا وحَلَلًا، بِفَكِّ التَّضْعِيفِ نَادِرٌ: وَذَلِكَ نُزُولُ الْقَوْمِ بمَحَلَّة وَهُوَ نَقِيضُ الِارْتِحَالِ؛ قَالَ الأَسود بْنُ يَعْفُرَ:

كَمْ فاتَني مِنْ كَريمٍ كَانَ ذَا ثِقَة، ***يُذْكي الوَقُود بجُمْدٍ لَيْلة الحَلَل

وحَلَّه واحْتَلَّ بِهِ واحْتَلَّه: نَزَلَ بِهِ.

اللَّيْثُ: الحَلُّ الحُلول وَالنُّزُولُ؛ قَالَ الأَزهري: حَلَّ يَحُلُّ حَلًّا؛ قَالَ المُثَقَّب العَبْدي:

أَكُلَّ الدَّهْرُ حَلٌّ وَارْتِحَالُ، ***أَما تُبْقِي عَلَيَّ وَلَا تَقِيني؟

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَنَاء: لَا حُلِّي وَلَا سِيرِي، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كأَن هَذَا إِنما قِيلَ أَوَّل وَهْلَة لِمُؤَنَّثٍ فَخُوطِبَ بِعَلَامَةِ التأْنيث، ثُمَّ قِيلَ ذَلِكَ لِلْمُذَكَّرِ وَالِاثْنَيْنِ وَالِاثْنَتَيْنِ وَالْجَمَاعَةِ مَحْكِيًّا بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ حَلَّ بِالْقَوْمِ وحَلَّهُم واحْتَلَّ بِهِمْ، واحْتَلَّهم، فإِما أَن تَكُونَا لُغَتَيْنِ كِلْتَاهُمَا وُضِع، وإِمَّا أَن يَكُونَ الأَصل حَلَّ بِهِمْ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْبَاءُ وأُوصل الْفِعْلُ إِلى مَا بَعْدَهُ فَقِيلَ حَلَّه؛ ورَجُل حَالٌّ مِنْ قَوْمٍ حُلُول وحُلَّالٍ وحُلَّل.

وأَحَلَّه المكانَ وأَحَلَّه بِهِ وحَلَّلَه بِهِ وحَلَّ بِهِ: جَعَله يَحُلُّ، عاقَبَت الْبَاءُ الْهَمْزَةَ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم:

دِيَار الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنًى ***تَحُلُّ بِنَا، لَوْلَا نَجَاءُ الرَّكائب

أَي تَجْعلُنا نَحُلُّ.

وحَالَّهُ: حَلَّ مَعَهُ.

والمَحَلُّ: نَقِيضُ المُرْتَحَل؛ وأَنشد:

إِنَّ مَحَلًّا وإِن مُرْتَحَلا، ***وإِنَّ فِي السَّفْر مَا مَضَى مَهَلا

قَالَ اللَّيْثُ: قُلْتُ لِلْخَلِيلِ: أَلست تَزْعُمُ أَن الْعَرَبَ الْعَارِبَةَ لَا تَقُولُ إِن رَجُلًا فِي الدَّارِ لَا تبدأْ بِالنَّكِرَةِ وَلَكِنَّهَا تَقُولُ إِن فِي الدَّارِ رَجُلًا؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عَلَى قِيَاسِ مَا تَقُولُ، هَذَا حِكَايَةٌ سَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ: إِنَّ مَحَلًّا وإِنَّ مُرْتَحَلا؛ وَيَصِفُ بَعْدَ حَيْثُ يَقُولُ:

هَلْ تَذْكُرُ العَهْد فِي تَقَمُّصٍ، إِذ ***تَضْرِب لِي قَاعِدًا بِهَا مَثَلا؛

إِنَّ مَحَلًّا وإِنَّ مُرْتَحَلا

المَحَلُّ: الآخرة والمُرْتَحَل؛... وأَراد بالسَّفْر الَّذِينَ مَاتُوا فَصَارُوا فِي البَرْزَخ، والمَهَل الْبَقَاءُ وَالِانْتِظَارُ؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ، فإِذا قَالَ اللَّيْثُ قُلْتُ لِلْخَلِيلِ أَو قَالَ سَمِعْتُ الْخَلِيلَ، فَهُوَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد لأَنه لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ، وإِذا قَالَ قَالَ الْخَلِيلُ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَدَّم الأَزهري فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ أَنه فِي قَوْلِ اللَّيْثِ قَالَ الْخَلِيلُ إِنما يَعْني نَفْسَه أَو أَنه سَمَّى لِسانَه الخَليل؛ قَالَ: وَيَكُونُ المَحَلُّ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحَلُّ فِيهِ وَيَكُونُ مَصْدَرًا، وَكِلَاهُمَا بِفَتْحِ الْحَاءِ لأَنهما مِنْ حَلَّ يَحُلُّ أَي نَزَلَ، وإِذا قُلْتَ المَحِلّ، بِكَسْرِ الْحَاءِ، فَهُوَ مَنْ حَلَّ يَحِلُّ أَي وَجَب يَجِب.

قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ أَي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ نَحْرُه، وَالْمَصْدَرُ مِنْ هَذَا بِالْفَتْحِ أَيضًا، وَالْمَكَانُ بِالْكَسْرِ، وَجَمْعُ المَحَلِّ مَحَالُّ، وَيُقَالُ مَحَلٌّ ومَحَلَّة بِالْهَاءِ كَمَا يُقَالُ مَنْزِل ومنزِلة.

وَفِي حَدِيثِ الهَدْي: «لَا يُنْحَر حَتَّى يَبْلُغَ مَحِلَّه»أَي الْمَوْضِعَ أَو الْوَقْتَ اللَّذَيْنِ يَحِلُّ فِيهِمَا نَحْرُه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهُوَ بِكَسْرِالْحَاءِ يَقَعُ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالزَّمَانِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَائِشَةَ: قَالَ لَهَا هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: لَا، إِلا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلينا نُسَيْبَة مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ إِليها مِنَ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: هَاتِي فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّها؛ أي وَصَلَتْ إِلى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَحِلُّ فِيهِ وقُضِيَ الواجبُ فِيهَا مِنَ التَّصَدّق بِهَا، وَصَارَتْ مِلْكًا لن تُصُدِّق بِهَا عَلَيْهِ، يَصِحُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا وَيَصِحُّ قَبُولُ مَا أُهدي مِنْهَا وأَكله، وإِنما قَالَ ذَلِكَ لأَنه كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكل الصَّدَقَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه كَرِهَ التَّبَرُّج بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحِلِّها»؛ يجوز أَن تَكُونَ الْحَاءُ مَكْسُورَةً مِنَ الحِلِّ وَمَفْتُوحَةً مِنَ الحُلُول، أَراد بِهِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، الْآيَةَ، والتَّبَرُّج: إِظهار الزِّينَةِ.

أَبو زَيْدٍ: حَلَلْت بِالرَّجُلِ وحَلَلْته ونَزَلْت بِهِ ونَزَلْته وحَلَلْت القومَ وحَلَلْت بِهِمْ بِمَعْنًى.

وَيُقَالُ: أَحَلَّ فُلَانٌ أَهله بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا إِذا أَنزلهم.

وَيُقَالُ: هُوَ فِي حِلَّة صِدْق أَي بمَحَلَّة صِدْق.

والمَحَلَّة: مَنْزِل الْقَوْمِ.

وحَلِيلة الرَّجُلِ: امرأَته، وَهُوَ حَلِيلُها، لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحَالُّ صَاحِبَهُ، وَهُوَ أَمثل مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنما هُوَ مِنَ الحَلال أَي أَنه يَحِلُّ لَهَا وتَحِلُّ لَهُ، وَذَلِكَ لأَنه لَيْسَ بِاسْمٍ شَرْعِيٍّ وإِنما هُوَ مِنْ قَدِيمِ الأَسماء.

والحَلِيل والحَلِيلة: الزَّوْجان؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:

وحَلِيل غانيةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلًا، ***تَمْكُو فَرِيصَتُه كشِدْقِ الأَعْلَم

وَقِيلَ: حَلِيلَته جارَتُه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ لأَنهما يَحُلَّان بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ الحَلائِل؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سُمِّيا بِذَلِكَ لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُحَالُّ صاحبَه.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَن تُزَاني حَلِيلة جَارِكَ»، قَالَ: وَكُلُّ مَنْ نَازَلَكَ وجَاوَرَك فَهُوَ حَليلك أَيضًا.

يُقَالُ: هَذَا حَليله وَهَذِهِ حَليلته لِمَنْ تُحَالُّه فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ؛ وأَنشد:

ولَستُ بأَطْلَسِ الثَّوْبَيْن يُصْبي ***حَلِيلَته، إِذا هَدَأَ النِّيَامُ

قَالَ: لَمْ يُرِدْ بالحَلِيلة هُنَا امرأَته إِنما أَراد جَارَتَهُ لأَنها تُحَالُّه فِي الْمَنْزِلِ.

وَيُقَالُ: إِنما سُمِّيَتِ الزَّوْجَةُ حَلِيلة لأَن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَحَلُّ إِزار صَاحِبِهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَبي زَيْدٍ: أَن الحَلِيل يَكُونُ لِلْمُؤَنَّثِ بِغَيْرِ هَاءٍ.

والحِلَّة: الْقَوْمُ النُّزُولُ، اسْمٌ لِلْجَمْعِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: قَوْمٌ نُزُولٌ؛ وَقَالَ الأَعشى:

لَقَدْ كَانَ فِي شَيْبان، لَوْ كُنْتَ عَالِمًا، ***قِبَابٌ وحَيٌّ حِلَّة وقَبائل

وحَيٌّ حِلَّة أَي نُزُول وَفِيهِمْ كَثْرَةٌ؛ هَذَا الْبَيْتُ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ، وَقَالَ فِيهِ: " وحَوْلي حِلَّة ودَراهم ".

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُهُ وَقَبَائِلُ لأَن الْقَصِيدَةَ لاميَّة؛ وأَولها:

أَقَيْس بنَ مَسْعود بنِ قَيْسِ بْنِ خالدٍ، ***وأَنتَ امْرُؤ يَرْجُو شَبَابَك وَائِلُ

قَالَ: وللأَعشى قَصِيدَةٌ أُخرى مِيمِيَّةٌ أَولها: هُرَيْرَةَ ودِّعْها وإِن لَامَ لَائِمُ يَقُولُ فِيهَا:

طَعَام الْعِرَاقِ المُسْتفيضُ الَّذِي تَرَى، ***وَفِي كُلِّ عَامٍ حُلَّة وَدَارهِم

قَالَ: وحُلَّة هُنَا مَضْمُومَةُ الْحَاءِ، وَكَذَلِكَ حَيٌّ حِلال؛ قَالَ زُهَيْرٌ:

لِحَيٍّ حِلالٍ يَعْصِمُ الناسَ أَمْرُهُم، ***إِذا طَرَقَت إِحْدى اللَّيَالي بمُعْظَم

والحِلَّة: هَيئة الحُلُول.

والحِلَّة: جَمَاعَةُ بُيُوتِ النَّاسِ لأَنها تُحَلُّ؛ قَالَ كُرَاعٌ: هِيَ مِائَةُ بَيْتٍ، وَالْجَمْعُ حِلال؛ قَالَ الأَزهري: الحِلال جَمْعُ بُيُوتِ النَّاسِ، وَاحِدَتُهَا حِلَّة؛ قَالَ: وحَيٌّ حِلال أَي كَثِيرٌ؛ وأَنشد شَمِرٌ: " حَيٌّ حِلالٌ يَزْرَعون القُنْبُلا قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وأَنشد الأَصمعي:

أَقَوْمٌ يَبْعَثُونَ العِيرَ نَجْدًا ***أَحَبُّ إِليك، أَم حَيٌّ حِلال؟

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:

«لا هُمَّ إِنَّ المَرْءَ يَمْنَعُ ***رَحْلَه، فامْنَعْ حِلالَك»

الحِلال، بِالْكَسْرِ: القومُ الْمُقِيمُونَ الْمُتَجَاوِرُونَ يُرِيدُ بِهِمْ سُكَّان الحَرَم.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنهم وَجَدوا نَاسًا أَحِلَّة»، كأَنه جَمْعُ حِلال كعِماد وأَعْمِدَة وإِنما هُوَ جَمْعُ فَعال، بِالْفَتْحِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ أَفْعِلة فِي جَمْعِ فِعال، بِالْكَسْرِ، أَولى مِنْهَا فِي جَمْعِ فَعال، بِالْفَتْحِ، كفَدَان وأَفْدِنة.

والحِلَّة: مَجْلِسُ الْقَوْمِ لأَنهم يَحُلُّونه.

والحِلَّة: مُجْتَمَع الْقَوْمِ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ.

والمَحَلَّة: مَنْزِلُ الْقَوْمِ.

ورَوْضة مِحْلال إِذا أَكثر الناسُ الحُلول بِهَا.

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنها تُحِلُّ النَّاسَ كثيرًا، لأَن مِفْعالًا إِنما هِيَ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ لَا فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ، وَكَذَلِكَ أَرض مِحْلال.

ابْنُ شُمَيْلٍ: أَرض مِحْلال وَهِيَ السَّهْلة اللَّيِّنة، ورَحَبة مِحْلال أَي جَيِّدة لمحَلّ النَّاسِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِ الأَخطل: " وشَرِبْتها بأَرِيضَة مِحْلال "قَالَ: الأَرِيضَة المُخْصِبة، قَالَ: والمِحْلال المُخْتارة للحِلَّة والنُّزول وَهِيَ العَذاة الطَّيِّبة؛ قال الأَزهري: لا يُقَالُ لَهَا مِحْلال حَتَّى تُمْرِع وتُخْصِب وَيَكُونَ نَبَاتُهَا نَاجِعًا لِلْمَالِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ: " بأَجْرَعَ مِحْلالٍ مِرَبٍّ مُحَلَّل "والمُحِلَّتانِ: القِدْر والرَّحى، فإِذا قُلْتَ المُحِلَّات فَهِيَ القِدْر والرَّحى والدَّلْو والقِرْبة والجَفْنَة والسِّكِّين والفَأْس والزَّنْد، لأَن مَنْ كَانَتْ هَذِهِ مَعَهُ حَلَّ حَيْثُ شَاءَ، وإِلا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَن يُجَاوِرَ النَّاسَ يَسْتَعِيرُ مِنْهُمْ بَعْضَ هَذِهِ الأَشياء؛ قَالَ:

لَا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون تَضْرِبُهم ***نَكْباءُ صِرٌّ بأَصحاب المُحِلَّات

الأَتاويُّون: الغُرَباء أَي لَا يَعْدِلَنَّ أَتاوِيُّون أَحدًا بأَصحاب المُحِلَّات؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: هَذَا عَلَى حَذْفِ الْمَفْعُولِ كَمَا قَالَ تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ}؛ أَي والسمواتُ غيرَ السمواتِ، وَيُرْوَى: لَا يُعْدَلَنَّ، عَلَى مَا لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ، أَي لَا يَنْبَغِي أَن يُعْدل فَعَلَى هَذَا لَا حَذْفَ فِيهِ.

وتَلْعة مُحِلَّة: تَضُمُّ بَيْتًا أَو بَيْتَيْنِ.

قَالَ أَعرابي: أَصابنا مُطَيْر كسَيْل شِعَابِ السَّخْبَرِ رَوَّى التَّلْعة المُحِلَّة، وَيُرْوَى: سَيَّل شِعابَ السَّخْبَر، وإِنما شَبَّه بشِعاب السَّخْبَر، وَهِيَ مَنابِته، لأَن عَرْضَها ضَيِّق وَطُولَهَا قَدْرُ رَمْية حَجَر.

وحَلَّ المُحْرِمُ مِنْ إِحرامه يَحِلُّ حِلًّا وحَلالًا إِذا خَرج مِنْ حِرْمه.

وأَحَلَّ: خَرَج، وَهُوَ حَلال، وَلَا يُقَالُ حالٌّ عَلَى أَنه الْقِيَاسُ.

قَالَ ابْنُ الأَثير: وأَحَلَّ يُحِلُّ إِحْلالًا إِذا حَلَّ لَهُ مَا حَرُم عَلَيْهِ مِنْ مَحْظورات الحَجِّ؛ قَالَ الأَزهري: وأَحَلَّ لُغَةٌ وكَرِهها الأَصمَعي وَقَالَ: أَحَلَّ إِذا خَرج مِنَ الشُّهُور الحُرُم أَو مِنْ عَهْد كَانَ عَلَيْهِ.

وَيُقَالُ للمرأَة تَخْرُج مِنْ عِدَّتها: حَلَّتْ.

وَرَجُلٌ حِلٌّ مِنَ الإِحرام أَي حَلال.

والحَلال: ضِدُّ الْحَرَامِ.

رَجُل حَلال أَي غَيْرُ مُحْرِم وَلَا مُتَلَبِّسٍ بأَسباب الْحَجِّ، وأَحَلَّ الرجلُ إِذا خَرَجَ إِلى الحِلِّ عَنِ الحَرَم، وأَحَلَّ إِذا دَخَلَ فِي شُهُورِ الحِلِّ، وأَحْرَمْنا أَي دَخَلْنَا فِي الشُّهُورِ الحُرُم.

الأَزهري: وَيُقَالُ رَجُلٌ حِلٌّ وحَلال وَرَجُلٌ حِرْم وحَرام أَي مُحْرِم؛ وأَما قَوْلُ زُهَيْرٌ:

جَعَلْن القَنانَ عَنْ يَمينٍ وحَزْنَه، ***وَكَمْ بالقَنان مِنْ مُحِلّ ومُحْرِم

فإِن بَعْضَهُمْ فَسَّرَهُ وَقَالَ: أَراد كَمْ بالقَنان مِنْ عَدُوٍّ يَرْمِي دَمًا حَلالًا وَمِنْ مُحْرم أَي يَرَاهُ حَرامًا.

وَيُقَالُ: المُحِلُّ الَّذِي يَحِلُّ لَنَا قِتالُه، والمُحْرِم الَّذِي يَحْرُم عَلَيْنَا قِتَالُهُ.

وَيُقَالُ: المُحِلُّ الَّذِي لَا عَهْد لَهُ وَلَا حُرْمة، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ وَمَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ.

والمُحْرِم: الَّذِي لَهُ حُرْمة.

وَيُقَالُ لِلَّذِي هُوَ فِي الأَشهر الحُرُم: مُحْرِم، وَلِلَّذِي خَرَجَ مِنْهَا: مُحِلٌّ.

وَيُقَالُ لِلنَّازِلِ فِي الحَرَم: مُحْرِم، وَالْخَارِجِ مِنْهُ: مُحِلّ، وَذَلِكَ أَنه مَا دَامَ فِي الحَرَم يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّيْدُ وَالْقِتَالُ، وإِذا خَرَجَ مِنْهُ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ النَّخَعِيِّ: «أَحِلَّ بِمَنْ أَحَلَّ بِكَ»؛ قَالَ اللَّيْثُ: مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ الإِحرام وأَحَلَّ بِكَ فقاتَلَك فأَحْلِل أَنت أَيضًا به فقائِلُه وإِن كُنْتَ مُحْرمًا، وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ: أَن الْمُؤْمِنِينَ حَرُم عَلَيْهِمْ أَن يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ويأْخذ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضِهِمْ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُحْرِم عَنْ صَاحِبِهِ، يَقُولُ: فإِذا أَحَلَّ رَجُلٌ مَا حَرُم عَلَيْهِ مِنْكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ بِمَا تَهَيَّأَ لَكَ دفعُه بِهِ مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ وإِن أَتى الدَّفْعُ بِالسِّلَاحِ عَلَيْهِ، وإِحْلال الْبَادِئِ ظُلْم وإِحْلال الدَّافِعِ مُبَاحٌ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " مَنْ حَلَّ بِكَ فاحْلِلْ بِهِ "أَي مَنْ صَارَ بِسَبَبِكَ حَلالًا فَصِرْ أَنت بِهِ أَيضًا حَلالًا؛ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ" أَبي عُبَيْدٍ عَنِ النَّخَعِيِّ فِي المُحْرِم يَعْدو عَلَيْهِ السَّبُع أَو اللِّصُّ: أَحِلَّ بِمَنْ أَحَلَّ بِكَ.

وَفِي حَدِيثِ دُرَيد بْنِ الصِّمَّة: «قَالَ لِمَالِكِ بْنِ عَوْفٍ أَنت مُحِلٌّ بِقَوْمِكَ» أَي أَنك قَدْ أَبَحْت حَرِيمهم وعَرَّضتهم لِلْهَلَاكِ، شَبَّههم بالمُحْرِم إِذا أَحَلَّ كأَنهم كَانُوا مَمْنُوعِينَ بالمُقام فِي بُيُوتِهِمْ فحَلُّوا بِالْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَفَعَلَ ذَلِكَ فِي حُلِّه وحُرْمه وحِلِّه وحِرْمه أَي فِي وَقْتِ إحْلاله وإِحرامه.

والحِلُّ: الرَّجُلُ الحَلال الَّذِي خَرَجَ مِنْ إِحرامه أَو لَمْ يُحْرِم أَو كَانَ أَحرم فحَلَّ مِنْ إِحرامه.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «قَالَتْ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحِلِّه وحِرْمه»؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " لحِرْمِه حِينَ أَحْرَم ولحِلِّه حِينَ حَلَّ مِنْ إِحرامه، وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الأَثير: لإِحْلاله حِينَ أَحَلَّ.

والحِلَّة: مَصْدَرُ قَوْلِكَ حَلَّ الهَدْيُ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}؛ قِيلَ مَحِلُّ مَنْ كَانَ حَاجًّا يَوْمَ النَّحر، ومَحِلُّ مَنْ كَانَ مُعْتَمِرًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ؛ الأَزهري: مَحِلُّ الْهَدْيِ يَوْمَ النَّحْرِ بمِنًى، وَقَالَ: مَحِلُّ هَدْي المُتَمَتِّع بالعُمْرة إِلى الْحَجِّ بِمَكَّةَ إِذا قَدِمها وَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ.

ومَحِلُّ هَدْيِ الْقَارِنِ: يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى، ومَحِلُّ الدَّيْن: أَجَلُه، " وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذا نَظَرَتْ إِلى الْهِلَالِ قَالَتْ: لَا مَرْحَبًا بمُحِلِّ الدَّيْن مُقَرِّب الأَجَل.

وَفِي حَدِيثِ مَكَّةَ: «وإِنما أُحِلَّت لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ»، يَعْنِي مَكَّة يَوْمَ الْفَتْحِ حَيْثُ دَخَلَهَا عَنْوَة غَيْرَ مُحْرِم.

وَفِي حَدِيثِ العُمْرة: «حَلَّت العُمْرة لِمَنِ اعْتَمَرَ» أَي صَارَتْ لَكُمْ حَلالًا جَائِزَةً، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي الأَشهر الحُرُم، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إِذا دَخَل صَفَر حَلَّت العُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَر.

والحِلُّ والحَلال والحِلال والحَلِيل: نَقِيض الْحَرَامِ، حَلَّ يَحِلُّ حِلًّا وأَحَلَّه اللَّهُ وحَلَّله.

وَقَوْلُهُ تعالى: {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ فَقَالَ: هَذَا هُوَ النسِيء، كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَجْمَعُونَ أَيامًا حَتَّى تَصِيرَ شَهْرًا، فَلَمَّا حَجَ" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الآنَ اسْتَدارَ الزمانُ كَهَيْئَتِهِ.

وَهَذَا لَكَ حِلٌّ أَي حَلال.

يُقَالُ: هُوَ حِلٌّ وبِلٌّ أَي طَلْق، وَكَذَلِكَ الأُنثى.

وَمِنْ كَلَامِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: لَا أُحِلُّها لِمُغْتَسِلٍ وَهِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وبِلٌ أَي حَلال، بِلٌّ إِتباع، وَقِيلَ: البِلُّ مُبَاحٌ، حِمْيَرِيَّة.

الأَزهري: رَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هِيَ حِلٌّ وبِلٌّ يَعْنِي زَمْزَمَ، فسُئِل سُفْيَانُ: مَا حِلٌّ وبِلٌّ؟ فَقَالَ: حِلٌّ مُحَلَّل.

وَيُقَالُ: هَذَا لَكَ حِلٌّ وحَلال كَمَا يُقَالُ لِضِدِّهِ حِرْم وحَرام أَي مُحَرَّم.

وأَحْلَلت لَهُ الشيءَ.

جَعَلْتُهُ لَهُ حَلالًا.

واسْتَحَلَّ الشيءَ: عَدَّه حَلالًا.

وَيُقَالُ: أَحْلَلْتُ المرأَةَ لِزَوْجِهَا.

وَفِي الْحَدِيثِ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُحَلِّل والمُحَلَّل لَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: المُحِلَّ والمُحَلَّ لَهُ، وَهُوَ أَن يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امرأَته ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ بِشَرْطِ أَن يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُوَاقَعته إِياها لتَحِلَّ لِلزَّوْجِ الأَول».

وَكُلُّ شَيْءٍ أَباحه اللَّهُ فَهُوَ حَلال، وَمَا حَرَّمه فَهُوَ حَرَام.

وَفِي حَدِيثِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: «وَلَا أُوتَى بحَالٍّ وَلَا مُحَلَّل إِلا رَجَمْتُهما»؛ جَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثًا لَا أَثرًا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَلَّلْت وأَحْلَلْت وحَلَلْت، فَعَلَى الأَول جَاءَ الْحَدِيثُ الأَول، يُقَالُ حَلَّل فَهُوَ مُحَلِّل ومُحَلَّل، وَعَلَى الثَّانِيَةِ جَاءَ الثَّانِي تَقُولُ أَحَلَّ فَهُوَ مُحِلٌّ ومُحَلٌّ لَهُ، وَعَلَى الثَّالِثَةِ جَاءَ الثَّالِثُ تَقُولُ حَلَلْت فأَنا حَالٌّ وَهُوَ مَحْلُول لَهُ؛ وَقِيلَ: أَراد بِقَوْلِهِ" لَا أُوتَى بحالٍ؛ أي بِذِي إِحْلال مِثْلَ قَوْلِهِمْ رِيحٌ لاقِح؛ أي ذَاتُ إِلْقاح، وَقِيلَ: سُمِّي مُحَلِّلًا بِقَصْدِهِ إِلى التَّحْلِيلِ كَمَا يُسَمَّى مُشْتَرِيًا إِذا قَصَدَ الشِّرَاءَ.

وَفِي حَدِيثِ مَسْرُوقٍ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ تَحْتَهُ الأَمة فيُطَلِّقها طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا قَالَ: «لَا تَحِلُّ لَهُ إِلا مِنْ حَيْثُ حَرُمت عَلَيْهِ»أَي أَنها لَا تَحِلُّ لَهُ وإِن اشْتَرَاهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، يَعْنِي أَنها حَرُمت عَلَيْهِ بِالتَّطْلِيقَتَيْنِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي تَطْلِيقَتَيْنِ، فتَحِلّ لَهُ بِهِمَا كَمَا حَرُمت عَلَيْهِ بِهِمَا.

واسْتَحَلَّ الشيءَ: اتَّخَذَهُ حَلالًا أَو سأَله أَن يُحِلَّه لَهُ.

والحُلْو الحَلال: الْكَلَامُ الَّذِي لَا رِيبة فِيهِ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:

تَصَيَّدُ بالحُلْوِ الحَلالِ، وَلَا تُرَى ***عَلَى مَكْرَهٍ يَبْدو بِهَا فيَعِيب

وحَلَّلَ اليمينَ تَحْلِيلًا وتَحِلَّة وتَحِلًّا، الأَخيرة شَاذَّةٌ: كَفَّرَها، والتَّحِلَّة: مَا كُفِّر بِهِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ}؛ وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الحِلُّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وَلَا أَجْعَلُ الْمَعْرُوفَ حِلَّ أَلِيَّةٍ، ***وَلَا عِدَةً فِي النَّاظِرِ المُتَغَيَّب

قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا وَجَدْتُهُ المُتَغَيَّب، مَفْتُوحَةَ "الْيَاءِ، بخَطِّ الحامِض، وَالصَّحِيحُ المُتَغَيِّب، بِالْكَسْرِ.

وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: أَعْطِ الْحَالِفَ حُلَّانَ يَمينه أَي مَا يُحَلِّل يَمِينَهُ، وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: لأَفعلن كَذَا إِلَّا حِلُّ ذَلِكَ أَن أَفعل كَذَا أَي وَلَكِنْ حِلُّ ذَلِكَ، فحِلُّ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهَا مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ: مَعْنَاهُ تَحِلَّةُ قَسَمِي أَو تحليلُه أَن أَفعل كَذَا.

وَقَوْلُهُمْ: فَعَلْتُهُ تَحِلَّة القَسَم أَي لَمْ أَفعل إِلا بِمِقْدَارِ مَا حَلَّلت بِهِ قَسَمي وَلَمْ أُبالِغ.

الأَزهري: وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلَاثَةُ أَولاد فتَمَسّه النَّارُ إِلا تَحِلَّة القَسَم»؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ تَحِلَّة القَسَم قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، قَالَ: فإِذا مَرَّ بِهَا وَجَازَهَا فَقَدْ أَبَرَّ اللَّهُ قَسَمَه.

وَقَالَ غَيْرُ أَبي عُبَيْدٍ: لَا قَسَم فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ تَحِلَّة وإِنما التَّحِلَّة للأَيْمان؟ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِلا تَحِلَّة القَسَم إِلا التعذير الذي لا يَبْدَؤُه مِنْهُ مَكْرُوهٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ العَرَب: ضَرَبْته تَحْلِيلًا ووَعَظْته تَعْذيرًا أَي لَمْ أُبالِغ فِي ضَرْبِهِ ووَعْظِه؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَثَل فِي القَلِيل المُفْرِط القِلَّة وَهُوَ أَن يُباشِر مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْسِم عَلَيْهِ المقدارَ الَّذِي يُبِرُّ بِهِ قَسَمَه ويُحَلِّلُه، مِثْلَ أَن يَحْلِفَ عَلَى النُّزُولِ بِمَكَانٍ فَلَوْ وَقَع بِهِ وَقْعة خَفِيفَةً أَجزأَته فَتِلْكَ تَحِلَّة قَسَمِه، وَالْمَعْنَى لَا تَمَسُّه النَّارُ إِلا مَسَّة يَسِيرَةً مِثْلَ تَحِلَّة قَسَم الْحَالِفِ، وَيُرِيدُ بتَحِلَّتِه الوُرودَ عَلَى النَّارِ والاجْتيازَ بِهَا، قَالَ: وَالتَّاءُ فِي التَّحِلَّة زَائِدَةٌ؛ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: مَنْ حَرَس لَيْلَةً مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لَمْ يأْخذه الشَّيْطَانُ وَلَمْ يَرَ النَّارَ تَمَسُّه إِلا تَحِلَّة القَسَم؛ قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها}، قَالَ الأَزهري: وأَصل هَذَا كُلِّهِ مِنْ تَحْلِيلِ الْيَمِينِ وَهُوَ أَن يَحْلِفَ الرَّجُلُ ثُمَّ يَسْتَثْنِيَ اسْتِثْنَاءً مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا، يُقَالُ: آلَى فُلَانٌ أَلِيَّة لَمْ يَتَحَلَّل فِيهَا أَي لَمْ يَسْتثْنِ ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مَثَلًا لِلتَّقْلِيلِ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

تَخْدِي عَلَى يَسَراتٍ، وَهِيَ لَاحِقَةٌ، ***بأَرْبَعٍ، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل

وَفِي حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ:

تَخْدِي عَلَى يَسَرات، وَهِيَ لَاحِقَةٌ، ***ذَوَابِل، وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْلِيل

أَي قَلِيلٌ كَمَا يَحْلِفُ الإِنسان عَلَى الشَّيْءِ أَن يَفْعَلَهُ فَيَفْعَلَ مِنْهُ الْيَسِيرَ يُحَلِّل بِهِ يَمِينه؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُرِيدُ وَقْعَ مَناسِم النَّاقَةِ عَلَى الأَرض مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ؛ وَقَالَ الْآخَرُ:

أَرَى إِبلي عَافَتْ جَدُودَ، فَلَمْ تَذُقْ ***بِهَا قَطْرَةً إِلا تَحِلَّة مُقْسِم

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَمِثْلُهُ لعَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:

تُحْفِي الترابَ بأَظْلافٍ ثَمانية ***فِي أَرْبَع، مَسُّهنَّ الأَرضَ تَحْلِيلُ

أَي قَلِيلٌ هَيِّن يَسِيرٌ.

وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا أَمْعَن فِي وَعِيد أَو أَفرط فِي فَخْر أَو كَلَامٍ: حِلًّا أَبا فُلَانٍ أَي تَحَلَّلْ فِي يَمِينِكَ، جَعَلَهُ فِي وَعِيدِهِ إِياه كَالْيَمِينِ فأَمره بِالِاسْتِثْنَاءِ أَي اسْتَثْن يَا حَالِفُ واذْكُر حِلًّا.

وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ: «أَنه قَالَ لامرأَة حَلَفت أَن لَا تُعْتِق مَوْلاة لَهَا فَقَالَ لَهَا: حِلًّا أُمَّ فُلَانٍ، وَاشْتَرَاهَا وأَعتقها»؛ أي تَحَلَّلِي مِنْ يَمِينِكِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ" عَمْرِو بْنِ مَعَدِيكَرِبَ: قال لِعُمَرَ حِلًّا يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا تَقُولُ؛ أي تَحَلَّلْ مِنْ قَوْلِكَ.

وَفِي حَدِيثِ أَنس: «قِيلَ لَهُ حَدِّثْنا بِبَعْضِ مَا سمعتَه مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وأَتَحلَّل»أَي أَستثني.

وَيُقَالُ: تَحَلَّل فُلَانٌ مِنْ يَمِينِهِ إِذا خَرَجَ مِنْهَا بِكَفَّارَةٍ أَو حِنْث يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: " وآلَتْ حِلْفةً لَمْ تَحَلَّل "وتَحَلَّل فِي يَمِينِهِ أَي اسْتَثْنَى.

والمُحَلِّل مِنَ الْخَيْلِ: الفَرَسُ الثَّالِثُ مِنْ خَيْلِ الرِّهان، وَذَلِكَ أَن يَضَعَ الرَّجُلانِ رَهْنَين بَيْنَهُمَا ثُمَّ يأْتي رَجُلٌ سِوَاهُمَا فَيُرْسِلَ مَعَهُمَا فرسه ولا يضع رَهْنًا، فإِن سَبَق أَحدُ الأَوَّليْن أَخَذَ رهنَه ورهنَ صَاحِبِهِ وَكَانَ حَلالًا لَهُ مِنْ أَجل الثَّالِثِ وَهُوَ المُحَلِّل، وإِن سبَقَ المُحَلِّلُ وَلَمْ يَسْبق وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَخَذَ الرَّهْنَيْنِ جَمِيعًا، وإِن سُبِقَ هُوَ لَمْ يَكُنْ عليه شيء، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الَّذِي لَا يُؤْمَن أَن يَسْبق، وأَما إِذا كَانَ بَلِيدًا بَطِيئًا قَدْ أُمِن أَن يَسْبِقهما فَذَلِكَ القِمَار الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، ويُسَمَّى أَيضًا الدَّخِيل.

وضَرَبه ضَرْبًا تَحْلِيلًا أَي شِبْهَ التَّعْزِيرِ، وإِنما اشْتُقَّ ذَلِكَ مِنْ تَحْلِيل الْيَمِينِ ثُمَّ أُجْري فِي سَائِرِ الْكَلَامِ حَتَّى قِيلَ فِي وَصْفِ الإِبل إِذا بَرَكَتْ؛ وَمِنْهُ قَوْلَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " نَجَائِب وَقْعُهُنَّ الأَرضَ تَحْليل "أَي هَيِّن.

وحَلَّ العُقْدة يَحُلُّها حَلًّا: فتَحَها ونَقَضَها فانْحَلَّتْ.

والحَلُّ: حَلُّ العُقْدة.

وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ: يَا عاقِدُ اذْكُرْ حَلًّا، هَذَا الْمَثَلُ ذَكَرَهُ الأَزهري وَالْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا قَوْلُ الأَصمعي وأَما ابْنُ الأَعرابي فَخَالَفَهُ وَقَالَ: يَا حابِلُ اذْكُرْ حَلًّا وَقَالَ: كَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَكثر مِنْ أَلف أَعرابي فَمَا رَوَاهُ أَحد مِنْهُمْ يَا عاقِدُ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ إِذا تحَمَّلْتَ فَلَا تُؤَرِّب مَا عَقَدْت، وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ فِي تَرْجَمَةِ حَبْلٍ: يَا حابِلُ اذْكُرْ حَلًّا.

وَكُلُّ جَامِدٍ أُذِيب فَقَدْ حُلَّ.

والمُحَلَّل: الشَّيْءُ الْيَسِيرُ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ يَصِفُ جَارِيَةً:

كبِكْرِ المُقاناةِ البَيَاض بصُفْرة، ***غَذَاها نَمِير الماءِ غَيْر المُحَلَّل

وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحدهما أَن يُعْنَى بِهِ أَنه غَذَاها غِذَاء لَيْسَ بمُحَلَّل أَي لَيْسَ بِيَسِيرٍ وَلَكِنَّهُ مُبالَغ فِيهِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مَرِيءٌ ناجِعٌ، وَالْآخَرُ أَن يُعْنى بِهِ غَيْرُ مَحْلُولٍ عَلَيْهِ فيَكْدُر ويَفْسُد.

وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: غَيْرُ مُحَلَّل يُقَالُ إِنه أَراد مَاءَ الْبَحْرِ أَي أَن الْبَحْرَ لَا يُنْزَل عَلَيْهِ لأَن مَاءَهُ زُعَاق لَا يُذَاق فَهُوَ غَيْرُ مُحَلَّل أَي غَيْرُ مَنْزولٍ عَلَيْهِ، قَالَ: وَمَنْ قَالَ غَيْرُ مُحَلَّل أَي غَيْرُ قَلِيلٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لأَن مَاءَ الْبَحْرِ لَا يُوصَفُ بِالْقِلَّةِ وَلَا بِالْكَثْرَةِ لِمُجَاوَزَةِ حدِّه الوصفَ، وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَكَانٌ مُحَلَّل إِذا أَكثر الناسُ بِهِ الحُلُولَ، وَفَسَّرَهُ بأَنه إِذا أَكثروا بِهِ الحُلول كدَّروه.

وكلُّ مَاءٍ حَلَّتْه الإِبل فكَدَّرَتْه مُحَلَّل، وعَنى إمرُؤ الْقَيْسِ بِقَوْلِهِ بِكْر المُقَاناة دُرَّة غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ.

وحَلَّ عَلَيْهِ أَمرُ اللَّهِ يَحِلُّ حُلولًا: وجَبَ.

وَفِي التَّنْزِيلِ: {أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ، وَمَنْ قرأَ: أَن يَحُلَ}، فَمَعْنَاهُ أَن يَنْزِل.

وأَحَلَّه اللهُ عَلَيْهِ: أَوجبه؛ وحَلَّ عَلَيْهِ حَقِّي يَحِلُّ مَحِلًّا، وَهُوَ أَحد مَا جَاءَ مِنَ الْمَصَادِرِ عَلَى مِثَالِ مَفْعِل بِالْكَسْرِ كالمَرْجِعِ والمَحِيص وَلَيْسَ ذَلِكَ بمطَّرد، إِنما يُقْتَصَرُ عَلَى مَا سُمِعَ مِنْهُ، هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ.

وَقَوْلُهُ تعالى: {وَمَنْ يَحْلُلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى}؛ قرئَ وَمَنْ يَحْلُل ويَحْلِلْ"، بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وكذلك قرئَ: فَيَحِلَ " [فَيَحُلَ] عَلَيْكُمْ غَضَبِي، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْكَسْرُ فِيهِ أَحَبُّ إِليَّ مِنَ الضَّمِّ لأَن الحُلُول مَا وَقَعَ مِنْ يَحُلُّ، ويَحِلُّ يَجِبُ، وَجَاءَ بِالتَّفْسِيرِ بِالْوُجُوبِ لَا بِالْوُقُوعِ، قَالَ: وكلٌّ صَوَابٌ، قَالَ: وأَما قَوْلُهُ تعالى: {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ، فَهَذِهِ مَكْسُورَةٌ، وإِذا قُلْتَ حَلَّ بِهِمُ العذابُ كَانَتْ تَحُلُّ لَا غَيْرَ، وإِذا قُلْتَ عَليَّ أَو قُلْتَ يَحِلُّ لَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ بِالْكَسْرِ}؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَمَنْ قَالَ يَحِلُّ لَكَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ بِالْكَسْرِ، قَالَ: وَمَنْ قرأَ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ" فَمَعْنَاهُ فيَجِب عَلَيْكُمْ، وَمَنْ قرأَ فيَحُلَ "فَمَعْنَاهُ فيَنْزِل؛ قَالَ: وَالْقِرَاءَةُ وَمَنْ يَحْلِلْ" بِكَسْرِ اللَّامِ أَكثر.

وحَلَّ المَهْرُ يَحِلُّ أَي وَجَبَ.

وحَلَّ الْعَذَابُ يَحِلُّ، بِالْكَسْرِ، أَي وَجَب، ويَحُلُّ، بِالضَّمِّ، أَي نَزَلَ.

وأَما قَوْلُهُ أَو تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ، فَبِالضَّمِّ، أَي تَنْزل.

وَفِي الْحَدِيثِ: «فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِد رِيحَ نَفَسه إِلَّا مَاتَ»أَي هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَاقِعٌ كَقَوْلِهِ تعالى: {وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ}؛ أَي حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «حَلَّت لَهُ شَفَاعَتِي، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى غَشِيَتْه ونَزَلَتْ بِهِ، فأَما قَوْلُهُ: لَا يَحُلُّ المُمْرِض عَلَى المُصِحّ، فَبِضَمِّ الْحَاءِ، مِنَ الحُلول النزولِ، وَكَذَلِكَ فَلْيَحْلُل، بِضَمِّ اللَّامِ».

وأَما قَوْلُهُ تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، فَقَدْ يَكُونُ المصدرَ وَيَكُونُ الموضعَ.

وأَحَلَّت الشاةُ والناقةُ وَهِيَ مُحِلٌّ: دَرَّ لبَنُها، وَقِيلَ: يَبِسَ لبنُها ثُمَّ أَكَلَت الرَّبيعَ فدَرَّت، وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بأَنه نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ نِتاج، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:

وَلَكِنَّهَا كَانَتْ ثَلَاثًا مَيَاسِرًا، ***وحائلَ حُول أَنْهَزَتْ فأَحَلَّتِ

يَصِفُ إِبلًا وَلَيْسَتْ بِغَنَمٍ لأَن قَبْلَ هَذَا:

فَلو أَنَّها كَانَتْ لِقَاحِي كَثيرةً، ***لَقَدْ نَهِلَتْ مِنْ مَاءِ جُدٍّ وعَلَّت

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لأُمية بْنِ أَبي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ:

غُيوث تَلتَقي الأَرحامُ فِيهَا، ***تُحِلُّ بِهَا الطَّروقةُ واللِّجاب

وأَحَلَّت الناقةُ عَلَى وَلَدِهَا: دَرَّ لبنُها، عُدِّي بعَلى لأَنه فِي مَعْنَى دَرَّت.

وأَحَلَّ المالُ فَهُوَ يُحِلُّ إِحْلالًا إِذا نَزَلَ دَرُّه حِينَ يأْكل الرَّبِيعَ.

الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ: المَحالُّ الْغَنَمُ الَّتِي يَنْزِلُ اللَّبَنُ فِي ضُرُوعِهَا مِنْ غَيْرِ نِتاج وَلَا وِلاد.

وتَحَلَّل السَّفَرُ بِالرَّجُلِ: اعْتَلَّ بَعْدَ قُدُومِهِ.

والإِحْلِيل والتِّحْلِيل: مَخْرَج الْبَوْلِ مِنَ الإِنسان ومَخْرج اللَّبَنِ مِنَ الثَّدْيِ والضَّرْع.

الأَزهري: الإِحْلِيل مَخْرج اللَّبَنِ مِنْ طُبْي النَّاقَةِ وَغَيْرِهَا.

وإِحْلِيل الذَّكَرِ: ثَقْبه الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ، وَجَمْعُهُ الأَحالِيل؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:

تُمِرُّ مثلَ عَسِيب النَّخْلِ ذَا خُصَلٍ، ***بِغَارِبٍ، لَمْ تُخَوِّنْه الأَحَالِيل

هُوَ جَمْعُ إِحْلِيل، وَهُوَ مَخْرَج اللَّبَنِ مِنَ الضَّرْع، وتُخَوِّنه: تَنْقُصه، يَعْنِي أَنه قَدْ نَشَفَ لبنُها فَهِيَ سَمِينَةٌ لَمْ تَضْعُفْ بِخُرُوجِ اللَّبَنِ مِنْهَا.

والإِحْلِيل: يقع عَلَى ذَكَرِ الرَّجُلِ وفَرْج المرأَة، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَحْمَد إِليكم غَسْل الإِحْلِيل "أَي غَسْل الذَّكَرِ.

وأَحَلَّ الرجلُ بِنَفْسِهِ إِذا اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ.

ابْنُ الأَعرابي: حُلَّ إِذا سُكِن، وحَلَّ إِذا عَدا، وامرأَة حَلَّاء رَسْحاء، وذِئْب أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل كَذَلِكَ.

ابْنُ الأَعرابي: ذِئْبٌ أَحَلُّ وَبِهِ حَلَل، وَلَيْسَ بِالذِّئْبِ عَرَج، وإِنما يُوصَفُ بِهِ لخَمَع يُؤنَس مِنْهُ إِذا عَدا؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاح:

يُحِيلُ به الذِّئْبُ الأَحَلُّ، وَقُوتُه ***ذَوات المَرادِي، مِنْ مَناقٍ ورُزّح

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأَحَلُّ أَن يَكُونَ مَنْهوس المُؤْخِر أَرْوَح الرِّجلين.

والحَلَل: اسْتِرْخَاءُ عَصَب الدَّابَّةِ، فَرَسٌ أَحَلُّ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الحَلَل فِي الْبَعِيرِ ضَعْفٌ فِي عُرْقوبه، فَهُوَ أَحَلُّ بَيِّن الحَلَل، فإِن كَانَ فِي الرُّكْبة فَهُوَ الطَّرَق.

والأَحَلُّ: الَّذِي فِي رِجْلِهِ اسْتِرْخَاءٌ، وَهُوَ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلا فِي الذِّئْبِ.

وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ بَيْتَ الطِّرِمَّاحِ: يُحِيلُ بِهِ الذِّئبُ الأَحَلُّ، وَنَسَبَهُ إِلى الشَّمَّاخِ وَقَالَ: يُحِيلُ أَي يُقِيم بِهِ حَوْلًا.

وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فَرَس أَحَلُّ، وحَلَلُه ضَعْفُ نَساه ورَخاوة كَعْبه، وخَصّ أَبو عُبَيْدَةَ بِهِ الإِبل.

والحَلَل: رَخَاوَةٌ فِي الْكَعْبِ، وَقَدْ حَلِلْت حَلَلًا.

وَفِيهِ حَلَّة وحِلَّة أَي تَكَسُّر وَضَعْفٌ؛ الْفَتْحُ عَنْ ثَعْلَبٍ وَالْكَسْرُ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.

وَفِي حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ: «ثُمَّ تَرَك فتَحَلَّل»أَي لَمَّا انْحَلَّت قُواه تَرَكَ ضَمَّه إِليه، وَهُوَ تَفَعُّل مِنَ الحَلِّ نَقِيضِ الشَّدّ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِشَاعِرٍ:

إِذا اصْطَكَّ الأَضاميمُ اعْتَلاها ***بصَدْرٍ، لَا أَحَلَّ وَلَا عَموج

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنه بَعَث رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ فَجَاءَ بفَصِيل مَحْلُول أَو مَخْلول بِالشَّكِّ»؛ الْمَحْلُولُ، بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: الهَزِيل الَّذِي حُلَّ اللَّحْمُ عَنْ أَوصاله فعَرِيَ مِنْهُ، والمَخْلُول يَجِيءُ فِي بَابِهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «الصَّلَاةُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وتَحْلِيلها التَّسْلِيمُ» أَي صَارَ المُصَلِّي بِالتَّسْلِيمِ يَحِلُّ لَهُ مَا حُرِمَ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ مِنَ الْكَلَامِ والأَفعال الْخَارِجَةِ عَنْ كَلَامِ الصَّلَاةِ وأَفعالها، كَمَا يَحِلُّ للمُحْرِم بِالْحَجِّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ مَا كَانَ حَرامًا عَلَيْهِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحِلُّوا اللَّهَ يَغْفِرْ لَكُمْ»أَي أَسلموا؛ هَكَذَا فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ مِنْ حَظْر الشِّرك إِلى حِلِّ الإِسلام وسَعَته، مِنْ قَوْلِهِمْ حَلَّ الرجلُ إِذا خَرَجَ مِنَ الحَرَم إِلى الحِلِّ، وَيُرْوَى بِالْجِيمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عِنْدَ الأَكثر مِنْ كَلَامِ أَبي الدَّرْدَاءِ، ومنهم مَنْ جَعَلَهُ حَدِيثًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمة مِنْ أَخيه فَلْيسْتَحِلَّه.

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنها قَالَتْ لامرأَة مَرَّتْ بِهَا: «مَا أَطول ذَيْلَها فَقَالَ: اغْتَبْتِها قُومي إِليها فَتَحلَّليها»؛ يُقَالُ: تَحَلَّلته واسْتَحْلَلْته إِذا سأَلته أَن يَجْعَلَكَ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَله.

وَفِي الْحَدِيثِ: أَنه سُئِلَ أَيّ الأَعمال أَفضل فَقَالَ: الحالُّ المُرْتَحِل، قِيلَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الخاتِم المفتَتِح هُوَ الَّذِي يَخْتم الْقُرْآنَ بِتِلَاوَتِهِ ثم يَفْتَتح التِّلَاوَةَ مِنْ أَوّله "؛ شبَّهه بالمُسافر يَبْلُغُ الْمَنْزِلَ فيَحُلُّ فِيهِ ثُمَّ يَفْتَتِحُ سَيْرَهُ أَي يبتدئه، وَكَذَلِكَ قُرَّاء أَهل مَكَّةَ إِذا خَتَمُوا الْقُرْآنَ بِالتِّلَاوَةِ ابتدأُوا وقرأُوا الْفَاتِحَةَ وَخَمْسَ آيَاتٍ مِنْ أَول سُورَةِ الْبَقَرَةِ إِلى قَوْلِهِ: أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ثُمَّ يَقْطَعُونَ الْقِرَاءَةَ ويُسَمُّون ذَلِكَ الحالَّ المُرْتَحِل أَي أَنه خَتَمَ الْقُرْآنَ وابتدأَ بأَوَّله وَلَمْ يَفْصِل بَيْنَهُمَا زَمَانٌ، وَقِيلَ: أَراد بالحالِّ الْمُرْتَحِلِ الغازِيَ الَّذِي لَا يَقْفُل عَنْ غَزْوٍ إِلا عَقَّبه بِآخَرَ.

والحِلال: مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ النِّسَاءِ؛ قَالَ طُفَيْل:

وراكضةٍ، مَا تَسْتَجِنُّ بجُنَّة، ***بَعِيرَ حِلالٍ، غادَرَتْه، مُجَعْفَلِ

مُجَعْفَل: مَصْرُوعٌ؛ وأَنشد ابْنُ بَرِّيٍّ لِابْنِ أَحمر: " وَلَا يَعْدِلْنَ مِنْ مَيْلٍ حِلالا "قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ متاعَ رَحْل الْبَعِيرِ.

والحِلُّ: الغَرَض الَّذِي يُرْمى إِليه.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


67-لسان العرب (أين)

أين: آنَ الشيءُ أَينًا: حانَ، لُغَةٌ فِي أَنى، وَلَيْسَ بِمَقْلُوبٍ عَنْهُ لِوُجُودِ المصدر؛ وقال:

أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عمايَتي، ***وأُقْصِرَ عَنْ ليْلى؟ بَلى قَدْ أَنى لِيا

فجاء باللغتين جميعًا.

وقالوا: آنَ أَيْنُك وإينُك وَآنَ آنُك أَي حانَ حينُك، وآنَ لَكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا يَئينُ أَيْنًا؛ عَنْ أَبي زَيْدٍ، أَي حانَ، مِثْلَ أَنى لَكَ، قَالَ: وَهُوَ مقلوبٌ مِنْهُ.

وَقَالُوا: الْآنَ فَجَعَلُوهُ اسْمًا لِزَمَانِ الْحَالِ، ثُمَّ وَصَفُوا للتوسُّع فَقَالُوا: أَنا الآنَ أَفعل كَذَا وَكَذَا، والأَلف وَاللَّامَ فِيهِ زَائِدَةٌ لأَنَّ الاسمَ مَعْرِفَةٌ بِغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةٌ بِلَامٍ أُخرى مقدَّرة غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ.

ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ ابْنُ جِنِّي قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}؛ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَن اللَّامَ فِي الْآنَ زَائِدَةٌ أَنها لَا تَخْلُو مِنْ أَن تكونَ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا يظنُّ مخالفُنا، أَو تَكُونَ زَائِدَةٌ لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ كَمَا نَقُولُ نَحْنُ، فَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنها لِغَيْرِ التَّعْرِيفِ أَنَّا اعْتَبَرْنَا جميعَ مَا لامُه لِلتَّعْرِيفِ، فَإِذَا إسقاطُ لامِه جَائِزٌ فِيهِ، وَذَلِكَ نَحْوَ رَجُلٍ وَالرَّجُلِ وَغُلَامٍ وَالْغُلَامِ، وَلَمْ يَقُولُوا افْعَلْه آنَ كَمَا قَالُوا افعَلْه الآنَ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَن اللامَ فِيهِ لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ بَلْ هِيَ زَائِدَةٌ كَمَا يُزاد غيرُها مِنَ الْحُرُوفِ، قَالَ: فَإِذَا ثَبتَ أَنها زائدةٌ فَقَدْ وَجَبَ النظرُ فِيمَا يُعَرَّف بِهِ الْآنَ فَلَنْ يَخْلُوَ مِنْ أَحد وُجُوهِ التَّعْرِيفِ الْخَمْسَةِ: إِمَّا لأَنه مِنَ الأَسماء المُضْمَرة أَو مِنَ الأَسماء الأَعلام، أَو مِنَ الأَسماء المُبْهَمة، أَو مِنَ الأَسماء الْمُضَافَةِ، أَوْ مِنَ الأَسماء المُعَرَّفة بِاللَّامِ، فمُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الْمُضْمَرَةِ لأَنها مَعْرُوفَةٌ مَحْدُودَةٌ وَلَيْسَتِ الْآنَ كَذَلِكَ، ومُحالٌ أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء الأَعْلام لأَن تِلْكَ تخُصُّ الْوَاحِدَ بعَيْنه، وَالْآنَ تقعَ عَلَى كلِّ وقتٍ حَاضِرٍ لَا يَخُصُّ بعضَ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحدٌ إِنَّ الْآنَ مِنَ الأَسماء الأَعلام، ومُحالٌ أَيضًا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَسماء الإِشارة لأَن جَمِيعَ أَسماء الإِشارة لَا تَجِدُ فِي واحدٍ مِنْهَا لامَ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ نَحْوَ هَذَا وَهَذِهِ وَذَلِكَ وَتِلْكَ وَهَؤُلَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وذهب أَبو إسحق إِلَى أَن الْآنَ إِنَّمَا تَعَرُّفه بالإِشارة، وأَنه إِنَّمَا بُنِيَ لِمَا كَانَتِ الأَلف واللام فيه لغير عهد مُتَقَدِّمٍ، إِنَّمَا تقولُ الْآنَ كَذَا وَكَذَا لِمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكَ مَعَهُ ذِكْر الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فأَما فَسَادُ كَوْنِهِ مِنْ أَسماء الإِشارة فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُه، وأَما مَا اعْتَلَّ بِهِ مِنْ أَنه إِنَّمَا بُنيَ لأَن الأَلف واللام فيه لغير عهدٍ متقَدِّمٍ ففاسدٌ أَيضًا، لأَنا قَدْ نَجِدُ الأَلف وَاللَّامَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَسماء عَلَى غَيْرِ تقدُّم عهْد، وَتِلْكَ الأَسماء مَعَ كَوْنِ اللَّامِ فِيهَا مَعارف، وَذَلِكَ قَوْلُكَ يَا أَيها الرجلُ، ونظَرْتُ إِلَى هَذَا الْغُلَامِ، قَالَ: فَقَدْ بطلَ بِمَا ذكَرْنا أَن يَكُونَ الآنَ مِنَ الأَسماء الْمُشَارِ بِهَا، ومحالٌ أَيضًا أَن تَكُونَ مِنَ الأَسماء المتعَرِّفة بالإِضافة لأَننا لَا نُشَاهِدُ بَعْدَهُ اسْمًا هُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِ، فَإِذَا بَطَلَت واسْتَحالت الأَوجه الأَربعة المقَدَّم ذكرُها لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَن يَكُونَ معرَّفًا بِاللَّامِ نَحْوَ الرَّجُلِ وَالْغُلَامِ، وَقَدْ دَلَّتِ الدلالةُ عَلَى أَن الْآنَ لَيْسَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ، لأَنه لَوْ كَانَ مَعرَّفًا بِهَا لجازَ سُقوطُها مِنْهُ، فلزومُ هَذِهِ اللَّامِ لِلْآنَ دليلٌ عَلَى أَنها لَيْسَتْ لِلتَّعْرِيفِ، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ لَا محالَةَ، واستَحال أَن تكونَ اللَّامُ فِيهِ هِيَ الَّتِي عَرَّفَتْه، وَجَبَ أَن يَكُونَ مُعَرَّفًا بِلَامٍ أُخرى غَيْرِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي فِيهِ بِمَنْزِلَةِ أَمْسِ فِي أَنه تَعَرَّف بِلَامٍ مُرَادَّةٍ، وَالْقَوْلُ فِيهِمَا واحدٌ، وَلِذَلِكَ بُنِيَا لتضمُّنهما مَعْنَى حَرْفِ التَّعْرِيفِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَهَذَا رأْيُ أَبي عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَخَذْتُه، وَهُوَ الصوابُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا الْآنَ آنُكَ، كَذَا قرأْناه فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ بِنَصْبِ الآنَ ورفعِ آنُك، وَكَذَا الآنَ حدُّ الزمانَيْن، هَكَذَا قرأْناه أَيضًا بِالنَّصْبِ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: اللَّامُ فِي قَوْلِهِمُ الآنَ حَدُّ الزَّمَانَيْنِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي قَوْلِكَ الرجلُ أَفضلُ مِنَ المرأَةأَي هَذَا الجنسُ أَفضلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ الْآنَ، إِذَا رَفَعَه جَعَلَه جنسَ هَذَا المُسْتَعْمَلِ فِي قَوْلِهِمْ كنتُ الْآنَ عِنْدَهُ، فَهَذَا مَعْنَى كُنتُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ بعْضُه، وَقَدْ تَصَرَّمَتْ أَجزاءٌ مِنْهُ عِنْدَهُ، وبُنيت الْآنَ لتَضَمُّنها مَعْنَى الْحَرْفِ.

وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَتَيْتُه آئِنَةً بَعْدَ آئِنَةٍ بِمَعْنَى آوِنةٍ.

الْجَوْهَرِيُّ: الْآنَ اسمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنت فِيهِ، وَهُوَ ظَرْف غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، وَقَع مَعْرِفةً وَلِمَ تدخُل عَلَيْهِ الأَلفُ واللامُ لِلتَّعْرِيفِ، لأَنَّه لَيْس لَهُ مَا يَشْرَكُه، وربَّما فَتَحوا اللامَ وحَذَفوا الهمْزَتَيْنِ؛ وأَنشد الأَخفش:

وَقَدْ كُنْتَ تُخْفِي حُبَّ سَمْراءَ حِقْبَةً، ***فَبُحْ، لانَ منْها، بِالَّذِي أَنتَ بائِحُ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قولُه حَذَفوا الهمزَتَين يَعْنِي الهمزةَ الَّتِي بَعْد اللامِ نَقَلَ حَرَكَتَهَا عَلَى اللامِ وحَذَفها، ولمَّا تَحَرَّكَت اللامُ سَقَطَتْ همزةُ الوَصْلِ الداخلةُ على اللام؛ وقال جَرِيرٌ:

أَلانَ وَقَدْ نَزَعْت إِلَى نُمَيْرٍ، ***فَهَذَا حينَ صِرْت لَهُمْ عَذابا

قَالَ: ومثْلُ البيتِ الأَوَّل قولُ الآخَر:

أَلا يَا هِنْدُ، هِنْدَ بَني عُمَيْرٍ، ***أَرَثٌّ، لانَ، وَصْلُكِ أَم حَديدُ؟

وَقَالَ أَبو المِنْهالِ:

حَدَبْدَبَى بَدَبْدَبَى منْكُمْ، لانْ، ***إنَّ بَني فَزارَةَ بنِ ذُبيانْ

قَدْ طرقَتْ ناقَتُهُمْ بإنْسانْ ***مُشَنَّإٍ، سُبْحان رَبِّي الرحمنْ

أَنا أَبو المِنْهالِ بَعْضَ الأَحْيانْ، ***لَيْسَ عليَّ حَسَبي بِضُؤْلانْ

التَّهْذِيبُ: الْفَرَّاءُ الْآنَ حرفٌ بُنِيَ عَلَى الأَلف وَاللَّامِ وَلَمْ يُخْلَعا مِنْهُ، وتُرِك عَلَى مَذْهَب الصفةِ لأَنَّه صفةٌ فِي الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ كَمَا رأَيتهم فَعَلوا بِالَّذِي وَالَّذِينَ، فَتَرَكوهما عَلَى مَذْهَبِ الأَداةِ والأَلفُ واللامُ لَهُمَا غَيْرُ مفارِقَةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

فإِن الأُلاء يَعْلَمُونَكَ مِنْهُمْ، ***كَعِلْمِ مَظْنُولٍ مَا دُمْتَ أَشعرا

فأَدْخلَ الأَلف وَاللَّامَ عَلَى أُولاء، ثُمَّ تَرَكَها مَخْفُوضَةً فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَن تدخُلَها الأَلف وَاللَّامُ؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:

وإنِّي حُبِسْتُ اليومَ والأَمْسِ قَبْلَه ***بِبابِكَ، حَتَّى كادَتِ الشمسُ تَغْربُ

فأَدخَلَ الأَلفَ وَاللَّامَ عَلَى أَمْسِ ثُمَّ تَرَكَهُ مَخْفُوضًا عَلَى جِهَةِ الأُلاء؛ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: " وجُنَّ الخازِبازِ بِهِ جُنونًا "فمثلُ الْآنَ بأَنها كَانَتْ مَنْصُوبَةً قَبْلَ أَن تُدْخِلَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ، ثُمَّ أَدْخَلْتَهما فَلَمْ يُغَيِّراها، قَالَ: وأَصلُ الْآنَ إِنَّمَا كَانَ أَوَان، فحُذِفَت مِنْهَا الأَلف وغُيِّرت واوُها إِلَى الأَلف كَمَا قَالُوا فِي الرَّاحِ الرَّياح؛ قَالَ أَنشد أَبو القَمْقام:

كأَنَّ مكاكِيَّ الجِواءِ غُدَيَّةً، ***نَشاوَى تَساقَوْا بالرَّياحِ المُفَلْفَلِ

فَجَعَلَ الرَّياحَ والأَوانَ مرَّة عَلَى جِهَةٍ فَعَلٍ، وَمَرَّةً عَلَى جِهَةِ فَعالٍ، كَمَا قَالُوا زَمَن وزَمان، قَالُوا: وَإِنْ شِئْتَ جعلتَ الْآنَ أَصلها مِنْ قولِه آنَ لَكَ أَن تفعلَ، أَدخَلْتَ عَلَيْهَا الأَلفَ وَاللَّامَ ثُمَّ تركتَها عَلَى مَذْهَبِ فَعَلَ، فأَتاها النصبُ مِنْ نَصْبِ فعَل، وهو وجهٌ جَيِّدٌ كَمَا قَالُوا: نَهى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ قِيلَ وقالَ "، فَكَانَتَا كَالِاسْمَيْنِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَلَوْ خَفَضْتَهما عَلَى أَنهما أُخْرِجتا مِنْ نِيَّةِ الْفِعْلِ إِلَى نِيَّةِ الأَسماء كَانَ صَوَابًا؛ قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ يَقُولُونَ: مِنْ شُبَّ إِلَى دُبَّ، وبعضٌ: مِنْ شُبٍّ إِلَى دُبٍّ، وَمَعْنَاهُ فعَل مُذْ كَانَ صَغِيرًا إِلَى أَن دَبّ كَبِيرًا.

وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، تَقُولُ نحنُ مِنَ الآنَ نَصِيرُ إِلَيْكَ، فَتُفْتَحُ الآنَ لأَنَّ الأَلفَ وَاللَّامَ إِنَّمَا يدخُلانِ لعَهْدٍ، والآنَ لَمْ تعْهَدْه قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ، فَدَخَلَتِ الأَلف وَاللَّامُ للإِشارة إِلَى الْوَقْتِ، وَالْمَعْنَى نحنُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ نفعلُ؛ فَلَمَّا تضمَّنَت مَعْنًى هَذَا وجَب أَن تَكُونَ مَوْقُوفَةً، ففُتِحَت لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَهُمَا الأَلف وَالنُّونُ.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَنكر الزجاجُ مَا قَالَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الآنَ إِنَّمَا كَانَ فِي الأَصل آنَ، وأَن الأَلف وَاللَّامَ دَخَلَتَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَحْوَ قَوْلِكَ قَامَ، إِذَا سَمَّيْتَ بِهِ شَيْئًا، فجعلتَه مَبْنِيًّا عَلَى الْفَتْحِ لَمْ تدخُلْه الأَلفُ وَاللَّامُ، وَذَكَرَ قولَ الْخَلِيلِ: الآنَ مبنيٌّ عَلَى الْفَتْحِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سِيبَوَيْهِ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}؛ فِيهِ ثلاثُ لُغاتٍ: قالُوا الْآنَ"، بِالْهَمْزِ وَاللَّامُ سَاكِنَةٌ، وَقَالُوا أَلانَ، مُتَحَرِّكَةُ اللَّامِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وتُفْصَل، قَالُوا مِنْ لانَ، وَلُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَالُوا لانَ جئتَ بِالْحَقِّ "، قَالَ: والآنَ منصوبةُ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا حرفٌ خافضٌ كَقَوْلِكَ مِنَ الآنَ، وَذَكَرَ ابْنُ الأَنباري الْآنَ فَقَالَ: وانتصابُ الْآنَ بِالْمُضْمَرِ، وعلامةُ النَّصْبِ فِيهِ فتحُ النُّونِ، وأَصلُه الأَوانُ فأُسقِطَت الأَلف الَّتِي بَعُدَ الْوَاوِ وجُعِلَت الواوُ أَلفًا لِانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، قَالَ: وَقِيلَ أَصله آنَ لَكَ أَن تفعلَ، فسُمِّي الوقتُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي وتُرِك آخرُه عَلَى الْفَتْحِ، قَالَ: وَيُقَالُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ أَنا لَا أُكلِّمُك مِنَ الآنَ يَا هَذَا، وَعَلَى الْجَوَابِ الأَول مِنَ الآنِ؛ وأَنشد ابْنُ صَخْرٍ:

كأَنهما ملآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا، ***وَقَدْ مَرَّ للدارَين مِن بعدِنا عَصْرُ

وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: هَذَا أَوانُ الآنَ تَعْلم، وَمَا جئتُ إلَّا أَوانَ الآنَ أَي مَا جِئْتُ إِلَّا الْآنَ، بِنَصْبِ الْآنَ فِيهِمَا.

وسأَل رجلٌ ابنَ عُمَرَ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ: أَنشُدك اللهَ هَلْ تعْلم أَنه فرَّ يَوْمَ أُحُد وَغَابَ عَنْ بدرٍ وَعَنْ بَيْعةِ الرِّضْوَانِ؟ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: أَما فِرارُه يَوْمَ أُحُد فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ؛ وأَما غَيْبَتُه عَنْ بدرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَهُ بنتُ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً وَذَكَرَ عُذْرَه فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: اذهبْ بِهَذِهِ تَلآنَ مَعَك؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأُمَويّ قَوْلُهُ تَلآنَ يُرِيدُ الْآنَ، وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ، يَزِيدُونَ التاءَ فِي الْآنِ وَفِي حينٍ وَيَحْذِفُونَ الْهَمْزَةَ الأُولى، يُقَالُ: تَلآن وتَحين؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:

العاطِفون تحينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ***والمُطْعِمونَ زمانَ مَا مِنْ مُطْعِم

وَقَالَ آخَرُ: وصَلَّيْنا كَمَا زَعَمَت تَلانا.

قَالَ: وَكَانَ الْكِسَائِيُّ والأَحمر وغيرُهما يَذْهَبُونَ إِلَى أَن الرِّوَايَةَ العاطفونَة فَيَقُولُ: جَعَلَ الْهَاءَ صِلَةً وَهُوَ وَسَطُ الْكَلَامِ، وَهَذَا لَيْسَ يُوجد إِلَّا عَلَى السَّكْتِ، قَالَ: فحَدَّثتُ بِهِ الأُمَويَّ فأَنكره، قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَا قَالَ الأُمَويُّ وَلَا حُجَّةَ لِمَنِ احْتَجَّ بالكتاب فِي قَوْلِهِ: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ، لأَن التَّاءَ منفصلةٌ مِنْ حِينٍ لأَنهم كَتَبُوا مِثْلَهَا مُنْفَصِلًا أَيضًا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَن يُفْصَل كقوله: يَا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ، واللامُ مُنْفَصِلَةٌ مِنْ هَذَا.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالنَّحْوِيُّونَ عَلَى أَن التَّاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلاتَ حِينَ فِي الأَصل هاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ وَلاهْ فَصَارَتْ تَاءً للمرورِ عَلَيْهَا كالتاءَاتِ المؤَنثة، وأَقاوِيلُهم مَذْكُورَةٌ فِي تَرْجَمَةٍ لَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ مَرَرْتُ بزيدِ اللَّانَ، ثقَّلَ اللامَ وَكَسَرَ الدَّالَّ وأَدْغم التَّنْوِينَ فِي اللَّامِ.

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبي ذَرٍّ: « أَما آنَ لِلرَّجُلِ أَن يَعْرف مَنزِله »أَي أَما حانَ وقرُبَ، تَقُولُ مِنْهُ: آنَ يَئينُ أَيْنًا، وَهُوَ مِثْلُ أَنَى يَأْني أَنًا، مقلوبٌ مِنْهُ.

وآنَ أَيْنًا: أَعيا.

أَبو زَيْدٍ: الأَيْنُ الإِعْياء وَالتَّعَبُ.

قَالَ أَبو زَيْدٍ: لَا يُبْنى مِنْهُ فِعْلٌ وَقَدْ خُولِفَ فِيهِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: لَا فِعْل لِلأَين الَّذِي هُوَ الإِعياء.

ابْنُ الأَعرابي: آنَ يَئِينُ أَيْنًا مِنَ الإِعياء؛ وأَنشد: " إنَّا ورَبِّ القُلُص الضَّوامِرِ "إِنَّا أَي أَعْيَينا.

اللَّيْثُ: وَلَا يشتَقُّ مِنْهُ فِعْل إلَّا فِي الشِّعْر؛ وَفِي قَصِيدِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ: " فِيهَا عَلَى الأَيْنِ إِرْقالٌ وتَبْغيلُ "الأَيْنُ: الإِعياء وَالتَّعَبُ.

ابْنُ السِّكِّيتِ: الأَيْنُ والأَيْمُ الذَّكَر مِنَ الْحَيَّاتِ، وَقِيلَ: الأَينُ الحيَّةُ مِثْلَ الأَيمِ، نُونُهُ بدلٌ مِنَ اللَّامِ.

قَالَ أَبو خَيْرَةَ: الأُيونُ والأُيومُ جَمَاعَةٌ.

قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: والأَينُ والأَيم أَيضًا الرَّجُلُ والحِمل.

وأَيْنَ: سُؤَالٌ عَنْ مكانٍ، وَهِيَ مُغْنية عَنِ الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَالتَّطْوِيلِ، وَذَلِكَ أَنك إِذَا قُلْتَ أَيْنَ بَيْتُك أَغناك ذَلِكَ عَنْ ذِكْر الأَماكن كُلِّهَا، وَهُوَ اسمٌ لأَنك تَقُولُ مِنْ أَينَ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ مُؤَنثة وَإِنْ شِئْتَ ذكَّرْت، وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَعَلَهُ الكتابُ اسْمًا مِنَ الأَدوات والصِّفات، التأْنيثُ فِيهِ أَعْرَفُ والتذكيرُ جائز؛ فأَما قَوْلُ حُمَيد بْنِ ثَوْرٍ الْهِلَالِيِّ:

وأَسماء، مَا أَسماءُ لَيْلَةَ أَدْلَجَتْ ***إِلَيَّ، وأَصحابي بأَيْنَ وأَيْنَما

فَإِنَّهُ جَعَلَ أَينَ عَلَمًا للبُقْعة مُجَرَّدًا مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، فمنَعَها الصَّرْفَ لِلتَّعْرِيفِ والتأْنيث كأُنَى، فتكونُ الفتحةُ فِي آخِرِ أَين عَلَى هَذَا فتحةَ الجرِّ وَإِعْرَابًا مِثْلَهَا فِي مررْتُ بأَحْمَدَ، وَتَكُونُ مَا عَلَى هَذَا زَائِدَةً وأَينَ وَحْدَهَا هِيَ الِاسْمُ، فَهَذَا وجهٌ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ ركَّب أَينَ مَعَ مَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ فَتَحَ الأُولى مِنْهَا كَفَتْحَةِ الْيَاءِ مِنْ حَيَّهَلْ لَمَّا ضُمَّ حَيَّ إِلَى هَلْ، والفتحةُ فِي النُّونِ عَلَى هَذَا حادثةٌ لِلتَّرْكِيبِ وَلَيْسَتْ بِالَّتِي كَانَتْ فِي أَيْنَ، وَهِيَ اسْتِفْهَامٌ، لأَن حَرَكَةَ التَّرْكِيبِ خَلَفَتْها ونابَتْ عَنْهَا، وَإِذَا كَانَتْ فتحةُ التَّرْكِيبِ تؤَثر فِي حَرَكَةِ الإِعراب فتزيلُها إِلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ هَذِهِ خمسةٌ، فتُعْرِب ثُمَّ تَقُولُ هَذِهِ خمْسةَ عشَر فتخلُف فتحةُ التَّرْكِيبِ ضمةَ الإِعراب عَلَى قُوَّةِ حَرَكَةِ الإِعراب، كَانَ إبدالُ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ مِنْ حَرَكَةِ الْبِنَاءِ أَحرى بِالْجَوَازِ وأَقرَبَ فِي الْقِيَاسِ.

الْجَوْهَرِيُّ: إِذَا قلتَ أَين زَيْدٌ فَإِنَّمَا تسأَلُ عَنْ مَكَانِهِ.

اللَّيْثُ: الأَينُ وقتٌ مِنَ الأَمْكِنة.

تَقُولُ: أَينَ فلانٌ فَيَكُونُ مُنْتَصِبًا فِي الْحَالَاتِ كُلِّهَا مَا لَمْ تَدْخُلْه الأَلف وَاللَّامُ.

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَينَ وَكَيْفَ حَرْفَانِ يُسْتَفْهَم بِهِمَا، وَكَانَ حقُّهما أَن يَكُونَا مَوْقوفَين، فحُرِّكا لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُصِبا وَلَمْ يُخْفَضا مِنْ أَجل الْيَاءِ، لأَن الْكَسْرَةَ مَعَ الْيَاءِ تَثْقُل والفتحةُ أَخفُّ.

وقال الأَخفش فِي قَوْلِهِ تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى}، فِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَينَ أَتى "، قَالَ: وَتَقُولُ العرب جئتُك مِنْ أَينَ لَا تَعْلَم؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: أَما مَا حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ جئتُك مِنْ أَين لَا تعْلم فَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ فَاسْتَفْهَمَ، كَمَا يَقُولُ قَائِلٌ أَينَ الماءُ والعُشْب.

وَفِي حَدِيثِ خُطْبَةِ الْعِيدِ: « قَالَ أَبو سَعِيدٍ وَقَلْتُ أَيْنَ الابتداءُ بِالصَّلَاةِ» أَي أَينَ تذْهَب، ثُمَّ قَالَ: الابْتِداءُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَين الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ أَي أَينَ يَذْهَبُ الإِبتداءُ بِالصَّلَاةِ، قَالَ: والأَول أَقوى.

وأَيّانَ: مَعْنَاهُ أَيُّ حينٍ، وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زمانٍ مِثْلَ مَتَى.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {أَيَّانَ مُرْساها}.

ابْنُ سِيدَهْ: أَيَّان بِمَعْنَى مَتى فَيَنْبَغِي أَن تَكُونَ شَرْطًا، قَالَ: وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَصحابنا فِي الظُّرُوفِ الْمَشْرُوطِ بِهَا نَحْوَ مَتى وأَينَ وأَيٌّ وحِينَ، هذا هُوَ الْوَجْهُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَكُنْ شَرْطًا صَحِيحًا كإِذا فِي غَالِبِ الأَمر؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ يَهْجُو امرأَة شبَّه حِرَها بفُوق السَّهْمِ:

نفاثِيّة أَيّانَ مَا شاءَ أَهلُها، ***رَوِي فُوقُها فِي الحُصِّ لَمْ يَتَغَيّب

وَحَكَى الزَّجَّاجُ فِيهِ إيَّانَ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.

وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: {وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}؛ أَي لَا يَعْلَمُونَ مَتَى البَعْث؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَ أَبو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمي إيّانَ يُبْعَثون، بِكَسْرِ الأَلف، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، يَقُولُونَ مَتَى إوانُ ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ أَوان.

قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا يَجُوزُ أَن تقولَ أَيّانَ فَعَلْتَ هَذَا.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}، لَا يَكُونُ إِلَّا اسْتِفْهَامًا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي لَمْ يَجِئْ.

والأَيْنُ: شجرٌ حِجَازِيٌّ، وَاحِدَتُهُ أَينةٌ؛ قَالَتِ الْخَنْسَاءُ:

تذَكَّرْتُ صَخْرًا، أَنْ تَغَنَّتْ حمامةٌ ***هَتُوفٌ عَلَى غُصنٍ مِنَ الأَيْنِ تَسْجَعُ

والأَواينُ: بَلَدٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الهُذليّ:

هَيْهاتَ ناسٌ مِنْ أُناسٍ ديارُهم ***دُفاقٌ، ودارُ الآخَرينَ الأَوايِنُ

قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ وَاوًا.

لسان العرب-ابن منظور الإفريقي-توفي: 711هـ/1311م


68-مختار الصحاح (أين)

(آنَ أَيْنُهُ) أَيْ حَانَ حِينُهُ وَ (آنَ) لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا مِنْ بَابِ بَاعَ، أَيْ حَانَ مِثْلُ أَنَى وَهُوَ مَقْلُوبٌ مِنْهُ.

وَأَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ:

أَلَمَّا يَئِنْ لِي أَنْ تُجَلَّى عَمَايَتِي *** وَأُقْصِرَ عَنْ لَيْلَى بَلَى قَدْ أَنَى لِيَا

فَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.

وَ (أَيْنَ) سُؤَالٌ عَنْ مَكَانٍ فَإِذَا قُلْتَ: أَيْنَ زَيْدٌ فَإِنَّمَا تَسْأَلُ عَنْ مَكَانِهِ.

وَ (أَيَّانَ) مَعْنَاهُ أَيُّ حِينٍ وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ زَمَانٍ مِثْلُ مَتَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف: 187] وَ (إِيَّانَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ لُغَةٌ وَبِهَا قَرَأَ السُّلَمِيُّ «إِيَّانَ يُبْعَثُونَ» وَ (الْآنَ) اسْمٌ لِلْوَقْتِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَرُبَّمَا فَتَحُوا اللَّامَ وَحَذَفُوا الْهَمْزَتَيْنِ فَقَالُوا (لَانَ) بِمَعْنَى الْآنَ.

مختار الصحاح-محمد بن أبي بكر الرازي-توفي: 666هـ/1268م


69-أساس البلاغة (بعث)

بعث

بعث الله الرسول إلى عباده، وابتعثه. ومحمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير مبعوث، ومبتعث. وفي حديث المبعث كذا. وبعثه من منامه، وبعثه على الأمر. وتواصوا بالخير وتباعثوا عليه. وبعثه لكذا فانبعث له. و «كره الله انبعاثهم فثبطهم» وفلان كسلان لا ينبعث. وبعث الشيء وبعثره: أثاره. قال:

فبعثها تقص الإكام

وفلان يكره الانبعاث، كأنما بعث ليوم بعاث وهو يوم بين الأوس والخزرج. ويوم البعث: يوم يبعثنا الله تعالى من القبور. ورجل بعث: لا يزال ينبعث من نومه. قال حميد بن ثور:

يهوي بأشعث قد وهى سرباله *** بعث تؤرقه الهموم فيسهر

وضرب البعث عليهم. وخرج في البعوث وهم الجنود يبعثون إلى الثغور.

أساس البلاغة-أبوالقاسم الزمخشري-توفي: 538هـ/1143م


70-مجمل اللغة (نفض)

نفض: نفضت الثوب نفضا، والنفيض: ما تساقط في أصول الشجر من الثمر.

والنفضة: قوم يبعثون في الأرض ينظرون هل بها عدو أو خوف، وكذلك النفيضة.

ويقولون: إن تكلمت ليلا فاخفض.

وإن تكلمت نهارا فانفض، أي: التفت، هل ترى من تكره.

وامرأة نفوض: نفضت بطنها عن ولدها.

والنافض من الحمى: ذات الرعدة.

وأنفض القوم: فني زادهم.

وتقول العرب النفاض يقطر الجلب.

والنفاض أيضا، يقول: إذا أنفضوا، أي: قل ما عندهم جلبوا

الإبل للبيع.

والنفاض: إزار من أزر الصبيان.

قال:

جارية بيضاء في يفرض

مجمل اللغة-أحمد بن فارس-توفي: 395هـ/1005م


71-صحاح العربية (نفض)

[نفض] نَفَضْتُ الثوبَ والشجر أنْفُضُهُ نَفْضًا، إذا حرَّكته ليَنْتَفِضَ.

ونَفَّضْتُهُ شدِّد للمبالغة.

والنَفَضُ، بالتحريك: ما تساقط من الورق والثمر، وهو فعل بمعنى مفعول، كالقبض بمعنى المقبوض.

والنفاض بالضم والنفاضة: ما سقط عن النفض.

والمنفض: المنسف.

ونفضت المرأة كَرِشَها فهي نَفوضٌ: كثيرةُ الولدِ.

ونَفَضَتِ الإبلُ أيضًا وأَنْفَضَتْ: نُتِجَتْ.

قال ذو الرمة: كلا كفأتيها تنفضان ولم يجد *** لها ثيل سقب في النتاجين لامس *** ويروى " تنفضان ".

والنافِضُ من الحمَّى: ذات الرعدة.

يقال: أخذته حُمَّى نافِضٌ.

ونَفَضَتْهُ الحمَّى فهو مَنْفوضٌ.

والنُفْضَةُ بالضم: النُفَضاءُ، وهي رِعْدةُ النافِضِ.

والنُفْضَةُ أيضًا: المطَرة تصيب القطعة من الأرض وتخطئ القطعة.

وأَنْفَضَ القومُ، أي هلكت أموالهم.

وأَنْفَضوا أيضًا، مثل أرملوا، إذا فَني زادهم والاسم النفاض بالضم.

ومنه قولهم: " النفاض يقطر الجلب " وكان ثعلب يفتحه ويقول: هو الجدب، أي إذا جاء الجدب جلبت الابل قطارا قطارا للبيع.

والنفاض بالكسر: إزار من أُزُر الصبيان.

يقال: ما عليه نفاض.

قال الراجز

*** جارية بيضاء في نفاض *** والنفضة بالتحريك: الجماعة يُبْعَثونَ في الأرض لينظروا هل فيها عدوٌّ أو خوفٌ.

وكذلك النفيضة نحو الطليقة.

قالت سلمى الجُهَنيّة تَرْثي أخاها أسعَدَ: يَرِد المياه حضيرَةً ونَفيضةً *** وِرْدَ القطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التُبَّعُ *** تعني إذا قَصُرَ الظلُّ نصفَ النهار.

والجمع النفائض.

قال أبو ذؤيب يصف المفاوز: بهن نعام بناه الرجا *** ل تلقى النفائض فيه السريحا *** هذا قول الاصمعي.

وهكذا رواه أيضا أبو عمرو بالفاء، إلا أنه قال في تفسيره: إنها الهزلى من الابل.

ورواه غيره بالقاف، جمع نقض، وهى التى جهدها السير.

وقد نفضت المكان نفضا، واسْتَنْفَضْتُهُ وتَنَفَّضْتُهُ، إذا نظرت جميع ما فيه.

قال زهير يصف البقرة: وتَنْفُضُ عنها غَيْبَ كُلِّ خميلةٍ *** وتخشى رُماة الغَوْثِ من كل مرصد

واستنفض القوم، أي بعثوا النَفيضَةَ.

ويقال: " إذا تكلَّمتَ ليلًا فاخفِضْ، وإذا تكلَّمتَ نهارًا فانْفُضْ "، أي التفتْ هل ترى من تكره.

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


72-صحاح العربية (أبن)

[أبن] الاين: الاعياء.

قال أبو زيد: لا يبنى منه فعل.

وقد خولف فيه.

والاين: الحية، مثل الأيْمِ.

وآنَ أَيْنُكَ، أي حان حَيْنك.

وآنَ لكَ أن تفعل كذا يئين أينا، عن أبى زيد، أي حانَ، مثل أنى لك، وهو مقلوب منه.

وأنشد ابن السكيت: أَلَمَّا يَئِنْ لي أَنْ تُجَلّى عَمايَتي وأُقْصِرُ عن لَيْلي بَلى قد أَنى لِيا فجمع بين اللغتين.

وأَيْنَ: سؤالٌ عن مكان.

إذا قلت أَيْنَ زيد فإنّما تسأل عن مكانه.

وأيان: معناه أي حين، وهو سؤال عن زمان، مثل متى.

قال الله تعالى: (أَيَّان مرساها).

وإيان، بكسر الهمزة: لغة سليم، حكاها الفراء.

وبه قرأ السلمى: (إيان يبعثون).

والآن: اسم للوقت الذى أنت فيه، وهو ظرف غير متمكن، وقع معرفة ولم تدخل عليه الالف واللام للتعريف، لانه ليس له ما يشركه.

وربما فتحوا منه اللام وحذفوا الهمزتين.

وأنشد الاخفش: وقد كنت تخفى حب سمراء حقبة.

فبح لان منها بالذى أنت بائح

صحاح العربية-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


73-منتخب الصحاح (نفض)

نَفَضْتُ الثوبَ والشجر أنْفُضُهُ نَفْضًا، إذا حرَّكته ليَنْتَفِضَ.

ونَفَّضْتُهُ شدِّد للمبالغة.

والنَفَضُ، بالتحريك: ما تساقطَ من الورق والثمر.

والنُفاضُ بالضم والنُفاضَةُ: ما سقطَ من النَفْضِ.

والمِنْفَضُ: المِنْسَفُ.

ونَفَضَتِ المرأةُ كَرِشَها فهي نَفوضٌ: كثيرةُ الولدِ.

ونَفَضَتِ الإبلُ أيضًا وأَنْفَضَتْ: نُتِجَتْ.

والنافِضُ من الحمَّى: ذات الرعدة.

يقال: أخذته حُمَّى نافِضٌ.

ونَفَضَتْهُ الحمَّى فهو مَنْفوضٌ.

والنُفْضَةُ بالضم: النُفَضاءُ، وهي رِعْدةُ النافِضِ.

والنُفْضَةُ أيضًا: المطَرة تصيب القطعة من الأرض وتخطئ القطعة.

وأَنْفَضَ القومُ، أي هلكت أموالهم.

وأَنْفَضوا أيضًا، مثل أرملوا، إذا فَني زادهم والاسمُ النُفاضُ.

والنِفاضُ بالكسر: إزارٌ من أُزُر الصبيان.

يقال: ما عليه نِفاضٌ.

والنَفَضَةُ بالتحريك: الجماعةُ يُبْعَثونَ في الأرض لينظروا هل فيها عدوٌّ أو خوفٌ.

وكذلك النَفيضةُ نحو الطليقة.

قالت سعدى الجُهَنية ترثي أخاها أسعد:

يَرِدُ المياهَ حَضيرةً ونَفيضَةً *** وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمَأَلَّ التُبَّعُ

تعني إذا قَصُرَ الظلُّ نصفَ النهار.

والجمع النَفائِضُ.

وقد نَفَضْتُ المكانَ نَفْضًا، واسْتَنْفَضْتُهُ وتَنَفَّضْتُهُ، إذا نظرت جميع ما فيه.

قال زهير يصف البقرة:

وتَنْفُضُ عنها غَيْبَ كُلِّ خميلةٍ *** وتخشى رُماة الغَوْثِ من كلِّ مَرْصَدِ

واسْتَنْفَضَ القومُ، أي بعثوا النَفيضَةَ.

ويقال: إذا تكلَّمتَ ليلًا فاخفِضْ، وإذا تكلَّمتَ نهارًا فانْفُضْ، أي التفتْ هل ترى من تكره.

منتخب الصحاح-أبونصر الجوهري-توفي: 393هـ/1003م


74-المحيط في اللغة (نفض)

النَّفْضُ: أنْ تَنْفُضَ التًرَابَ عن الشَّيْءِ؛ والشَّجَرَةَ حَتّى تَنْفُضَ ثَمَرَتَها.

والنَّفَضُ: ما تَسَاقَطَ من غَيْرِ نَفْضٍ في أُصُول الشَّجَرِ.

وقيل: هو العِنَبُ.

وأنْفَضْتُ جُلَّةَ التَّمْرِ: نَفَضْت ما فيها.

والمِنْفَضُ: ثَوْبٌ يُنْفَضُ فيه.

وثَوْبٌ نافِضٌ نَفَضَ صِبْغه نُفُوْضًا: أي ذَهَبَ.

ونُفُوْضُ الأرْضِ: نَبَائثُها التي تُلْقى على شَطِّ النهرِ.

والنُّفْضَةُ: المَطْرَةُ تُصِيْبُ القِطْعَةَ من الأرْضِ وُتخْطِئُ القِطْعَةَ، يُقالُ: أرْضٌ مُنَفَّضَةٌ تَنْفِيْضًا.

وحَلَبْتُ الناقَةَ حَتّى انْتَفَضْتُ لَبَنَها: أي لم أدَعْ في ضَرْعِها شَيْئًا.

والاسْتِنْفاضُ: اسْتخراجُ الشَّيْءِ.

والنَفَضَةُ: قَوْمٌ يُبْعَثُونَ في الأرْضِ هَلْ بها عَدُوُ أو خَوْفٌ.

واسْتَنْفَضَ القَوْمُ: بَعَثُوا النًفِيْضَةَ، من قَوْلِ الشاعِر:

يَرِدُ المِيَاهَ حَضِيْرَةً وَنَفِيْضَةً

والحَضِيْرَةُ: الجَماعَةُ، والنَّفِيْضَةُ: الواحِدُ.

والنُّفَاضُ: الفَقْرُ وخِفَةُ الزّادِ.

وفي الحَدِيث: (النُّفَاضُ يُقَطِّرُ الجَلَبَ) أي إذا خَفَّتْ أزْوَادُهم بالبادِيَةِ جَلَبُوا إبِلَهم.

وأنْفَضَ القَوْمُ: فَنِيَ زادُهم.

وقَوْلُه: تَرى كُفْأَتَيْهِ تُنْفِضَانِ أي تُذْهِبُ كُلَّ شَيْءٍ في بُطُونِها من أوْلادِها، من قَوْلهم: نَفَضَتِ النّاقَةُ بوَلَدِها: أي رَمَتْ به.

وأنْفَضَتِ الإبلُ: نُتِجَتْ كُلُّها.

ودَجاجَةٌ مُنْفِضٌ: كَفَّتْ عن البَيْض.

والنّافِضُ: الحُمّى، ورِعْدَتُها: نَفَضَانُها، وبه نافِضٌ.

وحُمّى نَفَضى - على وَكَرى -: ذاتُ نافِضَةٍ.

والنَّفْضُ: من قُضْبَانِ الكَرْمِ بَعْدَما يَنْضُر الوَرَقُ قَبْلَ أَنْ تَتَعَلَّقَ حَوَالِقُه، وقد انْتَفَضَ الكَرْمُ، الواحِدَةُ نَفْضَةٌ.

والنَّفَاضُ: من أُزُرِ الصبْيَانِ، يُقال: أتانا وما عليه نِفَاضٌ: أي شَيْءٌ من الثِّياب.

وهو - أيضًا -: بِسَاطُ الخَبَطِ - وهو وَرَقُ السَّمُرِ - يُبْسَطُ له ثَوْبٌ ثُمَّ يُخْبَطُ بالعَصا فَيَنْحَتَ عليه الوَرَق، فالثَّوْبُ نِفَاضٌ، وجَمْعُه نُفُضٌ.

وهو - أيضًا -: ما انْتَفَضَ من الوَرَقِ، وكذلك الأنافِيْضُ.

والنُفُوْضُ: البُرْءُ من المَرَض.

والنُفْاضُ: شَجَرَةٌ إذا أكَلَتْها الغَنَمُ ماتَتْ عنه، وفي الحديث: (كنُفّاضِ الغَنَمِ).

والمِنْفَاضُ من النِّسَاء: الكثيرةُ الضحِكِ.

والنِّفْضُ: خُرْءُ النَّحْلِ في العَسّالةِ.

وقيل: ما ماتَ من النَّحْلِ فيها.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


75-المحيط في اللغة (ءيا)

وإيّا: يُجْعَلُ مَكَانَ اسْمٍ مَنْصُوْبٍ؛ كقَوْلِكَ: ضَرَبْتُكَ، فالكافُ بمَنْزِلَةِ إيّاكَ.

ويكونُ (إيّاكَ) للتَّحْذِيْرِ؛ إيّاكَ وزَيْدًا، ويُرْفَعُ ويُكْسَرُ للتَّفْرِقَةِ.

ويقولونَ: أَيَا إيّاه أَقْبِلْ.

ويا إيّاكَ: بمَعْنى يا هذا ويا أنْتَ ويا عَبْدَ اللهِ؛ (يا) للنِّدَاء ثُمَّ قال: (إيّاكَ) أعْني: وأَدْعُو.

ومَرَرْتُ بكَ إيّاكَ: في مَعْنى الجَرِّ، وأَنَا كإيّاكَ.

وإيّا زَيْدٍ: مُضَافٌ.

وقَوْلُه عَزَّ وجَلَّ: {إيّاكَ نَعْبُدُ} أي نَتَعَمَّدُكَ بالعِبَادَةِ، وذلك أَنَّ {إيّا} اسْمٌ مَبْنِيٌّ من التَّأَيِّي على فَعَّلَ.

ويُقال: أَيّاكَ بفَتْحِ الهَمْزَةِ في الوَعِيْدِ.

وأَيَّانَ: بمَعْنى مَتى، والنُّوْنُ أصْلِيَّةٌ؛ ويُقال: زائدَةٌ، وتُقْرَأُ: (إيّانَ يُبْعَثُوْنَ) بالكَسْرِ؛ وإيّانَ: بمَعْنى أَيّ أَوَانٍ وحِيْنٍ يُبْعَثُوْنَ.

وكَأَيِّنْ: أصْلُ بِنَائها: عَلى أَيٍّ، وقيل: هو بوَزْنِ فاعِلٍ في مَعْنى كَمْ.

والآيَةُ: العَلاَمَةُ، وجَمْعُها آيٌ ثُمَّ آيَاءٌ.

والجَمَاعَةُ من النّاسِ، وخَرَجَ القَوْمُ بآيَتِهم.

والغَايَةُ.

والآيَاتُ من القُرْآنِ، والجَمِيْعُ الآيُ، وآيَةٌ مُؤَيّاةٌ وقد أُيِّيَتْ، وسُمِّيَتْ آيَةً لأنَّها عَلاَمَةٌ لانْقِطَاعِ الكلامِ، وقيل: لأنَّها عَجَبٌ، وإذا أَضَفْتَ إلى آيَةٍ قُلْتَ: آوِيٌّ وآيِيٌّ.

وآيَةُ الرَّجُلِ: شَخْصُه، يُقال: تَأَيَّيْتُ آيَتَه: أي تَعَمَّدْت شَخْصَه.

وآيُ الدّارِ: عَلاَمَاتُها.

والآءُ: الواحِدَةُ آءَةٌ شَجَرَةٌ لها حَمْلٌ تَأْكُلُه النَّعَامُ، وثَمَرَتُها الآءُ، وتَصْغِيْرُها أُوَيْأَةٌ بوَزْنِ عُوَيْعَةٍ.

وأَرْضٌ مَآءَةٌ على مَفْعَلَةٍ.

والتَّأَيِّيْ: التَّنَظُّرُ والتُّوْءَدَةُ، تَأَيَّا الرَّجُلُ يَتَأَيَّا، ولَيْسَتْ بِدَارِتَئِيَّةٍ: أي انْتِظَارٍ للمَقَامِ بها.

وتَآيَيْتُ بالمَدِّ: تَعَمَّدْت.

وتَآيَيْتُ القَوْمَ: لَحِقْتُهم وأدْرَكْتُهم وتَلاَقَيْتُهم.

وتَأَيَّيْتُ الأَثَرَ: الْتَمَسْته وتَعَرَّفْته.

وأَيَايَا: في الزَّجْرِ، أَيَّيْتُ بالإِبِلِ أُيَيِّيْ تَأْيِيَةً، وأَيّا يُأَيِّيْ تَأْيِيَةً.

والعَنْزُ إذا نُعِقَ بها يُقال: أُوَى أُوَى.

وفي التَّصْوِيْتِ بالإِبِلِ والحُدَاءِ: إيْ إيْ.

وفي الدُّعَاءِ للفَرَسِ الذَّكَرِ: آوِ.

وأَوَّيْتُ الخَيْلَ تَأْوِيَةً: إذا نادَيْتَها وهي مُتَنَحِّيَةٌ عن أُلاّفِها.

وإيَاءُ الشَّمْسِ: ضَوْءُها وشُعَاعُها، وكذلك إيَاتُها وأَيَاؤها؛ إذا كُسِرَ أوَّلُه مُدَّ وإذا فُتِحَ قُصِرَ.

والمَأْوِيَّةُ: بمَعْنى المِرْآةِ؛ من ذلك، وأصْلُها مائيَّةٌ، ومَنْ هَمَزَها فهي مَفْعُوْلَةٌ من أَوَيْتُ، ومَنْ لم يَهْمِزْها فهي فُعْلِيَّةٌ مَنْسُوْبَةٌ إلى المَاءِ لصَفَائِها، وبها سُمِّيَتِ المَرْأَةُ ماوِيَّةً.

ويُقال لكُفُرّى النَّخْلِ وهي الطَّلْعُ: مَأْوِيَّةٌ.

الوَأْيُ: ضَمَانُ العِدَةِ، وَأَيْتُ دِرْهَمًا، والآمِرُ: وَاءٍ، ووَأَيْتُ به وَأْيًا، وللاثْنَيْنِ والجَمِيْعِ: أُوْا وإيَا، وللأُنْثى: إيْ وإيَا وإيْنَ يا نِسْوَةُ.

والوَأْيُ: العَدَدُ من النّاسِ.

والتَّوَائي: الاجْتِمَاعُ والعُدَّةُ، تَوَاءى بَنُو فلانٍ.

والوَآةُ: المُقْتَدِرَةُ الخَلْقِ السَّرِيْعَةُ من الدَّوَابِّ والنَّجَائِبِ وغَيْرِها، والجَمِيْعُ الوَآيَاتُ.

وفَرَسٌ وَأيً؛ والأُنْثَى وَآةٌ: مُوَثَّقَةُ الخَلْقِ، وقيل: يُوْصَفُ به الخُفُّ ولا يُوْصَفُ به الظِّلْفُ.

وذَهَبَ وَأْيِيْ إلى كذا: أي وَهْمي.

وَيْ: كَلِمَةٌ تكونُ تَعَجُّبًا.

ويُكْنى بها عن الوَيْلِ، وَيْكَ إنَّكَ لا تَسْمَعُ وَعْظي.

و (وَيْ) ووَيْكَ: شِبْهُ تَهْدِيْدٍ.

وقيل: هو بمَعْنى وَيْبَ، يُقال: وَيْبَ زَيْدٍ ووَيْبَكَ.

وقَوْلُ عَنْتَرَةَ:

وَيْكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ

كقولِكَ: لا أبَاكَ ولا أَبَالَكَ.

وأمَّا (وَا) فإنَّها حَرْفُ نُدْبَةٍ؛ كقَوْلِهم: وافُلاَنَاه.

الوَاوُ: لَفْظُهُ مَدَّةٌ بَيْنَ الواوَيْنِ.

وكَلِمَةٌ مُأَوّاةٌ: مَبْنِيَّةٌ من بَنَاتِ الواو؛ ومُؤَيّاةٌ، وتَصْغِيْرُها من الوَاوِ: أُوَيَّةٌ؛ ومن الياء: أُيَيَّةٌ.

ويُقال أيضًا: كَلِمَةٌ مُوَيّاةٌ خَفِيْفَةٌ ومُيَوّاةٌ.

والوَئِيَّةُ: القِدْرُ الواسِعَةُ، وجَمْعُها وَئِيّاتٌ ووَآيَا.

وفي المَثَلِ: (كَفْتٌ إلى وَئِيَّةٍ) الكَفْتُ: القِدْرُ الصَّغِيْرَةُ: أي جَمْعٌ إلى عاقِلَةٍ.

وإنَاءٌ وَئِيٌّ: كَثِيْرُ الأَخْذِ.

وناقَةٌ وَئِيَّةٌ: ضَخْمَةُ البَطْنِ.

والوَئِيَّةُ: الدُّرَّةُ الثَّمِيْنَةُ الفاخِرَةُ.

ووَوَّى الكَلْبُ: نَبَحَ.

والوَأْوَأَةُ: اخْتِلاَطُ الأصْوَاتِ.

ويَقُوْلُوْنَ: وَيّاه بمَعْنى إيّاه.

اليُؤْيُؤُ: طائرٌ يُشْبِهُ الباشَقَ، والجَمِيْعُ اليَأْيَاءُ واليَآئيُّ.

وإذا قيل: هَلْ يَزُوْرُكم فلانٌ؟ قالوا: نَعَمْ يَا: أي نَعَمْ يَزُوْرُنا.

ويا اذْهَبْ: أي يا هذا اذْهَبْ.

وقَوْلُه عَزَّ اسْمُه: {أَلاَ يا سْجُدُوا للهِ} أي أَلاَ يا هؤلاَءِ اسْجُدُوا.

واليَاءُ: الحَرْفُ.

وقَصِيْدَةٌ يَاوِيَّةٌ: إذا كانَتْ على الياء؛ ويائيَّةٌ: كذلك، وقيل: مَيَوِيَّةٌ.

ويَيَّيْتُ ياءً حَسَنَةً.

المحيط في اللغة-الصاحب بن عباد-توفي: 385هـ/995م


76-تهذيب اللغة (طلع)

طلع: يقال: طلعَت الشمسُ تطلُع طُلُوعًا ومَطْلعًا فهي طالِعَة.

وكذلك طلع الفجر والنجم والقمر.

والمطلِع: الموضع الذي تطلع عليه الشمس وهو قوله تعالى: {حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ} [الكهف: 90].

وأمَّا قول الله جلّ وعزّ: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] فإن الكسائي قرأها {هي حتى مَطْلِعِ الفجر}

بكسر اللام.

وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو بكسر اللام.

وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر واليزيديّ عن أبي عمرو وعاصم وحمزة {هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} بفتح اللام.

وقال الفرّاء: أكثر القرّاء على {مَطْلَعِ}.

قال: وهو أقوى في قياس العربية؛ لأن المطلَع بالفتح هو الطلوع، والمطلِع بالكسر هو الموضع الذي يُطْلَع منه، إلا أن العرب تقول: طلعت الشمس مطلِعًا فيكسرون وهم يريدون المصدر.

وقال: إذا كان الحرف من باب فَعَلَ يَفْعُل ـ مثل دَخَلَ يدخُل وخَرَجَ وما أشبههما ـ آثرت العرب في الاسم منه والمصدر فتح العين إلا أحرفًا من الأسماء ألزموها كسر العين في مفعِل.

من ذلك المسجِد والمطلِع والمغرِب والمشرِق والمَسْقِط والمفرِق والمَجْزِرُ والمسكِنُ والمرفِقُ والمنسِك والمنبِتُ فجعلوا الكسر علامة للاسم، والفتح علامة للمصدر.

قلت أنا: والعرب تضع الأسماء مواضع المصادر، ولذلك قرأ من قرأ {هي حتى مَطْلِعِ الفجر} لأنه ذهب بالمطلِع ـ وإن كان اسمًا ـ إلى الطلوع مثل المطلَع.

وهذا قول الكسائي والفرّاء.

وقال بعض البصريين: من قرأ {مَطْلِعِ الفجر} بكسر اللام فهو اسم لوقت الطلوع.

قال ذلك الزجّاج.

وأحسبه قول الخليل أو قول سيبويه.

وقال الليث: يقال طلع فلان علينا من بعيد.

قال: وطَلْعته: رؤيته.

يقال حيّا الله طَلْعَتَك.

قال: واطَّلَعَ فلان إذا أشرف على شيء، وأطلع غيره.

وقول الله جلّ وعزّ: {قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55] القرّاء كلهم على هذه القراءة، إلا ما رواه حسين الجُعْفِيّ عن أبي عمرو أنه قرأ {هل أنتم مُطْلِعونِ} ساكنة الطاء مكسورة النون ـ فأُطلِعَ بضم الألف وكسر اللام على فأُفْعِلْ قلت: وكسر النون في {مُطْلِعُونِ} شاذ عند النحويّين أجمعين، ووجهه ضعيف.

ووجه الكلام على هذا المعنى: هل أنتم مُطْلِعيَ وهل أنتم مُطْلِعُوه بلا نون؛ كقولك: هل أنتم آمِروه وآمِريّ.

وأما قول الشاعر:

هم القائلون الخير والآمِرُونَهُ *** إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعظَمَا

فوجه الكلام: والآمرون به.

وهذا من شواذّ اللغات.

والقراءة الجيّدة الفصيحة {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات: 54، 55].

ومعناها: هل تحبون أن تتطلَّعوا فتَعْلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار فاطَّلع المسلم فرأى قَرِينَه {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} أي في وسط الجحيم.

وإن قرأ قارىء: {هل أنتم مُطْلِعونَ} بفتح النون فأطْلَع فهي جائزة في العربيّة، وهي بمعنى هل أنتم طَالِعُون ومطّلعُون.

يقال: طَلَعْتُ عليهم واطّلعت عليهم بمعنًى واحدٍ.

وقال ابن السكيت: يقال: نخلة مُطْلِعَة إذا طالت النخلةَ التي بحذائها فكانت أطول منها.

وقد أطْلَعْتُ من فوق الجبل واطّلَعْتُ بمعنًى واحد.

وقال أبو زيد: يقال أطْلَعَ النخلُ الطَّلْع إطْلَاعًا، وطَلَعَ الطَّلْع يَطْلُع طلوعًا، وطَلَعْتُ على أمرهم أطلُع طُلُوعًا، واطّلعتُ عليهم اطّلاعًا وطَلَعْتُ في الجبل أطلُعُ طلوعًا إذا أدبرت فيه حتى لا يراك

صاحبك وطلَعتُ على صاحبي طلوعًا إذا أقبلت عليه.

أبو عبيد في باب الحروف التي فيها اختلاف اللغات والمعاني: طلِعْت الجبل أطلَعُه، وطَلَعت على القوم أطْلُع.

قال: وقال أبو عبيدة فيهما جميعًا: طَلَعت أطْلُع وأقرأني الإيَاديّ عن شمر لأبي عبيد عن أبي زيد في باب الأضداد: طَلَعت على القوم أطْلُع طُلُوعًا إذا غِبت عنهم حتى لا يَرَوك، وطَلَعت عليهم إذا أقبلت إليهم حتى يروك.

قلت: وهكذا رَوَى الحرّاني عن ابن السكيت: طَلَعت عليهم إذا غِبْت عنهم، وهو صحيح جُعِل عَلَى فيه بمعنى عن كما قال الله جلَّ وعزّ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ} [المطففين: 1، 2] معناه إذا اكتالوا عن الناس ومن الناس، كذلك قال أهل اللغة أجمعون.

وأخبرني المنذري عن أبي الحسن الصَيْدَاوِيّ عن الرياشيّ عن الأصمعي قال: الطِّلْعُ: كل مطمئن من الأرض ذاتِ الربْوة إذا أطْلَعْتَه رأيت ما فيه.

ومن ثمّ يقال أطْلِعْنِي طِلْعَ أمرك.

ويقال: أطلَع الرجل إطلاعًا إذا قاء.

وقال الليث: طليعة القوم: الذين يبعثون ليطّلعوا طِلْع العدوّ.

ويسمّى الرجل الواحد طليعة والجميع طليعة والطلائع الجماعات.

قلت: وكذلك الرَبِيئة والشِّيفة والبَغِيَّة بمعنى الطليعة، كل لفظة منها تصلح للواحد والجماعة.

ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال عند موته: لو أنَّ لي ما في الأرض جميعًا لافتديت به من هَوْل المُطّلَع.

قال أبو عبيد قال الأصمعي: المُطَّلَع هو موضع الاطّلاع من إشرافٍ إلى الانحدار، فشبّه ما أشرف عليه من أمر الآخرة بذلك.

قال: وقد يكون المُطَّلَع المَصْعَد من أسفل إلى المكان المُشْرِف.

قال: وهذا من الأضداد.

ومنه حديث عبد الله بن مسعود في ذكر القرآن: «لكل حرف حَدّ ولكل حَدّ مُطَّلَع» معناه: لكل حَد مَصْعَدٌ يُصْعد إليه، يعني: من معرفة علمه.

ومنه قول جرير:

إني إذا مُضَرٌ عَلَي تحدَّبتْ *** لاقيتُ مُطَّلَعَ الجبال وُعُورا

ويقال: مُطَّلَعُ هذا الجبل من كذا وكذا أي مَصْعَده ومأتاه.

وقد رُوي في حديث عمر هذا أنه قال: لو أن لي طِلَاعَ الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المُطَّلَع.

قال أبوعبيد: وطِلَاع الأرض: مِلْؤها حتى يطالع أعلى الأرض فيساويه، ومنه قول أوس بن حَجَر يصف قوسًا وأن مَعْجِسها يملأ الكفّ فقال:

كَتُومٌ طِلَاع الكفّ لا دون مِلئها *** ولا عَجْسُهَا عن موضع الكفّ أفْضَلَا

وقال الليث: طِلَاع الأرض في قول عمر: ما طلعَتْ عليه الشمس من الأرض.

والقول ما قاله أبو عبيد.

وقال الليث: والطلاع هو الاطّلاع نفسه في قول حُمَيد بن ثور:

وكان طِلَاعًا من خَصاصٍ ورِقْبَةً *** بأعين أعداء وطَرْفًا مُقَسَّمَا

قلت: قوله: وكان طِلَاعًا أي مُطالعة يقال طالعته مطالعة وطِلَاعًا.

وهو أحسن من أن تجعله اطِّلَاعًا؛ لأنه القياس في العربية.

وقال الليث: يقال: إن نفسك لطُلَعَةٌ إلى هذا الأمر، وإنها لَتَطَّلِعُ إليه أي لِتُنَازِع إليه.

وامرأة طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر ساعة ثم تختبىء ساعة.

وقول الله جلّ وعزّ: {نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة: 6، 7] قال الفرّاء: يقول يبلغ ألَمُها الأفئدة.

قال والاطِّلَاع والبلوغ قد يكونان بمعنًى واحد.

والعرب تقول متى طَلَعْتَ أرضنا أي متى بلغْتَ أرضنا.

وقال غيره: {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} توفِي عليها فتحرقها، من اطّلعت إذا أشرفت.

قلت: وقول الفرّاء أحَبّ إليّ وإليه ذهب الزجّاج.

ويقال: طَلَعْتُ الجبل إذا عَلَوته أطْلُعُهُ طُلُوعًا وفلان طَلَّاع الثَنَايا وطَلَّاع أنْجُد إذا كان يعلو الأمور فيقهرها بمعرفته وتجاربه وجَوْدة رأيه والأنجد جمع النَجْد وهو الطريق في الجبل، وكذلك الثَنِيَّة.

ومن أمثال العرب: هذه يمين قد طَلَعَتْ في المخارم وهي اليمين التي تجعل لصاحبها مَخْرَجًا.

ومن هذا قول جرير:

ولا خير في مال عليه ألِيَّة *** ولا في يمين غيرِ ذات مخارِمِ

والمخارِم: الطرق في الجبال أيضًا، واحدها مَخْرِمٌ.

والطالِعُ من السهام: الذي يقع وراء الهَدَف، ويُعْدَلُ بالمُقَرْطِس.

وقال المرّار:

لها أسهمٌ لا قاصراتٌ عن الحَشَى

ولا شاخصاتٌ عن فؤادي طوالِعُ

أخبَر أن سهامها تصيب فؤاده وليست بالتي تَقْصُر دونه أو تجاوزه فتخطئه.

وقال ابن الأعرابي: رُوي عن بعض الملوك أنه كان يسجد للطالع معناه: أنه كان يخفض رأسه إذا شخص سَهْمُه فارتفع عن الرَمِيَّة، فكان يطأطىء رأسه ليتقوّم السهمُ فيصيب الدارة.

ويقال اطَّلَعْتُ الفجرَ اطّلاعًا أي نظرت إليه حين طلع.

وقال:

نسيمُ الصَبَا من حيث يُطّلَعُ الفجرُ

وحكى أبو زيد: عافى الله رَجُلًا لم يتطّلع في فيك، أي لم يتعقب كلامك.

ويقال: فلان بِطِلْعِ الوادي، وفلان طِلْعَ الوادي، بغير الباء.

قال: واستطلَعْتُ رأي فلان إذا نظرت ما رأيه.

وطَلَعَ الزرع إذا بدا يَطلع إذا ظهر نباته.

وأطْلَعَتِ النخلةُ إذا أخرجت طَلْعَهَا.

وطَلْعُهَا: كُفُرَّاها قبل أن تنشقّ عن الغَرِيض.

والغَريض يسمّى طَلْعًا أيضًا.

وحكى ابن الأعرابي عن المفضّل الضّبيّ أنه قال: ثلاثة تؤكل ولا تُسَمِّن، فذكر الجُمَّار والطَّلْع والكَمْأة، أراد بالطَّلْع: الغَرِيض الذي ينشَقّ عنه كافوره، وهو أول ما يُرَى من عِذْق النخلة.

الواحدة: طَلْعَة.

وقال ابن الأعرابي: الطَّوْلَعُ الطُّلَعَاء وهو القيء.

عمرو عن أبيه: من أسماء الحيّة الطِّلْع والطِلّ.

وأخبرني بعض مشايخ أهل الأدب عن بعضهم أنه قال: يقال أطْلَعْت إليه معروفًا مثل أزْلَلْتُ.

وقال شمر: يقال ما لهذا الأمر مُطَّلَعٌ ولا

مَطْلَع أي ما له وجه ولا مَأْتًى يُؤْتَى منه.

ويقال مَطْلَع هذا الجبل من مكان كذا أي مَصْعَدة ومأتاه.

وأنشد أبو زيد:

ما سُدَّ من مَطْلَع ضاقت ثنِيّته *** إلّا وَجَدتُ سواء الضِّيق مُطَّلَعا

ويقال أطلعَني فلان وأرهقني وأذْلقني وأقحمني أي أعجلني.

وطُوَيْلع: رَكِيّة عادِيّة بناحية الشواجن عَذْبة الماء قريبة الرِشاء وطَلَّعْتُ كيله أي ملأته جِدًّا حتى تَطَلَّع أي فاض قال:

كنت أراها وهي توقى محلبًا *** حتى إذا ما كيلها تَطَلَّعَا

وقَدَح طِلاع: ممتلىء.

وعين طِلَاعة: ممتلئة.

قال:

أمَرُّوا أمرهم لِنَوًى شَطُونٍ *** فنفسي من ورائهم شَعَاعُ

وعيني يوم بانوا واستمرُّوا *** لنِيَّتهم وما رَبَعُوا طِلَاعُ

وطَلَعْتُ الجَبَل: علوته.

وأطْلَعْتُ منه: انحدرت نحو فَرَعتُ الجبل عَلوته وأفرعتُ انحدرتُ ومَرَّ مُطَّلِعًا لذلك الأمر أي غالبًا له ومالكًا.

وهو على مَطْلع الأكمة أي ظاهر بَيِّنٌ.

وهذا مَثَل يضرب للشيء في التقريب.

يقال: الشرّ يُلقَى مَطَالِع الأكم، أي ظاهر بارز.

قال ابن هَرْمة:

صادتك يوم المَلَا من مَصْغَرٍ عَرَضًا *** وقد تُلَاقِي المنايا مَطلِعَ الأكمِ

وطَلْعُ الشمس: طُلُوعُهَا.

قال:

باكر عَوفًا قبل طَلْعِ الشمس

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


77-تهذيب اللغة (بعث)

بعث: قال الليث: بَعَث البعير فانبعث إذا حللت عِقَاله وأرسلته لو كان باركًا فأثرته.

قال: بعثته من نومه فانبعث.

قال والبَعْث: بَعْث الجُنْد إلى العَدُوّ.

قال والبَعْث يكون نَعْتًا للقوم يُبْعثون إلى وجه من الوجوه؛ مثل السفَر والرَكْب.

بَعيث: اسم رجل.

قلت: هو شاعر معروف من بني تميم؛ وبَعيث لقب له، وإنما بعَّثَه قولُه:

تبعَّث مني ما تبعَّث بعد ما استمرْ

قلت: وبُعاث ـ بالعين ـ: يوم من أيام الأوس والخزرج معروف ذكره الواقدي ومحمد بن إسحاق في «كتابيهما».

وذكر ابن المظفّر هذا في كتاب «الغين» فجعله يوم بُغَاث فصحّفه.

وما كان الخليل رَحِمَه الله يخفي عليه يومُ بعاث؛ لأنه من مشاهير أيَّام العرب، وإنما صحَّفه الليث وعزاه إلى خليل نفسِه، وهو لسانه.

والله أعلم.

وقال الله جلّ وعزّ: {قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} [يس: 52] هذا وقف التَمَام وهو قول المشركين يوم النُشُور وقوله جلّ وعزّ: {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] قول المؤمنين و {هذا} رفع بالابتداء والخبر {ما وَعَدَ الرَّحْمنُ} وقرىء {يا ويلنا مِن بَعْثِنا من مرقدنا} أي مِن بَعْث الله إيانا من مرقدنا.

والبعث في كلام العرب على وجهين أحدهما الإرسال؛ كقول الله تعالى: {ثُمَ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى} [الأعراف: 103] معناه: أرسلنا.

والبَعْث: إثارة بارِكٍ أو قاعد.

تقول بعثت البعير فانبعث أي أثرته فثار.

والبَعْث أيضًا: الإحياء من الله للموتى.

ومنه قوله جلّ وعزّ: {ثُمَ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [البَقَرَة: 56] أي

أحييناكم.

وفي حديث حذيفة: «إن للفتنة بَعْثات ووَقَفات فمن استطاع أن يموت في وَقفاتها فليفعل».

وقال شمر في قوله: «بعثات» أي إثارات وهَيْجات.

قال: وكلّ شيء أثرتَه فقد بعثتَه.

وبعثت النائم إذا أهْبَبتَه.

قال: والبَعْث: القوم المبعوثون المُشْخصون.

ويُقَال: هم البَعْث بسكون العين.

وفي «النوادر»: يقال: ابْتَعَثْنا الشام عَيْرًا إذا أرسلوا إليها رِكَابًا للميرة.

وباعِيثاء: موضع معروف.

الأصمعيّ: رجل بَعِث: لا يكاد ينام، وناقة بَعِثة: لا تكاد تَبْرُك.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


78-تهذيب اللغة (خرج)

خرج: قال الله جلّ وعزّ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72]، وقرئ {أم تسألهم خراجًا}.

قال الفَرَّاء: معناه: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتَ به؟ فأَجْرُ ربِّك وثوابُه خيرٌ.

ونَحْوه قالَ الزّجّاجُ.

وقال الأخْفَشُ: يقال للماء الذي يخرج من السحاب: خَرْجٌ، وخُرُوجٌ، وأنشد:

إذَا هَمَّ بالإقْلَاعِ هَبَّتْ لَهُ الصَّبَا *** فَأَعْقَبَ غَيْمٌ بَعْدَهُ وخُرُوجُ

قال: والْخَرْجُ: أن يُؤدِّي إليك الْعَبْدُ خَرَاجَهُ أي: غَلَّتَهُ، والرَّعِيَّةُ تؤدِّي الْخَرْجَ إلى الْوُلَاةِ.

وقال الليثُ: الْخَرْجُ والْخَرَاجُ واحِدٌ وهو شيء يُخْرِجُه القومُ في السَّنَة من مالهم بِقَدْرٍ معلوم.

ورُوِيَ عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وسلم أَنَّهُ قال: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ».

وقال أبو عُبَيْد وغيرُه من أهل العلم: معنى الْخَراج، في هَذا الحديث غَلَّةُ العَبْدِ يَشْتريه الرَّجل فيستغِلُّه زمانًا، ثم يَعْثر منه عَلَى عَيْب دلَّسَه البائع ولم يُطلِعه عليه، فله ردُّ العبد على البائع، والرُّجُوعُ عليه بجميع الثمن والْغَلّة التي استغلها المشتري من العبد طَيِّبَةٌ له، لأنَّه كان في ضَمَانِه، ولو هَلَكَ هَلَكَ من ماله.

وهذا مَعْنَى قول شُرَيحٍ لرجُلين احتكما إليه في مثل هذا فقال للمشتري: «رُدَّ ذَا الدَّاءِ بِدَائِهِ، ولك الْغَلّة بالضمان»، معناه: رُدّ ذَا الْعَيْبِ بعيبه، وما حصل في يدك من غَلَّته فهو لك.

وأما الْخَراجُ الذي وظَّفَهُ عمرُ بنُ الخطّاب على السَّواد وأرض الفَيْء فإن معناه الغَلَّةُ أيضًا، لأنهُ أَمَرَ بمساحةِ السَّوادِ ودَفْعها إلى الفَلَّاحين الذين كانوا فيه على غَلَّة يؤدُّونها كلَّ سنةٍ، ولذلك سمّي خَرَاجًا، ثم قيل بعد ذلك للبلاد التي فُتحتْ صلحًا ووُظِّفَ ما صولِحوا عليه على أرضهم: خَرَاجِيَّةٌ، لأن تلك الوظيفة أشبهتِ الخَرَاجَ الذي أُلْزِمَ الفَلَّاحون وهو الغَلَّةُ.

لأن جملة معنى الخَرَاجِ: الغَلَّة.

ويقال: خَارَجَ فلانٌ غلامَه إذا اتفقا على ضريبة يرُدُّها العبد على سيِّدهِ كلَّ شهر ويكون مُخَلَّى بينه وبين عَملهِ، فيقال: عبدٌ مُخَارَجٌ، وقيل للجزيةِ التي ضُربتْ على رقاب أهل الذِّمة: خَرَاجٌ لأنه كالغلَّةِ الواجبة عليهم.

وقال أبو عبيدةَ في قول الله جلّ وعزّ: {ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق: 42].

قال: الخُرُوجُ: اسمٌ من أسماء يومِ القِيَامةِ.

وقال العجاجُ:

أَلَيْسَ يومٌ سُمِّيَ الخُرُوجَا *** أَعْظَمَ يومٍ رَجَّةً رَجُوجًا

وقال أبو إسحاق في قوله جلّ وعزّ: (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) أي: يَوْم يُبْعَثُونَ فَيَخْرُجُون من الأرض.

ومثلُهُ قوله تعالى: {خُشَّعًا أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ} [القمر: 7].

أبو عبيد عن الأصمعيِّ: يقال: أَوَّلُ ما يَنشأُ السحابُ فهو نَشْءٌ.

ويقال: قد خَرَجَ له خُروجٌ حسنٌ.

وقال غيرُه: خرجَتِ السماءُ خُروجًا: إذا أَصْحَت بعد إغامتها.

وقال هِمْيانُ يصفُ الإبِلَ وورُودَها:

فَصَبَّحَتْ جَابِيَةً صُهارِجَا *** تَحْسَبُها لَوْنَ السَّماءِ خَارِجا

يريد: مُصْحِيًا، والخُروجُ نقيض الدخول.

وقال الليث: الخُرُوجُ: خروجُ الأديب والسابق ونحوِ ذلك، يُخَرَّجُ فَيَخْرُجُ، وخرَجَتْ خوارِجُ فلان إذا ظهرت نجابتُه وتوجَّه لإبرام الأمور وإحكامها، وعَقَلَ عَقْلَ مِثلِهِ بعد صِباه.

أبو عُبيدٍ: الخَارِجِيُ: الذي يَخْرُجُ ويَشْرُف بنفسه، من غير أن يكون له قديمٌ وأنشد:

أَبَا مَرْوَانَ لَسْتَ بِخَارِجِيٍ *** وَلَيسَ قَدِيمُ مَجْدِكَ بانْتِحالِ

والخَوارِجُ: قَوْمٌ من أهلِ الأهواء، لهم مَقالةٌ على حِدَةٍ.

وقال الليثُ: الخارِجيَّة من الخَيلِ: التي ليس لها عِرْق في الجَودة، فَتَخْرُجَ سَوابقَ.

أبو عبيد: قال الخليلُ بن أحمدَ: الخُرُوجُ: الأَلِفُ التي بعد الصِّلة في القافية كقول لَبيدٍ:

عَفتِ الدِّيَارُ مَحَلُّها فمقامُها

فالقافية هي الميم، والهاء بعد الميم هي الصِّلَة لأنها اتصَلتْ بالقافية، والألفُ التي بعدَها هي الْخُرُوجُ.

وقال أبو عبَيدةَ: منْ صفاتِ الخيْل:

الخَرُوجُ بفتح الخاء وكذلك الأنثى بغير هاءٍ، والجميعُ: الخُرُجُ، وهو الذي يطول عُنُقه فيغتالُ بطولها كلَّ عِنَانٍ جُعِلَ في لِجَامه، وأنشد:

كلُّ قَباءَ كالْهِرَاوَةِ عَجْلَى *** وخَرُوجٍ تَغتالُ كُلّ عِنانِ

والخُرْجُ: هذا الوِعاء ثلاثةُ خِرَجَة وهو جُوالِقٌ ذو أَوْنينِ.

وفي حديث قصة ثمود: أنّ الناقةَ التي أرسلها الله جلّ وعزّ: آيةً لَقومِ صالحٍ وهم ثمودُ كانت مُخْتَرَجَةً.

قال: وَمعْنى المخترجَةِ أنها جُبلتْ على خِلقةِ الجملِ، وهي أكبرُ منه وأَعظمُ.

والسحابةُ تُخَرِّجُ السحابةَ كما يُخَرِّج الليل الظُّلَم.

وقال شمِرٌ: يقال: مررْتُ على أرض مُخَرَّجةٍ، وفيها على ذلك أَرْتَاعٌ، والأرتاعُ: أماكنُ أصابها مطر فأنبتت البَقْل، وأماكن لم يصبها مَطرٌ، فتلك المخرَّجةُ.

وقال بعضهُم: تخريجُ الأرضِ: أن يكونَ نَبتُها في مكانٍ دونَ مكان، فترى بياضَ الأرضِ في خُضرة النَّباتِ.

وشاةٌ خَرجاءُ: بيضاءُ المؤخرِ، نصفها أبيضُ والنصفُ الآخرُ لا يَضرُّكَ عَلَى ما كان لونُه.

ويقال: الأخرَجُ: أسوَدُ في بَياض والسَّوادُ: الغالبُ.

ابن هانىءٍ عن زيد بن كَثْوَة: يقال: فُلَانٌ خَرَّاجٌ وَلَّاجٌ، يقال ذلك عند تأكيد الظَّرْفِ والاحتيال.

أبو عبيد عن أبي عمرو الأخرَجُ: مِنْ نَعْتِ الظَّلِيمِ في لَوْنه.

وقال الليث: هو الَّذي لَوْنُ سَوَاده أكثَرُ من لَوْنِ بيَاضِه كلَوْنِ الرَّمادِ.

والأَخْرِجُ: المُكَّاءُ، والأَخْرَجُ من المِعْزَى: الذي نِصْفُه أَسوَد ونِصْفُه أبْيضُ، وقَارَةٌ خَرْجَاءُ إذا كانت ذاتَ لَوْنَيْن.

ولِلْعرب بئرٌ احْتُفِرت في أصل جَبَلٍ أخْرَج، يسمُّونها أَخْرَجَةَ، وبئرٌ أُخْرَى احْتُفِرَتْ في أصل جبلٍ أسوَدَ، يُسَمُّونها أسْوَدَةَ اشتقُّوا لهما اسْمَيْنِ مِن نعْتِ الجَبلَيْن.

ويقال: اخترَجوهُ بِمعنى استخرَجوهُ، وَالخُرَاجُ: ورمٌ وقَرْح يخْرُجُ بدابَّة أو غيرها من الحيوان.

قال: والخَرَاجُ والخَرِيجُ: مُخارَجةُ لُعبةٍ لفتيانِ الأعراب.

وقال الفَرَّاءُ: خرَاجِ: اسمُ لُعبةٍ لهم معروفةٍ وهو أن يُمسكَ أحدُهم شيئًا بيدِه، ويقولَ لسائرِهم: أَخْرِجُوا مَا في يَدِي.

وقال ابن السكِّيت: يقال: لَعِبَ الصبيان خَرَاجِ بكسر الجيم بمنزلة دَرَاكِ وقَطَامِ.

وقولُ أَبي ذؤَيبٍ:

أَرِقْتُ له ذَاتَ العِشَاءِ كَأَنَّهُ *** مَخَارِيقُ يُدْعَى تَحْتَهُنَ خُرُوجُ

قيل: «خُرُوجُ»: لُعْبةٌ لِصْبيَانِ الأعراب، يُمْسِك أحدُهم الشيءَ بيَدِهِ ويقولُ لسائرهم: أخْرِجُوا ما في يَدِي.

قال الأزهري: والعربُ عَرَفته في هذه اللغة خَرَاجٌ هكذا.

وقال الفرّاء وغيرُه: أَخرجَةُ: اسمُ ماءَةٍ، وكذلك أسْوَدةُ سُمِّيتا بجَبلَين يُقالُ لأحدهما: أَسودُ، وللآخَرِ: أَخرَجُ.

وقال الليثُ: يُقال: خرَّجَ الغلامُ لَوْحهُ تخريجًا إذا كتبه فتركَ فيه مواضعَ لم يكتبها، والكتاب إذا كُتِبَ فتُرِكَ منه مَواضعُ لم تُكْتبْ فهو مُخَرَّجٌ، وخرَّجَ فلانٌ عملهَ إذا جعله ضُرُوبًا يخالفُ بعضُه بعضًا، وعَامٌ فيه تَخرِيجٌ: إذا أنبتَ بعضُ المواضع، ولم يُنبت بعضٌ.

وأمَّا قولُ زُهير يصف خيلًا:

وَخَرَّجَها صَوَارِخَ كلَّ يَوْمٍ *** فَقَدْ جَعَلتْ عَرَائكُهَا تَلِينُ

فمعناه: أَنَّ منها ما به طِرْقٌ، ومنها ما لَا طِرْقَ به.

وقال ابن الأعرابي: معنى خَرَّجها أي: أدَّبها، كما يُخرِّجُ المعلِّمُ تلميذَه.

ورجلٌ خَرَّاجٌ ولّاجٌ: إذا لم يَشْرَعْ في أمرٍ لا يسْهلُ له الخرُوجُ منه إذا أراد ذلك.

وفي حديث ابن عبَّاسٍ أَنَّه قال: «يَتَخَارجُ الشَّرِيكانِ وأهلُ الميراثِ».

قال أبو عُبيدٍ: يقولُ: إذا كان المتاع بين وَرَثةٍ لم يقتسموه، أو بين شُركاءَ، وهو في يدِ بعضِهم دونَ بعضٍ، فلا بأسَ أنْ يتبايعوه، وإن لم يَعرِفْ كلُّ واحدٍ منهم نصيبَه بعينه، ولم يقبضْه.

قال: ولو أراد رجلٌ أجنبيٌّ أن يشتريَ نصيبَ بعضهم لم يجُزْ حتى يقبِضَه البائعُ قبلَ ذلك.

قلتُ: وقد جاء هذا عن ابن عبَّاسٍ مُفسَّرًا على غير ما ذكره أبو عُبيدٍ، حدَّثنَاه محمدُ بن إسحاق عن أبي زُرْعَة عن إبراهيمَ بن موسى عن الوَليدِ عن ابن جُرَيْجٍ عن عَطاءٍ عن ابن عباس: قال: «لا بأسَ أن يَتَخَارجَ القومُ في الشركة تكونُ بينهم، فيأخذَ هذا عَشْرَةَ دنانيرَ نقْدًا، ويأخذُ هذا عَشْرَةَ دنانيرَ ديْنًا».

ورواه الثَّوْرِيُّ عن ابن الزُّبَيْر عن ابن عبَّاسٍ في الشريكين: لا بأسَ أنْ يَتَخارَجَا.

قال: يَعْنِي العَيْنَ والدَّيْنَ.

وفرَسٌ أَخْرَجُ: وهو الأبيض البَطْنِ والجنبَيْن إلى منتَهى الظهر، ولم يَصْعَدْ إليه ولونُ سائره: ما كان.

وخرْجَاءُ: اسمُ رَكِيَّةٍ بِعَينها.

وخرْجٌ: اسمُ موضعٍ بعينه.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي قال: الْخرْجُ على الرُّؤوسِ.

والْخَرَاجُ على الأرَضِينَ.

قال: وأخرَجَ الرجلُ إذا تزوَّجَ بِخِلَاسِيَّةٍ، وَأَخْرَجَ إذا اصطاد الخُرْجَ وهي النَّعامُ الذكَرُ أَخرَجُ، والأنثى خرْجَاء، وأَخرَجَ: مَرَّ به عامٌ نصفُه خصْبٌ ونصفه جَدْبٌ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


79-تهذيب اللغة (برزخ)

برزخ: وقال الفرَّاءُ ـ في قول الله جلّ وعزّ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ} [الرحمن: 19، 20]: ـ أيْ: حَاجِزٌ خَفِيّ.

وقال في قوله عزّ وعزّ: {وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100].

قال الفراءُ: «الْبَرْزَخُ»: من يوم يَموتُ إلى يوم يُبْعَثُ.

وقولُه جلّ وعزّ: {وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخًا} [الفُرقان: 53] ـ أي: حَاجزًا.

قال: و «الْبَرْزَخُ» و «الْحَاجِزُ» و «المُهْلَةُ»: مُتقارباتٌ في المعنى، وذلك أَنَّكَ تقولُ: بينَهُمَا حَاجِزٌ.

.

أَنْ يَتَزَاوَارَا.

فَتنْوِي ب «الحاجزِ» المسَافةَ البعيدةَ وَتَنْوِي الأمرَ المانعَ.

.

مثلُ اليمينِ والعداوَةِ.

فصار المانعُ في المسافة، كالمانعِ في الحوادث فوقع عليهما «الْبَرْزخُ».

وفي حديث عليِّ ـ كرَّمَ الله وجْهَهُ ـ: «أَنَّهُ صَلَّى بِقَوْمٍ فَأَسْوَى بَرْزَخًا».

قال أبو عبيدٍ: قال الكِسائيُّ: «أَسْوَى»: أَغْفَلَ وأَسْقطَ.

قال: و «الْبَرْزَخُ»: ما بَينَ كلِّ شَيئينِ.

ومنه قيل لِلْمَيِّتِ: هو في «الْبَرْزَخِ»، لأنه بين الدنيا والآخِرَةِ.

فأراد بِ «الْبَرْزَخِ»: ما بين الموضع الذِي أَسْقَطَ عَلِيٌّ كرَّمَ الله وجْهه منه ذلك الحرْفَ إلى الموضع الذي كان انتهى إليه من الْقُرْآنِ.

وقال أبو عبيد: بَرَازخُ الإيمان: ما بين أَوَّلِه وآخِره.

وقيل: ما بين الشَّكِ والْيَقِينِ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


80-تهذيب اللغة (درك)

درك: (شمر): الدَّرْكُ: أسفل كل شيء ذي عمق كالرَّكيَّة ونحوها.

قال: وقال أبو عدنان، يقال: أدْرَكوا ماء الرّكيَّة إِدراكًا ودَرَكًا، ودَرَكُ الرّكيَّة: قعرُها الذي أُدرِكَ فيه الماء.

وقال الليث: الدَّرَكُ: أقصى قَعْرِ الشيء كالبحر ونحوه، والدّرَكُ: واحدٌ من أدراكِ جهنم من السبع، والدَّرْكُ: لغة في الدَّرَكِ.

{سلمة عن الفراء} في قول الله جلّ وعزّ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] يقال: أسفل درَجِ النار.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الدَّرَكُ: الطبقُ من أطباق جهنم.

ورُوِي عن ابن مسعود أنه قال: الدَّرَكُ الأسفل: توابيت من حديد تُصَفَّدُ عليهم في أسفل النار.

وقال الفراء: الدَّرَكُ، والدَّرْكُ: لغتان، وجمعُه: أدْراكَ.

وسمعت بعض العرب يقول للحبلِ الذي يعلَّقُ في حلْقةِ الَّتصديرِ فيشدُّ به القَتَبُ: الدَّرَكَ والتَّبْلِغَةَ.

ويقال للحبلِ الذي يُشَدُّ به العَرَاقِي ثمَّ يشدُّ الرِّشاءُ فيه، وهو مَتْنِيٌّ: الدَّرَكُ.

وقال أبو عبيد قال الأصمعيّ: الدَّرَكُ: حبلٌ يُوَثِّقُ في طرفِ الحبلِ الكبير ليكونَ هو الذي يلي الماءَ فلا يَعْفَنُ طرفُ الرِّشاءِ.

(قلتُ): ودَرَكُ رِشاءِ السانيةِ: الذي يُشَدُّ في قَتَبِ السَّانِيَةِ ثم يشدُّ إليه طرفُ الرِّشاءِ ويَمُدُّهُ بَعِيرُ السانية.

وقال الليث: الدَّرَكُ: إِدراكُ الحاجةِ ومطلبِهِ، يقال: بَكِّرْ ففيه دَرَكٌ.

قال: والدَّرَكُ: اللَّحَقُ من التَّبِعَةِ.

ومنه ضمانُ الدَّرَكِ في عُهدةِ البيع.

قال: والدَّرَكَةُ حَلْقَةُ الوترِ التي تقعُ في الفُرْضَةِ.

وقول الله جلّ وعزّ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [النمل: 65، 66] قرأ شيبةُ ونافعٌ (بَلِ ادَّارَكَ) وقرأ أبو عمرو، وهي قراءةُ مجاهدٍ، وأبي جعفر المدني «بَلْ أدْرَكَ».

ورُوِيَ عن ابن عباس أنه قرأ {بلى أأدرك علمهم} يستفهمُ ولا يشدِّدُ، فأما قراءةُ من قرأ «بَلِ ادَّارَكَ» فإِن الفرّاء قال معناه: لُغةً تداركَ أي تتابعَ علمهم في الآخرة يُريد بعلم الآخرة: تكونُ أو لا تكونُ، ولذلك قال: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} [النمل: 66].

قال وهي في قراءة أُبيٍّ «أمْ تَدَارَكَ».

والعرب تجعل بلْ مكان أمْ، وأمْ مكان بل إذا كان في أوَّلِ الكلمةِ استفهام مثل قول الشاعر:

فو اللهِ ما أدري أسَلْمَى تَغَوَّلَتْ *** أمِ النّوْمُ أَمْ كلٌّ إليَّ حبيبُ

معنى أَمْ بَلْ.

وقال أبو معاذ النحويُّ من قرأ «بَلْ أَدْرَكَ» ومن قرأ «بَلِ ادَّارَكَ» فمعناهما واحد، يقول: هم علماءُ في الآخرة كقول الله جلّ وعزّ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا} [مريم: 38].

ونحو ذلك.

قال السُّدِّي في تفسيره قال اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكّوا ولم يختلفوا.

ورَوَى ابن الفرجِ عن أبي سعيدٍ الضَّرِيرِ أنه قال أما أنا فأقرأ «بلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ في الآخرةِ»، ومعناه عنده أنهم علموا في الآخرة أن الذي كانوا يوعدونَ حقٌّ.

وأنشد الأخطل:

وأَدْرك عِلمي في سُوَاءَةَ أنها *** تُقيمُ على الأوْتار والمَشْربِ الكَدْرِ

أي: أحاط علمي أنها كذلك.

قال: والقولُ في تفسير أَدْرَكَ وادَّارَكَ، ومعنى الآية ما قاله السُّدِّي، وذهب إليه أبو معاذ النحويُّ وأبو سعيد الضريرُ، والذي ذهب إليه الفرَّاء في معنى تدارك أي تتابع علمهم بالحَدْسِ والظّنِّ في الآخرةِ أنها تكون أو لا تكونُ ليس بالبَيِّن، إنما معناه أن عِلمهم في الآخرةِ تواطأَ وحَقَّ حين حقّتِ القيامة وحُشِرُوا وبان لهم صدقُ ما وُعِدُوا به حين لا ينفعهم ذلك العلم ثم قال جلّ وعزّ: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) من أمر الآخرة (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) أي جاهلون.

والشّكُّ في أمر الآخرة: كفرٌ.

وقال شمر في قوله: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ في الآخرةِ) هذه الكلمةُ فيها أشياءُ، وذلك أنّا وجَدْنا الفعل اللازم والمتعدِّي فيها في أفعل وتفاعَل وافتعل واحدًا، وذلك أنك تقول: أَدْرَكَ الشيءُ وأدركته، وتداركَ القومُ وادّارَكُوا وادّرَكُوا إِذا أدْرَكَ بعضهم بعضًا.

ويقال: تداركته وادّارَكْتُهُ وادّرَكْتُهُ.

وأنشد:

.

.

.

مَجُّ النّدَى المُتَدَارِكِ

فهذا لازم.

وقال زهير:

تداركْتُما عبْسًا وذُبْيَانَ بعدما *** تفانَوْا ودَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمِ

وهذا واقعٌ.

وقال الطِّرِمّاح: فلمّا ادّرَكْنَاهُنّ أَبْدَيْنِ للهوى وهذا مُتَعَدٍّ.

وقال الله في اللازم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ} [النمل: 66].

وقال شمر: سمعت عبد الصمد يحدِّثُ عن الثّوْرِيِّ في قوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [النمل: 65].

وقال مجاهدٌ: أمْ تواطأَ علمهم في الآخرة.

(قلتُ): وهذا يُوَاطِئُ قول السُّدِّيِّ لأنّ معنى تَواطأَ: تَحقَّق وتتابع بالحق حين لا ينفعهم، لا على أَنه تواطأ بالحَدْسِ، كما توهمه الفرّاء والله أعلم.

قال شمر: ورُويِ لنا حرفٌ عن ابن المُظَفَّرِ، ولم أسمعه لغيره، ذكَرَ أنهُ يقال: أَدْرَكَ الشيءُ إِذا فَنِيَ، وإن صحّ فهو في التأويل: فَنِي علمهم في معرفة الآخرة.

(قلت): وهذا غير صحيحٍ ولا محفوظٍ عَنِ العرب، وما علمت أحدًا.

قال: أدركَ الشيءُ إذا فنيَ ولا يُعَرَّجُ على هذا القول، ولكن يقال: أَدركَتِ الثِّمارُ إِذا انتهى نضجها.

(قلت): وأَما ما روي عن ابن عباس أنه قرأَ (بلى أأَدْرَك عِلمهمْ في الآخرة) فإِنه ـ إن صَحَّ ـ اسْتِفهَاٌم بمعنى الرَّدِّ ومعناهُ ما أَدْرَكَ علمهم في الآخرة ونحو ذلك: روى شُعْبةُ عن أبي حمزة عن ابن عباسٍ في تفسيره.

ومنه قول الله جلّ وعَزَّ: {أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [الطور: 39] لفْظُهُ لفظُ الاستفهام ومعناه رَدٌّ وتكذيبٌ.

وقول الله سبحانه {لا تَخافُ دَرَكًا وَلا تَخْشى} [طه: 77] أي لا تخاف أن يدركك فرعون ولا تخشاه، ومن قرأ لا تخف فمعناه لا تخف أن يدركك ولا تخش الغرق، والدرَك اسم من الإدراك مثل اللحَق.

وقال الليث: المتداركُ من القوافي والحروف المتحركةِ: ما اتفقَ مُتحرِّكانِ بعدهما سَاكنٌ مِثلُ (فَعُو) وأَشباه ذلك، والعربُ تقول: غِلمانٌ مَدَاريكُ أَي بالغُونَ، جمعٌ مُدْركٍ.

قال أبو الحسن اللحياني: يقال: خَلْقٌ مَرَوْدَكٌ أَي حَسنٌ، وجاريةٌ مَرَوْدَكةٌ: حَسْنَاءُ.

(قلت): ومَرَوْدكٌ إن جُعلتِ الميمُ فيه أَصلِيّةً فهو بِناءٌ على (فَعَوْلكٍ) وإن كانت

الميمُ غير أَصلِيَّةٍ فإِني لا أَعرفُ له في كلام العرَبِ نظيرًا، وقد جاءَ مَرْدكٌ في الأسماءِ، ولا أَدْري أَعَرَبيٌّ هو أَمْ عَجَمِيٌّ.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


81-تهذيب اللغة (نفض)

نفض: أبو العبَّاس عن ابن الأعرابي: النَّفْضُ: التحريكُ.

والنَّفْضُ: تَبَصُّر الطّريق.

والنَّفْضُ: القراءة، ويقال: فلان

يَنفُض القرآنَ كلَّه ظاهرًا، أي: يقرؤه.

قال: والنَفَضَى: الحَرَكة.

ويقال: أخذتْه حُمَّى نافِضٍ، وحُمَّى بنافِض، وحمَّى نافِضٌ.

أبو عُبيد عن الأصمعيّ: إذا كانت الحمّى نافِضًا قيل: نفضَتْه فهو منفوض.

وقال ابن الأعرابيّ: النِّفْضُ خُرْء النَّحْل.

قال: والنُّفَاضُ: الجَدْبُ، ومنه قولُهم النُّفاض يُقطِّر الجَلَب.

يقول: إذا أجدَبُوا جَلَبوا الإبلَ قِطارًا قِطارًا.

والإنفاضُ: المجَاعةُ والحاجة.

ويقال: نفَضْنا حَلَائِبَنَا نَفْضًا، واستنفَضْناها استِنْفاضًا، وذلك إذا استقصَوْا عليها في حَلبها فلم يَدعُوا في ضُروعها شيئًا من اللَّبن، وقال ذو الرُّمّة:

كِلَا كَفْأَتَيْها تُنْفِضان ولم يَجِد *** له ثِيلَ سَقْب في النِّتاجَيْن لامِسُ

ويروى تُنْفَضان، ومعناه: تُسْتَبْرآن، مِن قولِك: نفضْتُ المكانَ: إذا نظرتَ إلى جميع ما فيه حتى تعرفَه.

وقال زهيرٌ يصف بقرةً فقدتْ ولدَها:

وتَنفُض عنها غَيْبَ كلِّ خَميلَةٍ *** وتَخشَى رُماةَ الغَوْث من كلِّ مَرْصَدِ

ومن رواه تَنْفَضان أو تُنْفِضان فمعناه: أَنّ كلّ واحدةً من الكَفْأَتين تُلقِي ما في بطونها من أجِنّتها فتوجَد إناثًا ليس فيها ذكر.

أراد أنها كلَّها مآنِيثُ تُنْتِج الإناثَ وليست بمَذاكيرَ تلدِ الذُّكْران.

واستِنْفاضُ البائِلِ ذكَرَه وانتِفاضه: استبراؤه ممّا فيه من بقيّة البَوْل.

وقال الليث: يقال: استنفَضَ ما عندَه، أي: استخرَجَه؛ وقال رُؤبة:

* صَرَّحَ مَدْحِي لك واستِنفاضِي *

ابن السكّيت قال: النَّفِيضة: الذين يَنفُضون الطَريق.

وقالت الجهنية فيه:

يَرِدُ المياهُ حَضيرةً ونَفِيضةً *** وِرْدَ القَطاةِ إذا اسمألَّ التُّبَّعُ

سَلَمة عن الفرّاء قال: حضِيرة الناس هي الجماعةُ.

قال: ونَفِيضتُهم هي الجماعة.

شَمِر عن ابن الأعرابيّ: حَضِيرَةٌ يَحضُرها الناس، ونَفِيضَةٌ ليس عليها أحد.

وقال الليث: النَّفَضةُ: قوم يُبعَثون يَنفُضون الأرضَ، هل بها عدوّ أَو خوف.

الحرّاني عن ابن السكّيت قال: النَّفْض: مصدرُ نَفضتَ الثوبَ نَفْضًا.

والنَّفَض: ما وَقَع من الشيء إذا نفضْتَه.

ونَفَضُ العِضاةِ: خَبْطُها، وما طاحَ من حَمْل الشجرة فهو نَفَض.

وقال الليث: النَّفَض: من قُضْبان الكَرْم بعد ما ينضُرُ الوَرَقُ وقبلَ أن يَتعلَّق حَوالِقُه وهو أغَضُّ ما يكون وأرخَصُه؛ وقد انتَفَض الكَرْمُ عند ذلك، والواحدةُ نَفْضَة جزم وتقول: أنفضَتْ جُلَّة التَّمْر: إذا أنفضت فيها من التمر.

والنَّفْض: أن تأخذَ بيَدِك شيئًا فتنفُضَه تزَعْزِعُه وتُتَرْتِرَه وتَنفض الترابَ عنه.

قال: ونَفَض الشجرة حين تَنتَفِضُ ثَمرتُها.

والنفَض: ما تَساقَط من غير نَفْض في أُصول الشَّجَر مِن أنواع الثمر.

قال: ونُفُوضُ الأَمْر: راشانُها، وهي فارسيَّة، إنما هي أَشرافُها.

أبو عُبَيد عن أبي عمرو: النِّفاض: إزَارٌ منْ أُزُر الصِّبْيان، وأنشد:

* جارِيةٌ بيضاءُ في نِفَاضِ *

قال شَمِر: قال ابن شُميل: إذا لُبس الثوبُ الأحمرُ أو الأصفرُ فذهب بعضُ لونِه قيل: قد نَفَضَ صِبْغُه نَفْضًا.

وقال ذو الرُّمَّة:

كسَاكَ الذي يَكْسُو المكَارِمَ حُلَّةً *** من المجد لا تَبلَى بَطيئًا نُفُوضُها

ثعلب عن ابن الأعرابي قال: النُّفَاضةُ: ضُوازَةُ السِّواك ونُفاثتُه.

وقال ابن شُميل: قومٌ نَفَضٌ، أي: نَفَضُوا زادَهم.

وأنفَضَ القومُ: إذا فَنِيَ زادُهم.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


82-تهذيب اللغة (أيان)

أيان: قال أبو إسحاق في قوله تعالى: {وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] أي: لا يعلمون متى البَعْث؟

وقال الفرّاء: قرأ أبو عَبد الرحمن السُّلمي «إيّان يُبْعثون» بكسر الألف، وهي لغة لسُلَيم.

قال: وقد سمعت العرب تقول: متى إوان ذاك؟ والكلام: أَوَان.

قلت: ولا يجوز أن تقول: أيان فعلت هذا؟ أي: متى فعلت؟

وقال تعالى: {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} [الذاريات: 12] لا يكون إلا استفهامًا عن الوقت الذي لم يَجِىء.

تهذيب اللغة-أبومنصور الأزهري-توفي: 370هـ/980م


83-معجم العين (طلع)

طلع: المطْلَعُ: الموضع الذي تَطْلُعُ عليه الشمس.

والمطلع: مصدر من طَلَعَ، ويُقْرأ مَطْلَعِ الْفَجْرِ وليس بقياس.

والطلعة: الرؤية.

ما أحْسَنَ طَلْعَتَهُ، أي: رؤيته.

ويقال: حيّا الله طلعتك.

وطَلَعَ علينا فلان يَطْلُعُ طُلوعًا إذا هجم.

وأطلع فلان رأسه: أظهره وأطّلع: أشرف على الشّيء، وأَطْلَعَ غيرَه إطلاعًا، ويُقْرَأُ، فَهَلْ أنْتُمْ

مُطْلِعون فأطّلع، أي: تطلعونني على قريني فأنظر إليه.

والاسم: الطِّلْعُ.

تقول: أطْلَعني طِلْعَ هذا الأمر حتّى علمته كلّه.

وطالعت فلانًا: أتيته ونظرت ما عنده.

والطليعة: قوم يبعثون ليطّلعوا طِلْعَ العدو.

ويقال للواحد: طليعة.

والطلائع: الجماعات في السّريّة، يُوَجَّهون ليطالعوا العدوّ ويأتون بالخبز.

والطلاع: ما طلعت عليه الشّمس.

وطلاع الأرض: مِلْءُ الأرض.

وفي الحديث: لو كان لي طِلاعُ الأرض ذهبًا لافتديت به من هول المطَّلَع.

والطلاع: الاطّلاع نفسه في قول حُمَيْد:

وكان طِلاعًا من خَصَاصٍ ورِقْبَةً *** بأعين أعداء، وطَرْفًا مُقَسَّما

أي: ينظر مرة هاهنا ومرة هاهنا.

وتقول: إنّ نفسك لَطُلَعَةٌ إلى هذا الأمر، أي: تَتطلّع إليه، أي: تنازع إليه.

وامرأةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ: تنظر ساعة وتتنحَّى أُخرى.

والطلع: طَلْعُ النَّخلة، الواحدة: طَلْعَة ما دامت في جوفها الكافورة.

وأَطْلَعَتِ النخلة، أي: أخرجت طَلْعَة.

وطلع الزّرع: بدا.

واستطلعت رأيه، أي: نظرت ما هو.

وقوس طِلاع: إذا كان عَجْسُها يملأ الكفّ قال:

كَتُومٌ طِلاعُ الكفّ لا دون ملئها *** ولا عَجْسُها عن موضع الكفّ أفضلا

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


84-معجم العين (نفض)

نفض: النَّفَضُ: ما تساقَطَ من غير نَفضٍ في أُصول الشَّجَر من أنواع الثَّمَر.

ونُفُوضُ الأرضِ: راشانُها، بمعنى التُّراب، وهي فارسية، إِنَّما هي أشرافها، وقيل: تُفُوض الأرض التُّرابُ يُلقَى على شَطِّ النَّهْرِ من النَّهْر.

والنُّفاضةُ: ما انتَفَضَ من التَّمْر.

والنَّفَضَةُ: قومٌ يُبْعَثونَ إلى عَدُوِّهم ينفُضُونَ الارضَ مُتَجّسسين لينظروا هل فيها عدوّ أو خوف.

واستَنْفَضَ القومُ: بعثوا النفضة.

وفلان نَفيضةٌ اذا كانَ ينفُضُ الطريقَ وحدَه، قال الفرزدق:

تَرِد المِياهَ حَضيرةً ونَفيضةً *** وِرْدَ القَطاةِ اذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ

وقال آخر:

أقْبَلَتْ تنفض الخَلاءَ برجليها *** وتَمشي تَخَلُّجَ المَجْنونِ

والحَضيرةُ: الجماعةُ من القوم، والنَّفيضةُ الواحدة.

والنّافِضُ: الحُمَّى ورِعْدَتُها ونَفَضانُها، ونَفَضَتِ الحُمَّى، وأخَذَتْه الحُمَّى بنافِضٍ وصالبٍ.

والإنفاضُ: ذَهاب الزّادِ، وأنْفَضَ القَومُ.

وأنْفَضَت جُلّةُ التَّمْر اذا نَفَضْتَ ما فيها من التَّمْر.

والنَّفَضُ من قضبانِ الكرم بعد ما ينْضُر الوَرَق وقبلَ أن يَتَعَلَّقَ حَوالقُه وهو أَغَضُّ ما يكون وأرخَصُه، وقد انتفَضَ الكَرْمُ عند ذلك، والواحدة نفضة.

والنَّفْضُ: ما ماتَ من النَّحْل في المُعَسَّل.

والنَّفَضُ: ما كانَ من الأرَضَين ليس بمعمور.

ونَفَضَ الثَّوبُ: ذَهَبَ صِبْغُه.

وتَنَفَّض الرجلُ: قَضَى حاجتَه.

والنِّفاض: إِزارٌ من أزُرُ الصِّبيان، قال:

جاريةٌ بيضاءُ في نِفاضِ

(ويقال: استَنْفَضَ ما عنده أي استَخرَجَه، وقال رؤبة:

صَرّح مَدْحي لك واستِنفاضي)

العين-الخليل بن أحمد الفراهيدي-توفي: 170هـ/940م


انتهت النتائج

أشعار

الزاد

تزوّدْ في الحياةِ بخيرِ زادٍ *** يُعينُكَ في المماتِ وفي النُّشورِ

صلاةٍ أو صيامٍ أو زكاةٍ *** ولا تركنْ إلى دارِ الغرورِ

تزوّدْ بالصلاحِ وكنْ رفيقًا *** لأهلِ البرّ لا أهْلِ الفجورِ

فهذي الدارُ تُهلكُ طالبيها *** وإنْ سهُلتْ ستأتي بالوُعورِ

ألستْ ترى الحياةَ تروقُ يومًا *** فتبدو في المحاجرِ كالزهورِ

وترجعُ بعد ذلكَ مثلَ قيحٍ *** بما تلقاهُ فيها من أمورِ

فتجعلُ من فتيّ اليومِ كهلًا *** على مَرِّ الليالي والشهورِ

تفكّرْ في الذين خلَوْا قديمًا *** وعاشُوا في الجنانِ وفي القصورِ

فقدْ ماتوا كما الفقراءُ ماتوا *** ودُسوا في الترابِ وفي القبورِ

فلا تسلكْ طريقًا فيه بغْيٌ *** طريقُ البغْيِ يأتي بالشرورِ

ولا تحملْ من الأحقادِ شيئًا *** يكونُ كما الجِبالُ على الصدورِ

وَوَدَّ الناسَ أجمعَهمْ فترقى*** إلى العَلْيا وتنعمَ بالسرورِ

ولا تيأسْ من الغفرانِ يومًا *** إذا ما أُبْتَ للهِ الغفورِ

شعر: حمادة عبيد

1995م

حمادة عبيد أحمد إبراهيم

00966501251072

almougem@gmail.com